এহইয়া উলুম আদ-দিন

ربع المنجيات

كتاب التوحيد والتوكل

بيان وجه الأنموذج في كثرة نعم الله تعالى وتسلسلها وخروجها عن الحصر والإحصاء
পৃষ্ঠা - ১৪০২
وقال الفضيل رحمه الله جعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا فهذا ما أردنا أن نذكره من حقيقة الزهد وأحكامه وإذا كان الزهد لا يتم إلا بالتوكل فلنشرع في بيانه إن شاء الله تعالى كتاب التوحيد والتوكل وهو الكتاب الخامس من ربع المنجيات من كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مدبر الملك والملكوت المنفرد بالعزة والجبروت الرافع السماء بغير عماد المقدر فيها أرزاق العباد الذي صرف أعين ذوي القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ورفع همهم عن الالتفات إلى ما عداه والاعتمام على مدبر سواه فلم يعبدوا إلا إياه علماً بأنه الواحد الفرد الصمد الإله وتحقيقاً بأن جميع أصناف الخلق عباد أمثالهم لا يبتغي عندهم الرزق وأنه ما من ذرة إلا إلى الله خلقها وما من دابة إلا على الله رزقها فلما تحققوا أنه لرزق عباده ضامن وبه كفيل توكلوا عليه فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل والصلاة على محمد قامع الأباطيل الهادي إلى سواء السبيل وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فإن التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين بل هو من معالي درجات المقربين وهو في نفسه غامض من حيث العلم ثم هو شاق من حيث العمل ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد والتثاقل عنها بالكلية طعن في ألسنة وقدح في الشرع والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباباً تغيير في وجه العقل وانغماس في غمرة الجهل وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق فيه مقتضى التوحيد والنقل والشرع في غاية الغموض والعسر ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء الذين اكتحلوا من فضل الله تعالى بأنوار الحقائق فأبصروا وتحققوا ثم نطقوا بالإعراب عما شاهدوه من حيث استنطقوا ونحن الآن نبدأ بذكر فضيلة التوكل على سبيل التقدمة ثم نردفه بالتوحيد في الشطر الأول من الكتاب ونذكر حال التوكل وعمله في الشطر الثاني بيان فضيلة التوكل أما من الآيات فقد قال تعالى وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين وقال عز وجل وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال سبحانه وتعالى إن الله يحب المتوكلين وأعظم بمقام موسوم بمحبة الله تعالى صاحبه ومضمون كفاية الله تعالى ملابسه فمن الله تعالى حسبه وكافيه ومحبه ومراعيه فقد فاز الفوز العظيم فإن المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب وقال تعالى أليس الله بكاف عبده فطالب الكفاية من غيره والتارك للتوكل هو المكذب لهذه الآية فإنه سؤال في معرض استنطاق بالحق كقوله تَعَالَى هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً وقال عز وجل ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم أي عزيز لا يذل من استجار به ولا يضيع من لاذ بجنا به والتجأ إلى
পৃষ্ঠা - ১৪০৩
ذمامه وحماه وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره وقال تعالى إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم بين أن كل ما سوى الله تعالى عبد مسخر حاجته مثل حاجتكم فكيف يتوكل عليه وقال تعالى إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه وقال عز وجل ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون وقال عز وجل يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد فهو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار والتوكل على الواحد القهار وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود أريت الأمم في الموسم فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيأتهم فقيل لي أرضيت قلت نعم قيل ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب قيل من هم يا رسول الله قال الذين لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة وقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم اجعله منهم فقام آخر فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً (¬2) وقال صلى الله عليه وسلم من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله تعالى كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها (¬3) وقال صلى الله عليه وسلم من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يديه (¬4) وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا إلى الصلاة ويقول بهذا أمرني ربي عز وجل قال عز وجل {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (¬5) الآية وقال صلى الله عليه وسلم لم يتوكل من استرقى واكتوى (¬6) وروي أنه لما قال جبريل لإبراهيم عليهما السلام وقد رمي إلى النار بالمنجنيق ألك حاجة قال أما إليك فلا وفاءً بقوله حسبي الله ونعم الوكيل إذ قال ذلك حين أخذ ليرمى فأنزل الله تعالى {وإبراهيم الذي وفى} وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السموات والأرض إلا جعلت له مخرجاً وأما الآثار فقد قال سعيد بن جبير لدغتني عقرب فأقسمت علي أمي لتسترقين فناولت الراقي يدي التي لم تلدغ ¬_________ (¬1) حديث ابن مسعود أريت الأمم في الموسم فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل الحديث رواه ابن منيع بإسناد حسن واتفق عليه الشيخان من حديث ابن عباس (¬2) حديث لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه من حديث عمر وقد تقدم (¬3) حديث من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة الحديث أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبي الدنيا ومني طريقة البيهقي في الشعب من رواية عن عمران بن حصين ولم يسمع منه وفيه إبراهيم بن الأشعث تكلم فيه أبو حاتم (¬4) حديث من سره أن يكون أغنى الناس فليسكن بما عند الله أوثق منه بما في يده رواه الحاكم والبيهقي في الزهد من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف (¬5) حديث كان إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا إلى الصلاة ويقول بهذا أمرني ربي قال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} رواه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام قال كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ هذه الآية ومحمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام إنما ذكروا له روايته عن أبيه عن جده فيبعد سماعه من جد أبيه (¬6) حديث لم يتوكل من استرقى واكتوى أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي في الكبير والطبراني واللفظ له إلا أنه قال أو من حديث المغيرة بن شعبة وقال الترمذي من اكتوت أو استرقى فقد برىء من التوكل وقال النسائي ما توكل من اكتوى أو استرقى
পৃষ্ঠা - ১৪০৪
وقرأ الخواص قوله تعالى {وتوكل على الحي الذي لا يموت} إلى آخر فقال ما ينبغي للعبد بعدد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى وقيل لبعض العلماء في منامه من وثق بالله تعالى فقد أحرز قوته وقال بعض العلماء لا يشغلك المضمون لك من الرزق عن المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتب الله لك وقال يحيى بن معاذ في وجود العبد الرزق من غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد وقال إبراهيم بن أدهم سألت بعض الرهبان من أين تأكل فقال لي ليس هذا العلم عندي ولكن سل ربي من أين يطعمني وقال هرم بن حيان لأويس القرني أين تأمرني أن أكون فأومأ إلى الشام قال هرم كيف المعيشة قال أويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها الموعظة وقال بعضهم متى رضيت بالله وكيلاً وجدت إلى كل خير سبيلا ونسأل الله تعالى حسن الأدب الشطر الأول في التوحيد بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل اعلم أن التوكل من باب الإيمان وجميع أبواب الإيمان لا تنتظم إلا بعلم وحال وعمل والتوكل كذلك ينتظم من علم هو الأصل وعمل هو الثمرة وحال هو المراد باسم التوكل فلنبدأ ببيان العلم الذي هو الأصل وهو المسمى إيماناً في أصل اللسان إذ الإيمان هو التصديق وكل تصديق بالقلب فهو علم وإذا قوي سمي يقيناً ولكن أبواب اليقين كثيرة ونحن إنما نحتاج منها إلى ما نبني عليه التوكل وهو التوحيد الذي يترجمه قولك لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له والإيمان بالقدرة التي يترجم عنها قولك {له الملك} والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك {وله الحمد} فمن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ على كل شيء قدير تم له الإيمان الذي هو أصل التوكل أعني أن يصير معنى هذا القول وصفاً لازماً لقلبه غالباً عليه فأما التوحيد فهو الأصل والقول فيه يطول وهو من علم المكاشفة ولكن بعض علوم المكاشفات متعلق بالأعمال بواسطة الأحوال ولا يتم علم المعاملة إلا بها فإذن لا نتعرض إلا للقدر الذي يتعلق بالمعاملة وإلا فالتوحيد هو البحر الخضم الذي لا ساحل له فنقول للتوحيد أربع مراتب وينقسم إلى لب وإلى لب اللب وإلى قشر وإلى قشر القشر ولنمثل ذلك تقريباً إلى الأفهام الضعيفة بالجوز في قشرته العليا فإن له قشرتين وله لب وللب دهن هو لب اللب فالرتبة الأولى من التوحيد هي أن يقول الإنسان بلسانه {لا إله إلا الله} وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين والثانية أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد العوام والثالثة أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي مشاهدة الصديقين وتسمية الصوفية الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق فالأول موحد بمجرد اللسان ويعصم ذلك صاحبه في الدنيا عن السيف والسنان والثاني موحد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال عن التكذيب بما انعقد عليه قلبه وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ولكنه يحفظ صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفي عليه ولم تضعف
পৃষ্ঠা - ১৪০৫
بالمعاصي عقدته ولهذا العقد حيل يقصد بها تضعيفه وتحليله تسمى بدعة وله حيل يقصد بها دفع حيلة التحليل والتضعيف ويقصد بها أيضاً إحكام هذه العقدة وشدها على القلب وتسمى كلاماً والعارف به يسمى متكلماً وهو في مقابلة المبتدع ومقصده دفع المبتدع عن تحليل هذه العقدة عن قلوب العوام وقد يخص المتكلم باسم الموحد من حيث إنه يحمي بكلامه مفهوم لفظ التوحيد على قلوب العوام حتى لا تنحل عقدته والثالث موحد بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلاً واحداً إذا انكشف له الحق كما هو عليه ولا يرى فاعلاً بالحقيقة إلا واحداً وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه لأنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين إذ لم يفارق المتكلم العامي في الاعتقاد بل في صنعة تلفيق الكلام الذي به حيل المبتدع عن تحليل هذه العقدة والرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث إنه كثير بل من حيث إنه واحد وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد فالأول كالقشرة العليا من الجوز والثاني كالقشرة السفلى والثالث كاللب والرابع كالدهن المستخرج من اللب وكما أن القشرة العليا من الجوز لا خير فيها بل إن أكل فهو مر المذاق وإن نظر إلى باطنه فهو كريه المنظر وإن اتخذ حطباً أطفأ النار وأكثر الدخان وإن ترك في البيت ضيق المكان فلا يصلح إلا أن يترك مدة على الجوز للصون ثم يرمى به عنه فكذلك التوحيد بمجرد اللسان دون التصديق بالقلب عديم الجدوى كثير الضرر مذموم الظاهر والباطن لكنه ينفع مدة في حفظ القشرة السفلى إلى وقت الموت والقشرة السفلى هي القلب والبدن وتوحيد المنافق يصون بدنه عن سيف الغزاة فإنهم لم يؤمروا بشق القلوب والسيف إنما يصيب جسم البدن وهو القشرة وإنما يتجرد عنه بالموت فلا يبقى لتوحيده فائدة بعده وكما أن القشرة السفلى ظاهرة النفع بالإضافة إلى القشرة العليا فإنها تصون اللب وتحرسه عن الفساد عند الادخار وإذا فصلت أمكن أن ينتفع بها حطباً لكنها نازلة القدر بالإضافة إلى اللب وكذلك مجرد الاعتقاد من غير كشف كثير النفع بالإضافة إلى مجرد نطق اللسان ناقص القدر بالإضافة إلى الكشف والمشاهدة التي تحصل بانشراح الصدر وانفساحه وإشراق نور الحق فيه إذ ذاك الشرح هو المراد بقوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وبقوله عز وجل {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} وكما أن اللب نفيس في نفسه بالإضافة إلى القشر وكله المقصود ولكنه لا يخلو عن شوب عصارة بالإضافة إلى الدهن المستخرج منه فكذلك توحيد الفعل مقصد عال للسالكين لكنه لا يخلو عن شوب ملاحظة الغير والالتفات إلى الكثرة بالإضافة إلى من لا يشاهد سوى الواحد الحق فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحد وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة فكيف يكون الكثير واحداً فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب فقد قال العارفون إفشاء سر الربوبية كفر ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة نعم ذكر ما يكسر سورة استبعادك ممكن وهو أن الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار وهذا كما أن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول إنه إنسان واحد فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد وكم من شخص يشاهد إنساناً ولا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روحه وجسده وأعضائه والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق وكأنه في عين الجمع والملتفت إلى الكثرة في تفرقه فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة فهو باعتبار واحد من
পৃষ্ঠা - ১৪০৬
الاعتبارات واحد وباعتبارات أخر سواه كثير وبعضها أشد كثرة من بعض ومثاله الإنسان وإن كان لا يطابق الغرض ولكنه ينبه في الجملة على كيفية مصير الكثرة في حكم المشاهدة واحداً ويستبين بهذا الكلام ترك الإنكار والجحود لمقام لم تبلغه وتؤمن به إيمان تصديق فيكون لك من حيث إنك مؤمن بهذا التوحيد نصيب وإن لم يكن ما آمنت به صفتك كما أنك إذا آمنت بالنبوة وإن لم تكن نبياً كان لك نصيب منه بقدر قوة إيمانك وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم وتارة تطرأ كالبرق الخاطف وهو الأكثر والدوام نادر عزيز وإلى هذا أشار الحسين بن منصور الحلاج حيث رأى الخواص يدور في الأسفار فقال فيماذا أنت فقال أدور في الأسفار لأصحح حالتي في التوكل وقد كان من المتوكلين فقال الحسين قد أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد فكأن الخواص كان في تصحيح المقام الثالث في التوحيد فطالبه بالمقام الرابع فهذه مقامات الموحدين في التوحيد على سبيل الإجمال فإن قلت فلا بد لهذا من شرح بمقدار ما يفهم كيفية ابتناء التوكل عليه فأقول أما الرابع فلا يجوز الخوض في بيانه وليس التوكل أيضاً مبنياً عليه بل يحصل حال التوكل بالتوحيد الثالث وأما الأول وهو النفاق فواضح وأما الثاني وهو الاعتقاد فهو موجود في عموم المسلمين وطريق تأكيده بالكلام ودفع حيل المبتدعة فيه مذكور في عالم الكلام وقد ذكرنا في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد القدر المهم منه وأما الثالث فهو الذي يبني عليه التوكل فلنذكر منه القدر الذي يرتبط التوكل به دون تفصيله الذي لا يحتمله أمثال هذا الكتاب وحاصله أن ينكشف لك أن لا فاعل إلا الله تعالى وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وغنى وفقر إلى غير ذلك مما ينطلق عليه اسم فالمنفرد بإبداعه واختراعه هو الله عز وجل لا شريك له فيه وإذا انكشف لك هذا لم تنظر إلى غيره بل كان منه خوفك وإليه رجاؤك وبه ثقتك وعليه اتكالك فإنه الفاعل على الانفراد دون غيره وما سواه مسخرون لا استقلال لهم بتحريك ذرة من ملكوت السموات والأرض وإذا انفتحت لك أبواب المكاشفة اتضح لك هذا اتضاحاً أتم من المشاهدة بالبصر وإنما يصدك الشيطان عن هذا التوحيد في مقام يبتغي به أن يطرق إلى قلبك شائبة الشرك بسببين أحدهما الالتفات إلى اختيار الحيوانات والثاني الالتفاف إلى الجمادات أما الالتفاف إلى الجمادات فكاعتمادك على المطر في خروج الزرع ونباته ونمائه وعلى الغيم في نزول المطر وعلى البرد في اجتماع الغيم وعلى الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا كله شرك في التوحيد وجهل بحقائق الأمور ولذلك قال تعالى {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} قيل معناه أنهم يقولون لولا استواء الريح لما نجونا ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح هو الهواء والهواء لا يتحرك بنفسه مالم يحركه محرك وكذلك محركه وهكذا إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا هو متحرك في نفسه عز وجل فالتفات العبد في النجاة إلى الريح يضاهي التفات من أخذ لتحزرقبته كتب الملك توقيعاً بالعفو عنه وتخليته فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به يكتب التوقيع يقول لولا القلم لما تخلصت فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم وهو غاية الجهل ومن علم أن القلم لا حكم له في نفسه وإنما هو مسخر في يد الكاتب لم يلتفت إليه ولم يشكر إلا الكاتب بل ربما يدهشه فرح النجاة وشكر الملك والكاتب من أن يخطر بباله القلم والحبر والدواة والشمس والقمر والنجوم والمطر والغيم والأرض وكل حيوان وجماد مسخرات في قبضة القدرة كتسخير القلم في يد الكاتب بل هذا تمثيل في حقك لاعتقادك أن الملك
পৃষ্ঠা - ১৪০৭
الموقع هو الكاتب التوقيع والحق أن الله تبارك وتعالى هو الكاتب لقوله تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى} فإذا انكشف لك أن جميع ما في السموات والأرض مسخرات على هذا الوجه انصرف عنك الشيطان خائباً وأيس عن مزج توحيدك بهذا الشرك فأتاك في المهلكة الثانية وهي الالتفات إلى اختيار الحيوانات في الأفعال الاختيارية ويقول كيف ترى الكل عن الله وهذا الإنسان يعطيك رزقك باختياره فإن شاء أعطاك وإن شاء قطع عنك وهذا الشخص هو الذي يحز رقبتك بسيفه وهو قادر عليك إن شاء حزن رقبتك وإن شاء عفا عنك فكيف لا تخافه وكيف لا ترجوه وأمرك بيده وأنت تشاهد ذلك ولا تشك فيه ويقول له أيضاً نعم إن كنت لا ترى القلم لأنه مسخر فكيف لا ترى الكاتب بالقلم وهو المسخر له وعند هذا زل أقدام الأكثرون إلا عباد الله المخلصين الذين لا سلطان عليهم للشيطان اللعين فشاهدوا بنور البصائر كون الكاتب مسخراً مضطراً كما شاهد جميع الضعفاء كون القلم مسخراً وعرفوا أن غلط الضعفاء في ذلك كغلظ النملة مثلاً لو كانت تدب على الكاغد فترى رأس القلم يسود الكاغد ولم يمتد بصرها إلى اليد والأصابع فضلاً عن صاحب اليد فغلطت وظنت أن القلم هو المسود للبياض وذلك لقصور بصرها عن مجاوزة رأس القلم لضيق حدقتها فكذلك من لم ينشرح بنور الله تعالى صدره للإسلام قصرت بصيرته عن ملاحظة جبار السموات والأرض ومشاهدة كونه قاهراً وراء الكل فوقف في الطريق على الكاتب وهو جهل محض بل أرباب القلوب والمشاهدات قد أنطق الله تعالى في حقهم كل ذرة في السموات والأرض بقدرته التي بها نطق كل شيء حتى سمعوا تقديسها وتسبيحها لله تعالى وشهادتها على نفسها بالعجز بلسان ذلق تتكلم بلا حرف ولا صوت لا يسمعه الذين هم عن السمع معزلون ولست أعني به السمع الظاهر الذي لا يجاوز بالأصوات فإن الحمار شريك فيه ولا قدر لما يشارك فيه البهائم وإنما أريد به سمعاً يدرك به كلام ليس بحرف ولا صوت ولا هو عربي ولا عجمي فإن قلت فهذه أعجوبة لا يقبلها العقل فصف لي كيفية نطقها وأنها كيف نطقت وبماذا نطقت وكيف سبحت وقدست وكيف شهدت على نفسها بالعجز فاعلم أن لكل ذرة في السموات والأرض مع أرباب القلوب مناجاة في السر وذلك مما لا ينحصر ولا يتناهى فإنها كلمات تستمد من بحر كلام الله تعالى الذي لا نهاية له {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر} الآية ثم إنها تتناجى بأسرار الملك والملكوت وإفشاء السر لؤم بل صدور الأحرار قبور الأسرار وهل رأيت قط أميناً على أسرار ملك قد نوجي بخفاياه فنادى بسره على ملأ من الخلق ولو جاز إفشاء كل سر لنا لما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً (¬1) بل كان يذكر ذلك لهم حتى يبكون ولا يضحكون ولما نهى عن إفشاء سر القدر (¬2) ولما قال إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا (¬3) ولما خص حذيفة رضي الله عنه ببعض الأسرار (¬4) فإذن عن حكايات مناجاة ذرات الملك والملكوت لقلوب أرباب المشاهدات مانعان أحدهما استحالة إفشاء السر والثاني خروج كلماتها عن الحصر والنهاية ولكنا في المثال الذي كنا فيه وهي حركة القلم ¬_________ (¬1) حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا الحديث تقدم غير مرة (¬2) حديث النهى عن إفشاء سر القدر رواه أبو عدي وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر القدر سر الله فلا تفشوا لله عز وجل سره لفظ أبي نعيم وقال ابن عدي لا تكلموا في القدر فإنه سر الله الحديث وهو ضعيف وقد تقدم (¬3) حديث إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان في الضعفاء وتقدم في العلم (¬4) حديث أنه خص حذيفة ببعض الأسرار تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪০৮
نحكى من مناجاتها قدراً يسيراً يفهم به على الإجمال كيفية ابتناء التوكل عليه ونرد كلماتها إلى الحروف والأصوات وإن لم تكن حروفاً وأصواتاً ولكن هي ضرورة التفهيم فنقول قال بعض الناظرين عن مشكاة نور الله تعالى للكاغد وقد رآه اسود وجهه بالحبر ما بال وجهك كان أبيض مشرقاً والآن قد ظهر عليه السواد فلم سودت وجهك وما السبب فيه فقال الكاغد ما انصفتني في هذه المقالة فإني ما سودت وجهي بنفسي ولكن سل الحبر فإنه كان مجموعاً في المحبرة التي هي مستقره ووطنه فسافر عن الوطن ونزل بساحة وجهي ظلما وعدوا فقال صدقت فسأل الحبر عن ذلك فقال ما أنصفتني فإني كنت في المحبرة وادعاً ساكناً عازماً على أن لا أبرح منها فاعتدى علي القلم بطمعه الفاسد واختطفني من وطني وأجلاني عن بلادي وفرق جمعي وبدني كما ترى على ساحة بيضاء فالسؤال عليه لا علي فقال صدقت ثم سأل القلم عن السبب في ظلمه وعدوانه وإخراج الحبر من أوطانه فقال سل اليد والأصابع فإني كنت قصباً نابتاً على شط الأنهار متنزهاً بين خضرة الأشجار فجاءتني اليد بسكين فنحت عني قشري ومزقت عني ثيابي واقتلعتني من أصلي وفصلت بين أنابيبي ثم برتني وشقت رأسي ثم غمستني في سواد الخبر ومرارته وهي تستخدمني وتمشيني على قمة رأسي ولقد نثرت الملح على جرحي بسؤالك وعتابك فتنح عني وسل من قهرني فقال صدقت ثم سأل اليد عن ظلمها وعدولها على القلم واستخدامها له فقالت اليد ما أنا إلا لحم وعظم ودم وهل رأيت لحماً يظلم أو جسماً يتحرك بنفسه وإنما أنا مركب مسخر ركبني فارس يقال له القدرة والعزة فهي التي ترددني وتجول بي في نواحي الأرض أما ترى المدر والحجر والشجر لا يتعدى شيئا منها مكانه ولا يتحرك بنفسه إذ لم يركبه مثل هذا الفارس القوي القاهر أما ترى أيدي الموتى تساويني في صورة اللحم والعظم والدم ثم لا معاملة بينها وبين القلم فأنا أيضاً من حيث أنا لا معاملة بيني وبين القلم فسل القدرة عن شأني فإني مركب أزعجي من ركبني فقال صدقت ثم سأل القدرة عن شأنها في استعمالها اليد وكثرة استخدامها وترديدها فقالت دع عنك لومي ومعاتبتي فكم من لائم ملوم وكم من ملوم لا ذنب له وكيف خفي عليك أمري وكيف ظننت أني ظلمت اليد لما ركبتها وقد كنت لها راكبة قبل التحريك وما كنت أحركها ولا أستسخرها بل كنت نائمة ساكنة نوماً ظن الظانون بي أني ميتة أو معدومة لأني ما كنت أتحرك ولا أحرك حتى جاءني موكل أزعجني وأرهقني إلى ما تراه مني فكانت لي قوة على مساعدته ولم تكن لي قوة على مخالفته وهذا الموكل يسمى الإرادة ولا أعرفه إلا باسمه وهجومه وصياله إذ أزعجني من غمرة النوم وأرهقني إلى ما كان لي مندوحة عنه لو خلاني ورأبي فقال صدقت ثم سأل الإرادة ما الذي جرأك على هذه القدرة الساكنة المطمئنة حتى صرفتها إلى التحريك وأرهقتها إليه إرهاقا لم تجد عنه مخلصاً ولا مناصاً فقالت الإرادة لا تعجل علي فلعل لنا عذراً وأنت تلوم فإني ما انتهضت بنفسي ولكني انهضت وما أن انبعثت ولكني بعثت بحكم قاهر وأمر جازم وقد كنت ساكنة قبل مجيئه ولكن ورد علي من حضرة القلب رسول العلم على لسان العقل بالإشخاص للقدرة فأشخصتها باضطرار فإني مسكينة مسخرة تحت قهر العلم والعقل ولم أدري بأي جرم وقفت عليه وسخرت له وألزمت طاعته لكني أدري أني في دعة وسكون مالم يرد على هذا الولود القاهر وهذا الحاكم العادل أو الظالم وقد وقفت عليه وقفا وألزمت طاعته إلزاماً بل لا يبقى لي معه مهما جزم حكمه طاقة على المخالفة لعمري ما دام هو في التردد مع نفسه والتحير في حكمه فأنا ساكنة لكن مع استشعار وانتظار لحكمه فإذا انجزم حكمه أزعجت بطبع وقهر تحت طاعته وأشخصت القدرة لتقوم بموجب حكمه فسل العلم عن شأني ودع عني عتابك
পৃষ্ঠা - ১৪০৯
فإني كما قال القائل متى ترحلت عن قوم وقد قدروا ... أن لا تفارقهم فالراحلون هم فقال صدقت وأقبل على العلم والعقل والقلب مطالباً لهم ومعاتباً إياهم على استنهاض الإرادة وتسخيرها لإشخاص القدرة فقال العقل أما أنا فسراج ما اشتعلت بنفسي ولكن أشعلت وقال القلب أما أنا فلوح ما انبسطت بنفسي ولكن بسطت وقال العلم أما أنا فنقش نقشت في بياض لوح القلب لما أشرق سراج العقل وما انخططت بنفسي فكم كان هذا اللوح قبل خالياً عني فسل القلم عني لأن الخط لا يكون إلا بالقلم فعند ذلك تتعتع السائل ولم يقنعه جواب وقال قد طال تعبي في هذا الطريق وكثرت منازلي ولا يزال يحيلني من طمعت في معرفة هذا الأمر منه على غيره ولكني كنت أطيب نفساً بكثرة الترداد لما كنت أسمع كلاماً مقبولاً لا في الفؤاد وعذراً ظاهراً في دفع السؤال فأما قولك إني خط ونقش وإنما خطى قلم فلست أفهمه فإني لا أعلم قلماً إلا من القصب ولا لوحاً إلا من الحديد أو الخشب ولا خطاً إلا بالحبر ولا سراجاً إلا من النار وإني لأسمع في هذا المنزل حديث اللوح والسراج والخط والقلم ولا أشاهد من ذلك شيئاً أسمع جعجعة ولا أرى طحناً فقال له القلم إن صدقت فيما قلت فبضاعتك مزجاة وزادك قليل ومركبك ضعيف واعلم أن المهالك في الطريق التي توجهت إليها كثيرة فالصواب لك أن تنصرف وتدع ما أنت فيه فما هذا بعشك فأدرج عنه فكل ميسر لما خلق له وإن كنت راغباً في استتمام الطريق إلى المقصد فألق سمعك وأنت شهيد واعلم أن العوالم في طريقك هذا ثلاثة عالم الملك والشهادة أولها ولقد كان الكاغد والحبر والقلم واليد من هذا العالم وقد جاوزت تلك المنازل على سهولة والثاني عالم الملكوت وهو ورائي فإذا جاوزتني انتهيت إلى منازله وفيه المهامة الفيح والجبال الشاهقة والبحار المغرقة ولا أدري كيف تسلم فيها والثالث هو عالم الجبروت وهو بين عالم الملك وعالم الملكوت ولقد قطعت منها ثلاث منازل في أوائلها منزلة القدرة والإرادة والعلم وهو واسطة بين عالم الملك والشهادة والملكوت لأن عالم الملك أسهل منه طريقاً وعالم الملكوت أوعر منه منهجاً وإنما عالم الجبروت بين عالم الملك وعالم الملكوت يشبه السفينة التي هي في الحركة بين الأرض والماء فلا هي في حد اضطراب الماء ولا هي في حد سكون الأرض وثبرتها وكل من يمشي على الأرض يمشى في عالم الملك والشهادة فإن جاوزت قوته إلى أن يقوى على ركوب السفينة كان كمن يمشي في عالم الجبروت فإن انتهى إلى أن يمشي على الماء من غير سفينة مشى في عالم الملكوت من غير تتعتع فإن كنت لا تقدر على المشي على الماء فانصرف فقد جاوزت الأرض وخلفت السفينة ولم يبق بين يديك إلا الماء الصافي وأول عالم الملكوت مشاهدة القلم الذي يكتب به العلم في لوح القلب وحصول اليقين الذي يمشي به على الماء أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام لو ازداد يقيناً لمشي على الهواء (¬1) لما قيل له إنه كان يمشي على الماء فقال السالك السائل قد تحيرت في أمري واستشعر قلبي خوفاً مما وصفته من خطر الطريق ولست أدري أطيق قطع هذه المهامة التي وصفتها أم لا فهل لذلك من علامة قال نعم افتح بصرك واجمع ضوء عينيك وحدقهنحوي فإن ظهر لك القلم الذي به أكتب في لوح القلب فيشبه أن تكون أهلاً لهذا الطريق فإن كل من جاوز عالم الجبروت وقرع باباً من أبواب الملكوت كوشف بالقلم أما ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره كوشف بالقلم إذ أنزل عليه اقرأ وربك ¬_________ (¬1) حديث قيل له أن عيسى يمشي على الماء قال لو ازداد يقيناً لمشي على الهواء تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪১০
الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فقال السالك لقد فتحت بصري وحدقته فو الله ما أرى قصباً ولا خشباً ولا أعلم قلماً إلا كذلك فقال العلم لقد أبعدت النجعة أما سمعت أن متاع البيت يشبه رب البيت أما علمت أن الله تعالى لا تشبه ذاته سائر الذوات فكذلك لا تشبه يده الأيدي ولا قلمه الأقلام ولا كلامه سائر الكلام ولا خطه سائر الخطوط وهذه أمور إلهية من عالم الملكوت فلبس الله تعالى في ذاته بجسم ولا هو في مكان بخلاف غيره ولا يده لحم وعظم ودم بخلاف الأيدي ولا قلمه من قصب ولا لوحه من خشب ولا كلامه بصوت وحرف ولا خطه رقم ورسم ولا حبره زاج وعفص فإن كنت لا تشاهد هذا هكذا فما أراك إلا مخنثاً بين فحولة التنزيه وأنوثة التشبيه مذبذباً بين هذا وذا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فكيف نزهت ذاته وصفاته تعالى عن الأجسام وصفاتها ونزهت كلامه عن معاني الحروف والأصوات وأخذت تتوقف في يده وقلمه ولوحه وخطه فإن كنت قد فهمت من قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ خلق آدم على صورته الصورة الظاهرة المدركة بالبصر فكن مشبهاً مطلقاً كما يقال كن يهودياً صرفاً وإلا فلا تلعب بالتوراة وإن فهمت منه الصورة الباطنة التي تدرك بالبصائر لا بالأبصار فكن منزهاً صرفا ومقدسا فحلا واطو الطريق فإنك بالواد المقدس طوى واستمع بسر قلبك لما يوحى فلعلك تجد على النار هدى ولعلك من سرادقات العرش تنادي بما نودي به موسى إني أنا ربك فلما سمع السالك من العلم ذلك استشعر قصور نفسه وأنه مخنث بين التشبيه والتنزيه فاشتعل قلبه ناراً من حدة غضبه على نفسه لما رآها بعين النقص ولقد كان زيته الذي في مشكاة قلبه يكاد يضيء ولو لم تمسه نار فلما نفخ فيه العلم بحدته اشتعل زيته فأصبح نوراً على نور فقال له العلم اغتنم الآن هذه الفرصة وافتح بصرك لعلك تجد على النار هدى ففتح بصره فانكشف له القلم الإلهي فإذا هو كما وصفه العلم في التنزيه ما هو من خشب ولا قصب ولا له رأس ولا ذنب وهو يكتب على الدوام في قلوب البشر كلهم أصناف العلوم وكأن له في كل قلب رأساً ولا رأس له فقضى منه العجب وقال نعم الرفيق العلم فجزاه الله تعالى عني خيراً إذ الآن ظهر لي صديق أنبائه عن أوصاف القلم فإني أراه قلماً لا كالأقلام فعند هذا ودع العلم وشكره وقال قد طال مقامي عندك ومرادتي لك وأنا عازم على أن أسافر إلى حضرة القلم وأسأله عن شأنه فسافر إليه وقال له ما بالك أيها القلم تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما تبعث به الإرادات إلى أشخاص القدر وصرفها إلى المقدورات فقال أو قد نسيت ما رأيت في عالم الملك والشهادة وسمعت من جواب القلم إذ سألته فأحالك على اليد قال لم أنس ذلك قال فجوابي مثله جوابه قال كيف وأنت لا تشبهه قال القلم أما سمعت أن الله تعالى خلق آدم على صورته قال نعم قال فسل عن شأني الملقب بيمين الملك فإني في قبضته وهو الذي يرددني وأنا مقهور مسخر فلا فرق بين القلم الإلهي وقلم الآدمي في معنى التسخير وإنما الفرق في ظاهر الصورة فقال فمن يمين الملك فقال القلم أما سمعت قوله تعالى والسموات مطويات بيمينه قال نعم قال والأقلام أيضاً في قبضة يمينه هو الذي يرددها فسافر السالك من عنده إلى اليمين حتى شاهده ورأى من عجائبه ما يزيد على عجائب القلم ولا يجوز وصف شيء من ذلك ولا شرحه بل لا تحوي مجلدات كثيرة عشر عشير وصفه والجملة فيه أنه يمين لا كالإيمان ويد لا كالأيدي وإصبع لا كالأصابع فرأى القلم محركاً في قبضته فظهر له عذر القلم فسأل اليمين عن شأنه وتحريكه للقلم فقال جوابي مثل ما سمعته من اليمين التي رأيتها في عالم الشهادة وهي الحوالة على القدرة إذ اليد لا حكم لها في نفسها وإنما
পৃষ্ঠা - ১৪১১
محركها القدرة لا محالة فسافر السالك إلى عالم القدرة ورأى فيه من العجائب ما استحقر عندها ما قبله وسألها عن تحريك اليمين فقالت إنما أنا صفة فاسأل القادر إذ العمدة على الموصوفات لا على الصفات وعند هذا كاد أن يزيغ ويطلق بالجراءة لسان السؤال فثبت بالقول الثابت ونودي من وراء حجاب سرادقات الحضرة لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فغشيته هيبة الحضرة فخر صعقاً يضطرب في غشيته فلما أفاق قال سبحانك ما أعظم شأنك تبت إليك وتوكلت عليك وآمنت بأنك الملك الجبار الواحد القهار فلا أخاف غيرك ولا أرجو سواك ولا أعوذ إلا بعفوك من عقابك وبرضاك من سخطك وما لي إلا أن أسألك وأتضرع إليك وأبتهل بين يديك فأقول اشرح لي صدري لأعرفك واحلل عقدة من لساني لأثني عليك فنودي من وراء الحجاب إياك أن تطمع في الثناء وتزيد على سيد الأنبياء بل ارجع إليه فما آتاك فخذه وما نهاك عنه فانته عنه وما قاله لك فقله فإنه ما زاد في هذه الحضرة على أن قال سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (¬1) فقال إلهي إن لم يكن للسان جراءة على الثناء عليك فهل للقلب مطمع في معرفتك فنودي إياك أن تتخطى رقاب الصديقين فارجع إلى الصديق الأكبر فاقتد به فإن أصحاب سيد الأنبياء كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أما سمعته يقول العجز عن درك الإدراك إدراك فيكفيك نصيباً من حضرتنا أن تعرف أنك محروم عن حضرتنا عاجز عن ملاحظة جمالنا وجلالنا فعند ذلك رجع السالك واعتذر عن أسئلته ومعاتباته وقال لليمين والقلم والعلم والإرادة والقدرة وما بعدها اقبلوا عذري فإني كنت غريباً حديث العهد بالدخول في هذه البلاد ولكل داخل دهشة فما كان إنكاري عليكم إلا عن قصور وجهل والآن قد صح عندي عذركم وانكشف لي أن المنفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت هو الواحد القهار فما أنتم إلا مسخرون تحت قهره وقدرته مرددون في قبضته وهو الأول والآخر والظاهر والباطن فلما ذكر ذلك في عالم الشهادة استبعد منه ذلك وقيل له كيف يكون هو الأول والاخر وهما وصفان متناقضان وكيف يكون هو الظاهر والباطن فالأول ليس بآخر والظاهر ليس بباطن فقال هو الأول بالإضافة إلى الموجودات إذ صدر منه الكل على ترتيبه واحداً بعد واحد وهو الآخر بالإضافة إلى سير السائرين إليه فإنهم لا يزالون مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى تلك الحضرة فيكون ذلك آخر السفر فهو آخر في المشاهدة أول في الوجود وهو باطن بالإضافة إلى العاكفين في عالم الشهادة الطالبين لإدراكه بالحواس الخمس ظاهر بالإضافة إلى من يطلبه في السراج الذي اشتعل في قلبه بالبصيرة الباطنة النافذة في عالم الملكوت فهذا كان توحيد السالكين لطريق التوحيد في الفعل أعني من انكشف له أن الفاعل واحد فإن قلت قد انتهى هذا التوحيد إلى أنه يبتنى على الإيمان بعالم الملكوت فمن لم يفهم ذلك أو يجحده فما طريقه فأقول أما الجاحد فلا علاج له إلا أن يقال له إنكارك لعالم الملكوت كإنكار السمنية لعالم الجبروت وهم الذين حصروا العلوم في الحواس الخمس فأنكروا القدرة والإرادة والعلم لأنها لا ندرك بالحواس الخمس فلازموا حضيض عالم الشهادة بالحواس الخمس فإن قال وأنا منهم فإني لا أهتدي إلا إلى عالم الشهادة بالحواس الخمس ولا أعلم شيئاً سواه فيقال إنكارك لما شاهدناه مما وراء الحواس الخمس كإنكار السوفسطائية للحواس الخمس فإنهم قالوا ما نراه لا نثق به فلعلنا نراه في المنام فإن قال وأنا من جملتهم فإني شاكٍ أيضاً في ¬_________ (¬1) حديث سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪১২
المحسوسات فيقال هذا شخص فسد مزاجه وامتنع علاجه فيترك أياماً قلائل وما كل مريض يقوى على علاجه الأطباء هذا حكم الجاحد وأما الذي لا يجحد ولكن لا يفهم فطريق السالكين معه أن ينظروا إلى عينه التي يشاهد بها عالم الملكوت فإن وجدوها صحيحة في الأصل وقد نزل فيها ماء أسود يقبل الإزالة والتنقية اشتغلوا بتنقيته اشتغال الكحال بالأبصار الظاهرة فإذا استوى بصره أرشد إلى الطريق ليسلكها كما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بخواص أصحابه فإن كان غير قابل للعلاج فلم يمكنه أن يسلك الطريق الذي ذكرناه في التوحيد ولم يمكنه أن يسمع كلام ذرات الملك والملكوت بشهادة التوحيد كلموه بحرف وصوت وردوا ذروة التوحيد إلى حضيض فهمه فإن في عالم الشهادة أيضاً توحيداً إذ يعلم كل أحد أن المنزل يفسد بصاحبين والبلد يفسد بأميرين فيقال له على حد عقله إله العالم واحد والمدبر واحد إذ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فيكون ذلك على ذوق ما رآه في عالم الشهادة فينغرس اعتقاد التوحيد في قلبه بهذا الطريق اللائق بقدر عقله وقد كلف الله الأنبياء أن يكلموا الناس على قدر عقولهم ولذلك نزل القرآن بلسان العرب على حد عادتهم في المحاورة فإن قلت فمثل هذا التوحيد الاعتقادي هل يصلح أن يكون عماداً للتوكل وأصلاً فيه فأقول نعم فإن الاعتقاد إذا قوي عَمِلَ عَمَلَ الكشف في إثارة الأحوال إلا أنه في الغالب يضعف ويتسارع إليه الاضطراب والتزلزل غالباً ولذلك يحتاج صاحبه إلى متكلم يحرسه بكلامه أو إلى أن يتعلم هو الكلام ليحرس به العقيدة التي تلقنها من أستاذه أو من أبويه أو من أهل بلده وأما لذى شاهد الطريق وسلكه بنفسه فلا يخاف عليه شيء من ذلك بل لو كشف الغطاء لما ازداد يقيناً وإن كان يزداد وضوحاً كما أن الذي يرى إنساناً في وقت الإسفار لا يزداد يقيناً عند طلوع الشمس بأنه إنسان ولكن يزداد وضوحاً في تفصيل خلقته وما مثال المكاشفين والمعتقدين إلا كسحرة فرعون مع أصحاب السامري فإن سحرة فرعون لما كانوا مطلعين على منتهى تأثير السحر لطول مشاهدتهم وتجربتهم رأوا من موسى عليه السلام تجاوز حدود السحر وانكشف لهم حقيقة الأمر فلم يكترثوا بقول فرعون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف {بل} قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا قاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فإن البيان والكشف يمنع التغيير وأما أصحاب السامري لما كان إيمانهم عن النظر إلى ظاهر الثعبان فلما نظروا إلى عجل السامري وسمعوا خواره تغيروا وسمعوا قوله هذا إلهكم وإله موسى ونسوا أنه لا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً فكل من آمن بالنظر إلى ثعبان يكفر لا محالة إذا نظر إلى عجل لأن كليهما من عالم الشهادة والاختلاف والتضاد في عالم الشهادة كثير وأما عالم الملكوت فهو من عند الله تعالى فلذلك لا نجد فيه اختلافاً وتضاداً أصلاً فإن قلت ما ذكرته من التوحيد ظاهر مهما ثبت أن الوسائط والأسباب مسخرات وكل ذلك ظاهر إلا في حركات الإنسان فإنه يتحرك إن شاء ويسكن إن شاء فكيف يكون مسخراً فاعلم أنه لو كان مع هذا يشاء إن أراد أن يشاء ولا يشاء إن لم يرد أن يشاء لكان هذا مزلة القدم وموقع الغلط ولكن علم أنه يفعل ما يشاء إذا شاء إن يشأ أم لم يشأ فليست المشيئة إليه إذ لو كانت إليه لافتقرت إلى مشيئة أخرى وتسلسل إلى غير نهاية وإذا لم تكن إليه المشيئة فمهما وجدت المشيئة التي تصرف القدرة إلى مقدورها انصرفت القدرة لا محالة ولم يكن لها سبيل إلى المخالفة فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة والقدرة متحركة ضرورة عند انجزام المشيئة فالمشيئة تحدث ضرورة في القلب فهذا ضرورات ترتب بعضها على بعض وليس للعبد أن يدفع وجود المشيئة ولا انصراف
পৃষ্ঠা - ১৪১৩
القدرة إلى المقدور بعدها ولا وجود الحركة بعد بعث المشيئة المقدرة فهو مضطر في الجميع فإن قلت فهذا جبر محض والجبر يناقض الاختيار وأنت لا تنكر الاختيار فكيف يكون مجبوراً مختاراً فأقول لو انكشف الغطاء لعرفت أنه في عين الاختيار مجبور فهو إذن مجبور على الاختيار فكيف يفهم هذا من لا يفهم الاختيار فلنشرح الاختيار بلسان المتكلمين شرحاً وجيزاً يليق بما ذكر متطفلاً وتابعاً فإن هذا الكتاب لم نقصد به إلا علم المعاملة ولكني أقول لفظ الفعل في الإنسان يطلق على ثلاثة أوجه إذ يقال الإنسان يكتب بالأصابع ويتنفس بالرئة والحنجرة ويخرق الماء إذا وقف عليه بجسمه فينسب إليه الخرق في الماء والتنفس والكتابة وهذه الثلاثة في حقيقة الاضطرار والجبر واحدة ولكنها تختلف وراء ذلك في أمور فأعرب لك عنها بثلاث عبارات فنسمي خرقه للماء عند وقوعه على وجهه فعلاً طبيعياً ونسمي تنفسه فعلاً إرادياً ونسمي كتابته فعلاً اختيارياً والجبر ظاهر في الفعل الطبيعي لأنه مهما وقف على وجه الماء أو تخطى من السطح للهواء انخرق الهواء لا محالة وقد يكون الخرق بعد التخطي ضرورياً والتنفس في معناه فإن نسبة حركة الحنجرة إلى إرادة التنفس كنسبة انخراق الماء إلى ثقل البدن فمهما كان الثقل موجوداً وجد الانخراق بعده وليس الثقل إليه وكذلك الإرادة ليست إليه ولذلك لو قصد عين الإنسان بإبرة طبق الأجفان اضطراراً ولو أراد أن يتركها مفتوحة لم يقدر مع أن تغميض الأجفان اضطراراً فعل إرادي ولكنه إذا تمثل صورة الإبرة في مشاهدته بالإدراك حدثت الإرادة بالتغميض ضرورة وحدثت الحركة بها ولو أراد أن يترك ذلك لم يقدر عليه مع أنه فعل بالقدرة والإرادة فقد التحق هذا بالفعل الطبيعي في كونه ضرورياً وأما الثالث وهو الاختيار فهو مظنة الالتباس كالكتابة والنطق وهو الذي يقال فيه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وتارة لا يشاء فيظن من هذا أن الأمر إليه وهذا للجهل بمعنى الاختيار فلنكشف عنه وبيانه أن الإرادة تبع للعلم الذي يحكم بأن الشيء موافق لك والأشياء تنقسم إلى ما تحكم مشاهدتك الظاهرة أو الباطنة بأنه يوافقك من غير تحير وتردد وإلى ما قد يتردد العقل فيه فالذي نقطع به من غير تردد أن من يقصد عينك مثلاً بإبرة أو بدنك بسيف فلا يكون في علمك تردد في أن دفع ذلك خير لك وموافق فلا جرم تنبعث الإرادة بالعلم والقدرة بالإرادة وتحصل حركة الأجفان بالدفع وحركة اليد بدفع السيف ولكن من غير روية وفكرة ويكون ذلك بالإرادة ومن الأشياء ما يتوقف التمييز والعقل فيه فلا يدري أنه موافق أم لا فيحتاج إلى روية فكر حتى يتميز أن الخير في الفعل أو الترك فإذا حصل بالفكر والروية العلم بأن أحدهما خير التحقق ذلك بالذي يقطع به من غير روية فكر فانبعثت الإرادة ههنا كما تنبعث لدفع السيف والسنان فإذا انبعثت لفعل ما ظهر للعقل أنه خير سميت هذه الإرادة اختياراً مشتقاً من الخير أي هو انبعاث إلى ما ظهر للعقل أنه خير وهو عين تلك الإرادة ولم ينتظر في انبعاثها إلى ما انتظرت تلك الإرادة وهو ظهور خيرية الفعل في ححقه إلا أن الخيرية في دفع السيف ظهرت من غير روية بل على البديهة وهذا افتقر إلى الروية فالاختيار عبارة عن إرادة خاصة وهي التي انبعثت بإشارة العقل فيما له في إدراكه توقف وعن هذا قيل إن العقل يحتاج إليه للتمييز بين خير الخيرين وشر الشرين ولا يتصور أن تنبعث الإرادة إلا بحكم الحس والتخيل أو بحكم جزم من العقل ولذلك لو أراد الإنسان أن يحز رقبة نفسه مثلاً لم يمكنه لا لعدم القدرة في اليد ولا لعدم السكين ولكن لفقد الإرادة الداعية المشخصة للقدرة وإنما فقدت الإرادة لأنها تنبعث بحكم العقل أو الحسن بكون الفعل موافقاً وقتله نفسه ليس موافقاً له فلا يمكنه مع قوة الأعضاء أن يقتل نفسه إلا إذا كان في عقوبة مؤلمة لا تطاق فإن العقل هنا يتوقف في الحكم ويتردد لأن
পৃষ্ঠা - ১৪১৪
تردده بين شر الشرين فإن ترجح له بعد الروية أن ترك القتل أقل شراً لم يمكنه قتل نفسه وإن حكم بأن القتل أقل شراً وكان حكمه جزماً لا ميل فيه ولا صارف منه انبعثت الإرادة والقدرة وأهلك نفسه كالذي يتبع بالسيف للقتل فإنه يرمي بنفسه من السطح مثلاً وإن مهلكاً ولا يبالي ولا يمكنه أن لا يرمي نفسه فإن كان يتبع بضرب خفيف فإن انتهى إلى طرف السطح حكم العقل بأن الضرب أهون من الرمي فوقفت أعضاؤه فلا يمكنه أن يرمي نفسه ولا تنبعث له داعية البتة لأن داعية الإرادة مسخرة بحكم العقل والحس والقدرة مسخرة للداعية والحركة مسخرة للقدرة والكل مقدر بالضرورة فيه من حيث لا يدري فإنما هو محل ومجرى لهذه الأمور فأما أن يكون منه فكلا ولا فإذن معنى كونه مجبوراً أن جميع ذلك حاصل فيه من غيره لا منه ومعنى كونه مختاراً أنه محل لإرادة حدثت فيه جبراً بعد حكم العقل بكون الفعل خيراً محضاً موافقاً وحدث الحكم أيضاً جبراً فإذا هو مجبور على الاختيار ففعل النار في الإحراق مثلاً جبر محض وفعل الله تعالى اختيارا محض وفعل الإنسان على منزلة بين المنزلتين فإنه جبر على الاختيار فطلب أهل الحق لهذا عبارة ثالثة لأنه لما كان فنا ثالثا وائتموه فيه بكتاب الله تعالى فسموه كسباً وليس مناقضاً للجبر ولا للاختيار بل هو جامع بينهما عند من فهمه وفعل الله تعالى يسمى اختياراً بشرط أن لا يفهم من الاختيار إرادة بعد تحير وتردد فإن ذلك في حقه محال وجميع الألفاظ المذكورة في اللغات لا يمكن أن تستعمل في حق الله تعالى إلا على نوع من الاستعارة والتجوز وذكر ذلك لا يليق بهذا العلم ويطول القول فيه فإن قلت فهل تقول إن العلم ولد الإرادة والإرادة ولدت القدرة والقدرة ولدت الحركة وأن كل متأخر حدث من المتقدم فإن قلت ذلك فقد حكمت بحدوث شيء لا من قدرة الله تعالى وإن أبيت ذلك فما معنى ترتب البعض من هذا على البعض فاعلم أن القول بأن بعض ذلك حدث عن بعض جهل محض سواء عبر عنه بالتولد أو بغيره بل حوالة جميع ذلك على معنى الذي يعبر عنه بالقدرة الأزلية وهو الأصل الذي لم يقف كافة الخلق عليه إلا الراسخون في العلم فإنهم وقفوا على كنه معناه والكافة وقفوا على مجرد لفظه مع نوع تشبيه بقدرتنا وهو بعيد عن الحق وبيان ذلك يطول ولكن بعض المقدورات مترتب على البعض في الحدوث ترتب المشروط على الشرط فلا تصدر من القدرة الأزلية إرادة إلا بعد علم ولا علم إلا بعد حياة ولا حياة إلا بعد محل الحياة وكما لا يجوز أن يقال الحياة تحصل من الجسم الذي هو شرط الحياة فكذلك في سائر درجات الترتيب ولكن بعض الشروط ربما ظهرت للعامة وبعضها لم يظهر إلا للخواص المكاشفين بنور الحق وإلا فلا يتقدم متقدم ولا يتأخر متأخر إلا بالحق واللزوم وكذلك جميع أفعال الله تعالى ولولا ذلك لكان التقديم والتأخير عبثاً يضاهي فعل المجانين تعالى الله عن قول الجاهلين علواً كبيراً وإلى هذا أشار قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ وقوله تعالى وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق فكل ما بين السماء والأرض حادث على ترتيب واجب وحق لازم لا يتصور أن يكون إلا كما حدث وعلى هذا الترتيب الذي وجد فما تأخر متأخر إلا لانتظار شرطه والمشروط قبل الشرط محال والمحال لا يوصف بكونه مقدوراً فلا يتأخر العلم عن النطفة إلا لفقد شرط الحياة ولا تتأخر عنها الإرادة بعد العلم إلا لفقد شرط العلم وكل ذلك منهاج الواجب وترتيب الحق ليس في شيء من ذلك لعب واتفاق بل كل ذلك بحكمة وتدبير وتفهيم ذلك عسير ولكنا نضرب لتوقف المقدور مع وجود القدرة على وجود الشرط مثالاً يقرب مبادئ الحق من الأفهام الضعيفة وذلك بأن
পৃষ্ঠা - ১৪১৫
نقدر إنساناً محدثاً قد انغمس في الماء إلى رقبته فالحدث لا يرتفع عن أعضائه وإن كان الماء هو الرافع وهو ملاق له فقدر القدرة الأزلية حاضرة ملاقية للمقدورات متعلقة بها ملاقاة الماء للأعضاء ولكن لا يحصل بها المقدور كما لا يحصل رفع الحدث بالماء انتظاراً للشرط وهو غسل الوجه فإذا وضع الواقف في الماء وجهه على الماء عمل الماء في سائر أعضائه وارتفع الحدث فربما يظن الجاهل أن الحدث ارتفع عن اليدين برفعه عن الوجه لأنه حدث عقيبه إذ يقول كان الماء ملاقياً ولم يكن رافعاً والماء لم يتغير عما كان فكيف حصل منه ما لم يحصل من قبل بل حصل ارتفاع الحدث عن اليدين عند غسل الوجه فإذن غسل الوجه هو الرافع للحدث عن اليدين وهو جهل يضاهي ظن من يظن أن الحركة تحصل بالقدرة والقدرة بالإرادة والإرادة بالعلم وكل ذلك خطأ بل عند ارتفاع الحدث عن الوجه ارتفع الحدث عن اليد بالماء الملاقي لها لا بغسل الوجه والماء لم يتغير واليد لم تتغير ولم يحدث فيهما شيء ولكن حدث وجود الشرط فظهر أثر العلة فهكذا ينبغي أن تفهم صدور المقدّرات عن القدرة الأزلية مع أن القدرة قديمة والمقدورات حادثة وهذا قرع باب آخر لعالم آخر من عوالم المكاشفات فلنترك جميع ذلك فإن مقصودنا التنبيه على طريق التوحيد في الفعل فإن الفاعل بالحقيقة واحد فهو المخوف والمرجو وعليه التوكل والاعتماد ولم نقدر على أن نذكر من بحار التوحيد إلا قطرة من بحر المقام الثالث من مقامات التوحيد واستيفاء ذلك في عمر نوح محال كاستيفاء ماء البحر بأخذ القطرات منه وكل ذلك ينطوي تحت قول لا إله إلا الله وما أخف مؤنته على اللسان وما أسهل اعتقاد مفهوم لفظه على القلب وما أعز حقيقته ولبه عند العلماء الراسخين في العلم فكيف عند غيرهم فإن قلت فكيف الجمع بين التوحيد والشرع ومعنى التوحيد أن لا فاعل إلا الله تعالى ومعنى الشرع إثبات الأفعال للعباد فإن كان العبد فاعلاً فكيف يكون الله تعالى فاعلاً وإن كان الله تعالى فاعلا فكيف يكون العبد فاعلاً ومفعول بين فاعلين غير مفهوم فأقول نعم ذلك غير مفهوم إذا كان للفاعل معنى واحد وإن كان له معنيان ويكون الاسم مجملاً مردداً بينهما لم يتناقض كما يقال قتل الأمير فلاناً ويقال قتله الجلاد ولكن الأمير قاتل بمعنى والجلاد قاتل بمعنى آخر فكذلك العبد فاعل بمعنى والله عز وجل فاعل بمعنى آخر فمعنى كون الله تعالى فاعلا أنه المخترع الموجد ومعنى كون العبد فاعلاً أنه المحل الذي خلق فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة بعد أن خلق فيه العلم فارتبطت القدرة بالإرادة والحركة بالقدرة ارتباط الشرط بالمشروط وارتبط بقدرة الله ارتباط المعلول بالعلة وارتباط المخترع بالمخترع وكل ما له ارتباط بقدرة فإن محل القدرة يسمى فاعلاً له كيفما كان الارتباط كما يسمى الجلاد قاتلاً والأمير قاتلاً لأن القتل ارتبط بقدرتهما ولكن على وجهين مختلفين فلذلك سمي فعلاً لهما فكذلك ارتباط المقدورات بالقدرتين ولأجل توافق ذلك وتطابقه نسب الله تعالى الأفعال في القرآن مرة إلى الملائكة ومرة إلى العباد ونسبها بعينها مرة أخرى إلى نفسه فقال الله تعالى في الموت قل يتوفاكم ملك الموت ثم قال عز وجل الله يتوفى الأنفس حين موتها وقال تعالى أفرأيتم ما تحرثون أضاف إلينا ثم قَالَ تَعَالَى أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وقال عز وجل فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً ثم قال تعالى فنفخنا فيها من روحنا وكان النافخ جبريل عليه السلام وكما قال تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قيل في التفسير معناه إذا قرأه عليك جبريل وقال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى نفسه والتعذيب هو عين
পৃষ্ঠা - ১৪১৬
القتل بل صرح وقال تعالى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقال تَعَالَى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى وهو جمع بين النفي والإثبات ظاهراً ولكن معناه وما رميت بالمعنى الذي يكون الرب به رامياً إذ رميت بالمعنى الذي يكون العبد به رامياً إذ هما معنيان مختلفان وقال الله تعالى الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم {ثم قال} الرحمن علم القرآن {وقال} علمه البيان {وقال} ثم إن علينا بيانه {وقال} أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف ملك الأرحام إنه يدخل الرحم فيأخذ النطفة في يده ثم يصورها جسداً فيقول يا رب أذكر أم أنثى أسوي أم معوج فيقول الله تعالى ما شاء ويخلق الملك (¬1) وفي لفظ آخر ويصور الملك ثم ينفخ فيه الروح بالسعادة أو بالشقاوة وقد قال بعض السلف إن الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجساد وأنه يتنفس بوصفه فيكون كل نفس من أنفاسه روحاً يلج في جسم ولذلك سمي روحاً وما ذكره في مثل هذا الملك وصفته فهو حق شاهده أرباب القلوب ببصائرهم فأما كون الروح عبارة عنه فلا يمكن أن يعلم إلا بالنقل والحكم به دون النقل تخمين مجرد وكذلك ذكر الله تعالى في القرآن من الأدلة والآيات في الأرض والسموات ثم قال أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد {وقال} شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فبين أنه الدليل على نفسه وذلك ليس متناقضاً بل طرق الاستدلال مختلفة فكم من طالب عرف الله تعالى بالنظر إلى الموجودات وكم من طالب عرف كل الموجودات بالله تعالى كما قال بعضهم عرفت ربي بربي ولولا ربي لما عرفت ربي وهو معنى قوله تعالى أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه المحيي والمميت ثم فوض الموت والحياة إلى ملكين ففي الخبر أن ملكي الموت والحياة تناظرا فقال ملك الموت أنا أميت الأحياء وقال ملك الحياة أنا أحيي الموتى فأوحى الله تعالى إليهما كونا على عملكما وما سخرتكما له من الصنع وأنا المميت والمحيي لا يميت ولا يحيي سواي (¬2) فإذن الفعل يستعمل على وجوه مختلفة فلا تتناقض هذه المعاني إذا فهمت ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للذي ناوله التمرة خذها لو لم تأتها لأتتك (¬3) أضاف الإتيان إليه وإلى التمرة ومعلوم أن التمرة لا تأتي على الوجه الذي يأتي الإنسان إليها وكذلك لما قال التائب أتوب إلى الله تعالى ولا أتوب إلى محمد فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله (¬4) فكل من أضاف الكل إلى الله تعالى فهو المحقق الذي عرف الحق والحقيقة ومن أضافه إلى غيره فهو المتجوز والمستعير في كلامه وللتجوز وجه كما أن للح 4 قيقة وجهاً واسم الفاعل وضعه واضع اللغة للمخترع ولكن ظن أن الإنسان مخترع بقدرته فسماه فاعلاً بحركته وظن أنه تحقيق وتوهم أن نسبته إلى الله تعالى على سبيل المجاز مثل نسبة القتل إلى الأمير فإنه مجاز بالإضافة إلى نسبته إلى الجلاد فلما انكشف الحق لأهله عرفوا أن الأمر بالعكس ¬_________ (¬1) حديث وصف ملك الأرحام إنه يدخل الرحم فيأخذ النطفة بيده ثم يصورها جسدا الحديث رواه البزار وابن عدي من حديث عائشة أن الله تبارك وتعالى حين يريد أن يخلق الخلق يبعث ملكا فيدخل الرحم فيقول يا رب ماذا الحديث وفي آخره فما من شيء إلا وهو يخلق معه في الرحم وفي سنده جهالة وقال ابن عدي أنه منكر وأصله متفق عليه من حديث ابن مسعود بنحوه (¬2) حديث إن ملك الموت والحياة تناظرا فقال ملك الموت أنا أميت الأحياء وقال ملك الحياة أنا أحيي الأموات فأوحى الله إليهما أن كونا على عملكما الحديث لم أجد له أصلا (¬3) حديث قال للذي ناوله التمرة خذها لو لم تأتها لأتتك أخرجه ابن حبان في كتاب روضة العقلاء من رواية هذيل ابن شرحبيل ووصله الطبراني عن هذيل عن ابن عمر ورجاله رجال الصحيح (¬4) حديث إنه قال للذي قال أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد عرف الحق لأهله تقدم في الزكاة
পৃষ্ঠা - ১৪১৭
وقالوا إن الفاعل قد وضعته أيها اللغوي للمخترع فلا فاعل إلا الله فالاسم له بالحقيقة ولغيره بالمجاز أي تتجوز به عما وضعه اللغوي له ولما جرى حقيقة المعنى على لسان بعض الأعراب قصداً أو اتفاقاً صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصدق بيت قاله الشاعر قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل (¬1) أي كل ما لا قوام له بنفسه وإنما قوامه بغيره فهو باعتبار نفسه باطل وإنما حقيته وحقيقته بغيره لا بنفسه فإذن لا حق بالحقيقة إلى الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء فإنه قائم بذاته وكل ما سواه قائم بقدرته فهو الحق وما سواه باطل ولذلك قال سهل يا مسكين كان ولم تكن ويكون ولا تكون فلما كنت اليوم صرت تقول أنا وأنا كن الآن كما لم تكن فإنه اليوم كما كان فإن قلت فقد ظهر الآن أن الكل جبر فما معنى الثواب والعقاب والغضب والرضا وكيف غضبه على فعل نفسه فاعلم أن معنى ذلك قد أشرنا إليه في كتاب الشكر فلا نطول بإعادته فهذا هو القدر الذي رأينا الرمز إليه من التوحيد الذي يورث حال التوكل ولا يتم هذا إلا بالإيمان بالرحمة والحكمة فإن التوحيد يورث النظر إلى مسبب الأسباب والإيمان بالرحمة وسعتها هو الذي يورث الثقة بمسبب الأسباب ولا يتم حال التوكل كما سيأتي إلا بالثقة بالوكيل وطمأنينة القلب إلى حسن نظر الكفيل وهذا الإيمان أيضاً باب عظيم من أبواب الإيمان وحكاية طريق المكاشفين فيه تطول فلنذكر حاصله ليعتقده الطالب لمقام التوكل اعتقاداً قاطعاً لا يستريب فيه وهو أن يصدق تصديقاً يقينياً لا ضعف فيه ولا ريب إن الله عز وجل لو خلق الخلق كلهم على عقل أعقلهم وعلم أعلمهم وخلق لهم من العلم ما تحتمله نفوسهم وأفاض عليهم من الحكمة مالا منتهى لوصفها ثم زاد مثل عدد جميعهم علماً وحكمة وعقلاً ثم كشف لهم عن عواقب الأمور وأطلعهم على أسرار الملكوت وعرفهم دقائق اللطف وخفايا العقوبات حتى اطلعوا به على الخير والشر والنفع والضر ثم أمرهم أن يدبروا الملك والملكوت بما أعطوا من العلوم والحكم لما اقتضى تدبير جميعهم مع التعاون والتظاهر عليه أن يزاد فيما دبر الله سبحانه الخلق به في الدنيا والآخرة جناح بعوضة ولا أن ينقص منها جناح بعوضة ولا أن يرفع منها ذرة ولا أن يخفض منها ذرة ولا أن يدفع مرض أو عيب أو نقص أو فقر أو ضر عمن بلي به ولا أن يزال صحة أو كمال أو غنى أو نفع عمن أنعم الله به عليه بل كل ما خلقه الله تعالى من السموات والأرض إن رجعوا فيها البصر وطولوا فيها النظر ما رأوا فيها من تفاوت ولا فطور وكل ما قسم الله تعالى بين عباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة ومعصية فكله عدل محض لا جور فيه وحق صرف لا ظلم فيه بل هو على الترتيب الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي بالقدر الذي ينبغي وليس في الإمكان أصلاً أحسن منه ولا أتم ولا أكمل ولو كان وادخره مع القدرة ولم يتفضل بفعله لكان بخلاً يناقض الجود وظلماً يناقض العدل ولو لم يكن قادراً لكان عجزاً يناقض الإلهية بل كل فقر وضر في الدنيا فهو نقصان من الدنيا وزيادة في الآخرة وكل نقص في الآخرة بالإضافة إلى شخص فهو نعيم بالإضافة إلى غيره إذ لولا الليل لما عرف قدر النهار ولولا المرض لما تنعم الأصحاء بالصحة ولولا النار لما عرف أهل الجنة قدر النعمة وكما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ليس بظلم بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل فكذلك تفخيم النعم على سكان الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النيران وفداء ¬_________ (¬1) حديث أصدق بيت قالته العرب بيت لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ قاله الشاعر وفي رواية لمسلم أشعر كلمة تكلمت بها العرب
পৃষ্ঠা - ১৪১৮
أهل الإيمان بأهل الكفران عين العدل وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ولولا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة فمقتضى الجود والحكمة خلق الكامل والناقص جميعاً وكما أن قطع اليد إذا تآكلت إبقاء على الروح عدل لأنه فداء كامل بناقص فكذلك الأمر في التفاوت الذي بين الخلق في القسمة في الدنيا والآخرة فكل ذلك عدل لا جور فيه وحق لا لعب فيه وهذا الآن بحر آخر عظيم العمق واسع الأطراف مضطرب الأمواج قريب في السعة من بحر التوحيد فيه غرق طوائف من القاصرين ولم يعلموا أن ذلك غامض لا يعقله إلا العالمون ووراء هذا البحر سر القدر الذي تحير فيه الأكثرون ومنع من إفشاء سره المكاشفون والحاصل أن الخير والشر مقضي به وقد كان ما قضى به واجب الحصول بعد سبق المشيئة فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره بل كل صغير وكبير مستطر وحصوله بقدر معلوم منتظر وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولنقتصر على هذه المرامز من علوم المكاشفة التي هي أصول مقام التوكل ولنرجع إلى علم المعاملة إن شاء الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل الشطر الثاني من الكتاب في أحوال التوكل وأعماله وفيه بيان حال التوكل وبيان ما قاله الشيوخ في حد التوكل وبيان التوكل في الكسب للمنفرد والمعيل وبيان التوكل بقدر الادخار وبيان التوكل في دفع المضار وبيان التوكل في إزالة الضرر بالتداوي وغيره والله الموفق برحمته بيان حال التوكل قد ذكرنا أن مقام التوكل ينتظم من علم وحال وعمل وذكرنا العلم فأما الحال فالتوكل بالتحقيق عبارة عنه وإنما العلم أصله والعمل ثمرته وقد أكثر الخائضون في بيان حد التوكل واختلفت عباراتهم وتكلم كل واحد عن مقام نفسه وأخبر عن حده كما جرت عادة أهل التصوف به ولا فائدة في النقل والإكثار فلنكشف الغطاء عنه ونقول التوكل مشتق من الوكالة يقال وكَّل أمره إلى فلان أي فوضه إليه واعتمد عليه فيه ويسمى الموكول إليه وكيلاً ويسمى المفوض إليه متكلاً عليه ومتوكلاً عليه مهما اطمأنت إليه نفسه ووثق به ولم يتهمه فيه بتقصير ولم يعتقد فيه عجزاً وقصوراً فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده ولنضرب للوكيل في الخصومة مثلاً فنقول من ادعى عليه دعوى باطلة بتلبيس فوكل للخصومة من يكشف ذلك التلبيس لم يكن متوكلاً عليه ولا واثقاً به ولا مطمئن النفس بتوكيله إلا إذا اعتقد فيه أربعة أمور منتهى الهداية ومنتهى القوة ومنتهى الفصاحة ومنتهى الشفقة أما الهداية فليعرف بها مواقع التلبيس حتى لا يخفى عليه من غوامض الحيل شيء أصلاً وأما القدرة والقوة فليستجرئ على التصريح بالحق فلا يداهن ولا يخاف ولا يستحي ولا يجبن فإنه ربما يطلع على وجه تلبيس خصمه فيمنعه الخوف أو الجبن أو الحياء أو صارف آخر من الصوارف المضعفة للقلب عن التصريح به وأما الفصاحة فهي أيضاً من القدرة إلا أنها قدرة في اللسان على الإفصاح عن كل ما استجرأ القلب عليه وأشار إليه فلا كل عالم بمواقع التلبيس قادر بذلاقة لسانه على حل عقدة التلبيس وأما منتهى الشفقة فيكون باعثاً له على بذل كل ما يقدر
পৃষ্ঠা - ১৪১৯
عليه في حقه من المجهود فإن قدرته لا تغني دون العناية به إذا كان لا يهمه أمره ولا يبالي به ظفر خصمه أو لم يظفر هلك به حقه أو لم يهلك فإن كان شاكاً في الأربعة أو في واحدة منها أو جوز أن يكون خصمه في هذه الأربعة أكمل منه لم تطمئن نفسه إلى وكيله بل بقي منزعج القلب مستغرق الهم بالحيلة والتدبير ليدفع ما يحذره من قصور وكيله وسطوة خصمه ويكون تفاوت درجة أحواله في شدة الثقة والطمأنينة بحسب تفاوت قوة اعتقاده لهذه الخصال فيه والاعتقادات والظنون في القوة والضعف تتفاوت تفاوتا لا ينحصر فلا جرم تتفاوت أحوال المتوكلين في قوة الطمأنينة والثقة تفاوتاً لا ينحصر إلى أن ينتهي إلى اليقين الذي لا ضعف فيه كما لو كان الوكيل والد الموكل وهو الذي يسعى لجمع الحلال والحرام لأجله فإنه يحصل له يقين بمنتهى الشفقة والعناية فتصير خصلة واحدة من الخصال الأربعة قطعية وكذلك سائرا الخصال يتصور أن يحصل القطع به وذلك بطول الممارسة والتجربة وتواتر الأخبار بأنه أفصح الناس لساناً وأقدرهم بيانا وأقدرهم على نصرة الحق بل على تصوير الحق بالباطل والباطل بالحق فإذا عرفت التوكل في هذا المثال فقس عليه التوكل على الله تعالى فإن ثبت في نفسك كشف أو باعتقاد جازم أنه لا فاعل إلا الله كما سبق واعتقدت مع ذلك تمام العلم والقدرة على كفاية العباد ثم تمام العناية والعطف والرحمة بجملة العباد والآحاد وأنه ليس وراء منتهى قدرته قدرة ولا وراء منتهى علمه علم ولا وراء منتهى عنايته بك ورحمته لك عناية ورحمة اتكل لا محالة قلبك عليه وحده ولم يلتفت إلى غيره بوجه ولا إلى نفسه وحوله وقوته فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله كما سبق في التوحيد عند ذكر الحركة والقدرة فإن الحول عبارة عن الحركة والقوة عبارة عن القدرة فإن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك فسببه أحد أمرين إما ضعف اليقين بإحدى هذه الخصال الأربعة وإما ضعف القلب ومرضه باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه فإن القلب قد ينزعج تبعاً للوهم وطاعة له عن غير نقصان في اليقين فإن من يتناول عسلاً فشبه بين يديه بالعذرة ربما نفر طبعه وتعذر عليه تناوله ولو كلف العاقل أن يبيت مع الميت في قبر أو فراش أو بيت نفر طبعه عن ذلك وإن كان متيقناً بكونه ميتاً وأنه جماد في الحال وأن سنة الله تعالى مطردة بأنه لا يحشره الآن ولا يحييه وإن كان قادراً عليه كما أنها مطردة بأن لا يقلب القلم الذي في يده حية ولا يقلب السنور أسداً وإن كان قادراً عليه ومع أنه لا يشك في هذا اليقين ينفر طبعه عن مضاجعة الميت في فراش أو المبيت معه في البيت ولا ينفر عن سائر الجمادات وذلك جبن في القلب وهو نوع ضعيف فلما يخلو الإنسان عن شيء منه وإن قل وقد يقوى فيصير مرضاً حتى يخاف أن يبيت في البيت وحده مع إغلاق الباب وإحكامه فإذن لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعاً إذ بهما يحصل سكون القلب وطمأنينته فالسكون في القلب شيء واليقين شيء آخر فكم من يقين لا طمأنينتة معه كما قال تعالى لإبراهيم عليه السلام {أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} فالتمس أن يكون مشاهداً إحياء الميت بعينه ليثبت في خياله فإن النفس تتبع الخيال وتطمئن به ولا تطمئن باليقين في ابتداء أمرها إلى أن تبلغ بالآخرة إلى درجة النفس المطمئنة وذلك لا يكون في البداية أصلاً وكم من مطمئن لا يقين له كسائر أرباب الملل والمذاهب فإن اليهودي مطمئن القلب إلى تهوده وكذا النصراني ولا يقين لهم أصلاً وإنما يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى وهو سبب اليقين إلا أنهم معرضون عنه فإذن الجبن والجراءة غرائز ولا ينفع اليقين معها فهي أحد الأسباب التي تضاد حال التوكل كما أن ضعف اليقين بالخصال الأربعة أحد الأسباب وإذا اجتمعت هذه الأسباب حصلت الثقة بالله تعالى وقد قيل مكتوب في التوراة ملعون من ثقته إنسان مثله وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
পৃষ্ঠা - ১৪২০
من استعز بالعبيد أذله الله تعالى // حدديث من اعتز بالعبيد أذلة الله أخرجه العقيلى في الضعفاء وأبو نعيم في الحلية من حديث عمر أورده العقيلي في ترجمة عبد الله بن عبد الله الأموي وقال لا يتابع على حديثه وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخالف في روايته وإذا انكشف لك معنى التوكل وعلمت الحالة التي سميت توكلاً فاعلم أن تلك الحالة لها في القوة والضعف ثلاث درجات الدرجة الأولى ما ذكرناه وهو أن يكون حاله في حق الله تعالى والثقة بكفالته وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل الثانية وهي أقوى أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى أحد سواها ولا يعتمد إلا إياها فإذا رآها تعلق في كل حال بذيلها ولم يخلها وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه يا أماه وأول خاطر يخطر في قلبه أمه فإنها مفزعة فإنه قد وثق بكفالتها وكفايتها وشفقتها ثقة ليست خالية عن نوع إدراك بالتمييز الذي له ويظن أنه طبع من حيث إن الصبي لو طولب بتفصيل هذه الخصال لم يقدر على تلقين لفظه ولا على إحضاره مفصلاً في ذهنه ولكن كل ذلك وراء الإدراك فمن كان باله إلى الله عز وجل ونظره إليه واعتماده عليه كلف به كما يكلف الصبي بأمه فيكون متوكلاً حقاً فإن الطفل متوكل على أمه والفرق بين هذا وبين الأول أن هذا متوكل وقد فني في توكله عن توكله إذ ليس يلتفت قلبه إلى التوكل وحقيقته بل إلى المتوكل عليه فقط فلا مجال في قلبه لغير المتوكل عليه وأما الأول فيتوكل بالتكلف والكسب وليس فانياً عن توكله لأن له التفاتاً إلى توكله وشعوراً به وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده وإلى هذه الدرجة أشار سهل حيث سئل عن التوكل ما أدناه قال ترك الأماني قيل وأوسطه قال ترك الاختيار وهو إشارة إلى الدرجة الثانية وسئل عن أعلاه فلم يذكره وقال لا يعرفه إلا من بلغ أوسطه الثالثة وهي أعلاها أن يكون بين يدي الله تعالى في حركاته وسكناته مثل الميت بين يدي الغاسل لا يفارقه إلا في أنه يرى نفسه ميتاً تحركه القدرة الأزلية كما تحرك يد الغاسل الميت وهو الذي قوي يقينه بأنه مجري للحركة والقدرة والإرادة والعلم وسائر الصفات وأن كلاً يحدث جبراً فيكون بائناً عن الانتظار لما يجري عليه ويفارق الصبي فإن الصبي يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو خلفها بل هو مثل صبي علم أنه وإن لم يزعق بأمه فالأم تطلبه وأنه وإن لم يتعلق بذيل أمه فالأم تحمله وإن لم يسألها اللبن فالأم تفاتحه وتسقيه وهذا المقام في التوكل يثمر ترك الدعاء والسؤال منه ثقة بكرمه وعنايته وأنه يعطي ابتداء أفضل مما يسئل فكم من نعمة ابتدأها قبل السؤال والدعاء وبغير الاستحقاق والمقام الثاني لا يقتضي ترك الدعاء والسؤال منه وإنما يقتضي ترك السؤال من غيره فقط فإن قلت فهذه الأحوال هل يتصور وجودها فاعلم أن ذلك ليس بمحال ولكنه عزيز نادر والمقام الثاني والثالث أعزها والأول أقرب إلى الإمكان ثم إذا وجد الثالث والثاني فداومه أبعد منه بل يكاد لا يكون المقام الثالث في دوامه إلا كصفرة الوجل فإن انبساط القلب إلى ملاحظة الحول والقوة والأسباب طبع وانقباضه عارض كما إن انبساط الدم إلى جميع الأطراف طبع وانقباضه عارض والوجل عبارة عن انقباض الدم عن ظاهر البشرة إلى الباطن حتى تنمحي عن ظاهر البشرة الحمرة التي كانت ترى من وراء الرقيق من ستر البشرة فإن البشرة ستر رقيق تتراءى من ورائه حمرة الدم وانقباضه يوجب الصفرة وذلك لا يدوم وكذا انقباض القلب بالكلية عن ملاحظة الحول والقوة وسائر الأسباب الظاهرة لا يدوم وأما المقام الثاني فيشبه صفرة المحموم فإنه قد يدوم يوما ويومين والأول يشبه صفرة مريض استحكم مرضه فلا يبعد أن يدوم ولا يبعد أن يزول
পৃষ্ঠা - ১৪২১
فإن قلت فهل يبقى مع العبد تدبير وتعلق بالأسباب في هذه الأحوال فاعلم إن المقام الثالث ينفي التدبير رأساً ما دامت الحالة باقية بل يكون صاحبها كالمبهوت والمقام الثاني ينفي كل تدبير إلا من حيث الفزع إلى الله بالدعاء والابتهال كتدبير الطفل في التعلق بأمه فقط والمقام الأول لا ينفي أصل التدبير والاختيار ولكن ينفي بعض التدبيرات كالمتوكل على وكيله في الخصومة فإنه يترك تدبيره من جهة غير الوكيل ولكن لا يترك التدبير الذي أشار إليه وكيله به أو التدبير الذي عرفه من عادته وسننه دون صريح إشارته فأما الذي يعرفه بإشارته بأن يقول له لست أتكلم إلا في حضورك فيشتغل لا محالة بالتدبير للحضور ولا يكون هذا مناقضاً توكله عليه إذ ليس هو فزعاً منه إلى حول نفسه وقوته في إظهار الحجة ولا إلى حول غيره بل من تمام توكله عليه أن يفعل ما رسمه له إذ لو لم يكن متوكلاً عليه ولا معتمدا عليه في قوله لما حضر فقوله وأما المعلوم من عادته واطراد سننه فهو أن يعلم من عادته أن لا يحاج الخصم إلا من السجل فتمام توكله إن كان متوكلاً عليه أن يكون معولاً على سنته وعادته ووافياً بمقتضاها وهو أن يحمل السجل مع نفسه إليه عند مخاصمته فإذن لا يستغني عن التدبير في الحضور وعن التدبير في إحضار السجل ولو ترك شيئاً من ذلك كان نقصاً في توكله فكيف يكون فعله نقصاً فيه نعم بعد أن حضر وفاءً بإشارته وأحضر السجل وفاءً بسنته وعادته وقعد ناظراً إلى محاجته فقد ينتهي إلى المقام الثاني والثالث في حضوره حتى يبقى كالبهوت المنتظر لا يفزع إلى حوله وقوته إذ لم يبق له حول ولا قوة وقد كان فزعه إلى حوله وقوته في الحضور وإحضار السجل بإشارة الوكيل وسنته وقد انتهى نهايته فلم يبق إلا طمأنينة النفس والثقة بالوكيل والانتظار لما يجري وإذا تأملت هذا اندفع عنك كل إشكال في التوكل وفهمت أنه ليس من شرط التوكل ترك كل تدبير وعمل وأن كل تدبير وعمل لا يجوز أيضاً مع التوكل بل هو على الانقسام وسيأتي تفصيله في الأعمال فإذا فزع المتوكل إلى حوله وقوته في الحضور والإحضار لا يناقض التوكل لأنه يعلم أنه لولا الوكيل لكان حضوره وإحضاره باطلاً وتعباً محضاً بلا جدوى فإذن لا يصير مفيداً من حيث إنه حوله وقوته بل من حيث إن الوكيل جعله معتمداً لمحاجته وعرفه ذلك بإشارته وسنته فإذن لا حول ولا قوة إلا بالوكيل إلا أن هذه الكلمة لا يكمل معناها في حق الوكيل لأنه ليس خالقاً حوله وقوته بل هو جاعل لهما مفيدين في أنفسهما ولم يكونا مفيدين لولا فعله وإنما يصدق ذلك في حق الوكيل وهو الله تعالى إذ هو خالق الحول والقوة كما سبق في التوحيد وهو الذي جعلهما مفيدين إذ جعلهما شرطاً لما سيخلقه من بعدهما من الفوائد والمقاصد فإذن لا حول ولا قوة إلا بالله حقاً وصدقاً فمن شاهد هذا كله كان له الثواب العظيم الذي وردت به الأخبار فيمن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله (¬1) وذلك قد يستبعد فيقال كيف يعطى هذا الثواب كله بهذه الكلمة مع سهولتها على اللسان وسهولة اعتقاد القلب بمفهوم لفظها وهيهات فإنما ذلك جزاء على هذه المشاهدة التي ذكرناها في التوحيد ونسبة هذه الكلمة وثوابها إلى كلمة {لا إله إلا الله} وثوابها كنسبة معنى إحداهما إلى الأخرى إذ في هذه الكلمة إضافة إلى شيئين إلى الله تعالى فقط وهما الحول والقوة وأما كلمة لا إله إلا الله فهو نسبة الكل إليه فانظر إلى التفاوت بين الكل وبين شيئين لتعرف به ثواب {لا إله إلا الله} بالإضافة إلى هذا وكما ذكرنا من قبل أن للتوحيد قشرين ولبين فكذلك لهذه الكلمة ولسائر الكلمات وأكثر الخلق قيدوا بالقشرين وما طرقوا إلى اللبين وإلى اللبين الإشارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لَا إله إلا الله ¬_________ (¬1) أحاديث ثواب قول لا حول ولا قوة إلا بالله تقدمت فى الدعوات
পৃষ্ঠা - ১৪২২
صادقاً من قلبه مخلصاً وجبت له الجنة (¬1) وحيث أطلق من غير الصدق والإخلاص أراد بالمطلق هذا المقيد كما أضاف المغفرة إلى الإيمان والعمل الصالح في بعض المواضع وأضافها إلى مجرد الإيمان في بعض المواضع والمراد به المقيد بالعمل الصالح فالملك لا ينال بالحديث وحركة اللسان حديث وعقد القلب أيضاً حديث ولكنه حديث نفس وإنما الصدق والإخلاص وراءهما ولا ينصب سرير الملك إلا للمقربين وهم المخلصون نعم لمن يقرب منهم في الرتبة من أصحاب اليمين أيضاً درجات عند الله تعالى وإن كانت لا تنتهي إلا بالملك أما ترى أن الله سبحانه لما ذكر في سورة الواقعة المقربين السابقين تعرض لسرير الملك فقال {على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين} ولما انتهى إلى أصحاب اليمين ما زاد في ذكر الماء والظل والفواكه والأشجار والحور العين وكل ذلك من لذات المنظور والمشروب والمأكول والمنكوح ويتصور ذلك للبهائم على الدوام وأين لذات البهائم من لذة الملك والنزول في أعلى عليين في جوار رب العالمين ولو كان لهذه اللذات قدر لما وسعت على البهائم ولما رفعت عليها درجة الملائكة أفترى أن أحوال البهائم وهي مسيبة في الرياض متنعمة بالماء والأشجار وأصناف المأكولات متمتعة بالنزوان والسفاد أعلى وألذ وأشرف وأجدر بأن تكون عند ذوي الكمال مغبوطة من أحوال الملائكة في سرورهم بالقرب من جوار رب العالمين في أعلى عليين هيهات هيهات ما أبعد عن التحصيل من إذا خير بين أن يكون حماراً أو يكون في درجة جبريل عليه السلام فيختار درجة الحمار على درجة جبريل عليه السلام وليس يخفى أن شبه كل شيء منجذب إليه وأن النفس التي نزوعها إلى صنعة الأساكفة أكثر من نزوعها إلى صنعة الكتابة فهو بالأساكفة أشبه في جوهره منه بالكتاب وكذلك من نزوع نفسه إلى نيل لذات البهائم أكثر من نزوعها إلى نيل لذات الملائكة فهو بالبهائم أشبه منه بالملائكة لا محالة وهؤلاء هم الذين يقال فيهم {أولئك كالأنعام بل هم أضل} وإنما كانوا أضل لأن الأنعام ليس في قوتها طلب درجة الملائكة فتركها الطلب للعجز وأما الإنسان ففي قوته ذلك والقادر على نيل الكمال أحرى بالذم وأجدر بالنسبة إلى الضلال مهما تقاعد عن طلب الكمال وإذا كان هذا كلاماً معترضاً فلنرجع إلى المقصود فقد بينا معنى قول {لا إله إلا الله} ومعنى قول لا حول ولا قوة إلا بالله وإن من ليس قائلاً بهما عن مشاهدة فلا يتصور منه حال التوكل فإن قلت ليس في قولك لا حول ولا قوة إلا بالله إلا نسبة شيئين إلى الله فلو قال قائل السماء والأرض خلق الله فهل يكون ثوابه مثل ثوابه فأقول لا لأن الثواب على قدر درجة المثاب عليه ولا مساواة بين الدرجتين ولا ينظر إلى عظم السماء والأرض وصغر الحول والقوة إن جاز وصفهما بالصغر تجوزا فليست الأمور بعظم الأشخاص بل كل عامي يفهم أن الأرض والسماء ليستا من جهة الآدميين بل هما من خلق الله تعالى فأما الحول والقوة فقد أشكل أمرهما على المعتزلة والفلاسفة وطوائف كثيرة ممن يدعي أنه يدقق النظر في الرأي والمعقول حتى يشق الشعر بحدة نظره فهي مهلكة مخطرة ومزلة عظيمة هلك فيها الغافلون إذ أثبتوا لأنفسهم أمراً وهو شرك في التوحيد وإثبات خالق سوى الله تعالى فمن جاوز هذه العقبة بتوفيق الله تعالى إياه فقد علت رتبته وعظمت درجته فهو الذي يصدق قول لا حول ولا قوة إلا بالله وقد ذكرنا أنه ليس في التوحيد إلا عقبتان إحداهما النظر ¬_________ (¬1) حديث من قال لا إله إلا الله صادقا مخلصا من قلبه وجبت له الجنة رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وأبو يعلى من حديث أبي هريرة وقد تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪২৩
إلى السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والغيم والمطر وسائر الجمادات والثانية النظر إلى اختيار الحيوانات وهي أعظم العقبتين وأخطرهما وبقطعهما كمال سر التوحيد فلذلك عظم ثواب هذه الكلمة أعني ثواب المشاهدة التي هذه الكلمة ترجمتها فإذا رجع حال التوكل إلى التبري من الحول والقوة والتوكل على الواحد الحق وسيتضح عند ذكرنا تفصيل أعمال التوكل إن شاء الله تعالى بيان ما قاله الشيوخ في أحوال التوكل ليتبين أن شيئاً منها لا يخرج عما ذكرنا ولكن كل واحد يشير إلى بعض الأحوال فقد قال أبو موسى الديلي قلت لأبي يزيد ما التوكل فقال ما تقول أنت قلت إن أصحابنا يقولون لو أن السباع والأفاعي عن يمينك ويسارك ما تحرك لذلك سرك فقال أبو يزيد نعم هذا قريب ولكن لو أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون ثم وقع بك تمييز بينهما خرجت من جملة التوكل فما ذكره أبو موسى فهو خبر عن أجل أحوال التوكل وهو المقام الثالث وما ذكره أبو يزيد عبارة عن أعز أنواع العلم الذي هو من أصول التوكل وهو العلم بالحكمة وأن ما فعله الله تعالى فعله بالواجب فلا تمييز بين أهل النار وأهل الجنة بالإضافة إلى أصل العدل والحكمة وهذا أغمض أنواع العلم ووراءه سر القدر وأبو يزيد قلما يتكلم إلا عن أعلى المقامات وأقصى الدرجات وليس ترك الاحتراز عن الحيات شرطاً في المقام الأول من التوكل فقد احترز أبو بكر رضي الله عنه في الغار إذ سد منافذ الحيات (¬1) إلا أن يقال فعل ذلك برجله ولم يتغير بسببه سره أو يقال إنما فعل ذلك شفقة في حق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا في حق نفسه وإنما يزول التوكل بتحرك سره وتغيره لأمر يرجع إلى نفسه وللنظر في هذا مجال ولكن سيأتي بيان أن أمثال ذلك وأكثر منه لا يناقض التوكل فإن حركة السر من الحيات هو الخوف وحق المتوكل أن يخاف مسلط الحيات إذ لا حول للحيات ولا قوة لها إلا بالله فإن احترز لم يكن اتكاله على تدبيره وحوله وقوته في الاحتراز بل على خالق الحول والقوة والتدبير وسئل ذو النون المصري عن التوكل فقال خلع الأرباب وقطع الأسباب فخلع الأرباب إشارة إلى علم التوحيد وقطع الأسباب إشارة إلى الأعمال وليس فيه تعرض صريح للحال وإن كان اللفظ يتضمنه فقيل له زدنا فقال إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية وهذا إشارة إلى التبري من الحول والقوة فقط وسئل حمدون القصار عن التوكل فقال إن كان لك عشرة آلاف درهم وعليك دانق دين لم تأمن أن تموت ويبقى دينك في عنقك ولو كان عليك عشرة آلاف درهم دين من غير أن تترك لها وفاء لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك وهذا إشارة إلى مجرد الإيمان بسعة القدرة وأن في المقدورات أسباباً خفية سوى هذه الأسباب الظاهرة وسئل أبو عبد الله القرشي عن التوكل فقال التعلق بالله تعالى في كل حال فقال السائل زدني فقال ترك كل سبب يوصل إلى سبب حتى يكون الحق هو المتولي لذلك فالأول عام للمقامات الثلاث والثاني إشارة إلى المقام الثالث خاصة وهو مثل توكل إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ قال له جبريل عليه السلام ألك حاجة فقال أما إلبك فلا إذ كان سؤاله سبباً يفضي إلى سبب وهو حفظ جبريل له فترك ذلك ثقة بأن الله تعالى إن أراد سخر جبريل لذلك فيكون هو المتولي لذلك وهذا حال مبهوت غائب عن نفسه بالله تعالى فلم ير معه غيره ¬_________ (¬1) حديث إن أبا بكر سد منافذ الحيات فى الغار شفقة على النبي صلى الله عليه وسلم تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪২৪
وهو حال عزيز في نفسه ودوامه إن وجد أبعد منه وأعز وقال أبو سعيد الخراز التوكل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب ولعله يشير إلى المقام الثاني فسكونه بلا اضطراب إشارة إلى سكون القلب إلى الوكيل وثقته به واضطراب بلا سكون إشارة إلى فزعه إليه وابتهاله وتضرعه بين يديه كاضطراب الطفل بيديه إلى أمه وسكون قلبه إلى تمام شفقتها وقال أبو علي الدقاق التوكل ثلاث درجات التوكل ثم التسليم ثم التفويض فالمتوكل يسكن إلى وعده والمسلم يكتفي بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه وهذا إشارة إلى تفاوت درجات نظره بالإضافة إلى المنظور إليه فإن العلم هو الأصل والوعد يتبعه والحكم يتبع الوعد ولا يبعد أن يكون الغالب على قلب المتوكل ملاحظة شيء من ذلك وللشيوخ في التوكل أقاويل سوى ما ذكرناه فلا نطول بها فإن الكشف أنفع من الرواية والنقل فهذا ما يتعلق بحال التوكل والله الموفق برحمته ولطفه بيان أعمال المتوكلين اعلم أن العلم يورث الحال والحال يثمر الأعمال وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة وكاللحم على الوضم وهذا ظن الجهال فإن ذلك حرام في الشرع والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين بمحظورات الدين بل نكشف الغطاء عنه ونقول إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعلمه إلى مقاصده وسعي العبد باختياره إما أن يكون لأجل جلب نافع هو مفقود عنده كالكسب أو لحفظ نافع هو موجود عنده كالادخار أو لدفع ضار لم ينزل به كدفع الصائل والسارق والسباع أو لإزالة ضار قد نزل به كالتداوي من المرض فمقصود حركات العبد لا تعدو هذه الفنون الأربعة وهو جلب النافع أو حفظه أو دفع الضار أو قطعه فلنذكر شروط التوكل ودرجاته في كل واحد منها مقروناً بشواهد الشرع الفن الأول في جلب النافع فنقول فيه الأسباب التي بها يجلب النافع على ثلاث درجات مقطوع به ومظنون ظناً يوثق به وموهوم وهماً لا تثق النفس به ثقة تامة ولا تطمئن إليه الدرجة الأولى المقطوع به وذلك مثل الأسباب التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطاً مطرداً لا يختلف كما أن الطعام إذا كان موضوعاً بين يديك وأنت جائع محتاج ولكنك لست تمد اليد إليه وتقول أنا متوكل وشرط التوكل ترك السعي ومد اليد إليه سعي وحركة وكذلك مضغه بالأسنان وابتلاعه بإطباق أعالي الحنك على أسافله فهذا جنون محض وليس من التوكل في شيء فإنك إن انتظرت أن يخلق الله تعالى فيك شبعا دون الخبز أو يخلق في الخبز حركة إليك أو يسخر ملكاً ليمضغه لك ويوصله إلى معدتك فقد جهلت سنة الله تعالى وكذلك لو لم تزرع الأرض وطمعت في أن يخلق الله تعالى نباتاً من غير بذر أو تلد زوجتك من غير وقاع كما ولدت مريم عليها السلام فكل ذلك جنون وأمثال هذا مما يكثر ولا يمكن إحصاؤه أليس التوكل في هذا المقام بالعمل بل بالحال والعلم أما العلم فهو أن تعلم أن الله تعالى خلق الطعام واليد والأسنان وقوة الحركة وأنه هو الذي يطعمك ويسقيك وأما الحال فهو أن يكون سكون قلبك واعتمادك على فعل الله تعالى لا على اليد والطعام وكيف تعتمد على صحة يدك وربما تجف في الحال وتفلج وكيف تعول على قدرتك وربما يطرأ عليك في الحال ما يزيل عقلك ويبطل قوة حركتك وكيف تعول على حضور الطعام وربما يسلط الله تعالى
পৃষ্ঠা - ১৪২৫
من يغلبك عليه أو يبعث حية تزعجك عن مكانك وتفرق بينك وبين طعامك وإذا احتمل أمثال ذلك ولم يكن لها علاج إلا بفضل الله تعالى فبذلك فلتفرح وعليه فلتعول فإذا كان هذا حاله وعلمه فليمد اليد فإنه متوكل الدرجة الثانية الأسباب التي ليست متيقنة ولكن الغالب أن المسببات لا تحصل دونها وكان احتمال حصولها دونها بعيداً كالذي يفارق الأمصار والقوافل ويسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادراً ويكون سفره من غير استصحاب زاد فهذا ليس شرطاً في التوكل بل استصحاب الزاد في البوادي سنة الأولين ولا يزول التوكل به بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله تعالى لا على الزاد كما سبق ولكن فعل ذلك جائز وهو من أعلى مقامات التوكل ولذلك كان يفعله الخواص فإن قلت فهذا سعي في الهلاك وإلقاء النفس في التهلكة فاعلم أن ذلك يخرج عن كونه حراماً بشرطين أحدهما أن يكون الرجل قد راض نفسه وجاهدها وسواها على الصبر عن الطعام أسبوعاً وما يقاربه بحيث يصبر عنه بلا ضيق قلب وتشوش خاطر وتعذر في ذكر الله تعالى والثاني أن يكون بحيث يقوى على التقوت بالحشيش وما يتفق من الأشياء الخسيسة فبعد هذين الشرطين لا يخلو في غالب الأمر في البوادي في كل أسبوع عن أن يلقاه آدمي أو ينتهي إلى حلة أو قرية أو إلى حشيش يجتزئ به فيحيا به مجاهداً نفسه والمجاهدة عماد التوكل وعلى هذا كان يعول الخواص ونظراؤه من المتوكلين والدليل عليه أن الخواص كان لا تفارقه الإبرة والمقراض والحبل والركوة ويقول هذا لا يقدح في التوكل وسببه أنه علم أن البوادي لا يكون الماء فيها على وجه الأرض وما جرت سنة الله تعالى بصعود الماء من البئر بغير دلو ولا حبل ولا يغلب وجود الحبل والدلو في البوادي كما يغلب وجود الحشيش والماء يحتاج إليه لوضوئه كل يوم مرات ولعطشه في كل يوم أو يومين مرة فإن المسافر مع حرارة الحركة لا يصبر عن الماء وإن صبر عن الطعام وكذلك يكون له ثوب واحد وربما يتخرق فتنكشف عورته ولا يوجد المقراض والإبرة في البوادي غالباً عند كل صلاة ولا يقوم مقامهما في الخياطة والقطع شيء مما يوجد في البوادي فكل ما في معنى الأربعة أيضاً يلتحق بالدرجة الثانية لأنه مظنون ظناً ليس مقطوعاً به لأنه يحتمل أن لا يتخرق الثوب أو يعطيه إنسان ثوباً أو يجد على رأس البئر من يسقيه ولا يحتمل أن يتحرك الطعام ممضوغاً إلى فيه فبين الدرجتين فرقان ولكن الثاني في معنى الأول ولهذا نقول لو انحاز إلى شعب من شعاب الجبال حيث لا ماء ولا حشيش ولا يطرقه طارق فيه وجلس متوكلاً فهو آثم به ساع في هلاك نفسه كما روي أن زاهداً من الزهاد فارق الأمصار وأقام في سفح جبل سبعاً وقال لا أسأل أحداً شيئاً حتى فائتني ربي برزقي فقعد سبعة فكاد يموت ولم يأته رزق فقال يا رب إن أحييتني فائتني برزقي الذي قسمت لي وإلا فاقبضني إليك فأوحى الله جل ذكره إليه وعزتي لا أرزقنك حتى تدخل الأمصار وتقعد بين الناس فدخل المصر وقعد فجاءه هذا بطعام وهذا بشراب فأكل وشرب وأوجس في نفسه من ذلك فأوحى الله تعالى إليه أردت أن تذهب حكمتي بزهدك في الدنيا أما علمت أني أرزق عبدي بأيدي عبادي أحب إلي من أن أرزقه بيد قدرتي فإذن التباعد عن الأسباب كلها مراغمة للحكمة وجهل بسنة الله تعالى والعمل بموجب سنة الله تعالى مع الاتكال على الله عز وجل دون الأسباب لا يناقض التوكل كما ضربناه مثلاً في الوكيل بالخصومة من قبل ولكن الأسباب تنقسم إلى ظاهرة وإلى خفية فمعنى التوكل الاكتفاء بالأسباب الخفية عن الأسباب الظاهرة مع سكون النفس إلى مسبب السبب لا إلى السبب
পৃষ্ঠা - ১৪২৬
فإن قلت ما قولك في القعود في البلد بغير كسب أهو حرام أو مباح أو مندوب فاعلم أن ذلك ليس بحرام لأنه كفعل صاحب السياحة في البادية إذا لم يكن مهلكاً نفسه فهذا كيف كان لم يكن مهلكاً نفسه حتى يكون فعله حراماً بل لا يبعد أن يأتيه الرزق من حيث لا يحتسب ولكن قد يتأخر عنه والصبر ممكن إلى أن يتفق ولكن لو أغلق باب البيت على نفسه بحيث لا طريق لأحد إليه ففعله ذلك حرام وإن فتح باب البيت وهو بطال غير مشغول بعبادة فالكسب والخروج أولى له ولكن ليس فعله حراماً إلا أن يشرف على الموت فعند ذلك يلزمه الخروج والسؤال والكسب وإن كان مشغول القلب بالله غير مستشرف إلى الناس ولا متطلع إلى من يدخل من الباب فيأتيه برزقه بل تطلعه إلى فضل الله تعالى واشتغاله بالله فهو أفضل وهو من مقامات التوكل وهو أن يشتغل بالله تعالى ولا يهتم برزقه فإن الرزق يأتيه لا محالة وعند هذا يصح ما قاله بعض العلماء وهو أن العبد لو هرب من رزقه لطلبه كما لو هرب من الموت لأدركه وأنه لو سأل الله تعالى أن لا يرزقه لما استجاب وكان عاصياً ولقال له يا جاهل كيف أخلقك ولا أرزقك ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما اختلف الناس في كل شيء إلا في الرزق والأجل فإنهم أجمعوا على أن لا رزاق ولا مميت إلا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً ولزالت بدعائكم الجبال (¬1) وقال عيسى عليه السلام انظروا إلى الطير لا تزرع ولا تحصد ولا تدخر والله تعالى يرزقها يوماً بيوم فإن قلتم نحن أكبر بطوناً فانظروا إلى الأنعام كيف قيض الله تعالى لها هذا الحق للرزق وقال أبو يعقوب السوسي المتوكلون تجري أرزاقهم على أيدي العباد بلا تعب منهم وغيرهم مشغولون مكدودون وقال بعضهم العبيد كلهم في رزق الله تعالى ولكن بعضهم يأكل بذل كالسؤال وبعضهم بتعب وانتظار كالتجار وبعضهم بامتهان كالصناع وبعضهم بعز كالصوفية يشهدون العزيز فيأخذون رزقهم من يده ولا يرون الواسطة الدرجة الثالثة ملابسة الأسباب التي يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من غير ثقة ظاهرة كالذي يستقصي في التدبيرات الدقيقة في تفصيل الاكتساب ووجوهه وذلك يخرج بالكلية عن درجات التوكل كلها وهو الذي فيه الناس كلهم أعني من يكتسب بالحيل الدقيقة اكتساباً مباحاً لمال مباح فأما أخذ الشبهة أو اكتساب بطريق فيه شبهة فذلك غاية الحرص على الدنيا والاتكال على الأسباب فلا يخفى أن ذلك يبطل التوكل وهذا مثل الأسباب التي نسبتها إلى جلب النافع مثل نسبة الرقية والطير والكي بالإضافة إلى إزالة الضار فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المتوكلين بذلك ولم يصفهم بأنهم لا يكتسبون ولا يسكنون الأمصار ولا يأخذون من أحد شيئاً بل وصفهم بأنهم يتعاطون هذه الأسباب وأمثال هذه الأسباب التي يوثق بها في المسببات مما يكثر فلا يمكن إحصاؤها وقال سهل في التوكل إنه ترك التدبير وقال إن الله خلق الخلق ولم يحجبهم عن نفسه وإنما حجابهم بتدبيرهم ولعله أراد به استنباط الأسباب البعيدة بالفكر فهي التي تحتاج إلى التدبير دون الأسباب الجلية فإذن قد ظهر أن الأسباب منقسمة إلى ما يخرج التعلق بها عن التوكل وإلى ما لا يخرج وأن الذي يخرج ينقسم إلى مقطوع به وإلى مظنون وأن المقطوع به لا يخرج عن التوكل عند وجود حال التوكل وعلمه وهو الاتكال على مسبب الأسباب فالتوكل فيها بالحال والعلم لا بالعمل وأما المظنونات ¬_________ (¬1) حديث لو توكلتم على الله حق توكله الحديث وزاد فى آخره ولزالت بدعائكم الجبال وقد تقدما قريبا دون هذه الزيادة فرواها الإمام محمد بن نصر فى كتاب تعظيم قدر الصلاة من حديث معاذ بن جبل بإسناد فيه لين لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال ورواه البيهقى فى الزهد من رواية وهيب المكى مرسلا دون قوله لمشيتم على البحور وقال هذا منقطع
পৃষ্ঠা - ১৪২৭
فالتوكل فيها بالحال والعلم والعمل جميعاً والمتوكلون في ملابسة هذه الأسباب على ثلاثة مقامات الأول مقام الخواص ونظرائه وهو الذي يدور في البوادي بغير زاد ثقة بفضل الله تعالى عليه في تقويته على الصبر أسبوعاً وما فرقه أو تيسير حشيش له أو قوت أو تثبيته على الرضا بالموت إن لم يتيسر شيء من ذلك فإن الذي يحمل الزاد قد يفقد الزاد أو يضل بعيره ويموت جوعاً فذلك ممكن مع الزاد كما أنه يمكن مع فقده المقام الثاني أن يقعد في بيته أو في مسجد ولكنه في القرى والأمصار وهذا أضعف من الأول لكنه أيضاً متوكل لأنه تارك للكسب والأسباب الظاهرة معول على فضل الله تعالى في تدبير أمره من جهة الأسباب الخفية ولكنه بالقعود في الأمصار متعرض لأسباب الرزق فإن ذلك من الأسباب الجاية إلا أن ذلك لا يبطل توكله إذا كان نظره إلى الذي يسخر له سكان البلد لإيصال رزقه إليه لا إلى سكان البلد إذ يتصور أن يغفل جميعهم عنه ويضيعوه لولا فضل الله تعالى بتعريفهم وتحريك دواعيهم المقام الثالث أن يخرج ويكتسب اكتساباً على الوجه الذي ذكرناه في الباب الثالث والرابع من كتاب آداب الكسب وهذا السعي لا يخرجه أيضاً عن مقامات التوكل إذا لم يكن طمأنينة نفسه إلى كفايته وقوته وجاهه وبضاعته فإن ذلك ربما يهلكه الله تعالى جميعه في لحظة بل يكون نظره إلى الكفيل الحق بحفظ جميع ذلك وتيسير أسبابه له بل يرى كسبه وبضاعته وكفايته بالإضافة إلى قدرة الله تعالى كما يرى القلم في يد الملك الموقع فلا يكون نظره إلى القلم بل إلى قلب الملك أنه بماذا يتحرك وإلى ماذا يميل وبم يحكم ثم إن كان هذا المكتسب مكتسباً لعياله أو ليفرق على المساكين فهو ببدنه مكتسب وبقلبه عنه منقطع فحال هذا أشرف من حال القاعد في بيته والدليل على أن الكسب لا ينافي حال التوكل إذا روعيت فيه الشروط وانضاف إليه الحال والمعرفة كما سبق أن الصديق رضي الله عنه لما بويع بالخلافة أصبح آخذاً الأثواب تحت حضنه والذراع بيده ودخل السوق ينادي حتى كرهه المسلمون وقالوا كيف تفعل ذلك وقد أقمت لخلافة النبوة فقال لا تشغلوني عن عيالي فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع حتى فرضوا له قوت أهلبيت من المسلمين فلما رضوا بذلك رأى مساعدتهم وتطييب قلوبهم واستغراق الوقت بمصالح المسلمين أولى ويستحيل أن يقال لم يكن الصديق في مقام التوكل فمن أولى بهذا المقام منه فدل على أنه كان متوكلاً لا باعتبار ترك الكسب والسعي بل باعتبار قطع الالتفات إلى قوته وكفايته والعلم بأن الله هو ميسر الاكتساب ومدبر الأسباب وبشروط كان يراعيها في طريق الكسب من الاكتفاء بقدر الحاجة من غير استكثار وتفاخر وادخار ومن غير أن يكون درهمه أحب إليه من درهم غيره فمن دخل السوق ودرهمه أحب إليه من درهم غيره فهو حريص على الدنيا ومحب لها ولا يصح التوكل إلا مع الزهد في الدنيا نعم يصح الزهد دون التوكل فإن التوكل مقام وراء الزهد وقال أبو جعفر الحداد وهو شيخ الجنيد رحمة الله عليها وكان من المتوكلين أخفيت التوكل عشرين سنة وما فارقت السوق كنت أكتسب في كل يوم ديناراً ولا أبيت منه دانقاً ولا أستريح منه إلى قيراط أدخل به الحمام بل أخرجه كله قبل الليل وكان الجنيد لا يتكلم في التوكل بحضرته وكان يقول أستحي أن أتكلم في مقامه وهو حاضر عندي واعلم أن الجلوس في رباطات الصوفية مع معلوم بعيد من التوكل فإن لم يكن معلوم ووقف وأمروا الخادم بالخروج للطلب لم يصح معه التوكل إلا على ضعف ولكن يقوى بالحال والعلم كتوكل المكتسب وإن لم يسألوا بل قنعوا بما يحمل
পৃষ্ঠা - ১৪২৮
إليهم فهذا أقوى في توكلهم لكنه بعد اشتهار القوم بذلك فقد صار لهم سوقاً فهو كدخول السوق ولا يكون داخل السوق متوكلاً إلا بشروط كثيرة كما سبق فإن قلت فما الأفضل أن يقعد في بيته أو يخرج ويكتسب فاعلم أنه إن كان يتفرغ بترك الكسب لفكر وذكر وإخلاص واستغراق وقت بالعبادة وكان الكسب يشوش عليه ذلك وهو مع هذا لا تستشرف نفسه إلى الناس في انتظار من يدخل عليه فيحمل إليه شيئاً بل يكون قوي القلب في الصبر والاتكال على الله تعالى فالمقصود له أولى وإن كان يضطرب قلبه في البيت ويستشرف إلى الناس فالكسب أولى لأن استشراف القلب إلى الناس سؤال بالقلب وتركه أهم من ترك الكسب وما كان المتوكلون يأخذون ما تستشرف إليه نفوسهم كان أحمد بن حنبل قد أمر أبا بكر المروزي أن يعطي بعض الفقراء شيئاً فضلاً عما كان استأجره عليه فرده فلما ولى قال له أحمد الحقه وأعطه فإنه يقبل فلحقه وأعطاه فأخذه فسأل أحمد عن ذلك فقال كان قد استشرفت نفسه فرد فلما خرج انقطع طمعه وأيس فأخذه وكان الخواص رحمه الله إذا نظر إلى عبد في العطاء أو خاف اعتياد النفس لذلك لم يقبل منه شيئاً وقال الخواص بعد أن سئل عن أعجب ما رآه في أسفاره رأيت الخضر ورضي بصحبتي ولكني فارقته خيفة أن تسكن نفسي إليه فيكون نقصاً في توكلي فإذن المكتسب إذا راعى آداب الكسب وشروط نيته كما سبق في كتاب الكسب وهو أن لا يقصد به الاستكثار ولم يكن اعتماده على بضاعته وكفايته كان متوكلاً فإن قلت فما علامة عدم اتكاله على البضاعة والكفاية فأقول علامته أنه إن سرقت بضاعته أو خسرت تجارته أو تعوق أمر من أموره كان راضياً به ولم تبطل طمأنينته ولم يضطرب قلبه بل كان حال قلبه في السكون قبله وبعده واحدا فإن من لم يسكن إلى شيء لم يضطرب لفقده ومن اضطرب لفقد شيء فقد سكن إليه وكان بشر يعمل المغازل فتركها وذلك لأن البعادي كاتبه قال بلغني أنك استعنت على رزقك بالمغازل أرأيت إن أخذ الله سمعك وبصرك الرزق على من فوقع ذلك في قلبه فأخرج آلة المغازل من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان لسفيان خمسون ديناراً يتجر فيها فلما مات عياله فرقها فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن إليها وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو تركه كان سبباً لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعاً فينبغي أن يعتقد أن الموت جوعاً خير له في الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها ففي الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كئيباً حزيناً يتطير بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها (¬1) ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيرا فإنى قلبه فأخرج آلة المغازلة من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان لسقيان خمسون ديناراً يتجر فيها فلما مات عياله فرقها فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن غليها وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو تركه كان سبباً لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعاً فينبغي أن يعتقد أن الموت جوعاً خير له في الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها ففي الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كثيبا حزينا بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها (¬2) ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيرا فإنى ¬_________ (¬1) حديث إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه أبو نعيم فى الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه (¬2) حديث غن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه ابو نعيم فى الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه
পৃষ্ঠা - ১৪২৯
لا أدري أيهما خير لي ومن لم يتكامل يقينه بهذه الأمور لم يتصور منه التوكل ولذلك قال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري لي من كل مقام نصيب إلا من هذا التوكل المبارك فإني ما شممت منه رائحة هذا كلامه مع علو قدره ولم ينكر كونه من المقامات الممكنة ولكنه قال ما أدركته ولعله أراد إدراك أقصاه وما لم يكمل الإيمان بأن لا فاعل إلا الله ولا رازق سواه وأن كل ما يقدره على العبد من فقر وغنى وموت وحياة فهو خير له مما يتمناه العبد لم يكمل حال التوكل فبناء التوكل على قوة الإيمان بهذه الأمور كما سبق وكذا سائر مقامات الدين من الأقوال والأعمال تنبني على أصولها من الإيمان وبالجملة التوكل مقام مفهوم ولكن يستدعي قوة القلب وقوة اليقين ولذلك قال سهل من طعن على التكسب فقد طعن على السنة ومن طعن على ترك التكسب فقد طعن على التوحيد فإن قلت فهل من دواء ينتفع به في صرف القلب عن الركون إلى الأسباب الظاهرة وحسن الظن بالله تعالى في تيسير الأسباب الخفية فأقول نعم هو أن تعرف أن سوء الظن تلقين الشيطان وحسن الظن تلقين الله تعالى قال الله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً فإن الإنسان بطبعه مشغوف بسماع تخويف الشيطان ولذلك قيل الشفيق بسوء الظن مولع وإذا انضم إليه الجبن وضعف القلب ومشاهدة المتكلين على الأسباب الظاهرة والباعثين عليها غلب سوء الظن وبطل التوكل بالكلية بل رؤية الرزق من الأسباب الخفية أيضاً تبطل التوكل فقد حكي عن عابد أنه عكف في مسجد ولم يكن له معلوم فقال له الإمام لو اكتسبت لكان أفضل لك فلم يجبه حتى أعاد عليه ثلاثاً فقال في الرابعة يهودي في جوار المسجد قد ضمن لي كل يوم رغيفين فقال إن كان صادقاً في ضمانه فعكوفك في المسجد خير لك فقال يا هذا لو لم تكن إماماً تقف بين يدي الله وبين العباد مع هذا النقص في التوحيد كان خيراً لك إذ فضلت وعد يهودي على ضمان الله تعالى بالرزق وقال إمام المسجد لبعض المصلين من أين تأكل فقال يا شيخ اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك ثم أجيبك وينفع حسن الظن بمجيء الرزق من فضل الله تعالى بواسطة الأسباب الخفية أن تسمع الحكايات التي فيها عجائب صنع الله تعالى في وصول الرزق إلى صاحبه وفيها عجائب قهر الله تعالى في إهلاك أموال التجار والأغنياء وقتلهم جوعاً كما روي عن حذيفة المرعشي وقد كان خدم إبراهيم بن أدهم فقيل له ما أعجب ما رأيت منه فقال بقينا في طريق مكة أياماً لم نجد طعاماً ثم دخلنا الكوفة فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلي إبراهيم وقال يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت هو ما رأى الشيخ فقال علي بدواة وقرطاس فجئت به إليه فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أنت المقصود إليه بكل حال والمشار إليه بكل معنى وكتب شعراً أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جائع أنا ضائع أنا عاري هي ستة وأنا الضمين لنصفها ... فكن الضمين لنصفها يا باري مدحي لغيرك لهب نار خضتها ... فأجر عبيدك من دخول النار ثم دفع إلي الرقعة فقال اخرج ولا تعلق قلبك بغير الله تعالى وادفع الرقعة إلى أول من يلقاك فخرجت فأول من لقيني كان رجلاً على بغلة فناولته الرقعة فأخذها فلما وقف عليها بكى وقال ما فعل صاحب هذه الرقعة فقلت هو في المسجد الفلاني فدفع إلي صرة فيها ستمائة دينار ثم لقيت رجلاً آخر فسألته عن راكب البغلة
পৃষ্ঠা - ১৪৩০
فقال هذا نصراني فجئت إلى إبراهيم وأخبرته بالقصة فقال لا تمسها فإنه يجيىء الساعة فلما كان بعد ساعة دخل النصراني وأكب على رأس إبراهيم يقبله وأسلم وقال أبو يعقوب الأقطع البصرى جعت مرة بالحرم عشرة أيام فوجدت ضعفاً فحدثتني نفسي بالخروج فخرجت إلى الوادي لعلي أجد شيئاً يسكن ضعفي فرأيت سلجمة مطروحة فأخذتها فوجدت في قلبي منها وحشة وكأن قائلاً يقول لي جعت عشرة أيام وآخره يكون حظك سلجمة متغيرة فرميت بها ودخلت المسجد وقعدت فإذا أنا برجل أعجمي قد أقبل حتى جلس بين يدي ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف خصصتني بها قال اعلم أنا كنا في البحر منذ عشرة أيام وأشرفت السفينة على الغرق فنذرت إن خلصني الله تعالى أن أتصدق بهذه على على أول من يقع عليه بصري من المجاورين وأنت أول من لقيته فقلت افتحها ففتحتها فإذا فيها سميد مصري ولوز مقشور وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت رد الباقي إلى أصحابك هدية مني إليكم وقد قبلتها ثم قلت في نفسي رزقك يسير إليك من عشرة أيام وأنت تطلبه من الوادي وقال ممشاد الدينوري كان علي دين فاشتغل قلبي بسببه فرأيت في النوم كأن قائلاً يقول يا بخيل أخذت علينا هذا المقدار من الدين خذ عليك الأخذ وعلينا العطاء فما حاسبت بعد ذلك بقالاً ولا قصاباً ولا غيرهما وحكي عن بنان الحمال قال كنت في طريق مكة أجيء من مصر ومعي زاد فجاءتني امرأة وقالت لي يابنات أنت حمال تحمل على ظهرك الزاد وتتوهم أنه لا يرزقك قال فرميت بزادي ثم أتى علي ثلاث لم آكل فوجدت خلخالاً في الطريق فقلت في نفسي أحمله حتى يجئ صاحبه فربما يعطيني شيئاً فأرده عليه فإذا أنا بتلك المرأة فقالت لي أنت تاجر تقول عسى يجيئ صاحبه فآخذ منه شيئاً ثم رمت لي شيئاً من الدراهم وقالت أنفقها فاكتفيت بها إلى قريب مكة وحكي أن بناناً احتاج إلى جارية تخدمه فانبسط إلى إخوانه فجمعوا له ثمنها وقالوا هو ذا يجيئ النفير فنشتري ما يوافق فلما ورد النفير اجتمع رأيهم على واحدة وقالوا إنها تصلح له فقالوا لصاحبها بكم هذه فقال إنها ليست للبيع فألحوا عليه فقال إنها لبنان الحمال أهدتها إليه امرأة من سمرقند فحملت إلى بنان وذكرت له القصة وقيل كان في الزمان الأول رجل في سفر ومعه قرص فقال إن أكلته مت فركل الله عز وجل به ملكاً وقال إن أكله فارزقه وإن لم يأكله فلا تعطه غيره فلم يزل القرص معه إلى أن مات ولم يأكله وبقي القرص عنده وقال أبو سعيد الخراز دخلت البادية بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعيد فسررت بأن وصلت ثم فكرت في نفسي أني سكنت واتكلت على غيره وآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن أحمل إليها فحفرت لنفسي في الرمل حفرة واريت جسدي فيها إلى صدري فسمعت صوتاً في نصف الليل عالياً يا أهل المرحلة إن لله تعالى ولياً حبس نفسه في هذا الرمل فألحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى القرية وروي أن رجلاً لازم باب عمر رضي الله عنه فإذا هو بقائل يقول يا هذا هاجرت إلى عمر أو إلى الله تعالى اذهب فتعلم القرآن فإنه سيغنيك عن باب عمر فذهب الرجل وغاب حتى افتقده عمر فإذا هو قد اعتزل واشتغل بالعبادة فجاءه عمر فقال له إني قد اشتقت إليك فما الذي شغلك عني فقال إني قرأت القرآن فأغناني
পৃষ্ঠা - ১৪৩১
عن عمر وآل عمر فقال عمر رحمك الله فماالذي وجدت فيه فقال وجدت فيه وفي السماء رزقكم وما توعدون فقلت رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض فبكى عمر وقال صدقت فكان عمر بعد ذلك يأتيه ويجلس إليه وقال أبو حمزة الخراساني حججت سنة من السنين فبينا أنا أمشي في الطريق إذ وقعت في بئر فنازعتني نفسي أن أستغيث فقلت لا والله لا أستغيث فما استتممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعالى حتى نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيه أحد فأتوا بقصب وبارية وطموا رأس البئر فهممت أن أصيح فقلت في نفسي إلى من أصيح هو أقرب منهما وسكنت فبينا أنا بعد ساعة إذ أنا بشيء جاء وكشف عن رأس البئر وأدلى رجله وكأنه يقول تعلق بي في همهمة له كنت أعرف ذلك فتعلقت به فأخرجني فإذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة أليس هذا أحسن نجيناك من التلف بالتلف فمشيت وأنا أقول نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى ... وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف تلطفت في أمري فأبديت شاهدي ... إلى غائبي واللطف يدرك باللطف تراءيت لى بالغيب حتى كأنما ... تبشرني بالغيب أنك في الكف أراك وبي من هيبتي لك وحشة ... فتؤنسني باللطف منك وبالعطف وتحيي محباً أنت في الحب حتفه ... وذا عجب كون الحياة مع الحتف وأمثال هذه الوقائع مما يكثر وإذا قوي الإيمان به وانضم إليه القدرة على الجوع قدر أسبوع من غير ضيق صدر وقوي الإيمان بأنه إن لم يسق إليه رزقه في أسبوع فالموت خير له عند الله عز وجل ولذلك حبسه عنه تم التوكل بهذه الأحوال والمشاهدات وإلا فلا يتم أصلاً بيان توكل المعيل اعلم أن من له عيال فحكمه يفارق المنفرد لأن المنفرد لا يصح توكله إلا بأمرين أحدهما قدرته على الجوع أسبوعاً من غير استشراف وضيق نفس والآخر أبواب من الإيمان ذكرناها من جملتها أن يطيب نفساً بالموت إن لم يأته رزقه علماً بأن رزقه الموت والجوع وهو إن كان نقصاً في الدنيا فهو زيادة في الآخرة فيرى أنه سيق إليه خير الرزقين له وهو رزق الآخرة وأن هذا هو المرض الذي به يموت ويكون راضياً بذلك وأنه كذا قضي وقدر له فبهذا يتم التوكل المنفرد ولا يجوز تكليف العيال الصبر على الجوع ولا يمكن أن يقرر عندهم الإيمان بالتوحيد وأن الموت على الجوع رزق مغبوط عليه في نفسه إن اتفق ذلك نادراً وكذا سائر أبواب الإيمان فإذن لا يمكنه في حقهم إلا توكل المكتسب وهو المقام الثالث كتوكل أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ خرج للكسب فأما دخول البوادي وترك العيال توكلاً في حقهم أو القعود عن الاهتمام بأمرهم توكلاً في حقهم فهذا حرام وقد يفضي إلى هلاكهم ويكون هو مؤاخذاً بهم بل التحقيق أنه لا فرق بينه وبين عياله فإنه إن ساعده العيال على الصبر على الجوع مدة وعلى الاعتداد بالموت على الجوع رزقاً وغنيمة في الآخرة فله أن يتوكل في حقهم ونفسه أيضاً عيال عنده ولا يجوز له أن يضيعها إلا أن تساعده على الصبر على الجوع مدة فإن كان لا يطيقه ويضطرب عليه قلبه وتتشوش عليه عبادته لم يجز له التوكل ولذلك روي أن أبا تراب النخشبي نظر إلى صوفي مد يده إلى قشر بطيخ ليأكله بعد ثلاثة أيام فقال له لا يصلح لك التصوف الزم السوق أي لا تصوف إلا مع التوكل
পৃষ্ঠা - ১৪৩২
ولا يصح التوكل إلا لمن يصبر عن الطعام أكثر من ثلاثة أيام وقال أبو علي الروذباري إذا قال الفقير بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالعمل والكسب فإن بدنه عياله وتوكله فيما يضر ببدنه كتوكله في عياله وإنما يفارقهم في شيءواحد وهو أن له تكليف نفسه الصبر على الجوع وليس له ذلك في عياله وقد انكشف لك من هذا أن التوكل ليس انقطاعاً عن الأسباب بل الاعتماد على الصبر على الجوع مدة والرضا بالموت إن تأخر الرزق نادراً وملازمة البلاد والأمصار أو ملازمة البوادي التي لا تخلو عن حشيش وما يجري مجراه فهذه كلها أسباب البقاء ولكن مع نوع من الأذى إذ لا يمكن الاستمرار عليه إلا بالصبر والتوكل في الأمصار أقرب إلى الأسباب من التوكل في البوادي وكل ذلك ذلك من الأسباب إلا أن الناس عدلوا إلى أسباب أظهر منها فلم يعدوا تلك أسباباً وذلك لضعف إيمانهم وشدة حرصهم وقلة صبرهم على الأذى في الدنيا لأجل الآخرة واستيلاء الجبن على قلوبهم بإساءة الظن وطول الأمل ومن نظر في ملكوت السموات والأرض انكشف له تحقيقاً أن الله تعالى دبر الملك والملكوت تدبيراً لا يجاوز العبد رزقه وإن ترك الاضطراب فإن العاجز عن الاضطراب لم يجاوزه رزقه أما ترى الجنين في بطن أمه لما أن كان عاجزاً عن الاضطراب كيف وصل سرته بالأم حتى تنتهي إليه فضلات غذاء الأم بواسطة السرة ولم يكن ذلك بحيلة الجنين ثم لما انفصل سلط الحب والشفقة على الأم لتتكفل به شاءت أم أبت اضطراراً من الله تعالى إليه بما أشعل في قلبها من نار الحب ثم لما لم يكن له سن يمضغ به الطعام جعل رزقه من اللبن الذي لا يحتاج إلى المضغ ولأنه لرخاوة مزاجه كان لا يحتمل الغذاء الكثيف فأدر له اللبن اللطيف في ثدي الأم عند انفصاله على حسب حاجته أفكان هذا بحيلة الطفل أو بحيلة الأم إذا صار بحيث يوافقه الغذاء الكثيف أنبت له أسناناً قواطع وطواحين لأجل المضغ فإذا كبر واستقل يسر له أسباب التعلم وسلوك سبيل الآخرة فجنبه بعد البلوغ جهل محض لأنه ما نقصت أسباب معيشته ببلوغه بل زادت فإنه لم يكن قادراً على الاكتساب فالآن قد قدر فزادت قدرته نعم كان المشفق عليه شخصاً واحداً وهي الأم أو الأب وكانت شفقته مفرطة جداً فكان يطعمه ويسقيه في اليوم مرتين وكان إطعامه بتسليط الله تعالى الحب والشفقة على قلبه فكذلك قد سلط الله الشفقة والمودة والرحمة والرقة على قلوب المسلمين بل أهل البلد كافة حتى إن كل واحد منهم إذا أحس بمحتاج تألم قلبه ورق عليه وانبعثت له داعية إلى إزالة حاجته فقد كان المشفق عليه واحداً والآن المشفق عليه ألف وزيادة وقد كانوا لا يشفقون عليه لأنهم رأوه في كفالة الأم والأب وهو مشفق خاص فما رأوه محتاجاً ولو رأوه يتيماً لسلط الله داعية الرحمة على واحد من المسلمين أو على جماعة حتى يأخذونه ويكفلونه فما رؤي إلى الآن في سني الخصب يتيم قد مات جوعاً مع أنه عاجز عن الاضطراب وليس له كافل خاص والله تعالى كافله بواسطة الشفقة التي خلقها في قلوب عباده فلماذا ينبغي أن يشتغل قلبه برزقه بعد البلوغ ولم يشتغل في الصبا وقد كان المشفق واحداً والمشفق الآن ألف نعم كانت شفقة الأم أقوى وأحظى ولكنها واحدة وشفقة آحاد الناس وإن ضعفت فيخرج من مجموعها ما يفيد الغرض فكم من يتيم قد يسر الله تعالى له حالاً هو أحسن من حال من له أب وأم فينجبر ضعف شفقة الآحاد بكثرة المشفقين وبترك التنعم والاقتصار على قدر الضرورة ولقد أحسن الشاعر حيث يقول جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون جنون منك أن تسعى لرزقٍ ... ويرزق في غشاوته الجنين
পৃষ্ঠা - ১৪৩৩
فإن قلت الناس يكفلون اليتيم لأنهم يرونه عاجزاً بصباه وأما هذا فبالغ قادر على الكسب فلا يلتفتون إليه ويقولون هو مثلنا فليجتهد لنفسه فأقول إن كان هذا القادر بطالاً فقد صدقوا فعليه الكسب ولا معنى للتوكل في حقه فإن التوكل من مقامات الدين يستعان به على التفرغ لله تعالى فما للبطال والتوكل وإن كان مشتغلاً بالله ملازماً لمسجد أو بيت وهو مواظب على العلم والعبادة فالناس لا يلومونه في ترك الكسب ولا يكلفونه ذلك بل اشتغاله بالله تعالى يقرر حبه في قلوب الناس حتى يحملون إليه فوق كفايته وإنما عليه أن لا يغلق الباب ولا يهرب إلى جبل من بين الناس وما رؤي إلى الآن عالم أو عابد استغرق الأوقات بالله تعالى وهو في الأمصار فمات جوعاً ولا يرى قط بل لو أراد أن يطعم جماعة من الناس بقوله لقدر عليه فإن من كان لله تعالى كان الله عز وجل له ومن اشتغل بالله عز وجل ألقى الله حبه في قلوب الناس وسخر له القلوب كما سخر قلب الأم لولدها فقد دبر الله تعالى الملك والملكوت تدبيراً كافياً لأهل الملك والملكوت فمن شاهد هذا التدبير وثق بالمدبر واشتغل به وآمن ونظر إلى مدبر الأسباب لا إلى الأسباب نعم ما دبره تدبيراً يصل إلى المشتغل به الحلو والطيور السمان والثياب الرقيقة والخيول النفيسة على الدوام لا محالة وقد يقع ذلك أيضاً في بعض الأحوال لكن دبره تدبيراً يصل إلى كل مشتغل بعبادة الله تعالى في كل أسبوع قرص شعير أو حشيش يتناوله لا محالة والغالب أنه يصل أكثر منه بل يصل ما يزيد على قدر الحاجة والكفاية فلا سبب لترك التوكل إلا رغبة النفس في التنعم على الدوام ولبس الثياب الناعمة وتناول الأغذية اللطيفة وليس ذلك من طريق الآخرة وذلك قد لا يحصل بغير اضطراب وهو في الغالب أيضاً ليس يحصل مع الاضطراب وإنما يحصل نادرا وفي النادر أيضا قد يحصل بغير اضطراب فأثر الاضطراب ضعف عند من انفتحت بصيرته فلذلك لا يطمئن إلى اضطرابه بل إلى مدبر الملك والملكوت تدبيراً لا يجاوز عبداً من عباده رزقه وإن سكن إلا نادراً ندوراً عظيماً يتصور مثله في حق المضطرب فإذا انكشفت هذه الأمور وكان معه قوة في القلب وشجاعة في النفس أثمر ما قاله الحسن البصري رحمه الله إذ قال وددت أن أهل البصرة في عيالي وأن حبة بدينار وقال وهيب بن الورد لو كانت السماء نحاساً والأرض رصاصاً واهتممت برزقي لظننت أني مشرك فإذا فهمت هذه الأمور فهمت أن التوكل مقام مفهوم في نفسه ويمكن الوصول إليه لمن قهر نفسه وعلمت أن من أنكر أصل التوكل وإمكانه أنكره عن جهل فإياك أن تجمع بين الإفلاسين الإفلاس عن وجود المقام ذوقاً والإفلاس عن الإيمان به علماً فإذن عليك بالقناعة بالنزر القليل والرضا بالقوت فإنه يأتيك لا محالة وإن فررت منه وعند ذلك على الله أن يبعث إليك رزقك على يدي من لا تحتسب فإن اشتغلت بالتقوى والتوكل شاهدت بالتجربة مصداق قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب الآية إلا أنه لم يتكفل له أن يرزقه لحم الطير ولذائذ الأطعمة فما ضمن إلا الرزق الذي تدوم به حياته وهذا المضمون مبذول لكل من اشتغل بالضامن واطمأن إلى ضمانه فإن الذي أحاط به تدبير الله من الأسباب الخفية للرزق أعظم مما ظهر للخلق بل مداخل الرزق لا تحصى ومجاريه لا يهتدى إليها وذلك لأن ظهوره على الأرض وسببه في السماء قال الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون وأسرار السماء لا يطلع عليها ولهذا دخل جماعة على الجنيد فقال ماذا تطلبون قالوا نطلب الرزق فقال إن علمتم في أي موضع هو فاطلبوه قالوا نسأل الله قال إن علمتم أنه ينساكم فذكروه فقالوا ندخل البيت ونتوكل وننظر ما يكون فقال التوكل على التجربة شك قالوا فما الحيلة قال ترك الحيلة وقال أحمد بن عيسى
পৃষ্ঠা - ১৪৩৪
الخراز كنت في البادية فنالني جوع شديد فغلبتني نفسي أن أسأل الله تعالى طعاماً فقلت ليس هذا من أفعال المتوكلين فطالبتني أن أسأل الله صبرا فلما هممت بذلك سمعت هاتفاً يهتف بي ويقول ويزعم أنه منا قريب ... وأنا لا نضيع من أتانا ويسألنا على الإقتار جهداً ... كأنا لا نراه ولا يرانا فقد فهمت أن من انكسرت نفسه وقوي قلبه ولم يضعف بالجبن باطنه وقوي إيمانه بتدبير الله تعالى كان مطمئن النفس أبداً واثقاً بالله عز وجل فإن أسوأ حاله أن يموت ولا بد أن يأتيه الموت كما يأتي من ليس مطمئناً فإذن تمام التوكل بقناعة من جانب ووفاء بالمضمون من جانب والذي ضمن رزق القانعين بهذه الأسباب التي دبرها صادق فاقنع وجرب تشاهد صدق الوعد تحقيقاً بما يرد عليك من الأرزاق العجيبة التي لم تكن في ظنك وحسابك ولا تكن في توكلك منتظراً للأسباب بل لمسبب الأسباب كما لا تكون منتظراً لقلم الكاتب بل لقلب الكاتب فإنه أصل حركة القلم والمحرك الأول واحد فلا ينبغي أن يكون النظر إلا إليه وهذا شرط توكل من يخوض البوادي بلا زاد أو يقعد في الأمصار وهو خامل وأما الذي له ذكر بالعبادة والعلم فإذا قنع في اليوم والليلة بالطعام مرة واحدة كيف كان وإن لم يكن من اللذائذ وثوب خشن يليق بأهل الدين فهذا يأتيه من حيث يحتسب ولا يحتسب على الدوام بل يأتيه أضعافه فتركه التوكل واهتمامه بالرزق غاية الضعف والقصور فإن اشتهاره بسبب ظاهر يجلب الرزق إليه أقوى من دخول الأمصار في حق الخامل مع الاكتساب فالاهتمام بالرزق قبيح بذوى الدين وهو بالعلماء أقبح لأن شرطهم القناعة والعالم القانع يأتيه رزقه ورزق جماعة كثيرة إن كانوا معه إلا إذا أراد أن لا يأخذ من أيدي الناس ويأكل من كسبه فذلك له وجه لائق بالعالم العامل الذي سلوكه بظاهر العلم والعمل ولم يكن له سير بالباطن فإن الكسب يمنع عن السير بالفكر الباطن فاشتغاله بالسلوك مع الأخذ من يد من يتقرب إلى الله تعالى بما يعطيه أولى لأنه تفرغ لله عز وجل وإعانة للمعطي على نيل الثواب ومن نظر إلى مجاري سنة الله تعالى علم أن الرزق ليس على قدر الأسباب ولذلك سأل بعض الأكاسرة حكيماً عن الأحمق المرزوق والعاقل المحروم فقال أراد الصالح أن يدل على نفسه إذ لو رزق كل عاقل وحرم كل أحمق لظن أن العقل رزق صاحبه فلما رأوا خلافه علموا أن الرازق غيرهم ولا ثقة بالأسباب الظاهرة لهم قال الشاعر ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا ... هلكن إذن من جهلهن البهائم بيان أحوال المتوكلين في التعلق بالأسباب بضرب مثال اعلم أن مثال الخلق مع الله تعالى مثل طائفة من السؤال وقفوا في ميدان على باب قصر الملك وهم محتاجون إلى الطعام فأخرج إليهم غلماناً كثيرة ومعهم أرغفة من الخبز وأمرهم أن يعطوا بعضهم رغيفين رغيفين وبعضهم رغيفاً رغيفاً ويجتهدوا في أن لا يغفلوا عن واحد منهم وأمر منادياً حتى نادى فيهم أن اسكنوا ولا تتعلقوا بغلماني إذا خرجوا إليكم بل ينبغي أن يطمئن كل واحد منكم في موضعه فإن الغلمان مسخرون وهم مأمورون بأن يوصلوا إليكم طعامكم فمن تعلق بالغلمان وآذاهم وأخذ رغيفين فإذا فتح باب الميدان وخرج اتبعته بغلام يكون موكلاً به إلى أن أتقدم لعقوبته في ميعاد معلوم عندي ولكن أخفيه ومن لم يؤذ الغلمان وقنع برغيف واحد أتاه من يد الغلام وهو ساكن فإني أختصه بخلعة سنية في الميعاد المذكور لعقوبة الآخر ومن ثبت في مكانه ولكنه أخذ رغيفين فلا عقوبة عليه ولا خلعة له ومن أخطأه غلماني فما أوصلوا إليه شيئاً فبات الليلة جائعاً غير متسخط للغلمان
পৃষ্ঠা - ১৪৩৫
ولا قائلاً ليته أوصل إلي رغيفاً فإني غداً أستوزره وأفوض ملكي إليه فانقسم السؤال إلى أربعة أقسام قسم غلبت عليهم بطونهم فلم يلتفتوا إلى العقوبة الموعودة وقالوا من اليوم إلى غد فرج ونحن الآن جائعون فبادروا إلى الغلمان فآذوهم وأخذوا الرغيفين فسبقت العقوبة إليهم في الميعاد المذكور فندموا ولم ينفعهم الندم وقسم تركوا التعلق بالغلمان خوف العقوبة ولكن أخذوا رغيفين لغلبة الجوع فسلموا من العقوبة وما فازوا بالخلعة وقسم قالوا إنا نجلس بمرأى من الغلمان حتى لا يخطئونا ولكن نأخذ إذا أعطونا رغيفاً واحداً ونقنع به فلعلنا نفوز بالخلعة ففازوا بالخلعة وقسم رابع اختفوا في زوايا الميدان وانحرفوا عن مرأى أعين الغلمان وقالوا إن اتبعونا وأعطونا قنعنا برغيف واحد وإن أخطأونا قاسينا شدة الجوع الليلة فلعلنا نقوى على ترك التسخط فننال رتبة الوزارة ودرجة القرب عند الملك فما نفعهم ذلك إذ اتبعهم الغلمان في كل زاوية وأعطوا كل واحد رغيفاً واحداً وجرى مثل ذلك أياماً حتى اتفق على الندور أن اختفى ثلاثة في زاوية ولم تقع عليهم أبصار الغلمان وشغلهم شغل صارف عن طول التفتيش فباتوا في جوع شديد فقال اثنان منهم ليتنا تعرضنا للغلمان وأخذنا طعامنا فلسنا نطيق الصبر وسكت الثالث إلى الصباح فنال درجة القرب والوزارة فهذا مثال الخلق والميدان هو الحياة في الدنيا وباب الميدان الموت والميعاد المجهول يوم القيامة والوعد بالوزارة هو الوعد بالشهادة للمتوكل إذا مات جائعاً راضياً من غير تأخير ذلك إلى ميعاد القيامة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون والمتعلق بالغلمان هو المعتدي في الأسباب والغلمان المسخرون هم الأسباب والجالس في ظاهر الميدان بمرأى الغلمان هم المقيمون في الأمصار في الرباطات والمساجد على هيئة السكون والمختفون في الزوايا هم السائحون في البوادي على هيئة التوكل والأسباب تتبعهم والرزق يأتيهم إلا على سبيل الندور فإن مات واحد منهم جائعاً راضياً فله الشهادة والقرب من الله تعالى وقد انقسم الخلق إلى هذه الأقسام الأربعة ولعل من كل مائة تعلق بالأسباب تسعون وأقام سبعة من العشرة الباقية في الأمصار متعرضين للسبب بمجرد حضورهم واشتهارهم وساح في البوادي ثلاثة وتسخط منهم اثنان وفاز بالقرب واحد ولعله كان كذلك في الأعصار السالفة وأما الآن فالتارك للأسباب لا ينتهي إلى واحد من عشرة آلاف الفن الثاني في التعرض لأسباب الادخار فمن حصل له مال بإرث أو كسب أو سؤال أو سبب من الأسباب فله في الادخار ثلاثة أحوال الأولى أن يأخذ قدر حاجته في الوقت فيأكل إن كان جائعاً ويلبس إن كان عارياً ويشتري مسكناً مختصراً إن كان محتاجاً ويفرق الباقي في الحال ولا يأخذه ولا يدخره إلا بالقدر الذي يدرك به من يستحقه ويحتاج إليه فيدخره على هذه النية فهذا هو الوفي بموجب التوكل تحقيقاً وهي الدرجة العليا الحالة الثانية المقابلة لهذه المخرجة له عن حدود التوكل أن يدخر لسنة فما فوقها فهذا ليس من المتوكلين أصلاً وقد قيل لا يدخر من الحيوانات إلا ثلاثة الفأرة والنملة وابن آدم الحالة الثالثة أن يدخر لأربعين يوماً فما دونها فهذا هل يوجب حرمانه من المقام المحمود الموعود في الآخرة للمتوكلين اختلفوا فيه فذهب سهل إلى أنه يخرج عن حد التوكل وذهب الخواص إلى أنه لا يخرج بأربعين يوماً ويخرج بما يزيد على الأربعين وقال أبو طالب المكي لا يخرج عن حد التوكل بالزيادة على الأربعين أيضاً وهذا اختلاف لا معنى له بعد تجويز أصل الادخار نعم يجوز أن يظن ظان أن أصل الادخار يناقض التوكل فأما التقدير بعد ذلك فلا مدرك له وكل ثواب موعود على رتبة فإنه يتوزع على تلك الرتبة وتلك الرتبة لها بداية
পৃষ্ঠা - ১৪৩৬
ونهاية ويسمى أصحاب النهايات السابقين وأصحاب البدايات أصحاب اليمين ثم أصحاب اليمين أيضاً على درجات وكذلك السابقون وأعالي درجات أصحاب اليمين تلاصق أسافل درجات السابقين فلا معنى للتقدير في مثل هذا بل التحقيق أن التوكل بترك الادخار لا يتم إلا بقصر الأمل وأما عدم آمال البقاء فيبعد اشتراطه ولو في نفس فإن ذلك كالممتنع وجوده أما الناس فمتفاوتون في طول الأمل وقصره وأقل درجات الأمل يوم وليلة فما دونه من الساعات وأقصاه ما يتصور أن يكون عمر الإنسان وبينهما درجات لا حصر لها فمن لم يؤمل أكثر من شهر أقرب إلى المقصود ممن يؤمل سنة وتقييده بأربعين لأجل ميعاد موسى عليه السلام بعيد فإن تلك الواقعة ما قصد بها بيان مقدار مارخص الأمل فيه ولكن استحقاق موسى لنيل الموعود كان لا يتم إلا بعد أربعين يوماً لسر جرت به وبأمثاله سنة الله تعالى في تدريج الأمور كما قال عليه السلام إن الله خمر طينة آدم بيده أربعين صباحاً (¬1) لآن استحقاق تلك الطينة التخمر كان موقوفاً على مدة مبلغها ما ذكر فإذن ما وراء السنة لا يدخر له إلا بحكم ضعف القلب والركون إلى ظاهر الأسباب فهو خارج عن مقام التوكل غير واثق بإحاطة التدبير من الوكيل الحق بخفايا الأسباب فإن أسباب الدخل في الارتفاعات والزكوات تتكرر بتكرر السنين غالباً ومن ادخر لأقل من سنة فله درجة بحسب قصر أمله ومن كان أمله شهرين لم تكن درجته كدرجة من أمل شهراً ولا درجة من أمل ثلاثة أشهر بل هو بينهما في الرتبة ولا يمنع من الادخار إلا قصر الأمل فالأفضل أن لا يدخر أصلاً وإن ضعف قلبه فكلما قل ادخاره كان فضله أكثر وقد روي في الفقير الذي أمر صلى الله عليه وسلم علياً كرم الله وجهه وأسامة أن يغسلاه فغسلاه وكفناه ببردته فلما دفنه قال لأصحابه إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ولولا خصلة كانت فيه لبعث ووجهه كالشمس الضاحية قلنا وما هي يا رسول الله قال كان صواماً قواماً كثير الذكر لله تعالى غير أنه كان إذا جاء الشتاء ادخر حلة الصيف لصيفه وإذا جاء الصيف ادخر حلة الشتاء لشتائه ثم قال صلى الله عليه وسلم بل أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر (¬2) الحديث وليس الكوز والشفرة وما يحتاج إليه على الدوام معنى ذلك فإن ادخاره لا ينقص الدرجة وأما ثوب الشتاء فلا يحتاج إليه في الصيف وهذا في حق من لا ينزعج قلبه بترك الادخار ولا تستشرف نفسه إلى أيدي الخلق بل لا يلتفت قلبه إلا إلى الوكيل الحق فإن كان يستشعر في نفسه اضطراباً يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر فالادخار له أولى بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافياً بقدر كفايته وكان لا يتفرغ قلبه إلا به فذلك له أولى لأن المقصود إصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص يشغله وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله عز وجل وإلا فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها ولذلك بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون وأهل الحرف والصناعات فلم يأمر التجار بترك تجارته ولا المحترف بترك حرفته ولا أمر التارك لهما بالاشتغال بهما بل دعا الكل إلى الله تعالى وأرشدهم إلى أن فوزهم ونجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله تعالى وعمدة الاشتغال بالله عز وجل القلب فصواب الضعيف ادخار قدر حاجته كما أن صواب القوي ترك الادخار ¬_________ (¬1) حديث خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا رواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود وسلمان الفارسي بإسناد ضعيف جدا وهو باطل (¬2) حديث أنه قال في حق الفقير الذى أمر عليا أو أسامة فغسله وكفنه ببردته إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر الحديث وفي آخره من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر لم أجد له أصلا وتقدم آخر الحديث قبل هذا
পৃষ্ঠা - ১৪৩৭
وهذا كله حكم المنفرد فأما المعيل فلا يخرج عن حد التوكل بادخار قوت سنة لعياله جبراً لضعفهم وتسكيناً لقلوبهم وادخار أكثر من ذلك مبطل للتوكل لأن الأسباب تتكرر عند تكرر السنين فادخاره ما يزيد عليه سببه ضعف قلبه وذلك يناقض قوة التوكل فالمتوكل عبارة عن موحد قوي القلب مطمئن النفس إلى فضل الله تعالى واثق بتدبيره دون وجود الأسباب الظاهرة وقد ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعياله قوت سنة (¬1) ونهى أم أيمن وغيرها أن تدخر له شيئاً لغد (¬2) ونهى بلالاً عن الادخار في كسرة خبز ادخرها ليفطر عليها فقال صلى الله عليه وسلم أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً (¬3) وقال صلى الله عليه وسلم إذا سئلت فلا تمنع وإذا أعطيت فلا تخبأ (¬4) إقتداء بسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم وقد كان قصر أمله بحيث كان إذا بال تيمم مع قرب الماء ويقول ما يدريني لعلي لا أبلغه (¬5) وكان صلى الله عليه وسلم لو أخر لم ينقص ذلك من توكله إذ كان لا يثق بما ادخره ولكنه عليه السلام ترك ذلك تعليماً للأقوياء من أمته فإن أقوياء أمته ضعفاء بالإضافة إلى قوته وادخر عليه السلام لعياله سنة لا لضعف قلب فيه وفي عياله ولكن ليسن ذلك للضعفاء من أمته بل أخبر إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه (¬6) تطييباً لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركون الميسور من الخير عليهم بعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين كلهم عليه اختلاف أصنافهم ودرجاتهم وإذا فهمت هذا علمت أن الادخار قد يضر بعض الناس وقد لا يضر ويدل على ما روى أبو أمامة الباهلي أن بعض أصحاب الصفة توفي فما وجد له كفن فقال صلى الله عليه وسلم فتشوا ثوبه فوجدوا فيه دينارين في داخل إزاره فقال صلى الله عليه وسلم كيتان (¬7) وقد كان غيره من المسلمين يموت ويخلف أموالاً ولا يقول ذلك في حقه وهذا يحتمل وجهين لأن حاله يحتمل حالين أحدهما أنه أراد كيتين من النار كما قال تعالى تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وذلك إذا كان حاله إظهار الزهد والفقر والتوكل مع الإفلاس عنه فهو نوع تلبيس والثاني أن لا يكون ذلك عن تلبيس فيكون المعنى به النقصان عن درجة كماله كما ينقص من جمال الوجه أثر كيتين في الوجه وذلك لا يكون عن تلبيس فإن كل ما يخلفه الرجل فهو نقصان عن درجته في الآخرة إذ لا يؤتى أحد من الدنيا شيئاً إلا نقص بقدره من الآخرة وأما بيان أن الادخار مع فراغ القلب عن المدخر ليس من ضرورته بطلان التوكل فيشهد له ما روي عن بشر قال الحسين المغازلي من أصحابه كنت عنده ضحوة من النهار فدخل عليه رجل كهل أسمر خفيف العارضين فقام إليه بشر قال وما رأيته قام لأحد غيره قال ودفع إلي كفاً من دراهم وقال اشتر لنا من أطيب ما تقدر عليه من الطعام الطيب وما قال لي قط ¬_________ (¬1) حديث ادخر لعياله قوت سنة متفق عليه وتقدم في الزكاة (¬2) حديث نهى أم أيمن وغيرها أن تدخر شيئا لغد تقدم نهيه لأم أيمن وغيرها (¬3) حديث نهى بلالا عن الادخار وقال أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً رواه البزار من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وبلال دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صبر من تمر فقال ذلك وروى أبو يعلى والطبرانى في الأوسط حديث أبي هريرة وكلها ضعيفة وأما ما ذكره المصنف من أنه ادخر كسرة خبز فلم أره (¬4) حديث قال لبلال إذا سئلت فلا تمنع وإذا أعطيت فلا تخبأ رواه الطبراني والحاكم من حديث أبي سعيد وهو ثقة (¬5) حديث أنه صلى الله عليه وسلم بال وتيمم مع قرب الماء ويقول ما يدريني لعلي لا أبلغه أخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث ابن عباس بسند ضعيف (¬6) حديث إن الله يحب أن تؤتى رخصه الحديث أخرجه أحمد والطبرانى والبيهقي من حديث أم عمر وقد تقدم (¬7) حديث أبي أمامة توفى بعض أصحاب الصفة فوجدوا دينارين في داخلة إزاره فقال صلى الله عليه وسلم كيتان رواه أحمد من رواية شهر بن حوشب عنه
পৃষ্ঠা - ১৪৩৮
مثل ذلك قال فجئت بالطعام فوضعته فأكل معه وما رأيته أكل مع غيره قال فأكلنا حاجتنا وبقي من الطعام شيء كثير فأخذه الرجل وجمعه في ثوبه وحمله معه وانصرف فعجبت من ذلك وكرهته له فقال لي بشر لعلك أنكرت فعله قلت نعم أخذ بقية الطعام من غير إذن فقال ذاك أخونا فتح الموصلي زارنا اليوم من الموصل فإنما أراد أن يعلمنا أن التوكل إذا صح لم يضر معه الادخار الفن الثالث في مباشرة الأسباب الدافعة للضرر المعرض للخوف اعلم أن الضرر قد يعرض للخوف في نفس أو مال وليس من شروط التوكل ترك الأسباب الدافعة رأساً أما في النفس فكالنوم في الأرض المسبعة أو في مجاري السيل من الوادي أو تحت الجدار المائل والسقف المنكسر فكل ذلك منهي عنه وصاحبه قد عرض نفسه للهلاك بغير فائدة نعم تنقسم هذه الأسباب إلى مقطوع بها ومظنونة وإلى موهومة فترك الموهوم منها من شرط التوكل وهي التي نسبتها إلى دفع الضرر نسبة الكى والرقية فإن الكي والرقية قد تقدم به على المحذور دفعاً لما يتوقع وقد يستعمل بعد نزول المحذور للإزالة ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصف المتوكلين إلا بترك الكي والرقية والطيرة ولم يصفهم بأنهم إذا خرجوا إلى موضع بارد لم يلبسوا جبة والجبة تلبس دفعاً للبرد المتوقع وكذلك كل مافي معناها من الأسباب نعم الاستظهار بأكل الثوم مثلاً عند الخروج إلى السفر في الشتاء تهييجاً لقوة الحرارة من الباطن ربما يكون من قبيل التعمق في الأسباب والتعويل عليها فيكاد يقرب من الكي بخلاف الجبة ولترك الأسباب الدافعة وإن كانت مقطوعة وجه إذا ناله الضرر من إنسان فإنه إذا أمكنه الصبر وأمكنه الدفع والتشفي فشرط التوكل الاحتمال والصبر قال الله تعالى {فاتخذه وكيلاً واصبر على ما يقولون} وقال تعالى {ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون} وقال عز وجل {ودع أذاهم وتوكل على الله} وقال سبحانه تعالى فاصبر كما صبر أولي العزم من الرسل وقال تعالى {نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون} وهذا في أذى الناس وأما الصبر على أذى الحيات والسباع والعقارب فترك دفعها ليس من التوكل في شيء إذ لا فائدة فيه ولا يراد السعي ولا يترك السعي لعينه بل لإعانته على الدين وترتب الأسباب ههنا كترتبها في الكسب وجلب المنافع فلا نطول بالإعادة وكذلك في الأسباب الدافعة عن المال فلا ينقص التوكل بإغلاق باب البيت عند الخروج ولا بأن يعقل البعير لأن هذه أسباب عرفت سنة الله تعالى إما قطعاً وإما ظناً ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما أن أهمل البعير وقال توكلت على الله اعقلها وتوكل (¬1) وقال تعالى {خذوا حذركم} وقال في كيفية صلاة الخوف {وليأخذوا أسلحتهم} وقال سبحانه {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} وقال تعالى لموسى عليه السلام {فأسر بعبادي ليلاً} والتحصن بالليل اختفاءً عن أعين الأعداء ونوع تسبب واختفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار اختفاء عن أعين الأعداء دفعاً للضرر (¬2) وأخذ السلاح في الصلاة فليس دافعاً قطعاً كقتل الحية والعقرب فإنه دافع قطعاً ولكن أخذ السلاح سبب مظنون وقد بينا أن المظنون كالمقطوع وإنما الموهوم هو الذي يقتضي التوكل تركه فإن قلت فقد حكي عن جماعة أن منهم من وضع الأسد يده على كتفه ولم يتحرك فأقول وقد حكي عن جماعة أنهم ركبوا الأسد وسخروه فلا ينبغي أن يغرك ذلك المقام فإنه وإن كان صحيحاً في نفسه فلا يصلح للاقتداء ¬_________ (¬1) حديث اعقلها وتوكل أخرجه الترمذى من حديث أنس قال يحيى القطان منكر ورواه ابن خزيمة في التوكل والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمرى بإسناد جيد قيدها (¬2) حديث اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعين الأعداء دفعاً للضرر تقدم في قصة اختفائه في الغار عند إرادة الهجرة
পৃষ্ঠা - ১৪৩৯
بطريق التعلم من الغير بل ذلك مقام رفيع في الكرامات وليس ذلك شرطاً في التوكل وفيه أسرار لا يقف عليها من لم ينته إليها فإن قلت وهل من علامة أعلم بها أني قد وصلت إليها فأقول الواصل لا يحتاج إلى طلب العلامات ولكن من العلامات على ذلك المقام السابقة عليه أن يسخر لك كلب هو معك في إهابك يسمى الغضب فلا يزال يعضك ويعض غيرك فإن سخر لك هذا الكلب بحيث إذا هيج وأشلى لم يستشل إلا بإشارتك وكان مسخراً لك فربما ترتفع درجتك إلى أن يسخر لك الأسد الذي هو ملك السباع وكلب دارك أولى أن يكون مسخراً لك من كلب البوادي وكلب إهابك أولى بأن يتسخر من كلب دارك فإذا لم يسخر لك الكلب الباطن فلا تطمع في استسخار الكلب الظاهر فإن قلت فإذا أخذ المتوكل سلاحه حذراً من العدو وأغلق بابه حذراً من اللص وعقل بعيره حذراً من أن ينطلق فبأي اعتبار يكون متوكلاً فأقول يكون متوكلاً بالعلم والحال فأما العلم فهو أن يعلم أن اللص إن اندفع لم يندفع بكفايته في إغلاق الباب بل لم يندفع إلا بدفع الله تعالى إياه فكم من باب يغلق ولا ينفع وكم من بعير يعقل ويموت أو يفلت وكم من آخذ سلاحه يقتل أو يغلب فلا تتكل على هذه الأسباب أصلاً بل على مسبب الأسباب كما ضربنا المثل في الوكيل في الخصومة فإنه إن حضر وأحضر السجل فلا يتكل على نفسه وسجله بل يتكل على كفاية الوكيل وقوته وأما الحال فهو أن يكون راضياً بما يقضي الله تعالى به في بيته ونفسه ويقول اللهم إن سلطت علي ما في البيت من يأخذه فهو في سبيلك وأنا راض بحكمك فإني لا أدري أن ما أعطيتني هبة فلا تسترجعها أو عارية ووديعة فتستردها ولا أدري أنه رزقي أو سبقت مشيئتك في الأزل بأنه رزق غيري وكيفما قضيت فأنا راض به وما أغلقت الباب تحصنا من قضاؤك وتسخطاً له بل جرياً على مقتضى سنتك في ترتيب الأسباب فلا ثقة إلا بك يا مسبب الأسباب فإذا كان هذا حاله وذلك الذي ذكرناه علمه لم يخرج عن حدود التوكل بعقل البعير وأخذ السلاح وإغلاق الباب ثم إذا عاد فوجد متاعه في البيت فينبغي أن يكون ذلك عنده نعمة جديدة من الله تعالى وإن لم يجده بل وجده مسروقا نظر إلى قلبه فإن وجده راضياً أو فرحاً بذلك عالماً أنه ما أخذ الله تعالى ذلك منه إلا ليزيد رزقه في الآخرة فقد صح مقامه في التوكل وظهر له صدقه وإن تألم قلبه به ووجد قوة الصبر فقد بان له أنه ما كان صادقاً في دعوى التوكل لأن التوكل مقام بعد الزهد ولا يصح الزهد إلا ممن لا يتأسف على ما فات من الدنيا ولا يفرح بما يأتي بل يكون على العكس منه فكيف يصح له التوكل نعم قد يصح له مقام الصبر إن أخفاه ولم يظهر شكواه ولم يكثر سعيه في الطلب والتجسس وإن لم يقدر على ذلك حتى تأذى بقلبه وأظهر الشكوى بلسانه واستقصى الطلب ببدنه فقد كانت السرقة مزيداً له في ذنبه من حيث إنه ظهر له قصوره عن جميع المقامات وكذبه في جميع الدعاوي فبعد هذا ينبغي أن يجتهد حتى لا يصدق نفسه في دعاويها ولا يتدلى بحبل غرورها فإنها خداعة أمارة بالسوء مدعية للخير فإن قلت فكيف يكون للمتوكل مال حتى يؤخذ فأقول المتوكل لا يخلوا بيته من متاع كقصعة يأكل فيها وكوز يشرب منه وإناء يتوضأ منه وجراب يحفظ به زاده وعصا يدفع بها عدوه وغير ذلك من ضرورات المعيشة من أثاث البيت وقد يدخل في يده مال وهو يمسكه ليجد محتاجاً فيصرفه إليه فلا يكون ادخاره على هذه النية مبطلاً لتوكله وليس من شرط التوكل إخراج الكوز الذي يشرب منه والجراب الذي فيه زاده وإنما ذلك في
পৃষ্ঠা - ১৪৪০
المأكول وفي كل مال زائد على قدر الضرورة لأن سنة الله جارية بوصول الخير إلى الفقراء المتوكلين في زوايا المساجد وما جرت السنة بتفرقة الكيزان والأمتعة في كل يوم ولا في كل أسبوع والخروج عن سنة الله عز وجل ليس شرطاً في التوكل ولذلك كان الخواص يأخذ في السفر الحبل والركوة والمقراض والإبرة دون الزاد لكن سنة الله تعالى جارية بالفرق بين الأمرين فإن قلت فكيف يتصور أن لا يحزن إذا أخذ متاعه الذي هو محتاج إليه ولا يتأسف عليه فإن كان لا يشتهيه فلم أمسكه وأغلق الباب عليه وإن كان أمسكه لأنه يشتهيه لحاجته إليه فكيف لا يتأذى قلبه ولا يحزن وقد حيل بينه وبين ما يشتهيه فأقول إنما كان يحفظه ليستعين به على دينه إذ كان يظن أن الخيرة له في أن يكون له ذلك المتاع ولولا أن الخيرة له فيه لما رزقه الله تعالى ولما أعطاه إياه فاستدل على ذلك بتيسير الله عز وجل وحسن الظن بالله تعالى مع ظنه أن ذلك معين له على أسباب دينه ولم يكن ذلك عنده مقطوعاً به إذ يحتمل أن تكون خيرته في أن يبتلى بفقده ذلك حتى ينصب في تحصيل غرضه ويكون ثوابه في النصب والتعب أكثر فلما أخذه الله تعالى منه بتسليط اللص تغير ظنه لأنه في جميع الأحوال واثق بالله حسن الظن به فيقول لولا أن الله عز وجل علم أن الخيرة كانت لي في وجودها إلى الآن والخيرة لي الآن في عدمها لما أخذها مني فبمثل هذا الظن يتصور أن يندفع عنه الحزن إذ به يخرج عن أن يكون فرحه بأسباب من حيث إنها أسباب بل من حيث إنه يسرها مسبب الأسباب عناية وتلطفاً وهو كالمريض بين يدي الطبيب الشفيق يرضى بما يفعله فإن قدم إليه الغذاء فرح وقال لولا أنه يعرف أن الغذاء ينفعني وقد قويت على احتماله لما قربه إلي وإن أخر عنه الغذاء بعد ذلك أيضاً فرح وقال لولا أن الغذاء يضرني ويسوقني إلى الموت لما حال بيني وبينه وكل من لا يعتقد لطف الله تعالى ما يعتقده المريض في الوالد المشفق الحاذق لعلم الطب فلا يصح منه التوكل أصلاً ومن عرف الله تعالى وعرف أفعاله وعرف سنته في إصلاح عباده لم يكن فرحه بالأسباب فإنه لا يدري أي الأسباب خير له كما قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيراً فإني لا أدري أيهما خير لي فكذلك ينبغي أن لا يبالي المتوكل يسرق متاعه أو لا يسرق فإنه لا يدري أيهما خير له في الدنيا أو في الآخرة فكم من متاع في الدنيا يكون سبب هلاك الإنسان وكم من غني يبتلى بواقعة لأجل غناه يقول ياليتنى كنت فقيراً بيان آداب المتوكلين إذا سرق متاعهم للمتوكل آداب في متاع بيته إذا خرج عنه {الأول} أن يغلق الباب ولا يستقصي في أسباب الحفظ كالتماسك من الجيران الحفظ مع الغلق وكجمعه أغلاقاً كثيرة فقد كان مالك بن دينار لا يغلق بابه ولكن يشده بشريط ويقول لولا الكلاب ما شددته أيضاً الثاني أن لا يترك في البيت متاعاً يحرض عليه السراق فيكون هو سبب معصيتهم أو إمساكه يكون سبب هيجان رغبتهم ولذلك لما أهدى المغيرة إلى مالك بن دينار ركوة قال خذها لا حاجة لي إليها قال لم قال يوسوس إلي العدو أن اللص يأخذها فكأنه احترز من أن يعصي السارق ومن شغل قلبه بوسواس الشيطان بسرقتها ولذلك قال أبو سليمان هذا من ضعف قلوب الصوفية هذا قد زهد في الدنيا فما عليه من أخذها الثالث أن ما يضطر إلى تركه في البيت ينبغي أن ينوي عند خروجه الرضا بما يقضي الله فيه من تسليط سارق عليه ويقول ما يأخذه السارق فهو منه في حل أو في سبيل الله تعالى وإن كان فقيراً فهو عليه صدقة وإن لم يشترط الفقر فهو أولى فيكون له نيتان لو أخذه غني أو فقير {إحداهما} أن يكون
পৃষ্ঠা - ১৪৪১
ماله مانعاً من المعصية فإنه ربما يستغني به فيتوانى عن السرقة بعده وقد زال عصيانه بأكل الحرام لما أن جعله في حل والثانية أن لا يظلم مسلماً آخر فيكون ماله فداءً لمال مسلم آخر ومهما ينوي حراسة مال غيره بمال نفسه أو ينوي دفع المعصية عن السارق أو تخفيفها عليه فقد نصح للمسلمين وامتثل قوله صلى الله عليه وسلم انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً (¬1) ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم وعفوه عنه إعدام للظلم ومنع له وليتحقق أن هذه النية لا تضره بوجه من الوجوه إذ ليس فيها ما يسلط السارق ويغير القصاء الأزلي ولكن يتحقق بالزهد نيته فإن أخذ ماله كان له بكل درهم سبعمائة درهم لأنه نواه وقصده وإن لم يؤخذ حصل له الأجر أيضاً كما روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن ترك العزل فأقر النطفة قرارها أن له أجر غلام ولد له من ذلك الجماع وعاش فقتل في سبيل الله تعالى وإن لم يولد له (¬2) لأنه ليس أمر الولد إلا الوقاع فأما الخلق والحياة والرزق والبقاء فليس إليه فلو خلق لكان ثوابه على فعله وفعله لم ينعدم فكذلك أمر السرقة الرابع أنه إذا وجد المال مسروقاً فينبغي أن لا يحزن بل يفرح إن أمكنه ويقول لولا أن الخيرة كانت فيه لما سلبه الله تعالى ثم إن لم يكن قد جعله في سبيل الله عز وجل فلا يبالغ في طلبه وفي إساءة الظن بالمسلمين وإن كان قد جعله في سبيل الله فيترك طلبه فإنه قد قدمه ذخيرة لنفسه إلى الآخرة فإن أعيد عليه فالأولى أن لا يقبله بعد أن كان قد جعله في سبيل الله عز وجل وإن قبله فهو في ملكه في ظاهر العلم لأن الملك لا يزول بمجرد تلك النية ولكنه غير محبوب عند المتوكلين وقد روي أن ابن عمر سرقت ناقته فطلبها حتى أعيا ثم قال في سبيل الله تعالى فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن ناقتك في مكان كذا فلبس نعله وقام ثم قال أستغفر الله وجلس فقيل له ألا تذهب فتأخذها فقال إني كنت قلت في سبيل الله وقال بعض الشيوخ رأيت بعض إخواني في النوم بعد موته فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأدخلني الجنة وعرض علي منازلي فيها فرأيتها قال وهو مع ذلك كئيب حزين فقلت قد غفر لك ودخلت الجنة وأنت حزين فتنفس الصعداء ثم قال نعم إني لا أزال حزيناً إلى يوم القيامة قلت ولم قال إني لما رأيت منازلي في الجنة رفعت لي مقامات في عليين ما رأيت مثلها فيما رأيت ففرحت بها فلما هممت بدخولها نادى منادي من فوقها اصرفوه عنها فليست هذه له إنما هي لمن أمضى السبيل فقلت وما إمضاء السبيل فقيل لي كنت تقول للشيء إنه في سبيل الله ثم ترجع فيه فلو كنت أمضيت السبيل لأمضينا لك وحكي عن بعض العباد بمكة أنه كان نائماً إلى جنب رجل معه هميانه فانتبه الرجل ففقد هميانه فاتهمه به فقال له كم كان في هميانك فذكر له فحمله من البيت ووزنه من عنده ثم بعد ذلك أعلمه أصحابه أنهم كانوا أخذوا الهميان مزحاً معه فجاء هو وأصحابه معه وردوا الذهب فأبى وقال خذه حلالاً طيباً فما كنت لأعود في مال أخرجته في سبيل الله عز وجل فلم يقبل فألحوا عليه فدعا ابنه وجعل يصره صرراً ويبعث به إلى الفقراء حتى لم يبق منه شيء فهكذا كانت أخلاق السلف وكذلك من أخذ رغيفاً ليعطيه فقيراً فغاب عنه كان يكره رده إلى البيت بعد إخراجه فيعطيه فقيراً آخر وكذلك يفعل في الدراهم والدنانير وسائر الصدقات الخامس وهو أقل الدرجات ¬_________ (¬1) حديث انصر أخاك ظالماً أو مظلوما متفق عليه من حديث أنس وقد تقدم (¬2) حديث من ترك العزل وأقر النطفة قرارها كان له أجر غلام
পৃষ্ঠা - ১৪৪২
أن لا يدعو على السارق الذي ظلمه بالأخذ فإن فعل بطل توكله ودل ذلك على كراهته وتأسفه على ما فات وبطل زهده ولو بالغ بطل أجره أيضاً فيما أصيب به ففي الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر (¬1) وحكي أن الربيع بن خثيم سرق فرس له وكان قيمته عشرين ألفاً وكان قائماً يصلي فلم يقطع صلاته ولم ينزعج لطلبه فجاءه قوم يعزونه فقال أما إني قد كنت رأيته وهو يحله قيل وما منعك أن تزجره قال كنت فيما هو أحب إلي من ذلك يعني الصلاة فجعلوا يدعون عليه فقال لا تفعلوا وقولوا خيراً فإني قد جعلتها صدقة عليه وقيل لبعضهم في شيء قد كان سرق له ألا تدعو على ظالمك قال ما أحب أن أكون عوناً للشيطان عليه قيل أرأيت لو رد عليك قال لا آخذه ولا أنظر إليه لأني كنت قد أحللته له وقيل لآخر ادع الله على ظالمك فقال ماظلمنى أحد ثم قال إنما ظلم نفسه ألا يكفيه المسكين ظلم نفسه حتى أزيده شراً وأكثر بعضهم شتم الحجاج عند بعض السلف في ظلمه فقال لا تغرق في شتمه فإن الله تعالى ينتصف للحجاج فمن انتهك عرضه كما ينتصف منه لمن أخذ ماله ودمه وفي الخبر إن العبد كيظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ويسبه حتى يكون بمقدار ما ظلمه ثم يبقى للظالم عليه مطالبة بما زاد عليه يقتص له من المظلوم (¬2) السادس أن يغتم لأجل السارق وعصيانه وتعرضه لعذاب الله تعالى ويشكر الله تعالى إذ جعله مظلوماً ولم يجعله ظالماً وجعل ذلك نقصاً في دنياه لا نقصاً في دينه فقد شكا بعض الناس إلى عالم أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فقال إن لم يكن لك غم أنه قد صار في المسلمين من يستحل هذا أكثر من غمك بمالك فما نصحت للمسلمين وسرق من علي بن الفضيل دنانير وهو يطوف بالبيت فرآه أبوه وهو يبكي ويحزن فقال أعلى الدنانير تبكي فقال لا والله ولكن على المسكين أن يسئل يوم القيامة ولا تكون له حجة وقيل لبعضهم ادع على من ظلمك فقال إني مشغول بالحزن عليه عن الدعاء عليه فهذه أخلاق السلف رضي الله عنهم أجمعين الفن الرابع في السعي في إزالة الضرر كمداواة المرض وأمثاله اعلم أن الأسباب المزيلة للمرض أيضاً تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل وسائر أبواب الطب أعني معالجة البرودة بالحرارة والحرارة بالبرودة وهي الأسباب الظاهرة في الطب وإلى موهوم كالكي والرقية أما المقطوع فليس من التوكل تركه بل تركه حرام عند خوف الموت وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتوكلين وأقواها الكي ويليه الرقية والطيرة آخر درجاتها والاعتماد عليها والاتكال إليها غاية التعمق في ملاحظة الأسباب وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضاً للتوكل بخلاف الموهوم وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص فهي على درجة بين الدرجتين ويدل على أن التداوي غير مناقض للتوكل فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬_________ (¬1) حديث من دعا على من ظلمه فقد انتصر تقدم (¬2) حديث إن العبد ليظلم المظلمة فلا يزال يشتم ظالمه ويسبه حتى يكون بمقدار ما ظلمه ثم يبقى للظالم عليه مطالبة الحديث تقدم
পৃষ্ঠা - ১৪৪৩
وقوله وأمره به أما قوله فقد قال صلى الله عليه وسلم ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام (¬1) يعني الموت وقال عليه السلام تداووا عباد الله فإن الله خلق الداء والدواء (¬2) وسئل عن الدواء والرقي هل ترد من قدر الله شيئاً قال هي من قدر الله (¬3) وفي الخبر المشهور ما مررت بملأ من الملائكة إلا قالوا مر أمتك بالحجامة (¬4) وفي الحديث أنه أمر بها وقال احتجموا لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم (¬5) فذكر أن تبيغ الدم سبب الموت وأنه قاتل بإذن الله تعالى وبين أن إخراج الدم خلاص منه إذ لا فرق بين إخراج الدم المهلك من الإهاب وبين إخراج العقرب من تحت الثياب وإخراج الحية من البيت وليس من شرط التوكل ترك ذلك بل هو كصب الماء على النار لإطافئها ودفع ضررها عند وقوعها في البيت وليس من التوكل الخروج عن سنة الوكيل أصلاً وفي خبر مقطوع من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان له دواء من داء سنة (¬6) وأما أمره صلى الله عليه وسلم فقد أمر غير واحد من الصحابة بالتداوى وبالحمية (¬7) وقطع لسعد بن معاذ عرقا (¬8) أى فصده وكوى سعد بن زرارة (¬9) وقال لعلي رضي الله تعالى عنه وكان رمد العين لا تأكل من هذا يعني الرطب وكل من هذا فإنه أوفق لك (¬10) يعني سلقاً قد طبخ بدقيق شعير وقال لصهيب وقد رآه يأكل التمر وهو وجع العين تأكل تمراً وأنت أرمد فقال إني آكل من الجانب الآخر فتبسم (¬11) وأما فعله عليه الصلاة والسلام فقد روي في حديث من طريق أهل البيت أنه كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة (¬12) قيل السنا المكى ¬_________ (¬1) حديث ما من داء إلا له دواء عرفه من عرفه جهله من جهله إلا السام رواه أحمد والطبرانى من حديث ابن مسعود دون قوله إلا السام وهو عند ابن ماجه مختصرا دون قوله عرفه إلى آخره واسناد حسن وللترمذي وصححه من حديث أسامة بن شريك إلا الهرم وللطبرانى في الأوسط والبزار من حديث أبي سعيد الخدري والطبراني في الكبير من حديث ابن عباس وسندهما ضعيف والبخارى من حديث أبي هريرة ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ولمسلم من حديث جابر لكل داء دواء (¬2) حديث تداووا عباد الله رواه الترمذي وصححه وابن ماجه واللفظ له من حديث أسامة ابن شريك (¬3) حديث سئل عن الدواء والرقي هل يرد من قدر الله فقال هي من قدر الله أخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي خزامة وقيل عن أبي خزامة عن أبيه قال الترمذى وهذا أصح (¬4) حديث ما مررت بملأ من الملائكة إلا قالوا مر أمتك بالحجامة رواه الترمذى من حديث ابن مسعود وقال حسن غريب ورواه ابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف (¬5) حديث احتجموا لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين الحديث أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند حسن موقوفا ورفعه الترمذى بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة الحديث دون ذكر التبيغ وقال حسن غريب وقال البزار إن طريقه المتقدمة أحسن من هذا الطريق ولابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر الحديث (¬6) حديث من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان له دواء من داء سنة رواه الطبرانى من حديث معقل بن يسار وابن حيان في الضعفاء من حديث أنس وإسنادهما واحد اختلف على راوية في الصحابي وكلاهما فيه زين العمى وهو ضعيف (¬7) حديث أمره بالتداوى لغير واحد من الصحابة أخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أسامة بن شريك أنه قال للأعراب حين سألوه تداووا الحديث وسيأتى في قصة على وصهيب في الحمية بعده (¬8) حديث قطع عرقا لسعد ابن معاذ أخرجه مسلم من حديث جابر قال رمى سعد في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص الحديث (¬9) حديث أنه كوى أسعد بن زرارة رواه الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف ومن حديث أبي أسامة بن سهل بن حنيف دون ذكر سهل (¬10) حديث قال لعلى وكان رمدا لا تأكل من هذا الحديث رواه أبو داود والترمذى وقال حسن غريب وابن ماجه من حديث أم المنذر (¬11) صلى الله عليه وسلم حديث قال لصهيب وقد رآه يأكل التمر وهو وجع العين تأكل تمرا وأنت رمد الحديث تقدم في آفات اللسان (¬12) حديث من طريق أهل البيت أنه كان يكتحل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة أخرجه ابن عدي من حديث عائشة وقال إنه منكر وفيه سيف بن محمد كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
পৃষ্ঠা - ১৪৪৪
وتداوى صلى الله عليه وسلم غير مرة من العقرب وغيرها (¬1) حديث كان إذى نزل الوحي صدع رأسه فيغلفه بالحناء أخرجه البزار وابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة وقد اختلف في إسناده على الأحوص بن حكيم كان إذا خرجت به قرحة جعل عليها حناء رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سلمى قال الترمذي غريب وفي خبر: أنه كان إذا خرجت به قرحة جعل عليها حناء وقد جعل على قرحة خرجت به ترابا جعل على قرحة خرجت بيده ترابا حديث جعل على قرحة خرجة بيده ترابا رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت فرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بيده ووضع سفيان عيينه الراوي سبابته بالأرض ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفى سقيمنا // وما روي في تداويه وأمره بذلك كثير خارج عن الحصر وقد صنف في ذلك كتاب وسمي طب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض العلماء في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام اعتل بعلة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علته فقالوا له لو تداويت بكذا لبرئت فقال لا أتداوى حتى يعافيني هو من غير دواء فطالت علته فقالوا له إن دواء هذه العلة معروف مجرب وإنا نتداوى به فنبرأ فقال لا أتداوى وأقامت علته فأوحى الله تعا رضي الله عنها لى إليه وعزتي وجلالي لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك فقال لهم داووني بما ذكرتم فداووه فبرأ فأوجس في نفسه من ذلك فأوحى الله تعالى إليه أردت أن تبطل حكمتي بتوكلك على من أودع العقاقير منافع الأشياء غيري وروي في خبر آخر أن نبياً من الأنبياء عليهم السلام شكا علة يجدها فأوحى الله تعالى إليه كل البيض وشكا نبي آخر الضعف فأوحى الله تعالى إليه كل اللحم باللبن فإن فيهما القوة قيل هو الضعف عن الجماع وقد روي أن قوماً شكوا إلى نبيهم قبح أولادهم فأوحى الله تعالى إليه مرهم أن يطعموا نساءهم الحبلى السفرجل فإنه يحسن الولد ويفعل ذلك في الشهر الثالث والرابإذ فيه يصور الله تعالى الولد وقد كانوا يطعمون الحبلى السفرجل والنفساء الرطب فبهذا تبين أن مسبب الأسباب أجرى سنته بربط المسببات بالأسباب إظهاراً للحكمة والأدوية أسباب مسخرة بحكم الله تعالى كسائر الأسباب فكما أن الخبز دواء الجوع والماء دواء العطش فالسكنجبين دواء الصفراء والسقمونيا دواء الإسهال لا يفارقه إلا في أحد أمرين {أحدهما} أن معالجة الجوع والعطش بالماء والخبز جلي واضح يدركه كافة الناس ومعالجة الصفراء بالسكنحبين يدركه بعض الخواص فمن أدرك ذلك بالتجربة التحق في حقه بالأول والثاني آن الدواء يسهل والسكنجبين يسكن الصفراء بشروط أخر في الباطن وأسباب في المزاج ربما يتعذر الوقوف على جميع شروطها وربما يفوت بعض الشروط فيتقاعد الدواء عن الإسهال وأما زوال العطش فلا يستدعي سوى الماء شروطاً كثيرة وقد يتفق من العوارض ما يوجب داء العطش مع كثرة شرب الماء ولكنه نادر واختلال الأسباب أبداً ينحصر في هذين الشيئين وإلا فالمسبب يتلو السبب لا محالة مهما تمت شروط السبب وكل ذلك بتدبير مسبب الأسباب وتسخيره وترتيبه بحكم حكمته وكمال قدرته فلا يضر المتوكل استعماله مع النظر إلى مسبب الأسباب دون الطبيب والدواء فقد روي عن موسى صلى صلى الله عليه وسلم انه قال يارب ممن الداء والدواء فقال تعالى مني قال: فما يصنع الأطباء قال يأكلون أرزاقهم ويطيبون نفوس ¬_________ (¬1) حديث أنه تداوى غير مرة من العقرب وغيرها رواه الطبراني بإسناد حسن من حديث جبلة بن الأزرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فغشى عليه فرقاه الناس الحديث له في الأوسط من رواية سعيد بن ميسرة وهو ضعيف عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكي تقمح كفا من شونيز ويشرب عليه ماء وعسلا ولأبي يعلى والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بعد ماسم وفيه جابر الجعفي ضعفه الجمهور وروي أنه كان إذا نزل عليه الوحي صدع رأسه فكان يغلفه بالحناء
পৃষ্ঠা - ১৪৪৫
عبادي حتى يأتي شفائي أو قضائي فإذن معنى التوكل مع التداوي التوكل بالعلم والحال كما سبق في فنون الأعمال الدافعة للضرر الجالبة للنفع فأما ترك التداوي رأساً فليس شرطاً فيه فإن قلت فالكي أيضاً من الأسباب الظاهرة النفع فأقول ليس كذلك إذ الأسباب الظاهرة مثل الفصد والحجامة وشرب المسهل وسقي المبردات للمحرور وأما الكي فلو كان مثلها في الظهور لما خلت البلاد الكثيرة عنه وقلما يعتاد الكي في أكثر البلاد وإنما ذلك عادة بعض الأتراك والأعراب فهذا من الأسباب الموهومة كالرقي إلا أنه يتميز عنها بأمر وهو أنه إحراق النار في الحال مع الاستغناء عنه فإنه ما من وجع يعالج بالكي إلا وله دواء يغني عنه ليس فيه إحراق فالإحراق بالنار جرح مخرب للبنية محذور السراية مع الاستغناء عنه بخلاف الفصد والحجامة فإن سرايتهما بعيدة ولا يسد مسدها غيرهما ولذلك نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكي دون الرقي (¬1) وكل واحد منهما بعيد عن التوكل وروي أن عمران بن الحصين اعتل فأشاروا عليه بالكي فامتنع فلم يزالوا به وعزم عليه الأمر حتى اكتوى فكان يقول كنت أرى نوراً وأسمع صوتاً وتسلم علي الملائكة فلما اكتويت انقطع ذلك عني وكان يقول اكتوينا كيات فوالله ما أفلحت ولا أنجحت ثم تاب من ذلك وأناب إلى الله تعالى فرد الله تعالى عليه ما كان يجد من أمر الملائكة وقال لمطرف بن عبد الله: ألم تر إلى الملائكة التي كان أكرمني الله بها قد ردها الله تعالى علي بعد أن كان أخبره بفقدها: فإذن الكي وما يجري مجراه هو الذي لا يليق بالمتوكل لأنه يحتاج في استنباطه إلى تدبير ثم هو مذموم ويدل ذلك على شدة ملاحظة الأسباب وعلى التعمق فيها والله أعلم بيان أن ترك التداوي قد يحمد في بعض الأحوال ويدل على قوة التوكلوان ذلك لا يناقض فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعلم أن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ولكن قد ترك التداوي أيضاً جماعة من الأكابر فربما يظن أن ذلك نقصان لأنه لو كان كمالاً لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله وقد رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قيل له لو دعونا لك طبيباً فقال الطبيب قد نظر إلي وقال: إني فعال لما أريد وقيل لأبي الدرداء في مرضه ما تشتكي قال ذنوبي قيل فما تشتهي قال مغفرة ربي قالوا ألا ندعو لك طبيباً قال الطبيب أمرضني وقيل لأبي ذر وقد رمدت عيناه لو داويتهما قال إني عنهما مشغول فقيل لو سألت الله تعالى أن يعافيك فقال أسأله فيما هو أهم علي منهما وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج فقيل له لو تداويت فقال قد هممت ثم ذكرت عاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً وكان فيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى ولم تغن الرقي شيئاً وكان أحمد بن حنبل يقول أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره وإن كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضاً إذا سأله ¬_________ (¬1) حَدِيثِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الكي دون الرقى رواه البخاري من حديث ابن عباس وأنهى أمتي عن الكي وفي الصحيحين من حديث عائشة رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة
পৃষ্ঠা - ১৪৪৬
وقيل لسهل متى يصح للعبد التوكل قال إذا دخل عليه الضرر في جسمه والنقص في ماله فلم يلتفت إليه شغلاً بحاله وينظر إلى قيام الله تعالى عليه فإذا منهم من ترك التداوي وراءه ومنهم من كرهه ولا يتضح وجه الجمع بين فعل رسولالله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إلا بحصر الصوارف عن التداوي فنقول إن لترك التداوي أسباباً السبب الأول أن يكون المريض من المكاشفين وقد كوشف بأنه انتهى أجله وأن الدواء لا ينفعه ويكون ذلك معلوماً عنده تارة برؤيا صادقة وتارة بحدس وظن وتارة بكشف محقق ويشبه أن يكون ترك الصديق رضي الله عنه التداوي من هذا السبب فإنه كان من المكاشفين فإنه قال لعائشة رضي الله عنها في أمر الميراث إنما هن أختاك وإنما كان لها أخت واحدة ولكن كانت امرأته حاملاً فولدت أنثى فعلم أنه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضاً بانتهاء أجله وإلا فلا يظن به إنكار التداوي وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به السبب الثاني أن يكون المريض مشغولاً بحاله وبخوف عاقبته وإطلاع الله تعالى عليه فينسيه ذلك ألم المرض فلا يتفرغ قلبه للتداوي شغلاً بحاله وعليه يدل كلام أبي ذر إذ قال إني عنهما مشغول وكلام أبي الدرداء إذ قال إنما أشتكي ذنوبي فكان تألم قلبه خوفاً من ذنوبه أكثر من تألم بدنه بالمرض ويكون هذا كالمصاب بموت عزيز من أعزته أو كالخائف الذي يحمل إلى ملك من الملوك ليقتل إذا قيل له ألا تأكل وأنت جائع فيقول أنا مشغول عن ألم الجوع فلا يكون ذلك إنكاراً لكون الأكل نافعاً من الجوع ولا طعنا فيمن اكل ويقرب من هذ اشتغال سهل حيث قيل له ما القوت فقال هو ذكر الحي القيوم فقيل إنما سألناك عن القوام فقال: القوام هو العلم قيل سألناك عن الغذاء قال الغذاء هو الذكر قيل سألناك عن طعمة الجسد قال مالك وللجسد دع من تولاه أولاً يتولاه آخراً: إذا دخل عليه علة فرده إلى صانعه أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها السبب الثالث أن تكون العلة مزمنة والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علته موهوم النفع جار مجرى الكي والرقية فيتركه المتوكل وإليه يشير قول الربيع بن خثيم إذ قال ذكرت عاداً وثمود وفيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى أي أن الدواء غير موثوق به وهذا قد يكون كذلك في نفسه وقد يكون عند المريض كذلك لقلة ممارسته للطب وقلة تجربته له فلا يغلب على ظنه كونه نافعاً ولا شك في أن الطبيب المجرب أشد اعتقادا لي الأدوية من غيره فتكون الثقة والظن بحسب الاعتقاد والاعتقاد بحسب التجربة وأكثر من ترك التداوي من العباد والزهاد هذا مستندهم لأنه يبقى الدواء عنده شيئاً موهوماً لا أصل له وذلك صحيح في بعض الأدوية عند من عرف صناعة الطب غير صحيح في البعض ولكن غير الطبيب قد ينظر إلى الكل نظراً واحداً فيرى التداوي تعمقا في الأسباب كالكي والرقي فيتركه السبب الرابع أن يقصد العبد بترك التداوي استبقاء المرض لينال ثواب المرض بحسن الصبر على بلاء الله تعالى أو ليجرب نفسه في القدرة على الصبر فقد ورد في ثواب المرض ما يكثر ذكره فقد قال عليه السلام نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على قدر إيمانه فإن كان صلب الإيمان شدد عليه البلاء وإن كان في إيمانه ضعف حفف عنه البلاء (¬1) حديث نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل الحديث رواه أحمد وأبو يعلي والحاكم وصححه على شرط مسلم نحوه مع اختلاف وقد تقدم مختصرا ورواه الحاكم ايضا من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح على شرط الشيخين ¬_________ (¬1) وفي الخبر إن الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار
পৃষ্ঠা - ১৪৪৭
فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز لا يزبد ومنهم دون ذلك ومنهم من يخرج اسود محترقا حديث إن الله تعالى يجرب عبد بالبلاء كما يجرب أحكم ذهبه الحديث رواه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف (¬1) وقال صلى الله عليه وسلم تحبون أن تكونوا كالحمر الضالة لا تمرضون ولا تسقمون (¬2) حديث تحبون أن تكونوا كالحمر الضالة لا تمرضون ولا تسقمون أخرجه ابن ابي عاصم في الآحاد والمثاني وأبو نعيم وابن عبد البر في الصحابة والبيهقي في الشعب من حديث ابي فاطمة وهو صدر حديث ان الرجل تكون له المنزلة عند الله الحديث وقد تقدم قال ابن مسعود رضي الله عنه تجد المؤمن أصح شيء قلباً وأمرضه جسماً وتجد المنافق أصح شئ جسماً وأمرضه قلباً فلما عظم الثناء على المرض والبلاء أحب قوم المرض واغتنموه لينالوا ثواب الصبر عليه فكان منهم من له علة يخفيها ولا يذكرها للطبيب ويقاسي العلة ويرضى بحكم الله تعالى ويعلم أن الحق أغلب على قلبه من أن يشغله المرض عنه وإنما يمنع المرض جوارحه وعلموا أن صلاتهم قعوداً مثلاً مع الصبر على قضاء الله تعالى أفضل من الصلاة قياماً مع العافية والصحة ففي الخبر إن الله تعالى يقول لملائكته: اكتبوا لعبدي الصالح ما كان يعمله فإنه في وثاقي ان أطلقته أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خير من دمه وإن توفيته توفيته إلى رحمتي (¬3) حديث إن الله يقول للملائكة: اكتبو لعبدي صالح ما كان يعمل فانه في وثاقي الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس (¬4) حديث لا تزال الحمى والمليلة بالعبد حتى يمشي على الأرض كالبردة ما عليه خطيئة أخرجه أبو يعلي وابن عدي من حديث ابي هريرة والطبراني من حديث ابي الدرداء نحوه وقال الصداع بدل الحمى وللطبراني في الأوسط من حديث انس مثل المريض اذا صح وبرأ من مرضه كمثل البردة تقع من السماء تقع في صفائها ولونها وأسانيده ضعيفة (¬5) (¬6) حديث إن الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب احدكم ذهبه الحديث رواه الطبراني من حديث ابي امامة بسند ضعيف ¬_________ (¬1) وفي حديث من طريق أهل البيت إن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه فان رضي اصطفاه حديث من طريق أهل البيت إن الله إذا أحب عبدا (¬2) (¬3) (¬4) حديث أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس تقدم ولم أجده مرفوعا فقيل: معناه ما دخل عليه من الأمراض والمصائب وإليه الإشارة بقوله تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} وكان سهل يقول ترك التداوي وإن ضعف عن الطاعات وقصر عن الفرائض أفضل من التداوي لأجل الطاعات وكانت به علة عظيمة فلم يكن يتداوى منها وكان يداوي الناس منها وكان إذا رأى العبد يصلي من قعود ولا يستطيع أعمال البر من الأمراض فيتداوى للقيام إلى الصلاة والنهوض إلى الطاعات يعجب من ذلك ويقول صلاته من قعود مع الرضا بحاله أفضل من التداوي للقوة والصلاة قائماً وسئل عن شرب الدواء فقال كل من دخل في شيء من الدواء فانما هو سعة من الله تعالى لأهل الضعف ومن لم يدخل في شيء فهو أفضل لأنه إن أخذ شيئاً من الدواء ولو كان هو الماء البارد يسئل عنه لم أخذه ومن لم يأخذ فلا سؤال عليه وكان مذهبه ومذهب البصريين تضعيف النفس بالجوع وكسر الشهوات لعلمهم بأن ذرة من أعمال القلوب مثل الصبر والرضا والتوكل أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح والمرض لا يمنع من أعمال القلوب إلا إذا كان ألمه غالباً مدهشاً وقال سهل رحمه الله علل الأجسام رحمة الله وعلل القلوب عقوبة السبب الخامس أن يكون العبد قد سبق له ذنوب وهو خائف منها عاجز عن تكفيرها فيرى المرض إذا طال تكفيرا فيترك التداوي خوفاً من أن يسرع زوال المرض فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تزال الحمى والمليلة بالعبد حتى يمشي على الأرض كالبردة ما عليه ذنب ولا خطيئة (¬5) وفي الخبر حمى يوم كفارة سنة (¬6) حديث حمى يوم كفارة سنة رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وقال ليلة بدل يوم فقيل لأنها تهد قوة سنة وقيل للإنسان ثلثمائة وستون مفصلاً فتدخل الحمى جميعها ويجد من كل واحد ألماً فيكون كل
পৃষ্ঠা - ১৪৪৮
ألم كفارة يوم ولما ذكر صلى الله عليه وسلم كفارة الذنوب بالحمى سأل زيد بن ثابت ربه عز وجل أن لا يزال محموماً فلم تكن الحمى تفارقه حتى مات رحمه الله وسأل ذلك طائفة من الأنصار فكانت الحمى لا تزايلهم (¬1) ولما قال صلى الله عليه وسلم من أذهب الله كريمتيه لم يرض له ثوابا دون الجنة حديث من أذهب الله كريمتيه لم يرضى له ثواباً دون الجنة تقدم المرفوع منه دون قوله قال فلقد كان من الأنصار من يتمنى العمى وقال عيسى عليه السلام لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب والأمراض على جسده وماله لما يرجو في ذلك من كفارة خطاياه وروي أن موسى عليه السلام نظر إلى عبد عظيم البلاء فقال: يا رب ارحمه فقال تعالى: كيف أرحمه فيما به أرحمه أي به أكفر ذنوبه وأزيد في درجاته السبب السادس أن يستشعر العبد في نفسه مبادىء البطر والطغيان بطول مدة الصحة فيترك التداوي خوفاً من أن يعاجله زوال المرض فتعاوده الغفلة والبطر والطغيان أو طول الأمل والتسويف في تدارك الفائت وتأخير الخيرات فإن الصحة عبارة عن قوة الصفات وبها ينبعث الهوى وتتحرك الشهوات وتدعو إلى المعاصي وأقلها أن تدعو إلى التنعم في المباحات وهو تضييع الأوقات وإهمال للربح العظيم في مخالفة النفس وملازمة الطاعات وإذا أراد الله بعبد خيراً لم يخله عن التنبه بالأمراض والمصائب ولذلك قيل لا يخلو المؤمن من علة أو قلة أو زلة وقد روى وقد روي أن الله تعالى يقول: الفقر سجني والمرض قيدي أحبس به من أحب من خلقي فإذا كان في المرض حبس عن الطغيان وركوب المعاصي فأي خير يزيد عليه ولم ينبغ أن يشتغل بعلاجه من يخاف ذلك على نفسه فالعافية في ترك المعاصي فقد قال بعض العارفين لإنسان كيف كنت بعدي قال في عافية قال إن كنت لم تعص الله عز وجل فأنت في عافية وإن كنت قد عصيته فأي داء أدوأ من المعصية ما عوفي من عصى الله وقال علي كرم الله وجهه لما رأى زينة النبط بالعراق في يوم عيد ما هذا الذي أظهروه قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم عيد لهم فقال: كل يوم لا يعصى الله عز وجل فيه فهو لنا عيد وقال تعالى من بعد ما أراكم ما تحبون قيل العوافي إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وكذلك إذا استغنى بالعافية قال بعضهم: إنما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى لطول العافية لأنه لبث أربعمائة سنة لم يصدع له رأس ولم يحم له جسم ولم يضرب عليه عرق فادعى الربوبية لعنه الله ولو أخذته الشقيقة يوماً لشغلته عن الفضول فضلاً عن دعوى الربوبية وقال صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هاذم اللذات حديث اكثروا ذكر هاذم اللذات أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقد تقدم // وقيل: الحمى رائد الموت فهو مذكر له ودافع للتسويف وقال تعالى أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون قيل يفتنون بأمراض يختبرون بها ويقال إن العبد إذا مرض مرضتين ثم لم يتب قال له ملك الموت: يا غافل جاءك مني رسول بعد رسول فلم تجب ¬_________ (¬1) حديث لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة الذنوب بالحمى سأل زيد بن ثابت أن لا يزال محموماً الحديث وسأل ذلك طائفة من الأنصار: أخرجه أحمد وأبو يعلي من حديث أبي سعيد الخدري باسناد جيد ان رجلا من المسلمين قال يارسول الله ارايت هذه الأمراض تصيبنا مالنا فيها قال كفارات قال أبي: وان قلت قال فان شوكة فما فوقها قال فدعا أبي أن لا يفارقه الوعك حتى يموت الحديث وللطبراني في الأوسط من حديث أبي بن كعب أنه قال يارسول الله ما جزاء الحمى قال تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق فقال: اللهم اني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا لمسجد نبيك الحديث والاسناد مجهول قاله علي بن المديني
পৃষ্ঠা - ১৪৪৯
وقد كان السلف لذلك يستوحشون إذا خرج عام ولم يصابوا فيه بنقص في نفس أو مال وقالوا لا يخلو المؤمن في كل أربعين يوماً أن يروع روعة أو يصاب ببلية حتى روي أن عمار بن ياسر تزوج امرأة فلم تكن تمرض فطلقها وأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه امرأة فحكي من وصفها حتى هم أن يتزوجها فقيل وإنها ما مرضت قط فقال لا حاجة لي فيها (¬1) حديث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراض والأوجاع كالصداع وغير فقال رجل وما الصداع ما أعرفه فقال إليك عنى الحديث رواه أبو داود من حديث عارم البرام أخي الحضر بنوه وفي إسناده من لم يسم لأنه ورد في الخبر الحمى حظ كل مؤمن من النار حديث الحمى حظ كل مؤمن من النار رواه البزار من حديث عائشة وأحمد ومن حديث عائشة وأحمد من حديث أبي أمامة والطبراني في الأوسط من حديث أنس وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود وحديث أنس ضعيف وباقيها حسان وفي حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما قيل يا رسول الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم قال نعم من ذكر الموت كل يوم عشرين مرة حديث أنس وعائشة حديث أنس وعائشة قيل يا رسل الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم فقال نعم من ذكر الموت كل يوم عشرين مرة لم أقف له على إسناده // وفي لفظ آخر الذي يذكر ذنوبه فتحزنه ولا شك في أن ذكر الموت على المريض أغلب فلما أن كثرت فوائد المرض رأى جماعة ترك الحيلة في زوالها إذ رأوا لأنفسهم مزيداً فيها لا من حيث رأوا التداوي نقصاناً وكيف يكون نقصاناً وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بيان الرد على من قال: ترك التداوي أفضل بكل حال فلو قال قائل: إنما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسن لغيره وإلا فهو حال الضعفاء ودرجة الأقوياء توجب التوكل بترك الدواء فيقال: ينبغي أن يكون من شروط التوكل ترك الحجامة والفصد عند تبغ الدم فإن قيل: إن ذلك أيضاً شرط فليكن من شرطه أن تلدغه العقرب أو الحية فلا ينحيها عن نفسه إذ الدم يلدغ الباطن والعقرب تلدغ الظاهر فأي فرق بينهما فإن قال: وذلك أيضاً شرط التوكل فيقال: ينبغي أن لا يزيل لدغ العطش بالماء ولدغ الجوع بالخبز ولدغ البرد بالجبة وهذا لا قائل به ولا فرق بين هذه الدرجات فإن جميع ذلك أسباب رتبها مسبب الأسباب سبحانه وتعالى وأجرى بها سنته ويدل على أن ذلك ليس من شرط التوكل ما روي عن عمر رضي الله عنه وعن الصحابة في قصة الطاعون فإنهم لما قصدوا الشام وانتهوا إلى الجابية بلغهم الخبر أن به موتاً عظيماً ووباءً ذريعاً فافترق الناس فرقتين فقال بعضهم لا ندخل على الوباء فنلقي بأيدينا إلى التهلكة وقالت طائفة أخرى: بل ندخل ونتوكل ولا نهرب من قدر الله تعالى ولا نفر من الموت فنكون كمن قال الله تعالى فيهم ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فرجعوا إلى عمر فسألوه عن رأيه فقال نرجع ولا ندخل على الوباء فقال له المخالفون في رأيه أنفر من قدر الله تعالى قال عمر نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله ثم ضرب لهم مثلاً فقال أرأيتم لو كان لأحدكم غنم فهبط وادياً له شعبتان: إحداهما مخصبة: والأخرى مجدبة أليس إن رعى المخصبة رعاها بقدر الله تعالى وإن رعى المجدبة رعاها بقدر الله تعالى فقالوا: نعم ثم طلب عبد الرحمن بن عوف ليسأله عن رأيه وكان غائباً فلما أصبحوا جاء ¬_________ (¬1) حديث عرضت عليه أمرأة فذكر من وصفها حتى هم أن يتزوجها فقيل فإنها ما مرضت قط قال لا حاجة لي فيها أخرجه أحمد من حديث أنس بنحوه بإسناد جيد وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراض والأوجاع كالصداع وغيره فقال رجل وما الصداع ما أعرفه فقال صلى الله عليه وسلم إليك عني من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا وهذا
পৃষ্ঠা - ১৪৫০
عبد الرحمن فسأله عمر عن ذلك فقال: عندي فيه يا أمير المؤمنين شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: الله أكبر فقال عبد الرحمن: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يقول} اذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع في أرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه (¬1) حديث تشبيه الفرار من الطاعون بالفار من الزحف رواه أحمد من حديث عائشة بإسناد جيد ومن حديث جابر بإسناد ضعيف وقد تقدم لأن فيه كسراً لقلوب بقية المسلمين وسعياً في إهلاكهم فهذه أمور دقيقة فمن لا يلاحظها وينظر إلى ظواهر الأخبار والآثار يتناقض عنده أكثر ما سمعه وغلط العباد والزهاد في مثل هذا كثير وإنما شرف العلم وفضيلته لأجل ذلك فإن قلت: ففي ترك التداوي فضل كما ذكرت فلم لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التداوي لينال الفضل فنقول: فيه فضل بالإضافة إلى من كثرت ذنوبه ليكفرها أو خاف على نفسه طغيان العافية وغلبة الشهوات أو احتاج إلى ما يذكره الموت لغلبة الغفلة أو احتاج إلى نيل ثواب الصابرين لقصوره عن مقامات الراضين والمتوكلين أو قصرت بصيرته عن الإطلاع على ما أودع الله تعالى في الأدوية من لطائف المنافع حتى صار في حقه موهوماً كالرقي أو كان شغله بحاله يمنعه عن التداوي وكان التداوي يشغله عن حاله لضعفه عن الجمع فإلى هذه المعاني رجعت الصوارف في ترك التداوي وكل ذلك كمالات بالإضافة إلى بعض الخلق ونقصان بالإضافة إلى درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان مقامه أعلى من هذه المقامات كلها إذ كان حاله يقتضي أن تكون (¬2) حديث تشبيه الفرار من الطاعون بالفار من الزحف رواه أحمد من حديث عائشة بإسناد جيد ومن حديث جابر باسناد ضعيف وقد تقدم ¬_________ (¬1) حديث عبد الرحمن بن عوف إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه الحديث وفي أوله قصة خروج عمرو بالناس إلى الجابيه وأنه بلنهم أن بالشام وباء الحديث رواه البخاري ففرح عمر رضي الله عنه بذلك وحمد الله تعالى إذ وافق رأيه ورجع من الجابية بالناس فإذن كيف اتفق الصحابة كلهم على ترك التوكل وهو من أعلى المقامات إن كان أمثال هذا من شروط التوكل فإن قلت: فلم نهى عن الخروج من البلد الذي فيه الوباء وسبب الوباء في الطب الهواء وأظهر طرق التداوي الفرار من المضر والهواء هو المضر وترك التوكل في أمثال هذا مباح وهذا لا يدل على المقصود ولكن الذي ينقدح فيه والعلم عند الله تعالى أن الهواء لا يضر من حيث إنه يلاقي ظاهر البدن بل من حيث دوام الاستنشاق له فإنه إذا كان فيه عفونة ووصل إلى الرئة والقلب وباطن الأحشاء أثر فيها بطول الاستنشاق فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد طول التأثير في الباطن فالخروج من البلد لا يخلص غالباً من الأثر الذي استحكم من قبل ولكن يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقي والطيرة وغيرهما ولو تجرد هذا المعنى لكان مناقضاً للتوكل ولم يكن منهياً عنه ولكن صار منهياً عنه لأنه انضاف إليه أمر آخر وهو أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لما بقي في البلد إلا المرضى الذين أقعدهم الطاعون فانكسرت قلوبهم وفقدوا المتعهدين ولم يبق في البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهما بأنفسهم فيكون ذلك سعياً في إهلاكهم تحقيقاً وخلاصهم منتظر كما أن خلاص الأصحاء منتظر فلو أقاموا لم تكن الإقامة قاطعة بالموت ولو خرجوا لم يكن الخروج قاطعاً بالخلاص وهو قاطع في إهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضا والمؤمنون كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى اليه سائر أعضائه فهذا هو الذي ينقدح عندنا في تعليل النهي وينعكس هذا فيمن لم يقدم بعد على البلد فانه لم يؤثر الهواء في باطنهم ولا بأهل البلد حاجة إليهم نعم لو لم يبق بالبلد إلا مطعونون وافتقروا إلى المتعهدين وقدم عليهم قوم فربما كان ينقدح استحباب الدخول ههنا لأجل الإعانة ولا ينهى عن الدخول لأنه تعرض لضرر موهوم على رجاء دفع ضرر عن بقية المسلمين وبهذا شبه الفرار من الطاعون في بعض الأخبار بالفرار من الزحف (¬2) حديث عبد الرحمن بن عوف اذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه الحديث وفي أوله قصة خروج عمر بالناس إلى الجابية وأنه بلغهم أن بالشام وباء الحديث رواه البخاري
পৃষ্ঠা - ১৪৫১
مشاهدته على وتيرة واحدة عند وجود الأسباب وفقدها فإنه لم يكن له نظر في الأحوال إلا إلى مسبب الأسباب ومن كان هذا مقامه لم تضره الأسباب كما أن الرغبة في المال نقص والرغبة عن المال كراهية له وإن كانت كمالاً فهي أيضاً نقص بالإضافة إلى من يستوي عنده وجود المال وعدمه فاستواء الحجر والذهب أكمل من الهرب من الذهب دون الحجر وكان حاله صلى الله عليه وسلم استواء المدر والذهب عنده وكان لايمسكه لتعليم الخلق مقام الزهد فإنه منتهى قوتهم لا لخوفه على نفسه من إمساكه فإنه كان أعلى رتبة من أن تغره الدنيا وقد عرضت عليه خزائن الأرض فأبى أن يقبلها فكذلك يستوي عنده مباشرة الأسباب وتركها لمثلهذه المشاهدة وإنما لم يترك استعمال الدواء جرياً على سنة الله تعالى وترخيصاً لأمته فيما تمس إليه حاجتهم مع أنه لا ضرر فيه بخلاف ادخار الأموال فإن ذلك يعظم ضرره نعم التداوي لا يضر الامن حيث رؤية الدواء نافعاً دون خالق الدواء وهذا قد نهي عنه ومن حيث إنه يقصد به الصحة ليستعان بها على المعاصي وذلك منهي عنه والمؤمن في غالب الأمر لا يقصد ذلك وأحد من المؤمنين لا يرى الدواء نافعاً بنفسه بل من حيث إنه جعله الله تعالى سبباً للنفع كما لا يرى الماء مروريا ولا الخبز مشبعاً فحكم التداوي في مقصوده كحكم الكسب فإنه إن اكتسب للاستعانة على الطاعة أو على المعصية كان له حكمها وإن اكتسب للتنعم المباح فله حكمه فقد ظهر بالمعاني التي أوردناها أن ترك التداوي قد يكون أفضل في بعض الأحوال وأن التداوي قد يكون أفضل في بعض وأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والنيات وأن واحداً من الفعل والترك ليس شرطاً في التوكل إلا ترك الموهومات كالكي والرقي فإن ذلك تعمق في التدبيرات لا يليق بالمتوكلين بيان أحوال المتوكلين في إظهار المرض وكتمانه اعلم أن كتمان المرض وإخفاء الفقر وأنواع البلاء من كنوز البر وهو من أعلى المقامات: لأن الرضا بحكم الله والصبر على بلائه معاملة بينه وبين الله عز وجل فكتمانه أسلم عن الآفات ومع هذا فالإظهار لا بأس به إذا صحت فيه النية والمقصد ومقاصد الإظهار ثلاثة: الأول: أن يكون غرضه التداوي فيحتاج إلى ذكره للطبيب فيذكره لا في معرض الشكاية بل في معرض الحكاية لما ظهر عليه من قدرة الله تعالى فقد كان بشر يصف لعبد الرحمن المطبب أوجاعه وكان أحمد بن حنبل يخبر بأمراض يجدها ويقول: إنما أصف قدرة الله تعالى في الثاني: أن يصف لغير الطبيب وكان ممن يقتدى به وكان مكيناً في المعرفة فأراد من ذكره أن يتعلم منه حسن الصبر في المرض بل حسن الشكر بأن يظهر أنه يرى أن المرض نعمة فيشكر عليها فيتحدث به كما يتحدث بالنعم قال الحسن البصري: إذا حمد المريض الله تعالى وشكره ثم ذكر أوجاعه لم يكن ذلك شكوى الثالث: أن يظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى الله تعالى وذلك يحسن ممن تليق به القوة والشجاعة ويستبعد منه العجز كما روي أنه قيل لعلي في مرضه رضي الله عنه كيف أنت قال: بشر فنظر بعضهم إلى بعض كأنهم كرهوا ذلك وظنوا أنه شكاية فقال: أتجلد على الله فأحب أن يظهر عجزه وافتقاره مع ما علم به من القوة والضراوة وتأدب فيه بأدب النبي صلى الله عليه وسلم إياه حيث مرض علي كرم الله وجهه فسمعه // حديث: أنه عرضت عليه خزائن الأرض فأبى ان يقبلها ولفظه: عرضت عليه مفاتيح خزائن السماء وكنوز الأرض فردها