فصل في منازل إياك نعبد
فصل منزلة الغنى
পৃষ্ঠা - ৯১২
فَهُوَ تَجْرِيدُ الْفَرْدَانِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهَا غَيْرَهَا، وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ السِّوَى.
وَسُمِّيَ ذَلِكَ احْتِبَاسًا لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ شُهُودِ الْأَغْيَارِ. وَجَعَلَ لِلتَّجْرِيدِ قَيْدًا. وَهُوَ التَّقَيُّدُ بِشُهُودِ الْحَقِيقَةِ.
وَجَعَلَ الْقَيْدَ بَيْدَاءَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَغْيَارَ تَبِيدُ فِيهِ وَتَنْعَدِمُ. وَلَا يَكُونُ مَعَهُ سِوَاهُ.
وَالثَّانِي: لِسَعَتِهِ وَفَضَائِهِ. فَصَاحِبُ مَشْهَدِهِ: فِي بَيْدَاءَ وَاسِعَةٍ، وَإِنِ احْتُبِسَ فِي قَيْدِ شُهُودِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَهَذَا فَقْرُ الصُّوفِيَّةِ.
قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ: أَنَّ التَّصَوُّفَ أَعْلَى عِنْدِهِ مِنَ الْفَقْرِ. فَإِنَّ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ - الَّتِي هِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْفَقْرِ عِنْدَهُ - هِيَ مِنْ بَعْضِ مَقَامَاتِ الصُّوفِيَّةِ.
وَطَائِفَةٌ تُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ، وَتَقُولُ: التَّصَوُّفُ دُونَ هَذَا الْمَقَامِ بِكَثِيرٍ. وَالتَّصَوُّفُ وَسِيلَةٌ إِلَى هَذَا الْفَقْرِ. فَإِنَّ التَّصَوُّفَ خُلُقٌ. وَهَذَا الْفَقْرُ حَقِيقَةٌ، وَغَايَةٌ لَا غَايَةَ وَرَاءَهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَحَكَيْنَا فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، هَذَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا تَتِمُّ حَقِيقَتُهُ إِلَّا بِالْآخَرِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّامِيِّينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْغِنَى]
[حَقِيقَةُ الْغِنَى]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْغِنَى
وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْغِنَى الْعَالِي.
وَهُوَ نَوْعَانِ: غِنًى بِاللَّهِ، وَغِنًى عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَهُمَا حَقِيقَةُ الْفَقْرِ. وَلَكِنَّ أَرْبَابَ الطَّرِيقِ أَفْرَدُوا لِلْغِنَى مَنْزِلَةً.
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " رَحِمَهُ اللَّهُ: بَابُ الْغِنَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] .
وَفِي الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَغْنَاهُ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ فَقْرِهِ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ: عَائِلًا، وَالْعَائِلُ: هُوَ الْمُحْتَاجُ. لَيْسَ ذَا الْعَيْلَةِ. فَأَغْنَاهُ مِنَ الْمَالِ.
পৃষ্ঠা - ৯১৩
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرْضَاهُ بِمَا أَعْطَاهُ. وَأَغْنَاهُ بِهِ عَنْ سِوَاهُ. فَهُوَ غِنَى قَلْبٍ وَنَفْسٍ، لَا غِنَى مَالٍ. وَهُوَ حَقِيقَةُ الْغِنَى.
وَالثَّالِثُ: - وَهُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ: نَوْعَيِ الْغِنَى؛ فَأَغْنَى قَلْبَهُ بِهِ. وَأَغْنَاهُ مِنَ الْمَالِ.
ثُمَّ قَالَ: الْغِنَى اسْمٌ لِلْمِلْكِ التَّامِّ.
يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ كَانَ مَالِكًا مَنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ. وَعَلَى هَذَا: فَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْغَنِيَّ بِالْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ. وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ بِالذَّاتِ.
[دَرَجَاتُ الْغِنَى]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى غِنَى الْقَلْبِ]
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: غِنَى الْقَلْبِ. وَهُوَ سَلَامَتُهُ مِنَ السَّبَبِ. وَمُسَالَمَتُهُ لِلْحُكْمِ. وَخَلَاصُهُ مِنَ الْخُصُومَةِ.
حَقِيقَةُ غِنَى الْقَلْبِ: تُعَلُّقَهُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. وَحَقِيقَةُ فَقْرِهِ الْمَذْمُومِ: تُعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِ. فَإِذَا تَعَلَّقَ بِاللَّهِ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا.
سَلَامَتُهُ مِنَ السَّبَبِ أَيْ مِنَ التَّعَلُّقِ بِهِ. لَا مِنَ الْقِيَامِ بِهِ. وَالْغِنَى عِنْدَ أَهْلِ الْغَفْلَةِ بِالسَّبَبِ. وَلِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِهِ. وَعِنْدَ الْعَارِفِينَ بِالْمُسَبِّبِ. وَكَذَلِكَ الصِّنَاعَةُ وَالْقُوَّةُ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ: هِيَ جِهَاتُ الْغِنَى عِنْدَ النَّاسِ. وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ. وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ وَهُوَ غِنًى بِالشَّيْءِ. فَصَاحِبُهَا غَنِيٌّ بِهَا إِذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهَا. وَإِنْ كَانَ سُكُونُهُ إِلَى رَبِّهِ: فَهُوَ غَنِيٌّ بِهِ. وَكُلُّ مَا سَكَنَتِ النَّفْسُ إِلَيْهِ فَهِيَ فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مُسَالَمَةُ الْحُكْمِ فَعَلَى نَوْعَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مُسَالَمَةُ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ. وَهِيَ مُعَانَقَتُهُ وَمُوَافَقَتُهُ. ضِدَّ مُحَارَبَتِهِ.
পৃষ্ঠা - ৯১৪
وَالثَّانِي: مُسَالَمَةُ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ. الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِدَفْعِهِ.
وَفِي مُسَالَمَةِ الْحُكْمِ نُكْتَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا. وَهِيَ تَجْرِيدُ إِضَافَتِهِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ، بِحَيْثُ لَا يَنْسُبُهُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَهَذَا يَتَضَمَّنُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ فِي مُسَالَمَةِ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ. وَتَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ فِي مُسَالَمَةِ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ. وَهُمَا حَقِيقَةُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .
وَأَمَّا الْخَلَاصُ مِنَ الْخُصُومَةِ
فَإِنَّمَا يُحْمَدُ مِنْهُ: الْخَلَاصُ مِنَ الْخُصُومَةِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا إِذَا خَاصَمَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ: فَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي اسْتِفْتَاحِهِ: «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ. وَبِكَ خَاصَمْتُ. وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ» .
[الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غِنَى النَّفْسِ]
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ. غِنَى النَّفْسِ. وَهُوَ اسْتِقَامَتُهَا عَلَى الْمَرْغُوبِ. وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْحُظُوظِ. وَبَرَاءَتُهَا مِنَ الْمُرَاءَاةِ
جَعَلَ الشَّيْخُ: غِنَى النَّفْسِ فَوْقَ غِنَى الْقَلْبِ.
وَمَعْلُومٌ: أَنَّ أُمُورَ الْقَلْبِ أَكْمَلُ وَأَقْوَى مِنْ أُمُورِ النَّفْسِ. لَكِنَّ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ نُكْتَةً لَطِيفَةً. وَهِيَ أَنَّ النَّفْسَ مِنْ جُنْدِ الْقَلْبِ وَرَعِيَّتِهِ. وَهِيَ مِنْ أَشَدِّ جُنْدِهِ خِلَافًا عَلَيْهِ، وَشِقَاقًا لَهُ. وَمِنْ قِبَلِهَا تَتَشَوَّشُ عَلَيْهِ الْمَمْلَكَةُ. وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُ. فَإِذَا حَصَلَ لَهُ كَمَالٌ بِالْغِنَى: لَمْ يَتِمَّ لَهُ إِلَّا بِغِنَاهَا أَيْضًا. فَإِنَّهَا مَتَى كَانَتْ فَقِيرَةً عَادَ حُكْمُ فَقْرِهَا عَلَيْهِ. وَتَشَوَّشَ عَلَيْهِ غِنَاهُ. فَكَانَ غِنَاهَا تَمَامًا لِغِنَاهُ وَكَمَالًا لَهُ. وَغِنَاهُ أَصْلًا بِغِنَاهَا. فَمِنْهُ يَصِلُ الْغِنَى إِلَيْهَا. وَمِنْهَا يَصِلُ الْفَقْرُ وَالضَّرَرُ وَالْعَنَتُ إِلَيْهِ.
إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَالشَّيْخُ جَعَلَ غِنَاهَا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
اسْتِقَامَتُهَا عَلَى الْمَرْغُوبِ وَهُوَ الْحَقُّ تَعَالَى. وَاسْتِقَامَتُهَا عَلَيْهِ: اسْتِدَامَةُ طَلَبِهِ. وَقَطْعُ الْمَنَازِلِ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: سَلَامَتُهَا مِنَ الْحُظُوظِ وَهِيَ تَعَلُّقَاتُهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ بِمَا سِوَى اللَّهِ.
الثَّالِثُ: بَرَاءَتُهَا مِنَ الْمُرَاءَاةِ وَهِيَ إِرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا وَأَقْوَالِهَا. فَمُرَاءَاتُهَا دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ فَقْرِهَا. وَتَعَلُّقُهَا بِالْحُظُوظِ مِنْ فَقْرِهَا أَيْضًا.
পৃষ্ঠা - ৯১৫
وَعَدَمُ اسْتِقَامَتِهَا عَلَى مَطْلُوبِهَا الْحَقَّ: أَيْضًا مِنْ فَقْرِهَا. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِدَةٍ لِلَّهِ. إِذْ لَوْ وَجَدَتْهُ لَاسْتَقَامَتْ عَلَى السَّيْرِ إِلَيْهِ. وَلَقَطَعَتْ تَعَلُّقَاتِها وَحُظُوظَهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَلَمَا أَرَادَتْ بِعَمَلِهَا غَيْرَهُ.
فَلَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ إِلَّا لِمَنْ قَدْ ظَفِرَ بِنَفْسِهِ، وَوَجَدَ مَطْلُوبَهُ. وَمَا لَمْ يَجِدْ رَبَّهُ تَعَالَى فَلَا اسْتِقَامَةَ لَهُ. وَلَا سَلَامَةَ لَهَا مِنَ الْحُظُوظِ. وَلَا بَرَاءَةَ لَهَا مِنَ الرِّيَاءِ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الْغِنَى بِالْحَقِّ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْغِنَى بِالْحَقِّ. وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ. الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: شُهُودُ ذِكْرِهِ إِيَّاكَ. وَالثَّانِيَةُ: دَوَامُ مَطَالَعَةِ أَوَّلِيَّتِهِ. وَالثَّالِثَةُ: الْفَوْزُ بِوُجُودِهِ.
أَمَّا شُهُودُ ذِكْرِهِ إِيَّاكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَأَمَّا مُطَالَعَةُ أَوَّلِيَّتِهِ فَهُوَ سَبْقُهُ لِلْأَشْيَاءِ جَمِيعًا. فَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ. مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: وَأَيُّ غِنًى يَحْصُلُ لِلْقَلْبِ مِنْ مُطَالَعَةِ أَوَّلِيَّةِ الرَّبِّ، وَسَبْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا حَاصِلٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، فَمَا وَجْهُ الْغِنَى الْحَاصِلِ بِهِ؟
قُلْتُ: إِذَا شَهِدَ الْقَلْبُ سَبْقَهُ لِلْأَسْبَابِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي حَيِّزِ الْعَدَمِ. وَهُوَ الَّذِي كَسَاهَا حُلَّةَ الْوُجُودِ، فَهِيَ مَعْدُومَةٌ بِالذَّاتِ. فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ بِالذَّاتِ. وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِذَاتِهِ. وَالْغَنِيُّ بِذَاتِهِ لَا بِغَيْرِهِ. فَلَيْسَ الْغِنَى فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا بِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ. فَالْغِنَى بِغَيْرِهِ: عَيْنُ الْفَقْرِ. فَإِنَّهُ غِنًى بِمَعْدُومٍ فَقِيرٍ. وَفَقِيرٌ كَيْفَ يَسْتَغْنِي بِفَقِيرٍ مِثْلِهِ؟
وَأَمَّا الْفَوْزُ بِوُجُودِهِ فَإِشَارَةُ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَهُوَ نِهَايَةُ سَفَرِهِمْ. وَفِي الْأَثَرِ الْإِلَهِيِّ: ابْنَ آدَمَ، اطْلُبْنِي تَجِدْنِي، فَإِنْ وَجَدَتْنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ. وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ. وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَى وَجُودِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْفَوْزَ بِهِ: فَلْيَحْثُ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ. وَلْيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.