মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل أقسام الناس في العبادة والاستعانة

পৃষ্ঠা - ৭২
الْعُلُومِ، وَبَلِيَّةُ الْأَذْهَانِ وَالْفُهُومِ، مَعَ أَنَّ فِي ضَمِيرِ " إِيَّاكَ " مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى نَفْسِ الذَّاتِ وَالْحَقِيقَةِ مَا لَيْسَ فِي الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، فَفِي: إِيَّاكَ قَصَدْتُ وَأَحْبَبْتُ مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى حَقِيقَتِكَ وَذَاتِكَ قَصْدِي، مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكَ: قَصَدْتُكَ وَأَحْبَبْتُكَ، وَإِيَّاكَ أَعْنِي فِيهِ مَعْنَى: نَفْسَكَ وَذَاتَكَ وَحَقِيقَتَكَ أَعْنِي. وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ النُّحَاةِ: إِنَّ " إِيَّا " اسْمٌ ظَاهِرٌ مُضَافٌ إِلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِرَدٍّ شَافٍ. وَلَوْلَا أَنَّا فِي شَأْنٍ وَرَاءَ هَذَا لَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرْنَا مَذَاهِبَ النُّحَاةِ فِيهَا، وَنَصَرْنَا الرَّاجِحَ، وَلَعَلَّنَا أَنْ نَعْطِفَ عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ. وَفِي إِعَادَةِ " إِيَّاكَ " مَرَّةً أُخْرَى دَلَالَةٌ عَلَى تَعَلُّقِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفِعْلَيْنِ، فَفِي إِعَادَةِ الضَّمِيرِ مِنْ قُوَّةِ الِاقْتِضَاءِ لِذَلِكَ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ، فَإِذَا قُلْتَ لِمَلِكٍ مَثَلًا: إِيَّاكَ أُحِبُّ، وَإِيَّاكَ أَخَافُ، كَانَ فِيهِ مِنَ اخْتِصَاصِ الْحُبِّ وَالْخَوْفِ بِذَاتِهِ وَالِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ، مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكِ: إِيَّاكَ أُحِبُّ وَأَخَافُ. [فَصْلٌ أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ] إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَالنَّاسُ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ وَهُمَا الْعِبَادَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
পৃষ্ঠা - ৭৩
أَجَلُّهَا وَأَفْضَلُهَا: أَهْلُ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالَلَّهِ عَلَيْهَا، فَعِبَادَةُ اللَّهِ غَايَةُ مُرَادِهِمْ، وَطَلَبُهُمْ مِنْهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهَا، وَيُوَفِّقَهُمْ لِلْقِيَامِ بِهَا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِعَانَةُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبِّهِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» . فَأَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَفْضَلُ الْمَوَاهِبِ إِسْعَافُهُ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ، وَجَمِيعُ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ مَدَارُهَا عَلَى هَذَا، وَعَلَى دَفْعِ مَا يُضَادُّهُ، وَعَلَى تَكْمِيلِهِ وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ، فَتَأَمَّلْهَا. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . وَمُقَابِلُ هَؤُلَاءِ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُمُ الْمُعْرِضُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، فَلَا عِبَادَةَ وَلَا اسْتِعَانَةَ، بَلْ إِنْ سَأَلَهُ أَحَدُهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِ فَعَلَى حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ، لَا عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَحُقُوقِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَسْأَلُهُ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَيَمُدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَأَبْغَضُ خَلْقِهِ عَدُّوُهُ إِبْلِيسُ وَمَعَ هَذَا فَقَدَ سَأَلَهُ حَاجَةً فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَمَتَّعَهُ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، كَانَتْ زِيَادَةً لَهُ فِي شِقْوَتِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ اللَّهِ وَطَرْدِهِ عَنْهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى أَمْرٍ وَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَوْنًا عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُبْعِدًا لَهُ عَنْ مَرْضَاتِهِ، قَاطِعًا لَهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ. وَلْيَتَأَمَّلِ الْعَاقِلُ هَذَا فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ لِسَائِلِيهِ لَيْسَتْ لِكَرَامَةِ السَّائِلِ عَلَيْهِ، بَلْ يَسْأَلُهُ عَبْدُهُ الْحَاجَةَ فَيَقْضِيهَا لَهُ، وَفِيهَا هَلَاكُهُ وَشِقْوَتُهُ، وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ لَهُ مِنْ هَوَانِهِ عَلَيْهِ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ، وَيَكُونُ مَنْعُهُ مِنْهَا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، فَيَمْنَعُهُ حِمَايَةً وَصِيَانَةً وَحِفْظًا لَا بُخْلًا، وَهَذَا إِنَّمَا يَفْعَلُهُ بِعَبْدِهِ الَّذِي يُرِيدُ كَرَامَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَيُعَامِلُهُ بِلُطْفِهِ، فَيَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُكْرِمُهُ، وَيَرَاهُ يَقْضِي حَوَائِجَ غَيْرِهِ، فَيُسِيءُ ظَنَّهُ
পৃষ্ঠা - ৭৪
بِرَبِّهِ، وَهَذَا حَشْوُ قَلْبِهِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَالْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَعَلَامَةُ هَذَا حَمْلُهُ عَلَى الْأَقْدَارِ وَعِتَابُهُ الْبَاطِنُ لَهَا، كَمَا قِيلَ: وَعَاجِزُ الرَّأْيِ مِضْيَاعٌ لِفُرْصَتِهِ ... حَتَّى إِذَا فَاتَ أَمْرٌ عَاتَبَ الْقَدَرَا فَوَاللَّهِ لَوْ كَشَفَ عَنْ حَاصِلِهِ وَسِرِّهِ لَرَأَى هُنَاكَ مُعَاتَبَةَ الْقَدَرِ وَاتِّهَامَهُ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ مَا حِيلَتِي، وَالْأَمْرُ لَيْسَ إِلَيَّ؟ وَالْعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ، وَالْجَاهِلُ خَصْمُ أَقْدَارِ رَبِّهِ. فَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ تَسْأَلَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا خِيرَتُهُ وَعَاقِبَتُهُ مُغَيَّبَةٌ عَنْكَ، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنْ سُؤَالِهِ بُدًّا، فَعَلِّقْهُ عَلَى شَرْطِ عِلْمِهِ تَعَالَى فِيهِ الْخِيَرَةَ، وَقَدِّمْ بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِكَ الِاسْتِخَارَةَ، وَلَا تَكُنِ اسْتِخَارَةٌ بِاللِّسَانِ بِلَا مَعْرِفَةٍ، بَلِ اسْتِخَارَةُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَصَالِحِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا اهْتِدَاءَ لَهُ إِلَى تَفَاصِيلِهَا، وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا، بَلْ إِنْ وُكِّلَّ إِلَى نَفْسِهِ هَلَكَ كُلَّ الْهَلَاكِ، وَانْفَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ. وَإِذَا أَعْطَاكَ مَا أَعْطَاكَ بِلَا سُؤَالٍ تَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَوْنًا لَكَ عَلَى طَاعَتِهِ وَبَلَاغًا إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَلَا يَجْعَلَهُ قَاطِعًا لَكَ عَنْهُ، وَلَا مُبْعِدًا عَنْ مَرْضَاتِهِ، وَلَا تَظُنُّ أَنَّ عَطَاءَهُ كُلَّ مَا أَعْطَى لِكَرَامَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ، وَلَا مَنْعَهُ كُلَّ مَا يَمْنَعُهُ لِهَوَانِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ عَطَاءَهُ وَمَنْعَهُ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ، يَمْتَحِنُ بِهِمَا عِبَادَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ - وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ - كَلَّا} [الفجر: 15 - 17] أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَعْطَيْتُهُ وَنَعَّمْتُهُ وَخَوَّلْتُهُ فَقَدْ أَكْرَمْتُهُ، وَمَا ذَاكَ لِكَرَامَتِهِ عَلَيَّ، وَلَكِنَّهُ ابْتِلَاءٌ مِنِّي، وَامْتِحَانٌ لَهُ أَيَشْكُرُنِي فَأُعْطِيَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، أَمْ يَكْفُرُنِي فَأَسْلُبَهُ إِيَّاهُ، وَأُخَوِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ؟ وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ فَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَجَعَلْتُهُ بِقَدَرٍ لَا يُفَضَّلُ عَنْهُ، فَذَلِكَ مِنْ هَوَانِهِ عَلَيَّ، وَلَكِنَّهُ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ مِنِّي لَهُ أَيَصْبِرُ فَأُعْطِيَهُ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا فَاتَهُ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ، أَمْ يَتَسَخَّطُ فَيَكُونَ حَظُّهُ السُّخْطَ؟ . فَرَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ إِكْرَامٌ، وَأَنَّ الْفَقْرَ إِهَانَةٌ، فَقَالَ: لَمْ أَبْتَلِ عَبْدِي بِالْغِنَى لِكَرَامَتِهِ عَلَيَّ، وَلَمْ أَبْتَلِهِ بِالْفَقْرِ لِهَوَانِهِ عَلَيَّ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْإِهَانَةَ لَا يَدُورَانِ عَلَى الْمَالِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَتَقْدِيرِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَسِّعُ عَلَى الْكَافِرِ لَا لِكَرَامَتِهِ، وَيُقَتِّرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ لَا لِإِهَانَتِهِ، إِنَّمَا يُكْرِمُ مَنْ يُكْرِمُهُ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَيُهِينُ مَنْ يُهِينُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَمَعْصِيَتِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.
পৃষ্ঠা - ৭৫
فَعَادَتْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] . الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَهُ نَوْعُ عِبَادَةٍ بِلَا اسْتِعَانَةٍ، وَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ بِالْعَبْدِ جَمِيعَ مَقْدُورِهِ مِنَ الْأَلْطَافِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَقْدُورِهِ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَعَانَهُ بِخَلْقِ الْآلَاتِ وَسَلَامَتِهَا، وَتَعْرِيفِ الطَّرِيقِ، وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَتَمْكِينِهِ مِنَ الْفِعْلِ، فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا إِعَانَةٌ مَقْدُورَةٌ يَسْأَلُهُ إِيَّاهَا، بَلْ قَدْ سَاوَى بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ فِي الْإِعَانَةِ، فَأَعَانَ هَؤُلَاءِ كَمَا أَعَانَ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنَّ أَوْلِيَاءَهُ اخْتَارُوا لِنُفُوسِهِمُ الْإِيمَانَ، وَأَعْدَاءَهُ اخْتَارُوا لِنُفُوسِهِمُ الْكُفْرَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَفَّقَ هَؤُلَاءِ بِتَوْفِيقٍ زَائِدٍ أَوْجَبَ لَهُمُ الْإِيمَانَ، وَخَذَلَ هَؤُلَاءِ بِأَمْرٍ آخَرَ أَوْجَبَ لَهُمُ الْكُفْرَ، فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مَنْقُوصٌ مِنَ الْعِبَادَةِ، لَا اسْتِعَانَةَ مَعَهُ، فَهُمْ مَوْكُولُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، مَسْدُودٌ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ الِاسْتِعَانَةِ وَالتَّوْحِيدِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ نِظَامُ التَّوْحِيدِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَكَذَّبَ بِقَدَرِهِ نَقَضَ تَكْذِيبُهُ تَوْحِيدَهُ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَنْ لَهُمْ عِبَادَاتٌ وَأَوْرَادٌ، وَلَكِنَّ حَظَّهُمْ نَاقِصٌ مِنَ التَّوَكُّلِ وَالِاسْتِعَانَةِ، لَمْ تَتَّسِعْ قُلُوبُهُمْ لِارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِالْقَدَرِ، وَتَلَاشِيهَا فِي ضِمْنِهِ، وَقِيَامِهَا بِهِ،
পৃষ্ঠা - ৭৬
وَأَنَّهَا بِدُونِ الْقَدَرِ كَالْمَوَاتِ الَّذِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ، بَلْ كَالْعَدَمِ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ، وَأَنَّ الْقَدَرَ كَالرُّوحِ الْمُحَرِّكِ لَهَا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَى الْمُحَرِّكِ الْأَوَّلِ. فَلَمْ تَنْفُذْ قُوَى بَصَائِرِهِمْ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ إِلَى الْمُحَرِّكِ، وَمِنَ السَّبَبِ إِلَى الْمُسَبَّبِ، وَمِنَ الْآلَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، فَضَعُفَتْ عَزَائِمُهُمْ وَقَصُرَتْ هِمَمُهُمْ، فَقَلَّ نَصِيبُهُمْ مِنْ " {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] " وَلَمْ يَجِدُوا ذَوْقَ التَّعَبُّدِ بِالتَّوَكُّلِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَإِنْ وَجَدُوا ذَوْقَهُ بِالْأَوْرَادِ وَالْوَظَائِفِ. فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالنُّفُوذِ وَالتَّأْثِيرِ، بِحَسَبِ اسْتِعَانَتِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ، وَلَهُمْ مِنَ الْخُذْلَانِ وَالضَّعْفِ وَالْمَهَانَةِ وَالْعَجْزِ بِحَسَبِ قِلَّةِ اسْتِعَانَتِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ، وَلَوْ تَوَكَّلَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ فِي إِزَالَةِ جَبَلٍ عَنْ مَكَانِهِ وَكَانَ مَأْمُورًا بِإِزَالَتِهِ لَأَزَالَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى التَّوَكُّلِ وَالِاسْتِعَانَةِ؟ . قُلْتُ: هُوَ حَالٌ لِلْقَلْبِ يَنْشَأُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ، وَالْإِيمَانِ بِتَفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأِ النَّاسُ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ شَاءَهُ النَّاسُ، فَيُوجِبُ لَهُ هَذَا اعْتِمَادًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيضًا إِلَيْهِ، وَطُمَأْنِينَةً بِهِ، وَثِقَةً بِهِ، وَيَقِينًا بِكِفَايَتِهِ لِمَا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَنَّهُ مَلِيٌّ بِهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، شَاءَهُ النَّاسُ أَمْ أَبَوْهُ. فَتُشْبِهُ حَالَتُهُ حَالَةَ الطِّفْلِ مَعَ أَبَوَيْهِ فِيمَا يَنْوِيهِ مِنْ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ هُمَا مَلِيَّانِ بِهِمَا، فَانْظُرْ فِي تَجَرُّدِ قَلْبِهِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ أَبَوَيْهِ، وَحَبْسِ هَمِّهِ عَلَى إِنْزَالِ مَا يَنْوِيهِ بِهِمَا، فَهَذِهِ حَالُ الْمُتَوَكِّلِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا مَعَ اللَّهِ فَاللَّهُ كَافِيهِ وَلَا بُدَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أَيْ كَافِيهِ، وَالْحَسْبُ الْكَافِي، فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى كَانَتْ لَهُ الْعَاقِبَةُ الْحَمِيدَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى فَهُوَ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَنْ شَهِدَ تَفَرُّدَ اللَّهِ بِالنَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَدْرِ مَعَ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، فَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ وَأَغْرَاضِهِ، وَطَلَبَهَا مِنْهُ، وَأَنْزَلَهَا بِهِ، فَقُضِيَتْ لَهُ، وَأُسْعِفَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ أمْوَالًا أَوْ رِيَاسَةً أَوْ جَاهًا عِنْدَ الْخَلْقِ، أَوْ أَحْوَالًا مِنْ كَشْفٍ وَتَأْثِيرٍ وَقُوَّةٍ وَتَمْكِينٍ، وَلَكِنْ لَا عَاقِبَةَ لَهُ، فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُلْكِ الظَّاهِرِ، وَالْأَمْوَالُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ، فَضْلًا عَنِ الْوِلَايَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُلْكَ وَالْجَاهَ وَالْمَالَ وَالْحَالَ مُعْطَاةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِمَنْ آتَاهُ إِيَّاهُ وَرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الْمُقَرَّبِينَ،