মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة الرياضة

পৃষ্ঠা - ৪৪৩
وَهَذَا أَيْضًا مَوْضِعٌ غَلِطَ فِيهِ مَنْ غَلِطَ مِنَ الشُّيُوخِ، فَظَنُّوا أَنَّ إِرَادَةَ الْحَظِّ نَقْصٌ فِي الْإِرَادَةِ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْحَظَّ نَوْعَانِ: حَظٌّ يُزَاحِمُ الْأَمْرَ، وَحَظٌّ يُؤَازِرُ الْأَمْرَ فَيُنَفِّذُهُ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْمُومُ، وَالثَّانِي مَمْدُوحٌ، وَتَنَاوُلُهُ مِنْ تَمَامِ الْعُبُودِيَّةِ، فَهَذَا لَوْنٌ وَهَذَا لَوْنٌ. فَصْلٌ. قَالَ: وَفِرَارُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ مِمَّا دُونَ الْحَقِّ إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ مِنْ شُهُودِ الْفِرَارِ إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ الْفِرَارُ مِنْ شُهُودِ الْفِرَارِ. هَذَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي جَعْلِ الْفَنَاءِ عَنِ الشُّهُودِ غَايَةَ السَّالِكِينَ، فَيَفِرُّ أَوَّلًا مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ، وَيَشْهَدُ بِهَذَا الْفِرَارِ انْفِرَادَ مَشْهُودِهِ الَّذِي فَرَّ إِلَيْهِ، لَكِنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ، وَهِيَ شُهُودُ فِرَارِهِ. فَيَعْدِلُهُ إِحْسَاسًا بِالْخَلْقِ، فَيَفِرُّ ثَانِيًا مِنْ شُهُودِ فِرَارِهِ، فَتَنْقَطِعُ النِّسَبُ كُلُّهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ بِهَذَا الْفِرَارِ الثَّانِي، فَلَا يَبْقَى فِيهِ بَقِيَّةٌ إِلَّا مُلَاحَظَةُ فِرَارِهِ مِنْ شُهُودِ فِرَارِهِ، فَيَفِرُّ مِنْ شُهُودِ الْفِرَارِ، فَتَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ النِّسَبُ كُلُّهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَالرُّتَبِ، وَلَا هُوَ غَايَةُ الْكَمَالِ، وَأَنَّ فَوْقَهُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مَقَامًا، وَأَشْرَفُ مَنْزِلًا، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ فِرَارَهُ، وَأَنَّهُ بِاللَّهِ مِنَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، فَيَشْهَدُ أَنَّهُ فَرَّ بِهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَيُعْطِي كُلَّ مَشْهَدٍ حَقَّهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَهَذَا حَالُ الْكُمَّلِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. [فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الرِّيَاضَةِ] وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الرِّيَاضَةِ. هِيَ تَمْرِينُ النَّفْسِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ. قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: هِيَ تَمْرِينُ النَّفْسِ عَلَى قَبُولِ الصِّدْقِ.
পৃষ্ঠা - ৪৪৪
وَهَذَا يُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ: تَمْرِينُهَا عَلَى قَبُولِ الصِّدْقِ إِذَا عَرَضَهُ عَلَيْهَا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الصِّدْقَ قَبِلَتْهُ وَانْقَادَتْ لَهُ وَأَذْعَنَتْ لَهُ. وَالثَّانِي: قَبُولُ الْحَقِّ مِمَّنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] فَلَا يَكْفِي صِدْقُكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صِدْقِكَ وَتَصْدِيقِكَ لِلصَّادِقِينَ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَصْدُقُ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّصْدِيقِ كِبْرٌ أَوْ حَسَدٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: رِيَاضَةٌ عَامَّةٌ، وَهِيَ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ بِالْعِلْمِ، وَتَصْفِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالْإِخْلَاصِ، وَتَوْفِيرُ الْحُقُوقِ فِي الْمُعَامَلَةِ. أَمَّا تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ بِالْعِلْمِ فَالْمُرَادُ بِهِ إِصْلَاحُهَا وَتَصْفِيَتُهَا بِمُوجَبِ الْعِلْمِ، فَلَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ إِلَّا بِمُقْتَضَى الْعِلْمِ، فَتَكُونُ حَرَكَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ مَوْزُونَةٌ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا تَصْفِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالْإِخْلَاصِ فَهُوَ تَجْرِيدُهَا عَنْ أَنْ يَشُوبَهَا بَاعِثٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْحِيدِ الْمُرَادِ، وَتَجْرِيدِ الْبَاعِثِ إِلَيْهِ. وَأَمَّا تَوْفِيرُ الْحُقُوقِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، قَدْ نَصَحْتَ فِيهِ صَاحِبَ الْحَقِّ غَايَةَ النُّصْحِ، وَأَرْضَيْتَهُ كُلَّ الرِّضَا، فَفُزْتَ بِحَمْدِهِ لَكَ وَشُكْرِهِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شَاقَّةً عَلَى النَّفْسِ جِدًّا كَانَ تَكَلُّفُهَا رِيَاضَةً، فَإِذَا اعْتَادَهَا صَارَتْ خُلُقًا. قَالَ: وَرِيَاضَةُ الْخَاصَّةِ حَسْمُ التَّفَرُّقِ، وَقَطْعُ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي جَاوَزَهُ، وَإِبْقَاءُ الْعِلْمِ يَجْرِي مَجْرَاهُ. يُرِيدُ بِحَسْمِ التَّفَرُّقِ قَطْعَ مَا يُفَرِّقُ قَلْبَكَ عَنِ اللَّهِ بِالْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ، وَالْإِقْبَالَ بِكُلِّيَّتِكَ إِلَيْهِ، حَاضِرًا مَعَهُ بِقَلْبِكَ كُلِّهِ، لَا تَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَطْعُ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي جَاوَزَهُ فَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِاسْتِحْسَانِ عُلُومِ ذَلِكَ الْمَقَامِ وَلَذَّتِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ، بَلْ يُلْهَى عَنْهُ مُعْرِضًا مُقْبِلًا عَلَى اللَّهِ، طَالِبًا لِلزِّيَادَةِ، خَائِفًا
পৃষ্ঠা - ৪৪৫
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَقَامُ لَهُ حِجَابًا يَقِفُ عِنْدَهُ عَنِ السَّيْرِ، فَهِمَّتُهُ حِفْظُهُ، لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَلَا هِمَّةٌ أَنْ يَنْهَضَ إِلَى مَا فَوْقَهُ، وَمَنْ لَمْ تَكُنْ هِمَّتُهُ التَّقَدُّمَ فَهُوَ فِي تَأَخُّرٍ وَلَا يَشْعُرُ، فَإِنَّهُ لَا وُقُوفَ فِي الطَّبِيعَةِ، وَلَا فِي السَّيْرِ، بَلْ إِمَّا إِلَى قُدَّامَ، وَإِمَّا إِلَى الْوَرَاءِ، فَالسَّالِكُ الصَّادِقُ لَا يَنْظُرُ إِلَى وَرَائِهِ، وَلَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ إِلَّا مِنْ أَمَامِهِ لَا مِنْ وَرَائِهِ. وَأَمَّا إِبْقَاءُ الْعِلْمِ يَجْرِي مَجْرَاهُ: فَالذَّهَابُ مَعَ دَاعِي الْعِلْمِ أَيْنَ ذَهَبَ بِهِ، وَالْجَرْيُ مَعَهُ فِي تَيَّارِهِ أَيْنَ جَرَى. وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ الِاسْتِسْلَامُ لِلْعِلْمِ، وَأَنْ لَا تُعَارِضَهُ بِجَمْعِيَّةٍ، وَلَا ذَوْقٍ، وَلَا حَالٍ، بَلِ امْضِ مَعَهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَالْوَاجِبُ تَسْلِيطُ الْعِلْمِ عَلَى الْحَالِ، وَتَحْكِيمُهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يُعَارَضَ بِهِ. وَهَذَا صَعْبٌ جِدًّا إِلَّا عَلَى الصَّادِقِينَ مِنْ أَرْبَابِ الْعَزَائِمِ، فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّيَاضَةِ. وَمَتَّى تَمَرَّنَتِ النَّفْسُ عَلَيْهِ وَتَعَوَّدَتْهُ صَارَ خُلُقًا، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّالِكِينَ إِذَا لَاحَتْ لَهُ بَارِقَةٌ، أَوْ غَلَبَهُ حَالٌ أَوْ ذَوْقٌ خَلَّى الْعِلْمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَهُ ظِهْرِيًّا، وَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَالُ، هَذَا حَالُ أَكْثَرِ السَّالِكِينَ، وَهِيَ حَالُ أَهْلِ الِانْحِرَافِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا، وَلِهَذَا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ مِنَ الشُّيُوخِ بِالْعِلْمِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ. فَصْلٌ. قَالَ: وَرِيَاضَةُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ: تَجْرِيدُ الشُّهُودِ، وَالصُّعُودُ إِلَى الْجَمْعِ، وَرَفْضُ الْمُعَارَضَاتِ، وَقَطْعُ الْمُعَاوَضَاتِ. أَمَّا تَجْرِيدُ الشُّهُودِ، فَنَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: تَجْرِيدُهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: تَجْرِيدُهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَشُهُودِهِ. وَأَمَّا الصُّعُودُ إِلَى الْجَمْعِ فَيَعْنِي بِهِ الصُّعُودَ عَنْ مَعَانِي التَّفْرِقَةِ إِلَى الْجَمْعِ الذَّاتِيِّ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصْعَدَ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَفْعَالِ إِلَى وَحْدَةِ مَصْدَرِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَصْعَدَ عَنْ عَلَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إِلَى الذَّاتِ، فَإِنَّ شُهُودَ الذَّاتِ
পৃষ্ঠা - ৪৪৬
بِدُونِ عَلَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَهُمْ هُوَ حَضْرَةُ الْجَمْعِ، وَهَذَا مَوْضِعُ مَزِلَّةِ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ، لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ، فَنَقُولُ: التَّفْرِقَةُ تَفْرِقَتَانِ: تَفْرِقَةٌ فِي الْمَفْعُولَاتِ، وَتَفْرِقَةٌ فِي مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالْجَمْعُ جَمْعَانِ: جَمْعٌ فِي الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ، وَجَمْعٌ ذَاتِيٌّ. فَالْجَمْعُ فِي الْحَكَمِ الْكَوْنِيِّ: اجْتِمَاعُ الْمَفْعُولَاتِ كُلِّهَا فِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالْحُكْمِ، وَالْجَمْعُ الذَّاتِيُّ: اجْتِمَاعُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي الذَّاتِ. فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ جَامِعَةٌ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. وَالْقَدَرُ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ، وَالشُّهُودُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا. فَشُهُودُ اجْتِمَاعِ الْكَائِنَاتِ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ لَا يُعْطِي إِيمَانًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْإِحْسَانِ، وَالْفَنَاءُ فِي هَذَا الشُّهُودِ: غَايَتُهُ فَنَاءٌ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَشُهُودُ اجْتِمَاعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فِي وَحْدَةِ الذَّاتِ: شُهُودٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ شُهُودٌ مُطَابِقٌ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ. وَأَمَّا الصُّعُودُ عَنْ شُهُودِ تَفْرِقَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَعَلَائِقِهَا إِلَى وَحْدَةِ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَعْذُورًا لِضِيقِ قَلْبِهِ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا فِي شُهُودِهِ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ كُلِّ اسْمٍ وَصِفَةٍ وَعَنْ عَلَائِقِهَا فَكَلَّا وَلَمَّا. وَأَيُّ إِيمَانٍ يُعْطِي ذَلِكَ؟ وَأَيُّ مَعْرِفَةٍ؟ وَإِنَّمَا هُوَ سَلْبٌ وَنَفْيٌ فِي الشُّهُودِ، كَالسَّلْبِ وَالنَّفْيِ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، فَنِسْبَتُهُ إِلَى الشُّهُودِ كَنِسْبَةِ نَفْيِ الْجَهْمِيَّةِ وَسَلْبِهِمْ إِلَى الْأَخْبَارِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ السَّلْبَ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَنَفْيٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَمَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. وَأَمَّا هَذَا السَّلْبُ: فَنَفْيُ الشُّعُورِ بِهِ لِلصُّعُودِ مِنْهُ إِلَى الْجَمْعِ الذَّاتِيِّ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالِاعْتِرَافِ بِثُبُوتِهِ، فَهَذَا لَوْنٌ وَذَاكَ لَوْنٌ. وَالْكَمَالُ: شُهُودُ الْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ الذَّاتَ مَوْصُوفَةً بِصِفَاتِ الْجَلَالِ، مَنْعُوتَةً بِنُعُوتِ الْكَمَالِ، وَكُلَّمَا كَثُرَ شُهُودُهُ لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ كَانَ أَكْمَلَ. نَعَمْ قَدْ يُعْذَرُ فِي الْفَنَاءِ فِي الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ، لِقُوَّةِ الْوَارِدِ، وَضَعْفِ الْمَحَلِّ عَنْ شُهُودِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
পৃষ্ঠা - ৪৪৭
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَأَعْطِهِ حَقَّهُ، وَلَا يَصُدَنَّكَ عَنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ مَا يُحِيلُ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْفَنَاءِ مِنَ الْكَشْفِ وَالذَّوْقِ، فَإِنَّا لَا نُنْكِرُهُ، بَلْ نُقِرُّ بِهِ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا رَفْضُ الْمُعَارَضَاتِ فَيَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مَا يُعَارِضُ شُهُودَهُ الْجَمْعِيَّ مِنَ التَّفَرُّقَاتِ، وَهُوَ مُرَادُهُ. وَالثَّانِي: مَا يُعَارِضُ إِرَادَتَهُ مِنَ الْإِرَادَاتِ، وَمَا يُعَارِضُ مُرَادَ اللَّهِ مِنَ الْمُرَادَاتِ، وَهَذَا أَكْمَلُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَأَعْلَى مِنْهُ. وَأَمَّا قَطْعُ الْمُعَاوَضَاتِ فَهُوَ تَجْرِيدُ الْمُعَامَلَةِ عَنْ إِرَادَةِ الْمُعَاوَضَةِ، بَلْ يُجَرِّدُهَا لِذَاتِهِ، وَأَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُعْبَدَ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لِعَابِدِهِ عِوَضٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ لِذَاتِهِ لَا لِعِلَّةٍ، وَلَا لِعِوَضٍ وَلَا لِمَطْلُوبٍ، وَهَذَا أَيْضًا مَوْضِعٌ لَا بُدَّ مِنْ تَجْرِيدِهِ. فَيُقَالُ: مُلَاحَظَةُ الْمُعَاوَضَةِ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعَامِلِ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي مُلَاحَظَةِ الْأَعْوَاضِ وَتَبَايُنِهَا، فَالْمُحِبُّ الصَّادِقُ الَّذِي قَدْ تَجَرَّدَ عَنْ مُلَاحَظَةِ عِوَضٍ قَدْ لَاحَظَ أَعْظَمَ الْأَعْوَاضِ، وَشَمَّرَ إِلَيْهَا، وَهِيَ قُرْبُهُ مِنَ اللَّهِ وَوُصُولُهُ إِلَيْهِ، وَاشْتِغَالُهُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالتَّنَعُّمُ بِحُبِّهِ وَلَذَّةِ الشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ، فَهَذِهِ أَعْوَاضٌ لَا بُدَّ لِلْخَاصَّةِ مِنْهَا، وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ مَقَاصِدِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ، وَلَا تَقْدَحُ فِي مَقَامَاتِهِمْ، وَتَجْرِيدِ عُبُودِيَّاتِهِمْ، بَلْ أَكْمَلُهُمْ عُبُودِيَّةً أَشَدُّهُمُ الْتِفَاتًا إِلَى هَذِهِ الْأَعْوَاضِ. نَعَمْ طَلَبُ الْأَعْوَاضِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمَخْلُوقَةِ مِنَ الْجَاهِ، وَالْمَالِ، وَالرِّيَاسَةِ، وَالْمُلْكِ أَوْ طَلَبُ الْحُورِ الْعِينِ وَالْقُصُورِ وَالْوُلْدَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْوَاضِ الَّتِي تَطْلُبُهَا الْخَاصَّةُ مَعْلُولَةٌ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ إِذَا تَجَرَّدَ طَلَبُهُمْ لَهَا. أَمَّا إِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُمُ الْأَعْظَمُ الذَّاتِيُّ هُوَ قُرْبَهُ وَالْوُصُولَ إِلَيْهِ، وَالتَّنَعُّمَ بِحُبِّهِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِهِ، وَانْضَافَ إِلَى هَذَا طَلَبُهُمْ لِثَوَابِهِ الْمَخْلُوقِ الْمُنْفَصِلِ فَلَا عِلَّةَ فِي هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ بِوَجْهٍ مَا، وَلَا نَقْصَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ يَعْنِي الْجَنَّةَ، وَقَالَ