ربع المهلكات
كتاب ذم الغضب والحقد والحسد
পৃষ্ঠা - ৯১০
كتاب ذم الغضب والحقد والحسد
وهو الكتاب الخامس من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له يتكل على عفوه ورحمته إلا الراجون ولا يحذر سوء غضبه وسطوته إلا الخائفون الذي استدرج عباده من حديث لا يعلمون وسلط عليهم الشهوات وأمرهم بترك ما يشتهون وابتلاهم بالغضب وكلفهم كظم الغيظ فيما يغضبون ثم حفهم بالمكاره واللذات وأملى لهم لينظر كيف يعملون وامتحن بهم حبهم ليعلم صدقهم فيما يدعون وعرفهم أنه لا يخفى عليه شيء مما يسرون وما يعلنون وحذرهم أن يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون فقال {ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} والصلاة والسلام على محمد رسوله الذي يسير تحت لوائه النبيون وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين والسادة المرضيين صلاة يوازي عددها عدد ما كان من خلق الله وما سيكون ويحظى ببركتها الأولون والآخرون وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن الْغَضَبَ شُعْلَةُ نَارٍ اقْتُبِسَتْ مِنْ نَارِ اللَّهِ الموقدة التي تطلع على الْأَفْئِدَةَ وَإِنَّهَا لَمُسْتَكِنَّةٌ فِي طَيِّ الْفُؤَادِ اسْتِكْنَانَ الجمر تحت الرماد ويستخرجه الْكِبْرُ الدَّفِينُ فِي قَلْبِ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ كَاسْتِخْرَاجِ الْحَجَرِ النَّارَ مِنَ الْحَدِيدِ وَقَدِ انْكَشَفَ لِلنَّاظِرِينَ بِنُورِ الْيَقِينِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْزِعُ مِنْهُ عِرْقٌ إِلَى الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ فَمَنِ اسْتَفَزَّتْهُ نَارُ الْغَضَبِ فَقَدْ قَوِيَتْ فِيهِ قَرَابَةُ الشَّيْطَانِ حَيْثُ قَالَ {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فَإِنَّ شَأْنَ الطِّينِ السُّكُونُ وَالْوَقَارُ وَشَأْنَ النَّارِ التَّلَظِّي وَالِاسْتِعَارُ وَالْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ وَمِنْ نَتَائِجِ الْغَضَبِ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَبِهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَفَسَدَ مَنْ فَسَدَ وَمُفِيضُهُمَا مُضْغَةٌ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ معها سائر الْجَسَدُ وَإِذَا كَانَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالْغَضَبُ مِمَّا يَسُوقُ الْعَبْدَ إِلَى مُوَاطِنِ الْعَطَبِ فَمَا أَحْوَجَهُ إلى معرفة معاطبه ومساويه لِيَحْذَرَ ذَلِكَ وَيَتَّقِيَهُ وَيُمِيطَهُ عَنِ الْقَلْبِ إِنْ كان وينفيه ويعالجه إن رسخ في قلبه ويداويه فإن من لا يعرف الشر يقع فيه ومن عرفه فالمعرفة لا تكفيه ما لم يعرف الطريق الذي به يدفع الشر ويقصيه
ونحن نذكر ذم الغضب وآفات الحقد والحسد في هذا الكتاب ويجمعها
بيان ذم الغضب
ثم بيان حقيقة الغضب ثم بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا ثم بيان الأسباب المهيجة للغضب ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه ثم بيان فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم ثم بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام ثم القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق ثم القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته ثم بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذي به ينفى مرض الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب وبالله التوفيق بَيَانُ ذَمِّ الْغَضَبِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى}
পৃষ্ঠা - ৯১১
{المؤمنين} الْآيَةَ ذَمَّ الْكُفَّارَ بِمَا تَظَاهَرُوا بِهِ مِنَ الْحَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنِ الْغَضَبِ بِالْبَاطِلِ وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بما أنزل الله عليهم من السكينة وروى أبو هريرة أَنْ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ وَأَقْلِلْ قَالَ لَا تَغْضَبْ ثُمَّ أَعَادَ عليه فقال لا تغضب (¬1)
وقال ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولاً وأقلله لعلي أعقله فقال لا تغضب فأعدت عليه مرتين كل ذلك يرجع إلى لا تغضب (¬2)
وعن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينقذني من غضب الله قال لا تغضب (¬3)
وقال ابن مسعود قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قُلْنَا الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنِ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغضب (¬4)
وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (¬5)
وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم من كف غضبه ستر الله عورته (¬6)
وقال سليمان ابن داود عليهما السلام يا بني إياك وكثرة الغضب فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم وعن عكرمة في قوله تعالى {وسيداً وحصوراً} قال السيد الذي لا يغلبه الغضب وقال أبو الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب (¬7)
وقال يحيى لعيسى عليهما السلام لا تغضب قال لا أستطيع أن لا أغضب إنما أنا بشر قال لا تقتن مالاً قال هذا عسى
وقال صلى الله عليه وسلم الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل (¬8)
وقال صلى الله عليه وسلم ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم (¬9)
وقال له رجل أي شيء أشد على الله قال {غضب الله} قال فما يبعدني عن غضب الله قال لا تغضب (¬10)
الآثار قال الحسن يا ابن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب وثبة فتقع في النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكاً من الملائكة فقال علمني علماً أزداد به إيماناً ويقيناً قال لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظك وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد ولا تكن جباراً عنيداً وعن وهب بن منبه إن راهباً كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال له افتح فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه فقال إني أنا المسيح قال الراهب وإن كنت المسيح فما أصنع بك أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره لم نقبله منك فقال إني الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع فجئتك لتسألني
¬_________
(¬1) حديث أبي هريرة أَنْ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ وَأَقْلِلْ قَالَ لَا تَغْضَبْ ثُمَّ أَعَادَ عليه فقال لا تغضب رواه البخاري
(¬2) حديث ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولاً وأقلل الحديث أخرج نحوه أبو يعلى بإسناد حسن
(¬3) حديث عبد الله بن عمرو سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن وهو عند أحمد وأن عبد الله بن عمرو هو السائل
(¬4) حديث ابن مسعود ما تعدون الصرعة الحديث رواه مسلم
(¬5) حديث أبي هريرة ليس الشديد بالصرعة الحديث متفق عليه
(¬6) حديث ابن عمر من كف غضبه ستر الله عورته أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو وذم الغضب وفي الصمت وتقدم في آفات اللسان
(¬7) حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن
(¬8) حديث الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب ومن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند ضعيف
(¬9) حديث ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم أخرجه البزار وابن عدي من حديث ابن عباس للنار باب لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله وإسناده ضعيف وتقدم في آفات اللسان
(¬10) حديث قال رجل أي شيء أشد على قال {غضب الله} قال فما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بالشطر الأخير منه وقد تقدم قبله بست أحاديث
পৃষ্ঠা - ৯১২
عما شئت فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبراً فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة
وقال خيثمة الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ رَأْسُ الْحُمْقِ الْحِدَّةُ وَقَائِدُهُ الْغَضَبُ وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنِ الْحِلْمِ وَالْحِلْمُ زَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ وَالْجَهْلُ شَيْنٌ وَمَضَرَّةٌ وَالسُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْأَحْمَقِ جوابه وقال مجاهد قال إبليس ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم ما أملك فلاناً لنفسه قال إذاً لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه الغضب وقال بعضهم إياك والغضب فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل اتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه إذا لم يغضب وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فأحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطاً
وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زماناً طويلاً ثم قال أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً وقال بعضهم لابنه يا بني لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضباً أعقلهم فإن كان للدنيا كان دهاء ومكراً وإن كان للآخرة كان حلماً وعلماً فقد قيل الغضب عدو العقل والغضب غول العقل
وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى والغضب وقال بعضهم من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وَقَالَ الحسن مِنْ عَلَامَاتِ الْمُسْلِمِ قُوَّةٌ فِي دِينٍ وَحَزْمٌ فِي لِينٍ وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ وَإِعْطَاءٌ فِي حَقٍّ وَقَصْدٌ فِي غِنًى وَتَجَمُّلٌ فِي فَاقَةٍ وَإِحْسَانٌ فِي قُدْرَةٍ وَتَحَمُّلٌ فِي رَفَاقَةٍ وَصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ وَلَا تَجْمَحُ بِهِ الْحَمِيَّةُ وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَةٌ وَلَا تَفْضَحُهُ بِطْنَةٌ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ وَلَا تَقْصُرُ بِهِ نِيَّتُهُ فَيَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ وَلَا يَبْخَلُ وَلَا يُبَذِّرُ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يُقَتِّرُ يَغْفِرُ إِذَا ظُلِمَ وَيَعْفُو عَنِ الْجَاهِلِ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ
وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة
فقال اترك الغضب
وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون معي في درجتي ويكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا أوفي به فلما مات كان في منزلته بعده وهو ذو الكفل سمي به لأنه تكفل بالغضب ووفى به
وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع
بيان حقيقة الغضب
اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضاً للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه
أما السبب الداخلي فهو أنه ركبه من الحرارة والرطوبة وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى تصير أجزاؤها بخاراً يتصاعد منها فلو لم يصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في
পৃষ্ঠা - ৯১৩
الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون ذلك حافظاً له من الهلاك بهذا السبب
وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه فتدفع المهلكات عنه فخلق الله طبيعة الغضب من النار وغرزها في الإنسان وعجنها بطينته فمهما صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثوراناً يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يَغْلِي فِي الْقِدْرِ فَلِذَلِكَ يَنْصَبُّ إِلَى الْوَجْهِ فَيَحْمَرُّ الْوَجْهُ وَالْعَيْنُ وَالْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ كَمَا تَحْكِي الزجاجة لون ما فيها وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن صدر الغضب على من فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزناً ولذلك يصفر اللون وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب
وبالجملة فقوة الْغَضَبِ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَمَعْنَاهَا غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ بطلب الانتقام وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ولا تسكن إلا به ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْقُوَّةِ عَلَى درجات ثلاث في أول الفطرة من التفريط والإفراط والاعتدال
أما التفريط فبفقد هَذِهِ الْقُوَّةِ أَوْ ضَعْفُهَا وَذَلِكَ مَذْمُومٌ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ لَا حَمِيَّةَ لَهُ ولذلك قال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشِّدَّةِ وَالْحَمِيَّةِ فَقَالَ {أَشِدَّاءُ على الكفار رحماء بينهم} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} الآية وَإِنَّمَا الْغِلْظَةُ وَالشِّدَّةُ مِنْ آثَارِ قُوَّةِ الْحَمِيَّةِ وَهُوَ الْغَضَبُ
وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فَهُوَ أَنْ تَغْلِبَ هَذِهِ الصِّفَةُ حَتَّى تَخْرُجَ عَنْ سِيَاسَةِ الْعَقْلِ والدين وطاعته ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وَفِكْرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ بَلْ يَصِيرُ فِي صُورَةِ المضطر
وسبب غلبته أمور غريزية وأمور اعتيادية فرب إنسان هو بالفطرة مستعد لسرعة الغضب حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب لأن الغضب من النار (¬1)
كما قال صلى الله عليه وسلم وإنما برودة المزاج تطفئه وتكسر سورته
وأما الأسباب الاعتيادية فهو أن يخالط قوماً يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيقول الواحد منهم أنا الذي لا أصبر على المكر والمحال ولا أحتمل من أحد أمرا ومعناه لا عقل في ولا حلم ثم يذكره في معرض الفخر بجهله فمن سمعه رسخ في نفسه حسن الغضب وحب التشبه بالقوم فيقوى به الغضب ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل زاده ذلك غضباً وإذا استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر إذ ينطفيء نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان مظلم إلى الدماغ يستولي على معادن الفكر وربما يتعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال كهف اضطرمت فيه نار فاسود جوه وحمى مستقره وامتلأ بالدخان جوانيه وكان فيه سراج ضعيف فانمحى أو انطفأ نوره فلا تثبت فيه قدم ولا يسمع فيه كلام ولا ترى فيه صورة ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج بل ينبغي
¬_________
(¬1) حديث الغضب من النار أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بسند ضعيف الغضب جمرة في قلب ابن آدم ولأبي داود من حديث عطية السعدي إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار
পৃষ্ঠা - ৯১৪
أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظاً كما تقوى النار في الكهف فينشق وتنهد أعاليه على أسفله وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب عند الغضب وبالحقيقة فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسن حالاً وأرجى سلامة من النفس المضطربة غيظاً إذ في السفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وينظر لها ويسوسها وأما القلب فهو صاحب السفينة وقد سقطت حيلته إذا أعماه الغضب وأصمه وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْغَضَبِ فِي الظَّاهِرِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَشِدَّةُ الرِّعْدَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَنِ التَّرْتِيبِ وَالنِّظَامِ وَاضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَظْهَرَ الزَّبَدُ عَلَى الْأَشْدَاقِ وَتَحْمَرَّ الْأَحْدَاقُ وَتَنْقَلِبَ الْمَنَاخِرُ وَتَسْتَحِيلَ الْخِلْقَةُ وَلَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ فِي حالة غَضَبِهِ قُبْحَ صُورَتِهِ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ وَقُبْحُ بَاطِنِهِ أَعْظَمُ مَنْ قُبْحِ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا قَبُحَتْ صُورَةُ الْبَاطِنِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَشَرَ قُبْحُهَا إِلَى الظَّاهِرِ ثَانِيًا فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تغير الباطن فقس الثمرة بالمثمرة فَهَذَا أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَسْتَحِي مِنْهُ ذُو الْعَقْلِ وَيَسْتَحِي مِنْهُ قَائِلُهُ عِنْدَ فُتُورِ الْغَضَبِ وَذَلِكَ مَعَ تَخَبُّطِ النَّظْمِ واضطراب اللفظ
أما أَثَرُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالضَّرْبُ وَالتَّهَجُّمُ وَالتَّمْزِيقُ وَالْقَتْلُ والجرح عند التمكن من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فمزق ثَوْبَ نَفْسِهِ وَيَلْطُمُ نَفْسَهُ وَقَدْ يَضْرِبُ بِيَدِهِ على الأرض ويعدو عدو الواله السكران والمدهوش المتحير وربما يسقط سريعاً لا يطيق العدو والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتر به مثل الغشية وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلاً على الأرض وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجمادات ويخاطبها ويقول إلى متى منك هذا يا كيت وكيت كأنه يخاطب عاقلاً حتى ربما رفسته دابة فيرفس الدابة ويقابلها بذلك
وأما أثرة في القلب مع المغضوب عليه فَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَإِضْمَارُ السُّوءِ وَالشَّمَاتَةُ بِالْمَسَاءَاتِ وَالْحُزْنُ بِالسُّرُورِ وَالْعَزْمُ عَلَى إِفْشَاءِ السِّرِّ وَهَتْكِ السِّتْرِ وَالِاسْتِهْزَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ فَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْغَضَبِ الْمُفْرِطِ
وَأَمَّا ثَمَرَةُ الْحَمِيَّةِ الضَّعِيفَةِ فَقِلَّةُ الْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْحُرُمِ والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة وَهُوَ أَيْضًا مَذْمُومٌ إِذْ مِنْ ثَمَرَاتِهِ عَدَمُ الغيرة على الحرام وهو خنوثة قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سعدا لغيور وأنا أغير من سعد وأن الله أَغْيَرُ مِنِّي (¬1)
وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الْغَيْرَةَ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَوْ تَسَامَحَ النَّاسُ بِذَلِكَ لَاخْتَلَطَتِ الْأَنْسَابُ وَلِذَلِكَ قِيلَ كُلُّ أُمَّةٍ وُضِعَتِ الْغَيْرَةُ فِي رِجَالِهَا وُضِعَتِ الصِّيَانَةُ فِي نِسَائِهَا وَمِنْ ضَعْفِ الْغَضَبِ الْخَوَرُ وَالسُّكُوتُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم خير أمتي أحداؤها (¬2)
يعني في الدين وقال تَعَالَى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة فَفَقْدُ الْغَضَبِ مَذْمُومٌ وَإِنَّمَا الْمَحْمُودُ غَضَبٌ يَنْتَظِرُ إِشَارَةَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَيَنْبَعِثُ حَيْثُ تَجِبُ الْحَمِيَّةُ وينطفيء حَيْثُ يَحْسُنُ الْحِلْمُ وَحِفْظُهُ عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَهُوَ الْوَسَطُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم
¬_________
(¬1) حديث إن سعدا لغيور الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه من حديث المغيرة بنحوه وتقدم في النكاح
(¬2) حديث خير أمتي أحداؤها أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث علي بسند ضعيف وزاد الذين إذا غضبوا رجعوا
পৃষ্ঠা - ৯১৫
حيث قال خير الأمور أوساطها (¬1)
فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط المستقيم وهو أرق من الشعرة وأحد من السيف فأن عجز عنه فليطلب القرب منه قال تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله ولكن بعض الشر أهون من بعض وبعض الخير أرفع من بعض فهذه حقيقة الغضب ودرجاته نسأله الله حسن التوفيق لما يرضيه إنه على ما يشاء قدير
بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا
اعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه وإياه تقصد وظن آخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما نذكره وهو أنه ما بقي الْإِنْسَانُ يُحِبُّ شَيْئًا وَيَكْرَهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو من الغيظ والغضب وما دام يوافقه شيء ويخالفه آخر فلا بد من أن يحب ما يوافقه ويكره ما يخالفه
والغضب يتبع ذلك فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا قصد بمكروه غضب لا محالة
إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام
الأول ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن قصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنه أو أريق ماؤه الذي لعطشه فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها
القسم الثاني ما ليس ضرورياً لأحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وإن كان مستغنياً عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ يجوز أن يكون بصيراً بأمر الدنيا فيزهد في الزيادة على الحاجة فلا يغضب بأخذها فإنه لا يحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها وأكثر غضب الناس على ما هو غير ضروري كالجاه والصيت والتصدر في المجالس والمباهاة في العلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا جلس غيره فوقه وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ومكارهه فأكثرت غضبه وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبة وأنقص لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرة كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في حاجاته وفي شهواته وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزم حتى ينتى بعض الجهال بالعادات الرديئة ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير وتناول الطعام الكثير وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس بضروري لأن حبه ليس بضروري
¬_________
(¬1) حديث خير الأمور أوسطها أخرجه البيهقي في الشعب مرسلا وقد تقدم
পৃষ্ঠা - ৯১৬
القسم الثالث ما يكون ضرورياً في حق بعض الناس دون البعض كالكتاب مثلاً في حق العالم لأنه مضطر إليه فيحبه فيغضب على من يحرقه ويغرقه وكذلك أدوات الصناعات في حق المكتسب الذي لا يمكنه التوصل إلى القوت إلا بها فإنما هو وسيلة إلى الضروري والمحبوب يصير ضرورياً ومحبوباً وهذا يختلف بالأشخاص وإنما الحب الضروري ما أشار إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه وله قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا (¬1)
ومن كان بصيراً بحقائق الأمور وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في غيرها فهذه ثلاثة أقسام فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها
أما القسم الأول فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا عَلَى حَدٍّ يَسْتَحِبُّهُ الشَّرْعُ وَيَسْتَحْسِنُهُ الْعَقْلُ وَذَلِكَ ممكن بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَكَلُّفِ الْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ مُدَّةً حَتَّى يَصِيرَ الحلم والاحتمال خلقاً راسخاً فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع وهو غير ممكن نعم يمكن كسر سَوْرَتِهِ وَتَضْعِيفِهِ حَتَّى لَا يَشْتَدَّ هَيَجَانُ الْغَيْظِ فِي الْبَاطِنِ وَيَنْتَهِيَ ضَعْفُهُ إِلَى أَنْ لَا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جداً وهذا حكم القسم الثالث أيضاً لأن ما صار ضرورياً في حق شخص فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه فالرياضة فيه تمنع العمل به وتضعف هيجانه في الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه
وأما القسم الثاني فيمكن التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب عليه إذ يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر مستقره الآخرة وأن الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك عليه وبال في وطنه ومستقره فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب فالرياضة في هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب وهو نادر جداً وقد تنتهي إلى المنع من استعمال الغضب والعمل بموجبه وهو أهون
فإن قلت الضروري من القسم الأول التألم بفوات المحتاج إليه دون الغضب فمن له شاة مثلاً وهي قوته فماتت لا يغضب على أحد وإن كان يحصل فيه كراهة وليس من ضرورة كل كراهة غضب فإن الإنسان يتألم بالفصد والحجامة ولا يغضب على الفصاد والحجام فمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يراهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع ملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم فلا يغضب على من يذبح شاته التي هي قوته كما لا يغضب على موتها إذ يرى الذبح والموت من الله عز وجل فيندفع الغضب بغلبة التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن بالله وهو أن يرى أن الكل من الله تعالى وإن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخيرة وربما تكون الخيرة في مرضه وجوعه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد والحجام لأنه يرى أن الخيرة فيه فيقول هذا على هذا الوجه غير محال ولكن غلبة التوحيد إلى هذا الحد إنما تكون كالبرق الخاطف تغلب في أحوال مختلفة ولا تدوم ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعاً طبيعياً لا يندفع عنه ولو تصور ذلك على الدوام لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يغضب حتى تحمر وجنتاه // حديث كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه أخرجه مسلم من حديث جابر كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه وللحاكم كان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم في أخلاق النبوة
حتى قال اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته
¬_________
(¬1) حديث من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون قوله بحذافيرها قال الترمذي حسن
পৃষ্ঠা - ৯১৭
أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة (¬1)
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبياً ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه (¬2)
فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير (¬3)
ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال علي رضي الله تعالى عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له (¬4)
فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري إذا كان القلب مشغولاً بضروري أهم منه فَلَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ مُتَّسَعٌ لِلْغَضَبِ لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ اسْتِغْرَاقَ الْقَلْبِ بِبَعْضِ الْمُهِمَّاتِ يَمْنَعُ الإحساس بما عداه
وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفاً إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولاً بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة قدره
وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان مشغولاً بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكراً على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر الله لك
فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذاً اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذاً يتصور فقد الغيظ إما باشتغال القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْهُ أَنْ لَا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر
¬_________
(¬1) حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته
(¬2) حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه أخرجه أبو داود بنحوه
(¬3) حديث غضبت عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة
(¬4) حديث علي كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم
পৃষ্ঠা - ৯১৮
أسباب الغضب وما لا يمكن محوه يمكن كسره وتضعيفه فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه أنه على كل شيء قدير والحمد لله وحده
بَيَانُ الْأَسْبَابِ الْمُهَيِّجَةِ لِلْغَضَبِ
قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ علاج كل علة حسم مَادَّتِهَا وَإِزَالَةِ أَسْبَابِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أسباب الغضب وقد قال يحيى لعيسى عليهما السلام أي شيء أشد قال غضب الله قال فما يقرب من غضب الله قال أن تغضب قال فما بيدي الغضب وما ينبته قال عيسى الكبر والفخر والتعزز والحمية
والأسباب المهيجة للغضب هِيَ الزَّهْوُ وَالْعُجْبُ وَالْمِزَاحُ وَالْهَزْلُ وَالْهُزْءُ وَالتَّعْيِيرُ والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول الْمَالِ وَالْجَاهِ وَهِيَ بِأَجْمَعِهَا أَخْلَاقٌ رَدِيئَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا وَلَا خَلَاصَ مِنَ الْغَضَبِ مَعَ بَقَاءِ هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بِأَضْدَادِهَا
فَيَنْبَغِي أَنْ تُمِيتَ الزَّهْوَ بِالتَّوَاضُعِ وَتُمِيتَ العجب بمعرفتك بنفسك كما سيأتي بيانه في كتاب الكبر والعجب وتزيل الفخر بأنك من جنس عبدك إِذِ النَّاسُ يَجْمَعُهُمْ فِي الِانْتِسَابِ أَبٌ وَاحِدٌ وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتاً فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث البنية والنسب والأعضاء الظاهرة والباطنة وَأَمَّا الْمِزَاحُ فَتُزِيلُهُ بِالتَّشَاغُلِ بِالْمُهِمَّاتِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تستوعب العمر وتفضل عنه إذا عرفت ذلك وَأَمَّا الْهَزْلُ فَتُزِيلُهُ بِالْجِدِّ فِي طَلَبِ الْفَضَائِلِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تُبْلِغُكَ إِلَى سعادة الآخرة وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إِيذَاءِ النَّاسِ وَبِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ أَنْ يُسْتَهْزَأَ بك وأما التعيير فالحذر عَنِ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ مُرِّ الجواب وأما شدة الحرص على مزايا العيش فتزال بالقناعة بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِعِزِّ الِاسْتِغْنَاءِ وَتَرَفُّعًا عَنْ ذُلِّ الْحَاجَةِ
وَكُلُّ خُلُقٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ وَصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ يَفْتَقِرُ فِي عِلَاجِهِ إلى رياضة وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إِلَى مَعْرِفَةِ غَوَائِلِهَا لِتَرْغَبَ النَّفْسُ عَنْهَا وَتَنْفِرَ عن قبحها ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة عَلَى النَّفْسِ فَإِذَا انْمَحَتْ عَنِ النَّفْسِ فَقَدْ زَكَتْ وَتَطَهَّرَتْ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ وَتَخَلَّصَتْ أَيْضًا عن الغضب الذي يتولد منها
ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكبر همة وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلاً حتى تميل النفس إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضباً من الصحيح والمرأة أسرع غضباً من الرجل والصبي أسرع غضباً من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضباً من الكهل وذو الخلق السيء والرذائل القبيحة أسرع غضباً من صاحب الفضائل
فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى أنه يغضب على أهله وولده وأصحابه
بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (¬1) بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلي عليه
¬_________
(¬1) حديث ليس الشديد بالصرعة تقدم قبله
পৃষ্ঠা - ৯১৯
حِكَايَاتُ أَهْلِ الْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَمَا اسْتُحْسِنَ مِنْهُمْ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنِ الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء وأكابر الملوك الفضلاء وضد ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة والأغبياء الذين لا عقول لهم ولا فضل فيهم
بيان علاج الغضب بعد هيجانه
ما ذكرناه هو حسم لمواد الغضب وقطع لأسبابه حَتَّى لَا يَهِيجَ فَإِذَا جَرَى سَبَبٌ هَيَّجَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ التَّثَبُّتُ حَتَّى لَا يَضْطَرَّ صَاحِبُهُ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ وَإِنَّمَا يُعَالَجُ الْغَضَبُ عِنْدَ هَيَجَانِهِ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ
أما العلم فهو ستة أمور
الأول أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ فيرغب في ثوابه فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام وينطفيء عنه غيظه قال مالك بن أوس ابن الحدثان غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فكان عمر يقول {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فكان يتأمل في الآية وكان وقافاً عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل
وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى {والكاظمين الغيظ} فقال لغلامه خل عنه
الثاني أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفاً إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جاء قال لولا القصاص لأوجعتك (¬1)
أي القصاص في القيامة وقيل ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة فكان يقرؤها حتى يسكن غضبه
الثَّالِثُ أَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الْعَدَاوَةِ وَالِانْتِقَامِ وَتَشَمُّرَ الْعَدُوِّ لِمُقَابَلَتِهِ وَالسَّعْيِ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الْمَصَائِبِ فَيُخَوِّفُ نَفْسَهُ بِعَوَاقِبِ الْغَضَبِ فِي الدُّنْيَا إِنْ كان لا يخاف من الآخرة وهذا يرجع إلى تسليط شهوة على غضب وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه لأنه متردد على حظوظه العاجلة يقدم بعضها على بعض إلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثاباً عليه
الرَّابِعُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِأَنْ يَتَذَكَّرَ صُورَةَ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَيَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ الْغَضَبِ فِي نَفْسِهِ وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي وَالسَّبُعِ الْعَادِي وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ الْهَادِي التَّارِكِ لِلْغَضَبِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَيُخَيِّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَرَاذِلِ النَّاسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي عَادَتِهِمْ لِتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَى حُبِّ الِاقْتِدَاءِ بِهَؤُلَاءِ إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مَعَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ
الْخَامِسُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَى الِانْتِقَامِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ كظم الغيظ ولا بد وأن يكون له سبب مِثْلَ قَوْلِ الشَّيْطَانِ لَهُ إِنَّ هَذَا يُحْمَلُ منك على العجز وصغر النفس والذلة والمهانة وَتَصِيرُ حَقِيرًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَيَقُولُ لِنَفْسِهِ مَا أَعْجَبَكِ تَأْنَفِينَ مِنَ الِاحْتِمَالِ الْآنَ وَلَا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم
¬_________
(¬1) حديث لولا القصاص لأوجعتك أخرجه أبو يعلى من حديث أم سلمة بسند ضعيف
পৃষ্ঠা - ৯২০
منك وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس وَلَا تَحْذَرِينَ مِنْ أَنْ تَصْغُرِي عِنْدَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ فَمَهْمَا كَظَمَ الْغَيْظَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْظِمَهُ لِلَّهِ وَذَلِكَ يُعَظِّمُهُ عِنْدَ اللَّهِ فَمَا له وللناس وذل من ظلمه يوم القيامة أشد من ذله لو انتقم الآن أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يكرره على قلبه
السادس أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا على وفق مراده فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشيطان الرجيم هكذا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يقال عند الغيظ (¬1) حديث كان إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي الحديث أخرجه ابن السني في اليوم والليلة من حديثها وتقدم في الأذكار والدعوات
فيستحب أن تقول ذلك فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائماً واضجع إن كنت جالساً واقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك واطلب بالجلوس والاضجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الغضب جمرة توقد في القلب (¬2)
ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمره عينيه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئاً فإن كان قائماً فليجلس وإن كان جالساً فلينم فإن لم يزل ذلك فليتوضاً بالماء البارد أو يغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء فإنما الغضب من النار (¬3)
وفي رواية إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقال ابن عباس قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا غضبت فاسكت (¬4)
وقال أبو هريرة كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه (¬5)
وقال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم (¬6)
ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض وكأن هذا إشارة إلى السجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع وهو التراب لتستشعر به النفس الذل وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب وروي أن عمر غضب يوماً فدعا بماء فاستنشق وقال إن الغضب من الشيطان وهذا يذهب الغضب وقال عروة
¬_________
(¬1) حديث الأمر بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الغيظ متفق عليه من حديث سليمان بن صرد قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه الحديث وفيه لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد فقالوا له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم الحديث
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن
(¬2) حديث إن الغضب جمرة توقد فيالقلب الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد دون قوله توقد في وقد تقدم ورواه بهذا اللفظ البيهقي في الشعب
(¬3) حديث إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء البارد الحديث أخرجه أبو داود من حديث عطية السعدي دون قوله بالماء البارد وهو بلفظ الرواية الثانية التي ذكرها المصنف وقد تقدم
(¬4) حديث ابن عباس إذا غضبت فاسكت أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ لهما والبيهقي في شعب الإيمان وفيه ليث بن أبي سليم
(¬5) حديث أبي هريرة كان إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه من لم يسم ولأحمد بإسناد جيد في أثناء حديث فيه وكان أبو ذر قائما فجلس ثم اضطجع فقيل له لم جلست ثم اضطجعت فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع والمرفوع عند أبي داود وفيه عنده انقطاع سقط منه أبو الأسود
(¬6) حديث أبي سعيد ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن
পৃষ্ঠা - ৯২১
ابن محمد لما استعملت على اليمن قال لي أبي أوليت قلت نعم قال فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما
وروي أن أبا ذر قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر بلغني أنك اليوم عيرت أخاك بأمه فقال نعم فانطلق أبو ذر ليرضي صاحبه فسبقه الرجل فسلم عليه فذكر ذلك لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن كنت قائماً فاقعد وإن كنت قاعدا فاتكيء وإن كنت متكئاً فاضطجع (¬1)
وقال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه فكتب صحائف وأعطى كل صحيفة رجلاً وقال للأول إذا غضبت فأعطني هذه وقال للثاني إذا سكن بعض غضبي فأعطني هذه وقال للثالث إذا ذهب غضبي فأعطني هذه فاشتد غضبه يوماً فأعطى الصحيفة الأولى فإذا فيها ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضاً فسكن بعض غضبه فأعطي الثانية فإذا فيها ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء فأعطي الثالثة فإذا فيها خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك أي لا تعطل الحدود وغضب المهدي على رجل فقال شبيب لا تغضب لله بأشد من غضبه لنفسه فقال خلوا سبيله فضيلة كظم الغيظ
قال الله تعالى {والكاظمين الغيظ} وذكر ذلك في معرض المدح وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَى رَبِّهِ قَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهُ وَمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ (¬2)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّكُمْ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَحْلَمُكُمْ مَنْ عَفَا عِنْدَ القدرة (¬3)
وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً (¬4)
وقال ابن عمر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما جرع عبد جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى (¬5)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم إن لجهنم بابا
¬_________
(¬1) حديث أبي ذر أنه قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر الحديث وفيه ثم قال إذا غضبت إلى آخره أخرجه ابن أبي الدنيا في العفو وذم الغضب بإسناد صحيح وفي الصحيحين من حديثه قال كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشاكني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ولأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ورجاله ثقات
(¬2) حديث من كف غضبه كفي الله عنه عذابه الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له من حديث أنس بإسناد ضعيف ولابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر من ملك غضبه وقاه الله عذابه الحديث وقد تقدم في آفات اللسان
(¬3) حديث أشدكم من ملك نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَحْلَمُكُمْ مَنْ عَفَا عِنْدَ القدرة أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث علي بسند ضعيف والبيهقي في الشعب بالشطر الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان مرسلا بإسناد جيد وللبزار والطبراني في مكارم الأخلاق واللفظ له من حديث أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب وفيه عمران القطان مختلف فيه
(¬4) حديث من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية أمنا وإيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا بالرواية الأولى من حديث ابن عمر وفيه سكين بن أبي سراج تكلم فيه ابن حبان وأبو داود بالرواية الثانية من حديث رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه ورواها ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وفيه من لم يسم
(¬5) حديث ابن عمر ما جرع رجل جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله أخرجه ابن ماجه
পৃষ্ঠা - ৯২২
لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية اللَّهُ تَعَالَى (¬1)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا (¬2)
وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق ويخيره من أي الحور شاء (¬3)
الآثار قال عمر رضي الله عنه من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون وقال لقمان لابنه يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك وقال أيوب حلم ساعة يدفع شراً كثيراً
واجتمع سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض فتذاكروا الزهد فأجمعوا على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع
وقال رجل لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ مَا تَقْضِي بِالْعَدْلِ وَلَا تُعْطِي الْجَزْلَ فَغَضِبَ عمر حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يا أمير المؤمنين ألا تسمع إلى الله تعالى يقول {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فهذا من الجاهلين فقال عمر صدقت فكأنما كانت ناراً فأطفئت وقال محمد بن كعب ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وجاء رجل إلى سلمان فقال يا عبد الله أوصني قال لا تغضب قال لا أقدر قال فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك
بيان فَضِيلَةُ الْحِلْمِ
اعْلَمْ أَنَّ الْحِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ كظم الغيظ لِأَنَّ كَظْمَ الْغَيْظِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحَلُّمِ أَيْ تَكَلُّفِ الْحِلْمِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَظْمِ الْغَيْظِ إِلَّا مِنْ هَاجَ غَيْظُهُ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَةٍ شَدِيدَةٍ وَلَكِنْ إِذَا تَعَوَّدَ ذَلِكَ مُدَّةً صار ذلك اعتياداً فَلَا يَهِيجُ الْغَيْظُ وَإِنْ هَاجَ فَلَا يَكُونُ فِي كَظْمِهِ تَعَبٌ وَهُوَ الْحِلْمُ الطَّبِيعِيُّ وَهُوَ دَلَالَةُ كَمَالِ الْعَقْلِ وَاسْتِيلَائِهِ وَانْكِسَارِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَخُضُوعِهَا لِلْعَقْلِ وَلَكِنِ ابْتِدَاؤُهُ الْتَّحَلُّمُ وَكَظْمُ الْغَيْظِ تكلفاً
قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه (¬4) وأشار بهذا إِلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْحِلْمِ طَرِيقُهُ التَّحَلُّمُ أَوَّلًا وَتَكَلُّفُهُ كَمَا أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِلْمِ طَرِيقُهُ التَّعَلُّمُ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة العلماء فيغلب جهلكم حلمكم (¬5)
وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذي يهيج الغضب ويمنع من الحلم واللين
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية (¬6)
وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم {ابتغوا}
¬_________
(¬1) حديث ابن عباس إن لجهنم باباً لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تقدم في آفات اللسان
(¬2) حديث ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس وفيه ضعف وبتلفق من حديث ابن عمر وحديث الصحابي الذي لم يسم وقد تقدما
(¬3) حديث من كظم غيضا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء تقدم في آفات اللسان
(¬4) حديث إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم الحديث أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف
(¬5) حديث أبي هريرة اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم الحديث أخرجه ابن السني في رياضة المتعلمين بسند ضعيف
(¬6) حديث كان من دعائه اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية لم أجد له أصلا
পৃষ্ঠা - ৯২৩
الرفعة عند الله قالوا وما هي يا رسول الله قال تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك (¬1)
وقال صلى الله عليه وسلم خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر (¬2) حديث علي إِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القائم الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف (¬3) حديث أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم الحديث رواه مسلم (¬4) حديث قال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئاً فهو صدقة عليه الحديث أخرجه أبو نعيم في الصحابة والبيهقي في الشعب من رواية عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه عن جده بإسناد لين زاد البيهقي عن علية بن زيد وعلية هو الذي قال ذلك كما في أثناء الحديث وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنه رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا من المسلمين ولم يسمه وقال أظنه أبا ضمضم قلت وليس بأبي ضمضم إنما هو علية بن زيد وأبو ضمضم ليس له صحبة وإنما هو متقدم (¬5) حديث أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم الحديث تقدم في آفات اللسان (¬6) حديث أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما أخرجه ابن المبارك في البر والصلة (¬7) حديث اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتعبون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم الحديث أخرجه أحمد من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف (¬8) حديث ليليني منكم أولو الأحلام والنهى الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود دون قوله ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فهي عند أبي داود والترمذي وحسنه وهي عند مسلم في حديث آخر لابن مسعود //
وروي أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم الأشج فأناخ راحلته ثم عقلها وطرح عنه ثوبين كانا عليه وأخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما وذلك بعين رسول الله
¬_________
(¬1) حديث ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما هي قال تصل من قطعك الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وقد تقدم
(¬2) حديث خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في المثاني والآحاد والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من رواية مليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح
وقال علي كرم الله وجهه قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وإنه ليكتب جباراً عنيداً ولا يملك إلا أهل بيته
(¬3) وقال أبو هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم قال إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك
(¬4) المل يعني به الرمل
وقال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئاً فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له
(¬5) وقال صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا وما أبو ضمضم قال رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني
(¬6) وقيل في قوله تعالى ربانيين أي حلماء علماء وَعَنْ الحسن فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قالوا سلاماً قَالَ حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا وقال عطاء بن أبي رباح يمشون على الأرض هوناً أي حلماء وقال ابن أبي حبيب في قوله عز وجل وكهلا قاله الكهل منتهى الحلم وقال مجاهد وإذا مروا باللغو مروا كراما أي إذا أوذوا صفحوا
وروي أن ابن مسعود مر بلغو معرضاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبح ابن مسعود وأمسى كريماً
(¬7) ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وهو الراوي قوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتبعون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم قلوبهم قلوب العجم وألسنتهم ألسنة العرب
(¬8) وقال صلى الله عليه وسلم ليليني منكم ذوو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق
পৃষ্ঠা - ৯২৪
صلى الله عليه وسلم يرى ما يصنع ثم أقبل يمشي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عليه السلام إن فيك يا أشج خلقين يحبهما الله ورسوله قال ما هما بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الحلم والأناة فقال خلتان تخلقتهما أو خلقان جبلت عليهما فقال بل خلقان جبلك الله عليهما فقال الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله (¬1)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يحب الحليم الحي الغني المتعفف أبا العيال التقي ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف الغبي (¬2)
وقال ابن عباس قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل وحلم يكف به السفيه وخلق يعيش به في الناس (¬3)
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعاً إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فتقولون لهم إنا نراكم سراعاً إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا عفونا وإذ جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين // حديث إذا جمع الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس الحديث وفيه إذا جهل علينا حلمنا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال البيهقي في إسناده ضعف
الآثار قال عمر رضي الله عنه تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وقال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ لَا تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَإِذَا أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ تَعَالَى وإذا أسأت استغفرت الله تعالى وقال الحسن اطلبوا العلم وزينوه بالوقار والحلم وقال أكثم بن صيفي دِعَامَةُ الْعَقْلِ الْحِلْمُ وَجِمَاعُ الْأَمْرِ الصَّبْرُ وَقَالَ أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكاً لا ورق فيه إن عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك قالوا كيف نصنع قال تقرضهم عن عرضك ليوم فقرك وقال علي رضي الله عنه أن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل وقال معاوية رحمه الله تعالى لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ مَبْلَغَ الرَّأْيِ حَتَّى يَغْلِبَ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَصَبْرُهُ شَهْوَتَهُ وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ إِلَّا بِقُوَّةِ الْعِلْمِ وَقَالَ معاوية لعمرو بن الأهتم أَيُّ الرِّجَالِ أَشْجَعُ قَالَ مَنْ رَدَّ جَهْلَهُ بِحِلْمِهِ قَالَ أَيُّ الرِّجَالِ أَسْخَى قَالَ من بذل دنياه لصلاح دينه وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حميم} إلى قوله {عظيم} هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُهُ أَخُوهُ فَيَقُولُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فغفر الله لي وقال بعضهم شتمت فلاناً من أهل البصرة فحلم علي فاستعبدني بها زماناً وقال معاوية لعرابة بن أوس بم سدت قومك يا عرابة قال يا أمير المؤمنين كُنْتُ أَحْلُمُ عَنْ جَاهِلِهِمْ وَأُعْطِي سَائِلَهُمْ وَأَسْعَى في حوائجهم فمن فعل فِعْلِي فَهُوَ مِثْلِي وَمَنْ جَاوَزَنِي فَهُوَ أَفْضَلُ مِنِّي وَمَنْ قَصَّرَ عَنِّي فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وسب رجل ابن عباس رضي الله عنهما فلما فرغ قال يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها فنكس الرجل رأسه واستحى وقال رجل لعمر بن عبد العزيز أشهد أنك من الفاسقين فقال ليس تقبل شهادتك وعن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أَنَّهُ سَبَّهُ رَجُلٌ فَرَمَى إِلَيْهِ بِخَمِيصَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمَعَ لَهُ خَمْسَ خِصَالٍ مَحْمُودَةٍ الْحِلْمُ وَإِسْقَاطُ الأذى وتخليص الرجل مما يبعد مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَمْلُهُ عَلَى النَّدَمِ والتوبة ورجوعه إلى مدح بَعْدَ الذَّمِّ اشْتَرَى جَمِيعَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنَ الدنيا يسير وقال رجل لجعفر بن محمد
¬_________
(¬1) حديث يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة الحديث متفق عليه
(¬2) حديث إن الله يحب الحيي الحليم الغني المتعفف الحديث أخرجه الطبراني من حديث سعد إن الله يحب العبد التقي الغني الحفي
(¬3) حديث ابن عباس ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز بإسناد ضعيف والطبراني من حديث أم سلمة بإسناد لين وقد تقدم في آداب الصحبة
পৃষ্ঠা - ৯২৫
إنه قد وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فأخشى أن يقال لي إن تركك له ذل فقال جعفر إنما الذليل الظالم وقال الخليل بن أحمد كان يقال من أساء فأحسن إليه فقد جعل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل إساءته وقال الأحنف بن قيس لست بحليم ولكنني أتحلم وقال وهب بن منبه من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطيء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن لا يدع المراء يشتم ومن لا يكره الشر يأثم ومن يكره الشر يعصم ومن يتبع وصية الله يحفظ ومن يحذر الله يأمن ومن يتول الله يمنع ومن لا يسأل الله يفتقر ومن يأمن مكر الله يخذل ومن يستعن بالله يظفر وقال رجل لمالك بن دينار بلغني أنك ذكرتني بسوء قال أنت إذن أكرم علي من نفسي إني إذا فعلت ذلك أهديت لك حسناتي وقال بعض العلماء الحلم أرفع من العقل لأن الله تعالى تسمى به وقال رجل لبعض الحكماء والله لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك فقال معك يدخل لا معي ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود فقالوا له شراً فقال لهم خيراً فقيل له إنهم يقولون شراً وأنت تقول خيراً فقال كل ينفق مما عنده وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلى عند الحاجة إليه ودخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاماً فخرجت امرأة الحكيم وكانت سيئة الخلق فرفعت المائدة وأقبلت على شتم الحكيم فخرج الصديق مغضباً فتبعه الحكيم وقال له تذكر يوم كنا في منزلك نطعم فسقطت دجاجة على المائدة فأفسدت ما عليها فلم يغضب أحد منا قال نعم قال فاحسب أن هذه مثل تلك الدجاجة فسرى عن الرجل غضبه وانصرف وقال صدق الحكيم الحلم شفاء من كل ألم وضرب رجل قدم حكيم فأوجعه فلم يغضب فقيل له في ذلك فقال أقمته مقام حجر تعثرت به فذبحت الغضب وقال محمود الوراق
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ... وإن كثرت منه علي الجرائم
وما الناس إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثلي مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته عرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثل فإن زل أو هفا ... تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم
بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به مِنَ الْكَلَامِ
اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ ظُلْمٍ صَدَرَ مِنْ شَخْصٍ فَلَا يَجُوزُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ فَلَا تَجُوزُ مُقَابَلَةُ الْغِيبَةِ بِالْغِيبَةِ وَلَا مُقَابَلَةُ التَّجَسُّسِ بِالتَّجَسُّسِ وَلَا السَّبُّ بِالسَّبِّ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعَاصِي وإنما القصاص والغرامة على قدر ما ورد الشرع به وقد فصلناه في الفقه وأما السب فلا يقال بمثله إذ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ امْرُؤٌ عَيَّرَكَ بِمَا فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بما فيه (¬1)
وقال المستبان ما قالا فهو على الباديء ما لم يعتد المظلوم وقال المستبان شيطانان يتهاتران (¬2)
وشتم رجل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر إنك كنت ساكتاً لما شتمني فلما تكلمت قمت قال لأن الملك كان يجيب عنك فلما تكلمت ذهب الملك وجاء الشيطان فلم أكن لأجلس في مجلس فيه الشيطان (¬3)
وَقَالَ قَوْمٌ تَجُوزُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا لَا كَذِبَ فيه وإنما نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
¬_________
(¬1) حديث إِنِ امْرُؤٌ عَيَّرَكَ بِمَا فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بما فيه أخرجه أحمد من حديث جابر بن مسلم وقد تقدم
(¬2) حديث المستبان شيطانان يتهاتران تقدم
(¬3) حديث شتم رجل أبا بكر رضي الله عنه وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة متصلا ومرسلا قال البخاري المرسل أصح
পৃষ্ঠা - ৯২৬
عَنْ مُقَابَلَةِ التَّعْيِيرِ بِمِثْلِهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْأَفْضَلُ تركه ولكنه لا يعصى به وَالَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَنْ تَقُولَ مَنْ أَنْتَ وهل أنت إلا من بني فلان كما قال سعد لابن مسعود وهل أنت إلا من بني هذيل وقال ابن مسعود وهل أنت إلا من بني أمية ومثل قوله يا أحمق قال مطرف كل الناس أحمق فيما بينه وبين ربه إلا أن بعض الناس أقل حماقة من بعض
وقال ابن عمر من حديث طويل حتى ترى الناس كلهم حمقى في ذات الله تعالى (¬1) حديث عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن فاطمة فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة الحديث رواه مسلم (¬2) حديث المستبان ما قالا فعلى البادي الحديث رواه مسلم وقد تقدم (¬3) حديث المؤمن سريع الغضب سريع الرضي تقدم (¬4) حديث أبي سعيد الخدري ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات الحديث تقدم
ولما كان الغضب يهيج ويؤثر في كل إنسان وجب على السلطان أن لا يعاقب
¬_________
(¬1) حديث ابن عمر في حديث طويل حتى ترى الناس كأنهم حمقى في ذات الله عز وجل تقدم في العلم
وكذلك قوله يا جاهل إذ ما من أحد إلا وفيه جهل فَقَدْ آذَاهُ بِمَا لَيْسَ بِكَذِبٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ يا سيء الخلق يا صفيق الوجه يا ثلايا لِلْأَعْرَاضِ وَكَانَ ذَلِكَ فِيهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَوْ كَانَ فِيكَ حَيَاءٌ لَمَا تَكَلَّمْتَ وَمَا أَحْقَرَكَ في عيني بما فعلت وأخزاك الله وانتقم منك
فأما النميمة والغيبة والكذب وسب الوالدين فحرام بالاتفاق لما روي أنه كان بين خالد بن الوليد وسعد كلام فذكر رجل خالداً عند سعد فقال سعد مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا يعني أن يأثم بعضنا في بعض فلم يسمع السوء فكيف يجوز له أن يقوله
والدليل على جواز ما ليس بكذب ولا حرام كالنسبة إلى الزنا والفحش والسب ما روت عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن إليه فاطمة فجاءت فقالت يا رسول الله أرسلني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فقال يا بنية أتحبين ما أحب قالت نعم قال فأحبي هذه فرجعت إليهن فأخبرتهن بذلك فقلن ما أغنيت عنا شيئا فأرسلن زينب بنت جحش قالت وهي التي كانت تساميني في الحب فجاءت فقالت بنت أبي بكر وبنت أبي بكر فما زالت تذكرني وأنا ساكتة أنتظر أن يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب فأذن لي فسببتها حتى جف لساني فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إنها ابنة أبي بكر
(¬2) يعني أنك لا تقاومينها في الكلام قط وقولها سببتها وليس المراد به الفحش بل هو والجواب عن كلامها بالحق ومقابلتها بالصدق
وقال النبي صلى الله عليه وسلم المستبان ما قالا فعلى الباديء منهما حتى يعتدي المظلوم
(¬3) فأثبت المظلوم انتصار إلى أن يعتدي فهذا القدر هو الذي أباحه هؤلاء وهو رخصة في الإيذاء جزاء على إيذائه السابق ولا تبعد الرخصة في هذا القدر ولكن الأفضل تركه فإنه يجره إلى ما وراءه ولا يمكنه الاقتصار على قدر الحق فيه والسكوت عن أصل الجواب لعله أيسر من الشروع في الجواب والوقوف على حد الشرع فيه ولكن من الناس من لا يقدر على ضبط نفسه في فورة الغضب ولكن يعود سريعا ومنهم من يكف نفسه في الابتداء ولكن يحقد على الدوام والناس في الغضب أربعة فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم بطئ الوقود سريع الخمود وهو الأحمد ما لم ينته إلى فتور الحمية والغيرة وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود وهذا هو شرهم وفي الخبر المؤمن سريع الغضب سريع الرضى فهذه بتلك
(¬4) وقال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو شيطان وقد قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم بطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وإن خيرهم البطيء الغضب السريع الفيء وشرهم السريع الغضب البطيء الفيء
পৃষ্ঠা - ৯২৭
أحداً في حال غضبه لأنه ربما يتعدى الواجب ولأنه ربما يكون متغيظاً عليه فيكون متشفيا لغبظه ومريحاً نفسه من ألم الغيظ فيكون صاحبه حظ نفسه فينبغي أن يكون انتقامه وانتصاره لله تعالى لا لنفسه ورأى عمر رضي الله عنه سكران فأراد أن يأخذه ويعزره فشتمه السكران فرجع عمر فقيل له يا أمير المؤمنين لما شتمك تركته قال لأنه أغضبني ولو عزرته لكان ذلك لغضبي لنفسي ولم أحب أن أضرب مسلماً حمية لنفسي وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لرجل أغضبه لولا أنك أغضبتني لعاقبتك
القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق
اعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ إِذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزٍ عَنِ التَّشَفِّي فِي الْحَالِ رَجَعَ إِلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا وَمَعْنَى الْحِقْدِ أَنْ يَلْزَمَ قَلْبُهُ اسْتِثْقَالَهُ وَالْبِغْضَةَ لَهُ وَالنِّفَارَ عَنْهُ وَأَنْ يَدُومَ ذَلِكَ وَيَبْقَى وَقَدْ قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم المؤمن ليس بحقود (¬1) فالحقد ثمرة الغضب والحقد يثمر ثمانية أمور الْأَوَّلُ الْحَسَدُ وَهُوَ أَنْ يَحْمِلَكَ الْحِقْدُ عَلَى أن تتمنى زوال النعمة عنه فتغثم بِنِعْمَةٍ إِنْ أَصَابَهَا وَتُسَرَّ بِمُصِيبَةٍ إِنْ نَزَلَتْ به وهذا من فعل المنافقين وسيأتي ذمه إن شاء الله تعالى الثاني أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن فتشمت بِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ الثَّالِثُ أَنْ تَهْجُرَهُ وَتُصَارِمَهُ وَتَنْقَطِعَ عَنْهُ وَإِنْ طَلَبَكَ وَأَقْبَلَ عَلَيْكَ الرَّابِعُ وَهُوَ دُونَهُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ اسْتِصْغَارًا لَهُ الْخَامِسُ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَإِفْشَاءِ سِرٍّ وَهَتْكِ ستر وغيره السَّادِسُ أَنْ تُحَاكِيَهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ وَسُخْرِيَةً مِنْهُ السَّابِعُ إِيذَاؤُهُ بِالضَّرْبِ وَمَا يُؤْلِمُ بَدَنَهُ الثَّامِنُ أَنْ تَمْنَعَهُ حَقَّهُ مِنْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ رَدِّ مَظْلَمَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ حرام
وأقل درجات الحقد أن تحترز من الآفات الثمانية المذكورة ولا تخرج بسبب الحقد إلى ما تعصي الله به ولكن تستثقله في الباطن ولا تنهي قلبك عن بغضه حتى تمتنع عما كنت تطوع به من البشاشة والرفق والعناية والقيام بحاجاته والمجالسة معه على ذكر الله تعالى والمعاونة على المنفعة له أو بترك الدعاء له والثناء عليه أو التحريض على بره ومواساته فهذا كله مما ينقص درجتك في الدين ويحول بينك وبين فضل عظيم وثواب جزيل وإن كان لا يعرضك لعقاب الله
وَلَمَّا حَلَفَ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى مسطح وَكَانَ قَرِيبَهُ لكونه تكلم في واقعة الإفك نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم فَقَالَ أبو بكر نَعَمْ نُحِبُّ ذَلِكَ وَعَادَ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (¬2)
وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَزِيدَ في الإحسان مجاهدة في لِلنَّفْسِ وَإِرْغَامًا لِلشَّيْطَانِ فَذَلِكَ مَقَامُ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ من فضائل أعمال المقربين فللمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة أحدها أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان وهو العدل الثاني أن يحسن إليه بالعفو والصلة وذلك هو الفضل الثالث أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل والثاني هو اختيار الصديقين والأول هو منتهى درجات الصالحين ولنذكر الآن فضيلة العفو والإحسان
¬_________
(¬1) حديث المؤمن ليس بحقود تقدم في العلم
(¬2) حديث لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم الآية متفق عليه من حديث عائشة
পৃষ্ঠা - ৯২৮
فَضِيلَةُ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ
اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَفْوِ أن يستحق حقا فيسقطه ويبري عنه من قصاص أو غرامة وهو غير الحلم وكظم الغيظ فلذلك أفردناه قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأعرض عن الجاهلين وقال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث والذي نفسي بيده لو كنت حلافاً لحلفت عليهن ما نقص مال من صدقة فتصدقوا ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر (¬1) حديث التَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يرفعكم الله أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف (¬2) حديث عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظلمها قط الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وهو عند مسلم بلفظ آخر وقد تقدم (¬3) حديث عقبة بن عامر يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب بإسناد ضعيف وقد تقدم (¬4) حديث قال موسى يا رب أي عبادك أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة وفيه ابن لهيعة (¬5) حديث إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة وفي أوله قصة رواها ابن أبي الدنيا في كتاب العفو من رواية أبي صالح الحنفي مرسلا (¬6) حديث أنس إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض أخرجه أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقري في كتاب التبصرة والتذكرة بلفظ ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا أمة محمد إن الله تعالى يقول ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي وإسناده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ نادى مناد يا أهل الجمع تناكروا المظالم بينكم وثوابكم علي وله من حديث أم هانيء ينادي مناد يا أهل التوحيد ليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب // وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون وما تظنون فقالوا نقول أخ وابن عم حليم رحيم قالوا ذلك ثلاثاً فقال صلى الله عليه وسلم أقول كما قال يوسف {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهو أرحم}
¬_________
(¬1) حديث ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت حالفا لحلفت عليهن ما نقصت صدقة من مال الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولمسلم وأبي داود نحوه من حديث أبي هريرة وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّوَاضُعُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللَّهُ وَالْعَفْوُ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا عِزًّا فَاعْفُوا يُعِزُّكُمُ اللَّهُ وَالصَّدَقَةُ لَا تَزِيدُ الْمَالَ إِلَّا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله
(¬2) وقالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصراً من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضباً وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً
(¬3) وقال عقبة لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فابتدرته فأخذت بيده أو بدرني فأخذ بيدي فقال يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك
(¬4) وقال صلى الله عليه وسلم قال موسى عليه السلام يا رب أي عبادك أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا
(¬5) وكذلك سئل أبو الدرداء عن أعز الناس قال الذي يعفو إذا قدر فاعفوا يعزكم الله وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو مظلمة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس وأراد أن يأخذ له بمظلمته فقال له صلى الله عليه وسلم إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة
(¬6) فأبى أن يأخذها حين سمع الحديث وقالت عائشة رضي الله عنها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دعا على من ظلمه فقد انتصر وعن أنس قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض
পৃষ্ঠা - ৯২৯
{الراحمين} (¬1) قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام وعن سهيل بن عمرو قال لما قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وضع يديه على باب الكعبة والناس حوله فقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له صدق وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ {ثُمَّ قال} يا معشر قريش ما تقولون وما تظنون قال قلت يا رسول الله نقول خيراً ونظن خيراً أخ كريم وابن عم رحيم وقد قدرت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقول كما قال أخي يوسف {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} (¬2) وعن أنس قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قيل ومن ذا الذي له على الله أجر قال العافون عن الناس فيقوم كذا وكذا ألفاً فيدخلونها بغير حساب (¬3) حديث ابن مسعود لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو الحديث أخرجه أحمد والحاكم وصححه وتقدم في آداب الصحبة وقال جابر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين حيث شاء من أدى ديناً خفياً وقرأ في دبر كل صلاة {قل هو الله أحد} عشر مرات وعفا عن قاتله قال أبو بكر أو إحداهن يا رسول الله قال أو إحداهن (¬4)
الآثار قال إبراهيم التيمي إن الرجل ليظلمني فأرحمه وهذا إحسان وراء العفو لأنه يشتغل قلبه بتعرضه لمعصية الله تعالى بالظلم وأنه يطالب يوم القيامة فلا يكون له جواب وقال بعضهم إذا أراد الله أن يتحف عبداً قيض له من يظلمه ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فجعل يشكو إليه رجلاً ظلمه ويقع فيه فقال له عمر إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها وقال يزيد بن ميسرة إن ظللت تدعو على من ظلمك فإن الله تعالى يقول إن آخر يدعو عليك بأنك ظلمته فإن شئت استجبنا لك وأجبنا عليك وإن شئت أخرتكما إلى يوم القيامة فيسعكما عفوي وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ظالمه كل الظالم إلى ظلمه فإنه أسرع إليه من دعائك عليه إلا أن يتداركه بعمل وقمن أن لا يفعل وعن ابن عمر عن أبي بكر أنه قال بلغنا أن الله تعالى يأمر منادياً يوم القيامة فينادي من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس وعن هشام بن محمد قال أتى النعمان بن المنذر برجلين قد أذنب أحدهما ذنباً عظيماً فعفا عنه والآخر أذنب ذنباً خفيفاً فعاقبه وقال
تعفو الملوك عن العظيم ... من الذنوب بفضلها
ولقد تعاقب في اليسير ... وليس ذاك لجهلها
إلا ليعرف حلمها ... ويخاف شدة دخلها
وعن مبارك بن فضالة قال وفد سوار بن عبد الله في وفد من أهل البصرة إلى أبي جعفر قال فكنت عنده إذا أتى برجل فأمر بقتله فقلت يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر فقلت يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثا سمعته
¬_________
(¬1) حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون الحديث رواه ابن الجوزي في الوفاء من طريق ابن أبي الدنيا وفيه ضعف
(¬2) حديث سهيل بن عمرو لما قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وضع يده على باب الكعبة الحديث بنحوه لم أجده
(¬3) حديث أنس إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قيل من ذا الذي أجره على الله قال العافون عن الناس الحديث أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وفيه الفضل بن يسار ولا يقابع على حديثه وقال ابن مسعود قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو ثم قرأ {وليعفوا وليصفحوا} الآية
(¬4) حديث جابر ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط في الدعاء بسند ضعيف
পৃষ্ঠা - ৯৩০
من الحسن قال وما هو قلت سمعته يقول إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد فينادي من له عند الله يد فليقم فلا يقوم إلا من عفا فقال والله لقد سمعته من الحسن فقلت والله لسمعته منه فقال خلينا عنه وقال معاوية عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال
وروي أن راهباً دخل على هشام بن عبد الملك فقال للراهب أرأيت ذا القرنين أكان نبياً فقال لا ولكنه إنما أعطى ما أعطى بأربع خصال كن فيه كان إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق ولا يجمع شغل اليوم لغد وقال بعضهم ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا وقال زياد القدرة تذهب الحفيظة يعني الحقد والغضب وأتى هشام برجل بلغه عنه أمر فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته فقال له هشام وتتكلم أيضاً فقال الرجل يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أفنجادل الله تعالى ولا نتكلم بين يديك كلاماً قال هشام بلى ويحك تكلم وروي أن سارقاً دخل خباء عمار بن ياسر بصفين فقيل له اقطعه فإنه من أعدائنا فقال بل أستر عليه لعل الله يستر علي يوم القيامة وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعاماً فابتاع ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدتها قد حلت فقال لقد جلست وإنها لمعي فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها اللهم افعل به كذا فقال عبد الله اللهم إن كان حمله عَلَى أَخْذِهَا حَاجَةٌ فَبَارِكْ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ حَمَلَتْهُ جَرَاءَةٌ عَلَى الذَّنْبِ فَاجْعَلْهُ آخِرَ ذنوبه وقال الفضيل ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام ثم قام ليطوف فسرقت دنانير كانت معه فجعل يبكي فقلت أعلى الدنانير تبكي فقال لا ولكن مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته فبكائي رحمة له وقال مالك بن دينار أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلاً وهو على البصرة أمير وجاء الحسن وهو خائف فدخلنا معه عليه فما كنا مع الحسن إلا بمنزله الفراريج فَذَكَرَ الحسن قِصَّةَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا صنع به إخوته من بَيْعِهِمْ إِيَّاهُ وَطَرْحِهِمْ لَهُ فِي الْجُبِّ فَقَالَ بَاعُوا أَخَاهُمْ وَأَحْزَنُوا أَبَاهُمْ وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ وَمِنَ الْحَبْسِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ مَاذَا صَنَعَ اللَّهُ بِهِ أَدَالَهُ مِنْهُمْ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ وَأَعْلَى كَلِمَتَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَمَاذَا صَنَعَ حِينَ أَكْمَلَ لَهُ أمره وجمع له أَهْلَهُ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ الله لكم وهو أرحم الراحمين يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه قال الحكم فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته وكتب ابن المقفع إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه فلان هارب من زلته إلى عفوك لائذ منك بك واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ازداد العفو فضلاً وأتى عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة ما ترى قال إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو فعفا عنهم وروي أن زياد أخذ رجلاً من الخوارج فأفلت منه فأخذ أخاً له فقال له إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك فقال أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي قال نعم قال فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى ثم تلا أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى فقال زياد خلوا سبيله هذا رجل قد لقن حجته وقيل مكتوب في الإنجيل من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان فَضِيلَةُ الرِّفْقِ
اعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ مَحْمُودٌ وَيُضَادُّهُ الْعُنْفُ وَالْحِدَّةُ وَالْعُنْفُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ وَالْفَظَاظَةِ
وَالرِّفْقُ واللين نتيجة حسن
পৃষ্ঠা - ৯৩১
الخلق والسلامة وقد يكون سبب الحدة الغضب وقد يكون سببها شدة الحرص واستيلاءه بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من التثبت فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق وَلَا يَحْسُنُ الْخُلُقُ إِلَّا بِضَبْطِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وقوة الشهوة وحفظهما عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَلِأَجْلِ هَذَا أَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرِّفْقِ وبالغ فيه فقال يا عائشة إنه مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (¬1) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ أَهْلَ بَيْتٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ (¬2) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا محبة الله تعالى (¬3) وقالت عائشة رضي الله عنها قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف (¬4) وقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق (¬5) وقال صلى الله عليه وسلم من يحرم الرفق يحرم الخير كله (¬6) وقال صلى الله عليه وسلم أيما وال ولى فرفق ولان رفق الله تعالى به يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬7) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدرون من يحرم على النار يوم القيامة كل هين لين سهل قريب (¬8) وقال صلى الله عليه وسلم الرفق يمن والخرق شؤم (¬9) حديث التأني من الله والعجلة من الشيطان أخرجه أبو يعلى من حديث أنس ورواه الترمذي وحسنه من حديث سهل بن سعد بلفظ الآناة من الله وقد تقدم (¬10) حديث أتاه رجل فقال يا رسول الله إن الله قد بارك لجميع المسلمين فيك الحديث وفيه فإذا أردت أمراً فتدبر عاقبته فإن كان رشداً فامضه الحديث أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق من حديث أبي جعفر هو المسمى عبد الله بن مسور الهاشمي ضعيف جدا ولأبي نعيم في كتاب الإيجاز من رواية إسماعيل الأنصاري عن أبيه عن جده إذا هممت بأمر فاجلس فتدبر عاقبته وإسناده ضعيف (¬11) حديث عائشة عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ إلا زانه الحديث رواه مسلم // الآثار بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جماعة من رعيته اشتكوا من عماله فأمرهم أن يوافوه فلما أتوه
¬_________
(¬1) حديث يا عائشة إنه مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حظه من خير الدنيا والآخرة الحديث رواه أحمد والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وضعفه عن القاسم عن عائشة وفي الصحيحين من حديثها يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله
(¬2) حديث إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ أَهْلَ بَيْتٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرفق أخرجه أحمد بسند جيد والبيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث عائشة
(¬3) حديث إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث جرير بإسناد ضعيف
(¬4) حديث إن الله رفيق يحب الرفق الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة
(¬5) حديث يا عائشة ارفقي إن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق أخرجه أحمد من حديث عائشة وفيه انقطاع ولأبي داود يا عائشة ارفقي
(¬6) حديث من يحرم الرفق يحرم الخير كله أخرجه مسلم من حديث جرير دون قوله كله فهي عند أبي داود
(¬7) حديث أيما وال ولي فلان ورفق رفق الله به يوم القيامة أخرجه مسلم من حديث عائشة وفي حديث فيه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به
(¬8) حديث تدرون على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود وتقدم في آداب الصحبة
(¬9) حديث الرفق يمن والخرق شؤم أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود والبيهقي في الشعب من حديث عائشة وكلاهما ضعيف
وقال صلى الله عليه وسلم التأني من الله والعجلة من الشيطان
(¬10) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله إن الله قد بارك لجميع المسلمين فيك فاخصصني منك بخير فقال الحمد لله مرتين أو ثلاثاً ثم أقبل عليه فقال هل أنت مستوص مرتين أو ثلاثاً قال نعم قال إن أردت أمراً فتدبر عاقبته فإن كان رشداً فامضه وإن كان سوى ذلك فانته
(¬11) وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر على بعير صعب فجعلت تصرفه يميناً وشمالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عائشة عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شانه
পৃষ্ঠা - ৯৩২
قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أيتها الرعية إن لنا عليكم حقاً النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير أيتها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام ورفقه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام وخرجه واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه
وقال وهب بن منبه الرفق ثنى الحلم
وفي الخبر موقوفاً ومرفوعاً العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قيمه والرفق والده واللين أخوه والصبر أمير جنوده (¬1) وقال بعضهم ما أحسن الإيمان يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم وقال عمرو بن العاص لابنه عبد الله ما الرفق قال تكون ذا أناة فتلاين الولاة قال فما الخرق قال معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك وقال سفيان لأصحابه تدرون ما الرفق قالوا قل يا أبا محمد قال أن تضع الأمور من مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق كما قيل
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف وإن كان العنف في محله حسناً كما أن الرفق في محله حسن فإذا كان الواجب هو العنف فقد وافق الحق الهوى وهو ألذ من الزبد بالشهد وهكذا وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله روي أن عمرو بن العاص كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني فكتب إليه معاوية أما بعد فإن الفهم في الخير زيادة رشد وإن الرشيد من رشد عن العجلة وإن الجانب من خاب عن الأناة وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيباً وإن العجل مخطئ أو كاد أن يكون مخطئاً وأن من لا ينفعه الرفق يضره الخرق ومن لا ينفعه التجارب لا يدرك المعالي وعن أبي عون الأنصاري قال ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها وقال أبو حمزة الكوفي لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطاناً واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئاً إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه وقال الحسن المؤمن وقاف متأن وليس كحاطب ليل فهذا ثناء أهل العلم على الرفق وذلك لأنه محمود ومفيد في أكثر الأحوال وأغلب الأمور والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندور وإنما الكامل من يميز مواقع الرفق عن مواضع العنف فيعطي كل أمر حقه فإن كان قاصر البصيرة أو أشكل عليه حكم واقعة من الوقائع فليكن ميله إلى الرفق فإن النجح معه في الأكثر
القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في
إزالته بيان ذَمُّ الْحَسَدِ
اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ أَيْضًا مِنْ نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله ثم إن للحسد مِنَ الْفُرُوعِ الذَّمِيمَةِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى وقد ورد في ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
¬_________
(¬1) حديث العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قائدة والرفق والده أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب وفضائل الأعمال من حديث أنس بسند ضعيف ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي الدرداء وأبي هريرة وكلاهما ضعيف
পৃষ্ঠা - ৯৩৩
الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ (¬1) حديث لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا الحديث متفق عليه وقد تقدم (¬2) حديث أنس كنا يوماً جلوساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة الحديث بطوله وفيه أن ذلك الرجل قال لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين ورواه البزار وسمي الرجل في رواية له سعدا وفيها ابن لهيعة (¬3) حديث ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطعن والحسد الحديث وفي رواية وقل من ينجو منهن أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث أبي هريرة وفيه يعقوب بن محمد الزهري وموسى بن يعقوب الزمعي ضعفهما الجمهور والرواية الثانية رواها ابن أبي الدنيا أيضا من رواية عبد الرحمن بن معاوية وهو مرسل ضعيف وللطبراني من حديث حارثة بن النعمان نحوه وتقدم في آفات اللسان وفي رواية ثلاثة لا ينجو منهن أحد وقل من ينجو منهن فأثبت في هذه الرواية إمكان النجاة وقال صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم (¬4) وقال صلى الله عليه وسلم كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر (¬5) وقال صلى الله عليه وسلم إنه سيصيب أمتي داء الأمم قالوا وما داء الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج (¬6) وقال صلى الله عليه وسلم لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك (¬7) وروي أن موسى عليه السلام لما تعجل إلى ربه تعالى
¬_________
(¬1) حديث الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة وابن ماجه من حديث أنس وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً
(¬2) وقال أنس كنا يوماً جلوساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت فقال نعم فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى ولم يقم لصلاة الفجر قال غير أني ما سمعته يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا فأردت أن أعرف عملك فلم أرك تعمل عملاً كثيراً فما الذي بلغ بك ذلك فقال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق
(¬3) وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة والحسد وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ
(¬4) حديث دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء الحديث أخرجه الترمذي من حديث مولى الزبير عن الزبير
(¬5) حديث كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر أخرجه أبو مسلم الكشي والبيهقي في الشعب من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر بلفظ كادت الحاجة أن تكون كفرا وفيه ضعف أيضا
(¬6) حديث إنه سيصيب أمتي داء الأمم قبلكم قالوا وما داء الأمم قال الأشر والبطر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بإسناد جيد
(¬7) حديث لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع وقال حسن غريب وفي رواية ابن أبي الدنيا فيرحمه الله
পৃষ্ঠা - ৯৩৪
رأى في ظل العرش رجلاً فغبطه بمكانه فقال إن هذا لكريم على ربه فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال أحدثك من عمله بثلاث كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله وكان لا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة وقال زكريا عليه السلام قال الله تعالى الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي وقال صلى الله عليه وسلم أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر فيهم المال فيتحاسدون ويقتتلون (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود (¬2) وقال صلى الله عليه وسلم إن لنعم الله أعداء فقيل ومن هم فقال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (¬3) حديث ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة قيل يا رسول الله ومن هم قال الأمراء بالجور الحديث وفيه والعلماء بالحسد أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث ابن عمر وأنس بسندين ضعيفين //
الآثار قال بعض السلف أول خطيئة هِيَ الْحَسَدُ حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رُتْبَتِهِ فَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ فَحَمَلَهُ على الحسد والمعصية وحكي أن عون بن عبد الله دخل على الفضل بن المهلب وكان يومئذ على واسط فقال إني أريد أن أعظك بشيء فقال وما هو قال إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي الله به ثم قرأ {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس} الآية وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة أمكنه الله سبحانه من جنة عرضها السموات والأرض يأكل منها إلا شجرة واحدة نهاه الله عنها فأكل منها فأخرجه الله تعالى منها ثم قال {اهبطوا منها} إلى آخر الآية وإياك والحسد فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده ثم قرأ {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} الآيات وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك وإذا ذكر القدر فاسكت وإذا ذكرت النجوم فاسكت وقال بكر بن عبد الله كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك فيقول أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك فقال إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر فقال له الملك وكيف يصح ذلك عندي قال تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر فقال له انصرف حتى أنظر فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاماً فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك على عادته فقال أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فقال له الملك أدن مني فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه ما أرى فلانا إلا قد صدق قال وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة فكتب له كتاباً بخطه إلى عامل من عماله إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبناً وابعث به إلي فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال ما هذا الكتاب قال خط الملك لي بصلة فقال هبه لي
¬_________
(¬1) حديث أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون ويقتتلون أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث ابن عامر الأشعري وفيه ثابت بن أبي ثابت جهله أبو حاتم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ولهما من حديث عمرو بن عوف البدري والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا الحديث ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو إذا فتحت عليكم فارس والروم الحديث وفيه يتنافسون ثم يتحاسدون ثم يتدابرون الحديث ولأحمد والبزار من حديث عمر لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة
(¬2) حديث استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني من حديث معاذ بسند ضعيف
(¬3) حديث إن لنعم الله أعداء قيل ومن أولئك قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس إن لأهل النعم حسادا فاحذروهم وقال صلى الله عليه وسلم ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة قيل يا رسول الله من هم قال الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالتكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهالة والعلماء بالحسد
পৃষ্ঠা - ৯৩৫
فقال هو لك فأخذه ومضى به إلى العامل فقال العامل في كتابك أن أذبحك وأسلخك قال إن الكتاب ليس هو لي فالله الله في أمري حتى تراجع الملك فقال ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشى جلده تبناً وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل قوله فعجب الملك وقال ما فعل الكتاب فقال لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له قال له الملك إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال ما قلت ذلك قال فلما وضعت يدك على فيك قال لأنه أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهت أن تشمه قال صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفى المسيء إساءته وقال ابْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى الدنيا وهي حفيرة فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إلى النار وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن قال ما أنساك بني يعقوب نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً وقال أبو الدرداء ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده وقال معاوية كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل
كل العداوات قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد وقال بعض الحكماء الحسد جرح لا يبرأ وحسب الحسود ما يلقى وقال أعرابي ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه وقال الحسن يا ابن آدم لم تحسد أخاك فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إِلَى النَّارِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا وَلَا يَنَالُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا وَلَا يَنَالُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا وَلَا يَنَالُ عند النزع إلا شدة وهولاً وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إِلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا
بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه
اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان
إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسداً فالحسد حده كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ
الحالة الثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي لنفسك مثلها
وهذه تسمى غبطة وقد تختص باسم المنافسة وقد تسمى المنافسة حسداً والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني
وقد قال صلى الله عليه وسلم إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد (¬1)
فأما الأول فهو حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ إِلَّا نِعْمَةً أَصَابَهَا فَاجِرٌ أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْأَخْبَارُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا وَإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَسَخُّطٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ لَا عُذْرَ فِيهِ وَلَا رُخْصَةَ وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ تَزِيدُ على كراهتك
¬_________
(¬1) حديث المؤمن يغبط والمنافق يحسد لم أجد له أصلا مرفوعا وإنما هو من قول الفضيل بن عياض كذلك رواه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد
পৃষ্ঠা - ৯৩৬
لِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَكَ منه مضرة وإلى هذا أشار القرآن بقول {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يفرحوا بها} وَهَذَا الْفَرَحُ شَمَاتَةٌ وَالْحَسَدُ وَالشَّمَاتَةُ يَتَلَازَمَانِ وَقَالَ تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم} فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد وقال عز وجل {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم بقوله تعالى {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مما أوتوا} أَيْ لَا تَضِيقُ صُدُورُهُمْ بِهِ وَلَا يَغْتَمُّونَ فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى في معرض الإنكار {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} وقال تعالى {كان الناس أمة واحدة} إلى قوله {إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم} قيل في التفسير حسداً وقال تعالى {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم} فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتألفوا بالعلم فتحاسدوا واختلفوا إذ أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد بعضهم على بعض قال ابن عباس كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوماً قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا (¬1) فكانوا ينصرون فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} إلى قوله {أن يكفروا بما أنزل الله بغياً} أي حسداً وقالت صفية بنت حيي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من عندك يوماً فقال أبي لعمي ما تقول فيه قال أقول أنه النبي الذي بشر به موسى قال فما ترى قال أرى معاداته أيام الحياة (¬2) فهذا حكم الحسد في التحريم
وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة وإما مندوبة وإما مباحة وقد يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فيسألاه أن يؤمرهما على الصدقة قالا لعلي حين قال لهما لا تذهبا إليه فإنه لا يؤمركما عليها فقالا له ما هذا منك إلا نفاسة والله لقد زوجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك (¬3) أي هذا منك حسد وما حسدناك على تزويجه إياك فاطمة
والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وَقَالَ تَعَالَى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين ينسابقان إلى خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها
¬_________
(¬1) حديث ابن عباس قوله كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوماً قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله الحديث في نزول قوله تعالى {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أخرجه ابن إسحاق في السيرة فيما بلغه عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه وهو منقطع
(¬2) حديث قالت صفية بن حيي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من عندك يوماً فقال أبي لعمي ما تقول فيه قال أقول أنه النبي الذي بشر به موسى الحديث أخرجه ابن إسحاق في السيرة قال حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حديث عن صفية فذكره نحوه وهو منقطع أيضا
(¬3) حديث قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فيسألانه أن يأمرهما على الصدقة قالا لعلي الحديث هكذا وقع للمصنف أنه قثم والفضل وإنما هو الفضل والمطلب ابن ربيعة كما رواه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة ابن الحارث قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس ائتيا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلماه فذكر الحديث
পৃষ্ঠা - ৯৩৭
فكيف وقد صرح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فقال لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ورجل آتاه الله تعالى علماً فهو يعمل به ويعلمه الناس (¬1) حديث أبي كبشة مثل هذه الأمة مثل أربعة رجل أتاه الله مالا الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح (¬2) حديث ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد والظن والطيرة الحديث تقدم غير مرة // ثم قال وله منهن مخرج إذا حسدت فلا تبغ أي إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به وبعيد أن يكون الإنسان مريداً للحاق بأخيه في النعمة فيعجز عنها ثم ينفك عن ميل إلى زوال النعمة إذ يجد لا محالة ترجيحاً له على دوامها فهذا الحد من المنافسة يزاحم الحسد الحرام فينبغي أن يحتاط فيه فإنه موضع الخطر وما من إنسان إلا وهو يرى فوق نفسه جماعة من معارفه وأقرانه يحب مساواتهم ويكاد ينجر ذلك إلى الحسد المحظور إن لم يكن قوي الإيمان رزين التقوى ومهما كان محركه خوف التفاوت وظهور نقصانه عن غيره جره ذلك إلى الحسد المذموم وإلى ميل الطبع إلى زوال النعمة عن أخيه حتى ينزل هو إلى مساواته إذ لم يقدر هو أن يرتقي إلى مساواته بإدراك النعمة وذلك لا رخصة فيه أصلاً بل هو حرام سواء كان في مقاصد الدين أو مقاصد
¬_________
(¬1) حديث لا حسد إلا في اثنتين الحديث متفق عليه من حديث ابن عمرو وقد تقدم في العلم ثم فسر ذلك في حديث أبي كبشة الأنماري فقال مثل هذه الأمة مثل أربعة رجل أتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فيقول رب لو أن لي مالاً مثل مال فلان لكنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في الأجر سواء وهذا منه حب لأن يكون له مثل ماله فيعمل ما يعمل من غير حب زوال النعمة عنه قال ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو ينفقه في معاصي الله ورجل لم يؤته علماً ولم يؤته مالاً فيقول لو أن لي مثل مال فلان لكنت أنفقه في مثل ما أنفقه فيه من المعاصي فهما في الوزر سواء
(¬2) فذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ماله فإذاً لا حَرَجَ عَلَى مَنْ يَغْبِطُ غَيْرَهُ فِي نِعْمَةٍ وَيَشْتَهِي لِنَفْسِهِ مِثْلَهَا مَهْمَا لَمْ يُحِبَّ زَوَالَهَا عنه ولم يكره دوامها له نعم إن كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه المنافسة واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضياً بالمعصية وذلك حرام وإن كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإن كانت نعمة يتنعم بها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة وكل ذلك يرجع إلى إرادة مساواته واللحوق به في النعمة وليس فيها كراهة النعمة وكان تحت هذه النعمة أمران أحدهما راحة المنعم عليه والآخر ظهور نقصان غيره وتخلفه عنه وهو يكره أحد الوجهين وهو تخلف نفسه ويحب مساواته له
ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات نعم ذلك ينقص من الفضائل ويناقض الزهد والتوكل والرضا ويحجب عن المقامات الرفيعة ولكنه لا يوجب العصيان وههنا دقيقة غامضة وهو أنه إذا أيس من أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقصان وإنما يزول نقصانه إما بأن ينال مثل ذلك أو بأن تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر حتى إذا زالت النعمة عن المحسود كان ذلك أشفى عنده من دوامها إذ بزوالها يزول تخلفه وتقدم غيره وهذا يكاد لا ينفك القلب عنه فإن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة عنه فهو حسود حسدا مذموما وإن كان تدعه التقوى عن إزالة ذلك فيعفي عما يجده في طبعه من الارتياح إلى زوال النعمة عن محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه ولعله المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد والظن والطيرة
পৃষ্ঠা - ৯৩৮
الدنيا ولكن يعفى عنه في ذلك ما لم يعمل به إن شاء الله تعالى وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له فهذه هي حقيقة الحسد وأحكامه وأما مراتبه فأربع
الأولى أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه وهذا غاية الخبث الثانية أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة مثل رغبته في دار حسنة أو امرأة جميلة أو ولاية نافذة أو سعة نالها غيره وهو يحب أن تكون له ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه ومكروهه فقد النعمة لا تنعم غيره بها الثالثة أن لا يشتهي عينها لنفسه بل يشتهي مثلها فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلاً يظهر التفاوت بينهما الرابعة أن يشتهي لنفسه مثلها فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه
وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا والمندوب إليه إن كان في الدين والثالثة فيها مذموم وغير مذموم والثانية أخف من الثالثة والأولى مذموم محض وتسمية الرتبة حسداً فيه تجوز وتوسع ولكنه مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله به بعضكم على بعض فتمنيه لمثل ذلك غير مذموم وأما تمنيه عين ذلك فهو مذموم
بيان أسباب الحسد والمنافسة
أما المنافسة فسببها حب ما فيه المنافسة فإن كان ذلك أمراً دينياً فسببه حب الله تعالى وحب طاعته وإن كان دنيوياً فسببه حب مباحات الدنيا والتنعم فيها وإنما نظرنا الآن في الحسد المذموم ومداخله كثيرة جداً ولكن يحصر جملتها سبعة أبواب العداوة والكبر والتعجب والخوف من فوت المقاصد المحبوبة وحب الرياسة وخبث النفس وبخلها فإنه مما يكره النعمة على غيره إما لأنه عدوه فلا يريد له الخير وهذا لا يختص بالأمثال بل يحسد الخسيس الملك بمعنى أنه يحب زوال نعمته لكونه مبغضاً له بسبب إساءته إليه أو إلى من يحبه وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه وهو المراد بالتعزز وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه لنعمته وهو المراد بالتكبر وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب عظيم فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة وهو المراد بالتعجب وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى ولابد من شرح هذه الأسباب
السبب الأول الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ وَهَذَا أَشَدُّ أَسْبَابِ الْحَسَدِ فَإِنَّ مَنْ آذَاهُ شَخْصٌ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَخَالَفَهُ فِي غَرَضٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَبْغَضَهُ قَلْبُهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَرَسَخَ فِي نَفْسِهِ الْحِقْدُ وَالْحِقْدُ يقتضي التشفي والانتقام فإن عجز المبغض عَنْ أَنْ يَتَشَفَّى بِنَفْسِهِ أَحَبَّ أَنْ يَتَشَفَّى مِنْهُ الزَّمَانُ وَرُبَّمَا يُحِيلُ ذَلِكَ عَلَى كَرَامَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَهْمَا أَصَابَتْ عَدُوَّهُ بَلِيَّةٌ فَرِحَ بِهَا وَظَنَّهَا مُكَافَأَةً لَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ عَلَى بُغْضِهِ وَأَنَّهَا لِأَجْلِهِ وَمَهْمَا أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ سَاءَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ضِدُّ مُرَادِهِ وَرُبَّمَا يَخْطُرُ لَهُ أَنَّهُ لَا مَنْزِلَةَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَقِمْ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ الَّذِي آذَاهُ بَلْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَسَدُ يَلْزَمُ الْبُغْضَ وَالْعَدَاوَةَ وَلَا يُفَارِقُهُمَا وَإِنَّمَا غَايَةُ التَّقِيِّ أَنْ لَا يَبْغِيَ وَأَنْ يَكْرَهَ ذلك من نفسه فأما أن يبغض إنساناً ثم يستوي عنده مسرته ومساءته فهذا غير ممكن وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به أعني الحسد بالعداوة إذ قال الله تعالى وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن
পৃষ্ঠা - ৯৩৯
الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم الآية وكذلك قال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه
السبب الثاني التَّعَزُّزُ وَهُوَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَرَفَّعَ عليه غيره
فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علماً أو مالاً خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلاً ولكن لا يرضى بالترفع عليه
السبب الثالث الكبر وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبراً بعد أن كان متكبراً عليه ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطيء رءوسنا فقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (¬1)
أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيماً وقال تعالى يصف قول قريش أهؤلاء من الله عليهم من بيننا كالاستحقار لهم والأنفة منهم
السبب الرابع التعجب كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعاً أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر الأسباب وقالوا متعجبين أبعث الله بشراً رسولاً {وقالوا} لولا أنزل علينا الملائكة وقال تعالى أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم الآية
السبب الخامس الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بمقصوده ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية وتحاسد الأخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال والجاه وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهه محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له
السبب السادس حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر
¬_________
(¬1) حديث سبب نزول قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ذكره ابن إسحاق في السيرة وإن قائل ذلك الوليد بن المغيرة قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدهما ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف فنحن عظماء القريتين فأنزل الله فيما بلغني هذه الآية ورواه أبو محمد بن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيريهما من حديث ابن عباس إلا أنهما قالا مسعود بن عمرو وفي رواية لابن مردويه حبيب بن عمير الثقفي وهو ضعيف
পৃষ্ঠা - ৯৪০
وفريد العصر في فنه وأنه لا نظير له فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح بسبب تفرده وليس السبب في هذا عداوة ولا تعزز ولا تكبر على المحسود ولا خوف من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد
وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم
السبب السابع خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به فَهُوَ أَبَدًا يُحِبُّ الْإِدْبَارَ لِغَيْرِهِ وَيَبْخَلُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ كَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْ ملكه وخزانته ويقال البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح هو الذي يبخل بمال غيره فهذا يبخل بنعمة الله تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة هذا لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ إِلَّا خُبْثٌ فِي النفس ورذالة في الطبع عليه وقعت الجبلة ومعالجته شديدة لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته فهذه هي أسباب الحسد وَقَدْ يَجْتَمِعُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَوْ جَمِيعُهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَعْظُمُ فِيهِ الْحَسَدُ بِذَلِكَ وَيَقْوَى قُوَّةً لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الْإِخْفَاءِ وَالْمُجَامَلَةِ بَلْ يَنْهَتِكُ حِجَابُ الْمُجَامَلَةِ وتظهر العداوة بالمكاشفة
وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد سبب واحد منها
بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم
والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه
اعلم أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر بينهم الأسباب التي ذكرناها وإنما يقوى بين قوم تجتمع جملة من هذه الأسباب فيهم وتتظاهر إذ الشخص الواحد يجوز أن يحسد لأنه قد يمتنع عن قبول التكبر ولأنه يتكبر ولأنه عدو ولغير ذلك من الأسباب
وهذه الأسباب إنما تكثر بين أقوام تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض فإذا خالف واحد منهم صاحبه في غرض من الأغراض نفر طبعه عنه وأبغضه وثبت الحقد في قلبه فعند ذلك يريد أن يستحقره ويتكبر عليه ويكافئه على مخالفته لغرضه ويكره تمكنه من النعمة التي توصله إلى أغراضه وتترادف جملة من هذه الأسباب إذ لا رابطة بين شخصين في بلدتين متنائيتين فلا يكون بينهما محاسدة وكذلك في محلتين نعم إذا تجاورا في مسكن أو سوق أو مدرسة أو مسجد تواردا على مقاصد تتناقض فيها أغراضهما فيثور من التناقض التنافر والتباغض ومنه تثور بقية أسباب الحسد ولذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد والعابد يحسد العابد دون العالم والتاجر يحسد التاجر بل الإسكاف يحسد الإسكاف ولا يحسد البزاز إلا بسبب آخر سوى الاجتماع في الحرفة ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب والمرأة تحسد ضرتها وسرية زوجها أكثر مما تحسد أم الزوج وابنته
لأن مقصد البزاز غير مقصد الإسكاف فلا يتزاحمون على المقاصد إذ مقصد البزاز الثروة ولا يحصلها إلا بكثرة الزبون وإنما ينازعه فيه بزاز آخر إذ حريف البزاز لا يطلبه
পৃষ্ঠা - ৯৪১
الإسكاف بل البزاز ثم مزاحمة البزاز المجاور له أكثر من مزاحمة البعيد عنه إلى طرف السوق فلا جرم يكون حسده للجار أكثر وكذلك الشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم لأن مقصده أن يذكر بالشجاعة ويشتهر بها وينفرد بهذه الخصلة ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض وكذلك يحسد العالم العالم ولا يحسد الشجاع ثم حسد الواعظ للواعظ أكثر من حسده للفقيه والطبيب لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص فأصل هذه المحاسدات العداوة وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض واحد والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين فلذلك يكثر الحسد بينهما نعم من اشتد حرصه على الجاه وأحب الصيت في جميع أطراف العالم بما هو فيه فإنه يحسد كل من هو في العالم وإن بعد ممن يساهمه في الخصلة التي يتفاخر بها ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين أما الآخرة فلا ضيق فيها وإنما مثال الآخرة نعمة العلم فلا جرم من يحب معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وملائكته وأنبيائه وملكوت سمواته وأرضه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضاً لأن المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعلمه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الاستفادة والإفادة فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة لأن مقصدهم معرفة الله تعالى وهو بحر واسع لا ضيق فيه وغرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق أيضاً فيما عند الله تعالى لأن أجل ما عند الله سبحانه من النعيم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ومزاحمة ولا يضيق بعض الناظرين على بعض بل يزيد الأنس بكثرتهم نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسدوا لأن المال أعيان وأجسام إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الآخر ومعنى الجاه ملك القلوب ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر أو نقص عنه لا محالة فيكون ذلك سبباً للمحاسدة وإذا امتلأ قلب بالفرح بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتليء قلب غيره بها وأن يفرح بذلك والفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل من قلبه والمال أجسام وأعيان ولها نهاية فلو ملك الإنسان جميع ما في الأرض لم يبق بعده مال يتملكه غيره والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه صار ذلك ألذ عنده من كل نعيم ولم يكن ممنوعاً منه ولا مزاحماً فيه فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق لأن غيره أيضاً لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت لذته بمؤانسته فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة فإن نعيم العارف وجنته معرفته التي هي صفة ذاته يأمن زوالها وهو أبداً يجني ثمارها فهو بروحه وقلبه مغتذ بفاكهة علمه وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة بل قطوفها دانية فهو وإن غمض العين الظاهرة فروحه أبداً ترتع في جنة عالية ورياض زاهرة فإن فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين بل كانوا كما قال فيهم رب العالمين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء ومشاهدة المحبوب في العقبى فإذن لا يتصور أن يكون في الجنة محاسدة ولا أن يكون بين أهل الدنيا في الجنة محاسدة لأن الجنة لا مضايقة فيها ولا مزاحمة ولا تنال إلا بمعرفة الله تعالى التي لا مزاحمة فيها في الدنيا أيضاً فأهل الجنة بالضرورة برءاء من الحسد في الدنيا والآخرة جميعاً بل الحسد من صفات المبعدين عن سعة عليين إلى مضيق سجين ولذلك وسم به الشيطان اللعين وذكر من صفاته أنه حسد آدم عليه السلام على ما خص به من الاجتباء ولما دعى إلى السجود استكبر وأبى وتمرد وعصى فقد عرفت أنه لا حسد إلا للتوارد على مقصود
পৃষ্ঠা - ৯৪২
يضيق عن الوفاء بالكل ولهذا لا ترى الناس يتحاسدون على النظر إلى زينة السماء ويتحاسدون على رؤية البساتين التي هي جزء يسير من جملة الأرض وكل الأرض لا وزن لها بالإضافة إلى السماء ولكن السماء لسعة الأقطار وافيه بجميع الأبصار فلم يكن فيها تزاحم ولا تحاسد أصلاً فعليك إن كنت بصيراً وعلى نفسك مشفقاً أن تطلب نعمة لا زحمة فيها ولذة لا كدر لها ولا يوجد ذلك في الدنيا إلا في معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأفعاله وعجائب ملكوت السموات والأرض ولا ينال ذلك في الآخرة إلا بهذه المعرفة أيضاً فإن كنت لا تشتاق إلى معرفة الله تعالى ولم تجد لذتها وفتر عنها رأيك وضعفت فيها رغبتك فأنت في ذلك معذور إذ العنين لا يشتاق إلى لذة الوقاع والصبي لا يشتاق إلى لذة الملك فإن هذه لذات يختص بإدراكها الرجال دون الصبيان والمخنثين فكذلك لذة المعرفة يختص بإدراكها الرجال رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذكر الله ولا يشتاق إلى هذه اللذة غيرهم لأن الشوق بعد الذوق ومن لم يذق لم يعرف ومن لم يعرف لم يشتق ومن لم يشتق لم يطلب ومن لم يطلب لم يدرك ومن لم يدرك بقي مع المحرومين في أسفل السافلين وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شيطاناً فهو له قرين
بَيَانُ الدَّوَاءِ الَّذِي يَنْفِي مَرَضَ الْحَسَدِ عَنِ الْقَلْبِ
اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْعَظِيمَةِ لِلْقُلُوبِ وَلَا تُدَاوَى أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ هُوَ أَنْ تَعْرِفَ تَحْقِيقًا أَنَّ الْحَسَدَ ضَرَرٌ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِمَا وَمَهْمَا عَرَفْتَ هَذَا عَنْ بَصِيرَةٍ وَلَمْ تَكُنْ عَدُوَّ نَفْسِكَ وَصَدِيقَ عَدُوِّكَ فَارَقْتَ الْحَسَدَ لَا مَحَالَةَ أَمَّا كَوْنُهُ ضَرَرًا عَلَيْكَ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنَّكَ بِالْحَسَدِ سَخِطْتَ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرِهْتَ نِعْمَتَهُ الَّتِي قَسَّمَهَا بَيْنَ عِبَادِهِ وَعَدْلَهُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي مُلْكِهِ بِخَفِيِّ حِكْمَتِهِ فاستنكرت ذلك واستبشعته وهذه جناية على حَدَقَةِ التَّوْحِيدِ وَقَذًى فِي عَيْنِ الْإِيمَانِ وَنَاهِيكَ بِهِمَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ وَقَدِ انْضَافَ إِلَى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وَأَنْبِيَاءَهُ فِي حُبِّهِمُ الْخَيْرَ لِعِبَادِهِ تَعَالَى وَشَارَكْتَ إبليس وسائر الكفار فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا وَزَوَالَ النِّعَمِ وَهَذِهِ خَبَائِثُ فِي الْقَلْبِ تَأْكُلُ حَسَنَاتِ الْقَلْبِ كَمَا تأكل النار الحطب وتمحوها كما يمحو الليل والنهار وأما كونه ضرراً عليك فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّكَ تَتَأَلَّمُ بِحَسَدِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَتَعَذَّبُ بِهِ وَلَا تَزَالُ فِي كَمَدٍ وَغَمٍّ إِذْ أَعْدَاؤُكَ لَا يُخْلِيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نِعَمٍ يُفِيضُهَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَزَالُ تَتَعَذَّبُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ تَرَاهَا وَتَتَأَلَّمُ بِكُلِّ بَلِيَّةٍ تنصرف عنهم فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر قد نَزَلَ بِكَ مَا يَشْتَهِيهِ الْأَعْدَاءُ لَكَ وَتَشْتَهِيهِ لِأَعْدَائِكَ فَقَدْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمِحْنَةَ لِعَدُوِّكَ فَتَنَجَّزَتْ في الحال محنتك وغمك نقداً ومع هذا فلا تَزُولُ النِّعْمَةُ عَنِ الْمَحْسُودِ بِحَسَدِكَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ لَكَانَ مُقْتَضَى الْفِطْنَةِ إِنْ كُنْتَ عَاقِلًا أَنْ تَحْذَرَ مِنَ الْحَسَدِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَلَمِ الْقَلْبِ وَمَسَاءَتِهِ مَعَ عَدَمِ النَّفْعِ فَكَيْفَ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِمَا فِي الْحَسَدِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي الْآخِرَةِ فَمَا أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَنَالُهُ بَلْ مَعَ ضَرَرٍ يَحْتَمِلُهُ وَأَلَمٍ يُقَاسِيهِ فَيُهْلِكُ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ مِنْ غير جدوى ولا فائدة وأما أنه ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَوَاضِحٌ لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل غير معلوم قدره الله سبحانه فلا حيلة في دفعه بل كل شيء عنده بمقدار ولكل أجل كتاب
ولذلك شكا نبي من الأنبياء من امرأة ظالمة مستولية على الخلق فأوحى الله إليه فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الأزل لا سبيل إلى تغييره فاصبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها ومهما
পৃষ্ঠা - ৯৪৩
لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا يكون عليه إثم في الآخرة ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي وهذا غاية الجهل فإنه بلاء تشتهيه أولاً لنفسك فإنك أيضاً لا تخلو عن عدو يحسدك فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق لله تعالى عليك نعمة ولا على أحد من الخلق ولا نعمة الإيمان أيضاً لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان قال الله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم إذ ما يريد الحسود لا يكون نعم هو يضل بإرادته الضلال لغيره فإن أراد الكفر كفر فمن اشتهى أن تزول النعمة عن المحسود بالحسد فكأنما يريد أن يسلب نعمة الإيمان بحسد الكفار وكذا سائر النعم وإن اشتهيت أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ولا تزول عنك بحسد غيرك فهذا غاية الجهل والغباوة فإن كل واحد من حمقى الحساد أيضاً يشتهي أن يخص بهذه الخاصية ولست بأولى من غيرك فنعمة الله تعالى عليك في إن لم تزل النعمة بالحسد مما يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها وَأَمَّا أَنَّ الْمَحْسُودَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَوَاضِحٌ أَمَّا مَنْفَعَتُهُ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِكَ لَا سِيَّمَا إِذَا أَخْرَجَكَ الْحَسَدُ إِلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِالْغِيبَةِ وَالْقَدْحِ فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا تهديها إليه أعني أنك بذلك تُهْدِي إِلَيْهِ حَسَنَاتِكَ حَتَّى تَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مفلساً محروماً عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم تزل
نعم كان لله عليه نعمة إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى نعمة وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة
وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم ولذلك لا يشتهي عدوك موتك بل يشتهي أن تطول حياتك ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه فيتقطع قلبك حسداً ولذلك قيل
لا مات أعداؤك بل خلدوا ... حتى يروا فيك الذي يكمد
لا زلت محسوداً على نعمة ... فإنما الكامل من يحسد
ففرح عدوك بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته ولو علم خلاصك من ألم الحسد وعذابه لكان ذلك أعظم مصيبة وبليه عنده فما أنت فيما تلازمه من غم الحسد إلا كما يشتهيه عدوك فَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا عَرَفْتَ أَنَّكَ عَدُوُّ نَفْسِكَ وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ إِذْ تَعَاطَيْتَ مَا تَضَرَّرْتَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَانْتَفَعَ بِهِ عَدُوُّكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَصِرْتَ مَذْمُومًا عِنْدَ الْخَالِقِ وَالْخَلَائِقِ شَقِيًّا فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَنِعْمَةُ الْمَحْسُودِ دَائِمَةٌ شئت أم أبيت باقية ثم لم تقتصر على تحصيل مراد عدوك حتى وصلت إلى إدخال أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائك لأنه لما رآك محروماً من نعمة العلم والورع والجاه والمال الذي اختص به عدوك عنك خاف أن تحب ذلك له فتشاركه في الثواب بسبب المحبة لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكاً في الخير ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدنيا لم يفته ثواب الحب لهم مهما أحب ذلك فخاف إبليس أن تحب ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه فتفوز بثواب الحب فبغضه إليك حتى لا تلحقه بحبك كما لم تلحقه بعملك
وقد قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
পৃষ্ঠা - ৯৪৪
المرء مع من أحب (¬1)
وقام أعرابي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب فقال يا رسول الله متى الساعة فقال ما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت (¬2)
قال أنس فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ورسوله قال أنس فنحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ولا نعمل مثل عملهم ونرجو أن نكون معهم وقال أبو موسى قلت يا رسول الله الرجل يحب المصلين ولا يصلي ويحب الصوام ولا يصوم حتى عد أشياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مع من أحب (¬3)
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالماً فكن عالماً فإن لم تستطع أن تكون عالماً فكن متعلماً فإن لم تستطع أن تكون متعلماً فأحبهم فإن لم تستطع فلا تبغضهم فقال سبحان الله الذي جعل الله لنا مخرجاً
فانظر الآن كيف حسدك إبليس ففوت عليك ثواب الحب ثم لم يقنع به حتى بغض إليك أخاك وحملك على الكراهة حتى أثمت وكيف لا وعساك تحاسد رجلاً من أهل العلم وتحب أن يخطيء في دين الله تعالى وينكشف خطؤه ليفتضح وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك فليتك إذ فاتك اللحاق به ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم وعذاب الآخرة وقد جاء في الحديث أهل الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه (¬4)
أي من يكف عن الأذى والحسد والبغض والكراهة فانظر كيف أبعدك إبليس عن جميع المداخل الثلاثة حتى لا تكون من أهل واحد منها البتة فقد نفذ فيك حسد إبليس وما نفذ حسدك في عدوك بل على نفسك بل لو كوشفت بحالك في يقظة أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي سهما إلى عدوه ليصيب مقتله فلا يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمني فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمي أشد من الأولى فيرجع إلى عينه الأخرى فيعميها فيزداد غيظه فيعود على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة بعد أخرى وأعداؤه حوله يفرحون به ويضحكون عليه وهذا حال الحسود وسخرية الشيطان منه بل حالك في الحسد أقبح من هذا لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين ولو بقيتا لفاتتا بالموت لا محالة
والحسد يعود بالإثم والإثم لا يفوت بالموت ولعله يسوقه إلى غضب الله وإلى النار فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار فيقلعها لهيب النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود فلم يزلها عنه ثم أزالها عن الحاسد إذ السلامة من الإثم نعمة والسلامة من الغم والكمد نعمة قد زالتا عنه تصديقاً لقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وربما يبتلي بعين ما يشتهيه لعدوه وقلما يشمت شامت بمساءة إلا ويبتلى بمثلها حتى قالت عائشة رضي الله عنها ما تمنيت لعثمان شيئاً إلا نزل بي حتى لو تمنيت له القتل لقتلت فهذا إثم الحسد نفسه فكيف ما يجر إليه الحسد من الاختلاف وجحود الحق وإطلاق اللسان واليد بالفواحش في التشفي من الأعداء وهو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة
فهذه هي الأدوية العلمية فمهما تفكر الإنسان فيها بِذِهْنٍ صَافٍ وَقَلْبٍ حَاضِرٍ انْطَفَأَتْ نَارُ الْحَسَدِ من قلبه وعلم
¬_________
(¬1) حديث الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال هو مع من أحب متفق عليه من حديث ابن مسعود
(¬2) حديث سؤال الأعرابي متى الساعة فقال ما أعددت لها الحديث متفق عليه من حديث أنس
(¬3) حديث أبي موسى قلت يا رسول الله الرجل يحب المصلين ولا يصلي الحديث وفيه هو مع من أحب متفق عليه من حديث بلفظ آخر مختصرا الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال المرء مع من أحب
(¬4) حديث أهل الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه لم أجد له أصلا
পৃষ্ঠা - ৯৪৫
أنه مهلك نفسه ومفرح عدوه ومسخط ربه ومنغص عيشه
وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولاً طبعاً آخرا ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة تكلفاً كانت أو طبعاً تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقل مرغوبها وتعود القلوب التَّآلُفِ وَالتَّحَابِّ وَبِذَلِكَ تَسْتَرِيحُ الْقُلُوبُ مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ وَغَمِّ التَّبَاغُضِ
فَهَذِهِ هِيَ أَدْوِيَةُ الْحَسَدِ وَهِيَ نَافِعَةٌ جِدًّا إِلَّا أَنَّهَا مُرَّةٌ عَلَى الْقُلُوبِ جِدًّا وَلَكِنَّ النَّفْعَ فِي الدَّوَاءِ الْمُرِّ فَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَرَارَةِ الدَّوَاءِ لَمْ يَنَلْ حَلَاوَةَ الشِّفَاءِ وَإِنَّمَا تَهُونُ مَرَارَةُ هَذَا الدَّوَاءِ أَعْنِي التَّوَاضُعَ لِلْأَعْدَاءِ وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِمْ بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ بِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَقُوَّةِ الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل وعند ذلك يريد ما لا يكون إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد وفوات المراد ذل وخسة ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين إما بأن يكون ما تريد أو بأن تريد ما يكون والأول ليس إليك ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه وأما الثاني فللمجاهدة فيه مدخل وتحصيله بالرياضة ممكن فيجب تحصيله على كل عاقل هذا هو الدواء الكلي
فأما الدواء المفصل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على ما لا يغني وسيأتي تفصيل مداواة هذه الأسباب في مواضعها إن شاء الله تعالى فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة فإن لم تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة ولا يزال يعود مرة بعد أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده فإنه ما دام محباً للجاه فلا بد وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه ويغمه ذلك لا محالة وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه ولا يظهر بلسانه ويده فأما الخلو عنه رأساً فلا يمكنه والله الموفق
بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب
اعلم أن المؤذي ممقوت بالطبع ومن آذاك فلا يمكنك أن لا تبغضه غالباً فإذا تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له حتى يستوي عندك حسن حال عدوك وسوء حاله بل لا تزال تدرك في النفس بينهما تفرقة ولا يزال الشيطان ينازعك إلى الحسد له ولكن إن قوي ذلك فيك حتى بعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل بحيث يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية فأنت حسود عاص بحسدك وإن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت أيضاً حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل قال اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مما أوتوا وقال عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء {وقال} إن تمسسكم حسنة تسؤهم أما الفعل فهو غيبة وكذب وهو عمل صادر عن
পৃষ্ঠা - ৯৪৬
الحسد وليس هو عين الحسد بل محل الحسد القلب دون الجوارح نعم هذا الحسد ليس مظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك وبين الله تعالى وإنما يجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح فأما إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع فقد أديت الواجب عليك ولا يدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من هذا فأما تغيير الطبع ليستوي عنده المؤذي والمحسن ويكون فرحه أو غمه بما تيسر لهما من نعمة أو تنصب عليهما من بلية سواء فهذا مما لا يطاوع الطبع عليه ما دام ملتفتاً إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقاً بحب الله تعالى مثل السكران الواله فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة وهي عين الرحمة ويرى الكل عباد الله وأفعالهم أفعالا لله ويراهم مسخرين وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم ثم يرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان فإنه ينازع بالوسوسة فمهما قابل ذلك بكراهته وألزم قلبه هذه الحالة فقد أدى ما كلفه وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه لما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال غمه فإنه لا يضرك ما لم تبده وروي عنه موقوفاً ومرفوعاً إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ثلاثة لا يخلو منهن المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من الحسد أن لا يبغي والأولى أن يحمل هذا على ما ذكرناه من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل في مقابلة حب الطبع لزوال نعمة العدو وتلك الكراهة تمنعه من البغي والإيذاء فإن جميع ما ورد من الأحبار في ذم الحسد يدل ظاهره على أن كل حاسد آثم ثم الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فكل من يحب إساءة مسلم فهو حاسد فإذن كونه آثماً بمجرد حسد القلب من غير فعل هو في محل الاجتهاد والأظهر ما ذكرناه من حيث ظواهر الآيات والأخبار ومن حيث المعنى إذ يبعد أن يعفى عن العبد في إرادته إساءة مسلم واشتماله بالقلب على ذلك من غير كراهة وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك ثلاثة أحوال
أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك وتكره حبك لذلك وميل قلبك إليه بعقلك وتمقت نفسك عليه وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك وهذا معفو عنه قطعاً لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه
الثاني أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد المحظور قطعاً
الثالث وهو بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقت لنفسك على حسدك ومن غير إنكار منك على قلبك ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاه وهذا في محل الخلاف والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل