মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة المروءة

حقيقة المروءة

পৃষ্ঠা - ৮২৭
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُرُوءَةِ] [حَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ] وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْمُرُوءَةِ. الْمُرُوءَةُ فُعُولَةٌ مَنْ لَفَظِ الْمَرْءِ، كَالْفُتُوَّةِ مِنَ الْفَتَى، وَالْإِنْسَانِيَّةُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَلِهَذَا كَانَ حَقِيقَتُهَا: اتِّصَافَ النَّفْسِ بِصِفَاتِ الْإِنْسَانِ الَّتِي فَارَقَ بِهَا الْحَيَوَانَ الْبَهِيمَ، وَالشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ. فَإِنَّ فِي النَّفْسِ ثَلَاثَةَ دَوَاعٍ مُتَجَاذِبَةٍ: دَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى الْإِنْصَافِ بِأَخْلَاقِ الشَّيْطَانِ: مِنَ الْكِبْرِ، وَالْحَسَدِ، وَالْعُلُوِّ، وَالْبَغْيِ، وَالشَّرِّ، وَالْأَذَى، وَالْفَسَادِ، وَالْغِشِّ. وَدَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى أَخْلَاقِ الْحَيَوَانِ. وَهُوَ دَاعِي الشَّهْوَةِ. وَدَاعٍ يَدْعُوهَا إِلَى أَخْلَاقِ الْمَلَكِ: مِنَ الْإِحْسَانِ، وَالنُّصْحِ، وَالْبِرِّ، وَالْعِلْمِ، وَالطَّاعَةِ. فَحَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ: بُغْضُ ذَيْنِكَ الدَّاعِيَيْنِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي الثَّالِثِ. وَقِلَّةُ الْمُرُوءَةِ وَعَدَمُهَا: هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ ذَيْنِكَ الدَّاعِيَيْنِ، وَالتَّوَجُّهُ لِدَعْوَتِهِمَا أَيْنَ كَانَتْ. فَالْإِنْسَانِيَّةُ، وَالْمُرُوءَةُ، وَالْفُتُوَّةُ: كُلُّهَا فِي عِصْيَانِ الدَّاعِيَيْنِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي الثَّالِثِ. كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ عُقُولًا بِلَا شَهْوَةٍ. وَخَلَقَ الْبَهَائِمَ شَهْوَةً بِلَا عُقُولٍ. وَخَلَقَ ابْنَ آدَمَ، وَرَكَّبَ فِيهِ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ. فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ: الْتَحَقَ بِالْمَلَائِكَةِ. وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ: الْتَحَقَ بِالْبَهَائِمِ. وَلِهَذَا قِيلَ فِي حَدِّ الْمُرُوءَةِ: إِنَّهَا غَلَبَةُ الْعَقْلِ لِلشَّهْوَةِ. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّهَا: هِيَ اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُ الْعَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ. وَقِيلَ: الْمُرُوءَةُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ. وَاجْتِنَابُ كُلِّ خُلُقٍ قَبِيحٍ. وَحَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ تَجَنُّبُ الدَّنَايَا وَالرَّذَائِلِ، مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَعْمَالِ. فَمُرُوءَةُ اللِّسَانِ: حَلَاوَتُهُ وَطِيبُهُ وَلِينُهُ، وَاجْتِنَاءُ الثِّمَارِ مِنْهُ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ. وَمُرُوءَةُ الْخُلُقِ: سَعَتُهُ وَبَسْطُهُ لِلْحَبِيبِ وَالْبَغِيضِ.
পৃষ্ঠা - ৮২৮
وَمُرُوءَةُ الْمَالِ: الْإِصَابَةُ بِبَذْلِهِ مَوَاقِعَهُ الْمَحْمُودَةَ عَقْلًا وَعُرْفًا وَشَرْعًا. وَمُرُوءَةُ الْجَاهِ: بَذْلُهُ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ. وَمُرُوءَةُ الْإِحْسَانِ: تَعْجِيلُهُ وَتَيْسِيرُهُ، وَتَوْفِيرُهُ، وَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ حَالَ وُقُوعِهِ، وَنِسْيَانُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. فَهَذِهِ مُرُوءَةُ الْبَذْلِ. وَأَمَّا مُرُوءَةُ التَّرْكِ: فَتَرْكُ الْخِصَامِ، وَالْمُعَاتَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةِ وَالْمُمَارَاةِ، وَالْإِغْضَاءِ عَنْ عَيْبِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ حَقِّكَ. وَتَرْكُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي طَلَبِهِ. وَالتَّغَافُلُ عَنْ عَثَرَاتِ النَّاسِ، وَإِشْعَارُهُمْ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَثْرَةً، وَالتَّوْقِيرُ لِلْكَبِيرِ، وَحِفْظُ حُرْمَةِ النَّظِيرِ، وَرِعَايَةُ أَدَبِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: مُرُوءَةُ الْمَرْءِ مَعَ نَفْسِهِ، وَهِيَ أَنْ يَحْمِلَهَا قَسْرًا عَلَى مَا يُجَمِّلُ وَيُزَيِّنُ. وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُ وَيَشِينُ، لِيَصِيرَ لَهَا مَلَكَةٌ فِي الْعَلَانِيَةِ. فَمَنْ أَرَادَ شَيْئًا فِي سِرِّهِ وَخَلْوَتِهِ: مَلَكَهُ فِي جَهْرِهِ وَعَلَانِيَتِهِ. فَلَا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ فِي الْخَلْوَةِ، وَلَا يَتَجَشَّأُ بِصَوْتٍ مُزْعِجٍ مَا وَجَدَ إِلَى خِلَافِهِ سَبِيلًا. وَلَا يُخْرِجُ الرِّيحَ بِصَوْتٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا يَجْشَعُ وَيَنْهِمُ عِنْدَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَا يَفْعَلُ خَالِيًا مَا يَسْتَحْيِي مِنْ فِعْلِهِ فِي الْمَلَأِ، إِلَّا مَا لَا يَحْظُرُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ. وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْخَلْوَةِ، كَالْجِمَاعِ وَالتَّخَلِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ. الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُرُوءَةُ مَعَ الْخَلْقِ، بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُمْ شُرُوطَ الْأَدَبِ وَالْحَيَاءِ، وَالْخُلُقِ الْجَمِيلِ، وَلَا يُظْهِرُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُهُ هُوَ مِنْ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ. وَلِيَتَّخِذَ النَّاسَ مِرْآةً لِنَفْسِهِ. فَكُلُّ مَا كَرِهَهُ وَنَفَرَ عَنْهُ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ خُلُقٍ، فَلْيَتَجَنَّبْهُ. وَمَا أَحَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ فَلْيَفْعَلْهُ. وَصَاحِبُ هَذِهِ الْبَصِيرَةِ يَنْتَفِعُ بِكُلِّ مَنْ خَالَطَهُ وَصَاحَبَهُ مِنْ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ، وَسَيِّئِ الْخُلُقِ وَحَسَنِهِ. وَعَدِيمِ الْمُرُوءَةِ وَغَزِيرِهَا. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: يَتَعَلَّمُ الْمُرُوءَةَ، وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ مِنَ الْمَوْصُوفِينَ بِأَضْدَادِهَا كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ، فَظٌّ غَلِيظٌ، لَا يُنَاسِبُهُ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَدْرُسُ عَلَيْهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ. وَهَذَا يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي ضِدِّ أَخْلَاقِهِ. وَيَكُونُ بِتَمْرِينِ النَّفْسِ عَلَى مُصَاحَبَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ. الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُرُوءَةُ مَعَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، بِالِاسْتِحْيَاءِ مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْكَ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْكَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَنَفْسٍ، وَإِصْلَاحِ عُيُوبِ نَفْسِكَ جَهْدَ الْإِمْكَانِ. فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَرَاهَا