فصل في منازل إياك نعبد
فصل منزلة الثقة بالله تعالى
পৃষ্ঠা - ৬৩৫
وَالْجَمْعِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِقَةِ: نَظَرُ الِاعْتِبَارِ، وَنِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إِلَى الْخَلْقِ.
وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: شُهُودُ الْأَفْعَالِ مَنْسُوبَةً إِلَى مُوجِدِهَا الْحَقِّ تَعَالَى.
وَقَدْ يُرِيدُونَ بِالتَّفْرِقَةِ وَالْجَمْعِ مَعْنًى وَرَاءَ هَذَا الشُّهُودِ. وَهُوَ حَالُ التَّفْرِقَةِ وَالْجَمْعِ.
فَحَالُ التَّفْرِقَةِ: تَفَرُّقُ الْقَلْبِ فِي أَوْدِيَةِ الْإِرَادَاتِ وَشِعَابِهَا. وَحَالُ الْجَمْعِ: جَمْعِيَّتُهُ عَلَى مُرَادِ الْحَقِّ وَحْدَهُ. فَالْأَوَّلُ: عِلْمُ التَّفْرِقَةِ وَالْجَمْعِ. وَالثَّانِي: حَالُهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]
[حَقِيقَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى
وَمِنْ مَنَازِلِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ ":
الثِّقَةُ: سَوَادُ عَيْنِ التَّوَكُّلِ. وَنُقْطَةُ دَائِرَةِ التَّفْوِيضِ. وَسُوَيْدَاءُ قَلْبِ التَّسْلِيمِ.
وَصَدَّرَ الْبَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأُمِّ مُوسَى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: 7] . فَإِنَّ فِعْلَهَا هَذَا هُوَ عَيْنُ ثِقَتِهَا بِاللَّهِ تَعَالَى، إِذْ لَوْلَا كَمَالُ ثِقَتِهَا بِرَبِّهَا لَمَا أَلْقَتْ بِوَلَدِهَا وَفِلْذَةِ كَبِدِهَا فِي تَيَّارِ الْمَاءِ، تَتَلَاعَبُ بِهِ أَمْوَاجُهُ، وَجَرْيَاتُهُ إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي أَوْ يَقِفُ.
وَمُرَادُهُ: أَنَّ الثِّقَةَ خُلَاصَةُ التَّوَكُّلِ وَلُبُّهُ، كَمَا أَنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ: أَشْرَفُ مَا فِي الْعَيْنِ.
وَأَشَارَ بِأَنَّهُ نُقْطَةُ دَائِرَةِ التَّفْوِيضِ إِلَى أَنَّ مَدَارَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي وَسَطِهِ كَحَالِ النُّقْطَةِ مِنَ الدَّائِرَةِ. فَإِنَّ النُّقْطَةَ هِيَ الْمُرَكَّزُ الَّذِي عَلَيْهِ اسْتِدَارَةُ الْمُحِيطِ، وَنِسْبَةُ جِهَاتِ الْمُحِيطِ إِلَيْهَا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُحِيطِ مُقَابِلٌ لَهَا. كَذَلِكَ الثِّقَةُ هِيَ النُّقْطَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا التَّفْوِيضُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: سُوَيْدَاءُ قَلْبِ التَّسْلِيمِ. فَإِنَّ الْقَلْبَ أَشْرَفُ مَا فِيهِ سُوَيْدَاؤُهُ، وَهِيَ
পৃষ্ঠা - ৬৩৬
الْمُهْجَةُ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْحَيَاةُ، وَهِيَ فِي وَسَطِهِ. فَلَوْ كَانَ التَّفْوِيضُ قَلْبًا لَكَانَتِ الثِّقَةُ سُوَيْدَاءَهُ. وَلَوْ كَانَ عَيْنًا لَكَانَتْ سَوَادَهَا. وَلَوْ كَانَ دَائِرَةً لَكَانَتْ نُقْطَتَهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُفَسِّرُ التَّوَكُّلَ بِالثِّقَةِ. وَيَجْعَلُهُ حَقِيقَتَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالتَّفْوِيضِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالتَّسْلِيمِ.
فَعَلِمْتُ أَنَّ مَقَامَ التَّوَكُّلِ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فَكَأَنَّ الثِّقَةَ عِنْدَ الشَّيْخِ هِيَ رُوحٌ، وَالتَّوَكُّلَ كَالْبَدَنِ الْحَامِلِ لَهَا، وَنِسْبَتَهَا إِلَى التَّوَكُّلِ كَنِسْبَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى دَرَجَةُ الْإِيَاسِ]
فَصْلٌ
قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: دَرَجَةُ الْإِيَاسِ. وَهُوَ إِيَاسُ الْعَبْدِ عَنْ مُقَاوَمَاتِ الْأَحْكَامِ. لِيَقْعُدَ عَنْ مُنَازَعَةِ الْأَقْسَامِ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ قِحَةِ الْإِقْدَامِ.
يَعْنِي أَنَّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ لِاعْتِقَادِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ وَقَضَى أَمْرًا. فَلَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ. وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. فَمَنْ حَكَمَ اللَّهُ لَهُ بِحُكْمٍ، وَقَسَمَ لَهُ بِنَصِيبٍ مِنَ الرِّزْقِ، أَوِ الطَّاعَةِ أَوِ الْحَالِ، أَوِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ: فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ ذَلِكَ: فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ. كَمَا لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الطَّيَرَانِ إِلَى السَّمَاءِ، وَحَمْلِ الْجِبَالِ - فَبِهَذَا الْقَدْرِ يَقْعُدُ عَنْ مُنَازَعَةِ الْأَقْسَامِ. فَمَا كَانَ لَهُ مِنْهَا فَسَوْفَ يَأْتِيهِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا فَلَنْ يَنَالَهُ بِقُوَّتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: مُقَاوَمَةُ الْأَحْكَامِ وَمُنَازَعَةُ الْأَقْسَامِ، أَنَّ مُقَاوَمَةَ الْأَحْكَامِ: أَنْ تَتَعَلَّقَ إِرَادَتُهُ بِعَيْنِ مَا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ. فَإِذَا تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُهُ بِذَلِكَ جَاذَبَ الْخَلْقَ الْأَقْسَامَ وَنَازَعَهُمْ فِيهَا.
وَقَوْلُهُ: يَتَخَلَّصُ مِنْ قِحَةِ الْإِقْدَامِ؛ أَيْ يَتَخَلَّصُ بِالثِّقَةِ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْقِحَةِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى إِقْدَامِهِ عَلَى مَا لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ وَلَا قَسَمَ لَهُ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ دَرَجَةُ الْأَمْنِ]
فَصْلٌ
পৃষ্ঠা - ৬৩৭
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: دَرَجَةُ الْأَمْنِ. وَهُوَ أَمْنُ الْعَبْدِ مِنْ فَوْتِ الْمَقْدُورِ. وَانْتِقَاضِ الْمَسْطُورِ. فَيَظْفَرُ بِرَوْحِ الرِّضَا، وَإِلَّا فَبِعَيْنِ الْيَقِينِ. وَإِلَّا فَبِلُطْفِ الصَّبْرِ.
يَقُولُ: مَنْ حَصَلَ لَهُ الْإِيَاسُ الْمَذْكُورُ حَصَلَ لَهُ الْأَمْنُ. وَذَلِكَ: أَنَّ مِنْ تَحَقَّقَ بِمُعَرَّفَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ مَا قَضَاهُ اللَّهُ فَلَا مَرَدَّ لَهُ الْبَتَّةَ: أَمِنَ مِنْ فَوْتِ نَصِيبِهِ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ. وَأَمِنَ أَيْضًا مِنْ نُقْصَانِ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ، وَسَطَّرَهُ فِي الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ. فَيَظْفَرُ بِرَوْحِ الرِّضَا، أَيْ بِرَاحَتِهِ وَلَذَّتِهِ وَنَعِيمِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الرِّضَا فِي رَاحَةٍ وَلَذَّةٍ وَسُرُورٍ. كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ - بِعَدْلِهِ وَقِسْطِهِ - جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا. وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ» .
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ الْعَبْدُ عَلَى رَوْحِ الرِّضَا ظَفِرَ بِعَيْنِ الْيَقِينِ؛ وَهُوَ قُوَّةُ الْإِيمَانِ، وَمُبَاشَرَتُهُ لِلْقَلْبِ. بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِيَانِ إِلَّا كَشْفُ الْحِجَابِ الْمَانِعِ مِنْ مُكَافَحَةِ الْبَصَرِ.
فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا الْمَقَامُ حَصَلَ عَلَى لُطْفِ الصَّبْرِ وَمَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ. كَمَا فِي الْأَثَرِ الْمَعْرُوفِ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ. فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ خَيْرًا كَثِيرًا.
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مُعَايَنَةُ أَزَلِيَّةِ الْحَقِّ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: مُعَايَنَةُ أَزَلِيَّةِ الْحَقِّ. لِيَتَخَلَّصَ مِنْ مِحَنِ الْقُصُودِ، وَتَكَالِيفِ الْحِمَايَاتِ، وَالتَّعْرِيجِ عَلَى مَدَارِجِ الْوَسَائِلِ.