মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة المحبة

পৃষ্ঠা - ৯৮৩
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: هِمَّةٌ تَتَصَاعَدُ عَنِ الْأَحْوَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَتُزْرِي بِالْأَعْوَاضِ وَالدَّرَجَاتِ. وَتَنْحُو عَنِ النُّعُوتِ نَحْوَ الذَّاتِ. أَيْ هَذِهِ الْهِمَّةُ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ صَاحِبُهَا بِالْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ آثَارُ الْأَعْمَالِ وَالْوَارِدَاتِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْطِيلَهَا. بَلِ الْقِيَامَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَالتَّعَلُّقِ بِهَا. وَوَجْهُ صُعُودِ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ عَنْ هَذَا: مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: تُزْرِي بِالْأَعْوَاضِ وَالدَّرَجَاتِ، وَتَنْحُو عَنِ النُّعُوتِ نَحْوَ الذَّاتِ، أَيْ صَاحِبُهَا لَا يَقِفُ عِنْدَ عِوَضٍ وَلَا دَرَجَةٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ نُزُولٌ مِنْ هِمَّتِهِ. وَمَطْلَبُهُ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْهِمَّةِ قَدْ قَصَرَ هِمَّتَهُ عَلَى الْمَطْلَبِ الْأَعْلَى، الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ. وَالْأَعْوَاضُ وَالدَّرَجَاتُ دُونَهُ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ لَهُ فَهُنَاكَ كُلُّ عِوَضٍ وَدَرَجَةٍ عَالِيَةٍ. وَأَمَّا نَحْوُهَا نَحْوَ الذَّاتِ فَيُرِيدُ بِهِ: أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى شُهُودِ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. بَلِ الذَّاتُ الْجَامِعَةُ لِمُتَفَرِّقَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ] [حَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ] فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ وَمِنْ مَنَازِلِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] " مَنْزِلَةُ الْمَحَبَّةِ وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي فِيهَا تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ. وَإِلَيْهَا شَخَصَ الْعَامِلُونَ. وَإِلَى عِلْمِهَا شَمَّرَ السَّابِقُونَ. وَعَلَيْهَا تَفَانَى الْمُحِبُّونَ. وَبِرُوحِ نَسِيمِهَا تَرَوَّحَ الْعَابِدُونَ. فَهِيَ قُوتُ الْقُلُوبِ، وَغِذَاءُ الْأَرْوَاحِ، وَقُرَّةُ الْعُيُونِ. وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي مَنْ حُرِمَهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَاتِ. وَالنُّورُ الَّذِي مَنْ فَقَدَهُ فَهُوَ فِي بِحَارِ الظُّلُمَاتِ. وَالشِّفَاءُ الَّذِي مَنْ عَدِمَهُ حَلَّتْ بِقَلْبِهِ جَمِيعُ الْأَسْقَامِ. وَاللَّذَّةُ الَّتِي مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا فَعَيْشُهُ كُلُّهُ هُمُومٌ وَآلَامٌ. وَهِيَ رُوحُ
পৃষ্ঠা - ৯৮৪
الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، وَالْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي مَتَى خَلَتْ مِنْهَا فَهِيَ كَالْجَسَدِ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ. تَحْمِلُ أَثْقَالَ السَّائِرِينَ إِلَى بِلَادٍ لَمْ يَكُونُوا إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ بَالِغِيهَا. وَتُوصِلُهُمْ إِلَى مَنَازِلَ لَمْ يَكُونُوا بِدُونِهَا أَبَدًا وَاصِلِيهَا. وَتُبَوِّؤُهُمْ مِنْ مَقَاعِدِ الصِّدْقِ مَقَامَاتٍ لَمْ يَكُونُوا لَوْلَاهَا دَاخِلِيهَا. وَهِيَ مَطَايَا الْقَوْمِ الَّتِي مَسْرَاهُمْ عَلَى ظُهُورِهَا دَائِمًا إِلَى الْحَبِيبِ. وَطَرِيقُهُمُ الْأَقْوَمُ الَّذِي يُبَلِّغُهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمُ الْأُولَى مِنْ قَرِيبٍ. تَاللَّهِ لَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُهَا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. إِذْ لَهُمْ مِنْ مَعِيَّةِ مَحْبُوبِهِمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ. وَقَدْ قَضَى اللَّهُ - يَوْمَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ -: أَنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ عَلَى الْمُحِبِّينَ سَابِغَةٍ. تَاللَّهِ لَقَدْ سَبَقَ الْقَوْمُ السُّعَاةَ، وَهُمْ عَلَى ظُهُورِ الْفُرُشِ نَائِمُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمُوا الرَّكْبَ بِمَرَاحِلَ، وَهُمْ فِي سَيْرِهِمْ وَاقِفُونَ. مِنْ لِي بِمِثْلِ سَيْرِكَ الْمُدَلَّلِ ... تَمْشِي رُوَيْدًا وَتَجِي فِي الْأَوَّلِ أَجَابُوا مُنَادِيَ الشَّوْقِ إِذْ نَادَى بِهِمْ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمْ فِي طَلَبِ الْوُصُولِ إِلَى مَحْبُوبِهِمْ، وَكَانَ بَذْلُهُمْ بِالرِّضَا وَالسَّمَاحِ. وَوَاصَلُوا إِلَيْهِ الْمَسِيرَ بِالْإِدْلَاجِ وَالْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ. تَاللَّهِ لَقَدْ حَمِدُوا عِنْدَ الْوُصُولِ سُرَاهُمْ. وَشَكَرُوا مَوْلَاهُمْ عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ. وَإِنَّمَا يَحْمَدُ الْقَوْمَ السُّرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ. فَحَيَّهَلًا إِنْ كُنْتَ ذَا هِمَّةٍ فَقَدْ ... حَدَا بِكَ حَادِي الشَّوْقِ فَاطْوِ الْمَرَاحِلَا وَقُلْ لِمُنَادِي حُبِّهِمْ وَرِضَاهُمْ ... إِذَا مَا دَعَا لَبَّيْكَ أَلْفًا كَوَامِلَا وَلَا تَنْظُرِ الْأَطْلَالَ مِنْ دُونِهِمْ فَإِنْ ... نَظَرْتَ إِلَى الْأَطْلَالِ عُدْنَ حَوَائِلَا وَلَا تَنْتَظِرْ بِالسَّيْرِ رُفْقَةَ قَاعِدٍ ... وَدَعْهُ فَإِنَّ الشَّوْقَ يَكْفِيكَ حَامِلَا وَخُذْ مِنْهُمْ زَادًا إِلَيْهِمْ وَسِرْ عَلَى ... طَرِيقِ الْهُدَى وَالْفَقْرِ تُصْبِحُ وَاصِلَا وَأَحْيِ بِذِكْرَاهُمْ سُرَاكَ إِذَا وَنَتْ ... رِكَابُكَ فَالذِّكْرَى تُعِيدُكَ عَامِلَا وَإِمَّا تَخَافَنَّ الْكَلَالَ فَقُلْ لَهَا ... أَمَامُكِ وِرْدُ الْوَصْلِ فَابْغِ الْمَنَاهِلَا وَخُذْ قَبَسًا مِنْ نُورِهِمْ ثُمَّ سِرْ بِهِ ... فَنُورُهُمْ يَهْدِيكَ لَيْسَ الْمَشَاعِلَا وَحَيِّ عَلَى وَادِ الْأَرَاكَ فَقِلْ بِهِ ... عَسَاكَ تَرَاهُمْ فِيهِ إِنْ كُنْتَ قَائِلَا وَإِلَّا فَفِي نُعْمَانَ عِنْدَ مُعَرِّفِ الْ ... أَحِبَّةِ فَاطْلُبْهُمْ إِذَا كُنْتَ سَائِلَا وَإِلَّا فَفِي جَمْعٍ بِلَيْلَتِهِ فَإِنْ ... تَفُتْ، فَمَتَى؟ يَا وَيْحَ مَنْ كَانَ غَافِلَا وَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ بِقُرْبِهِمْ ... مَنَازِلُكَ الْأُولَى بِهَا كُنْتَ نَازِلًا وَلَكِنْ سَبَاكَ الْكَاشِحُونَ لِأَجْلِ ذَا ... وَقَفْتَ عَلَى الْأَطْلَالِ تَبْكِي الْمَنَازِلَا
পৃষ্ঠা - ৯৮৫
فَدَعْهَا رُسُومًا دَارِسَاتٍ فَمَا بِهَا مَقِيلٌ فَجَاوِزْهَا فَلَيْسَتْ مَنَازِلَا ... رُسُومٌ عَفَتْ يَفْنَى بِهَا الْخَلْقُ كَمْ بِهَا قَتِيلٌ؟ وَكَمْ فِيهَا لِذَا الْخُلُقِ قَاتِلَا ... وَخُذْ يَمْنَةً عَنْهَا عَلَى الْمَنْهَجِ الَّذِي عَلَيْهِ سَرَى وَفْدُ الْمَحَبَّةِ آهِلَا ... وَقُلْ سَاعِدِي يَا نَفْسُ بِالصَّبْرِ سَاعَةً فَعِنْدَ اللُّقَّا ذَا الْكَدِّ يُصْبِحُ زَائِلَا ... فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ ثُمَّ تَنْقَضِي وَيُصْبِحُ ذُو الْأَحْزَانِ فَرْحَانَ جَاذِلَا أَوَّلُ نَقْدَةٍ مِنْ أَثْمَانِ الْمَحَبَّةِ: بَذْلُ الرُّوحِ فَمَا لِلْمُفْلِسِ الْجَبَانِ الْبَخِيلِ وَسَوْمِهَا؟ بِدَمِ الْمُحِبِّ يُبَاعُ وَصْلُهُمْ ... فَمَنِ الَّذِي يَبْتَاعُ بِالثَّمَنِ تَاللَّهِ مَا هُزِلَتْ فَيَسْتَامَهَا الْمُفْلِسُونَ، وَلَا كَسَدَتْ فَيَبِيعَهَا بِالنَّسِيئَةِ الْمُعْسِرُونَ، لَقَدْ أُقِيمَتْ لِلْعَرْضِ فِي سُوقِ مَنْ يَزِيدُ، فَلَمْ يُرْضَ لَهَا بِثَمَنٍ دُونَ بَذْلِ النُّفُوسِ. فَتَأَخَّرَ الْبَطَّالُونَ. وَقَامَ الْمُحِبُّونَ يَنْظُرُونَ: أَيُّهُمُّ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا؟ فَدَارَتِ السِّلْعَةُ بَيْنَهُمْ. وَوَقَعَتْ فِي يَدِ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] . لَمَّا كَثُرَ الْمُدَّعُونَ لِلْمَحَبَّةِ طُولِبُوا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى. فَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْخَلِيُّ حُرْقَةَ الشَّجِيِّ. فَتَنَوَّعَ الْمُدَّعُونَ فِي الشُّهُودِ. فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] . فَتَأَخَّرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ. وَثَبَتَ أَتْبَاعُ الْحَبِيبِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ. فَطُولِبُوا بِعَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ بِتَزْكِيَةِ {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54] . فَتَأَخَّرَ أَكْثَرُ الْمُحِبِّينَ وَقَامَ الْمُجَاهِدُونَ، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ نُفُوسَ الْمُحِبِّينَ وَأَمْوَالَهُمْ لَيْسَتْ لَهُمْ. فَهَلُمُّوا إِلَى بَيْعَةِ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] . فَلَمَّا عَرَفُوا عَظَمَةَ الْمُشْتَرِي، وَفَضْلَ الثَّمَنِ، وَجَلَالَةَ مَنْ جَرَى عَلَى يَدَيْهِ عَقْدُ التَّبَايُعِ: عَرَفُوا قَدْرَ السِّلْعَةِ، وَأَنَّ لَهَا شَأْنًا. فَرَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الْغَبْنِ أَنْ يَبِيعُوهَا لِغَيْرِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ. فَعَقَدُوا مَعَهُ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ بِالتَّرَاضِي، مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خِيَارٍ. وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ.
পৃষ্ঠা - ৯৮৬
فَلَمَّا تَمَّ الْعَقْدُ وَسَلَّمُوا الْمَبِيعَ، قِيلَ لَهُمْ: مُذْ صَارَتْ نُفُوسُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ لَنَا رَدَدْنَاهَا عَلَيْكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، وَأَضْعَافَهَا مَعًا {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169 - 170] . إِذَا غُرِسَتْ شَجَرَةُ الْمَحَبَّةِ فِي الْقَلْبِ، وَسُقِيَتْ بِمَاءِ الْإِخْلَاصِ، وَمُتَابَعَةِ الْحَبِيبِ، أَثْمَرَتْ أَنْوَاعَ الثِّمَارِ. وَآتَتْ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا. أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي قَرَارِ الْقَلْبِ. وَفَرْعُهَا مُتَّصِلٌ بِسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. لَا يَزَالُ سَعْيُ الْمُحِبِّ صَاعِدًا إِلَى حَبِيبِهِ لَا يَحْجُبُهُ دُونَهُ شَيْءٌ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] . [فَصْلٌ حَدُّ الْمَحَبَّةِ] فَصْلٌ لَا تُحَدُّ الْمَحَبَّةُ بِحَدٍّ أَوْضَحَ مِنْهَا. فَالْحُدُودُ لَا تَزِيدُهَا إِلَّا خَفَاءً وَجَفَاءً. فَحَدُّهَا وُجُودُهَا. وَلَا تُوصَفُ الْمَحَبَّةُ بِوَصْفٍ أَظْهَرَ مِنَ الْمَحَبَّةِ. وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِي أَسْبَابِهَا وَمُوجِبَاتِهَا، وَعَلَامَاتِهَا وَشَوَاهِدِهَا، وَثَمَرَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا. فَحُدُودُهُمْ وَرُسُومُهُمْ دَارَتْ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ. وَتَنَوَّعَتْ بِهِمُ الْعِبَارَاتُ. وَكَثُرَتِ الْإِشَارَاتُ، بِحَسَبِ إِدْرَاكِ الشَّخْصِ وَمَقَامِهِ وَحَالِهِ، وَمِلْكِهِ لِلْعِبَارَةِ. وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَدُورُ فِي اللُّغَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: الصَّفَاءُ وَالْبَيَاضُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِصَفَاءِ بَيَاضِ الْأَسْنَانِ وَنَضَارَتِهَا: حَبَبُ الْأَسْنَانِ. الثَّانِي: الْعُلُوُّ وَالظُّهُورُ. وَمِنْهُ حَبَبُ الْمَاءِ وَحُبَابُهُ. وَهُوَ مَا يَعْلُوهُ عِنْدَ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ. وَحَبَبُ الْكَأْسِ مِنْهُ. الثَّالِثُ: اللُّزُومُ وَالثَّبَاتُ. وَمِنْهُ: حَبَّ الْبَعِيرُ وَأَحَبَّ، إِذَا بَرَكَ وَلَمْ يَقُمْ. قَالَ الشَّاعِرُ: حُلْتَ عَلَيْهِ بِالْفَلَاةِ ضَرْبًا ... ضَرْبَ بِعِيرِ السُّوءِ إِذْ أَحَبَّا
পৃষ্ঠা - ৯৮৭
الرَّابِعُ: اللُّبُّ. وَمِنْهُ: حَبَّةُ الْقَلْبِ، لِلُبِّهِ وَدَاخِلِهِ. وَمِنْهُ الْحَبَّةُ لِوَاحِدَةِ الْحُبُوبِ. إِذْ هِيَ أَصْلُ الشَّيْءِ وَمَادَّتُهُ وَقِوَامُهُ. الْخَامِسُ: الْحِفْظُ وَالْإِمْسَاكُ. وَمِنْهُ حِبُّ الْمَاءِ لِلْوِعَاءِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ وَيُمْسِكُهُ وَفِيهِ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَيْضًا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّهَا صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ، وَهَيَجَانُ إِرَادَاتِ الْقَلْبِ لِلْمَحْبُوبِ. وَعُلُوُّهَا وَظُهُورُهَا مِنْهُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ. وَثُبُوتِ إِرَادَةِ الْقَلْبِ لِلْمَحْبُوبِ. وَلُزُومِهَا لُزُومًا لَا تُفَارِقُهُ، وَلِإِعْطَاءِ الْمُحِبِّ مَحْبُوبَهُ لُبَّهُ، وَأَشْرَفَ مَا عِنْدَهُ. وَهُوَ قَلْبُهُ، وَلِاجْتِمَاعِ عَزَمَاتِهِ وَإِرَادَاتِهِ وَهُمُومِهِ عَلَى مَحْبُوبِهِ. فَاجْتَمَعَتْ فِيهَا الْمَعَانِي الْخَمْسَةُ. وَوَضَعُوا لِمَعْنَاهَا حَرْفَيْنِ مُنَاسِبَيْنِ لِلْمُسَمَّى غَايَةَ الْمُنَاسَبَةِ " الْحَاءَ " الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ، وَ " الْبَاءَ " الشَّفَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ نِهَايَتُهُ. فَلِلْحَاءِ الِابْتِدَاءُ، وَلِلْبَاءِ الِانْتِهَاءُ. وَهَذَا شَأْنُ الْمَحَبَّةِ وَتَعَلُّقُهَا بِالْمَحْبُوبِ. فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْهُ وَانْتِهَاءَهَا إِلَيْهِ. وَقَالُوا فِي فِعْلِهَا: حَبَّهُ وَأَحَبَّهُ. قَالَ الشَّاعِرُ: أُحِبُّ أَبَا ثَرْوَانَ مِنْ حُبِّ تَمْرِهِ ... وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ بِالْجَارِ أَرْفَقُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ ... وَلَا كَانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ وَمِشْرِقِ ثُمَّ اقْتَصَرُوا عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَحَبَّ فَقَالُوا: مُحِبٌّ، وَلَمْ يَقُولُوا: حَابٌّ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ حَبَّ، فَقَالُوا: مَحْبُوبٌ، وَلَمْ يَقُولُوا: مُحَبٌّ إِلَّا قَلِيلًا. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَمِ وَأَعْطَوُا الْحُبَّ حَرَكَةَ الضَّمِّ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْحَرَكَاتِ وَأَقْوَاهَا، مُطَابَقَةً لِشِدَّةِ حَرَكَةِ مُسَمَّاهُ وَقُوَّتِهَا. وَأَعْطَوُا الْحِبَّ وَهُوَ الْمَحْبُوبُ: حَرَكَةَ الْكَسْرِ لِخِفَّتِهَا عَنِ الضَّمَّةِ، وَخِفَّةِ الْمَحْبُوبِ، وَخِفَّةِ ذِكْرِهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ: مِنْ إِعْطَائِهِ حُكْمَ نَظَائِرِهِ، كَنِهْبٍ
পৃষ্ঠা - ৯৮৮
بِمَعْنَى مَنْهُوبٍ، وَذِبْحٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ، وَحِمْلٍ لِلْمَحْمُولِ. بِخِلَافِ الْحَمْلِ - الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ - لِخِفَّتِهِ. ثُمَّ أَلْحَقُوا بِهِ حِمْلًا لَا يَشُقُّ عَلَى حَامِلِهِ حَمْلُهُ، كَحَمْلِ الشَّجَرَةِ وَالْوَلَدِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا اللُّطْفَ وَالْمُطَابَقَةَ وَالْمُنَاسَبَةَ الْعَجِيبَةَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُطْلِعْكَ عَلَى قَدْرِ هَذِهِ اللُّغَةِ، وَأَنَّ لَهَا شَأْنًا لَيْسَ لِسَائِرِ اللُّغَاتِ. [فَصْلٌ رُسُومٌ وَحُدُودٌ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ] فَصْلٌ فِي ذِكْرِ رُسُومٍ وَحُدُودٍ قِيلَتْ فِي الْمَحَبَّةِ، بِحَسَبِ آثَارِهَا وَشَوَاهِدِهَا. وَالْكَلَامِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا. الْأَوَّلُ، قِيلَ: الْمَحَبَّةُ الْمَيْلُ الدَّائِمُ، بِالْقَلْبِ الْهَائِمِ. وَهَذَا الْحَدُّ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ، وَالصَّحِيحَةِ وَالْمَعْلُولَةِ. الثَّانِي: إِيثَارُ الْمَحْبُوبِ، عَلَى جَمِيعِ الْمَصْحُوبِ. وَهَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحَبَّةِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا. الثَّالِثُ: مُوَافَقَةُ الْحَبِيبِ، فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ. وَهَذَا أَيْضًا مُوجِبُهَا وَمُقْتَضَاهَا. وَهُوَ أَكْمَلُ مِنَ الْحَدَّيْنِ قَبْلَهُ. فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ الصَّحِيحَةَ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمَيْلِ وَالْإِيثَارِ بِالْإِرَادَةِ. فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَصْحَبْهُ مُوَافَقَةٌ فَمَحَبَّتُهُ مَعْلُولَةٌ. الرَّابِعُ: مَحْوُ الْحُبِّ لِصِفَاتِهِ. وَإِثْبَاتُ الْمَحْبُوبِ لِذَاتِهِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْفَنَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ: أَنْ تَنْمَحِيَ صِفَاتُ الْمُحِبِّ، وَتَفْنَى فِي صِفَاتِ مَحْبُوبِهِ وَذَاتِهِ. وَهَذَا يَسْتَدْعِي بَيَانًا أَتَمَّ مِنْ هَذَا، لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا مَنْ أَفْنَاهُ وَارِدُ الْمَحَبَّةِ عَنْهُ، وَأَخَذَهُ مِنْهُ. الْخَامِسُ: مُوَاطَأَةُ الْقَلْبِ لِمُرَادَاتِ الْمَحْبُوبِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا. وَالْمُوَاطَأَةُ الْمُوَافَقَةُ لِمُرَادَاتِ الْمَحْبُوبِ وَأَوَامِرِهِ وَمَرَاضِيهِ. السَّادِسُ: خَوْفُ تَرْكِ الْحُرْمَةِ، مَعَ إِقَامَةِ الْخِدْمَةِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَعْلَامِهَا وَشَوَاهِدِهَا وَآثَارِهَا: أَنْ يَقُومَ بِالْخِدْمَةِ كَمَا يَنْبَغِي، مَعَ خَوْفِهِ مِنْ تَرْكِ الْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ. السَّابِعُ: اسْتِقْلَالُ الْكَثِيرِ مِنْ نَفْسِكَ، وَاسْتِكْثَارُ الْقَلِيلِ مِنْ حَبِيبِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يَزِيدَ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا وَشَوَاهِدِهَا. وَالْمُحِبُّ
পৃষ্ঠা - ৯৮৯
الصَّادِقُ لَوْ بَذَلَ لِمَحْبُوبِهِ جَمِيعَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَاسْتَقَلَّهُ وَاسْتَحْيَى مِنْهُ، وَلَوْ نَالَهُ مِنْ مَحْبُوبِهِ أَيْسَرُ شَيْءٍ لَاسْتَكْثَرَهُ وَاسْتَعْظَمَهُ. الثَّامِنُ: اسْتِكْثَارُ الْقَلِيلِ مِنْ جِنَايَتِكَ، وَاسْتِقْلَالُ الْكَثِيرِ مِنْ طَاعَتِكَ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا مِنَ الْمُحِبِّ. التَّاسِعُ: مُعَانَقَةُ الطَّاعَةِ، وَمُبَايَنَةُ الْمُخَالَفَةِ. وَهُوَ لِسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَهُوَ أَيْضًا حُكْمُ الْمَحَبَّةِ وَمُوجِبُهَا. الْعَاشِرُ: دُخُولُ صِفَاتِ الْمَحْبُوبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ صِفَاتِ الْمُحِبِّ. وَهُوَ لِلْجُنَيْدِ. وَفِيهِ غُمُوضٌ. وَمُرَادُهُ: أَنَّ اسْتِيلَاءَ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ عَلَى قَلْبِ الْمُحِبِّ حَتَّى لَا يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَكُونَ شُعُورُهُ وَإِحْسَاسُهُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِهَا. فَيَصِيرُ شُعُورُهُ وَإِحْسَاسُهُ بَدَلًا مِنْ شُعُورِهِ وَإِحْسَاسِهِ بِصِفَاتِ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنًى أَشْرَفَ مِنْ هَذَا: تُبَدَّلُ صِفَاتُ الْمُحِبِّ الذَّمِيمَةُ - الَّتِي لَا تُوَافِقُ صِفَاتِ الْمَحْبُوبِ - بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي تُوَافِقُ صِفَاتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ تَهَبَ كُلَّكَ لِمَنْ أَحْبَبْتَ. فَلَا يَبْقَى لَكَ مِنْكَ شَيْءٌ. وَهُوَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَحَبَّةِ وَأَحْكَامِهَا. وَالْمُرَادُ: أَنْ تَهَبَ إِرَادَتَكَ وَعَزْمَكَ وَأَفْعَالَكَ وَنَفْسَكَ وَمَالَكَ وَوَقْتَكَ لِمَنْ تُحِبُّهُ وَتَجْعَلَهَا حَبْسًا فِي مَرْضَاتِهِ وَمَحَابِّهِ. فَلَا تَأْخُذُ لِنَفْسِكَ مِنْهَا إِلَّا مَا أَعْطَاكَ. فَتَأْخُذُهُ مِنْهُ لَهُ. الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ تَمْحُوَ مِنَ الْقَلْبِ مَا سِوَى الْمَحْبُوبِ. وَهُوَ لِلشِّبْلِيِّ، وَكَمَالُ الْمَحَبَّةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ مَا دَامَتْ فِي الْقَلْبِ بَقِيَّةٌ لِغَيْرِهِ وَمَسْكَنٌ لِغَيْرِهِ فَالْمَحَبَّةُ مَدْخُولَةٌ. الثَّالِثَ عَشَرَ: إِقَامَةُ الْعِتَابَ عَلَى الدَّوَامِ. وَهُوَ لِابْنِ عَطَاءٍ. وَفِيهِ غُمُوضٌ. وَمُرَادُهُ: أَنْ لَا تَزَالَ عَاتِبًا عَلَى نَفْسِكَ فِي مَرْضَاةِ الْمَحْبُوبِ. وَأَنْ لَا تَرْضَى لَهُ فِيهَا عَمَلًا وَلَا حَالًا. الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنْ تَغَارَ عَلَى الْمَحْبُوبِ: أَنْ يُحِبَّهُ مِثْلُكَ. وَهُوَ لِلشِّبْلِيِّ أَيْضًا. وَفِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الْغَيْرَةِ، وَمُرَادُهُ: احْتِقَارُكَ لِنَفْسِكَ وَاسْتِصْغَارُهَا: أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ مِنْ مُحِبِّيهِ.
পৃষ্ঠা - ৯৯০
الْخَامِسَ عَشَرَ: إِرَادَةٌ غُرِسَتْ أَغْصَانُهَا فِي الْقَلْبِ. فَأَثْمَرَتِ الْمُوَافَقَةَ وَالطَّاعَةَ. السَّادِسَ عَشَرَ: أَنْ يَنْسَى الْمُحِبُّ حَظَّهُ فِي مَحْبُوبِهِ، وَيَنْسَى حَوَائِجَهُ إِلَيْهِ. وَهُوَ لِأَبِي يَعْقُوبَ السُّوسِيِّ. وَمُرَادُهُ: أَنَّ اسْتِيلَاءَ سُلْطَانِهَا عَلَى قَلْبِهِ غَيَّبَهُ عَنْ حُظُوظِهِ وَعَنْ حَوَائِجِهِ. وَانْدَرَجَتْ كُلُّهَا فِي حُكْمِ الْمَحَبَّةِ. السَّابِعَ عَشَرَ: مُجَانَبَةُ السُّلُوِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ لِلنَّصْرَابَاذِيِّ. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ لَوَازِمِهَا وَثَمَرَاتِهَا، كَمَا قِيلَ: مَرَّتْ بِأَرْجَاءِ الْخَيَالِ طُيُوفَهُ ... فَبَكَتْ عَلَى رَسْمِ السُّلُوِّ الدَّارِسِ. الثَّامِنَ عَشَرَ: تَوْحِيدُ الْمَحْبُوبِ بِخَالِصِ الْإِرَادَةِ وَصِدْقِ الطَّلَبِ. التَّاسِعَ عَشَرَ: سُقُوطُ كُلِّ مَحَبَّةٍ مِنَ الْقَلْبِ إِلَّا مَحَبَّةَ الْحَبِيبِ. وَهُوَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ. وَمُرَادُهُ: تَوْحِيدُ الْمَحْبُوبِ بِالْمَحَبَّةِ. الْعِشْرُونَ: غَضُّ طَرَفِ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى الْمَحْبُوبِ غَيْرَةً. وَعَنِ الْمَحْبُوبِ هَيْبَةً. وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَبْيِينٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهَرٌ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّ غَضَّ طَرَفِ الْقَلْبِ عَنِ الْمَحْبُوبِ - مَعَ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ - كَالْمُسْتَحِيلِ. وَلَكِنْ عِنْدَ اسْتِيلَاءِ الْهَيْبَةِ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا. وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَحَبَّةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ» أَيْ يُعْمِي عَمَّا سِوَاهُ غَيْرَةً، وَعَنْهُ هَيْبَةً.
পৃষ্ঠা - ৯৯১
وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ: أَنَّ حُبَّكَ لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ عَنْ تَأَمُّلِ قَبَائِحِهِ وَمُسَاوِيهِ. فَلَا تَرَاهَا وَلَا تَسْمَعُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ: ذِكْرَ الْمَحَبَّةِ الْمَطْلُوبَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّبِّ. وَلَا يُقَالُ فِي حُبِّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: حُبُّكَ الشَّيْءَ. وَلَا يُوصَفُ صَاحِبُهَا بِالْعَمَى وَالصَّمَّ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْمَرْتَبَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ. فَإِنَّ الْمُحِبَّ قَدْ يَعْمَى وَيَصِمُّ عَنْهُ بِالْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، وَلَكِنْ لَا تُوصَفُ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ. وَلَيْسَ أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ الْعَمَى وَالصَّمَمِ. بَلْ هُمْ أَهْلُ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَنْ سِوَاهُمْ هُمُ الْبُكْمُ الْعُمْيُ الصُّمُّ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: مَيْلُكَ لِلشَّيْءِ بِكُلِّيَّتِكَ. ثُمَّ إِيثَارُكَ لَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَرُوحِكَ وَمَالِكَ. ثُمَّ مُوَافَقَتُكَ لَهُ سِرًّا وَجَهْرًا. ثُمَّ عِلْمُكَ بِتَقْصِيرِكَ فِي حُبِّهِ. قَالَ الْجُنَيْدُ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ الْمُحَاسَبِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ. الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: الْمَحَبَّةُ نَارٌ فِي الْقَلْبِ، تُحْرِقُ مَا سِوَى مُرَادِ الْمَحْبُوبِ. وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لُمْتُ بَعْضَ الْإِبَاحِيَّةِ، فَقَالَ لِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْكَوْنُ كُلُّهُ مُرَادُهُ، فَأَيَّ شَيْءٍ أَبْغَضَ مِنْهُ؟ قَالَ الشَّيْخُ: فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا كَانَ الْمَحْبُوبُ قَدْ أَبْغَضَ أَفْعَالًا وَأَقْوَالًا وَأَقْوَامًا وَعَادَاهُمْ فَطَرَدَهُمْ وَلَعَنَهُمْ فَأَحْبَبْتَهُمْ: تَكُونُ مُوَالِيًا لِلْمَحْبُوبِ أَوْ مُعَادِيًا لَهُ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِمَ حَجَرًا. وَافْتُضِحَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ مُقَدَّمًا فِيهِمْ مُشَارًا إِلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدُّ صَحِيحٌ: وَقَائِلُهُ إِنَّمَا أَرَادَ: أَنَّهَا تُحْرِقُ مِنَ الْقَلْبِ مَا سِوَى مُرَادِ الْمَحْبُوبِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ، الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، لَا الْمُرَادَ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ. لَكِنْ لِقِلَّةِ حَظِّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ: وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ. الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَحَبَّةُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ، وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمَحْبُوبِ.
পৃষ্ঠা - ৯৯২
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ حُقُوقِهَا وَثَمَرَاتِهَا. وَمُوجِبَاتِهَا. الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: سُكْرٌ لَا يَصْحُو صَاحِبُهُ إِلَّا بِمُشَاهَدَةِ مَحْبُوبِهِ. ثُمَّ السُّكْرُ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ لَا يُوصَفُ، وَأَنْشَدَ: فَأَسْكَرَ الْقَوْمَ دَوْرُ الْكَأْسِ بَيْنَهُمْ ... لَكِنَّ سُكْرِي نَشَا مِنْ رُؤْيَةِ السَّاقِي. وَيَنْبَغِي صَوْنُ الْمَحَبَّةِ وَالْحَبِيبِ عَنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، الَّتِي غَايَةُ صَاحِبِهَا: أَنْ يُعْذَرَ بِصِدْقِهِ وَغَلَبَةِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، وَقَهْرِهِ لَهُ. فَمَحَبَّةُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُضْرَبَ لَهَا هَذِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُجْعَلَ عُرْضَةً لِلْأَفْوَاهِ الْمُتَلَوِّثَةِ، وَالْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَلَكِنَّ الصَّادِقَ فِي خِفَارَةِ صِدْقِهِ. الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ لَا يُؤَثِّرَ عَلَى الْمَحْبُوبِ غَيْرُهُ، وَأَنْ لَا يَتَوَلَّى أُمُورَكَ غَيْرُهُ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الدُّخُولُ تَحْتَ رِقِّ الْمَحْبُوبِ وَعُبُودِيَّتِهِ، وَالْحُرِّيَّةُ مِنِ اسْتِرْقَاقِ مَا سِوَاهُ. السَّابِعَ وَالْعِشْرُونَ: الْمَحَبَّةُ سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَحْبُوبِ، وَلَهَجُ اللِّسَانِ بِذِكْرِهِ عَلَى الدَّوَامِ. قُلْتُ: أَمَّا سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَحْبُوبِ: فَهُوَ الشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَأَمَّا لَهَجُ اللِّسَانِ بِذِكْرِهِ: فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مَنْ ذِكْرِهِ. الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مَا لَا يَنْقُصُ بِالْجَفَاءِ. وَلَا تَزِيدُ بِالْبِرِّ. وَهُوَ لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ، بَلِ الْإِرَادَةُ وَالطَّلَبُ وَالشَّوْقُ إِلَى الْمَحْبُوبِ لِذَاتِهِ، فَلَا يُنْقِصُ ذَلِكَ جَفَاؤُهُ. وَلَا يَزِيدُهُ بِرُّهُ. وَفِي ذَلِكَ مَا فِيهِ. فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ الذَّاتِيَّةَ تَزِيدُ بِالْبِرِّ. وَلَا تُنْقِصُهَا زِيَادَتُهَا بِالْبِرِّ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ، وَلَكِنَّ مُرَادَ يَحْيَى: أَنَّ الْقَلْبَ قَدِ امْتَلَأَ بِالْمَحَبَّةِ الذَّاتِيَّةِ. فَإِذَا جَاءَ الْبِرُّ مِنْ مَحْبُوبِهِ. لَمْ يَجِدْ فِي الْقَلْبِ مَكَانًا خَالِيًا مِنْ حُبِّهِ يَشْغَلُهُ مَحَبَّةُ الْبِرِّ. بَلْ تِلْكَ الْمَحَبَّةُ قَدِ اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ بِالذَّاتِ بِلَا سَبَبٍ. وَمَعَ هَذَا فَلَا يُزِيلُ الْوَهْمَ. فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا. وَكُلَّمَا قَوِيَتِ الْمَعْرِفَةُ وَالْبِرُّ قَوِيَتِ الْمَحَبَّةُ. وَلَا نِهَايَةَ لِجَمَالِ الْمَحْبُوبِ وَلَا بِرِّهِ. فَلَا نِهَايَةَ لِمَحَبَّتِهِ، بَلْ لَوِ اجْتَمَعَتْ مَحَبَّةُ الْخَلْقِ كُلِّهُمْ وَكَانَتْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: كَانَ ذَلِكَ دُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ. وَلِهَذَا لَا تُسَمَّى مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عِشْقًا - كَمَا سَيَأْتِي - لِأَنَّهُ إِفْرَاطُ الْمَحَبَّةِ، وَالْعَبْدُ لَا يَصِلُ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ إِلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ، أَلْبَتَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ৯৯৩
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْمَحَبَّةُ أَنْ يَكُونَ كُلُّكَ بِالْمَحْبُوبِ مَشْغُولًا، وَذَلِكَ لَهُ مَبْذُولًا. الثَّلَاثُونَ: وَهُوَ مِنْ أَجْمَعِ مَا قِيل فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْكَتَّانِيُّ: جَرَتْ مَسْأَلَةٌ فِي الْمَحَبَّةِ بِمَكَّةَ - أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى - أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، فَتَكَلَّمَ الشُّيُوخُ فِيهَا. وَكَانَ الْجُنَيْدُ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا. فَقَالُوا: هَاتِ مَا عِنْدَكَ يَا عِرَاقِيُّ. فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ، وَدَمِعَتْ عَيْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ: عَبْدٌ ذَاهِبٌ عَنْ نَفْسِهِ، مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ رَبِّهِ، قَائِمٌ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ، أَحْرَقَتْ قَلْبَهُ أَنْوَارُ هَيْبَتِهِ. وَصَفَا شُرْبُهُ مِنْ كَأْسِ وُدِّهِ. وَانْكَشَفَ لَهُ الْجَبَّارُ مِنْ أَسْتَارِ غَيْبِهِ. فَإِنْ تَكَلَّمَ فَبِاللَّهِ. وَإِنْ نَطَقَ فَعَنِ اللَّهِ. وَإِنْ تَحَرَّكَ فَبِأَمْرِ اللَّهِ. وَإِنْ سَكَنَ فَمَعَ اللَّهِ. فَهُوَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَمَعَ اللَّهِ. فَبَكَى الشُّيُوخُ وَقَالُوا: مَا عَلَى هَذَا مَزِيدٌ. جَزَاكَ اللَّهُ يَا تَاجَ الْعَارِفِينَ. [فصل أسباب المحبة] فِي الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِلْمَحَبَّةِ، وَالْمُوجِبَةِ لَهَا وَهِيَ عَشَرَةٌ. أَحَدُهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ الْعَبْدُ وَيَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرَادَ صَاحِبِهِ مِنْهُ. الثَّانِي: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ. فَإِنَّهَا تُوَصِّلُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَحْبُوبِيَّةِ بَعْدَ الْمَحَبَّةِ. الثَّالِثُ: دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ: بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ. فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ. الرَّابِعُ: إِيثَارُ مَحَابِّهِ عَلَى مَحَابِّكَ عِنْدَ غَلَبَاتِ الْهَوَى، وَالتَّسَنُّمُ إِلَى مَحَابِّهِ، وَإِنْ صَعُبَ الْمُرْتَقَى. الْخَامِسُ: مُطَالَعَةُ الْقَلْبِ لِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمَعْرِفَتُهَا. وَتَقَلُّبُهُ فِي رِيَاضِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَمَبَادِيهَا. فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ: أَحَبَّهُ لَا مَحَالَةَ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْمُعَطِّلَةُ وَالْفِرْعَوْنِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْقُلُوبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَحْبُوبِ. السَّادِسُ: مُشَاهَدَةُ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَآلَائِهِ، وَنِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ. فَإِنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى مَحَبَّتِهِ.
পৃষ্ঠা - ৯৯৪
السَّابِعُ: وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِهَا، انْكِسَارُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْأَسْمَاءِ وَالْعِبَارَاتِ. الثَّامِنُ: الْخَلْوَةُ بِهِ وَقْتَ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، لِمُنَاجَاتِهِ وَتِلَاوَةِ كَلَامِهِ، وَالْوُقُوفِ بِالْقَلْبِ وَالتَّأَدُّبِ بِأَدَبِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ خَتْمِ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ. التَّاسِعُ: مُجَالَسَةُ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ، وَالْتِقَاطُ أَطَايِبِ ثَمَرَاتِ كَلَامِهِمْ كَمَا يَنْتَقِي أَطَايِبَ الثَّمَرِ. وَلَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ الْكَلَامِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَزِيدًا لِحَالِكَ، وَمَنْفَعَةً لِغَيْرِكَ. الْعَاشِرُ: مُبَاعَدَةُ كُلِّ سَبَبٍ يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشْرَةِ: وَصَلَ الْمُحِبُّونَ إِلَى مَنَازِلِ الْمَحَبَّةِ. وَدَخَلُوا عَلَى الْحَبِيبِ. وَمِلَاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَمْرَانِ: اسْتِعْدَادُ الرُّوحِ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَانْفِتَاحُ عَيْنِ الْبَصِيرَةِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. [فَصْلٌ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ] فَصْلٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مُعَلَّقٌ بِطَرَفَيْنِ: طَرَفُ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ. وَطَرَفُ مَحَبَّةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ. وَالنَّاسُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ وَنَفْيِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَأَهْلٌ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ عَلَى إِثْبَاتِ الطَّرَفَيْنِ، وَأَنَّ مَحَبَّةَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ فَوْقَ كُلِّ مَحَبَّةٍ تُقَدَّرُ. وَلَا نِسْبَةَ لِسَائِرِ الْمَحَابِّ إِلَيْهَا. وَهِيَ حَقِيقَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَحَبَّةُ الرَّبِّ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ: صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى رَحْمَتِهِ، وَإِحْسَانِهِ وَعَطَائِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ أَثَرُ الْمَحَبَّةِ وَمُوجِبُهَا. فَإِنَّهُ لِمَا أَحَبَّهُمْ كَانَ نَصِيبُهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ وَبِرِّهِ أَتَمَّ نَصِيبٍ. وَالْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ عَكْسُ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُحَبُّ. وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ تَكْذِيبُ النُّصُوصِ. فَأَوَّلُوا نُصُوصَ مَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ عَلَى مَحَبَّةِ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَالِازْدِيَادِ مِنَ الْأَعْمَالِ لِيَنَالُوا بِهَا الثَّوَابَ. وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهِمْ بِهَا لَفْظَ الْمَحَبَّةِ فَلِمَا يَنَالُونَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، وَالثَّوَابُ الْمُنْفَصِلُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى مَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ حُبَّ الْوَسَائِلِ. وَأَوَّلُوا نُصُوصَ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ. وَإِعْطَائِهِمُ الثَّوَابَ. وَرُبَّمَا أَوَّلُوهَا بِثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ وَمَدْحِهِ لَهُمْ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَرُبَّمَا أَوَّلُوهَا بِإِرَادَتِهِ لِذَلِكَ. فَتَارَةً يُؤَوِّلُونَهَا بِالْمَفْعُولِ الْمُنْفَصِلِ. وَتَارَةً يُؤَوِّلُونَهَا بِنَفْسِ الْإِرَادَةِ. وَيَقُولُونَ: الْإِرَادَةُ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِتَخْصِيصِ الْعَبْدِ بِالْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ: سُمِّيَتْ
পৃষ্ঠা - ৯৯৫
مَحَبَّةً، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعُقُوبَةِ وَالِانْتِقَامِ: سُمِّيَتْ غَضَبًا وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعُمُومِ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ الْخَاصِّ: سُمِّيَتْ بِرًّا وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِإِيصَالِهِ فِي خَفَاءٍ، مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، وَلَا يَحْتَسِبُ: سُمِّيَتْ لُطْفًا وَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَلَهَا أَسْمَاءٌ وَأَحْكَامٌ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقَاتِهَا. وَمَنْ جَعَلَ مَحَبَّتَهُ لِلْعَبْدِ ثَنَاءَهُ عَلَيْهِ وَمَدْحَهُ لَهُ: رَدَّهَا إِلَى صِفَةِ الْكَلَامِ. فَهِيَ عِنْدُهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. وَالْفِعْلُ عِنْدَهُ نَفْسُ الْمَفْعُولِ. فَلَمْ يَقُمْ بِذَاتِ الرَّبِّ مَحَبَّةٌ لِعَبْدِهِ، وَلَا لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ أَلْبَتَّةَ. وَمَنْ رَدَّهَا إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ جَعَلَهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْإِرَادَةِ، وَمِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا. وَلِمَّا رَأَى هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمَحَبَّةَ إِرَادَةٌ، مَنْ رَأَى ذَلِكَ قَالَ وَأَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمُحْدَثِ الْمَقْدُورِ، وَالْقَدِيمُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُرَادَ: أَنْكَرُوا مَحَبَّةَ الْعِبَادِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالرُّسُلِ لَهُ. وَقَالُوا: لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالتَّعْظِيمُ لَهُ، وَإِرَادَةُ عِبَادَتِهِ. فَأَنْكَرُوا خَاصَّةَ الْإِلَهِيَّةِ، وَخَاصَّةَ الْعُبُودِيَّةِ. وَاعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا مِنْ مُوجِبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ. فَعِنْدَهُمْ لَا يَتِمُّ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ إِلَّا بِجَحْدِ حَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَجَحْدِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ. وَجَمِيعُ طُرُقِ الْأَدِلَّةِ - عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً، وَقِيَاسًا وَاعْتِبَارًا، وَذْوَقًا وَوَجْدًا - تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَالرَّبِّ لِعَبْدِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا لِذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ طَرِيقٍ فِي كِتَابِنَا الْكَبِيرِ فِي الْمَحَبَّةِ. وَذَكَرْنَا فِيهِ فَوَائِدَ الْمَحَبَّةِ، وَمَا تُثْمِرُ لِصَاحِبِهَا مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَأَسْبَابَهَا وَمُوجِبَاتِهَا، وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا. وَبَيَانَ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَأَنَّ الْمُنْكِرِينَ لِذَلِكَ قَدْ أَنْكَرُوا خَاصَّةَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْغَايَةَ الَّتِي وُجِدُوا لِأَجْلِهَا. فَإِنَّ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ، وَالثَّوَابَ، وَالْعِقَابَ: إِنَّمَا نَشَأَ عَنِ الْمَحَبَّةِ وَلِأَجْلِهَا. وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي بِهِ خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَهِيَ سِرُّ التَّأْلِيهِ. وَتَوْحِيدُهَا: هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ الْمُنْكِرُونَ: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الرَّبُّ الْخَالِقُ. فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لَا رَبَّ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَبِأَنَّهُ وَحْدَهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. وَلَمْ يَكُونُوا مُقِرِّينَ بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ، بَلْ كَانُوا يُؤَلِّهُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ. وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَصَاحِبُهُ مِمَّنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]
পৃষ্ঠা - ৯৯৬
فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ مَنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى: فَهُوَ مِمَّنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا، فَهَذَا نِدٌّ فِي الْمَحَبَّةِ، لَا فِي الْخَلْقِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا النِّدَّ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، بِخِلَافِ نِدِّ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْأَرْضِ قَدِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا فِي الْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ. ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] وَفِي تَقْدِيرِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَنْدَادِ لِأَنْدَادِهِمْ وَآلِهَتِهِمُ الَّتِي يُحِبُّونَهَا، وَيُعَظِّمُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَالثَّانِي: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْمُشْرِكِينَ بِالْأَنْدَادِ لِلَّهِ. فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُؤْمِنِينَ خَالِصَةٌ، وَمَحَبَّةَ أَصْحَابِ الْأَنْدَادِ قَدْ ذَهَبَتْ أَنْدَادُهُمْ بِقِسْطٍ مِنْهَا. وَالْمَحَبَّةُ الْخَالِصَةُ: أَشَدُّ مِنَ الْمُشْتَرَكَةِ. وَالْقَوْلَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165] فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ. فَيَكُونُ قَدْ أَثْبَتَ لَهُمْ مَحَبَّةَ اللَّهِ. وَلَكِنَّهَا مَحَبَّةٌ يُشْرِكُونَ فِيهَا مَعَ اللَّهِ أَنْدَادًا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى يُحِبُّونَ أَنْدَادَهُمْ كَمَا يُحِبُّ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ أَشَدُّ مِنْ مَحَبَّةِ أَصْحَابِ الْأَنْدَادِ لِأَنْدَادِهِمْ. وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا ذُمُّوا بِأَنْ أَشْرَكُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْدَادِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ. وَلَمْ يُخْلِصُوهَا لِلَّهِ كَمَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ. وَهَذِهِ التَّسْوِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ. وَهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ
পৃষ্ঠা - ৯৯৭
لِآلِهَتِهِمْ وَأَنْدَادِهِمْ، وَهِيَ مُحْضَرَةٌ مَعَهُمْ فِي الْعَذَابِ {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 - 98] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوهُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْخَلْقِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. وَإِنَّمَا سَوَّوْهُمْ بِهِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ. . وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الْعَدْلُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] أَيْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: الْبَاءُ. بِمَعْنَى " عَنْ " وَالْمَعْنَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَنْ رَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ. وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ. إِذْ لَا تَقُولُ الْعَرَبُ عَدَلْتُ بِكَذَا، أَيْ عَدَلْتُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي فِعْلِ السُّؤَالِ. نَحْوَ: سَأَلْتُ بِكَذَا. أَيْ عَنْهُ. كَأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ: اعْتَنَيْتُ بِهِ وَاهْتَمَمْتُ. وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وَهِيَ تُسَمَّى آيَةُ الْمَحَبَّةِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: لَمَّا ادَّعَتِ الْقُلُوبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ: أَنْزَلَ اللَّهُ لَهَا مِحْنَةً {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] . قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ادَّعَى قَوْمٌ مَحَبَّةَ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْمِحْنَةِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] . وَقَالَ " {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلِ الْمَحَبَّةِ وَثَمَرَتِهَا، وَفَائِدَتِهَا. فَدَلِيلُهَا وَعَلَامَتُهَا: اتِّبَاعُ الرَّسُولِ. وَفَائِدَتُهَا وَثَمَرَتُهَا: مَحَبَّةُ الْمُرْسَلِ لَكُمْ. فَمَا لَمْ تَحْصُلِ الْمُتَابَعَةُ. فَلَيْسَتْ مَحَبَّتُكُمْ لَهُ حَاصِلَةً. وَمَحَبَّتُهُ لَكُمْ مُنْتَفِيَةً. وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54] فَقَدْ ذَكَرَ لَهُمْ أَرْبَعَ عَلَامَاتٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَذِلَّةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَرِقَّاءُ، رُحَمَاءُ مُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. عَاطِفُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا ضَمَّنَ أَذِلَّةً هَذَا الْمَعْنَى عَدَّاهُ بِأَدَاةِ " عَلَى ". قَالَ عَطَاءٌ: لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وَعَلَى الْكَافِرِينَ كَالْأَسَدِ عَلَى فَرِيسَتِهِ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] .
পৃষ্ঠা - ৯৯৮
الْعَلَامَةُ الثَّالِثَةُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالنَّفْسِ وَالْيَدِ، وَاللِّسَانِ وَالْمَالِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقُ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ. الْعَلَامَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَهَذَا عَلَامَةُ صِحَّةِ الْمَحَبَّةِ فَكُلُّ مُحِبٍّ يَأْخُذُهُ اللَّوْمُ عَنْ مَحْبُوبِهِ فَلَيْسَ بِمُحِبٍّ عَلَى الْحَقِيقَةِ. كَمَا قِيلَ: لَا كَانَ مَنْ لِسِوَاكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ ... يَجِدُ السَّبِيلَ بِهَا إِلَيْهِ اللُّوَمُ. وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]- إِلَى قَوْلِهِ - {مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] فَذِكْرُ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثِ: الْحُبُّ. وَهُوَ ابْتِغَاءُ الْقُرْبِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَسُّلُ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِغَاءَ الْوَسِيلَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى رَجَاءِ الرَّحْمَةِ وَخَوْفِ الْعَذَابِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا: أَنَّكَ لَا تَتَنَافَسُ إِلَّا فِي قُرْبِ مَنْ تُحِبُّ قُرْبَهُ، وَحُبُّ قُرْبِهِ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ ذَاتِهِ. بَلْ مَحَبَّةُ ذَاتِهِ أَوْجَبَتْ مَحَبَّةَ الْقُرْبِ مِنْهُ. وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ: مَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْءٌ. فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا تَقْرَبُ ذَاتُهُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا يَقْرَبُ مِنْ ذَاتِهِ شَيْءٌ، وَلَا يُحِبُّ لِذَاتِهِ. وَلَا يُحَبُّ. فَأَنْكَرُوا حَيَاةَ الْقُلُوبِ، وَنَعِيمَ الْأَرْوَاحِ، وَبَهْجَةَ النُّفُوسِ، وَقُرَّةَ الْعُيُونِ، وَأَعْلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلِذَلِكَ ضُرِبَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْقَسْوَةِ، وَضُرِبَتْ دُونَهُمْ وَدُونَ اللَّهِ حُجُبٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَلَا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ. وَلَا يَذْكُرُونَهُ إِلَّا عِنْدَ تَعْطِيلِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَذِكْرُهُمْ أَعْظَمُ آثَامِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ. بَلْ يُعَاقِبُونَ مَنْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ. وَيَرْمُونَهُمْ بِالْأَدْوَاءِ الَّتِي هُمْ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَحَسْبُ ذِي الْبَصِيرَةِ وَحَيَاةِ الْقَلْبِ: مَا يَرَى عَلَى كَلَامِهِمْ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْمَقْتِ، وَالتَّنْفِيرِ عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]
পৃষ্ঠা - ৯৯৯
وَقَالَ أَحْبَابُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19] فَجَعَلَ غَايَةَ أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِينَ وَالْمُحِبِّينَ: إِرَادَةَ وَجْهِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] فَجَعَلَ إِرَادَتَهُ غَيْرَ إِرَادَةِ الْآخِرَةِ. . وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ لِوَجْهِهِ مُوجِبَةٌ لِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنِ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ: أَحْيِنِي إِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي. وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا. وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى. وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ. وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ. وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ. اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ. وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» . فَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى ثُبُوتِ لَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، وَعَلَى ثُبُوتِ الشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ. وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ، فَضْلًا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ لَذَّةٌ. كَمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ دَاعِيًا يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالَ: وَيْحَكَ! هَبْ أَنَّ لَهُ وَجْهًا، أَفَتَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ؟ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مِنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ. وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ - بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ - كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ
পৃষ্ঠা - ১০০০
أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» . وَذَكَرَ فِي الْبُغْضِ عَكْسَ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي حَدِيثِ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " لِأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ. فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» . وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي. وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ» . وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ. اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ، فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا فِيمَا تُحِبُّ» . وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بِذِكْرِ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَذِكْرِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ - وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 134]
পৃষ্ঠা - ১০০১
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ - فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 222 - 76] . وَقَوْلِهِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ - وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ - وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 205 - 36] .
পৃষ্ঠা - ১০০২
وَكَمْ فِي السُّنَّةِ " أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ كَذَا وَكَذَا "، وَ " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كَذَا وَكَذَا " كَقَوْلِهِ «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَ «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَ «أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ: مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» وَقَوْلِهِ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ» . وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ ذَلِكَ. وَفَرَحُهُ الْعَظِيمُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ فَرَحٍ يَعْلَمُهُ الْعِبَادُ. وَهُوَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلتَّوْبَةِ وَلِلتَّائِبِ. فَلَوْ بَطَلَتْ مَسْأَلَةُ الْمَحَبَّةِ لَبَطَلَتْ جَمِيعُ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ. وَلَتَعَطَّلَتْ مَنَازِلُ السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ. فَإِنَّهَا رُوحُ كُلِّ مَقَامٍ وَمَنْزِلَةٍ وَعَمَلٍ. فَإِذَا خَلَا مِنْهَا فَهُوَ مَيِّتٌ لَا رُوحَ فِيهِ. وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْأَعْمَالِ كَنِسْبَةِ الْإِخْلَاصِ إِلَيْهَا. بَلْ هِيَ حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ، بَلْ هِيَ نَفْسُ الْإِسْلَامِ. فَإِنَّهُ الِاسْتِسْلَامُ بِالذُّلِّ وَالْحُبِّ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ. فَمَنْ لَا مَحَبَّةَ لَهُ لَا إِسْلَامَ لَهُ أَلْبَتَّةَ. بَلْ هِيَ حَقِيقَةُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي يَأْلَهُهُ الْعِبَادُ ذُلًّا، وَخَوْفًا وَرَجَاءً، وَتَعْظِيمًا وَطَاعَةً لَهُ. بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ. وَهُوَ الَّذِي تَأْلَهُهُ الْقُلُوبُ. أَيْ تُحِبُّهُ وَتَذِلُّ لَهُ.
পৃষ্ঠা - ১০০৩
وَأَصْلُ التَّأَلُّهِ التَّعَبُّدُ. وَالتَّعَبُّدُ آخِرُ مَرَاتِبِ الْحُبِّ. يُقَالُ: عَبَّدَهُ الْحُبُّ وَتَيَّمَهُ: إِذَا مَلَكَهُ وَذَلَّلَهُ لِمَحْبُوبِهِ. فَ " الْمَحَبَّةُ " حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ. وَهَلْ تُمْكِنُ الْإِنَابَةُ بِدُونِ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، وَالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ! ! وَهَلِ الصَّبْرُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا صَبْرَ الْمُحِبِّينَ! ! فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُتَوَكَّلُ عَلَى الْمَحْبُوبِ فِي حُصُولِ مَحَابِّهِ وَمَرَاضِيهِ. وَكَذَلِكَ الزُّهْدُ فِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ زُهْدُ الْمُحِبِّينَ. فَإِنَّهُمْ يَزْهَدُونَ فِي مَحَبَّةِ مَا سِوَى مَحْبُوبِهِمْ لِمَحَبَّتِهِ. وَكَذَلِكَ الْحَيَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ: إِنَّمَا هُوَ حَيَاءُ الْمُحِبِّينَ. فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ الْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ. وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ عَنْ مَحَبَّةٍ: فَذَلِكَ خَوْفٌ مَحْضٌ. وَكَذَلِكَ مَقَامُ الْفَقْرِ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَقْرُ الْأَرْوَاحِ إِلَى مَحْبُوبِهَا. وَهُوَ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْفَقْرِ. فَإِنَّهُ لَا فَقْرَ أَتَمُّ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ إِلَى مَنْ يُحِبُّهُ. لَا سِيَّمَا إِذَا وَحَّدَهُ فِي الْحُبِّ، وَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ عِوَضًا سِوَاهُ. هَذَا حَقِيقَةُ الْفَقْرِ عِنْدَ الْعَارِفِينَ. وَكَذَلِكَ الْغِنَى هُوَ غِنَى الْقَلْبِ بِحُصُولِ مَحْبُوبِهِ. وَكَذَلِكَ الشَّوْقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلِقَائِهِ. فَإِنَّهُ لُبُّ الْمَحَبَّةِ وَسِرُّهَا. كَمَا سَيَأْتِي. فَمُنْكِرُ الْمَحَبَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُعَطِّلُهَا مِنَ الْقُلُوبِ: مُعَطِّلٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ. وَحِجَابُهُ أَكْثَفُ الْحُجُبِ. وَقَلْبُهُ أَقْسَى الْقُلُوبِ، وَأَبْعَدُهَا عَنِ اللَّهِ. وَهُوَ مُنْكِرٌ لِخُلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَإِنَّ الْخُلَّةَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ. وَهُوَ يَتَأَوَّلُ الْخَلِيلَ بِالْمُحْتَاجِ. فَخَلِيلُ اللَّهِ عِنْدَهُ: هُوَ الْمُحْتَاجُ. فَكَمْ - عَلَى قَوْلِهِ - لِلَّهِ مِنْ خَلِيلٍ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، بَلْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. إِذْ كَثِيرٌ مِنَ الْفُجَّارِ وَالْكُفَّارِ مَنْ يُنْزِلُ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا بِاللَّهِ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا. وَيَرَى نَفْسَهُ أَحْوَجَ شَيْءٍ إِلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ. فَلَا بِالْخُلَّةِ أَقَرَّ الْمُنْكِرُونَ، وَلَا بِالْعُبُودِيَّةِ، وَلَا بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَا بِحَقَائِقِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ. وَلِهَذَا ضَحَّى خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِمُقَدَّمِ هَؤُلَاءِ وَشَيْخِهِمْ جَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ فِي يَوْمِ عِيدِ اللَّهِ الْأَكْبَرِ، عَقِيبَ خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، ضَحُّوا. تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ. فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا. تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ، فَشَكَرَ الْمُسْلِمُونَ سَعْيَهُ. وَرَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقَبَّلَ مِنْهُ.
পৃষ্ঠা - ১০০৪
[فَصْلٌ فِي مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ] أَوَّلُهَا: الْعَلَاقَةُ، وَسُمِّيَتْ عَلَاقَةً لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ. قَالَ الشَّاعِرُ: أَعَلَاقَةً أُمَّ الْوَلِيدِ بُعَيْدَ مَا ... أَفْنَانُ رَأْسِكِ كَالثَّغَامِ الْمُخْلِسِ. الثَّانِيَةُ: الْإِرَادَةُ، وَهِيَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مَحْبُوبِهِ وَطَلَبُهُ لَهُ. الثَّالِثَةُ: الصَّبَابَةُ، وَهِيَ انْصِبَابُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ. بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ. كَانْصِبَابِ الْمَاءِ فِي الْحُدُورِ. فَاسْمُ الصِّفَةِ مِنْهَا صَبٌّ وَالْفِعْلُ صَبَا إِلَيْهِ يَصْبُو صَبًا، وَصَبَابَةً، فَعَاقَبُوا بَيْنَ الْمُضَاعَفِ وَالْمُعْتَلِّ، وَجَعَلُوا الْفِعْلَ مِنَ الْمُعْتَلِّ وَالصِّفَةَ مِنَ الْمُضَاعَفِ. وَيُقَالُ: صَبَا وَصَبْوَةً، وَصَبَابَةً. فَالصَّبَا: أَصْلُ الْمَيْلِ. وَالصَّبْوَةُ: فَوْقَهُ، وَالصَّبَابَةُ: الْمَيْلُ اللَّازِمُ. وَانْصِبَابُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ. الرَّابِعَةُ: الْغَرَامُ وَهُوَ الْحُبُّ اللَّازِمُ لِلْقَلْبِ، الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ. بَلْ يُلَازِمُهُ كَمُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ. وَمِنْهُ سُمِّيَ عَذَابُ النَّارِ غَرَامًا لِلُزُومِهِ لِأَهْلِهِ. وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِ لَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] . الْخَامِسَةُ: الْوِدَادُ وَهُوَ صَفْوُ الْمَحَبَّةِ، مَرَاتِبُهَا عَشَرَةٌ وَخَالِصُهَا وَلُبُّهَا، وَالْوَدُودُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْمَوْدُودُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: الْوَدُودُ الْحَبِيبُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْوَادُّ لِعِبَادِهِ. أَيِ الْمُحِبُّ لَهُمْ. وَقَرَنَهُ بِاسْمِهِ الْغَفُورِ إِعْلَامًا بِأَنَّهُ
পৃষ্ঠা - ১০০৫
يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيُحِبُّ التَّائِبَ مِنْهُ، وَيَوَدُّهُ. فَحَظُّ التَّائِبِ: نَيْلُ الْمَغْفِرَةِ مِنْهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ " الْوَدُودُ " فِي مَعْنًى يَكُونُ سِرُّ الِاقْتِرَانِ. أَيِ اقْتِرَانُ " الْوَدُودِ بِالْغَفُورِ " اسْتِدْعَاءَ مَوَدَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، وَمَحَبَّتِهِمْ إِيَّاهُ بِاسْمِ الْغَفُورِ. السَّادِسَةُ: الشَّغَفُ يُقَالُ: شُغِفَ بِكَذَا. فَهُوَ مَشْغُوفٌ بِهِ. وَقَدْ شَغَفَهُ الْمَحْبُوبُ. أَيْ وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهِ. كَمَا قَالَ النِّسْوَةُ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْحُبُّ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْقَلْبِ، بِحَيْثُ يَحْجُبُهُ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَجَبَ حُبُّهُ قَلْبَهَا حَتَّى لَا تَعْقِلَ سِوَاهُ. الثَّانِي: الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ. قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ: الْمَعْنَى أَحَبَّتْهُ حَتَّى دَخَلَ حُبُّهُ شَغَافَ قَلْبِهَا، أَيْ دَاخِلَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى غِشَاءِ الْقَلْبِ. وَالشَّغَافُ غِشَاءُ الْقَلْبِ إِذَا وَصَلَ الْحُبُّ إِلَيْهِ بَاشَرَ الْقَلْبَ. قَالَ السُّدِّيُّ: الشَّغَافُ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ عَلَى الْقَلْبِ. يَقُولُ: دَخَلَهُ الْحُبُّ حَتَّى أَصَابَ الْقَلْبَ. وَقَرَأَ بَعْضُ السَّلَفِ " شَعَفَهَا " بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. وَمَعْنَاهُ: ذَهَبَ الْحُبُّ بِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ. وَبَلَغَ بِهَا أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، وَمِنْهُ: شَعَفُ الْجِبَالِ، لِرُءُوسِهَا. السَّابِعَةُ: الْعِشْقُ وَهُوَ الْحُبُّ الْمُفْرِطُ الَّذِي يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ إِبْرَاهِيمُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ الْعِشْقُ.
পৃষ্ঠা - ১০০৬
وَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - شَابٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ يَعْرِفُهُ - قَدْ صَارَ كَالْخَلَالِ. فَقَالَ: مَا بِهِ؟ قَالُوا: الْعِشْقُ. فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَامَّةَ دُعَائِهِ بِعَرَفَةَ: الِاسْتِعَاذَةَ مِنَ الْعِشْقِ. وَفِي اشْتِقَاقِهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْعَشَقَةِ - مُحَرَّكَةً - وَهِيَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يَلْتَوِي عَلَى الشَّجَرِ، فَشُبِّهَ بِهِ الْعَاشِقُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْإِفْرَاطِ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: فَلَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَا الْعَبْدُ فِي مَحَبَّةِ رَبِّهِ. وَإِنْ أَطْلَقَهُ سَكْرَانُ مِنَ الْمَحَبَّةِ قَدْ أَفْنَاهُ الْحُبُّ عَنْ تَمْيِيزِهِ. كَانَ فِي خِفَارَةِ صِدْقِهِ وَمَحَبَّتِهِ. الثَّامِنَةُ: التَّتَيُّمُ وَهُوَ التَّعَبُّدُ، وَالتَّذَلُّلُ. يُقَالُ: تَيَّمَهُ الْحُبُّ أَيْ ذَلَّلَهُ وَعَبَّدَهُ. وَتَيْمُ اللَّهُ: عَبْدُ اللَّهِ. وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيُتْمِ - الَّذِي هُوَ الِانْفِرَادُ - تَلَاقٍ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَوْسَطِ، وَتَنَاسُبٌ فِي الْمَعْنَى. فَإِنَّ الْمُتَيَّمَ الْمُنْفَرِدُ بِحُبِّهِ وَشَجْوِهِ. كَانْفِرَادِ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ عَنْ أَبِيهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَكْسُورٌ ذَلِيلٌ. هَذَا كَسَرَهُ يُتْمٌ. وَهَذَا كَسَرَهُ تَتَيُّمٌ. التَّاسِعَةُ: التَّعَبُّدُ وَهُوَ فَوْقَ التَّتَيُّمِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي قَدْ مَلَكَ الْمَحْبُوبُ رِقَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ. بَلْ كُلُّهُ عَبَدٌ لِمَحْبُوبِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ. وَمَنْ كَمَّلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَمَّلَ مَرْتَبَتَهَا. وَلَمَّا كَمَّلَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ: وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ. مَقَامِ الْإِسْرَاءِ، كَقَوْلِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وَمَقَامِ الدَّعْوَةِ. كَقَوْلِهِ {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] وَمَقَامِ التَّحَدِّي كَقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] وَبِذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُمْ، إِذَا طَلَبُوا مِنْهُ الشَّفَاعَةَ - بَعْدَ
পৃষ্ঠা - ১০০৭
الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ". سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: فَحَصَلَتْ لَهُ تِلْكَ الْمَرْتَبَةُ. بِتَكْمِيلِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَمَالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُ. وَحَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ: الْحُبُّ التَّامُّ، مَعَ الذُّلِّ التَّامِّ وَالْخُضُوعِ لِلْمَحْبُوبِ. تَقُولُ الْعَرَبُ طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ أَيْ قَدْ ذَلَّلَتْهُ الْأَقْدَامُ وَسَهَّلَتْهُ. الْعَاشِرَةُ: مَرْتَبَةُ الْخُلَّةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الْخَلِيلَانِ - إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - كَمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» . وَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» . وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ. وَهُمَا يُبْطِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْخُلَّةُ
পৃষ্ঠা - ১০০৮
لِإِبْرَاهِيمَ. وَالْمَحَبَّةُ لِمُحَمَّدٍ، فَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُهُ وَمُحَمَّدٌ حَبِيبُهُ. وَالْخُلَّةُ هِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي تَخَلَّلَتْ رُوحَ الْمُحِبِّ وَقَلْبَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِ الْمَحْبُوبِ، كَمَا قِيلَ: قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَلِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلَا. وَهَذَا هُوَ السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أُمِرَ الْخَلِيلُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَثَمَرَةِ فُؤَادِهِ وَفِلْذَةِ كَبِدِهِ. لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ الْوَلَدَ فَأُعْطِيَهُ، تَعَلَّقَتْ بِهِ شُعْبَةٌ مِنْ قَلْبِهِ. وَالْخُلَّةُ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالْقِسْمَةَ. فَغَارَ الْخَلِيلُ عَلَى خَلِيلِهِ: أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِهِ. فَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ. لِيُخْرِجَ الْمُزَاحِمَ مِنْ قَلْبِهِ. فَلَمَّا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ عَزْمًا جَازِمًا: حَصَلَ مَقْصُودُ الْأَمْرِ. فَلَمْ يَبْقَ فِي إِزْهَاقِ نَفْسِ الْوَلَدِ مَصْلَحَةٌ. فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَفَدَاهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ لَهُ: {يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104] أَيْ عَمِلْتَ عَمَلَ الْمُصَدِّقِ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 80] نَجْزِي مَنْ بَادَرَ إِلَى طَاعَتِنَا، فَنُقِرُّ عَيْنَهُ كَمَا أَقْرَرْنَا عَيْنَكَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرَنَا، وَإِبْقَاءِ الْوَلَدِ وَسَلَامَتِهِ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] وَهُوَ اخْتِبَارُ الْمَحْبُوبِ لِمُحِبِّهِ، وَامْتِحَانُهُ إِيَّاهُ لِيُؤْثِرَ مَرْضَاتَهُ. فَيُتِمَّ عَلَيْهِ نِعَمَهُ، فَهُوَ بَلَاءُ مِحْنَةٍ وَمِنْحَةٍ عَلَيْهِ مَعًا. وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ إِنَّمَا دَعَا إِلَيْهَا بِهَا خَوَاصُّ خَلْقِهِ، وَأَهْلُ الْأَلْبَابِ وَالْبَصَائِرِ مِنْهُمْ. فَمَا كَلُّ أَحَدٍ يُجِيبُ دَاعِيهَا. وَلَا كُلُّ عَيْنٍ قَرِيرَةً بِهَا. وَأَهْلُهَا هُمُ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي وَسَطِ قَبْضَةِ الْيَمِينِ يَوْمَ الْقَبْضَتَيْنِ. وَسَائِرُ أَهْلِ الْيَمِينِ فِي أَطْرَافِهَا. فَمَا كَلُّ عَيْنٍ بِالْحَبِيبِ قَرِيرَةً ... وَلَا كُلُّ مَنْ نُودِيَ يُجِيبُ الْمُنَادِيَا وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ هُدَاكَ فَخَلِّهِ ... يُجِبْ كُلَّ مَنْ أَضْحَى إِلَى الْغَيِّ دَاعِيَا وَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمَّدِ: إِيَّاكِ أَنْ تَرَيْ ... سَنَا الشَّمْسِ فَاسْتَغْشَيْ ظَلَامَ اللَّيَالِيَا وَسَامِحْ نُفُوسًا لَمْ يَهَبْهَا لِحِبِّهِمْ ... وَدَعْهَا وَمَا اخْتَارَتْ وَلَا تَكُ جَافِيَا
পৃষ্ঠা - ১০০৯
وَقُلْ لِلَّذِي قَدْ غَابَ يَكْفِي عُقُوبَةُ مَغِيبِكَ عَنْ ذَا الشَّأْنِ لَوْ كُنْتَ وَاعِيَا ... وَوَاللَّهِ لَوْ أَضْحَى نَصِيبُكَ وَافِرًا رَحِمْتَ عَدُوًّا حَاسِدًا لَكَ قَالِيَا ... أَلَمْ تَرَ آثَارَ الْقَطِيعَةِ قَدْ بَدَتْ عَلَى حَالِهِ فَارْحَمْهُ إِنْ كُنْتَ رَاثِيَا ... خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ وَلَاءَمَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ بَادِيَا ... فَجَالَتْ وَصَالَتْ فِيهِ حَتَّى إِذَا النَّ هَارُ بَدَا اسْتَخْفَتْ وَأَعْطَتْ تَوَارِيَا ... فَيَا مِحْنَةَ الْحَسْنَاءِ تُهْدَى إِلَى امْرِئٍ ضَرِيرٍ وَعِنِّينٍ مِنَ الْوَجْدِ خَالِيَا ... إِذَا ظُلْمَةُ اللَّيْلِ انْجَلَتْ بِضِيَائِهَا يَعُودُ لِعَيْنَيْهِ ظَلَامًا كَمَا هِيَا ... فَضِنَّ بِهَا إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَى أَنْ تَرَى كُفْؤًا أَتَاكَ مُوَافِيَا ... فَمَا مَهْرُهَا شَيْءٌ سِوَى الرُّوحِ أَيُّهَا الْ جَبَانُ تَأَخَّرْ لَسْتَ كُفْؤًا مُسَاوِيَا ... فَكُنْ أَبَدًا حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبُ الْ مَحَبَّةِ فِي ظَهْرِ الْعَزَائِمِ سَارِيَا ... وَأَدْلِجْ وَلَا تَخْشَ الظَّلَامَ فَإِنَّهُ سَيَكْفِيكَ وَجْهُ الْحُبِّ فِي اللَّيْلِ هَادِيَا ... وَسُقْهَا بِذِكْرَاهُ مَطَايَاكَ إِنَّهُ سَيَكْفِي الْمَطَايَا طِيبُ ذِكْرَاهُ حَادِيَا ... وَعِدْهَا بِرُوحِ الْوَصْلِ تُعْطِيكَ سَيْرَهَا فَمَا شِئْتَ وَاسْتَبْقِ الْعِظَامَ الْبَوَالِيَا ... وَأَقْدِمْ فَإِمَّا مُنْيَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ تُرِيحُكَ مِنْ عَيْشٍ بِهِ لَسْتَ رَاضِيَا ... فَمَا ثَمَّ إِلَّا الْوَصْلُ أَوْ كَلَفٌ بِهِمْ وَحَسْبُكَ فَوْزًا ذَاكَ إِنْ كُنْتَ وَاعِيَا ... أَمَا سَئِمَتْ مِنْ عَيْشِهَا نَفْسُ وَالِهٍ تَبِيتُ بِنَارِ الْبُعْدِ تَلْقَى الْمَكَاوِيَا ... أَمَا مَوْتُهُ فِيهِمْ حَيَاةٌ؟ وَذُلُّهُ هُوَ الْعِزُّ وَالتَّوْفِيقُ مَا زَالَ غَالِيَا ... أَمَا يَسْتَحِي مَنْ يَدَّعِي الْحُبَّ بَاخِلًا بِمَا لِحَبِيبٍ عَنْهُ يَدْعُوهُ ذَا لِيَا ... أَمَا تِلْكَ دَعْوَى كَاذِبٍ لَيْسَ حَظُّهُ مِنَ الْحُبِّ إِلَّا قَوْلَهُ وَالْأَمَانِيَا ... أَمَّا أَنْفُسُ الْعُشَّاقِ مِلْكٌ لِغَيْرِهِمْ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحُبِّ مَا زَالَ فَاشِيَا ... أَمَا سَمِعَ الْعُشَّاقُ قَوْلَ حَبِيبَةٍ لِصَبٍّ بِهَا وَافَى مِنَ الْحُبِّ شَاكِيَا ... وَلَمَّا شَكَوْتُ الْحُبَّ قَالَتْ. كَذَبْتَنِي فَمَا لِي أَرَى الْأَعْضَاءَ مِنْكَ كَوَاسِيَا ... فَلَا حُبَّ حَتَّى يَلْصَقَ الْقَلْبُ بِالْحَشَا وَتَخْرَسَ حَتَّى لَا تُجِيبَ الْمُنَادِيَا ... وَتَنْحَلُّ حَتَّى لَا يُبْقِي لَكَ الْهَوَى سِوَى مُقْلَةٍ تَبْكِي بِهَا وَتُنَاجِيَا [فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ] فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَحَبَّةُ: تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ.
পৃষ্ঠা - ১০১০
يَعْنِي: تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ تَعَلُّقًا مُقْتَرِنًا بِهِمَّةِ الْمُحِبِّ، وَأُنْسِهِ بِالْمَحْبُوبِ، فِي حَالَتَيْ بَذْلِهِ وَمَنْعِهِ، وَإِفْرَادِهِ بِذَلِكَ التَّعَلُّقِ. بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ فِيهِ نَصِيبٌ. وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ نِهَايَةُ شِدَّةِ الطَّلَبِ، وَكَانَ الْمُحِبُّ شَدِيدَ الرَّغْبَةِ وَالطَّلَبِ: كَانَتِ الْهِمَّةُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ حُبِّهِ، وَجُمْلَةِ صِفَاتِهِ. وَلَمَّا كَانَ الطَّلَبُ بِالْهِمَّةِ قَدْ يَعْرَى عَنِ الْأُنْسِ، وَكَانَ الْمُحِبُّ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَأْنِسًا بِجَمَالِ مَحْبُوبِهِ، وَطَمَعِهِ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ. فَمِنْ هَذَيْنِ يَتَوَلَّدُ الْأُنْسُ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُحِبُّ مَوْصُوفًا بِالْأُنْسِ. فَصَارَتِ الْمَحَبَّةُ قَائِمَةً بَيْنَ الْهِمَّةِ وَالْأُنْسِ. وَيُرِيدُ بِالْبَذْلِ وَالْمَنْعِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بَذْلُ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ لِمَحْبُوبِهِ، وَمَنْعُهَا عَنْ غَيْرِهِ. فَيَكُونُ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ صِفَةَ الْمُحِبِّ، وَإِمَّا بَذْلُ الْحَبِيبِ وَمَنْعُهُ. فَتَتَعَلَّقُ هِمَّةُ الْمُحِبِّ بِهِ فِي حَالَتَيْ بَذْلِهِ وَمَنْعِهِ. وَيُرِيدُ بِالْإِفْرَادِ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا إِفْرَادُ الْمَحْبُوبِ وَتَوْحِيدُهُ بِذَلِكَ التَّعَلُّقِ. وَإِمَّا فَنَاءُهُ فِي مَحَبَّتِهِ، بِحَيْثُ يَنْسَى نَفْسَهُ وَصِفَاتِهِ فِي ذِكْرِ مَحَاسِنِ مَحْبُوبِهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا الْمَحْبُوبُ وَحْدَهُ. وَالْمَقْصُودُ: إِفْرَادُ الْمُحِبِّ لِمَحْبُوبِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمَحَبَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ] فَصْلٌ قَالَ: وَالْمَحَبَّةُ: أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ، وَالْعَقَبَةُ الَّتِي يَنْحَدِرُ مِنْهَا عَلَى مَنَازِلِ الْمَحْوِ. وَهِيَ آخِرُ مَنْزِلٍ تَلْتَقِي فِيهِ مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ، وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ. إِنَّمَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ أَوَّلَ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ: لِأَنَّهَا تُفْنِي خَوَاطِرَ الْمُحِبِّ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْغَيْرِ. وَأَوَّلُ مَا يَفْنَى مِنَ الْمُحِبِّ: خَوَاطِرُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا سِوَى مَحْبُوبِهِ. لِأَنَّهُ إِذَا انْجَذَبَ قَلْبُهُ بِكُلِّيَّتِهِ إِلَى مَحْبُوبِهِ انْجَذَبَتْ خَوَاطِرُهُ تَبَعًا. وَيُرِيدُ بِمَنَازِلِ الْمَحْوِ مَقَامَاتِهِ. وَأَوَّلُهَا: مَحْوُ الْأَفْعَالِ فِي فِعْلِ الْحَقِّ تَعَالَى. فَلَا يَرَى لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فِعْلًا. وَالثَّانِي: مَحْوُ الصِّفَاتِ الَّتِي فِي الْعَبْدِ. فَيَرَاهَا عَارِيَةً أُعِيرَهَا، وَهِبَةً وُهِبَهَا. لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى بَارِئِهِ وَفَاطِرِهِ، وَعَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ. فَيَعْلَمُ بِوَاسِطَةِ حَيَاتِهِ: مَعْنَى حَيَاةِ رَبِّهِ، وَبِوَاسِطَةِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَكَلَامِهِ وَغَضَبِهِ وَرِضَاهُ:
পৃষ্ঠা - ১০১১
مَعْنَى عِلْمِ رَبِّهِ، وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَكَلَامِهِ، وَغَضَبِهِ وَرِضَاهُ. وَلَوْلَا هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهِ لِمَا عَرَفَهَا مِنْ رَبِّهِ. وَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ فِي الْأَثَرِ الْإِسْرَائِيلِيِّ: اعْرِفْ نَفْسَكَ تَعْرِفْ رَبَّكَ. وَهَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْحَقِيقَةِ: أَثَرُ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهِ. فَإِنَّهَا أَثَرُ أَفْعَالِ الْحَقِّ، وَأَفْعَالُهُ مُوجِبُ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ. فَإِذَنْ عَادَ الْأَمْرُ كُلُّهُ إِلَى أَفْعَالِهِ، وَعَادَتْ أَفْعَالُهُ إِلَى صِفَاتِهِ. فَفِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ يَمْحُو الْعَبْدُ شُهُودَ صِفَاتِهِ وَوُجُودَهَا الَّذِي لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ. وَيُثْبِتُ شُهُودَ صِفَاتِ الْمَعْبُودِ وَوُجُودَهَا الْحَقِيقِيِّ. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنَحَ عَبْدَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِيَعْرِفَهُ بِهَا. وَيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا عَطَّلَ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا. فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. وَلِهَذَا يُوصَفُ الْغَافِلُ عَنِ اللَّهِ بِالصَّمِّ وَالْبَكَمِ وَالْعَمَى وَالْمَوْتِ، وَعَدَمِ الْعَقْلِ. الثَّالِثُ: مَحْوُ الذَّاتِ. وَهُوَ شُهُودُ تَفَرُّدِ الْحَقِّ تَعَالَى بِالْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا. وَأَنَّهُ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ. وَوُجُودُ كُلِّ مَا سِوَاهُ قَائِمٌ بِهِ وَأَثَرُ صُنْعِهِ. فَوُجُودُهُ هُوَ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ الْحَقُّ، الثَّابِتُ لِنَفْسِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا. وَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِذَلِكَ. وَهَذَا الْمَحْوُ يَصِحُّ بِاعْتَبَارَيْنِ. أَحَدُهُمَا: بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الذَّاتِيِّ. وَلَا رَيْبَ فِي إِثْبَاتِ مَحْوِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. إِذْ لَيْسَ مَعَ اللَّهِ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ سِوَاهُ. وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَمَوْجُودٌ بِإِيجَادِهِ سُبْحَانَهُ. الِاعْتِبَارُ الثَّانِي: الْمَحْوُ فِي الْمَشْهَدِ. فَلَا يَشْهَدُ فَاعِلًا غَيْرَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَلَا صِفَاتِ غَيْرَ صِفَاتِهِ، وَلَا مَوْجُودَ سِوَاهُ، لِغَيْبَتِهِ بِكَمَالِ شُهُودِهِ عَنْ شُهُودِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا مَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُودِ جُمْلَةً: فَهُوَ مَحْوُ الزَّنَادِقَةِ وَطَائِفَةِ الِاتِّحَادِيَّةِ. وَصَاحِبُ الْمَنَازِلِ وَكُلُّ وَلِيٍّ لِلَّهِ بَرِيءٌ مِنْهُمْ حَالًا وَعَقِيدَةً. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مِنْ عَقَبَةِ الْمَحَبَّةِ يَنْحَدِرُ الْمُحِبُّ عَلَى مَنَازِلِ الْمَحْوِ. وَلَمَّا كَانَتْ مَنَازِلُ الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ غَايَةً عِنْدَ صَاحِبِ الْمَنَازِلِ جَعَلَ الْمَحَبَّةَ عَقَبَةً يَنْحَدِرُ مِنْهَا إِلَيْهَا. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْمَحَبَّةَ غَايَةً: فَمَنَازِلُ الْمَحْوِ عِنْدَهُ أَوْدِيَةٌ يَصْعَدُ مِنْهَا إِلَى رُوحِ الْمَحَبَّةِ. وَلَيْسَ بَعْدَ الْمَحَبَّةِ الصَّحِيحَةِ إِلَّا مَنَازِلُ الْبَقَاءِ. وَأَمَّا الْفَنَاءُ وَالْمَحْوُ: فَعَقَبَاتٌ وَأَوْدِيَةٌ فِي طَرِيقِهَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০১২
قَوْلُهُ: وَهِيَ آخِرُ مَنْزِلَةٍ تَلْتَقِي فِيهَا مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ. هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَهُوَ: أَنَّ الْمَحَبَّةَ يُنْحَدَرُ مِنْهَا عَلَى أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ. فَهِيَ أَوَّلُ أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ. فَمُقَدَّمَةُ الْعَامَّةِ: هُمْ فِي آخِرِ مَقَامِ الْمَحَبَّةِ، وَسَاقَةُ الْخَاصَّةِ: فِي أَوَّلِ مَنْزِلِ الْفَنَاءِ. وَمَنْزِلَةُ الْفَنَاءِ مُتَّصِلَةٌ بِآخِرِ مَنْزِلَةِ الْمَحَبَّةِ. فَتَلْتَقِي حِينَئِذٍ مُقَدِّمَةُ الْعَامَّةِ بِسَاقَةِ الْخَاصَّةِ، هَذَا شَرْحُ كَلَامِهِ. وَعِنْدَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى: الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. وَهُوَ أَنَّ مُقَدِّمَةَ أَرْبَابِ الْفَنَاءِ يَلْتَقُونَ بِسَاقَةِ أَوْ بَابِ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّهُمْ أَمَامَهُمْ فِي السَّيْرِ. وَهُمْ أَمَامَ الرَّكْبِ دَائِمًا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَقَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ أَعْلَى شَأْنًا مِنْ أَهْلِ الْفَنَاءِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ] فَصْلٌ قَالَ: وَمَا دُونَهَا: أَغْرَاضٌ لِأَعْوَاضٍ. يَعْنِي مَا دُونَ الْمَحَبَّةِ مِنَ الْمَقَامَاتِ: فَهِيَ أَغْرَاضٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لِأَجْلِ أَعْوَاضٍ يَنَالُونَهَا، وَأَمَّا الْمُحِبُّونَ: فَإِنَّهُمْ عَبِيدٌ. وَالْعَبْدُ وَنَفْسُهُ وَعَمَلُهُ وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، فَكَيْفَ يُعَاوِضُهُ عَلَى مِلْكِهِ؟ وَالْأَجِيرُ عِنْدَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ يَنْصَرِفُ. وَالْعَبْدُ فِي الْبَابِ لَا يَنْصَرِفُ. فَلَا عُبُودِيَّةَ إِلَّا عُبُودِيَّةُ أَهْلِ الْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ. أُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. [فَصْلٌ الْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ] فَصْلٌ قَالَ: وَالْمَحَبَّةُ هِيَ سِمَةُ الطَّائِفَةِ، وَعُنْوَانُ الطَّرِيقَةِ، وَمَعْقِدُ النِّسْبَةِ. يَعْنِي: سِمَةُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُسَافِرِينَ إِلَى رَبِّهِمْ، الَّذِينَ رَكِبُوا جَنَاحَ السَّفَرِ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُفَارِقُوهُ إِلَى حِينِ اللِّقَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَعَدُوا عَلَى الْحَقَائِقِ. وَقَعَدَ مَنْ سِوَاهُمْ عَلَى الرُّسُومِ. وَعُنْوَانُ طَرِيقَتِهِمْ أَيْ دَلِيلُهَا. فَإِنَّ الْعُنْوَانَ يَدُلُّ عَلَى الْكِتَابِ، وَالْمَحَبَّةُ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الطَّالِبِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ. وَمَعْقِدُ النِّسْبَةِ أَيِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ. فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ إِلَّا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ مِنَ الْعَبْدِ وَالرُّبُوبِيَّةِ مِنَ الرَّبِّ. وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১০১৩
الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا فِي الرَّبِّ شَيْءٌ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ. فَالْعَبْدُ عَبْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَالرَّبُّ تَعَالَى هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَمَعْقِدُ نِسْبَةِ الْعُبُودِيَّةِ هُوَ الْمَحَبَّةُ. فَالْعُبُودِيَّةُ مَعْقُودَةٌ بِهَا، بِحَيْثُ مَتَى انْحَلَّتِ الْمَحَبَّةُ انْحَلَّتِ الْعُبُودِيَّةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ دَرَجَاتُ الْمَحَبَّةِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى مَحَبَّةٌ تَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ] فَصْلٌ قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: مَحَبَّةٌ تَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ، وَتُلِذُّ الْخِدْمَةَ. وَتُسَلِّي عَنِ الْمَصَائِبِ. قَوْلُهُ " تَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ " فَإِنَّ الْوَسَاوِسَ وَالْمَحَبَّةَ مُتَنَاقِضَانِ. فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ تُوجِبُ اسْتِيلَاءَ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ عَلَى الْقَلْبِ. وَالْوَسَاوِسُ تَقْتَضِي غَيْبَتَهُ عَنْهُ، حَتَّى تُوَسْوِسَ لَهُ نَفْسُهُ بِغَيْرِهِ. فَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْوَسَاوِسِ تَنَاقُضٌ شَدِيدٌ، كَمَا بَيْنَ الذِّكْرِ وَالْغَفْلَةِ. فَعَزِيمَةُ الْمَحَبَّةِ: تَنْفِي تَرَدُّدَ الْقَلْبِ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَغَيْرِهِ. وَذَلِكَ سَبَبُ الْوَسَاوِسِ، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَجِدَ الْمُحِبُّ الصَّادِقُ فَرَاغًا لِوَسْوَاسِ الْغَيْرِ، لِاسْتِغْرَاقِ قَلْبِهِ فِي حُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيْ مَحْبُوبِهِ. وَهَلِ الْوَسْوَاسُ إِلَّا لِأَهْلِ الْغَفْلَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَمِنْ أَيْنَ يَجْتَمِعُ الْحُبُّ وَالْوَسْوَاسُ؟ لَا كَانَ مَنْ لِسِوَاكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ ... فِيهَا يُقَسِّمُ فِكْرَهُ وَيُوَسْوَسُ. قَوْلُهُ " وَتُلِذُّ الْخِدْمَةُ " أَيِ الْمُحِبُّ يَلْتَذُّ بِخِدْمَةِ مَحْبُوبِهِ. فَيَرْتَفِعُ عَنْ رُؤْيَةِ التَّعَبِ الَّذِي يَرَاهُ الْخَلِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْخِدْمَةِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. قَوْلُهُ " وَتُسَلِّي عَنِ الْمَصَائِبِ " فَإِنَّ الْمُحِبَّ يَجِدُ فِي لَذَّةِ الْمَحَبَّةِ مَا يُنْسِيهِ الْمَصَائِبَ وَلَا يَجِدُ مِنْ مَسِّهَا مَا يَجِدُ غَيْرَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قَدِ اكْتَسَى طَبِيعَةً ثَانِيَةً لَيْسَتْ طَبِيعَةَ الْخَلْقِ. بَلْ يَقْوَى سُلْطَانُ الْمَحَبَّةِ، حَتَّى يَلْتَذَّ الْمُحِبُّ بِكَثِيرٍ مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي يُصِيبُهُ بِهَا حَبِيبَهُ أَعْظَمَ مِنَ الْتِذَاذِ الْخَلِيِّ بِحُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ. وَالذَّوْقُ وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ قَالَ: وَهِيَ مَحَبَّةٌ تَنْبُتُ مِنْ مُطَالَعَةِ الْمِنَّةِ. وَتُثْبِتُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ. وَتَنْمُو عَلَى الْإِجَابَةِ بِالْفَاقَةِ. قَوْلُهُ " تَنْبُتُ مِنْ مُطَالَعَةِ الْمِنَّةِ " أَيْ تَنْشَأُ مِنْ مُطَالَعَةِ الْعَبْدِ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَنِعَمَهُ
পৃষ্ঠা - ১০১৪
الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ، فَبِقَدْرِ مُطَالَعَتِهِ ذَلِكَ تَكُونُ قُوَّةُ الْمَحَبَّةِ. فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا، وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا. وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ قَطُّ إِحْسَانٌ إِلَّا مِنَ اللَّهِ. وَلَا إِسَاءَةَ إِلَّا مِنَ الشَّيْطَانِ. وَمِنْ أَعْظَمِ مُطَالَعَةِ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ: تَأْهِيلُهُ لِمَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ، وَمُتَابَعَةِ حَبِيبِهِ. وَأَصْلُ هَذَا: نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ. فَإِذَا دَارَ ذَلِكَ النُّورُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَذَاتِهِ: أَشْرَقَتْ ذَاتُهُ. فَرَأَى فِيهِ نَفْسَهُ، وَمَا أُهِلَّتْ لَهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ وَالْمَحَاسِنِ. فَعَلَتْ بِهِ هِمَّتُهُ. وَقَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ. وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ ظُلُمَاتُ نَفْسِهِ وَطَبْعِهِ. لِأَنَّ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا وَيَطْرُدُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. فَرَقِيَتْ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْهَيْبَةِ وَالْأُنْسِ إِلَى الْحَبِيبِ الْأَوَّلِ. نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى ... مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى ... وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ وَهَذَا النُّورُ كَالشَّمْسِ فِي قُلُوبِ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ، وَكَالْبَدْرِ فِي قُلُوبِ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَكَالنَّجْمِ فِي قُلُوبِ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَفَاوُتُهُمْ فِيهِ كَتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الزُّهْرَةِ وَالسُّهَى. قَوْلُهُ " وَتَثْبُتُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ " أَيْ ثَبَاتُهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَعْمَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ. فَبِحَسَبِ هَذَا الِاتِّبَاعِ يَكُونُ مَنْشَأُ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ وَثَبَاتِهَا وَقُوَّتِهَا. وَبِحَسَبِ نُقْصَانِهِ يَكُونُ نُقْصَانُهَا، كَمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ هَذَا الِاتِّبَاعَ يُوجِبُ الْمَحَبَّةَ وَالْمَحْبُوبِيَّةَ مَعًا. وَلَا يَتِمُّ الْأَمْرُ إِلَّا بِهِمَا. فَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي أَنْ تُحِبَّ اللَّهَ، بَلِ الشَّأْنُ فِي أَنْ يُحِبَّكَ اللَّهُ. وَلَا يُحِبَّكَ اللَّهُ إِلَّا إِذَا اتَّبَعْتَ حَبِيبَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَصَدَّقْتَهُ خَبَرًا، وَأَطَعْتَهُ أَمْرًا، وَأَجَبْتَهُ دَعْوَةً، وَآثَرْتَهُ طَوْعًا. وَفَنِيَتْ عَنْ حُكْمِ غَيْرِهِ بِحُكْمِهِ، وَعَنْ مَحَبَّتِهِ غَيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ بِمَحَبَّتِهِ، وَعَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ بِطَاعَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا تَتَعَنَّ. وَارْجِعْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَالْتَمِسْ نُورًا. فَلَسْتَ عَلَى شَيْءٍ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] أَيِ الشَّأْنُ فِي أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّكُمْ. لَا فِي أَنَّكُمْ تُحِبُّونَهُ، وَهَذَا لَا تَنَالُونَهُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْحَبِيبِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
পৃষ্ঠা - ১০১৫
قَوْلُهُ " وَتَنْمُو عَلَى الْإِجَابَةِ بِالْفَاقَةِ " الْإِجَابَةُ بِالْفَاقَةِ: أَنْ يُجِيبَ الدَّاعِي بِمَوْفُورِ الْأَعْمَالِ. وَهُوَ خَالٍ مِنْهَا. كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهَا، بَلْ يُجِيبُ دَعْوَتَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْلَاسِ وَالْفَقْرِ التَّامِّ. فَإِنَّ طَرِيقَةُ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ: تَأْبَى أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِهَا عَمَلٌ، أَوْ حَالٌ أَوْ مَقَامٌ. وَإِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى رَبِّهِ بِالْإِفْلَاسِ الْمَحْضِ، وَالْفَاقَةِ الْمُجَرَّدَةِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ تَنْمُو عَلَى هَذَا الْمَشْهَدِ، وَهَذِهِ الْإِجَابَةِ. وَمَا أَعَزَّهُ مِنْ مَقَامٍ. وَأَعْلَاهُ مِنْ مَشْهَدٍ. وَمَا أَنْفَعَهُ لِلْعَبْدِ! وَمَا أَجْلَبَهُ لِلْمَحَبَّةِ! وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى إِيثَارِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: مَحَبَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى إِيثَارِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَتُلْهِجُ اللِّسَانَ بِذِكْرِهِ. وَتُعَلِّقَ الْقَلْبَ بِشُهُودِهِ. وَهِيَ مَحَبَّةٌ تَظْهَرُ مِنْ مُطَالَعَةِ الصِّفَاتِ، وَالنَّظَرِ إِلَى الْآيَاتِ، وَالِارْتِيَاضِ بِالْمَقَامَاتِ. هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا، بِاعْتِبَارِ سَبَبِهَا وَغَايَتِهَا. فَإِنَّ سَبَبَ الْأُولَى: مُطَالَعَةُ الْإِحْسَانِ وَالْمِنَّةِ. وَسَبَبُ هَذِهِ: مُطَالَعَةُ الصِّفَاتِ. وَشُهُودُ مَعَانِي آيَاتِهِ الْمَسْمُوعَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ. وَحُصُولُ الْمَلَكَةِ فِي مَقَامَاتِ السُّلُوكِ، وَهُوَ الِارْتِيَاضُ بِالْمَقَامَاتِ. وَلِذَلِكَ كَانَتْ غَايَتُهَا أَعْلَى مِنْ غَايَةِ مَا قَبْلَهَا. فَقَوْلُهُ " تَبْعَثُ عَلَى إِيثَارِ الْحَقِّ عَلَى غَيْرِهِ " أَيْ لِكَمَالِهَا وَقُوَّتِهَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي مِنَ الْمُحِبِّ أَنْ يَتْرُكَ لِأَجْلِ الْحَقِّ مَا سِوَاهُ، فَيُؤْثِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَا يُؤْثِرُ غَيْرَهُ عَلَيْهِ. وَيَجْعَلُ اللِّسَانَ لَهِجًا بِذِكْرِهِ. فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ. " وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِشُهُودِهِ " لِفَرْطِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ. وَتَعَلُّقِهِ بِهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَا يُشَاهِدُ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ " وَهِيَ مَحَبَّةٌ تَظْهَرُ مِنْ مُطَالَعَةِ الصِّفَاتِ " يَعْنِي: إِثْبَاتَهَا أَوَّلًا. وَمَعْرِفَتَهَا ثَانِيًا. وَنَفْيَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ عَنْ نُصُوصِهَا ثَالِثًا، وَنَفْيَ التَّمْثِيلِ وَالتَّكْيِيفِ عَنْ مَعَانِيهَا رَابِعًا. فَلَا يَصِحُّ لَهُ مُطَالَعَةُ الصِّفَاتِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْمَحَبَّةِ الصَّحِيحَةِ إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ. وَكُلَّمَا أَكْثَرَ قَلْبُهُ مِنْ مُطَالَعَتِهَا، وَمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا: ازْدَادَتْ مَحَبَّتُهُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا. وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْجَهْمِيَّةُ - قُطَّاعُ طَرِيقِ الْمَحَبَّةِ - بَيْنَ الْمُحِبِّينَ وَبَيْنَهُمُ السَّيْفُ الْأَحْمَرُ. وَقَوْلُهُ " وَالنَّظَرُ إِلَى الْآيَاتِ " أَيْ نَظَرُ الْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ. وَفِي آيَاتِهِ
পৃষ্ঠা - ১০১৬
الْمَسْمُوعَةِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَاعٍ قَوِيٌّ إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ. لِأَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَتَوْحِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ، وَعَلَى حِكْمَتِهِ وَبِرِّهِ، وَإِحْسَانِهِ وَلُطْفِهِ، وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَسُبُوغِ نِعْمَتِهِ، فَإِدَامَةُ النَّظَرِ فِيهَا دَاعٍ - لَا مَحَالَةَ - إِلَى مَحَبَّتِهِ. وَكَذَلِكَ الِارْتِيَاضُ بِالْمَقَامَاتِ. فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ رِيَاضَةً وَمَلَكَةً فِي مَقَامَاتِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ: كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَقْوَى. لِأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَهُ أَتَمُّ. وَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَنْشَأَ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّتَهُ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مَحَبَّةٌ خَاطِفَةٌ. تَقْطَعُ الْعِبَارَةَ. وَتَدْفَعُ الْإِشَارَةَ. وَلَا تَنْتَهِي بِالنُّعُوتِ. يَعْنِي: أَنَّهَا تَخْطِفُ قُلُوبَ الْمُحِبِّينَ. لِمَا يَبْدُو لَهُمْ مِنْ جَمَالِ مَحْبُوبِهِمْ. وَيُشِيرُ الشَّيْخُ بِذَلِكَ إِلَى الْفَنَاءِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشُّهُودِ. وَإِنَّ الْعِبَارَةَ تَنْقَطِعُ دُونَ حَقِيقَةِ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ. وَلَا تَبْلُغُهَا. وَلَا تَصِلُّ إِلَيْهَا الْإِشَارَةُ. فَإِنَّهَا فَوْقَ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ. وَحَقِيقَتُهَا عِنْدَهُمْ: فَنَاءُ الْحُدُوثِ فِي الْقِدَمِ، وَاضْمِحْلَالُ الرُّسُومِ فِي نُورِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِقُلُوبِ الْمُحِبِّينَ. فَتَمْلِكُ عَلَيْهَا الْعِبَارَةَ وَالْإِشَارَةَ وَالصِّفَةَ. فَلَا يَقْدِرُ الْمُحِبُّ أَنْ يُعَبِّرَ عَمَّا يَجِدَهُ لِأَنَّ وَارِدَهَا قَدْ خَطَفَ فَهْمَهُ. وَالْعِبَارَةُ تَابِعَةٌ لِلْفَهْمِ. فَلَا يَقْدِرُ الْمُحِبُّ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ إِشَارَةً تَامَّةً. وَالْعِبَارَةُ عِنْدَهُمْ: تَحْتَ الْإِشَارَةِ وَأَبْعَدَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ جُعِلَ حَظَّهَا الْقَطْعُ. وَحَظَّ الْإِشَارَةِ الدَّفْعُ. فَإِنَّ مَقَامَ الْمَحَبَّةِ يَقْبَلُ الْعِبَارَةَ. وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ لَا تَقْبَلُ إِشَارَةً مَا. وَلَا تَقْبَلُ عِبَارَةً. وَعِنْدَهُمْ: إِنَّمَا تَمْتَنِعُ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ فِي مَقَامِ التَّوْحِيدِ، حَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمَحَبَّةِ رَسْمٌ، وَلَا اسْمٌ، وَلَا إِشَارَةٌ، وَهُوَ الْغَايَةُ عِنْدَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي. وَالصَّوَابُ: أَنَّ تَوْحِيدَ الْمَحَبَّةِ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا التَّوْحِيدِ الَّذِي يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَأَعْلَى مَقَامًا، وَأَجَلَّ مَشْهَدًا. وَهُوَ مَقَامُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَخَوَاصُّ الْمُقَرَّبِينَ. وَأَمَّا تَوْحِيدُ الْفَنَاءِ: فَدُونَهُ بِكَثِيرٍ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
পৃষ্ঠা - ১০১৭
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَإِنَّ تَوْحِيدَهُمْ تَوْحِيدُ بَقَاءٍ وَمَحَبَّةٍ. لَا تَوْحِيدَ فَنَاءٍ وَغَيْبَةٍ، وَسُكْرٍ وَاصْطِلَامٍ. وَلَمَّا كَانَ الْمُحِبُّ عِنْدَ أَرْبَابِ الْفَنَاءِ. لَمْ يَخْلُصْ إِلَى مَقَامِ تَوْحِيدِ الْفَنَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ. بَلْ رُسُومُ الْمَحَبَّةِ مَعَهُ بَعْدُ، جَعَلُوا الْمَحَبَّةَ هِيَ الْعَقَبَةَ الَّتِي يَنْحَدِرُ مِنْهَا إِلَى أَوْدِيَةِ الْفَنَاءِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، عِنْدَ أَرْبَابِ التَّحْقِيقِ وَالْبَصَائِرِ: أَنَّ لِسَانَ الْمَحَبَّةِ أَتَمُّ، وَمَقَامَهَا أَكْمَلُ، وَحَالَهَا أَشْرَفُ، وَصَاحِبَهَا مِنْ أَهْلِ الصَّحْوِ بَعْدَ السُّكْرِ، وَالتَّمْكِينِ بَعْدَ التَّلْوِينِ، وَالْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ. وَلِسَانُهُ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ لِسَانٍ. وَبَيَانُهُ وَافٍ بِكُلِّ ذَوْقٍ. وَمَقَامُهُ أَعْلَى مِنْ كُلِّ مَقَامٍ. فَهُوَ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُونَهُ مِنْ أَرْبَابِ الْمَقَامَاتِ. لِأَنَّ مَقَامَهُ أَمِيرٌ عَلَى الْمَقَامَاتِ كُلِّهَا. أَمِينٌ أَمِينٌ عَلَيْهِ النَّدَى ... جَوَادٌ بَخِيلٌ بِأَنْ لَا يَجُودَا. وَأَمَّا كَوْنُ نُعُوتِ الْمَحَبَّةِ لَا تَتَنَاهَى: فَلِأَنَّ لَهَا فِي كُلِّ مَقَامٍ نِسْبَةً وَتَعَلُّقًا بِهِ. وَهِيَ رُوحُ كُلِّ مَقَامٍ، وَالْحَامِلَةُ لَهُ. وَأَقْدَامُ السَّالِكِينَ إِنَّمَا تَتَحَرَّكُ بِهَا. فَلَهَا تَعَلَّقُ بِكُلِّ قَدَمٍ، وَحَالٍ وَمَقَامٍ. فَلَا تَتَنَاهَى نُعُوتُهَا أَلْبَتَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَدَارُ شَأْنِ السَّالِكِينَ الْمُسَافِرِينَ إِلَى اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الثَّالِثَةِ] فَصْلٌ قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ: هِيَ قُطْبُ هَذَا الشَّأْنِ. وَمَا دُونَهَا مَحَابٌّ، نَادَتْ عَلَيْهَا الْأَلْسُنُ، وَادَّعَتْهَا الْخَلِيقَةُ. وَأَوْجَبَتْهَا الْعُقُولُ. يُرِيدُ: أَنَّ مَدَارَ شَأْنِ السَّالِكِينَ الْمُسَافِرِينَ إِلَى اللَّهِ: عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الثَّالِثَةِ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِخُلُوصِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ وَالْعِلَلِ وَالْأَغْرَاضِ. وَصَاحِبُهَا مُرَادٌ وَمَجْذُوبٌ وَمَطْلُوبٌ، وَمَا دُونَهَا مِنَ الْمَحَابِّ: فَصَاحِبُهَا بَاقٍ مَعَ إِرَادَتِهِ مِنْ مَحْبُوبِهِ. أَمَّا مَحَبَّةُ الْإِحْسَانِ وَالْأَفْعَالِ: فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا مَحَبَّةُ الصِّفَاتِ: فَصَاحِبُهَا مَعَ لَذَّةِ رُوحِهِ وَنَعِيمِ قَلْبِهِ بِمُطَالَعَةِ الصِّفَاتِ. فَإِنَّ لَذَّةَ الْأَرْوَاحِ وَالْعُقُولِ لَا مَحَالَةَ فِي مُطَالَعَةِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَمَالِ. وَصَاحِبُ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الثَّالِثَةِ: قَدِ ارْتَقَى عَنْ هَاتَيْنِ الدَّرَجَتَيْنِ. وَأُخِذَ مِنْهُ، وَعُيِّبَ عَنْهُ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ فِي كَوْنِ الْفَنَاءِ غَايَةً. وَقَدْ عَرَفْتَهُ.
পৃষ্ঠা - ১০১৮
وَقَوْلُهُ " وَنَادَتْ عَلَيْهَا الْأَلْسُنُ " أَيْ وَصَفَتْهَا الْأَلْسُنُ. فَأَكْثَرَتْ صِفَاتِهَا. وَتَمَكَّنَتْ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْهَا. وَ " ادَّعَتْهَا الْخَلِيقَةُ " بِخِلَافِ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ. فَإِنَّهُ لَا وُصُولَ لِأَحَدٍ إِلَيْهَا إِلَّا بِالْحَقِّ تَعَالَى. فَهِيَ غَيْرُ كَسْبِيَّةٍ. وَلَا تُنَالُ بِسَبَبٍ. فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا الدَّعْوَى. فَإِنَّ شَأْنَهَا أَجَلُّ مَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ " وَأَوْجَبَتْهَا الْعُقُولُ " يُرِيدُ: أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِوُجُوبِهَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ الْعُقُولَ تَحْكُمُ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ عَقْلَهُ بِهَذَا: فَلَا تَعْبَأْ بِعَقْلِهِ. فَإِنَّ الْعَقْلَ وَالْفِطْرَةَ وَالشِّرْعَةَ وَالِاعْتِبَارَ، وَالنَّظَرَ. تَدْعُو كُلَّهَا إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ. بَلْ إِلَى تَوْحِيدِهِ فِي الْمَحَبَّةِ. وَإِنَّمَا جَاءَتِ الرُّسُلُ بِتَقْرِيرِ مَا فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ. كَمَا قِيلَ: هَبِ الرُّسُلَ لَمْ تَأْتِ مِنْ عِنْدِهِ ... وَلَا أَخْبَرَتْ عَنْ جَمَالِ الْحَبِيبِ أَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُسْتَ ... حَقِّ مَحَبَّتُهُ فِي اللِّقَا وَالْمَغِيبِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَقْلُهُ آمِرًا ... بِذَا. مَا لَهُ فِي الْحِجَى مِنْ نَصِيبِ وَإِنَّ الْعُقُولَ لَتَدْعُو إِلَى ... مَحَبَّةِ فَاطِرِهَا مِنْ قَرِيبِ أَلَيْسَتْ عَلَى ذَاكَ مَجْبُولَةً ... وَمَفْطُورَةً لَا بِكَسْبِ غَرِيبِ أَلَيْسَ الْجَمَالُ حَبِيبَ الْقُلُوبِ ... لِذَاتِ الْجَمَالِ، وَذَاتِ الْقُلُوبِ أَلَيْسَ جَمِيلًا يُحِبُّ الْجَمَالَ ... تَعَالَى إِلَهُ الْوَرَى عَنْ نَسِيبِ أَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِحْسَانُهُ ... بِدَاعٍ إِلَيْهِ لِقَلْبِ الْمُنِيبِ أَلَيْسَ إِذَا كَمُلَا أَوْجَبَا ... كَمَالَ الْمَحَبَّةِ لِلْمُسْتَجِيبِ فَمَنْ ذَا يُشَابِهُ أَوْصَافَهُ ... تَعَالَى إِلَهُ الْوَرَى عَنْ ضَرِيبِ وَمَنْ ذَا يُكَافِئُ إِحْسَانَهُ ... فَيَأْلَهُهُ قَلْبُ عَبْدٍ مُنِيبِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ... إِلَى كُلِّ ذِي الْخُلُقِ أَوْلَى حَبِيبِ فَيَا مُنْكِرًا ذَاكَ وَاللَّهِ أَنْ ... تَ عَيْنُ الطَّرِيدِ وَعَيْنُ الْحَرِيبِ وَيَا مَنْ يُحِبُّ سِوَاهُ كَمِثْ ... لِ مَحَبَّتِهِ أَنْتَ عَبْدُ الصَّلِيبِ وَيَا مَنْ يُوَحِّدُ مَحْبُوبَهُ ... وَيُرْضِيهِ فِي مَشْهَدٍ أَوْ مَغِيبِ وَلَوْ سَخِطَ الْخَلْقُ فِي وَجْهِهِ ... لَقَالَ هَوَانًا وَلَوْ بِالنَّسِيبِ حَظَيْتَ وَخَابُوا فَلَا تَبْتَئِسْ ... بِكَيْدِ الْعَدُوِّ وَهَجْرِ الرَّقِيبِ