এহইয়া উলুম আদ-দিন

ربع العادات

كتاب آداب الكسب والمعاش

পৃষ্ঠা - ৪২০
فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت به جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (¬1) وَيَلْزَمُهَا لُزُومُ مَسْكَنِ النِّكَاحِ إِلَى آخِرِ الْعِدَّةِ وَلَيْسَ لَهَا الِانْتِقَالُ إِلَى أَهْلِهَا وَلَا الْخُرُوجُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَمِنْ آدَابِهَا أَنْ تَقُومَ بِكُلِّ خدمة في الدار تقدر عليها فقد روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني (¬2) ولقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ومعه أصحابه والنوى على رأسي فقال صلى الله عليه وسلم أخ أخ لينيخ ناقته ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد استحييت فجئت الزبير فحكيت له ما جرى فقال والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه تم كتاب آداب النكاح بحمد الله ومنه وصلى الله على كل عبد مصطفى كتاب آداب الكسب والمعاش وهو الكتاب الثالث من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم نحمد الله حمد موحد انمحق في توحيده ما سوى الواحد الحق وتلاشر ونمجده تمجيد من يصرح بأن كل شيء ما سوى الله باطل ولا يتحاشى وأن كل من في السموات والأرض لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ولا فراشا ونشكره إذ رفع السماء لعباده سقفاً مبنيا ومهد الأرض بساطا لهم وفراشا وكور الليل على النهار فجعل الليل لباسا والنهار معاشا لينتشروا في إبتغاء فضله وينتعشوا به عن ضراعة الحاجات انتعاشا ونصلي على رسوله الذي يصدر المؤمنون عن حوضه رواء بعد ورودهم عليه عطاشاً وعلى آله وأصحابه الذين لم يدعوا في نصرة دينه تشمراً وانكماشاً وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فإن رب الأرباب ومسبب الأسباب جعل الآخرة دار الثواب والعقاب والدنيا دار التمحل والاضطراب والتشمر والاكتساب وليس التشمر في الدنيا مقصوراً على المعاد دون المعاش بل المعاش ذريعة إلى المعاد ومعين عليه فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها والناس ثلاثة رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الفائزين والأقرب إلى الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المفتصدين ولن ينال رتبة ¬_________ (¬1) حديث أم حبيبة لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا متفق عليه (¬2) حديث أسماء تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرس وناضح فكنت أعلف فرسهالحديث متفق عليه
পৃষ্ঠা - ৪২১
الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السداد ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة وها نحن نورد آداب التجارات والصناعات وضروب الاكتسابات وسننها ونشرحها في خمسة أبواب الباب الأول فضل الكسب والحث عليه الباب الثاني في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات الباب الثالث في بيان العدل في المعاملة الباب الرابع في بيان الإحسان فيها الباب الخامس في شفقة التاجر على نفسه ودينه الباب الأول في فَضْلُ الْكَسْبِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ أَمَّا مِنَ الْكِتَابِ فقوله تعالى وجعلنا النهار معاشاً فَذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَقَالَ تَعَالَى وَجَعَلْنَا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون فَجَعَلَهَا رَبُّكَ نِعْمَةً وَطَلَبَ الشُّكْرَ عَلَيْهَا وَقَالَ تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وقال تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وَقَالَ تَعَالَى فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فضل الله وأما الأخبار فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء (¬2) وقال صلى الله عليه وسلم من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسئلة وسعياً على عياله وتعطفاً على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر (¬3) وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَظَرُوا إِلَى شَابٍّ ذِي جَلَدٍ وَقُوَّةٍ وَقَدْ بَكَّرَ يَسْعَى فَقَالُوا وَيْحَ هَذَا لَوْ كَانَ شَبَابُهُ وَجَلَدُهُ فِي سَبِيلِ الله فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسئلة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل الشيطان (¬4) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني بها عن الناس ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة (¬5) وفي الخبر إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف (¬6) وقال صلى الله عليه وسلم أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور (¬7) ¬_________ (¬1) حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة تقدم في النكاح (¬2) حديث التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي سعيد قال الترمذي حسن وقال الحاكم إنه من مراسيل الحسن ولابن ماجه والحاكم نحوه من حديث ابن عمر (¬3) حديث من طلب الدنيا حلالاً وتعففاً عن المسألة وسعياً على عيالهالحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بسند ضعيف (¬4) حديث كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ ذات يوم فنظر إِلَى شَابٍّ ذِي جَلَدٍ وَقُوَّةٍ وَقَدْ بَكَّرَ يسعى فقالوا ويح هذا لو كان جلده في سبيل اللهالحديث أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث كعب بن عجرة بسند ضعيف (¬5) حديث إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناسالحديث لم أجده هكذا وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال وفيه محمد بن سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث (¬6) حديث إن الله يحب المؤمن المحترف أخرجه الطبراني وابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر (¬7) حديث أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور أخرجه أحمد من حديث رافع بن خديج قيل يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ قَالَ عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور ورواه البزار والحاكم من رواية سعيد بن عمير عن عنه قال الحاكم صحيح الإسناد قال وذكر يحيى بن معين أن عم سعيد البراء بن عازب ورواه البيهقي من رواية سعيد بن عمير مرسلا وقال هذا هو المحفوظ وخطأ قول من قال عن عمه وحكاه عن البخاري ورواه أحمد والحاكم من رواية جميع ابن عمير عن خاله أبي بردة وجميع ضعيف والله أعلم
পৃষ্ঠা - ৪২২
وفي خبر آخر أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق (¬2) وروي أن عيسى عليه السلام رأى رجلاً فقال ما تصنع قال أتعبد قال من يعولك قال أخي قال أخوك أعبد منك وقال نبينا صلى الله عليه وسلم إني لا أعلم شيئاً يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا أمرتكم به وإني لا أعلم شيئاً يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه وإن الروح الأمين نفث في روعى إن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أمر بالإجمال في الطلب ولم يقل اتركوا الطلب ثم قال في آخره ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله تعالى فإن الله لا ينال ما عنده بمعصيته (¬3) وقال صلى الله عليه وسلم الأسواق موائد الله تعالى فمن أتاها أصاب منها (¬4) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلَهُ له أعطاه أو منعه (¬5) وقال من فتح على نفسه باباً من السؤال فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر (¬6) وأما الآثار فقد قال لقمان الحكيم لابنه يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقْعُدُ أحدكم عن طلب الرزق يقول اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تمطر ذهباً ولا فضة وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر رضي الله عنه أصبت استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما قال صاحبكم أحيحة فلن أزال على الزوراء أغمرها ... إن الكريم على الإخوان ذو المال وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي أمر دنياه ولا في أمر آخرته وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة قال التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وخالفه الحسن البصري في هذا وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري وقال الهيثم ربما يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه فيهون ذلك علي وقال أيوب كسب فيه شيء أحب إلي من سؤال الناس وجاءت ريح عاصفة في البحر فقال أهل السفينة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله وكان معهم فيها أما ترى هذه الشدة فقال ما هذه الشدة وإنما الشدة الحاجة إلى الناس وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني الغنى عن الناس وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته ¬_________ (¬1) حديث أحل ما أكل العبد كسب الصانع إذا نصح رواه أحمد من حديث أبي هريرة خير الكسب كسب العامل إذا نصح وإسناده حسن (¬2) حديث عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من حديث نعيم بن عبد الرحمن تسعة أعشار الرزق في التجارة ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن مندة ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان أنه تابعي فالحديث مرسل (¬3) حديث إني لا أعلم شيئاً يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه فإن الروح الأمين نفث في روعى إن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقهاالحديث رواه ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم من حديث ابن مسعود وذكره شاهدا لحديث أبي حميد وجابر وصححهما على شرط الشيخين وهما مختصران ورواه البيهقي في شعب الإيمان وقال إنه منقطع (¬4) حديث الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها رويناه في الطيوريات من قول الحسن البصري ولم أجده مرفوعا (¬5) حديث لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خير له من أن يأتي رجلاالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة (¬6) حديث من فتح على نفسه باباً من السؤال فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها وقال حسن صحيح
পৃষ্ঠা - ৪২৩
أَوْ مَسْجِدِهِ وَقَالَ لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ أحمد هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظل رمحي (¬1) وقوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير فقال تغذو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (¬2) فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد وروي أن الأوزاعي لقي إبراهيم بن أدهم رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب فقال له يا أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة وقال أبو سليمان الداراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ينادي مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية الأغيار وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ فَلَا يُنْجِيهِ من ذلك إلا الكسب والتجارة فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (¬3) وقيل لسلمان الفارسي أوصنا فقال من استطاع منكم أن يموت حاجاً أو غازياً أو عامراً لمسجد ربه فليفعل ولا يموتن تاجرا ولا خائناً فالجواب أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال فنقول لسنا نقول التجارة أفضل مطلقاً من كل شيء ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره لا ليصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك ظالماً خائناً فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان بقوله لا تمت تاجراً ولا خائناً وأراد بالتاجر طالب الزيادة فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففاً عن السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال وكان يعطى عن غير سؤال فالكسب أفضل لأنه إنما يعطى لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف والتستر أوفى من البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات أو عالم مُشْتَغِلٍ بِتَرْبِيَةِ عِلْمِ الظَّاهِرِ مِمَّا يَنْتَفِعُ النَّاسُ به في دينهم كالمفتي وَالْمُفَسِّرِ وَالْمُحَدِّثِ وَأَمْثَالِهِمْ أَوْ رَجُلٍ مُشْتَغِلٍ بِمَصَالِحِ المسلمين وقد تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد فهؤلاء إذا كانوا يُكْفَوْنَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلْمَصَالِحِ أَوِ الْأَوْقَافِ الْمُسْبَلَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ فَإِقْبَالُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ أَفْضَلُ مِنِ اشْتِغَالِهِمْ بِالْكَسْبِ ولهذا أوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ولم يوح إليه أن كن من التاجرين لأنه كان جامعاً لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط بها الوصف وَلِهَذَا أَشَارَ الصَّحَابَةُ عَلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِ التِّجَارَةِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنِ الْمَصَالِحِ وَكَانَ يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَرَأَى ذَلِكَ أَوْلَى ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ أَوْصَى بِرَدِّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ رَآهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان أحداهما ¬_________ (¬1) حديث إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح (¬2) حديث ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي حسن صحيح (¬3) حديث ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند فيه لين
পৃষ্ঠা - ৪২৪
أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس وما يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم وأفضل لهم الحالة الثانية الحاجة إلى السؤال وهذا في محل النظر والتشديدات التي رويناها في السؤال وذمه تدل ظاهراً على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد العبد ونظره لنفسه بأن يقابل ما يلقي في السؤال من المذلة وهتك المروءة والحاجة إلى التثقيل والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل من الفائدة له ولغيره فرب شخصٍ تكثر فائدة الخلق وفائدته في اشتغاله بالعلم أو العمل ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في السلف من له ثلثمائة وستون صديقا ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من قبولهم لمبراتهم فكان قبولهم لمبراتهم خيراً مضافاً لهم إلى عباداتهم فينبغي أن يدقق النظر في هذه الأمور فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ يستعين به على الدين والمعطي يعطيه عن طيب قلب ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ويستوضح من قلبه ما هو الأفضل له بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه فضيلة الكسب وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعاً لأربعة أمور الصحة والعدل والإحسان والشفقة على الدين ونحن نعقد في كل واحد باباً ونبتدئ بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني الباب الثاني في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار المكاسب في الشرع اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم جملي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال ولو قال لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي فيقال له وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وعلم العقود كثير ولكن هذه العقود الستة لا تنفك المكاسب عنها وهي البيع والربا والسلم والإجارة والشركة والقراض فلنشرح شروطها العقد الأول البيع وقد أحله الله تعالى وله ثلاثة أركان العاقد والمعقود عليه واللفظ الركن الأول العاقد ينبغي للتاجر أن لا يعامل بالبيع أربعة الصبي والمجنون والعبد والأعمى لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون وبيعهما باطل فلا يصح بيع الصبي وإن أذن له فيه الولي عند الشافعي وما أخذه منهما مضمون عليه لهما
পৃষ্ঠা - ৪২৫
وما سلمه في المعاملة إليهما فضاع في أيديهما فهو المضيع له وأما العبد العاقل فلا يصح بيعه وشراؤه إلا بإذن سيده فعلى البقال والخباز والقصاب وغيرهم أن لا يعاملوا العبيد ما لم تأذن لهم السادة في معاملتهم وذلك بأن يسمعه صريحاً أو ينتشر في البلد أنه مأذون له في الشراء لسيده وفي البيع له فيعول على الاستفاضة أو على قول عدل يخبره بذلك فإن عامله بغير إذن السيد فعقده باطل وما أخذه منه مضمون عليه لسيده وما تسلمه إن ضاع في يد العبد لا يتعلق برقبته ولا يضمنه سيده بل ليس له إلا المطالبة إذا عتق وأما الأعمى فإنه يبيع ويشتري ما لا يرى فلا يصح ذلك فليأمره بأن يوكل وكيلاً بصيراً ليشتري له أو يبيع فيصح توكيله ويصح بيع وكيله فإن عامله التاجر بنفسه فالمعاملة فاسدة وما أخذه منه مضمون عليه بقيمته وما سلمه إليه أيضاً مضمون له بقيمته وأما الكافر فتجوز معاملته لكن لا يباع منه المصحف ولا العبد المسلم ولا يباع منه السلاح إن كان من أهل الحرب فإن فعل فهي معاملات مردودة وهو عاص بها ربه وأما الجندية من الأتراك والتركمانية والعرب والأكراد والسراق والخونة وأكلة الربا والظلمة وكل من أكثر ماله حرام فلا ينبغي أن يتملك مما في أيديهم شيئاً لأجل أنها حرام إلا إذا عرف شيئاً بعينه أنه حلال وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الحلال والحرام الركن الثاني في المعقود عليه وهو المال المقصود نقله من أحد العاقدين إلى الآخر ثمناً كان أو مثمناً فيعتبر فيه ستة شروط الأول أن لا يكون نجساً في عينه فلا يصح بيع كلب وخنزير ولا بيع زبل وعذرة ولا بيع العاج والأواني المتخذة منه فإن العظم ينجس بالموت ولا يطهر الفيل بالدبح ولا يطهر عظمه بالتذكية ولا يجوز بيع الخمر ولا بيع الودك النجس المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل وإن كان يصلح للاستصباح أو طلاء السفن ولا بأس ببيع الدهن الطاهر في عينه الذي نجس بوقوع نجاسة أو موت فأرة فيه فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل وهو في عينه ليس بنجس وكذلك لا أرى بأساً ببيع بزر القز فإنه أصل حيوان ينتفع به تشبيهه بالبيض وهو أصل حيوان أولى من تشبيهه بالروث ويجوز بيع فأرة المسك ويقضى بطهارتها إذا انفصلت من الظبية في حالة الحياة الثاني أن يكون منتفعاً به فلا يجوز بيع الحشرات ولا الفأرة ولا الحية ولا التفات إلى انتفاع المشعبذ بالحية وكذا لاالتفات إلى انتفاع أصحاب الحلق بإخراجها من السلة وعرضها على الناس ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والأسد وما يصلح لصيد أو ينتفع بجلده ويجوز بيع الفيل لأجل الحمل ويجوز بيع الطوطي وهي الببغاء والطاوس والطيور المليحة الصور وإن كانت لا تؤكل فإن التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح وإنما الكلب هو الذي لا يجوز أن يقتني إعجاباً بصورته لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه (¬1) ولا يجوز بيع العود والصنج والمزامير والملاهي فإنه لا منفعة لها شرعاً وكذا بيع الصور المصنوعة من الطين كالحيوانات التي تباع في الأعياد للعب الصبيان فإن كسرها واجب شرعاً وصور الأشجار متسامح بها وأما الثياب والأطباق وعليها صور الحيوانات فيصح بيعها وكذا الستور وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رضي الله عنها اتخذي منها نمارق (¬2) ولا يجوز استعمالها منصوبة ويجوز موضوعة وإذا جاز الانتفاع من وجه صح البيع لذلك الوجه الثالث أن يكون المتصرف فيه مملوكاً للعاقد أو مأذوناً من جهة المالك ولا يجوز أن يشتري من غير المالك انتظاراً للإذن من المالك بل لو رضي بعد ذلك وجب استئناف العقد ولا ينبغي أن يشتري من الزوجة مال ¬_________ (¬1) حديث النهي عن اقتناء الكلب متفق عليه من حديث ابن عمر من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان (¬2) حديث اتخذي منها نمارق يقوله لعائشة متفق عليه من حديثها
পৃষ্ঠা - ৪২৬
الزوج ولا من الزوج مال الزوجة ولا من الوالد مال الولد ولا من الولد مال الوالد اعتماداً على أنه لو عرف لرضي فإنه إذا لم يكن الرضا متقدماً لم يصح البيع وأمثال ذلك مما يجري في الأسواق فواجب على العبد المتدين أن يحترز منه الرابع أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه شرعاً وحساً فما لا يقدر على تسليمه حساً لا يصح بيعه كالآبق والسمك في الماء والجنين في البطن وعسب الفحل وكذلك بيع الصوف على ظهر الحيوان واللبن في الضرع لا يجوز فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع والمعجوز عن تسليمه شرعاً كالمرهون والموقوف والمستولدة فلا يصح بيعها أيضاً وكذا بيع الأم دون الولد إذا كان الولد صغيرا وكذا بيع الولد دون الأم لأن تسليمه تفريق بينهما وحرام فلا يصح التفريق بينهما بالبيع الخامس أن يكون المبيع معلوم العين والقدر والوصف أما العلم بالعين فبأن يشير إليه بعينه فلو قال بعتك شاة من هذا القطيع أي شاة أردت أو ثوباً من هذه الثياب التي بين يديك أو ذراعاً من هذا الكرباس وخذه من أي جانب شئت أو عشرة أذرع من هذه الأرض وخذه من أي طرف شئت فالبيع باطل وكل ذلك مما يعتاده المتساهلون في الدين إلا أن يبيع شائعاً مثل أن يبيع نصف الشيء أو عشره فإن ذلك جائز وأما العلم بالقدر فإنما يحصل بالكيل أو الوزن أو النظر إليه فلو قال بعتك هذا الثوب بما باع به فلان ثوبه وهما لا يدريان ذلك فهو باطل ولو قال بعتك بزنة هذه الصنجة فهو باطل إذا لم تكن الصنجة معلومة ولو قال بعتك هذه الصبرة من الحنطة فهو باطل أو قال بعتك بهذه الصرة من الدراهم أو بهذه القطعة من الذهب وهو يراها صح البيع وكان تخمينه بالنظر كافياً في معرفة المقدار وأما العلم بالوصف فيحصل بالرؤية في الأعيان ولا يصح بيع الغائب إلا إذا سبقت رؤيته مذ مدة لا يغلب التغير فيها والوصف لا يقوم مقام العيان هذا أحد المذهبين ولا يجوز بيع الثوب في المنسج اعتماداً على الرقوم ولا بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها وكذا بيع الجوز واللوز في القشرة السفلى ولا يجوز في القشرتين ويجوز بيع الباقلاء الرطب في قشرته للحاجة ويتسامح ببيع الفقاع لجريان عادة الأولين به ولكن نجعله إباحة بعوض فإن اشتراه ليبيعه فالقياس بطلانه لأنه ليس مستتراً ستر خلقة ولا يبعد أن يتسامح به إذ في إخراجه إفساده كالرمان وما يستر بستر خلق معه السادس أن يكون المبيع مقبوضاً إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة وهذا شرط خاص وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع ما لم يقبض (¬1) ويستوي فيه العقار والمنقول فكل ما اشتراه أو باعه قبل القبض فبيعه باطل وقبض المنقول بالنقل وقبض العقار بالتخلية وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل لا يتم إلا بأن يكتاله وأما بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلاً فيه بمعاوضة فهو جائز قبل القبض الركن الثالث لفظ العقد فلا بد من جريان إيجاب وقبول متصل به بلفظ دال على المقصود مفهم إما صريح أو كناية فلو قال أعطيتك هذا بذاك بدل قوله بعتك فقال قبلته جاز مهما قصدا به البيع لأنه قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين أو دابتين والنية تدفع الاحتمال والصريح أقطع للخصومة ولكن الكناية تفيد الملك أيضاً والحل فيما يختاره ولا ينبغي أن يقرر بالبيع شرطاً على خلاف مقتضى العقدة فلو شرط أن يزيد شيئاً آخر وأن يحمل المبيع إلى داره أو اشترى الحطب بشرط النقل إلى داره كل ذلك فاسد إلا إذا أفرد استئجاره على النقل بأجرة معلومة منفردة عن الشراء للمنقول ومهما لم يجر بينهما إلا المعاطاة بالفعل دون التلطف باللسان لم ينعقد البيع ¬_________ (¬1) حديث النهي عن بيع ما لم يقبض متفق عليه من حديث ابن عباس
পৃষ্ঠা - ৪২৭
عند الشافعي أصلاً وانعقد عند أبي حنيفة إن كان في المحقرات ثم ضبط المحقرات عسير فإن رد الأمر إلى العادات فقد جاوز الناس المحقرات في المعاطاة إذ يتقدم الدلال إلى البزاز يأخذ منه ثوباً ديباجاً قيمته عشرة دنانير مثلاً ويحمله إلى المشتري ويعود إليه بأنه ارتضاه فيقول له خذ عشرة فيأخذ من صاحبه العشرة ويحملها ويسلمها إلى البزاز فيأخذها ويتصرف فيها ومشترى الثوب يقطعه ولم يجر بينهما إيجاب وقبول أصلاً وكذلك يجتمع المجهزون على حانوت البياع فيعرض متاعاً قيمته مائة دينار مثلاً فيمن يزيد فيقول أحدهم هذا علي بتسعين ويقول الآخر هذا علي بخمسة وتسعين ويقول الآخر هذا بمائة فيقال له زن فيزن ويسلم ويأخذ المتاع من غير إيجاب وقبول فقد استمرت به العادات وهذه من المعضلات التي ليست تقبل العلاج إذ الاحتمالات ثلاثة إما فتح باب المعاطاة مطلقاً في الحقير والنفيس وهو محال إذ فيه نقل الملك من غير لفظ دال عليه وقد أحل الله البيع والبيع اسم للإيجاب والقبول ولم يجر ولم ينطلق اسم البيع على مجرد فعل بتسليم وتسلم فبماذا يحكم بانتقال الملك من الجانبين لا سيما في الجواري والعبيد والعقارات والدواب النفيسة وما يكثر التنازع فيه إذ للمسلم أن يرجع ويقول قد ندمت وما بعته إذ لم يصدر مني إلا مجرد تسليم وذلك ليس ببيع الاحتمال الثاني أن نسد الباب بالكلية كما قال الشافعي رحمه الله من بطلان العقد وفيه إشكال من وجهين أحدهما أنه يشبه أن يكون ذلك في المحقرات معتاداً في زمن الصحابة ولو كانوا يتكلفون الإيجاب والقبول من البقال والخباز والقصاب لثقل عليهم فعله ولنقل ذلك نقلا منتشرا ولكان يشتهر وقت الإعراض بالكلية عن تلك العادة فإن الأعصار في مثل هذا تتفاوت والثاني أن الناس الآن قد انهمكوا فيه فلا يشتري الإنسان شيئاً من الأطعمة وغيرها إلى ويعلم أن البائع قد ملكه بالمعاطاة فأي فائدة في تلفظه بالعقد إذا كان الأمر كذلك الاحتمال الثالث أن يفصل بين المحقرات وغيرها كما قاله أبو حنيفة رحمه الله وعند ذلك يتعسر الضبط في المحقرات ويشكل وجه نقل الملك من غير لفظ يدل عليه وقد ذهب ابن سريج إلى تخريج قول للشافعي رحمه الله على وفقه وهو أقرب الاحتمالات إلا الاعتدال فلا بأس لو ملنا إليه لمسيس الحاجات ولعموم ذلك بين الخلق ولما يغلب على الظن بأن ذلك كان معتاداً في الأعصار الأولى فأما الجواب عن الإشكالين فهو أن نقول أما الضبط في الفصل بين المحقرات وغيرها فليس علينا تكلفة بالتقدير فإن ذلك غير ممكن بل له طرفان واضحان إذ لا يخفى أن شراء البقل وقليل من الفواكه والخبز واللحم من المعدود من الحقرات التي لا يعتاد فيها إلا المعاطاة وطالب الإيجاب والقبول فيه يعد مستقصياً ويستبرد تكليفه لذلك ويستثقل وينسب إلى أنه يقيم الوزن لأمر حقير ولى وجه له هذا طرف الحقارة والطرف الثاني الدواب والعبيد والعقارات والثياب النفيسة فذلك مما لا يستبعد تكلف الإيجاب والقبول فيها وبينهما أوساط متشابهة يشك فيها هي في محل الشبهة فحق ذي الدين أن يميل فيها إلى الاحتياط وجميع ضوابط الشرع فيما يعلم بالعادة كذلك ينقسم إلى أطراف واضحة وأوساط مشكلة وأما الثاني وهو طلب سبب لنقل الملك فهو أن يجعل الفعل باليد أخذاً وتسليماً سبباً لعينه بل لدلالته وهذا الفعل قد دل على مقصود البيع دلالة مستمرة في العادة وانضم إليه مسيس الحاجة وعادة الأولين واطراد جميع العادات بقبول الهدايا من غير إيجاب وقبول مع التصرف فيها وأي فرق بين أن يكون فيه عوض أو لا يكون إذ الملك لا بد من نقله في الهبة أيضاً إلا أن العادة السالفة لم تفرق في الهدايا بين الحقير والنفيس بل كان طلب الإيجاب والقبول يستقبح فيه كيف كان وفي المبيع لم يستقبح في غير المحقرات هذا ما نراه أعدل الاحتمالات وحق الورع المتدين أن لا يدع الإيجاب والقبول للخروج عن شبهة الخلاف فلا ينبغي أن يمتنع من ذلك لأجل
পৃষ্ঠা - ৪২৮
أن البائع قد تملكه بغير إيجاب وقبول فإن ذلك لا يعرف تحقيقاً فربما اشتراه بقبول وإيجاب فإن كان حاضراً عند شرائه أو أقر البائع به فيمتنع منه وليشتر من غيره فإن كان الشيء محقراً وهو إليه محتاج فليتلفظ بالإيجاب والقبول فإنه يستفيد به قطع الخصومة في المستقبل معه إذ الرجوع من اللفظ الصريح غير ممكن ومن الفعل ممكن فإن قلت فإن أمكن هذا فيما يشتريه فكيف يفعل إذا حضر في ضيافة أو على مائدة وهو يعلم أن أصحابها يكتفون بالمعاطاة في البيع والشراء أو سمع منهم ذلك أو رآه أيجب عليه الامتناع من الأكل فأقول يجب عليه الامتناع من الشراء إذا كان ذلك الشيء الذي اشتروه مقداراً نفيساً ولم يكن من المحقرات وأما الأكل فلا يجب الامتناع منه فإني أقول إن ترددنا في جعل الفعل دلالة على نقل الملك فلا ينبغي أن لا نجعله دلالة على الإباحة فإن أمر الإباحة أوسع وأمر نقل الملك أضيق فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة فتسليم البائع إذن في الأكل يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال أبحت لك أن تأكل هذا الطعام أو تطعم من أردت فإنه يحل له ولو صرح وقال كل هذا الطعام ثم أغرم لي عوضه لحل الأكل ويلزمه الضمان بعد الأكل هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه ومتلفاً له فعليه الضمان وذلك في ذمته والثمن الذي سلمه إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه فله أن يتملكه مهما عجز عن مطالبة من عليه وإن كان قادراً على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه فعليه المراجعة وأما ههنا فقد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضاء بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه فيأخذه بحقه لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك ثم يكون قد تملك بمجرد رضاً استفاده من الفعل دون القول وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري فيسقط فيكون كالقاضي دينه والمتحمل عنه فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها والعلم عند الله وهذه احتمالات وظنون رددناها ولا يمكن بناء الفتوى إلا على هذه الظنون وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتى قلبه ويتقي مواضع الشبه العقد الثاني عقد الربا وقد حرمه الله تعالى وشدد الأمر فيه ويجب الاحتراز منه على الصيارفة المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة إذ لا ربا إلا في نقد أو في طعام وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل أما النسيئة فأن لا يبيع شيئاً من جواهر النقدين بشيء من جواهر النقدين إلا يداً بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة وتسليم الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه وأما الفضل فيحترز منه في ثلاثة أمور في بيع المكسر بالصحيح فلا تجوز المعاملة فيهما إلا مع المماثلة وفي بيع الجيد بالرديء فلا ينبغي أن يشتري رديئاً بجيد دونه في الوزن أو يبيع رديئاً بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة إن كان
পৃষ্ঠা - ৪২৯
مقدرا الذهب مجهولاً لم تصح المعاملة عليها أصلاً إلا إذا كان ذلك نقداً جارياً في البلد فإنا نرخص في المعاملة عليه إذا لم يقابل بالنقد وكذا الدراهم المغشوشة بالنحاس إن لم تكن رائجة في البلد لم تصح المعاملة عليها لأن المقصود منها النقرة وهي مجهولة وإن كان نقداً رائجاً في البلد رخصنا في المعاملة لأجل الحاجة وخروج النقرة عن أن يقصد استخراجها ولكن لا يقابل بالنقرة أصلاً وكذلك كل حلي مركب من ذهب وفضة فلا يجوز شراؤه لا بالذهب ولا بالفضة بل ينبغي أن يشتري بمتاع آخر إن كان قدر الذهب منه معلوماً إلا إذا كان مموهاً بالذهب تمويهاً لا يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار فيجوز بيعها بمثلها من النقرة بما أريد من غير النقرة وكذلك لا يجوز للصيرفي أن يشتري قلادة فيها خرز وذهب بذهب ولا أن يبيعه بل بالفضة يداً بيد إن لم يكن فيها فضة ولا يجوز شراء ثوب منسوج بذهب يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار بذهب ويجوز بالفضة غيرها وأما المتعاملون على الأطعمة فعليهم التقابض في المجلس اختلف جنس الطعام المبيع والمشترى أو لم يختلف فإن اتحد الجنس فعليهم التقابض ومراعاة المماثلة والمعتاد في هذا معاملة القصاب بأن يسلم إليه الغنم ويشتري بها اللحم نقداً أو نسيئة فهو حرام ومعاملة الخباز بأن يسلم إليه الحنطة ويشتري بها الخبز نسيئة أو نقداً فهو حرام ومعاملة العصار بإن يسلم إليه البزر والسمسم والزيتون ليأخذ منه الأدهان فهو حرام وكذا اللبان يعطي اللبن ليؤخذ منه الجبن والسمن والزبد وسائر أجراء اللبن فهو أيضاً حرام ولا يباع الطعام بغير جنسه من الطعام إلا نقداً وبجنسه إلا نقداً ومتماثلاً وكل ما يتخذ من الشيء المطعوم فلا يجوز أن يباع به متماثلاً ولا متفاضلاً فلا يباع بالحنطة دقيق وخبز وسويق ولا بالعنب والتمر دبس وخل وعصير ولا باللبن سمن وزبد ومخيض ومصل وجبن والمماثلة لا تفيد إذا لم يكن الطعام في حال كمال الادخار فلا يباع الرطب بالرطب والعنب بالعنب متفاضلاً ومتماثلاً فهذه جمل مقنعة في تعريف البيع والتنبيه على ما يشعر التاجر بمثارات الفساد حتى يستفتي فيها إذا تشكك والتبس عليه شيء منها وإذا لم يعرف هذا لم يتفطن لمواضع السؤال واقتحم الربا والحرام وهو لا يدري العقد الثالث السلم وليراع التاجر فيه عشرة شروط الأول أن يكون رأس المال معلوماً على مثله حتى لو تعذر تسليم المسلم فيه أمكن الرجوع إلى قيمة رأس المال فإن أسلم كفا من الدراهم جزافاً في كر حنطة لم يصح في أحد القولين الثاني أن يسلم رأس المال في مجلس العقد قبل التفرق فلو تفرقا قبل القبض انفسخ السلم الثالث أن يكون المسلم فيه مما يمكن تعريف أوصافه كالحبوب والحيوانات والمعادن والقطن والصوف والابريسم والألبان واللحوم ومتاع العطارين وأشباهها ولا يجوز في المعجونات والمركبات وما تختلف أجزاؤه كالقسي المنوعة والنبل المعمول والخفاف والنعال المختلفة أجزاؤها وصنعتها وجلود الحيوانات ويجوز السلم في الخبز وما يتطرق إليه من اختلاف قدر الملح والماء بكثرة الطبخ وقلته يعفى عنه ويتسامح فيه الرابع أن يستقصي وصف هذه الأمور القابلة للوصف حتى لا يبقى وصف تتفاوت به القيمة تفاوتاً لا يتغابن بمثله الناس إلا ذكره فإن ذلك الوصف هو القائم مقام الرؤية في البيع الخامس أن يجعل الأجل معلوماً إن كان مؤجلاً فلا يؤجل إلى الحصاد ولا إلى إدراك انثمار بل إلى الأشهر والأيام فإن الإدراك قد يتقدم وقد يتأخر السادس إن يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل ويؤمن فيه وجوده غالباً فلا ينبغي إن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه وكذا سائر الفواكه فإن كان الغالب وجوده وجاء المحل وعجز عن التسليم بسبب آفة فله أن يمهله إن شاء أو يفسخ ويرجع في رأس المال
পৃষ্ঠা - ৪৩০
إن شاء السابع أن يذكر مكان التسليم فيما يختلف الغرض به كي لا يثير ذلك نزاعاً الثامن أن لا يعلقه بمعين فيقول من حنطة هذا الزرع أو ثمرة هذا البستان فإن ذلك يبطل كونه ديناً نعم لو أضاف إلى ثمرة بلد أو قرية كبيرة لم يضر ذلك التاسع أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود مثل درة موصوفة يعز وجود مثلها أو جارية حسناء معها ولدها أو غير ذلك مما لا يقدر عليه غالباً العاشر أن لا يسلم في طعام مهما كان رأس المال طعاماً سواء كان من جنسه أو لم يكن ولا يسلم في نقد إذا كان رأس المال نقداً وقد ذكرنا هذا في الربا العقد الرابع الإجارة وله ركنان الأجرة والمنفعة فأما العاقد واللفظ فيعتبر فيه ما ذكرناه في البيع والأجرة كالثمن فينبغي أن يكون معلوماً وموصوفاً بكل ما شرطناه في المبيع إن كان عيناً فإن كان ديناً فينبغي أن يكون معلوم الصفة والقدر وليحترز فيه عن أمور جرت العادة بها وذلك مثل كراء الدار بعمارتها فذلك باطل إذ قدر العمارة مجهول ولو قدر دراهم وشرط على المكتري أن يصرفها إلى العمارة لم يجز لأن عمله في الصرف إلى العمارة مجهول ومنها استئجار السلاخ على أن يأخذ الجلد بعد السلخ واستئجار حمال الجيف بجلد الجيفة واستئجار الطحان بالنخالة أو بعض الدقيق فهو باطل وكذلك كل ما يتوقف حصوله وانفصاله على عمل الأجير فلا يجوز أن يجعل أجرة ومنها أن يقدر في إجارة الدور والحوانيت مبلغ الأجر فلو قال لكل شهر دينار ولم يقدر أشهر الإجارة كانت المدة مجهولة ولم تنعقد الإجارة الركن الثاني المنفعة المقصودة بالإجارة وهي العمل وحده إن كان عمل مباح معلوم يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عن الغير فيجوز الاستئجار عليه وجملة فروع الباب تندرج تحت هذه الرابطة ولكنا لا نطول بشرحها فقد طولنا القول فيها في الفقهيات وإنما نشير إلى ما تعم به البلوى فليراع في العمل المستأجر عليه خمسة أمور الأول أن يكون متقوما بأن يكون فيه كلفة وتعب فلو استأجر طعاماً ليزين به الدكان أو أشجاراً ليجفف عليها الثياب أو دراهم ليزين بها الدكان لم يجز فإن هذه المنافع تجري مجرى حبة سمسم وحبة بر من الأعيان وذلك لا يجوز بيعه وهي كالنظر في مرآة الغير والشرب من بئره والاستظلال بجداره والاقتباس من ناره ولهذا لو استأجر بياعاً على أن يتكلم بكلمة يروج بها سلعته لم يجز وما يأخذه البياعون عوضاً عن حشمتهم وجاههم وقبول قولهم في ترويج السلع فهو حرام إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها ولا قيمة لها وإنما يحل لهم ذلك إذ تعبوا بكثرة التردد أو بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل فأما ما تواطأ عليه الباعة فهو ظلم وليس مأخوذاً بالحق الثاني أن لا تتضمن الإجارة استيفاء عين مقصودة فلا يجوز إجارة الكرم لارتفاقه ولا إجارة المواشي للبنها ولا إجارة البساتين لثمارها ويجوز استئجار المرضعة ويكون اللبن تابعاً لأن إفراده غير ممكن وكذا يتسامح بحبر الورق وخيط الخياط لأنهما لا يقصدان على حيالهما الثالث أن يكون العمل مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يصح استئجار الضعيف على عمل لا يقدر عليه ولا استئجار الأخرس على التعليم ونحوه وما يحرم فعله فالشرع يمنع من تسليمه كالاستئجار على قلع سن سليمة أو قطع عضو لا يرخص الشرع في قطعه أو استئجار الحائض على كنس المسجد أو المعلم على تعليم السحر أو الفحش أو استئجار زوجة الغير على الإرضاع دون إذن زوجها أو استئجار المصور على تصوير الحيوانات أو استئجار الصائغ على صيغة الأواني من الذهب والفضة فكل ذلك باطل الرابع أن لا يكون العمل واجبا على الأجير أو لا يكون بحيث لا تجري
পৃষ্ঠা - ৪৩১
النيابة فيه عن المستأجر فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد ولا سائر العبادات التي لا نيابة فيها إذ لا يقع ذلك عن المستأجر ويجوز عن الحج وغسل الميت وحفر القبور ودفن الموتى وحمل الجنائز وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح وعلى الأذان وعلى التصدي للتدريس وإقراء القرآن خلاف أما الاستئجار على تعليم مسئلة بعينها أو تعليم سورة بعينها لشخص معين فصحيح الخامس أن يكون العمل والمنفعة معلوماً فالخياط يعرف عمله بالثوب والمعلم يعرف عمله بتعيين السورة ومقدارها وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وبمقدار المسافة وكل ما يثير خصومة في العادة فلا يجوز إهماله وتفصيل ذلك يطول وإنما ذكرنا هذا القدر ليعرف به جليات الأحكام ويتفطن به لمواقع الإشكال فيسأل فإن الاستقصاء شأن المفتي لا شأن العوام العقد الخامس القراض وليراع فيه ثلاثة أركان الركن الأول رأس المال وشرطه أن يكون نقداً معلوماً مسلماً إلى العامل فلا يجوز القراض على الفلوس ولا على العروض فإن التجارة تضيق فيه ولا يجوز على صرة من الدراهم لأن قدر الربح لا يتبين فيه ولو شرط مالك اليد لنفسه لم يجز لأن فيه تضييق طريق التجارة الركن الثاني الربح وليكن معلوماً بالجزئية بأن يشترط له الثلث أو النصف أو ما شاء فلو قال على أن لك من الربح مائة والباقي لي لم يجز إذ ربما لا يكون الربح أكثر من مائة فلا يجوز تقديره بمقدار معين بل بمقدار شائع الثالث العمل الذي على العامل وشرطه أن يكون تجارة غير مضيقة عليه بتعيين وتأقيت فلو شرط أن يشتري بالمال ماشية ليطلب نسلها فيتقاسمان النسل أو حنطة فيخبزها ويتقاسمان الربح لم يصح لأن القراض مأذون فيه في التجارة وهو البيع والشراء وما يقع من ضرورتهما فقط وهذا حرف أعني الخبز ورعاية المواشي ولو ضيق عليه وشرط أن لا يشتري إلا من فلان أو لا يتجر إلا في الخز الأحمر أو شرط ما يضيق باب التجارة فسد العقد ثم مهما انعقد فالعامل وكيل فيتصرف بالغبطة تصرف الوكلاء ومهما أراد المالك الفسخ فله ذلك فإذا فسخ في حالة والمال كله فيها نقد لم يخف وجه القسمة وإن كان عروضاً ولا ربح فيه رد عليه ولم يكن للمالك تكليفه أن يرده إلى النقد لأن العقد قد انفسخ وهو لم يلتزم شيئاً وإن قال العامل أبيعه وأبي المالك فالمتبوع رأى المالك إلا إذا وجد العامل زبوناً يظهر بسببه ربح على رأس المال ومهما كان ربح فعلى العامل بيع مقدار رأس المال بجنس رأس المال لا بنقد آخر حتى يتميز الفاضل ربحاً فيشتركان فيه وليس عليهم بيع الفاضل على رأس المال ومهما كان رأس السنة فعليهم تعرف قيمة المال لأجل الزكاة فإذا كان قد ظهر من الربح شيء فالأقيس أن زكاة نصيب العامل على العامل وأنه يملك الربح بالظهور وليس للعامل أن يسافر بمال القراض دون إذن المالك فإن فعل صحت تصرفاته ولكنه إذا فعل ضمن الأعيان والأثمان جميعاً لأن عدوانه بالنقل يتعدى إلى ثمن المنقول وإن سافر بالإذن جاز ونفقة النقل وحفظ المال على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الذي لا يعتاد التاجر مثله على رأس المال فأما نشر الثوب وطيه والعمل اليسير المعتاد فليس له أن يبذل عليه أجرة وعلى العامل نفقته وسكناه في البلد وليس عليه أجرة الحانوت ومهما تجرد في السفر لمال القراض فنفقته في السفر على مال القراض فإذا رجع فعليه أن يرد بقايا آلات السفر من المطهرة والسفرة وغيرها
পৃষ্ঠা - ৪৩২
العقد السادس الشركة وهي أربعة أنواع ثلاثة منها باطلة الأول شركة المفاوضة وهو أن يقولا تفاوضنا لنشترك في كل مالنا وعلينا ومالاهما ممتازان فهي باطلة الثاني شركة الأبدان وهو أن يتشارطا الاشتراك في أجرة العمل فهي باطلة الثالث شركة الوجوه وهو أن يكون لأحدهما حشمة وقول مقبول فيكون من جهته التنفيل ومن جهة غيره العمل فهذا أيضاً باطل وإنما الصحيح العقد الرابع المسمى شركة العنان وهو أن يختلط مالاهما بحيث يتعذر التمييز بينهما إلا بقسمه ويأذن كل منهما لصاحبه في التصرف ثم حكمهما توزيع الربح والخسران على قدر المالين ولا يجوز أن يغير ذلك بالشرط ثم بالعزل يمتنع التصرف عن المعزول وبالقسمة ينفصل الملك عن الملك والصحيح أنه يجوز عقد الشركة على العروض المشتراة ولا يشترط النقد بخلاف القراض فهذا القدر من علم الفقه يجب تعلمه على كل مكتسب وإلا اقتحم الحرام من حيث لا يدري وأما معاملة القصاب والخباز والبقال فلا يستغني عنها المكتسب وغير المكتسب والخلل فيها من ثلاثة وجوه من إهمال شروط البيع أو إهمال شروط السلم أو الاقتصار على المعاطاة إذ العادات جارية بكتبه الخطوط على هؤلاء بحاجات كل يوم ثم المحاسبة في كل مدة ثم التقويم بحسب ما يقع عليه التراضي وذلك مما نرى القضاء بإباحته للحاجة ويحمل تسليمهم على إباحة التناول مع انتظار العوض فيحل أكله ولكن يجب الضمان بأكله وتلزم قيمته يوم الإتلاف فتجتمع في الذمة تلك القيم فإذا وقع التراضي على مقدار ما فينبغي أن يلتمس منهم الإبراء المطلق لا تبقي عليه عهدة إن تطرق إليه تفاوت في التقويم فهذا ما تجب القناعة به فإن تكليف وزن الثمن لكل حاجة من الحوائج في كل يوم وكل ساعة تكليف شطط وكذا تكليف الإيجاب والقبول وتقدير ثمن كل قدر يسير منه فيه عسر وإذا كثر كل نوع سهل تقويمه والله الموفق الباب الثالث في بَيَانُ الْعَدْلِ وَاجْتِنَابُ الظُّلْمِ فِي الْمُعَامَلَةِ اعْلَمْ أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها ولكنها تشتمل عَلَى ظُلْمٍ يَتَعَرَّضُ بِهِ الْمُعَامِلُ لِسُخْطِ اللَّهِ تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد وَهَذَا الظُّلْمُ يَعْنِي بِهِ مَا اسْتَضَرَّ بِهِ الْغَيْرُ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ وَإِلَى مَا يَخُصُّ الْمُعَامِلَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِيمَا يعم ضرره وهو أنواع النوع الْأَوَّلُ الِاحْتِكَارُ فَبَائِعُ الطَّعَامِ يَدَّخِرُ الطَّعَامَ يَنْتَظِرُ بِهِ غَلَاءَ الْأَسْعَارِ وَهُوَ ظُلْمٌ عَامٌّ وَصَاحِبُهُ مذموم في الشرع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من احتكر الطعام أربعين يوماً ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره (¬1) وروى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه (¬2) وقيل فكأنما قتل الناس جميعاً وعن علي رضي الله عنه من احتكر الطعام أربعين يوما ¬_________ (¬1) حديث من احتكر الطعام أربعين يوماً ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي والخطيب في التاريخ من حديث أنس بسندين ضعيفين (¬2) حديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه رواه أحمد والحاكم بسند جيد وقال ابن عدي ليس بمحفوظ من حديث ابن عمر
পৃষ্ঠা - ৪৩৩
قسا قلبه وعنه أيضاً أنه أحرق طعام محتكر بالنار وروي في فضل ترك الاحتكار عنه صلى الله عليه وسلم من جلب طعاماً فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة (¬1) وقيل في قوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة ولا تؤخره إلى غد فوافق سعة في السعر فقال له التجار لو أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه فأخره جمعة فربح فيه أمثاله وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين فقد جنيت علينا جناية فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال كله فتصدق به على فقراء البصرة وليتني أنجو من إثم الاحتكار كفافاً لا علي ولا لي واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسداً يغني عن القوت في بعض الأحوال وأن كان لا يمكن المداومة عليه فهذا في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه وأما الوقت فيحتمل أيضاً طرد النهي في جميع الأوقات وعليه تدل الحكاية التي ذكرنا في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر ويحتمل أن يخصص بوقت قِلَّةِ الْأَطْعِمَةِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ في تأخير بيعه ضر ما فأما إِذَا اتَّسَعَتِ الْأَطْعِمَةُ وَكَثُرَتْ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهَا وَلَمْ يَرْغَبُوا فِيهَا إِلَّا بِقِيمَةٍ قَلِيلَةٍ فَانْتَظَرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ قَحْطًا فَلَيْسَ في هذا إضرار وإذا كان الزمان زمان قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضى بتحريمه ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار فإنه مفهوم قطعاً من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يَخْلُو احْتِكَارُ الْأَقْوَاتِ عَنْ كَرَاهِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ مَبَادِئَ الضِّرَارِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ وَانْتِظَارُ مَبَادِئِ الضِّرَارِ مَحْذُورٌ كَانْتِظَارِ عَيْنِ الضِّرَارِ وَلَكِنَّهُ دُونَهُ وَانْتِظَارُ عَيْنِ الضِّرَارِ أَيْضًا هُوَ دُونَ الْإِضْرَارِ فَبِقَدْرِ دَرَجَاتِ الْإِضْرَارِ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّحْرِيمِ وبالجملة التجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح والأقوات أصول خلقت قواماً والربح من المزايا فينبغي أن يطلب الربح فيما خلق من جملة المزايا التي لا ضرورة للخلق إليها ولذلك أوصى بعض التابعين رجلاً وقال لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى الغلاء وموت الناس والصنعتان أن يكون جزاراً فإنها صنعة تقسي القلب أو صواغاً فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة النوع الثَّانِي تَرْوِيجُ الزَّيْفِ مِنَ الدَّرَاهِمِ فِي أَثْنَاءِ النَّقْدِ فَهُوَ ظُلْمٌ إِذْ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْمُعَامِلُ إِنْ لَمْ يَعْرِفْ وَإِنْ عَرَفَ فَسَيُرَوِّجُهُ عَلَى غيره فكذلك الثالث والرابع ولا يزال يتردد في الأيدي ويعمم الضَّرَرُ وَيَتَّسِعُ الْفَسَادُ وَيَكُونُ وِزْرُ الْكُلِّ وَوَبَالُهُ راجعاً عليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سن سنة سيئةً فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يُنْقِصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شيئاً (¬2) وقال بعضهم إنفاق درهم ¬_________ (¬1) حديث من جلب طعاماً فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ما من جالب يجلب طعاما إلى بلد من بلدان المسلمين فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهيد وللحاكم من حديث اليسع بن المغيرة إن الجالب إلى سوقا كالمجاهد في سبيل الله وهو مرسل (¬2) حديث من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يُنْقِصُ من أوزارهم شيء أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله
পৃষ্ঠা - ৪৩৪
زَيْفٍ أَشَدُّ مِنْ سَرِقَةِ مِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ تَمَّتْ وَانْقَطَعَتْ وَإِنْفَاقُ الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عَلَيْهِ وِزْرُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ مِائَتَيْ سَنَةٍ إِلَى أَنْ يَفْنَى ذَلِكَ الدرهم ويكون عليه ما فسد من أموال الناس بسنته وَطُوبَى لِمَنْ إِذَا مَاتَ مَاتَتْ مَعَهُ ذُنُوبُهُ وَالْوَيْلُ الطَّوِيلُ لِمَنْ يَمُوتُ وَتَبْقَى ذُنُوبُهُ مِائَةَ سنة ومائتي سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعَذَّبُ بِهَا فِي قَبْرِهِ ويسئل عنها إلى آخر انقراضها وقال تعالى {ونكتب ما قدموا وآثارهم} أَيْ نَكْتُبُ أَيْضًا مَا أَخَّرُوهُ مِنْ آثَارِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوهُ وَفِي مِثْلِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وأخر} وَإِنَّمَا أَخَّرَ آثَارَ أَعْمَالِهِ مِنْ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ عمل بها غيره وليعلم أن في الزيف خمسة أمور الأول أَنَّهُ إِذَا رُدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْرَحَهُ فِي بِئْرٍ بِحَيْثُ لَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ الْيَدُ وَإِيَّاهُ أَنْ يُرَوِّجَهُ فِي بَيْعٍ آخر وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز الثاني أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زَيْفًا وَهُوَ لَا يَدْرِي فَيَكُونَ آثِمًا بِتَقْصِيرِهِ في تعلم ذلك العلم فكل علم عمل به يتم نصح المسلمين فيجب تحصيله ولمثل هذا كان السلف يتعلمون علامات النقد نظراً لدينهم لا لدنياهم الثالث أنه إن سلم وعرف المعامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا يخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان لا يرغب في أخذه أصلاً فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معامله فقط الرابع أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأً سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء (¬1) فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر وإن كان عازماً على أن يروجه في معاملة فهذا شر روجه الشيطان عليه في معرض الخير فلا يدخل تحت من تساهل في الاقتضاء الخامس أن الزيف نعني به ما لا نقره فيه أصلاً بل هو مموه أو ما لا ذهب فيه أعني في الدنانير أما ما فيه نقرة فإن كان مخلوطاً بالنحاس وهو نقد البلد فقد اختلف العلماء في المعاملة عليه وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر النقرة فإن كَانَ فِي مَالِهِ قِطْعَةٌ نَقْرَتُهَا نَاقِصَةٌ عَنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ مُعَامِلَهُ وَأَنْ لَا يُعَامِلَ بِهِ إِلَّا مَنْ لَا يَسْتَحِلُّ التَّرْوِيجَ فِي جُمْلَةِ النَّقْدِ بِطَرِيقِ التَّلْبِيسِ فَأَمَّا مَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ فَتَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى الْفَسَادِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْعِنَبِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا وَذَلِكَ مَحْظُورٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الشَّرِّ وَمُشَارَكَةٌ فِيهِ وَسُلُوكُ طَرِيقِ الْحَقِّ بِمِثَالِ هَذَا فِي التِّجَارَةِ أَشَدُّ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ على نوافل العبادات والتخلي لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد كان السلف يحتاطون في مثل ذلك حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال حملت على فرسي لأقتل علجاً فقصر بي فرسي فرجعت ثم دنا مني العلج فحملت ثانية فقصر فرسي فرجعت ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه فرجعت حزيناً وجلست منكس الرأس منكسر القلب لما فاتني من العلج وما ظهر لي من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن الفرس يخاطبني ويقول لي بالله عليك أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات وأنت بالأمس اشتريت لي علفاً ودفعت في ثمنه درهماً زائفاً لا يكون هذا أبداً قال فانتبهت فزعاً فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ضرره وليقس عليه أمثاله الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَخُصُّ ضَرَرُهُ الْمُعَامِلَ فَكُلُّ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ الْمُعَامِلُ فَهُوَ ظُلْمٌ وَإِنَّمَا العدل لَا يَضُرَّ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَالضَّابِطُ الْكُلِّيُّ فِيهِ أن لا يحب ¬_________ (¬1) حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء أخرجه البخاري من حديث جابر
পৃষ্ঠা - ৪৩৫
لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَكُلُّ مَا لو عومل به شق عَلَيْهِ وَثَقُلَ عَلَى قَلْبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَامِلَ غَيْرَهُ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَ عنده درهمه ودرهم غيره قال بعضهم من باع أخاه شيئا بدرهم وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا بخمسة دوانق فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذه جملته فأما تفصيله ففي أربعة أمور أَنْ لَا يُثْنِيَ عَلَى السِّلْعَةِ بِمَا لَيْسَ فيها وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئاً أصلاً وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئاً وأن لا يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لامتنع عنه أما الأول فهو ترك الثناء فإن وصفه للسلعة إن كان بما ليس فيها فهو كَذِبٌ فَإِنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَهُوَ تَلْبِيسٌ وظلم مع كونه كذباً وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ كَذِبٌ وَإِسْقَاطُ مُرُوءَةٍ إذ الكذب الذي لا يروج قد لا يقدح في ظاهر المروءة وإن أثنى على السلعة بما فيها فهو هذيان وتكلم بكلام لا يعنيه وهو محاسب على كل كلمة تصدر منه أنه لم تكلم بها قال الله تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتيد} إلا أن يثني على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشتري ما لم يذكره كما يصفه من خفى أخلاق العبيد والجواري والدواب فلا بأس بذكر القدر الموجود منه من غير مبالغة وإطناب وليكن قصده منه أن يعرفه أخوه المسلم فيرغب فيه وتنقضي بسببه حاجته ولا ينبغي أن يحلف عليه الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ جَاءَ باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ تَعَالَى عُرْضَةً لِأَيْمَانِهِ وَقَدْ أَسَاءَ فِيهِ إِذِ الدُّنْيَا أَخَسُّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ تَرْوِيجَهَا بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي الْخَبَرِ وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ بَلَى وَاللَّهِ وَلَا وَاللَّهِ وَوَيْلٌ للصانع من غد وبعد (¬1) وَفِي الْخَبَرِ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مُنْفِقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ للبركة (¬2) وروى أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه (¬3) فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروهاً من حيث إنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين وقد روي عن يونس بن عبيد وكان خزازاً أنه طلب منه خز للشراء فأخرج غلامه سقط الخز ونشره ونظر إليه وقال اللهم ارزقنا الجنة فقال لغلامه رده إلى موضعه ولم يبعه وخاف أن يكون ذلك تعريضاً بالثناء على السلعة فمثل هؤلاء الذين اتجروا في الدنيا ولم يضيعوا دينهم في تجاراتهم بل علموا أن ربح الآخرة أولى بالطلب من ربح الدنيا الثَّانِي أَنْ يُظْهِرَ جَمِيعَ عُيُوبِ الْمَبِيعِ خَفِيِّهَا وَجَلِيِّهَا وَلَا يَكْتُمُ مِنْهَا شَيْئًا فَذَلِكَ وَاجِبٌ فَإِنْ أَخْفَاهُ كَانَ ظَالِمًا غَاشًّا وَالْغِشُّ حَرَامٌ وَكَانَ تَارِكًا لِلنُّصْحِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالنُّصْحُ وَاجِبٌ وَمَهْمَا أَظْهَرَ أَحْسَنَ وَجْهَيِ الثَّوْبِ وَأَخْفَى الثَّانِيَ كَانَ غَاشًّا وَكَذَلِكَ إِذَا عَرَضَ الثِّيَابَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُظْلِمَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا عَرَضَ أَحْسَنَ فَرْدَيِ الْخُفِّ أَوِ النَّعْلِ وَأَمْثَالِهِ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الغش ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاماً فأعجبه فأدخل يده فيه فَرَأَى بَلَلًا فَقَالَ {مَا هَذَا} قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ فَقَالَ فَهَلَّا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (¬4) وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النُّصْحِ بِإِظْهَارِ الْعُيُوبِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بايع جريراً على الإسلام ذهب ¬_________ (¬1) حديث وَيْلٌ لِلتَّاجِرِ مِنْ بَلَى وَاللَّهِ وَلَا وَاللَّهِ وويل للصانع من غد وبعد غد لم أقف له على أصل وذكر صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بغير إسناد نحوه (¬2) حديث اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ الحلف وهو عند البيهقي بلفظ المصنف (¬3) حديث أبي هريرة ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عائل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه أخرجه مسلم من حديثه إلا أنه لم يذكر فيها إلا عائل مستكبر ولهما ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر مما أعطى وهو كاذبالحديث ولمسلم من حديث أبي ذر المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (¬4) حديث مر بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَرَأَى بللاً فقال ما هذاالحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
পৃষ্ঠা - ৪৩৬
لِيَنْصَرِفَ فَجَذَبَ ثَوْبَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ (¬1) فَكَانَ جرير إِذَا قَامَ إِلَى السِّلْعَةِ يَبِيعُهَا بَصَّرَ عُيُوبَهَا ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَخُذْ وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ مِثْلَ هَذَا لَمْ يَنْفُذْ لَكَ بَيْعٌ فَقَالَ إِنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَاقِفًا فَبَاعَ رَجُلٌ نَاقَةً لَهُ بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَغَفَلَ واثلة وَقَدْ ذَهَبَ الرَّجُلُ بِالنَّاقَةِ فَسَعَى وَرَاءَهُ وَجَعَلَ يَصِيحُ بِهِ يَا هَذَا أَشْتَرَيْتَهَا لِلَّحْمِ أَوْ لِلظَّهْرِ فَقَالَ بَلْ لِلظَّهْرِ فَقَالَ إِنَّ بِخُفِّهَا نَقْبًا قَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهَا لَا تُتَابِعُ السَّيْرَ فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم وقال لواثلة رَحِمَكَ اللَّهُ أَفْسَدْتَ عَلَيَّ بَيْعِي فَقَالَ إِنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَقَالَ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ بَيْعًا إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ آفَتَهُ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا تَبْيِينُهُ (¬2) فَقَدْ فَهِمُوا مِنَ النُّصْحِ أَنْ لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ وَزِيَادَةِ الْمَقَامَاتِ بَلِ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْإِسْلَامِ الداخلة تحت بيعتهم وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَلْبِيسَهُ الْعُيُوبَ وَتَرْوِيجَهُ السِّلَعَ لَا يَزِيدُ فِي رِزْقِهِ بَلْ يَمْحَقُهُ وَيَذْهَبُ ببركته وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دَفْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا كَانَ له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه فَجَاءَ سَيْلٌ فَغَرَّقَ الْبَقَرَةَ فَقَالَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ إِنَّ تِلْكَ الْمِيَاهَ الْمُتَفَرِّقَةَ الَّتِي صَبَبْنَاهَا فِي اللَّبَنِ اجْتَمَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَخَذَتِ الْبَقَرَةَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ إِذَا صَدَقَا وَنَصَحَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِذَا كَتَمَا وَكَذَبَا نُزِعَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا (¬3) وَفِي الْحَدِيثِ يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا فَإِذَا تَخَاوَنَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُمَا (¬4) فَإِذًا لَا يَزِيدُ مَالٌ مِنْ خِيَانَةٍ كَمَا لَا ينقص من صدقة من لا يعرف الزيادة والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سبباً لسعادة الإنسان في الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سبباً لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف معنى قولنا إن الخيانة لا تزيد في المال والصدقة لا تنقص منه وَالْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي لَا بُدَّ مِنِ اعْتِقَادِهِ لِيَتِمَّ لَهُ النُّصْحُ وَيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رِبْحَ الْآخِرَةِ وَغِنَاهَا خَيْرٌ مِنْ رِبْحِ الدُّنْيَا وَأَنَّ فَوَائِدَ أَمْوَالِ الدُّنْيَا تَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ العمر وتبقى مظالمها وأوزارها فكيف يستجيز الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي سَلَامَةِ الدِّينِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم (¬5) وفي لفظ آخر ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين وفي حديث آخر من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل وما إخلاصه قال أن يحرزه عما حرم الله (¬6) وقال أيضاً مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ وَمَنْ علم ¬_________ (¬1) حديث جرير بن عبد الله بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النصح لكل مسلم متفق عليه (¬2) حديث واثلة لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي (¬3) حديث الْبَيِّعَانِ إِذَا صَدَقَا وَنَصَحَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بيعهماالحديث متفق عليه من حديث حكيم بن حزام (¬4) حديث يَدُ اللَّهِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخَاوَنَا فإذا تخاونا رفع يده عنهما رواه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد (¬5) حديث لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على أخراهمالحديث رواه أبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي رواية للترمذي الحكيم في النوادر حتى إذا نزلوا بالمنزل الذي لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهمالحديث وللطبراني في الأوسط نحوه من حديث عائشة وهو ضعيف أيضا (¬6) حديث من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل وما إخلاصها قال تحجزه عما حرم الله أخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم في معجمه الكبير والأوسط بإسناد حسن
পৃষ্ঠা - ৪৩৭
أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ قَادِحَةٌ فِي إِيمَانِهِ وَأَنَّ إيمانه رأس ماله فِي الْآخِرَةِ لَمْ يُضَيِّعْ رَأْسَ مَالِهِ الْمُعَدَّ لِعُمْرٍ لَا آخِرَ لَهُ بِسَبَبِ رِبْحٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قال لو دخلت الجامع ومع وَهُوَ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ وَقِيلَ لِي مَنْ خَيْرُ هؤلاء لقلت من أنصحهم لهم فإذا قالوا هذا قلت هو خيرهم ولو قيل لي من شرهم قلت من أغشهم لهم فإذا قيل هذا قلت هو شرهم وَالْغِشُّ حَرَامٌ فِي الْبُيُوعِ وَالصَّنَائِعِ جَمِيعًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَهَاوَنَ الصَّانِعُ بِعَمَلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ عَامَلَهُ بِهِ غَيْرُهُ لَمَا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ الصَّنْعَةَ وَيُحْكِمَهَا ثُمَّ يُبَيِّنَ عَيْبَهَا إِنْ كَانَ فِيهَا عَيْبٌ فَبِذَلِكَ يتخلص وسأل رجل حداء بن سالم فَقَالَ كَيْفَ لِي أَنْ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ النِّعَالِ فَقَالَ اجْعَلِ الْوَجْهَيْنِ سَوَاءً وَلَا تُفَضِّلِ الْيُمْنَى عَلَى الْأُخْرَى وَجَوِّدِ الْحَشْوَ وَلْيَكُنْ شَيْئًا وَاحِدًا تَامًّا وَقَارِبْ بَيْنَ الْخُرُزِ وَلَا تطبق إحدى النعلين على الأخرى ومن هذا الفن مَا سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الرَّفْوِ بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَبِيعُهُ أَنْ يُخْفِيَهُ وَإِنَّمَا يحل للرفا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُظْهِرُهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يريده لِلْبَيْعِ فَإِنْ قُلْتَ فَلَا تَتِمُّ الْمُعَامَلَةُ مَهْمَا وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَذْكُرَ عُيُوبَ الْمَبِيعِ فَأَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ شَرْطُ التَّاجِرِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ لِلْبَيْعِ إِلَّا الْجِيِّدَ الَّذِي يَرْتَضِيهِ لنفسه لو أمسكه ثم يقنع في بيعه بربح يسير فيبارك الله له فيه ولا يحتاج إلى تلبيس وإنما تعذر هذا لأنهم لا يقنعون بالربح اليسير وليس يسلم الكثير إلا بتلبيس فَمَنْ تَعَوَّدَ هَذَا لَمْ يَشْتَرِ الْمَعِيبَ فَإِنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ مَعِيبٌ نَادِرًا فَلْيَذْكُرْهُ وَلْيَقْنَعْ بِقِيمَتِهِ بَاعَ ابْنُ سِيرِينَ شَاةً فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ عَيْبٍ فِيهَا أَنَّهَا تَقْلِبُ العلف برجلها وباع الحسن بن صالح جارية فقال للمشتري إنها تنخمت مرة عندنا دماً فهكذا كانت سيرة أهل الدين فمن لا يقدر عليه فليترك المعاملة أو ليوطن نفسه على عذاب الآخرة الثالث إلا يكتم في المقدار شيئاً وَذَلِكَ بِتَعْدِيلِ الْمِيزَانِ وَالِاحْتِيَاطِ فِيهِ وَفِي الْكَيْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكِيلَ كَمَا يَكْتَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ولا يخلص من هذا إلا بأن يرجع إِذَا أَعْطَى وَيَنْقُصَ إِذَا أَخَذَ إِذِ الْعَدْلُ الْحَقِيقِيُّ قَلَّمَا يُتَصَوَّرُ فَلْيُسْتَظْهَرْ بِظُهُورِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنَّ مَنِ اسْتَقْصَى حَقَّهُ بِكَمَالِهِ يُوشِكُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا أَشْتَرِي الْوَيْلَ من الله بحبة فكان إذا أخذ نقص نصف حبة وإذا أعطى زاد حبة وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض وما أخسر من باع طوبى بويل وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه لأنها مظالم لا يمكن التوبة منها إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدى حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح (¬1) ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا يريد أن يصرفه ويزيل تكحيله وينقيه حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال يا بني فعلك هذا أفضل من حجتين وعشرين عمرة وقال بعض السلف عجبت للتاجر والبائع كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام بالليل وقال سليمان عليه السلام لابنه يا بني كما تدخل الحبة بين الحجرين كذلك تدخل الخطيئة بين المتبايعين وصلى بعض الصالحين على مخنث فقيل له إنه كان فاسقاً فسكت فأعيد عليه فقال كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يعطي بأحدهما ويأخذ بالأخر أشار به إلى أن فسقه مظلمة بينه وبين الله تعالى وهذا من مظالم العباد والمسامحة والعفو فيه أبعد والتشديد في أمر الميزان عظيم والخلاص منه يحصل بحبة ونصف حبة وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان أي لسان الميزان فإن النقصان والرجحان ¬_________ (¬1) حديث قال للوزان زن وأرجح رواه أصحاب السنن والحاكم من حديث سويد بن قيس قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم
পৃষ্ঠা - ৪৩৮
يظهر بميله وبالجملة كل من ينتصف لنفسه من غيره ولو في كلمة ولا ينصف بمثل ما ينتصف فهو داخل تحت قوله تَعَالَى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى الناس يستوفون الآيات فإن تحريم ذلك في المكيل ليس لكونه مكيلاً بل لكونه أمراً مقصوداً ترك العدل والنصفة فيه فهو جار في جميع الأعمال فصاحب الميزان في خطر الويل وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته فالويل له إن عدل عن العدل ومال عن الاستقامة ولولا تعذر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حتماً مقضياً فلا ينفك عبد ليس معصوماً عن الميل عن الاستقامة إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتاً عظيماً فلذلك تتفاوت مدة مقامهم في النار إلى أوان الخلاص حتى لا يبقى بعضهم إلا بقدر تحلة القسم ويبقى بعضهم ألفاً وألوف سنين فنسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل فإن الاشتداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه فإنه أدق من الشعرة وأحد من السيف ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار الذي من صفته أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وبقدر الاستقامة على هذا الصراط المستقيم يخف العبد يوم القيامة على الصراط وَكُلُّ مَنْ خَلَطَ بِالطَّعَامِ تُرَابًا أَوْ غَيْرَهُ ثم كاله فهو من المطففين في الكيل وكل قصاب وزن مع اللحم عظماً لم تجر العادة بمثله فَهُوَ مِنَ الْمُطَفِّفِينَ فِي الْوَزْنِ وَقِسْ عَلَى هَذَا سَائِرَ التَّقْدِيرَاتِ حَتَّى فِي الذَّرْعِ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ الْبَزَّازُ فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَى أَرْسَلَ الثَّوْبَ في وقت الذرع ولم يمده مداً وإذا بَاعَهُ مَدَّهُ فِي الذَّرْعِ لِيُظْهِرَ تَفَاوُتًا فِي الْقَدْرِ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّطْفِيفِ الْمُعَرِّضِ صَاحِبَهُ لِلْوَيْلِ الرَّابِعُ أَنْ يَصْدُقَ فِي سِعْرِ الْوَقْتِ وَلَا يُخْفِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ (¬1) وَنَهَى عَنِ النَّجْشِ (¬2) أَمَّا تَلَقِّي الرُّكْبَانِ فَهُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرُّفْقَةَ وَيَتَلَقَّى الْمَتَاعَ وَيَكْذِبَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ وَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ وهذا الشراء منعقد ولكنه إن ظهر كذبه ثبت للبائع الخيار وإن كان صادقاً ففي الخيار خلاف لتعارض عموم الخبر مع زوال التلبيس وَنَهَى أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ (¬3) وَهُوَ أَنْ يَقْدَمَ الْبَدَوِيُّ الْبَلَدَ وَمَعَهُ قُوتٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَسَارَعَ إِلَى بَيْعِهِ فَيَقُولَ لَهُ الْحَضَرِيُّ اتْرُكْهُ عِنْدِي حَتَّى أُغَالِيَ فِي ثَمَنِهِ وَأَنْتَظِرَ ارتفاع سعره وهذا في القوت محرم وفي سائر السلع خلاف والأظهر تحريمه لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النَّجْشِ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْبَائِعِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّاغِبِ الْمُشْتَرِي وَيَطْلُبَ السِّلْعَةَ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَحْرِيكَ رَغْبَةِ الْمُشْتَرِي فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه والبيع منعقد وإن جرى مواطأةً ففي ثبوت الخيار خلاف والأولى إثبات الخيار لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة وتلقي الركبان فَهَذِهِ الْمَنَاهِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَبِّسَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي سِعْرِ الْوَقْتِ وَيَكْتُمَ مِنْهُ أَمْرًا لَوْ عَلِمَهُ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ فَفِعْلُ هَذَا مِنَ الْغِشِّ الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال فاشترى سكراً كثيراً فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفاً فانصرف إلى منزله فأفكر ¬_________ (¬1) حديث النهي عن تلقي الركبان متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة (¬2) حديث النهي عن النجش متفق عليه من حديث ابن عمر وأبي هريرة (¬3) حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأنس
পৃষ্ঠা - ৪৩৯
ليلته وقال ربحت ثلاثين ألفاً وخسرت نصح رجل من المسلمين فلما أصبح غدا إلى بائع السكر فدفع إليه ثلاثين ألفاً وقال بارك الله لك فيها فقال ومن أين صارت لي فقال إني كتمتك حقيقة الحال وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن وقد طيبتها لك قال فرجع بها إلى منزله وتفكر وبات ساهراً وقال ما نصحته فلعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد وقال عافاك الله خذ مالك إليك فهو أطيب لقلبي فاخذ منه ثلاثين ألفاً فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَنِمَ فُرْصَةً وَيَنْتَهِزَ غَفْلَةَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَيُخْفِيَ مِنَ الْبَائِعِ غَلَاءَ السِّعْرِ أَوْ مِنَ الْمُشْتَرِي تَرَاجُعَ الْأَسْعَارِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ ظَالِمًا تَارِكًا لِلْعَدْلِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَهْمَا بَاعَ مُرَابَحَةً بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ بِمَا اشْتَرَيْتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْدُقَ ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ عَيْبٍ أَوْ نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو اشترى مسامحةً من صديقه أو ولده يجب ذكره لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا يترك النظر لنفسه فإذا تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره إذ الاعتماد فيه على أمانته الباب الرابع في الإحسان في المعاملة وقد أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ جَمِيعًا وَالْعَدْلُ سَبَبُ النَّجَاةِ فَقَطْ وَهُوَ يَجْرِي مِنَ التِّجَارَةِ مجرى رَأْسِ الْمَالِ وَالْإِحْسَانُ سَبَبُ الْفَوْزِ وَنَيْلِ السَّعَادَةِ وَهُوَ يَجْرِي مِنَ التِّجَارَةِ مَجْرَى الرِّبْحِ وَلَا يعد من الغفلاء مَنْ قَنَعَ فِي مُعَامَلَاتِ الدُّنْيَا بِرَأْسِ مَالِهِ فكذا في معاملات الآخرة فلا يَنْبَغِي لِلْمُتَدَيِّنِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ الظُّلْمِ وَيَدَعَ أَبْوَابَ الْإِحْسَانِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ وأحسن كما أحسن الله إليك وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم وقد ذكرناه وتنال رُتْبَةَ الْإِحْسَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ فِي الْمُغَابَنَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَغِبْنَ صَاحِبَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ فَأَمَّا أَصْلُ الْمُغَابَنَةِ فَمَأْذُونٌ فِيهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلرِّبْحِ ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعي فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلماً وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي بكم اشتريت فقال بأربعمائة فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له يونس انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من
পৃষ্ঠা - ৪৪০
باب الظلم وقد سبق وفي الحديث غبن المسترسل حرام (¬1) وكان الزبير بن عدي يقول أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحماً بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كر لوز بستين ديناراً وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال خذه قال بكم فقال بثلاثة وستين فقال الدلال وكان من الصالحين فقد صار اللوز بتسعين فقال السري قد عقدت عقداً لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين فقال الدلال وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً لست آخذ منك إلا بتسعين قال فلا الدلال اشترى منه ولا السري باعه فهذا محض الإحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة فقال يا هذا قد رضيت فقال وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك فقال أعطني خمسة فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول من هذا الشيخ فقيل له هذا محمد بن المنكدر فقال لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفاً أو واحد على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان وَمَنْ قَنِعَ بِرِبْحٍ قَلِيلٍ كَثُرَتْ مُعَامَلَاتُهُ وَاسْتَفَادَ مِنْ تَكَرُّرِهَا رِبْحًا كَثِيرًا وَبِهِ تَظْهَرُ الْبَرَكَةُ كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما سبب يسارك قال ثلاث ما رددت ربحاً قط ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه ولا بعت بنسيئة ويقال إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها باع كل عقال بدرهم فربح فيها ألفاً وربح من نفقته عليها ليومه ألفاً الثَّانِي فِي احْتِمَالِ الْغَبْنِ وَالْمُشْتَرِي إِنِ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ ضَعِيفٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ فَقِيرٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَمِلَ الْغَبْنَ وَيَتَسَاهَلَ وَيَكُونَ به محسناً وداخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء فأما إذا اشترى من غني تاجر يطلب الربح زيادة على حاجته فاحتمال الغبن منه ليس مَحْمُودًا بَلْ هُوَ تَضْيِيعُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أجر ولا حمد فقد ورد في حديث من طريق أهل البيت المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور (¬2) وكان إياس ابن معاوية بن قرة قاضي البصرة وكان من عقلاء التابعين يقول لست بخب والخب لا يغبنني ولا يغبن ابن سيرين ولكن يغبن الحسن ويغبن أبي يعني معاوية بن قرة والكمال في أن لا يغبن ولا يغبن كما وصف بعضهم عمر ¬_________ (¬1) حديث غبن المسترسل حرام أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف والبيهقي من حديث جابر بسند جيد وقال ربا {بدل} حرام (¬2) حديث المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من رواية عبيد الله بن الحسن عن أبيه عن جده ورواه أبو يعلى من حديث الحسين بن علي يرفعه قال الذهبي هو منكر
পৃষ্ঠা - ৪৪১
رضي الله عنه فقال كان أكرم من أن يخدع وأعقل من أن يخدع وكان الحسن والحسين وغيرهما من خيار السلف يستقصون في الشراء ثم يهبون مع ذلك الجزيل من المال فقيل لبعضهم تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ولا تبالي فَقَالَ إِنَّ الْوَاهِبَ يُعْطِي فَضْلَهُ وَإِنَّ الْمَغْبُونَ يغبن عقله وقال بعضهم إنما أغبن عقلي وبصري فلا أمكن الغابن منه وإذا وهبت أعطي لله ولا أستكثر منه شيئاً الثَّالِثُ فِي اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْإِحْسَانِ فِيهِ مَرَّةً بِالْمُسَامَحَةِ وَحَطِّ الْبَعْضِ وَمَرَّةً بِالْإِمْهَالِ وَالتَّأْخِيرِ وَمَرَّةً بِالْمُسَاهَلَةِ فِي طَلَبِ جَوْدَةِ النَّقْدِ وكل ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل الاقتضاء (¬1) فليغتنم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم اسمح يسمح لك (¬2) وقال صلى الله عليه وسلم من أنظر معسراً أو ترك له حاسبه الله حساباً يسيراً وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله (¬3) وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً كان مسرفاً على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيراً قط فقال لا إلا أني كنت رجلاً أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسر وانظروا المعسر (¬4) وفي لفظ آخر وتجاوزوا عن المعسر فقال الله تعالى نحن أحق بذلك منه فتجاوز الله عنه وغفر لَهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَقْرَضَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ إِلَى أَجَلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَنْظَرَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ صدقةً (¬5) وقد كان من السلف من لا يحب أن يقضي غريمه الدين لأجل هذا الخبر حتى يكون كالمتصدق بجميعه في كل يوم وقال صلى الله عليه وسلم رأيت على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة (¬6) فقيل في معناه إن الصدقة تقع في يد المحتاج وغير المحتاج ولا يحتمل ذل الاستقراض إلا محتاج وَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُلَازِمُ رَجُلًا بَدَيْنٍ فَأَوْمَأَ إِلَى صَاحِبِ الدين بيده أن ضَعِ الشَّطْرَ فَفَعَلَ فَقَالَ لِلْمَدْيُونِ قُمْ فَأَعْطِهِ (¬7) وكل من باع شيئاً وترك ثمنه في الحال ولم يرهق إلى طلبه فهو في معنى المقرض وروي أن الحسن البصري باع بغلة له بأربعمائة درهم فلما استوجب المال قال له المشتري اسمح يا أبا سعيد قال قد أسقطت عنك مائة قال له فأحسن يا أبا سعيد فقال قد وهبت لك مائة أخرى فقبض من حقه مائتي درهم فقيل له يا أبا سعيد هذا نصف الثمن فقال هكذا يكون الإحسان وإلا فلا وفي الخبر خذ حقك في كفاف وعفاف واف أو غير واف يحاسبك الله حساباً يسيرا (¬8) ¬_________ (¬1) حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء تقدم في الباب قبله (¬2) حديث اسمح يسمح لك أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ورجاله ثقات (¬3) حديث من أنظر معسراً أو ترك له حاسبه الله حساباً يسيراً وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله رواه مسلم باللفظ الثاني من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو (¬4) حديث ذكر رجلاً كان مسرفاً على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيراً قط فقال لا إلا أني كنت رجلاً أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسرالحديث رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري وهو متفق عليه بنحوه من حديث حذيفة (¬5) حديث مَنْ أَقْرَضَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ إِلَى أَجَلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَنْظَرَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُ ذَلِكَ الدين صدقة أخرجه ابن ماجة من حديث بريدة من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة ومن أنظره بعد أجله كان له مثله في كل يوم صدقة وسنده ضعيف ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (¬6) حديث رأيت على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة أخرجه ابن ماجة من حديث أنس بإسناد ضعيف (¬7) حديث أومأ إلى صاحب الدين بيده ضع الشطرالحديث متفق عليه من حديث كعب بن مالك (¬8) حديث خذ حقك في عفافالحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن دون قوله يحاسبك الله حساباً يسيرا وله ولابن حبان والحاكم وصححه نحوه من حديث ابن عمر وعائشة
পৃষ্ঠা - ৪৪২
الرَّابِعُ فِي تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ وَمِنَ الْإِحْسَانِ فِيهِ حُسْنُ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْشِيَ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا يُكَلِّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهِ يَتَقَاضَاهُ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً (¬1) وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فليبادر إليه ولو قبل وقته وليسلم أجود مما شرط عليه وأحسن وإن عجز فلينو قضاءه مهما قدر قال صلى الله عليه وسلم من أدان ديناً وهو ينوي قضاءه وكل الله به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه (¬2) وكان جماعة من السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما كلمه صاحب الحق بكلام خشن فليحتمله وَلْيُقَابِلْهُ بِاللُّطْفِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذ جاءه صاحب الدين عند حلول الأجل ولم يكن قد اتفق قضاؤه فجعل الرجل يشدد الكلام عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحق مقالاً (¬3) ومهما دار الكلام بين المستقرض والمقرض فالإحسان أن يكون الميل الأكثر للمتوسطين إلى من عليه الدين فإن المقرض يقرض عن غنى والمستقرض يستقرض عن حاجة وكذلك ينبغي أن تكون الإعانة للمشتري أكثر فإن البائع راغب عن السلعة يبغي ترويجها والمشتري محتاج إليها هذا هو الأحسن إلا أن يتعدى من عليه الدين حده فعند ذلك نصرته في منعه عن تعد به وإعانة صاحبه إذ قال صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقيل كيف ننصره ظالماً فقال منعك إياه من الظلم نصرة له (¬4) الْخَامِسُ أَنْ يُقِيلَ مَنْ يَسْتَقِيلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيلُ إِلَّا مُتَنَدِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بِالْبَيْعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ اسْتِضْرَارِ أخيه قال صلى الله عليه وسلم مَنْ أَقَالَ نَادِمًا صَفْقَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يوم القيامة (¬5) أو كما قال السَّادِسُ أَنْ يَقْصِدَ فِي مُعَامَلَتِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَهُوَ فِي الْحَالِ عَازِمٌ عَلَى أن لا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة فقد كان في صالحي السلف من له دفتران للحساب أحدهما ترجمته مجهولة فيه أسماء من لا يعرفه من الضعفاء والفقراء وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة فيشتهيه فيقول أحتاج إلى خمسة أرطال مثلاً من هذا وليس معي ثمنه فكان يقول خذه واقض ثمنه عند الميسرة ولم يكن يعد هذا من الخيار بل عد من الخيار من لم يكن يثبت اسمه في الدفتر أصلاً ولا يجعله ديناً لكن يقول خُذْ مَا تُرِيدُ فَإِنْ يُسِّرَ لَكَ فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَسَعَةٍ فَهَذِهِ طرق تجارات السلف وقد اندرست والقائم به محي لهذه السنة وبالجملة التجارة مَحَكُّ الرِّجَالِ وَبِهَا يُمْتَحَنُ دِينُ الرَّجُلِ وَوَرَعُهُ ولذلك قيل لا يغرنك من المرء قميص رقعه ... أو إزارا فوق كعب الساق منه رفعه أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه ... ولدى الدرهم فانظر غيه أو ورعه ولذلك قيل إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر وأصحابه في السفر ومعاملوه في الأسواق فلا تشكوا في صلاحه وشهد عند عمر رضي الله عنه شاهد فقال ائتني بمن يعرفك فأتاه برجل فأثنى عليه خيراً فقال عمر أنت ¬_________ (¬1) حديث خيركم أحسنكم قضاء متفق عليه من حديث أبي هريرة (¬2) حديث من أدان ديناً وهو ينوي قضاءه وكل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه أخرجه أحمد من حديث عائشة ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان معه من الله عون وحافظ وفي رواية له لم يزل معه من الله حارس وفي رواية للطبراني في الأوسط إلا كان معه عون من الله عليه حتى يقضيه عنه (¬3) حديث دعوه فإن لصاحب الحق مقالا متفق عليه من حديث أبي هريرة (¬4) حديث انصر أخاك ظالماً أو مظلوماالحديث متفق عليه من حديث أنس (¬5) حديث مَنْ أَقَالَ نَادِمًا صَفْقَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يوم القيامة أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم
পৃষ্ঠা - ৪৪৩
جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه قال لا فقال كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق فقال لا قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل قال لا قال أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طوراً ويرفعه أخرى قال نعم فقال اذهب فلست تعرفه وقال للرجل اذهب فائتني بمن يعرفك الباب الخامس في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته ولا يَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ أَنْ يَشْغَلَهُ مَعَاشُهُ عَنْ مَعَادِهِ فَيَكُونَ عُمْرُهُ ضَائِعًا وَصَفْقَتُهُ خَاسِرَةً وَمَا يَفُوتُهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي الْآخِرَةِ لَا يَفِي بِهِ ما ينال في الدنيا فيكون اشْتَرَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ بَلِ الْعَاقِلُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَشَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ يحفظ رَأْسِ مَالِهِ وَرَأْسُ مَالِهِ دِينُهُ وَتِجَارَتُهُ فِيهِ قال بعض السلف أولي الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا فتنظمه قال الله تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات وإنما تتم شفقة التاجر عَلَى دِينِهِ بِمُرَاعَاةِ سَبْعَةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ حُسْنُ النية والعقيدة فِي ابْتِدَاءِ التِّجَارَةِ فَلْيَنْوِ بِهَا الِاسْتِعْفَافَ عَنِ السُّؤَالِ وَكَفَّ الطَّمَعِ عَنِ النَّاسِ اسْتِغْنَاءً بِالْحَلَالِ عَنْهُمْ وَاسْتِعَانَةً بِمَا يَكْسِبُهُ عَلَى الدِّينِ وَقِيَامًا بِكِفَايَةِ الْعِيَالِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِهِ وَلْيَنْوِ النُّصْحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُحِبَّ لِسَائِرِ الْخَلْقِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَلْيَنْوِ اتِّبَاعَ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي مُعَامَلَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلْيَنْوِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ مَا يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كَانَ عَامِلًا فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ فَإِنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَهُوَ مَزِيدٌ وَإِنْ خَسِرَ فِي الدُّنْيَا رَبِحَ فِي الْآخِرَةِ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الْقِيَامَ فِي صَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِفَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ لَوْ تُرِكَتْ بَطَلَتِ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ فَانْتِظَامُ أَمْرِ الْكُلِّ بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ولو أقبل كلهم على صنعة واحدة لتعطلت البواقي وهلكوا وعلى هذا حمل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة (¬1) أي اختلاف همهم في الصناعات والحرف وَمِنَ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ وَمِنْهَا مَا يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم وَالتَّزَيُّنِ فِي الدُّنْيَا فَلْيَشْتَغِلْ بِصِنَاعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ في قيامه بِهَا كَافِيًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ مُهِمًّا فِي الدِّينِ وليجتنب صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم ومن جملة ذلك خياطة الخياط القباء من الإبر يسم للرجال وصياغة الصائغ مراكب الذهب أو خواتيم الذهب للرجال فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام ولذلك أوجبنا الزكاة فيها وإن كنا لا نوجب الزكاة في الحلي لأنها إذا قصدت للرجال فهي محرمة وكونها مهيأة للنساء لا يلحقها بالحلي المباح ما لم يقصد ذلك بها فيكتسب حكمها من القصد وقد ذكرنا أن بيع الطعام وبيع الأكفان مكروه لأنه يوجب انتظار موت الناس وحاجتهم بغلاء السعر ¬_________ (¬1) حديث اختلاف أمتي رحمة تقدم في العلم
পৃষ্ঠা - ৪৪৪
ويكره أن يكون جزاراً لما فيه من قساوة القلب وأن يكون حجاماً أو كناساً لما فيه من مخامرة النجاسة وكذا الدباغ وما في معناه وكره ابن سيرين الدلالة وكره قتادة أجرة الدلال ولعل السبب فيه قلة استغناء الدلال عن الكذب والإفراط في الثناء على السلعة لترويجها ولأن العمل فيه لا يتقدر فقد يقل وقد يكثر ولا ينظر في مقدار الأجرة إلى عمله بل إلى قدر قيمة الثوب هذا هو العادة وهو ظلم بل ينبغي أن ينظر إلى قدر التعب وكرهوا شراء الحيوان للتجارة لأن المشتري يكره قضاء الله فيه وهو الموت الذي بصدده لا محالة وحلوله وقيل بع الحيوان واشتر الموتان وكرهوا الصرف لأن الاحتراز فيه عن دقائق الربا عسير ولأنه طلب لدقائق الصفات فيما لا يقصد أعيانها وإنما يقصد رواجها وقلما يتم للصيرفي ربح إلا باعتماد جهالة معامله بدقائق النقد فقلما يسلم الصيرفي وإن احتاط ويكره للصيرفي وغيره كسر الصحيح والدنانير إلا عند الشك في جودته أو عند ضرورة قال أحمد بن حنبل رحمة الله ورد نهي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬1) وعن أصحابه في الصياغة من الصحاح وأنا أكره الكسر وقال يشتري بالدنانير دراهم ثم يشتري بالدرهم ذهباً ويصوغه واستحبوا تجارة البز قال سعيد بن المسيب ما من تجارة أحب إلي من البز ما لم يكن فيها أيمان وقد روي خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز (¬2) وفي حديث آخر لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف (¬3) وقد كان غالب أعمال الأخيار من السلف عشر صنائع الخرز والتجارة والحمل والخياطة والحذو والقصارة وعمل الخفاف وعمل الحديد وعمل المغازل ومعالجة صيد البر والبحر والوراقة قال عبد الوهاب الوراق قال لي أحمد بن حنبل ما صنعتك قلت الوراقة قال كسب طيب ولو كنت صانعاً بيدي لصنعت صنعتك ثم قال لي لا تكتب إلا مواسطة واستبق الحواشي وظهور الأجزاء وأربعة من الصناع موسومون عند الناس بضعف الرأي الحاكة والقطانون والمغازليون والمعلمون ولعل ذلك لأن أكثر مخالطتهم مع النساء والصبيان ومخالطة ضعفاء العقول تضعف العقل كما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل وعن مجاهد أن مريم عليها السلام مرت في طلبها لعيسى عليه السلام بحاكة فطلبت الطريق فأرشدوها غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم فقراء وحقرهم في أعين الناس فاستجيب دعاؤها وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات كغسل الموتى ودفنهم وكذا الأذان وصلاة التراويح وإن حكم بصحة الاستئجار عليه وكذا تعليم القرآن وتعليم علم الشرع فإن هذه أعمال حقها أن يتجر فيها للآخرة وأخذ الأجرة عليها استبدال بالدنيا عن الآخرة ولا يستحب ذلك الثالث أن يَمْنَعَهُ سُوقُ الدُّنْيَا عَنْ سُوقِ الْآخِرَةِ وَأَسْوَاقُ الْآخِرَةِ الْمَسَاجِدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته فيلازم المسجد ويواظب على الأوراد كان عمر رضي الله عنه يقول للتجار اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم وكان صالحو السلف يجعلون أول ¬_________ (¬1) حديث النهي عن كسر الدينار والدرهم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم من رواية علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس زاد الحاكم أن يكسر الدرهم فيجعل فضة ويكسر الدينار فيجعل ذهبا وضعفه ابن حبان (¬2) حديث خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز لم أقف له على إسناد وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب (¬3) حديث لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف وروى أبو يعلى والعقيلي في الضعفاء الشطر الأول من حديث أبي بكر الصديق
পৃষ্ঠা - ৪৪৫
النهار وآخره للآخرة والوسط للتجارة ولم يكن يبيع الهريسة والرءوس بكرة إلا الصبيان وأهل الذمة لأنهم كانوا في المساجد بعد وفي الخبر إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي آخره ذكر الله وخير كفر الله عنهما ما بينهما من سيئ الأعمال (¬1) وفي الخبر تلتقي ملائكة الليل والنهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وجئناهم وهم يصلون فيقول الله سبحانه وتعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم (¬2) ثم مهما سمع الأذان في وسط النهار للأولى والعصر فينبغي أن لا يعرج على شغل وينزعج عن مكانه ويدع كل ما كان فيه فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها ومهما لم يحضر الجماعة عصى عند بعض العلماء وقد كان السلف يبتدرون عند الأذان ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمة وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات وكان ذلك معيشةً لهم وقد جاء في تفسير قوله تعالى {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله} أنهم كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة الرَّابِعُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا بَلْ يُلَازِمَ ذِكْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي السُّوقِ وَيَشْتَغِلَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ فَذِكْرُ اللَّهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ الغافلين أفضل قال صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وكالحي بين الأموات وفي لفظ آخر كالشجرة الخضراء بين الهشيم وقال صلى الله عليه وسلم من دخل السوق فقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة (¬3) وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر وقال الحسن ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوء كضوء القمر وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر الله له بعدد أهلها وكان عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة وقال أبو جعفر الفرغاني كنا يوماً عند الجنيد فجرى ذكر ناس يجلسون في المساجد ويتشبهون بالصوفية ويقصرون عما يجب عليهم من حق الجلوس ويعيبون من يدخل السوق فقال الجنيد كم ممن هو في السوق حكمه أن يدخل المسجد ويأخذ بإذن بعض من فيه فيخرجه ويجلس مكانه وإني لأعرف رجلا يدخل السوق ورده كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثون ألف تسبيحة قال فسبق إلى وهمي أنه يعني نفسه فهكذا كانت تجارة من يتجر لطلب الكفاية لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ربح الآخرة والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كنت (¬4) فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل من أحب الآخرة عاش ومن أحب الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش والعاقل عن عيوب نفسه فتاش ¬_________ (¬1) حديث إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفي أول النهار وآخره ذكر وخير كفر الله ما بينهما من سيئ الأعمال أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف بمعناه (¬2) حديث تلتقي ملائكة الليل وملائكة النهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله وهو أعلم كيف تركتم عباديالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الغداة وصلاة العصرالحديث (¬3) حديث من دخل السوق فقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهالحديث تقدم في الأذكار (¬4) حديث اتق الله حيثما كنت أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وصححه
পৃষ্ঠা - ৪৪৬
الْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى السُّوقِ وَالتِّجَارَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ دَاخِلٍ وآخر خارج وبأن يركب البحر في التجارة فهما مكروهان يقال إن من ركب البحر فقد استقصى في طلب الرزق وفي الخبر لا يركب البحر إلا لحج أو عمرة أو غزو (¬1) وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول لا تكن أول داخل في السوق ولا آخر خارج منها فإن بها باض الشيطان وفرخ روي عن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر إن إبليس يقول لولده زلنبور سر بكتائبك فأت أصحاب الأسواق زين لهم الكذب والحلف والخديعة والمكر والخيانة وكن مع أول داخل وآخر خارج منها وفي الخبر شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً (¬2) وتمام هذا الاحتراز أن يراقب وقت كفايته فإذا حصل كفاية وقته انصرف واشتغل بتجارة الآخرة هكذا كان صالحو السلف فقد كان منهم من إذا ربح دانقاً انصرف قناعة به وكان حماد بن سلمة يبيع الخز في سفط بين يديه فكان إذا ربح حبتين رفع سفطه وانصرف وقال إبراهيم بن بشار قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله أمر اليوم أعمل في الطين فقال يا ابن بشار إنك طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد كفيته أما رأيت حريصاً محروماً وضعيفاً مرزوقاً فقلت إن لي دانقاً عند البقال فقال عز علي بك تملك دانقاً وتطلب العمل وقد كان فيهم من ينصرف بعد الظهر ومنهم بعد العصر ومنهم من لا يعمل في الأسبوع إلا يوماً أو يومين وكانوا يكتفون به السَّادِسُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى اجْتِنَابِ الْحَرَامِ بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ولا ينظر إلى الفتاوى بل يستفتي قَلْبَهُ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً اجْتَنَبَهُ وَإِذَا حُمِلَ إِلَيْهِ سِلْعَةٌ رَابَهُ أَمْرُهَا سَأَلَ عَنْهَا حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبن فقال من أين لكم هذا فقالوا من الشاة فقال ومن أين لكم هذه الشاة فقيل من موضع كذا فشرب منه ثم قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيباً ولا نعمل إلا صالحاً (¬3) وقال إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} (¬4) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (¬5) حديث كان لا يسأل عن كل ما يحمل إليه رواه أحمد من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة الحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فلم يستطع أن يسيغها فقال هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلهاالحديث وله من حديث أبي هريرة كان إذا أتى بطعام من غير أهله سأل عنهالحديث وإسنادهما جيد وفي هذا أنه كان لا يسأل عما أتي به من عند أهله والله أعلم // وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله فكل مَنْسُوبٍ إِلَى ظُلْمٍ أَوْ خِيَانَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة لا يعاملهم البتة ولا يعامل أصحابهم وأعوانهم لأنه معين بذلك على الظلم وحكي عن رجل أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور قال فوقع في نفسي من ذلك شيء وإن كان ذلك العمل من الخيرات بل من فرائض الإسلام ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة قال فسألت سفيان رضي الله ¬_________ (¬1) حديث لا تركب البحر إلا لحجة أو عمرة أو غزو أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه منقطع (¬2) حديث شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولاً وآخرهم خروجا تقدم صدر الحديث في الباب السادس من العلم وروى أبو نعيم في كتاب حرمة المساجد من حديث ابن عباس أبغض البقاع إلى الله الأسواق وأبغض أهلها إلى الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً (¬3) حديث سؤاله عن اللبن والشاة وقوله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيباً ولا نعمل إلا صالحا رواه الطبراني من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس بسند ضعيف (¬4) حديث إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين الحديث (¬5) فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل الشيء وأصل أصله ولم يزد لأن ما وراء ذلك يتعذر وسنبين في كتاب الحلال والحرام موضع وجوب هذا السؤال فإنه كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه
পৃষ্ঠা - ৪৪৭
عنه فقال لا تكن عوناً لهم على قليل ولا كثير فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال نعم ولكن أقل ما يدخل عليك أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله وقد جاء في الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه (¬1) وفي الحديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق (¬2) وفي حديث آخر من أكرم فاسقاً فقد أعان على هدم الإسلام (¬3) ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى أكتب فقال أخبرني أي شيء تكتب فإن كان حقاً أعطيتك وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده أن يناوله طيناً ليختم به الكتاب فقال ناولني الكتاب أولاً حتى أنظر ما فيه فهكذا كانوا يحترزون عن معاونة الظلمة ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما وجدوا إليه سبيلاً وبالجملة فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى من يعامل ومن لا يعامل وليكن من يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون السَّابِعُ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَ جَمِيعَ مَجَارِيَ مُعَامَلَتِهِ مع وَاحِدٍ مِنْ مُعَامِلِيهِ فَإِنَّهُ مُرَاقَبٌ وَمُحَاسَبٌ فَلْيَعُدَّ الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة إنه لم أقدم عليها ولأجل ماذا فإنه يقال إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجل كان باعه شيئاً وقفة ويحاسب عن كل واحد فهو محاسب على عدد من عامله قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك فقال نشر علي خمسين ألف صحيفة فقلت هذه كلها ذنوب فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملته إلى آخرها فهذا ما على المكتسب في عمله من العدل والإحسان والشفقة على الدين فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين وإن أضاف إليه الإحسان كان من المقربين وإن راعى مع ذلك وظائف الدين كما ذكر في الباب الخامس كان من الصديقين والله أعلم بالصواب تم كتاب الكسب والمعيشة بحمد الله ومنه ¬_________ (¬1) حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه لم أجده مرفوعا وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن وقد ذكره المصنف هكذا على الصواب في آفات اللسان (¬2) حديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف (¬3) حديث من أكرم فاسقاً فقد أعان على هدم الإسلام غريب بهذا اللفظ والمعروف من وقر صاحب بدعة الحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي كلها موضوعة