মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة التوبة

فصل توبة الخواص

পৃষ্ঠা - ২৫০
أَنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنِ اللَّهِ، غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ وَبِمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَبِحَسَبِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِنَفْسِهِ يَسْتَكْثِرُ ذُنُوبَهُ وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِهِ، لِمُشَاهَدَتِهِ الْحَقَّ وَمُسْتَحَقَّهُ، وَتَقْصِيرِهِ فِي الْقِيَامِ بِهِ، وَإِيقَاعِهِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ الْمُوَافِقِ لِمَا يُحِبُّهُ الرَّبُّ وَيَرْضَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. إِذَا عَرَفَ هَذَا، فَاسْتِقْلَالُ الْعَبْدِ الْمَعْصِيَةَ عَيْنُ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ، وَجَهْلٌ بِقَدْرِ مَنْ عَصَاهُ وَبِقَدْرِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُبَارَزَةً لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَصْغَرَ الْمَعْصِيَةَ وَاسْتَقَلَّهَا هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، وَخَفَّتْ عَلَى قَلْبِهِ، وَذَلِكَ نَوْعُ مُبَارَزَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَحْضُ التَّزَيُّنِ بِالْحَمِيَّةِ، أَيْ بِالْمُحَامَاةِ عَنِ النَّفْسِ، وَإِظْهَارِ بَرَاءَةِ سَاحَتِهَا، لَا سِيَّمَا إِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مُشَاهَدَةُ الْحَقِيقَةِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ، وَقَوْلُهُ: وَأَيُّ ذَنْبٍ لِي، وَالْمُحَرِّكُ لِي غَيْرِي، وَالْفَاعِلُ فِيَّ سِوَايَ؟ وَإِنَّمَا أَنَا كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيِ الْغَاسِلِ؟ وَمَا حِيلَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ حِيلَةٌ، وَمَا قُدْرَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ؟ وَنَحْوُ هَذَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ الْجُرْأَةَ عَلَى اللَّهِ وَمُبَارَزَتَهُ، وَالْمُحَامَاةَ عَنِ النَّفْسِ، وَاسْتِصْغَارَ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيهِ إِذَا أَضَافَهَا إِلَى الْحُكْمِ، فَيَسْتَرْسِلُ إِذًا لِلْقَطِيعَةِ وَهِيَ الْمُقَاطَعَةُ لِرَبِّهِ وَالِانْقِطَاعُ عَنْهُ، فَيَصِيرُ خَصْمًا لِلَّهِ مَعَ نَفْسِهِ وَشَيْطَانِهِ، وَهَذَا حَالُ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ مَعَ الشَّيَاطِينِ وَالنُّفُوسِ عَلَى اللَّهِ، وَهَذَا غَايَةُ الْبُعْدِ وَالطَّرْدِ وَالِانْقِطَاعِ عَنِ اللَّهِ؟ . فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ كَانَتْ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ مِنِ اسْتِكْثَارِ الطَّاعَاتِ؟ وَتَوْبَةُ مَنْ هُمْ أَخَصُّ مِنْهُمْ، وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنِ اسْتِقْلَالِ الْمَعْصِيَةِ؟ وَهَلَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالضِّدِّ؟ . قُلْتُ: الْأَوْسَاطُ لَمَّا كَانُوا أَشَدَّ طَلَبًا لِعُيُوبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَأَكْثَرَ تَفْتِيشًا عَلَيْهَا انْكَشَفَ لَهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ مَا لَمْ يَنْكَشِفْ لِلْعَامَّةِ، وَحَرَصَ هَؤُلَاءِ عَلَى تَنْقِيَةِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْآفَاتِ، وَالتَّفْتِيشِ عَلَى عُيُوبِ الْأَعْمَالِ، فَاسْتِقْلَالُ السَّيِّئَاتِ آفَةُ هَؤُلَاءِ، وَقَاطِعُ طَرِيقِهِمْ، وَاسْتِكْثَارُ الْحَسَنَاتِ وَعِظَمُهَا فِي قُلُوبِ أُولَئِكَ آفَتُهُمْ، وَقَاطِعُ طَرِيقِهِمْ، فَذِكْرُ مَا هُوَ الْأَخَصُّ الْأَغْلَبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. [فَصْلٌ تَوْبَةُ الْخَوَاصِّ] قَالَ: وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ تَضْيِيعِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى دَرْكِ النَّقِيصَةِ، وَيُطْفِئُ نُورَ الْمُرَاقَبَةِ، وَيُكَدِّرُ عَيْنَ الصُّحْبَةِ.
পৃষ্ঠা - ২৫১
لَيْسَ مُرَادُهُ بِتَضْيِيعِ الْوَقْتِ إِضَاعَتَهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ لَغْوٍ، أَوِ الْإِعْرَاضِ عَنْ وَاجِبِهِ وَفَرْضِهِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ أَضَاعُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْخَوَاصِّ، بَلْ هَذِهِ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ بِعَيْنِهَا، وَالْوَقْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ أَخَصُّ مِنْهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْوَقْتُ هُوَ الْحَقُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اسْتِغْرَاقُ رَسْمِ الْعَبْدِ فِي وُجُودِ الْحَقِّ، يُشِيرُونَ إِلَى الْفَنَاءِ فِي حَضْرَةِ الْجَمْعِ، وَالْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَنَّهُ مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ بِالْمُرَاقَبَةِ، وَالْحُضُورِ وَالْفَنَاءِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ، وَيَقُولُونَ: هُوَ صَاحِبُ وَقْتٍ مَعَ اللَّهِ، فَخَصُّوا الْوَقْتَ بِهَذَا الِاسْمِ تَخْصِيصًا لِلَّفْظِ الْعَامِّ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ هُوَ مَشْغُولٌ بِأَمْرٍ يُعْنَى بِهِ فَانٍ فِي شُهُودِهِ وَطَلَبِهِ، فَلَهُ وَقْتٌ مَعَهُ، بَلْ أَوْقَاتُهُ مُسْتَغْرَقَةٌ فِيهِ. فَتَوْبَةُ هَؤُلَاءِ مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْوَقْتِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ وَقْتُ وَجْدٍ صَادِقٍ، وَحَالٍ صَحِيحَةٍ مَعَ اللَّهِ لَا يُكَدِّرُهَا الْأَغْيَارُ. وَرُبَّمَا يَمُرُّ بِكَ إِشْبَاعُ الْقَوْلِ فِي الْوَقْتِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَالْفَاسِدِ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالْقَصْدُ أَنَّ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ الصَّحِيحِ يَدْعُو إِلَى دَرْكِ النَّقِيصَةِ، إِذْ صَاحِبُ حِفْظِهِ مُتَرَقٍّ عَلَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ، فَإِذَا أَضَاعَهُ لَمْ يَقِفْ مَوْضِعَهُ، بَلْ يَنْزِلُ إِلَى دَرَجَاتٍ مِنَ النَّقْصِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تَقَدُّمٍ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَلَا بُدَّ، فَالْعَبْدُ سَائِرٌ لَا وَاقِفٌ، فَإِمَّا إِلَى فَوْقٍ، وَإِمَّا إِلَى أَسْفَلَ، إِمَّا إِلَى أَمَامٍ وَإِمَّا إِلَى وَرَاءَ، وَلَيْسَ فِي الطَّبِيعَةِ وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوفٌ الْبَتَّةَ، مَا هُوَ إِلَّا مَرَاحِلُ تُطْوَى أَسْرَعَ طَيٍّ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، فَمُسْرِعٌ وَمُبْطِئٌ، وَمُتَقَدِّمٌ وَمُتَأَخِّرٌ، وَلَيْسَ فِي الطَّرِيقِ وَاقِفٌ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَتَخَالَفُونَ فِي جِهَةِ الْمَسِيرِ، وَفِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ - نَذِيرًا لِلْبَشَرِ - لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 35 - 37] وَلَمْ يَذْكُرْ وَاقِفًا، إِذْ لَا مَنْزِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَا طَرِيقَ لِسَالِكٍ إِلَى غَيْرِ الدَّارَيْنِ الْبَتَّةَ، فَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَى هَذِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إِلَى تِلْكَ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: كُلُّ مُجِدٍّ فِي طَلَبِ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ وَقْفَةٌ وَفُتُورٌ، ثُمَّ يَنْهَضَ إِلَى طَلَبِهِ. قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْوَقْفَةِ لَهُ حَالَانِ: إِمَّا أَنْ يَقِفَ لِيُجِمَّ نَفْسَهُ، وَيُعِدَّهَا لِلسَّيْرِ، فَهَذَا وَقْفَتُهُ سَيْرٌ، وَلَا تَضُرُّهُ الْوَقْفَةُ، فَإِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ.