فصل في منازل إياك نعبد
فصل منزلة التوبة
فصل ومن أحكام التوبة
পৃষ্ঠা - ৩৫১
[فَصْلٌ وَمِنْ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ]
ِ أَنَّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْحَقِّ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَدَارُكُهُ ثُمَّ تَابَ فَكَيْفَ حُكْمُ تَوْبَتِهِ؟ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ.
فَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَكَمَنَ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِهَا وَفَرْضِهَا ثُمَّ تَابَ وَنَدِمَ، فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَوْبَتُهُ بِالنَّدَمِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ الْمُسْتَأْنَفَةِ وَقَضَاءِ الْفَرَائِضِ الْمَتْرُوكَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَوْبَتُهُ بِاسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَنْفَعُهُ تَدَارُكُ مَا مَضَى بِالْقَضَاءِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَحُجَّةُ الْمُوجِبِينَ لِلْقَضَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» .
قَالُوا: فَإِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّاسِي مَعَ عَدَمِ تَفْرِيطِهِمَا فَوُجُوبُهُ عَلَى الْعَامِدِ وَالْمُفَرِّطِ أَوْلَى.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: الصَّلَاةُ وَإِيقَاعُهَا فِي وَقْتِهَا، فَإِذَا تَرَكَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ بَقِيَ الْآخَرُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَأَمْرُ النَّائِمِ وَالنَّاسِي بِهِ: تَنْبِيهٌ عَلَى الْعَامِدِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْفِعْلِ إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْعَبْدَ تَدَارُكُهَا تَدَارَكَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ فَاتَتْ مَصْلَحَةُ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ فَيَتَدَارَكُ مَا أَمْكَنَ مِنْهَا وَهُوَ الْفِعْلُ فِي خَارِجِ الْوَقْتِ.
পৃষ্ঠা - ৩৫২
قَالُوا: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَهَذَا قَدِ اسْتَطَاعَ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي وَقْتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْمُسْتَطَاعِ.
قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرْعِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْ هَذَا الْمُتَعَمِّدِ الْمُفَرِّطِ الْعَاصِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِتَرْكِ الْوُجُوبِ وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمَعْذُورِ بِالنَّوْمِ أَوِ النِّسْيَانِ؟ .
قَالُوا: وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَ الْوَقْتِ بَدَلٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَالْعِبَادَةُ إِذَا كَانَ لَهَا بَدَلٌ وَتَعَذَّرَ الْمُبْدَلَ انْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إِلَى الْبَدَلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ، وَصَلَاةِ الْقَاعِدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقِيَامِ، وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقُعُودِ، وَإِطْعَامِ الْعَاجِزِ عَنِ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ غَيْرِ مَرْجُوِّ الْبُرْءِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقٌّ مُؤَقَّتٌ فَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُسْقِطُهُ إِلَّا بِمُبَادَرَتِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ كَدُيُونٍ الْآدَمِيِّينَ الْمُؤَجَّلَةِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ كَمَنْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا تَأْخِيرًا أَثِمَ بِهِ أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ تَأْخِيرًا أَثِمَ بِهِ.
قَالُوا: وَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةُ حَتَّى صَلَّاهَا الْإِمَامُ عَمْدًا عَصَى بِتَأْخِيرِهَا وَلَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ، وَنِسْبَةُ الظُّهْرِ إِلَى الْجُمُعَةِ كَنِسْبَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى صَلَاتِهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ.
قَالُوا: وَقَدْ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِلَى أَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا مُمْكِنٌ خَارِجَ الْوَقْتِ فِي الْعَمْدِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْذُورًا بِهِ كَهَذَا التَّأْخِيرِ، وَكَتَأْخِيرِ مَنْ أَخَّرَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ لَمْ
পৃষ্ঠা - ৩৫৩
يَكُنْ مَعْذُورًا بِهِ كَتَأْخِيرِ الْمُفَرِّطِ، فَتَأْخِيرُهُمَا إِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ لَا فِي وُجُوبِ التَّدَارُكِ بَعْدَ التَّرْكِ.
قَالُوا: وَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا تَصِحُّ وَلَا تُجِبُ لَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِتَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يُصَلُّوهَا فِيهِمْ، فَأَخَّرَهَا بَعْضُهُمْ حَتَّى صَلَّاهَا فِيهِمْ بِاللَّيْلِ فَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ وَلَمْ يُعَنِّفْ مَنْ صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ لِاجْتِهَادِ الْفَرِيقَيْنِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ تَائِبٍ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى التَّوْبَةِ فَكَيْفَ تُسَدُّ عَنْ هَذَا طَرِيقُ التَّوْبَةِ وَيُجْعَلُ إِثْمُ التَّضْيِيعِ لَازِمًا لَهُ وَطَائِرًا فِي عُنُقِهِ؟ فَهَذَا لَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمُرَاعَاتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.
فَهَذَا أَقْصَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ.
قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: الْعِبَادَةُ إِذَا أُمِرَ بِهَا عَلَى صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُورُ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ إِلَّا إِذَا أَوْقَعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ وَصْفِهَا وَوَقْتِهَا وَشَرْطِهَا، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ بِدُونِهِ.
قَالُوا: وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا كَإِخْرَاجِهَا عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مَثَلًا، وَكَالسُّجُودِ عَلَى الْخَدِّ بَدَلَ الْجَبْهَةِ، وَالْبُرُوكِ عَلَى الرُّكْبَةِ بَدَلَ الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ.
قَالُوا: وَالْعِبَادَاتُ الَّتِي جُعِلَ لَهَا ظَرْفٌ مِنَ الزَّمَانِ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِيهِ كَالْعِبَادَاتِ الَّتِي جُعِلَ لَهَا ظَرْفٌ مِنَ الْمَكَانِ، فَلَوْ أَرَادَ نَقْلَهَا إِلَى أَمْكِنَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا لَمْ تَصِحَّ إِلَّا فِي أَمْكِنَتِهَا، وَلَا يَقُومُ مَكَانٌ مَقَامَ مَكَانٍ آخَرَ، كَأَمْكِنَةِ الْمَنَاسِكِ مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَالْجِمَارِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَنَقْلُ الْعِبَادَةِ إِلَى أَزْمِنَةٍ غَيْرِ أَزْمِنَتِهَا الَّتِي جُعِلَتْ أَوْقَاتًا لَهَا شَرْعًا إِلَى غَيْرِهَا كَنَقْلِهَا عَنْ أَمْكِنَتِهَا الَّتِي جُعِلَتْ لَهَا شَرْعًا إِلَى غَيْرِهَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِدَادِ وَعَدَمِهِ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِثْمِ.
قَالُوا: فَنَقْلُ الصَّلَاةِ الْمَحْدُودَةِ الْوَقْتِ أَوَّلًا وَآخِرًا عَنْ زَمَنِهَا إِلَى زَمَنٍ آخَرَ كَنَقْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَنْ زَمَنِهِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَنَقْلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَنْ زَمَنِهَا إِلَى زَمَنٍ آخَرَ.
قَالُوا: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ نَقَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ إِلَى شَوَّالٍ، أَوْ صَلَّى الْعَصْرَ نِصْفَ
পৃষ্ঠা - ৩৫৪
اللَّيْلِ وَبَيْنَ مَنْ حَجَّ فِي الْمُحَرَّمِ وَوَقَفَ فِيهِ؟ فَكَيْفَ تَصِحُّ صَلَاةُ هَذَا وَصِيَامُهُ دُونَ حَجِّ هَذَا، وَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَاصٍ آثِمٌ؟ .
قَالُوا: فَحُقُوقُ اللَّهِ الْمُؤَقَّتَةُ لَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهَا، فَكَمَا لَا تُقْبَلُ قَبْلَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا لَا تُقْبَلُ بَعْدَ خُرُوجِ أَوْقَاتِهَا، فَلَوْ قَالَ: أَنَا أَصُومُ شَوَّالًا عَنْ رَمَضَانَ، كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَصُومُ شَعْبَانَ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْهُ.
قَالُوا: فَإِنَّ الْحَقَّ اللَّيْلِيَّ لَا يُقْبَلُ بِالنَّهَارِ، وَالنَّهَارِيَّ لَا يُقْبَلُ بِاللَّيْلِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ الصِّدِّيقِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّتِي تَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ هُوَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهَا إِذَا فَاتَ وَقْتُهَا الْمَحْدُودُ لَهَا شَرْعًا لَمْ تَبْقَ تِلْكَ الْعِبَادَةُ بِعَيْنِهَا، وَلَكِنْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُهَا، فَإِذَا فُعِلَتِ الْعَصْرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَكُنْ عَصْرًا، فَإِنَّ الْعَصْرَ صَلَاةُ هَذَا الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ عَصْرًا فَلَمْ يَفْعَلْ مُصَلِّيهَا الْعَصْرَ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صُورَتُهَا صُورَةُ صَلَاةِ الْعَصْرِ، لَا أَنَّهَا هِيَ.
قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» وَفِي لَفْظٍ «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَلَوْ كَانَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى التَّدَارُكِ وَفَعَلَهَا صَحِيحَةً لَمْ يَحْبَطْ عَمَلُهُ وَلَمْ يُوتَرْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ مَعَ صِحَّتِهَا مِنْهُ وَقَبُولِهَا; لِأَنَّ مَعْصِيَةَ التَّأْخِيرِ عِنْدَكُمْ لَا تُحَقِّقُ التَّرْكَ وَالْفَوَاتَ، لِاسْتِدْرَاكِهِ بِالْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي.
قَالُوا: وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَرْدُودَةٌ بِنَصِّ الشَّارِعِ فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ بِقَبُولِهَا وَصِحَّتِهَا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِرَدِّهَا وَإِلْغَائِهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي لَفْظٍ «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهَذَا عَمَلٌ عَلَى خِلَافِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ رَدًّا، وَالرَّدُّ بِمَعْنَى الْمَرْدُودِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، وَالضَّرْبِ بِمَعْنَى الْمَضْرُوبِ.
পৃষ্ঠা - ৩৫৫
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مَرْدُودَةٌ فَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَلَا مَقْبُولَةٍ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ، فَكَانَ شَرْطًا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالصِّحَّةِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا مِنَ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ الشُّرُوطَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا فَكَيْفَ سَاغَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا مَعَ اسْتِوَائِهَا فِي الْوُجُوبِ وَالْأَمْرِ وَالشَّرْطِيَّةٍ؟ .
قَالُوا: وَلَيْسَ مَعَ الْمُصَحِّحِينَ لَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَسَنُبْطِلُ جَمِيعَ أَقْيِسَتِهِمُ الَّتِي قَاسُوا عَلَيْهَا وَنُبَيِّنُ فَسَادَهَا.
قَالُوا: وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ» فَكَيْفَ يُقَالُ يَقْضِيهِ عَنْهُ يَوْمٌ مِثْلُهُ؟ .
قَالُوا: وَلِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ إِنْ فُسِّرَتْ بِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لَهُ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً، وَإِنْ فُسِّرَتْ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ فَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ مَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى وُقُوعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ فُسِّرَتْ بِمَا أَبْرَأَ الذِّمَّةَ فَهَذِهِ لَمْ تُبْرِئِ الذِّمَّةَ مِنَ الْإِثْمِ قَطْعًا، وَلَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِبْرَاؤُهَا لِلذِّمَّةِ مِنْ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَأْمُورِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ وَرَضِيَهُ وَقَبِلَهُ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِإِخْبَارِهِ عَنْ صِحَّتِهَا أَوْ بِمُوَافَقَتِهَا أَمْرَهُ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ عَنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ لَهَا بِالصِّحَّةِ؟ .
قَالُوا: فَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ مَرْجِعُهُمَا إِلَى الشَّارِعِ، فَالصَّحِيحُ مَا شَهِدَ لَهُ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ وَافَقَ أَمْرَهُ أَوْ كَانَ مُمَاثِلًا لِمَا شَهِدَ لَهُ بِالصِّحَّةِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْمِثْلِ مِثْلَهُ، وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ قَدِ انْتَفَى عَنْهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ.
وَمِنْ أَفْسَدِ الِاعْتِبَارِ اعْتِبَارُهَا بِالتَّأْخِيرِ الْمَعْذُورِ بِهِ أَوِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ
পৃষ্ঠা - ৩৫৬
الشَّيْءِ بِضِدِّهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى مُخَالِفِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالشَّرْعِ، وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» فَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَالْمُفَرِّطُ أَوْلَى، فَهَذِهِ الْحُجَّةُ إِلَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْكُمْ أَقْرَبَ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ لَكُمْ، فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ شَرَطَ فِي فِعْلِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ عَنْ نَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ يُعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ قِيَاسِ الْمُفَرِّطِ الْعَاصِي الْمُسْتَحِقِّ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ عَذَرَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى تَفْرِيطٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا» وَأَيُّ قِيَاسٍ فِي الدُّنْيَا أَفْسَدَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَأَبْطَلَ؟ .
قَالُوا: وَأَيْضًا فَهَذَا لَمْ يُؤَخِّرِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بَلْ وَقْتُهَا الْمَأْمُورُ بِهِ لِمِثْلِهِ: حِينَ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » وَهَذِهِ اللَّامُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ اللَّامُ الْوَقْتِيَّةُ، أَيْ عِنْدَ ذِكْرِي، أَوْ فِي وَقْتِ ذِكْرِي.
قَالُوا: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ الْوَادِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَّا فِي وَقْتِهَا حَقِيقَةً.
قَالُوا: وَالْأَوْقَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: وَقْتٌ لِلْقَادِرِ الْمُسْتَيْقِظِ الذَّاكِرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ فَهِيَ خَمْسَةٌ، وَوَقْتٌ لِلذَّاكِرِ الْمُسْتَيْقِظِ الْمَعْذُورِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّ فِي حَقِّهِ: وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاحِدٌ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَاحِدٌ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ وَاحِدٌ، فَالْأَوْقَاتُ فِي حَقِّ هَذَا ثَلَاثَةٌ، وَإِذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَنْ فَعَلَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنَّمَا صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا.
وَوَقْتٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ الْبَتَّةَ، بَلِ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ عِنْدَ يَقَظَتِهِ وَذِكْرِهِ لَا وَقْتَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ৩৫৭
هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ، وَهَذَا الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَهُوَ قِسْمٌ رَابِعٌ، فَبِأَيِّهَا تُلْحِقُونَهُ؟ .
قَالُوا: وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِمَنْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، وَلَمْ يَشْرَعْهُ قَطُّ لِمَنْ أَفْطَرَهُ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِيمَاءٍ وَلَا تَنْبِيهٍ، وَلَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُهُ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا مَعَكُمْ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَعْذُورِ مَعَ اطِّرَادِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، بَلْ قَدْ أَخْبَرَ الشَّارِعُ أَنَّ صِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَقْضِيهِ عَنْ يَوْمٍ يُفْطِرُهُ بِلَا عُذْرٍ، فَضْلًا عَنْ يَوْمٍ مِثْلِهِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: الْعِبَادَةُ وَإِيقَاعُهَا فِي وَقْتِهَا فَإِذَا تَرَكَ أَحَدَهُمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَهَذَا إِنَّمَا يَنْفَعُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مُرْتَبِطًا بِالْآخَرِ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِيَّةِ كَمَنْ أُمِرَ بِالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ، فَتَرَكَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْآخَرُ، أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْإِتْيَانُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَشْرُوطِ إِلَّا بِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْآخَرِ بِدُونِهِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ بِدُونِ وَصْفِهِ وَشَرْطِهِ؟ فَأَيْنَ أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ؟ وَهَلِ الْكَلَامُ إِلَّا فِيهِ؟ .
قَالُوا: وَإِنْ قُلْنَا إِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلَا أَمْرَ مَعَكُمْ بِالْقَضَاءِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ مُمْتَنِعٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ، فَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ نَافِعًا وَمَصْلَحَتُهُ كَمَصْلَحَةِ الْأَدَاءِ كَقَضَاءِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ لِلصَّوْمِ، وَقَضَاءِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي، أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَضَاءُ غَيْرَ مُبَرِّئٍ لِلذِّمَّةِ وَلَا هُوَ مَعْذُورٌ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ فَهَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَلَا أَمْرٌ ثَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي عُلِمَ افْتِرَاقُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِيهِ فِي وَصْفٍ ظَاهِرِ التَّأْثِيرِ مَانِعٍ لِلْإِلْحَاقِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ تَدَارَكَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ، فَهَذَا إِنَّمَا يُفِيدُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُ حُصُولُ الْمَصْلَحَةِ عَلَى شَرْطٍ تَزُولُ الْمَصْلَحَةُ بِزَوَالِهِ، وَالتَّدَارُكُ بَعْدَ فَوَاتِ شَرْطِهِ وَخُرُوجِهِ عَنِ الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُمْتَنِعٌ إِلَّا بِأَمْرٍ آخَرَ مِنَ التَّوْبَةِ وَتَكْثِيرِ النَّوَافِلِ وَالْحَسَنَاتِ، وَأَمَّا تَدَارُكُ غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ فَكَلَّا، وَلَمَّا.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا عَجَزَ عَنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَنْ إِكْمَالِ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ عَنْ إِكْمَالِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ عَنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ فِي الْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، أَمَّا مَنْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهُ عَمْدًا وَتَفْرِيطًا بِلَا عُذْرٍ فَلَا
পৃষ্ঠা - ৩৫৮
يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ، وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لَهُ لَمَا تَوَعَّدَهُ بِإِحْبَاطِ عَمَلِهِ، وَتَشْبِيهِهِ بِمَنْ سُلِبَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَبَقِيَ بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالشَّرْعِ تَخْفِيفُهُ عَنْ هَذَا الْعَامِدِ الْمُفَرِّطِ بِعَدَمِ إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَتَكْلِيفِ الْمَعْذُورِ بِهِ، فَكَلَامٌ بَعِيدٌ عَنِ التَّحْقِيقِ بَيْنَ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْذُورَ إِنَّمَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فِي وَقْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ فِي فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ كَغَيْرِ الْمَعْذُورِ الَّذِي صَلَّى فِي وَقْتِهِ، وَنَحْنُ لَمْ نُسْقِطِ الْقَضَاءَ عَنِ الْعَامِدِ الْمُفَرِّطِ تَخْفِيفًا عَنْهُ، بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ لَهُ وَلَا مَقْبُولٍ مِنْهُ وَلَا مَأْمُورٍ بِهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ مَا تَرَكَهُ، فَأَيْنَ التَّخْفِيفُ عَنْهُ؟ .
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَ الْوَقْتِ بَدَلٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُبْدَلُ انْتُقِلَ إِلَى بَدَلِهِ، فَهَلْ هَذَا إِلَّا مُجَرَّدَ دَعْوَى؟ وَهَلْ وَقَعَ النِّزَاعُ إِلَّا فِي هَذَا؟ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ هَذَا الْمُفَرِّطِ الْعَامِدِ بَدَلٌ؟ وَنَحْنُ نُطَالِبُكُمْ بِالْأَمْرِ بِهَا أَوَّلًا، وَبِكَوْنِهَا مَقْبُولَةً نَافِعَةً ثَانِيًا، وَبِكَوْنِهَا بَدَلًا ثَالِثًا، وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى إِثْبَاتِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ.
وَإِنَّمَا يُعْلَمُ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلًا بِجَعْلِ الشَّارِعِ لَهُ كَذَلِكَ، كَشَرْعِهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَالْإِطْعَامَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الصِّيَامِ وَبِالْعَكْسِ، كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَأَيْنَ جَعَلَ الشَّرْعُ قَضَاءَ هَذَا الْمُفَرِّطِ الْمُضَيِّعِ بَدَلًا عَنْ فِعْلِهِ الْعِبَادَةَ فِي الْوَقْتِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا الْقِيَاسُ الَّذِي قَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ؟ .
قَالُوا: وَأَمَّا قِيَاسُكُمْ فِعْلَهَا خَارِجَ الْوَقْتِ عَلَى صِحَّةِ أَدَاءِ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَ وَقْتِهَا فَمِنْ هَذَا النَّمَطِ; لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ لَيْسَ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَالْوُجُوبُ فِي حَقِّهِ لَيْسَ مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إِخْرَاجٌ عَنْ وَقْتٍ مَحْدُودٍ هُوَ شَرْطٌ لِفِعْلِهِ.
نَعَمْ أَوْلَى الْأَوْقَاتِ بِهِ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ عَلَى الْفَوْرِ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ قَضَاءً.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ مَحْدُودٌ عَلَى جِهَةِ التَّوْسِعَةِ بِمَا بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ فِعْلُهُ وَإِطْعَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمُؤَقَّتَةَ لَا يَتَعَذَّرُ فِعْلُهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا؟ .
قِيلَ: قَدْ فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ أَيَّامِ الْقَضَاءِ، فَجَعَلَ أَيَّامَ رَمَضَانَ
পৃষ্ঠা - ৩৫৯
مَحْدُودَةَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهَا وَلَا تَأَخُّرُهَا، وَأَطْلَقَ أَيَّامَ قَضَائِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 183 - 184] فَأَطْلَقَ الْعِدَّةَ وَلَمْ يُوَقِّتْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي أَيِّ أَيَّامٍ كَانَتْ، وَلَمْ يَجِئْ نَصٌّ عَنِ اللَّهِ وَلَا عَنْ رَسُولِهِ، وَلَا إِجْمَاعٌ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِأَيَّامٍ لَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا أَقْضِيهِ إِلَّا فِي شَعْبَانَ مِنَ الشُّغْلِ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّوْقِيتِ بِمَا بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ كَتَوْقِيتِ أَيَّامِ رَمَضَانَ بِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، فَاعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُمْتَنِعٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ جَعَلَ أَيَّامَ رَمَضَانَ مَحْدُودَةً بِحَدٍّ لَا تَتَقَدَّمُ عَنْهُ وَلَا تَتَأَخَّرُ، وَأَطْلَقَ أَيَّامَ الْقَضَاءِ وَأَكَّدَ إِطْلَاقَهَا بِقَوْلِهِ " أُخَرَ " وَأَفْتَى مَنْ أَفْتَى مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَهَا إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ جَبْرًا لِزِيَادَةِ التَّأْخِيرِ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ، وَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا قَضَاءً بَلْ هِيَ قَضَاءٌ وَإِنْ فُعِلَتْ بَعْدَ رَمَضَانَ آخَرَ فَحُكْمُهَا فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ وَاحِدٌ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ.
يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ عَمْدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ يَوْمًا آخَرَ مِثْلَهُ الْبَتَّةَ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الْقَضَاءِ قَامَ الْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَهُ مَقَامَهُ.
وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَعْذُورَ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي حَقِّهِ أَيَّامُ الْقَضَاءِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا، وَأَيَّ يَوْمٍ صَامَهُ قَامَ مَقَامَ الْآخَرِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَأَيَّامُ الْوُجُوبِ مُتَعَيَّنَةٌ فِي حَقِّهِ لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا.
قَالُوا: وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ عَمْدًا فَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الظُّهْرَ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَحَدُ الصَّلَاتَيْنِ وَلَا بُدَّ إِمَّا الْجُمُعَةُ وَإِمَّا الظُّهْرُ، فَإِذَا تَرَكَ الْجُمُعَةَ فَوَقْتُ الظُّهْرِ قَائِمٌ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِوَظِيفَةِ الْوَقْتِ.
قَالُوا: وَلَاسِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْجُمُعَةَ بَدَلًا مِنَ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ إِذَا فَاتَهُ الْبَدَلُ رَجَعَ إِلَى
পৃষ্ঠা - ৩৬০
الْأَصْلِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْقَضَاءُ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ أَجَبْنَا بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ.
فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ مُسَاوِيًا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَالْحُكْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ، عَمَلًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ بَطَلَ الْإِلْحَاقُ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بَطَلَ الْقِيَاسُ.
قَالُوا: وَأَمَّا تَأْخِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلِلنَّاسِ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ:
فَقَالَ الْجُمْهُورُ كَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ ثُمَّ نُسِخَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَكَانَ ذَلِكَ التَّأْخِيرُ كَتَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ التَّرْكِ الْمُحَرَّمِ بِهِ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ بَيْنَ تَأْخِيرِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَتَأْخِيرِ الْمُفَرِّطِ، بَلْ أَوْلَى. فَإِنَّ هَذَا التَّأْخِيرَ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِهِ فَهُوَ كَتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ جَمْعٍ إِلَى مُزْدَلِفَةَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ بَلْ هُوَ بَاقٍ، وَلِلْمُقَاتِلِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَالَ الْقِتَالِ وَاشْتِغَالِهِ بِالْحَرْبِ وَالْمُسَايَفَةِ، وَفِعْلُهَا عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ تَأْخِيرِ الْعَامِدِ الْمُفَرِّطِ بِهِ، وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ الصَّحَابَةِ الْعَصْرَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُ كَانَ تَأْخِيرًا مَأْمُورًا بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَهْلِ الظَّاهِرِ، أَوْ تَأْخِيرًا سَائِغًا لِلتَّأْوِيلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا، وَلَا مَنْ أَخَّرَهَا إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى صَلَّاهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَأُولَئِكَ نَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى وَالْمُرَادِ مِنْهُمْ وَهُوَ سُرْعَةُ السَّيْرِ.
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي تَصْوِيبِ أَيِ الطَّائِفَتَيْنِ.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَوْ كُنَّا مَعَ الْقَوْمِ لَصَلَّيْنَا فِي الطَّرِيقِ مَعَ الَّذِينَ فَهِمُوا الْمُرَادَ وَعَقِلُوا مَقْصُودَ الْأَمْرِ فَجَمَعُوا بَيْنَ إِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَبَيْنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعَدُوِّ وَلَمْ يَفُتْهُمْ مَشْهَدُهُمْ إِذِ الْمِقْدَارُ الَّذِي سَبَقَهُمْ بِهِ أُولَئِكَ لَحِقُوهُمْ بِهِ، لَمَّا اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ وَقْتَ النُّزُولِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ أَفْقَهُ الطَّائِفَتَيْنِ، جَمَعُوا بَيْنَ الِامْتِثَالِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْجِهَادِ مَعَ فِقْهِ النَّفْسِ.