মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة الإحسان

পৃষ্ঠা - ৯২২
{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40] فَهَذَا تَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ. وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] فَهَذَا إِيجَابٌ لِلْعَدْلِ، وَتَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] نَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ. وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] تَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ. {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] عَدْلٌ. {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] فَضْلٌ. وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ صِيَانَةً وَحِمْيَةً. حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ خَبِيثٍ وَضَارٍّ، وَأَبَاحَ لَهُمْ كُلُّ طَيِّبٍ وَنَافِعٍ. فَتَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ، وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُقُوبَةٍ. وَهَدَاهُمْ لِمَا ضَلَّتْ عَنْهُ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ. وَوَهَبَ لَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ. وَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وَكَمَّلَ لَهُمْ مِنَ الْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ. كَمَا كَمَّلَ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَحَاسِنِ بِمَا فَرَّقَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ. وَكَمَّلَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ بِمَا فَرَّقَهَا فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ. وَكَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِ. فَهَؤُلَاءِ الضَّنَائِنُ وَهُمُ الْمُجْتَبُونَ الْأَخْيَارُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ. فَأَقَامَهُمْ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ الشَّاهِدِينَ عَلَى أُمَمِهِمْ. وَتَفْصِيلُ تَفْضِيلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَصَائِصِهَا يَسْتَدْعِي سِفْرًا. بَلْ أَسْفَارًا. وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. [فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ] [حَقِيقَةُ الْإِحْسَانِ] فَصْلٌ [مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ] وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ. وَهِيَ لُبُّ الْإِيمَانِ، وَرُوحُهُ وَكَمَالُهُ، وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةُ تَجْمَعُ جَمِيعَ الْمَنَازِلِ. فَجَمِيعُهَا مُنْطَوِيَةٌ فِيهَا. وَكُلُّ مَا قِيلَ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إِلَى هَاهُنَا فَهُوَ مِنَ الْإِحْسَانِ. قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدِ اسْتَشْهَدَ عَلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
পৃষ্ঠা - ৯২৩
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] . فَالْإِحْسَانُ: جَامِعٌ لِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْحَقَائِقِ. وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. أَمَّا الْآيَةُ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: هَلْ جَزَاءُ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَمَلَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْجَنَّةُ؟ . وَقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: يَقُولُ: هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ؟» . وَأَمَّا الْحَدِيثُ: فَإِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمُرَاقَبَتِهِ الْجَامِعَةِ لِخَشْيَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَلِجَمِيعِ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ. [دَرَجَاتُ الْإِحْسَانِ] [الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى الْإِحْسَانُ فِي الْقَصْدِ بِتَهْذِيبِهِ عِلْمًا] قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْإِحْسَانُ فِي الْقَصْدِ بِتَهْذِيبِهِ عِلْمًا، وَإِبْرَامِهِ عَزْمًا، وَتَصْفِيَتِهِ حَالًا. يَعْنِي: إِحْسَانُ الْقَصْدِ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ. أَحَدُهَا: تَهْذِيبُهُ عِلْمًا، بِأَنْ يَجْعَلَهُ تَابِعًا لِلْعِلْمِ عَلَى مُقْتَضَاهُ مُهَذَّبًا بِهِ. مُنَقًّى مِنْ شَوَائِبِ الْحُظُوظِ، فَلَا يَقْصِدُ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْعِلْمِ. وَالْعِلْمُ هُوَ اتِّبَاعُ الْأَمْرِ وَالشَّرْعِ. وَالثَّانِي: إِبْرَامُهُ عَزْمًا. وَالْإِبْرَامُ: الْإِحْكَامُ وَالْقُوَّةُ. أَيْ يُقَارِنُهُ عَزْمٌ يُمْضِيهِ، وَلَا يَصْحَبُهُ فُتُورٌ وَتَوَانٍ يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ. الثَّالِثُ: تَصْفِيَتُهُ حَالًا. أَيْ يَكُونُ حَالُ صَاحِبِهِ صَافِيًا مِنَ الْأَكْدَارِ وَالشَّوَائِبِ، الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَدَرِ قَصْدِهِ. فَإِنَّ الْحَالَ مَظْهَرُ الْقَصْدِ وَثَمَرَتُهُ. وَهُوَ أَيْضًا مَادَّتُهُ وَبَاعِثُهُ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفَعِلُ عَنِ الْآخَرِ. فَصَفَاؤُهُ وَتَخْلِيصُهُ مِنْ تَمَامِ صَفَاءِ الْآخَرِ وَتَخْلِيصِهِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الْإِحْسَانُ فِي الْأَحْوَالِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِحْسَانُ فِي الْأَحْوَالِ. وَهُوَ أَنْ تُرَاعِيَهَا غَيْرَةً. وَتَسْتُرَهَا
পৃষ্ঠা - ৯২৪
تَظَرُّفًا، وَتُصَحِّحَهَا تَحَقِيقًا. يُرِيدُ بِمُرَاعَاتِهَا: حِفْظَهَا وَصَوْنَهَا، غَيْرَةً عَلَيْهَا أَنْ تَحُولَ. فَإِنَّهَا تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ. فَإِنْ لَمْ يَرْعَ حُقُوقَهَا حَالَتْ. وَمُرَاعَاتُهَا: بِدَوَامِ الْوَفَاءِ، وَتَجَنُّبِ الْجَفَاءِ. وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا بِإِكْرَامِ نُزُلِهَا. فَإِنَّهَا ضَيْفٌ. وَالضَّيْفُ إِنْ لَمْ تُكَرِمْ نُزُلَهُ ارْتَحَلَ. وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا بِضَبْطِهَا مَلَكَةً. وَشَدِّ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يَسْمَحَ بِهَا لِقَاطِعِ طَرِيقٍ وَلَا نَاهِبٍ. وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا: بِالِانْقِيَادِ إِلَى حُكْمِهَا، وَالْإِذْعَانِ لِسُلْطَانِهَا إِذَا وَافَقَ الْأَمْرَ. وَيُرَاعِيهَا أَيْضًا: بِسَتْرِهَا تَظَرُّفًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتُرَهَا عَنِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَهُ. لِئَلَّا يَعْلَمُوا بِهَا. وَلَا يُظْهِرَهَا إِلَّا لِحُجَّةٍ. أَوْ حَاجَةٍ، أَوْ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. فَإِنَّ فِي إِظْهَارِهَا بِدُونِ ذَلِكَ آفَاتٍ عَدِيدَةً. مَعَ تَعْرِيضِهَا لِلُّصُوصِ وَالسُّرَّاقِ وَالْمُغِيرِينَ. وَإِظْهَارُ الْحَالِ لِلنَّاسِ عِنْدَ الصَّادِقِينَ: حُمْقٌ وَعَجْزٌ. وَهُوَ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ. وَأَهْلُ الصِّدْقِ وَالْعَزْمِ لَهَا أَسْتَرُ، وَأَكْتَمُ مِنْ أَرْبَابِ الْكُنُوزِ مِنَ الْأَمْوَالِ لِأَمْوَالِهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ أَضْدَادَهَا نَفْيًا وَجَحْدًا. وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَلَامَتِيَّةِ، وَلَهُمْ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَكَانَ شَيْخُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَنَازِلَ. وَاتَّفَقَتِ الطَّائِفَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطْلَعَ النَّاسَ عَلَى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ: فَقَدْ دَنَّسَ طَرِيقَتَهُ. إِلَّا لِحُجَّةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَتَصْحِيحُهَا تَحْقِيقًا أَيْ يَجْتَهِدُ فِي تَحْقِيقِ أَحْوَالِهِ، وَتَصْحِيحِهَا وَتَخْلِيصِهَا. فَإِنَّ الْحَالَ قَدْ يَمْتَزِجُ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ. وَلَا يُمَيِّزُهُ إِلَّا أُولُو الْبَصَائِرِ وَالْعِلْمِ. وَأَهْلُ هَذِهِ الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْوَارِدَ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْعَبْدُ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْهَوَاتِفَ وَالْخِطَابَ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ حَقًّا. وَالَّذِي يَبْتَدِئُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ: يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بَاطِلًا وَكَذِبًا. فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمِينِ: هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ. وَبِأَيْمَانِهِمْ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ. وَنُورُهُمُ الظَّاهِرُ عَلَى الصِّرَاطِ بِأَيْمَانِهِمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطَهُورِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. وَاللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ
পৃষ্ঠা - ৯২৫
الصُّفُوفِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ. وَحَظُّهُ مِنِ ابْنِ آدَمَ جِهَةُ الشِّمَالِ. وَلِهَذَا تَكُونُ الْيَدُ الشِّمَالِ لِلِاسْتِجْمَارِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْأَذَى. وَيُبْدَأُ بِالرِّجْلِ الشِّمَالِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ يَبْقَى الْإِنْسَانُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ نَشِيطًا مَسْرُورًا نَشْوَانًا: فَإِنَّهُ وَارِدٌ مَلَكِيٌّ، وَكُلُّ وَارِدٍ يُبْقِي الْإِنْسَانَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ، ثَقِيلَ الْأَعْضَاءِ وَالرُّوحِ، يَجْنَحُ إِلَى فُتُورٍ - فَهُوَ وَارِدٌ شَيْطَانِيٌّ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ أَعْقَبَ صَاحِبُهُ تَقَدُّمًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَحُضُورًا فِيهَا، حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْجَنَّةَ قَدْ أُزْلِفَتْ، وَالْجَحِيمَ قَدْ سُعِّرَتْ - فَهُوَ إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ، وَخِلَافُهُ شَيْطَانِيٌّ نَفْسَانِيٌّ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ كَانَ سَبَبُهُ النَّصِيحَةَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ فِيهِ - فَهُوَ إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ. وَإِلَّا فَهُوَ شَيْطَانِيٌّ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ اسْتَنَارَ بِهِ الْقَلْبُ، وَانْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ، وَقَوِيَ بِهِ
পৃষ্ঠা - ৯২৬
الْقَلْبُ - إِلَهِيٌّ مَلَكِيٌّ. وَإِلَّا فَهُوَ شَيْطَانِيٌّ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ كُلَّ وَارِدٍ جَمَعَكَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْهُ. وَكُلَّ وَارِدٍ فَرَّقَكَ عَنْهُ، وَأَخَذَكَ عَنْهُ: فَمِنَ الشَّيْطَانِ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ الْوَارِدَ الْإِلَهِيِّ لَا يُصْرَفُ إِلَّا فِي قُرْبَةٍ وَطَاعَةٍ، وَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إِلَّا قُرْبَةً وَطَاعَةً، فَمُسْتَخْرِجُهُ الْأَمْرُ. وَمُصَرِّفُهُ الْأَمْرُ، وَالشَّيْطَانِيُّ بِخِلَافِهِ. وَمِنَ الْفُرْقَانِ أَيْضًا: أَنَّ الْوَارِدَ الرَّحْمَانِيَّ لَا يَتَنَاقَضُ، وَلَا يَتَفَاوَتُ وَلَا يَخْتَلِفُ. بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالشَّيْطَانِيَّ بِخِلَافِهِ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْإِحْسَانُ فِي الْوَقْتِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْإِحْسَانُ فِي الْوَقْتِ. وَهُوَ أَنْ لَا تُزَايِلَ الْمُشَاهَدَةَ أَبَدًا. وَلَا تَخْلِطَ بِهِمَّتِكَ أَحَدًا. وَتَجْعَلَ هِجْرَتَكَ إِلَى الْحَقِّ سَرْمَدًا. أَيْ لَا تُفَارِقُ حَالَ الشُّهُودِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّمَكُّنِ الَّذِينَ ظَفِرُوا بِنُفُوسِهِمْ وَقَطَعُوا الْمَسَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ النَّفْسِ وَبَيْنَ الْقَلْبِ. وَالْمَسَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ، بِمُجَاهِدَةِ الْقُطَّاعِ الَّتِي عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَاتِ. قَوْلُهُ: وَلَا تَخْلِطَ بِهِمَّتِكَ أَحَدًا. يَعْنِي: أَنْ تُعَلِّقَ هِمَّتَكَ بِالْحَقِّ وَحْدَهُ. وَلَا تُعَلِّقَ هِمَّتَكَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ فِي طَرِيقِ الصَّادِقِينَ. قَوْلُهُ: وَأَنْ تَجْعَلَ هِجْرَتَكَ إِلَى الْحَقِّ سَرْمَدًا. يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ مُتَوَجِّهٍ إِلَى اللَّهِ بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ هَذِهِ الْهِجْرَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصْحَبَهَا سَرْمَدًا. حَتَّى يَلْحَقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ. ثُمَّ تَنْقَضِي ... وَيَحْمَدُ غِبَّ السَّيْرِ مَنْ هُوَ سَائِرٌ وَلِلَّهِ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ هِجْرَتَانِ. وَهُمَا فَرْضٌ لَازِمٌ لَهُ عَلَى الْأَنْفَاسِ: هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالْإِنَابَةِ وَالْحُبِّ، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْعُبُودِيَّةِ.