মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

منزلة الإلهام والإفهام والوحي والتحديث والرؤيا الصادقة

فصل منزلة السكينة

পৃষ্ঠা - ৯৬৩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُنَازِعُ لَهُ اخْتِيَارًا. أَيْ إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اخْتَارَ لَكَ أَوْ لِغَيْرِكَ شَيْئًا - إِمَّا بِأَمْرِهِ وَدِينِهِ، وَإِمَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ - فَلَا تُنَازِعُ اخْتِيَارَهُ، بَلِ ارْضَ بِاخْتِيَارِ مَا اخْتَارَهُ لَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ. وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِ قَدَرَهُ مِنَ الْمَعَاصِي. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ - وَإِنْ قَدَّرَهَا - لَكِنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهَا لَهُ، فَمُنَازَعَتُهَا غَيْرُ اخْتِيَارِهِ مِنْ عَبْدِهِ. وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِ الْعَبْدِ لَهُ سُبْحَانَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [مَنْزِلَةُ الْإِلْهَامِ وَالْإِفْهَامِ وَالْوَحْيِ وَالتَّحْدِيثِ وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ] فَصَلٌ وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْإِلْهَامِ، وَالْإِفْهَامِ، وَالْوَحْيِ، وَالتَّحْدِيثِ وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَرَاتِبِ الْهِدَايَةِ. وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ " الْمَنَازِلِ " هُنَاكَ. [فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ] [السَّكِينَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ] فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْمَوَاهِبِ. لَا مِنْ مَنَازِلِ الْمَكَاسِبِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ السَّكِينَةَ فِي كِتَابِهِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248] . الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26] . الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40] . الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4] .
পৃষ্ঠা - ৯৬৪
الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] . السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 26] . الْآيَةَ. وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ: قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي وَاقِعَةٍ عَظِيمَةٍ جَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا - مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ - قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ: اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ، وَجَلَسْتُ وَمَا بِي قَلْبَةٌ. وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ. فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ. وَأَصْلُ السَّكِينَةِ هِيَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَالسُّكُونُ الَّذِي يُنْزِلُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ، عِنْدَ اضْطِرَابِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَخَاوِفِ. فَلَا يَنْزَعِجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ. وَيُوجِبُ لَهُ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ وَالثَّبَاتِ. وَلِهَذَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ إِنْزَالِهَا عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوَاضِعِ الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ. كَيَوْمِ الْهِجْرَةِ، إِذْ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ. لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إِلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَرَآهُمَا. وَكَيَوْمِ حُنَيْنٍ، حِينَ وَلَّوْا مُدَبِّرِينَ مِنْ شِدَّةِ بَأْسِ الْكُفَّارِ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ. وَكَيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ اضْطَرَبَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ تَحَكُّمِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ، وَدُخُولِهِمْ تَحْتَ شُرُوطِهِمُ الَّتِي لَا تَحَمَّلُهَا النُّفُوسُ. وَحَسْبُكَ بِضَعْفِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ حَمْلِهَا - وَهُوَ عُمَرُ - حَتَّى ثَبَّتَهُ اللَّهُ بِالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ طُمَأْنِينَةٌ، إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ
পৃষ্ঠা - ৯৬৫
مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ. وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلْنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأُولَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَفِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةُ إِنِّي بَاعِثٌ نَبِيًّا أُمِّيًا، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا مُتَزَيِّنٍ بِالْفُحْشِ، وَلَا قَوَّالٍ لِلْخَنَا. أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ. وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ. ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ. وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ. وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ. [فَصْلٌ تَعْرِيفُ السَّكِينَةِ] فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ": السَّكِينَةُ: اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. أَوَّلُهَا: سَكِينَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أُعْطُوهَا فِي التَّابُوتِ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هِيَ رِيحٌ هَفَّافَةٌ. وَذَكَرُوا صِفَتَهَا قُلْتُ: اخْتَلَفُوا: هَلْ هِيَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، أَوْ مَعْنًى؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَيْنٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي صِفَتِهَا فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ. لَهَا رَأْسَانِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّهَا صُورَةُ هِرَّةٍ لَهَا جَنَاحَانِ، وَعَيْنَانِ لَهُمَا شُعَاعٌ. وَجَنَاحَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَإِذَا سَمِعُوا صَوْتَهَا أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبِ الْجَنَّةِ. كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ. وَعَنْ وَهُبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: هِيَ رُوحٌ مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَتَكَلَّمُ. إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَخْبَرَتْهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْنًى. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248] أَيْ وَمَجِيئُهُ إِلَيْكُمْ: سَكِينَةٌ لَكُمْ وَطُمَأْنِينَةٌ.
পৃষ্ঠা - ৯৬৬
وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ الْمَعْنَى: إِنَّ السَّكِينَةَ فِي نَفْسِ التَّابُوتِ. وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ قَوْلِهِ: {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} [البقرة: 248] قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: فِيهِ سَكِينَةٌ هِيَ مَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْآيَاتِ. فَتَسْكُنُونَ إِلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مِنَ السُّكُونِ، أَيْ طُمَأْنِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ. فَفِي أَيْ مَكَانٍ كَانَ التَّابُوتُ اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ وَسَكَنُوا. [فَصْلٌ أَنْوَاعُ السَّكِينَةِ] [السَّكِينَةُ الْأُولَى سَكِينَةُ الْأَنْبِيَاءِ] فَصْلٌ قَالَ: وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: لِلْأَنْبِيَاءِ مُعْجِزَةٌ. وَلِمُلُوكِهِمْ كَرَامَةٌ. وَهِيَ آيَةُ النَّصْرِ تَخْلَعُ قُلُوبَ الْأَعْدَاءِ بِصَوْتِهَا رُعْبًا إِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ لِلْقِتَالِ. وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ: هِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ وَبِسَبَبِ اتِّبَاعِهِمْ فَهِيَ لَهُمْ كَرَامَاتٌ. وَلِلْأَنْبِيَاءِ دَلَالَاتٌ. فَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ: لَا تُعَارِضُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. حَتَّى يُطْلَبَ الْفَرْقَانُ بَيْنَهُمَا. لِأَنَّهَا مِنْ أَدِلَّتِهِمْ، وَشَوَاهِدِ صِدْقِهِمْ. نَعَمِ: الْفَرْقَانُ بَيْنَ مَا لِلْأَنْبِيَاءِ وَمَا لِلْأَوْلِيَاءِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا. وَغَيْرُ هَذَا الْكِتَابِ أَلْيَقُ بِهَا. [فَصْلٌ السَّكِينَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُحَدَّثِينَ] فَصْلٌ قَالَ السَّكِينَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ الَّتِي تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُحَدَّثِينَ. لَيْسَتْ هِيَ شَيْئًا يُمْلَكُ. إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ مِنْ لَطَائِفِ صُنْعِ الْحَقِّ. تُلْقِي عَلَى لِسَانِ الْمُحَدَّثِ الْحِكْمَةَ كَمَا يُلْقِي الْمَلَكُ الْوَحْيَ عَلَى قُلُوبِ الْأَنْبِيَاءِ. وَتَنْطِقُ بِنُكَتِ الْحَقَائِقِ مَعَ تَرْوِيحِ الْأَسْرَارِ، وَكَشْفِ الشُّبَهِ. وَالسَّكِينَةُ إِذَا نَزَلَتْ عَلَى الْقَلْبِ اطْمَأَنَّ بِهَا. وَسَكَنَتْ إِلَيْهَا الْجَوَارِحُ. وَخَشَعَتْ، وَاكْتَسَبَتِ الْوَقَارَ، وَأَنْطَقَتِ اللِّسَانَ بِالصَّوَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الْخَنَا وَالْفُحْشِ، وَاللَّغْوِ وَالْهَجْرِ، وَكُلِّ بَاطِلٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ. وَكَثِيرًا مَا يَنْطِقُ صَاحِبُ السَّكِينَةِ بِكَلَامٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ فِكْرَةٍ مِنْهُ، وَلَا رَوِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ، وَيَسْتَغْرِبُهُ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ. كَمَا يَسْتَغْرِبُ السَّامِعُ لَهُ. وَرُبَّمَا لَا يَعْلَمُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ.
পৃষ্ঠা - ৯৬৭
وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ: هَذَا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَصِدْقِ الرَّغْبَةِ مِنَ السَّائِلِ، وَالْمُجَالِسِ، وَصِدْقِ الرَّغْبَةِ مِنْهُ: هُوَ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِسْرَاعُ بِقَلْبِهِ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَحَضْرَتِهِ، مَعَ تَجَرُّدِهِ مِنَ الْأَهْوَاءِ، وَتَجْرِيدِهِ النَّصِيحَةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِزَالَةِ نَفْسِهِ مِنَ الْبَيْنِ. وَمَنْ جَرَّبَ هَذَا عَرَفَ مَنْفَعَتَهُ وَعَظَّمَهَا. وَسَاءَ ظَنُّهُ بِمَا يُحْسِنُ بِهِ الْغَافِلُونَ ظُنُونَهُمْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ شَيْئًا يُمْلَكُ يَعْنِي هِيَ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ بِسَبَبِيَّةٍ وَلَا كَسَبِيَّةٍ. وَلَيْسَتْ كَالسَّكِينَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّابُوتِ تُنْقَلُ مَعَهُمْ كَيْفَ شَاءُوا. وَقَوْلُهُ: تُلْقِي عَلَى لِسَانِ الْمُحَدِّثِ الْحِكْمَةَ أَيْ تُجْرِي الصَّوَابَ عَلَى لِسَانِهِ. وَقَوْلُهُ: كَمَا يُلْقِي الْمَلَكُ الْوَحْيَ عَلَى قُلُوبِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. يَعْنِي: أَنَّهَا بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ. بِحَيْثُ تُلْقِي فِي قُلُوبِ أَرْبَابِهَا الْحِكْمَةَ عَنْهُمْ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالصَّوَابَ. كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَتَلَقَّى الْوَحْيَ عَنِ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ. وَلَكِنْ مَا لِلْأَنْبِيَاءِ مُخْتَصٌّ بِهِمْ. وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ. وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: تُنْطِقُ الْمُحَدَّثِينَ بِنُكَتِ الْحَقَائِقِ، مَعَ تَرْوِيجِ الْأَسْرَارِ وَكَشْفِ الشُّبَهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ: ذِكْرُ مَرْتَبَةِ الْمُحَدِّثِ، وَأَنَّ هَذَا التَّحْدِيثَ مِنْ مَرَاتِبِ الْهِدَايَةِ الْعَشَرَةِ، وَأَنَّ الْمُحَدِّثَ هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ فِي سِرِّهِ بِالشَّيْءِ، فَيَكُونُ كَمَا يُحَدِّثُ بِهِ. وَالْحَقَائِقُ هِيَ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ وَالسُّلُوكِ. وَنُكَتُهَا عُيُونُهَا وَمَوَاضِعُ الْإِشَارَاتِ مِنْهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ تِلْكَ تُوجِبُ لِلْأَسْرَارِ رُوحًا تَحْيَا بِهِ وَتَتَنَعَّمُ. وَتَكْشِفُ عَنْهَا شُبَهَاتٍ لَا يَكْشِفُهَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَلَا الْأُصُولِيُّونَ. فَتَسْكُنُ الْأَرْوَاحُ وَالْقُلُوبُ إِلَيْهَا. وَلِهَذَا سُمِّيَتْ سَكِينَةً وَمَنْ لَمْ يَفُزْ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ لَمْ تَنْكَشِفْ عَنْهُ شُبَهَاتُهُ. فَإِنَّهَا لَا يَكْشِفُهَا إِلَّا سَكِينَةُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ. [فَصْلٌ السَّكِينَةُ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَصْلٌ قَالَ السَّكِينَةُ الثَّالِثَةُ: هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَهِيَ شَيْءٌ يَجْمَعُ قُوَّةً وَرُوحًا، يَسْكُنُ إِلَيْهِ الْخَائِفُ، وَيَتَسَلَّى بِهِ الْحَزِينُ وَالضَّجِرُ. وَيَسْكُنُ إِلَيْهِ الْعَصِيُّ وَالْجَرِئُ وَالْأَبِيُّ. هَذَا مِنْ عُيُونِ كَلَامِهِ وَغَرَرِهِ الَّذِي تُثْنَى عَلَيْهِ الْخَنَاصِرُ. وَتُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ. وَتَظْفَرُ
পৃষ্ঠা - ৯৬৮
بِهِ عَنْ ذَوْقٍ تَامٍّ. لَا عَنْ مُجَرَّدٍ. فَذَكَرَ: أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: النُّورُ، وَالْقُوَّةُ، وَالرُّوحُ. وَذَكَرَ لَهُ ثَلَاثَ ثَمَرَاتٍ: سُكُونُ الْخَائِفِ إِلَيْهِ، وَتَسَلِّي الْحَزِينِ وَالضَّجَرِ بِهِ، وَاسْتِكَانَةُ صَاحِبِ الْمَعْصِيَةِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْإِبَاءِ إِلَيْهِ. فَبِالرُّوحِ الَّذِي فِيهَا: حَيَاةُ الْقَلْبِ. وَبِالنُّورِ الَّذِي فِيهَا: اسْتِنَارَتُهُ، وَضِيَاؤُهُ وَإِشْرَاقُهُ، وَبِالْقُوَّةِ: ثَبَاتُهُ وَعَزْمُهُ وَنَشَاطُهُ. فَالنُّورُ: يَكْشِفُ لَهُ عَنْ دَلَائِلِ الْإِيمَانِ، وَحَقَائِقِ الْيَقِينِ. وَيُمَيِّزُ لَهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرُّشْدِ، وَالشَّكِّ وَالْيَقِينِ. وَالْحَيَاةُ: تُوجِبُ كَمَالَ يَقَظَتِهِ وَفِطْنَتِهِ، وَحُضُورِهِ وَانْتِبَاهِهِ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ. وَتَأَهُّبَهُ لِلِقَائِهِ. وَالْقُوَّةُ: تُوجِبُ لَهُ الصِّدْقَ، وَصِحَّةَ الْمَعْرِفَةِ، وَقَهْرَ دَاعِي الْغَيِّ وَالْعَنَتِ، وَضَبْطَ النَّفْسِ عَنْ جَزَعِهَا وَهَلَعِهَا، وَاسْتِرْسَالِهَا فِي النَّقَائِضِ وَالْعُيُوبِ. وَلِذَلِكَ ازْدَادَ بِالسَّكِينَةِ إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِ. وَالْإِيمَانُ: يُثْمِرُ لَهُ النُّورَ وَالْحَيَاةَ وَالْقُوَّةَ. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تُثْمِرُهُ أَيْضًا. وَتُوجِبُ زِيَادَتَهُ. فَهُوَ مَحْفُوفٌ بِهَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. فَبِالنُّورِ: يَكْشِفُ دَلَائِلَ الْإِيمَانِ. وَبِالْحَيَاةِ: يَنْتَبِهُ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ. وَيَصِيرُ يَقْظَانًا. وَبِالْقُوَّةِ: يَقْهَرُ الْهَوَى وَالنَّفْسَ، وَالشَّيْطَانَ. كَمَا قِيلَ: وَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ ... تَحْصُلُ بَاجْتِهَادٍ أَوْ بِكَسْبٍ وَلَكِنْ لَا غِنَى عَنْ بَذْلِ جُهْدٍ ... بِإِخْلَاصٍ وَجِدٍّ لَا بلِعْبِ وَفَضْلُ اللَّهِ مَبْذُولٌ وَلَكِنْ ... بِحِكْمَتِهِ وَعَنْ ذَا النَّصِّ يُنْبِي فَمَا مِنْ حِكْمَةِ الرَّحْمَنِ وَضْعُ الْ ... كَوَاكِبِ بَيْنَ أَحْجَارٍ وَتُرْبِ فَشْكْرًا لِلَّذِي أَعْطَاكَ مِنْهُ ... فَلَوْ قَبِلَ الْمَحَلُّ لَزَادَ رَبِّي [فَصْلٌ السَّكِينَةُ يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْعِصِيُّ] فَصْلٌ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِالسَّكِينَةِ - وَهِيَ النُّورُ، وَالْحَيَاةُ وَالرُّوحُ - سَكَنَ إِلَيْهَا الْعِصِيُّ وَهُوَ الَّذِي سُكُونُهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ؛ لِعَدَمِ سَكِينَةِ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ صَارَ سُكُونُهُ إِلَيْهَا عِوَضَ سُكُونِهِ إِلَى الشَّهَوَاتِ، وَالْمُخَالَفَاتِ. فَإِنَّهُ قَدْ وَجَدَ فِيهَا مَطْلُوبَهُ. وَهُوَ اللَّذَّةُ الَّتِي كَانَ يَطْلُبُهَا مِنَ الْمَعْصِيَةِ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُعِيضُهُ عَنْهَا. فَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ
পৃষ্ঠা - ৯৬৯
اعْتَاضَ بِذِلَّتِهَا وَرُوحِهَا، وَنَعِيمِهَا عَنْ لَذَّةِ الْمَعْصِيَةِ. فَاسْتَرَاحَتْ بِهَا نَفْسُهُ. وَهَاجَ إِلَيْهَا قَلْبُهُ. وَوَجَدَ فِيهَا مِنَ الرُّوحِ وَالرَّاحَةِ وَاللَّذَّةِ مَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّذَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ. فَصَارَتْ لَذَّتُهُ رُوحَانِيَّةً قَلْبِيَّةً. بَعْدَ أَنْ كَانَتْ جُسْمَانِيَّةً فَانْسَلَبَ مِنْهَا، وَحُبِسَ عَنْهَا وَخَلَّصَتْهُ. فَإِذَا تَأَلَّقَتْ بُرُوقُهَا قَالَ: تَأَلَّقَ الْبَرْقُ نَجْدِيًّا فَقُلْتُ لَهُ: ... يَا أَيُّهَا الْبَرْقُ، إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ وَإِذَا طَرَقَتْهُ طُيُوفُهَا الْخَيَالِيَّةُ فِي ظَلَامِ لَيْلِ الشَّهَوَاتِ، نَادَى لِسَانُ حَالِهِ، وَتَمَثَّلَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا ... وَقْتَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلَامِ فَإِذَا وَدَّعَتْهُ وَعَزَمَتْ عَلَى الرَّحِيلِ، وَوَعَدَتْهُ بِالْمُوَافَاةِ، بِقَوْلِ الْآخَرِ: قَالَتْ - وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا - ... مَاذَا تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أَنْ لَا تَرْجِعِي فَإِذَا بَاشَرَتْ هَذِهِ السَّكِينَةُ قَلْبَهُ سَكَّنَتْ خَوْفَهُ. وَهُوَ قَوْلُهُ: يَسْكُنُ إِلَيْهَا الْخَائِفُ، وَسَلَّتْ حُزْنَهُ؛ فَإِنَّهَا لَا حُزْنَ مَعَهَا. فَهِيَ سَلْوَةُ الْمَحْزُونِ. وَمُذْهِبَةُ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ. وَكَذَلِكَ تُذْهِبُ عَنْهُ وَخَمَ ضَجَرِهِ. وَتَبْعَثُ نَشْوَةَ الْعَزْمِ. وَحَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. وَبَيْنَ إِبَاءِ النَّفْسِ وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ دَرَجَاتُ سَكِينَةِ الْوَقَارِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ] فَصْلٌ قَالَ وَأَمَّا سَكِينَةُ الْوَقَارِ، الَّتِي نَزَّلَهَا نَعْتًا لِأَرْبَابِهَا: فَإِنَّهَا ضِيَاءُ تِلْكَ السَّكِينَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ: رِعَايَةً، وَتَعْظِيمًا، وَحُضُورًا. سَكِينَةُ الْوَقَارِ هِيَ نَوْعٌ مِنَ السَّكِينَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْوَقَارِ سَمَّاهَا الشَّيْخُ سَكِينَةَ الْوَقَارِ. وَقَوْلُهُ: نَزَّلَهَا نَعْتًا يَعْنِي نَزَّلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا. وَنَعَتَهُمْ بِهَا. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا ضِيَاءُ تِلْكَ السَّكِينَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَيْ نَتِيجَتُهَا وَثَمَرَتُهَا. وَعَنْهَا نَشَأَتْ. كَمَا أَنَّ الضِّيَاءَ عَنِ الشَّمْسِ حَصَلَ. وَلَمَّا كَانَ النُّورُ وَالْحَيَاةُ وَالْقُوَّةُ - الَّتِي ذَكَرْنَاهَا - مِمَّا يُثْمِرُ الْوَقَارَ: جَعَلَ سَكِينَةَ الْوَقَارِ
পৃষ্ঠা - ৯৭০
كَالضِّيَاءِ لِتِلْكَ السَّكِينَةِ. إِذْ هُوَ عَلَامَةُ حُصُولِهَا. وَدَلِيلٌ عَلَيْهَا. كَدَلَالَةِ الضِّيَاءِ عَلَى حَامِلِهِ. قَوْلُهُ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: سَكِينَةُ الْخُشُوعِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلْخِدْمَةِ يُرِيدُ بِهِ الْوَقَارَ وَالْخُشُوعَ الَّذِي يَحْصُلُ لِصَاحِبِ مَقَامِ الْإِحْسَانِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ مُوجِبًا لِلْخُشُوعِ، وَدَاعِيًا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16] . دَعَاهُمْ مِنْ مَقَامِ الْإِيمَانِ إِلَى مَقَامِ الْإِحْسَانِ. يَعْنِي: أَمَا آنَ لَهُمْ أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْإِحْسَانِ بِالْإِيمَانِ؟ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِخُشُوعِهِمْ لِذِكْرِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ؟ قَوْلُهُ: رِعَايَةً، وَتَعْظِيمًا، وَحُضُورًا هَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ. تُحَقِّقُ الْخُشُوعَ فِي الْخِدْمَةِ. وَهِيَ رِعَايَةُ حُقُوقِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. فَلَيْسَ يُضَيِّعُهَا خُشُوعٌ وَلَا وَقَارٌ. الثَّانِي: تَعْظِيمُ الْخِدْمَةِ وَإِجْلَالُهَا. وَذَلِكَ تَبَعٌ لِتَعْظِيمِ الْمَعْبُودِ وَإِجْلَالِهِ وَوَقَارِهِ. فَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَإِجْلَالِهِ وَوَقَارِهِ: يَكُونُ تَعْظِيمُهُ لِخِدْمَتِهِ، وَإِجْلَالُهُ وَرِعَايَتُهُ لَهَا. وَالثَّالِثُ: الْحُضُورُ. وَهُوَ إِحْضَارُ الْقَلْبِ فِيهَا مُشَاهَدَةَ الْمَعْبُودِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تُثْمِرُ لَهُ سَكِينَةَ الْوَقَارِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ السَّكِينَةُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ بِمُحَاسَبَةِ النُّفُوسِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: السَّكِينَةُ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ بِمُحَاسَبَةِ النُّفُوسِ، وَمُلَاطَفَةِ الْخَلْقِ، وَمُرَاقَبَةِ الْحَقِّ هَذِهِ الدَّرَجَةُ هِيَ الَّتِي يَحُومُ عَلَيْهَا أَهْلُ التَّصَوُّفِ، وَالْعِلْمُ الَّذِي يُشَمِّرُونَ إِلَيْهِ لِلْمُعَامَلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَلْقِهِ. وَتَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ، حَتَّى تَعْرِفَ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا. وَلَا يَدَعُهَا تَسْتَرْسِلُ فِي الْحُقُوقِ اسْتِرْسَالًا، فَيُضَيِّعُهَا وَيُهْمِلُهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ زَكَاتَهَا وَطَهَارَتَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى مُحَاسَبَتِهَا. فَلَا تَزْكُو وَلَا تَطْهُرُ وَلَا تَصْلُحُ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بِمُحَاسَبَتِهَا.
পৃষ্ঠা - ৯৭১
قَالَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ - وَاللَّهِ - لَا تَرَاهُ إِلَّا قَائِمًا عَلَى نَفْسِهِ: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَةِ كَذَا؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَةٍ؟ مَا أَرَدْتُ بِمَدْخَلِ كَذَا وَمَخْرَجِ كَذَا؟ مَا أَرَدْتُ بِهَذَا؟ مَا لِي وَلِهَذَا؟ وَاللَّهِ لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا. وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ. فَبِمُحَاسَبَتِهَا يَطَّلِعُ عَلَى عُيُوبِهَا وَنَقَائِصِهَا. فَيُمْكِنُهُ السَّعْيُ فِي إِصْلَاحِهَا. الثَّانِي: مُلَاطَفَةُ الْخَلْقِ. وَهِيَ مُعَامَلَتُهُمْ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ مِنَ اللُّطْفِ. وَلَا يُعَامِلُهُمْ بِالْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ. وَيُغْرِيهِمْ بِهِ. وَيُفْسِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَحَالَهُ مَعَ اللَّهِ وَوَقْتَهُ، فَلَيْسَ لِلْقَلْبِ أَنْفَعُ مِنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ بِاللُّطْفِ. فَإِنَّ مُعَامَلَةَ النَّاسِ بِذَلِكَ: إِمَّا أَجْنَبِيٌّ. فَتَكْسِبُ مَوَدَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَإِمَّا صَاحِبٌ وَحَبِيبٌ فَتَسْتَدِيمُ صُحْبَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ. وَإِمَّا عَدُوٌّ وَمُبْغِضٌ. فَتُطْفِئُ بِلُطْفِكَ جَمْرَتَهُ. وَتَسْتَكْفِي شَرَّهُ. وَيَكُونُ احْتِمَالُكَ لِمَضَضِ لُطْفِكَ بِهِ دُونَ احْتِمَالِكَ لِضَرَرِ مَا يَنَالُكَ مِنَ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِ وَالْعُنْفِ بِهِ. الثَّالِثُ: مُرَاقَبَةُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِكُلِّ صَلَاحٍ وَخَيْرٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ. وَلَا تَصِحُّ الدَّرَجَتَانِ الْأُولَتَانِ إِلَّا بِهَذِهِ. وَهِيَ الْمَقْصُودُ لِذَاتِهِ. وَمَا قَبْلَهُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، وَعَوْنٌ عَلَيْهِ. فَمُرَاقَبَةُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: تُوجِبُ إِصْلَاحَ النَّفْسِ، وَاللُّطْفَ بِالْخَلْقِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ السَّكِينَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: السَّكِينَةُ الَّتِي تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ. وَتَمْنَعُ مِنَ الشَّطْحِ الْفَاحِشِ. وَتَقِفُ صَاحِبَهَا عَلَى حَدِّ الرُّتْبَةِ، وَالسَّكِينَةُ لَا تَنْزِلُ إِلَّا فِي قَلْبِ نَبِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ. هَذِهِ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: كَأَنَّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ لِأَهْلِ الصَّحْوِ بَعْدَ السُّكْرِ. وَلِمَنْ شَامَ بَوَارِقَ الْحَقِيقَةِ. فَقَوْلُهُ: تُثْبِتُ الرِّضَا بِالْقَسْمِ أَيْ تُوجِبُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْضَى بِالْمَقْسُومِ. وَلَا تَتَطَلَّعَ نَفْسُهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَتَمْنَعُ مِنَ الشَّطْحِ الْفَاحِشِ يَعْنِي مِثْلَ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْجُنَيْدِ وَسَهْلٍ وَأَمْثَالِهِمَا. فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانَتْ لَهُمْ هَذِهِ السَّكِينَةُ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمُ الشَّطَحَاتُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشَّطْحَ سَبَبُهُ عَدَمُ السَّكِينَةِ. فَإِنَّهَا إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الْقَلْبِ مَنَعَتْهُ مِنَ الشَّطْحِ وَأَسْبَابِهِ.