মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة الإرادة

পৃষ্ঠা - ৮৩৮
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْإِرَادَةِ] [حَقِيقَةُ الْإِرَادَةِ] وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْإِرَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 19 - 21] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] . وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ بِاللَّهِ. وَكُونُ وَجْهِهِ تَعَالَى مُرَادًا. قَالُوا: الْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْحَادِثِ. وَأَمَّا بِالْقَدِيمِ: فَلَا؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ لَا يُرَادُ. وَأَوَّلُوا الْإِرَادَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ بِإِرَادَةِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمُ التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ. فَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِجَزَائِهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ. وَحِجَابُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ غَلِيظٌ كَثِيفٌ مِنْ أَغْلَظِ الْحُجْبِ وَأَكْثَفِهَا. وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ أَهْلَ قَسْوَةٍ. وَلَا تُجِدُ عَلَيْهِمْ رُوحَ السُّلُوكِ، وَلَا بَهْجَةَ الْمَحَبَّةِ. وَالطَّلَبُ وَالْإِرَادَةُ عِنْدَ أَرْبَابِ السُّلُوكِ: هِيَ التَّجَرُّدُ عَنِ الْإِرَادَةِ. فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ إِلَّا لِمَنْ لَا إِرَادَةَ لَهُ. وَلَا تَظُنُّ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ. بَلْ هُوَ مَحْضُ الْحَقِّ. وَاتِّفَاقُ كَلِمَةِ الْقَوْمِ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَنَوَّعَتْ عِبَارَاتُ الْقَوْمِ عَنْهَا. وَغَالِبُهُمْ يُخْبِرُ عَنْهَا بِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَادَةِ. وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ عَادَةَ النَّاسِ غَالِبًا التَّعْرِيجُ عَلَى أَوْطَانِ الْغَفْلَةِ، وَإِجَابَةُ دَاعِي الشَّهْوَةِ، وَالْإِخْلَادُ إِلَى أَرْضِ الطَّبِيعَةِ. وَالْمُرِيدُ مُنْسَلِخٌ عَنْ ذَلِكَ. فَصَارَ خُرُوجُهُ عَنْهُ: أَمَارَةً وَدَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ الْإِرَادَةِ. فَسُمِّيَ انْسِلَاخُهُ وَتَرْكُهُ إِرَادَةً. وَقِيلَ: نُهُوضُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ.
পৃষ্ঠা - ৮৩৯
وَيُقَالُ: لَوْعَةٌ تُهَوِّنُ كُلَّ رَوْعَةٍ. قَالَ الدَّقَّاقُ: الْإِرَادَةُ لَوْعَةٌ فِي الْفُؤَادِ، لَذْعَةٌ فِي الْقَلْبِ، غَرَامٌ فِي الضَّمِيرِ، انْزِعَاجٌ فِي الْبَاطِنِ، نِيرَانٌ تَأَجَّجُ فِي الْقُلُوبِ. وَقِيلَ: مِنْ صِفَاتِ الْمُرِيدِ: التَّحَبُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ، وَالْأُنْسُ بِالْخَلْوَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى مُقَاسَاةِ الْأَحْكَامِ، وَالْإِيثَارُ لِأَمْرِهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْ نَظَرِهِ، وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي مَحْبُوبِهِ. وَالتَّعَرُّضُ لِكُلِّ سَبَبٍ يُوصِّلُ إِلَيْهِ. وَالْقَنَاعَةُ بِالْخُمُولِ. وَعَدَمُ قَرَارِ الْقَلْبِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى وَلِيِّهِ وَمَعْبُودِهِ. وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ: إِذَا رَأَيْتَ الْمُرِيدَ يُرِيدُ غَيْرَ مُرَادِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَظْهَرَ نَذَالَتَهُ. وَقِيلَ: مِنْ حُكْمِ الْمُرِيدِ: أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ غَلَبَةً، وَأَكْلُهُ فَاقَةً، وَكَلَامُهُ ضَرُورَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نِهَايَةُ الْإِرَادَةِ: أَنْ تُشِيرَ إِلَى اللَّهِ. فَتَجِدَهُ مَعَ الْإِشَارَةِ. فَقِيلَ لَهُ: وَأَيْنَ تَسْتَوْعِبُهُ الْإِشَارَةُ؟ فَقَالَ: أَنْ تَجِدَ اللَّهَ بِلَا إِشَارَةٍ. وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ. فَإِنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ: أَعْلَاهَا: أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. لَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ لَهُ عَلَى الْإِشَارَةِ مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَلَكَةٌ وَحَالٌ وَإِرَادَةٌ تَامَّةٌ، بِحَيْثُ إِنَّهُ مَتَى أُشِيرَ لَهُ إِلَى اللَّهِ وَجَدَهُ عِنْدَ إِشَارَةِ الْمُشِيرِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَيَتَكَلَّفَ وِجْدَانُهُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ. فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: لِلْمُقَرَّبِينَ السَّابِقَيْنَ. وَالْوُسْطَى: لِلْأَبْرَارِ الْمُقْتَصِدِينَ. وَالثَّالِثَةُ: لِلْغَافِلِينَ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ: مَنْ لَمْ تَصِحَّ إِرَادَتُهُ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ مُرُورُ الْأَيَّامِ عَلَيْهِ إِلَّا إِدْبَارًا. وَقَالَ: الْمُرِيدُ إِذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الْقَوْمِ فَعَمِلَ بِهِ: صَارَ حِكْمَةً فِي قَلْبِهِ إِلَى آخَرِ عُمْرِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ. وَإِذَا تَكَلَّمَ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ. وَمَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ عُلُومِهِمْ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ كَانَ حِكَايَةً يَحْفَظُهَا أَيْامًا ثُمَّ يَنْسَاهَا. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: أَوَّلُ مَقَامِ الْمُرِيدِ: إِرَادَةُ الْحَقِّ بِإِسْقَاطِ إِرَادَتِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُرِيدِ: مُعَاشَرَةُ الْأَضْدَادِ. وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ: مَا لِلْمُرِيدِ حَظٌّ فِي مَجَازَاتِ الْحِكَايَاتِ؟ فَقَالَ: الْحِكَايَاتُ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ يُثَبِّتُ اللَّهُ بِهَا قُلُوبَ الْمُرِيدِينَ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] .
পৃষ্ঠা - ৮৪০
وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْجُنَيْدِ كَلِمَتَانِ فِي الْإِرَادَةِ مُجْمَلَتَانِ. تَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى تَفْسِيرٍ. الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَخْلَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: الْمُرِيدُ الصَّادِقُ غَنِيٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْمُرِيدِ خَيْرًا: أَوْقَعَهُ إِلَى الصُّوفِيَّةِ. وَمَنَعَهُ صُحْبَةَ الْقُرَّاءِ. قُلْتُ: إِذَا صَدَقَ الْمُرِيدُ، وَصَحَّ عَقْدُ صِدْقِهِ مَعَ اللَّهِ: فَتَحَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ، وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ اللَّهِ: مَا يُغْنِيهِ عَنِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ نَتَائِجُ أَفْكَارِ النَّاسِ وَآرَائِهِمْ. وَعَنِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ زَادِ الْقَبْرِ. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ إِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَعُلُومِهِمْ، الَّتِي أَفْنَوْا فِيهَا أَعْمَارَهُمْ: مِنْ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ وَآفَاتِهَا وَعُيُوبِهَا، وَمَعْرِفَةِ مُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ، وَأَحْكَامِ السُّلُوكِ. فَإِنَّ حَالَ صِدْقِهِ، وَصِحَّةَ طَلَبِهِ: يُرِيهِ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْفِعْلِ. وَمِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ قَاعِدٌ فِي الْبَلَدِ يَدْأَبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فِي عِلْمِ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ وَعَقَبَاتِهَا وَأَوْدِيَتِهَا، وَمَوَاضِعِ الْمَتَاهَاتِ فِيهَا، وَالْمَوَارِدِ وَالْمَفَاوِزِ. وَآخَرُ: حَمَلَهُ الْوَجْدُ وَصِدْقُ الْإِرَادَةِ عَلَى أَنْ رَكِبَ الطَّرِيقَ وَسَارَ فِيهَا. فَصِدْقُهُ يُغْنِيهِ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ الْقَاعِدِ، وَيُرِيهِ إِيَّاهَا فِي سُلُوكِهِ عَيَانًا.
পৃষ্ঠা - ৮৪১
وَأَمَّا أَنْ يُغْنِيَهُ صِدْقُ إِرَادَتِهِ عَنْ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَأَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَمَعْرِفَةِ الْعِبَادَاتِ وَشُرُوطِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا، وَعَنْ عِلْمِ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ: فَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مَنْ هُوَ دُونَ الْجُنَيْدِ مِنْ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ سَيِّدِ الطَّائِفَةِ وَإِمَامِهَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَزَنَادِقَةُ الصُّوفِيَّةِ وَمَلَاحِدَتُهُمْ، الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ شَرْطًا فِي الطَّرِيقِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُرِيدَ الصَّادِقَ: يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَيُنَوِّرُهُ بِنُورٍ مِنْ عِنْدِهِ، مُضَافٌ إِلَى مَا مَعَهُ مِنْ نُورِ الْعِلْمِ، يَعْرِفُ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَمْرِ دِينِهِ. فَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ. وَقَلَبَ الصَّادِقِ مُمْتَلِئٌ بِنُورِ الصِّدْقِ. وَمَعَهُ نُورُ الْإِيمَانِ. وَالنُّورُ يَهْدِي إِلَى النُّورِ. وَالْجُنَيْدُ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ حَالِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ جُزْئِيٌّ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ صِدْقَهُ يُغْنِيهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ. وَأَمَّا عَنْ جُمْلَةِ الْعِلْمِ: فَكَلَامُ أَبِي الْقَاسِمِ الثَّابِتُ عَنْهُ فِي ضَرُورَةِ الصَّادِقِ إِلَى الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ، وَأَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ مُقَيَّدَةٌ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الطَّرِيقِ إِلَّا بِالْعِلْمِ، فَمَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى طَرَفًا مِنْهُ. كَقَوْلِهِ: مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ. لِأَنَّ عِلْمَنَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ: هُوَ مَا فَهِمُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَالْمُرِيدُ الصَّادِقُ: هُوَ الَّذِي قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَ السُّنَّةَ، وَاللَّهَ يَرْزُقُهُ بِبَرَكَةِ صِدْقِهِ وَنُورِ قَلْبِهِ فَهُمَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ يُغْنِيهِ عَنْ تَقْلِيدِ فَهْمِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - يَعْنِي الْجُنَيْدَ - إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْمُرِيدِ خَيْرًا: أَوْقَعَهُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ. وَمَنَعَهُ صُحْبَةَ الْقُرَّاءِ. فَالْقُرَّاءُ فِي لِسَانِهِمْ: هُمْ أَهْلُ التَّنَسُّكِ وَالتَّعَبُّدِ، سَوَاءٌ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أَمْ لَا، فَالْقَارِئُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الْكَثِيرُ التَّعَبُّدِ وَالتَّنَسُّكِ، الَّذِي قَدْ قَصَرَ هِمَّتُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَادَةِ، دُونَ أَرْوَاحِ الْمَعَارِفِ. وَدُونَ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، وَرُوحِ الْمَحَبَّةِ، وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ، فَهِمَّتُهُمْ كُلُّهَا إِلَى الْعِبَادَةِ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَهُمْ مِمَّا عِنْدَ أَهْلِ التَّصَوُّفِ، وَأَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: طَرِيقُنَا تَفَتٍّ لَا تَقَسُّرٌ. فَسَيْرُ هَؤُلَاءِ بِالْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، وَسَيْرُ أُولَئِكَ: بِمُجَرَّدِ الْقَوَالِبِ وَالْأَشْبَاحِ، وَبَيْنَ
পৃষ্ঠা - ৮৪২
أَرْوَاحِ هَؤُلَاءِ وَقُلُوبِهِمْ وَأَرْوَاحِ هَؤُلَاءِ وَقُلُوبِهِمْ: نَوْعُ تَنَاكُرٍ وَتَنَافُرٍ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمْ عَلَى صُحْبَةِ النَّوْعِ الْآخَرِ إِلَّا عَلَى نَوْعِ إِغْضَاءٍ، وَتَحْمِيلٍ لِلطَّبِيعَةِ مَا تَأْبَاهُ. وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ظَاهِرِيَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنَ التَّنَافُرِ. وَيُسَمُّونَهُمْ: أَصْحَابَ الرُّسُومِ. وَيُسَمُّونَ أُولَئِكَ: الْقُرَّاءَ. وَالطَّائِفَتَانِ عِنْدَهُمْ: أَهْلُ ظَوَاهِرٍ، لَا أَرْبَابُ حَقَائِقَ. هَؤُلَاءِ مَعَ رُسُومِ الْعِلْمِ. وَهَؤُلَاءِ مَعَ رُسُومِ الْعِبَادَةِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ - فِي أَنْفُسِهِمْ - فَرِيقَانِ: صُوفِيَّةٌ وَفُقَرَاءُ. وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي تَرْجِيحِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ هُمَا سَوَاءٌ. عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَطَائِفَةٌ رَجَّحَتِ الصُّوفِيَّ. مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ الْعَوَارِفِ، وَجَعَلُوا نِهَايَةَ الْفَقِيرِ: بِدَايَةَ الصُّوفِيِّ. وَطَائِفَةٌ رَجَّحَتِ الْفَقِيرَ. وَجَعَلُوا الْفَقْرَ لُبَّ التَّصَوُّفِ وَثَمَرَتُهُ، وَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ. وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ قَالُوا: الْفَقْرُ وَالتَّصَوُّفُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَلَا يَسْتَقِيمُ الْحُكْمُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ حَقِيقَةُ الْفَقْرِ وَالتَّصَوُّفِ. وَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ: هَلْ هَمَا حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ حَقِيقَتَانِ؟ وَيُعْلَمُ رَاجِحُهُمَا مِنْ مَرْجُوحِهِمَا. وَسَتَرَى ذَلِكَ مُبَيَّنًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَنْزِلَتَيِ الْفَقْرِ، وَالتَّصَوُّفِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِمَا. إِنْ سَاعَدَ اللَّهُ وَمَنَّ بِفَضْلِهِ وَتَوْفِيقِهِ. فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَبِهِ الْمُسْتَعَانُ. وَعَلَيْهِ
পৃষ্ঠা - ৮৪৩
التُّكْلَانُ. وَمَا شَاءَ كَانَ. وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْمَرَاتِبَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةٌ: مَرْتَبَةُ التَّقْوَى وَهِيَ مَرْتَبَةُ التَّعَبُّدِ وَالتَّنَسُّكِ. وَمُرَتَّبَةُ التَّصَوُّفِ وَهِيَ مَرْتَبَةُ التَّفَتِّي بِكُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ. وَالْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ. وَمَرْتَبَةُ الْفَقْرِ وَهِيَ مَرْتَبَةُ التَّجَرُّدِ، وَقَطْعُ كُلُّ عَلَاقَةٍ تَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. فَهَذِهِ مَرَاتِبُ طُلَّابِ الْآخِرَةِ. وَمَنْ عَدَاهُمْ: فَمَعَ الْقَاعِدِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ. فَأَشَارَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ إِلَى أَنَّ الْمُرِيدَ لِلَّهِ بِصِدْقٍ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا: أَوْقَعَهُ عَلَى طَائِفَةِ الصُّوفِيَّةِ، يُهَذِّبُونَ أَخْلَاقَهُ. وَيَدُلُّونَهُ عَلَى تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ، وَإِزَالَةِ أَخْلَاقِهَا الذَّمِيمَةِ. وَالِاسْتِبْدَالِ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ. وَيُعِرِّفُونَهُ مَنَازِلَ الطَّرِيقِ وَمَفَازَاتِهَا، وَقَوَاطِعَهَا وَآفَاتِهَا. وَأَمَّا الْقُرَّاءُ: فَيَدُقُّونَهُ بِالْعِبَادَةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ دَقًّا. وَلَا يُذِيقُونَهُ شَيْئًا مِنْ حَلَاوَةِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَتَهْذِيبِ النُّفُوسِ. إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ طَرِيقُهُمْ. وَلِهَذَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَرْبَابِ التَّصَوُّفِ نَوْعُ تَنَافَرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْبَصِيرُ الصَّادِقُ: يَضْرِبُ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ بِسَهْمٍ، وَيُعَاشِرُ كُلَّ طَائِفَةٍ عَلَى أَحْسَنِ مَا مَعَهَا. وَلَا يَتَحَيَّزُ إِلَى طَائِفَةٍ. وَيَنْأَى عَنِ الْأُخْرَى بِالْكُلِّيَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ. فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصَّادِقِينَ. وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ كَامِنَةٌ فِي النُّفُوسِ. وَلَا أَعْنِي بِذَلِكَ أَصْغَرَيْهِمْ وَلَكِنِّي أُرِيدُ بِهِ الدُّوَيْنَا «سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ قَائِلًا يَقُولُ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وَآخَرٌ يَقُولُ: يَا لَلْأَنْصَارِ! فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» . هَذَا، وَهُمَا اسْمَانِ شَرِيفَانِ. سَمَّاهُمُ اللَّهُ بِهِمَا فِي كِتَابِهِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنْ يَتَدَاعُوا بِ " الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ " وَهِيَ الدَّعْوَى الْجَامِعَةُ. بِخِلَافِ الْمُفَرَّقَةِ. كَ " الْفُلَانِيَّةِ وَالْفُلَانِيَّةِ " فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
পৃষ্ঠা - ৮৪৪
«وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. فَقَالَ: عَلَى كِبَرِ السِّنِّ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» . فَمَنْ يَأْمَنُ الْقُرَّاءَ بَعْدَكَ يَا شَهْرُ؟ وَلَا يَذُوقُ الْعَبْدُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَطَعْمَ الصِّدْقِ وَالْيَقِينِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْجَاهِلِيَّةُ كُلُّهَا مِنْ قَلْبِهِ. وَاللَّهِ لَوْ تَحَقَّقَ النَّاسُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِ رَجُلٍ لَرَمَوْهُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالُوا: هَذَا مُبْتَدِعٌ، وَمِنْ دُعَاةِ الْبِدَعِ. فَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى. وَهُوَ الْمَسْئُولُ الصَّبْرَ، وَالثَّبَاتَ. فَلَا بُدَّ مِنْ لِقَائِهِ {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] . {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] . [فَصْلٌ تَعْرِيفُ الْإِرَادَةِ] فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " رَحِمَهُ اللَّهُ: بَابُ الْإِرَادَةِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] . فِي تَصْدِيرِهِ الْبَابَ بِهَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهِ. وَجَلَالَةِ مَحِلِّهِ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ. فَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى كُلِّ مَا يُشَاكِلُهُ، وَيُنَاسِبُهُ، وَيَلِيقُ بِهِ. فَالْفَاجِرُ يَعْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، وَمُرِيدُ الدُّنْيَا وَجِيفَتِهَا عَامِلٌ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ سِوَاهُ. وَمُحِبُّ الصُّوَرِ: عَامِلٌ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ وَيَلِيقُ بِهِ. فَكُلُّ امْرِئٍ يَهْفُو إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَكُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ فَالْمُرِيدُ الصَّادِقُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ: يَعْمَلُ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِ وَالْمُنَاسِبُ لَهُ. فَهُوَ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَةِ إِرَادَتِهِ. وَمَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِهِ، وَالْأَنْسَبُ لَهَا. قَالَ: الْإِرَادَةُ مِنْ قَوَانِينِ هَذَا الْعِلْمِ، وَجَوَامِعِ أَبْنِيَتِهِ. وَهِيَ الْإِجَابَةُ لِدَوَاعِي الْحَقِيقَةِ، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.
পৃষ্ঠা - ৮৪৫
يُرِيدُ: أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرَادَةِ. فَهِيَ أَسَاسُهُ، وَمَجْمَعُ بِنَائِهِ. وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفَاصِيلِ أَحْكَامِ الْإِرَادَةِ. وَهِيَ حَرَكَةُ الْقَلْبِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ عِلْمَ الْبَاطِنِ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ يَشْتَمِلُ عَلَى تَفَاصِيلِ أَحْكَامِ الْجَوَارِحِ. وَلِهَذَا سَمَّوْهُ عِلْمَ الظَّاهِرِ فَهَاتَانِ حَرَكَتَانِ اخْتِيَارِيَّتَانِ. وَلِلْعَبْدِ حَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ. فَالْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى تَفَاصِيلِهَا، وَأَحْكَامِهَا: هُوَ عِلْمُ الطِّبِّ. فَهَذِهِ الْعُلُومُ الثَّلَاثَةُ: هِيَ الْكَفِيلَةُ بِمَعْرِفَةِ حَرَكَاتِ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ. وَحَرَكَاتِ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَحَرَكَاتِ الطَّبِيعَةِ. فَالطَّبِيبُ: يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَرَكَاتِ مِنْ جِهَةِ تَأَثُّرِ الْبَدَنِ عَنْهَا صِحَّةً وَاعْتِلَالًا، وَفِي لَوَازِمِ ذَلِكَ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ. وَالْفَقِيهُ: يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَرَكَاتِ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَتِهَا لِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِ وَإِذْنِهِ، وَكَرَاهَتِهِ، وَمُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ. وَالصُّوفِيُّ: يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَرَكَاتِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُوَصِّلَةً لَهُ إِلَى مُرَادِهِ. أَوْ قَاطِعَةً عَنْهُ، وَمُفْسِدَةً لِقَلْبِهِ، أَوْ مُصَحِّحَةً لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِجَابَةُ لِدَاعِي الْحَقِيقِيَّةِ فَالْإِجَابَةُ هِيَ الِانْقِيَادُ، وَالْإِذْعَانُ. وَالْحَقِيقَةُ عِنْدَهُمْ: مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ. وَالشَّرِيعَةُ الْتِزَامُ الْعُبُودِيَّةِ. فَالشَّرِيعَةُ: أَنْ تَعْبُدَه. وَالْحَقِيقَةُ: أَنْ تَشَهَدُهُ. فَالشَّرِيعَةُ: قِيَامُكَ بِأَمْرِهِ. وَالْحَقِيقَةُ: شُهُودُكَ لِوَصْفِهِ. وَدَاعِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ صِحَّةُ الْمَعْرِفَةِ. فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَحَبَّهُ وَلَا بُدَّ. وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَابَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: نَفْسٌ مُسْتَعِدَّةٌ قَابِلَةٌ. لَا تُعْوِزُ إِلَّا الدَّاعِيَ. وَدَعْوَةٌ مُسْتَمَعَةٌ، وَتَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ مِنَ الْمَانِعِ. فَمَا انْقَطَعَ مَنِ انْقَطَعَ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ. وَقَوْلُهُ: طَوْعًا أَوْ كَرْهًا يُشِيرُ إِلَى الْمَجْذُوبِ، الْمُخْتَطَفِ مِنْ نَفْسِهِ، وَالسَّالِكِ إِرَادَةً وَاخْتِيَارًا وَمُجَاهَدَةً. [دَرَجَاتُ الْإِرَادَةِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى ذَهَابٌ عَنِ الْعَادَاتِ بِصِحَّةِ الْعِلْمِ] قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: ذَهَابٌ عَنِ الْعَادَاتِ بِصِحَّةِ الْعِلْمِ. وَالتَّعَلُّقُ بِأَنْفَاسِ السَّالِكِينَ، مَعَ صِدْقِ الْقَصْدِ. وَخَلْعُ كُلِّ شَاغِلٍ مِنَ الْإِخْوَانِ. وَمُشَتِّتٌ مِنَ الْأَوْطَانِ. هَذَا يُوَافِقُ مِنْ حَدِّ الْإِرَادَةِ بِأَنَّهَا: مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ. وَهِيَ تَرْكُ عَوَائِدِ النَّفْسِ
পৃষ্ঠা - ৮৪৬
وَشَهَوَاتِهَا، وَرَعُونَاتِهَا وَبَطَالَاتِهَا. وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا. وَهِيَ: صُحْبَةُ الْعِلْمِ وَمُعَانَقَتُهُ. فَإِنَّهُ النُّورُ الَّذِي يُعَرِّفُ الْعَبْدَ مَوَاقِعَ مَا يَنْبَغِي إِيثَارُ طَلَبِهِ. وَمَا يَنْبَغِي إِيثَارُ تَرْكِهِ. فَمَنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعِلْمُ: لَمْ تَصِحَّ لَهُ إِرَادَةٌ بِاتِّفَاقِ كَلِمَةِ الصَّادِقِينَ. وَلَا عِبْرَةٌ بِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَتَى رَأَيْتُ الصُّوفِيَّ الْفَقِيرَ يَقْدَحُ فِي الْعِلْمِ. فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَمِنْهَا: التَّعَلُّقُ بِأَنْفَاسِ السَّالِكِينَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِأَنْفَاسِ قَوْمٍ انْخَرَطَ فِي مَسْلَكِهِمْ. وَدَخَلَ فِي جَمَاعَتِهِمْ. وَقَالَ أَنْفَاسُ السَّالِكِينَ وَلَمْ يَقُلْ: أَنْفَاسُ الْعَابِدِينَ. فَإِنَّ الْعَابِدِينَ مِنْ شَأْنِهِمُ الْقِيَامُ بِالْأَعْمَالِ. وَشَأْنُ السَّالِكِينَ مُرَاعَاةُ الْأَحْوَالِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ صِدْقِ الْقَصْدِ. يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَوْحِيدُهُ. وَالثَّانِي: تَوْحِيدُ الْمَقْصُودِ. فَلَا يَقَعُ فِي قَصْدِكَ قِسْمَةٌ. وَلَا فِي مَقْصُودِكَ. وَقَوْلُهُ: وَخَلْعُ كُلِّ شَاغِلٍ مِنَ الْإِخْوَانِ، وَمُشَتِّتٍ مِنَ الْأَوْطَانِ. يُشِيرُ إِلَى تَرْكِ الْمَوَانِعِ، وَالْقَوَاطِعِ الْعَائِقَةِ عَنِ السُّلُوكِ: مِنْ صُحْبَةِ الْأَغْيَارِ، وَالتَّعَلُّقِ بِالْأَوْطَانِ، الَّتِي أَلِفَ فِيهَا الْبَطَالَةَ وَالنَّذَالَةَ. فَلَيْسَ عَلَى الْمُرِيدِ الصَّادِقِ أَضَرَّ مِنْ عُشَرَائِهِ وَوَطَنِهِ، الْقَاطِعِينَ لَهُ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تُقْطَعُ بِصُحْبَةِ الْحَالِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تُقْطَعُ بِصُحْبَةِ الْحَالِ، وَتَرْوِيحِ الْأُنْسِ، وَالسَّيْرِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ. أَيْ يَنْقَطِعُ إِلَى صُحْبَةِ الْحَالِ. وَهُوَ الْوَارِدُ الَّذِي يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ تَأْثِيرِهِ بِالْمُعَامَلَةِ، السَّالِبُ لِوَصْفِ الْكَسَلِ وَالْفُتُورِ، الْجَالِبُ لَهُ إِلَى مُرَافَقَةِ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. فَيَنْتَقِلُ مِنْ مَقَامِ الْعِلْمِ إِلَى مَقَامِ الْكَشْفِ، وَمِنْ مَقَامِ رُسُومِ الْأَعْمَالِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ৮৪৭
مَقَامِ حَقَائِقِهَا وَأَذْوَاقِهَا، وَمَوَاجِيدِهَا، وَأَحْوَالِهَا. فَيَتَرَقَّى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِحْسَانِ. وَأَمَّا تَرْوِيحُ الْأُنْسِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ: فَإِنَّ السَّالِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَجِدُ تَعَبَ التَّكَالِيفِ وَمَشَقَّةَ الْعَمَلِ. لِعَدَمِ أُنْسِ قَلْبِهِ بِمَعْبُودِهِ. فَإِذَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ رُوحُ الْأُنْسِ زَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكَالِيفُ وَالْمَشَاقُّ. فَصَارَتْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ. وَقُوَّةً وَلَذَّةً. فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَيْنِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عِبْئًا عَلَيْهِ. وَيَسْتَرِيحُ بِهَا، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَطْلُبُ الرَّاحَةَ مِنْهَا. فَلَهُ مِيرَاثٌ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ» . «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَأُنْسِهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَوَحْشَتِهِ مِمَّا سِوَاهُ. وَأَمَّا السَّيْرُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ. فَ " الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ " حَالَتَانِ تَعْرِضَانِ لِكُلِّ سَالِكٍ. يَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْخَوْفِ تَارَةً، وَالرَّجَاءِ تَارَةً، فَيَقْبِضُهُ الْخَوْفُ. وَيَبْسُطُهُ الرَّجَاءُ. وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْوَفَاءِ تَارَةً، وَالْجَفَاءِ تَارَةً، فَوَفَاؤُهُ: يُورِثُهُ الْبَسْطَ. وَرَجَاؤُهُ يُورِثُهُ الْقَبْضَ. وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ التَّفْرِقَةِ تَارَةً، وَالْجَمْعِيَّةِ تَارَةً، فَتَفْرِقَتُهُ تُورِثُهُ الْقَبْضَ. وَجَمْعِيَّتُهُ تُورِثُهُ الْبَسْطَ. وَيَتَوَلَّدَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَارِدِ تَارَةً. فَوَارِدٌ يُورِثُ قَبْضًا، وَوَارِدٌ يُورِثُ بَسْطًا. وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِ السَّالِكِ قَبْضٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَبَسْطٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ. وَحُكْمُ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْضِ: أَمْرَانِ. الْأَوَّلُ: التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ نَتِيجَةُ جِنَايَةٍ. أَوْ جَفْوَةٍ. وَلَا يَشْعُرُ بِهَا. وَالثَّانِي: الِاسْتِسْلَامُ حَتَّى يَمْضِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ دَفْعَهُ. وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَقْتَهُ مُغَالَبَةً وَقَهْرًا. وَلَا يَطْلُبُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَمْضِيَ عَامَّةُ اللَّيْلِ. وَيَحِينَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَانْقِشَاعُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ. فَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ. وَكَذَلِكَ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَارِدُ الْبَسْطِ: فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِاهْتِزَازِ. وَلْيُحْرِزْهُ بِالسُّكُونِ وَالِانْكِمَاشِ. فَالْعَاقِلُ يَقِفُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَيَحْذَرُ مِنْ الِانْبِسَاطِ، وَهَذَا