فصل في منازل إياك نعبد
فصل منزلة التوبة
فصل مبدأ التوبة ومنتهاها
পৃষ্ঠা - ২৯৩
وَنَظِيرُ هَذَا هِدَايَتُهُ لِعَبْدِهِ قَبْلَ الِاهْتِدَاءِ، فَيَهْتَدِي بِهِدَايَتِهِ، فَتُوجِبُ لَهُ تِلْكَ الْهِدَايَةُ هِدَايَةً أُخْرَى يُثِيبُهُ اللَّهُ بِهَا هِدَايَةً عَلَى هِدَايَتِهِ، فَإِنَّ مِنْ ثَوَابِ الْهُدَى الْهُدَى بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّ مِنْ عُقُوبَةِ الضَّلَالَةِ الضَّلَالَةُ بَعْدَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] فَهَدَاهُمْ أَوْلًا فَاهْتَدَوْا، فَزَادَهُمْ هُدًى ثَانِيًا، وَعَكْسُهُ فِي أَهْلِ الزَّيْغِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] فَهَذِهِ الْإِزَاغَةُ الثَّانِيَةُ عُقُوبَةٌ لَهُمْ عَلَى زَيْغِهِمْ.
وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ سِرِّ اسْمَيْهِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، فَهُوَ الْمُعِدُّ، وَهُوَ الْمُمِدُّ، وَمِنْهُ السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ، وَهُوَ الَّذِي يُعِيذُ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِهِ: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ،» وَالْعَبْدُ تَوَّابٌ، وَاللَّهُ تَوَّابٌ، فَتَوْبَةُ الْعَبْدِ رُجُوعُهُ إِلَى سَيِّدِهِ بَعْدَ الْإِبَاقِ، وَتَوْبَةُ اللَّهِ نَوْعَانِ: إِذْنٌ وَتَوْفِيقٌ، وَقَبُولٌ وَإِمْدَادٌ.
[فَصْلٌ مَبْدَأُ التَّوْبَةِ وَمُنْتَهَاهَا]
وَالتَّوْبَةُ لَهَا مَبْدَأٌ وَمُنْتَهًى، فَمَبْدَؤُهَا الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِسُلُوكِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي نَصَبَهُ لِعِبَادِهِ، مُوصِلًا إِلَى رِضْوَانِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِسُلُوكِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] وَبِقَوْلِهِ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 52] وَبِقَوْلِهِ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] .
وَنِهَايَتُهَا الرُّجُوعُ إِلَيْهِ فِي الْمَعَادِ، وَسُلُوكُ صِرَاطِهِ الَّذِي نَصَبَهُ مُوصِلًا إِلَى جَنَّتِهِ، فَمَنْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِالتَّوْبَةِ رَجَعَ إِلَيْهِ فِي الْمَعَادِ بِالثَّوَابِ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] قَالَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا يَعُودُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، مَتَابًا حَسَنًا يُفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهِ فَالتَّوْبَةُ الْأُولَى - وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَنْ تَابَ - رُجُوعٌ عَنِ الشِّرْكِ، وَالثَّانِيَةُ: رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ لِلْجَزَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ.