মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة التوبة

فصل توبة العامة

পৃষ্ঠা - ২৪২
قِسْمَانِ: مِنْهُ مَا يَرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يَرْضَى بِهِ. وَهَذَا جَوَابُ مَنْ يَقُولُ: الْفِعْلُ غَيْرُ الْمَفْعُولِ، وَالْقَضَاءُ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْفِعْلَ هُوَ عَيْنُ الْمَفْعُولِ، وَالْقَضَاءَ هُوَ عَيْنُ الْمَقْضِيِّ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِهَذَا الْجَوَابِ. وَيُقَالُ ثَالِثًا: الْقَضَاءُ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَعَلُّقُهُ بِالرَّبِّ تَعَالَى، وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَرْضَى بِهِ كُلِّهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: تَعَلُّقُهُ بِالْعَبْدِ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَرْضَى بِهِ، وَإِلَى مَا لَا يَرْضَى بِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَتْلُ النَّفْسِ - مَثَلًا - لَهُ اعْتِبَارَانِ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ وَشَاءَهُ، وَجَعَلَهُ أَجَلًا لِلْمَقْتُولِ، وَنِهَايَةً لِعُمْرِهِ يَرْضَى بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ صَدَرَ مِنَ الْقَاتِلِ، وَبَاشَرَهُ وَكَسَبَهُ، وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَعَصَى اللَّهَ بِفِعْلِهِ يَسْخَطُهُ وَلَا يَرْضَى بِهِ. فَهَذِهِ نِهَايَةُ أَقْدَامِ الْعَالَمِ، الْمُقِرِّينَ بِالنُّبُوَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُفْتَرَقُ طُرُقِهِمْ، قَدْ حَصَرْتُ لَكَ أَقْوَالَهُمْ وَمَآخِذَهُمْ، وَأُصُولَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَلَا تُنْكِرِ الْإِطَالَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّهُ مَزَلَّةُ أَقْدَامِ الْخَلْقِ، وَمَا نَجَا مِنْ مَعَاطِبِهِ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَمْرِهِ وَشَرَائِعِهِ. [فَصْلٌ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ] ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: فَتَوْبَةُ الْعَامَّةِ الِاسْتِكْثَارُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى جُحُودِ نِعْمَةِ السَّتْرِ وَالْإِمْهَالِ، وَرُؤْيَةِ الْحَقِّ عَلَى اللَّهِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ - الَّذِي هُوَ عَيْنُ الْجَبَرُوتِ - وَالتَّوَثُّبِ عَلَى اللَّهِ. " الْعَامَّةُ " عِنْدَهُمْ مَنْ عَدَا بَابَ الْجَمْعِ وَالْفَنَاءِ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ سُلُوكٍ وَإِرَادَةٍ وَعِلْمٍ، هَذَا مُرَادُهُمْ بِالْعَامَّةِ، وَيُسَمُّونَهُمْ " أَهْلَ الْفَرْقِ " وَيُسَمِّيهِمْ غُلَاتُهُمُ " الْمَحْجُوبِينَ ".
পৃষ্ঠা - ২৪৩
وَمُرَادُهُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ مَدْخُولَةٌ عِنْدَ الْخَوَاصِّ مَنْقُوصَةٌ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُمْ مِنِ اسْتِكْثَارِهِمْ لِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالطَّاعَاتِ، أَيْ رُؤْيَتِهِمْ كَثْرَتَهَا، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَ مَفَاسِدَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ: إِحْدَاهَا: أَنَّ حَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا سَيِّئَاتٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَامِ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ، فَلِغَفْلَتِهِمْ - بِاسْتِكْثَارِهَا - عَنْ عُيُوبِهَا وَرُؤْيَتِهَا وَمُلَاحَظَتِهَا هُمْ جَاحِدُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِمْ وَإِمْهَالِهِمْ، كَسَتْرِهِ عَلَى أَهْلِ الذُّنُوبِ الظَّاهِرَةِ تَحْتَ سَتْرِهِ وَإِمْهَالِهِ، لَكِنَّ أَهْلَ الذُّنُوبِ مُقِرُّونَ بِسَتْرِهِ وَإِمْهَالِهِ، وَهَؤُلَاءِ جَاحِدُونَ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ تَوَفَّرَتْ هِمَمُهُمْ عَلَى اسْتِكْثَارِهِمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، دُونَ مُطَالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَالتَّفْتِيشِ عَلَى دَسَائِسِهِمَا، وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى اسْتِكْثَارِهَا رُؤْيَتُهَا وَالْإِعْجَابُ بِهَا، وَلَوْ تَفَرَّغُوا لِتَفْتِيشِهَا، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ عَلَيْهَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا فِيهَا مِنَ الْحَظِّ وَالْحَقِّ، لَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنِ اسْتِكْثَارِهَا، وَلِأَجْلِ هَذَا كَانَ مِنْ عَدِمَ الْحُضُورَ وَالْمُرَاقَبَةَ وَالْجَمْعِيَّةَ فِي الْعَمَلِ، خَفَّ عَلَيْهِ وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ، فَكَثُرَ فِي عَيْنِهِ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَادَةِ، فَإِذَا أَخَذَ نَفْسَهُ بِتَخْلِيصِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْكَدَرِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَوْكِ الرِّيَاءِ وَشِبْرِقِ الْإِعْجَابِ، وَجَمْعِيَّةِ الْقَلْبِ وَالْهَمِّ عَلَى اللَّهِ بِكُلِّيَّتِهِ وَجَدَ لَهُ ثِقَلًا كَالْجِبَالِ، وَقَلَّ فِي عَيْنِهِ، وَلَكِنْ إِذَا وَجَدَ حَلَاوَتَهُ سَهُلَ عَلَيْهِ حَمْلُ أَثْقَالِهِ، وَالْقِيَامُ بِأَعْبَائِهِ، وَالتَّلَذُّذُ وَالتَّنَعُّمُ بِهِ مَعَ ثِقَلِهِ. وَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا الْقَدْرِ كَمَا يَنْبَغِي، فَانْظُرْ وَقْتَ أَخْذِكَ فِي الْقِرَاءَةِ إِذَا أَعْرَضْتَ عَنْ وَاجِبِهَا وَتَدَبُّرِهَا وَتَعَقُّلِهَا، وَفَهْمِ مَا أُرِيدَ بِكُلِّ آيَةٍ، وَحَظِّكَ مِنَ الْخِطَابِ بِهَا، وَتَنْزِيلِهَا عَلَى أَدْوَاءِ قَلْبِكَ وَالتَّقَيُّدِ بِهَا، كَيْفَ تُدْرِكُ الْخَتْمَةَ - أَوْ أَكْثَرَهَا، أَوْ مَا قَرَأْتَ مِنْهَا - بِسُهُولَةٍ وَخِفَّةٍ، مُسْتَكْثِرًا مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ التَّدَبُّرَ وَمَعْرِفَةَ الْمُرَادِ، وَالنَّظَرَ إِلَى مَا يَخُصُّكَ مِنْهُ وَالتَّعَبُّدَ بِهِ، وَتَنْزِيلَ دَوَائِهِ عَلَى أَدْوَاءِ قَلْبِكَ، وَالِاسْتِشْفَاءَ بِهِ، لَمْ تَكَدْ تَجُوزُ السُّورَةَ أَوِ الْآيَةَ إِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا جَمَعْتَ قَلْبَكَ كُلَّهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، أَعْطَيْتَهُمَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُضُورِ وَالْخُشُوعِ وَالْمُرَاقَبَةِ، لَمْ تَكَدْ أَنْ تُصَلِّيَ غَيْرَهُمَا إِلَّا بِجَهْدٍ، فَإِذَا خَلَا الْقَلْبُ مِنْ ذَلِكَ عَدَّدْتَ الرَّكَعَاتِ بِلَا حِسَابٍ، فَالِاسْتِكْثَارُ مِنَ الطَّاعَاتِ دُونَ مُرَاعَاةِ آفَاتِهَا وَعُيُوبِهَا لِيَتُوبَ مِنْهَا هِيَ تَوْبَةُ الْعَامَّةِ. الْمَفْسَدَةُ الثَّانِيَةُ: رُؤْيَةُ فَاعِلِهَا أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى اللَّهِ فِي مُجَازَاتِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَسَنَاتِ بِالْجَنَّاتِ وَالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ، وَلِهَذَا كَثُرَتْ فِي عَيْنِهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْمَالَ الثَّقَلَيْنِ لَا تَسْتَقِلُّ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَلَا النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ الْبَتَّةَ مِنَ النَّارِ بِعَمَلِهِ، إِلَّا بِعَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.
পৃষ্ঠা - ২৪৪
الثَّالِثَةُ: اسْتِشْعَارُهُمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ، بِمَا يَشْهَدُونَ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْمَغْفِرَةِ، وَالثَّوَابِ بِحَسَنَاتِهِمْ وَطَاعَاتِهِمْ، فَإِنَّ ظَنَّهُمْ أَنَّ حُصُولَ النَّجَاةِ وَالثَّوَابِ بِطَاعَاتِهِمْ، وَاسْتِكْثَارِهِمْ مِنْهَا لِذَلِكَ، وَكَثْرَتُهَا فِي عُيُونِهِمْ إِظْهَارٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْجَبَرُوتِ وَالتَّوَثُّبِ عَلَى اللَّهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْقِيَامِ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ وَلَا مُرَاقَبَةٍ، وَلَا إِقْبَالٍ عَلَى اللَّهِ، قَدْ يَتَضَمَّنُ تِلْكَ الْمَفَاسِدَ الثَّلَاثَ وَغَيْرَهَا، مَعَ أَنَّهُ قَلِيلُ الْمَنْفَعَةِ دُنْيَا وَأُخْرَى، كَثِيرُ الْمُؤْنَةِ، فَهُوَ كَالْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ مُتَابِعَةِ الْأَمْرِ وَالْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَثُرَ - مُتْعِبٌ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَهَكَذَا الْعَمَلُ الْخَارِجِيُّ الْقُشُورِيُّ بِمَنْزِلَةِ النُّخَالَةِ الْكَثِيرَةِ الْمَنْظَرِ الْقَلِيلَةِ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُبُ لِلْعَبْدِ مِنْ صِلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا. وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِالْحُضُورِ فِيهَا وَالْخُشُوعِ، كَالطَّوَافِ، وَأَعْمَالِ الْمَنَاسِكِ وَنَحْوِهَا. فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ إِحْسَانُ ظَنِّهِ بِهَا، وَاسْتِكْثَارُهَا، وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ إِلَى عُيُوبِهَا وَنَقَائِصِهَا، وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ مِنْهَا جَاءَتْ تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لِكَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ الْإِزْرَاءَ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْفَنَاءِ وَالشُّهُودِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي حَضْرَةِ الْمُرَاقَبَةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَنْفَعُ وَهَذَا بَاطِلٌ وَكَذِبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُنْحَرِفِينَ مِنَ السَّالِكِينَ، وَهُوَ تَعَبُّدٌ بِمُرَادِ الْعَبْدِ وَحَظِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَتَقْدِيمٌ لَهُ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ وَمَحَابِّهِ مِنَ الْعَبْدِ. فَإِنَّ لِلْعَبْدِ حَظًّا، وَعَلَيْهِ حَقًّا، فَحَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ أَوَامِرِهِ وَالْقِيَامُ بِهَا، وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْ طَاعَاتِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالِاشْتِغَالُ بِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِهِ وَمُجَادَلَتِهِمْ، وَلَوْ فَرَّقَ ذَلِكَ جَمْعِيَّتَهُ وَشَتَّتَ حُضُورَهُ، فَهَذَا هُوَ الْعُبُودِيَّةُ الَّتِي هِيَ مُرَادُ اللَّهِ. وَأَمَّا الْجَمْعِيَّةُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي الْفَنَاءِ، وَتَعْطِيلُ الْحَوَاسِّ وَالْجَوَارِحِ عَنْ إِرْسَالِهَا فِي الطَّاعَاتِ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا، فَهَذَا مُجَرَّدُ حَظِّ الْعَبْدِ وَمُرَادُهُ، وَهُوَ - بِلَا شَكٍّ - أَنْعَمُ وَأَلَذُّ وَأَطْيَبُ مِنْ تَفْرِقَةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ، لَا سِيَّمَا إِذَا شَهِدُوا تَفْرِقَةَ الْمُسْتَكْثِرِينَ مِنْهَا، وَقِلَّةَ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ تَشْتَدُّ نَفْرَتُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَعِيبُونَ عَلَيْهِمْ، وَيُزْرُونَ بِهِمْ،
পৃষ্ঠা - ২৪৫
وَقَدْ يُسَمُّونَ مَنْ رَأَوْهُ كَثِيرَ الصَّلَاةِ " ثَقَاقِيلَ الْحُصُرِ " وَمَنْ رَأَوْهُ كَثِيرَ الطَّوَافِ " حُمُرَ الْمَدَارِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى ابْنَ سَبْعِينَ قَاعِدًا فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يَسْخَرُ مِنَ الطَّائِفِينَ وَيَذُمُّهُمْ، وَيَقُولُ: كَأَنَّهُمُ الْحُمُرُ حَوْلَ الْمَدَارِ، وَنَحْوَ هَذَا، وَكَانَ يَقُولُ: إِقْبَالُهُمْ عَلَى الْجَمْعِيَّةِ أَفْضَلُ لَهُمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُؤْثِرُونَ لِحُظُوظِهِمْ عَلَى حُقُوقِ رَبِّهِمْ، وَاقِفُونَ مَعَ أَذْوَاقِهِمْ وَمَوَاجِيدِهِمْ، فَانِينَ بِهَا عَنْ حَقِّ اللَّهِ وَمُرَادِهِ. وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ قَالَ: الْعَامَّةُ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَهَؤُلَاءِ يَعْبُدُونَ نُفُوسَهُمْ. وَصَدَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْثِرِينَ مِنَ الطَّاعَاتِ الذَّائِقِينَ لِرُوحِ الْعِبَادَةِ، الرَّاجِينَ ثَوَابَهَا، قَدْ رُفِعَ لَهُمْ عِلْمُ الثَّوَابِ، وَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَشَمَّرُوا إِلَيْهِ، رَاجِينَ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ أَعْمَالُهُمْ - عَلَى عَيْبِهَا وَنَقْصِهَا - بِفَضْلِ اللَّهِ، خَائِفِينَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ، إِذْ لَا تَصْلُحُ لِلَّهِ وَلَا تَلِيقُ بِهِ، فَيَرُدَّهَا بِعَدْلِهِ وَحَقِّهِ، فَهُمْ مُسْتَكْثِرُونَ بِجُهْدِهِمْ مِنْ طَاعَاتِهِ بَيْنَ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَالْإِزْرَاءِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْحِرْصِ عَلَى اسْتِعْمَالِ جَوَارِحِهِمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ، رَجَاءَ مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَطَمَعًا فِي النَّجَاةِ، فَهُمْ يُقَاتِلُونَ بِكُلِّ سِلَاحٍ لَعَلَّهُمْ يَنْجَوْنَ. قَالُوا: وَأَمَّا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْفَنَاءِ، وَمُشَاهَدَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْقَيُّومِيَّةِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي ذَلِكَ فَنَحْنُ فِي شُغْلٍ عَنْهُ بِتَنْفِيذِ أَوَامِرِ صَاحِبِ الْحَقِيقَةِ وَالْقَيُّومِيَّةِ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ
পৃষ্ঠা - ২৪৬
طَاعَاتِهِ، وَتَصْرِيفِ الْجَوَارِحِ فِي مَرْضَاتِهِ، كَمَا أَنَّكُمْ - بِفَنَائِكُمْ وَاسْتِغْرَاقِكُمْ فِي شُهُودِ الْحَقِيقَةِ وَحَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ - فِي شُغْلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَكَيْفَ كُنْتُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنَّا، وَنَحْنُ فِي حُقُوقِهِ وَمُرَادِهِ مِنَّا، وَأَنْتُمْ فِي حُظُوظِكُمْ وَمُرَادِكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَقَدْ ضُرِبَ لَنَا وَلَكُمْ مَثَلٌ مُطَابِقٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِمَلِكٍ ادَّعَى مَحَبَّتَهُ مَمْلُوكَانِ مِنْ مَمَالِيكِهِ، فَاسْتَحْضَرَهُمَا وَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَا: أَنْتَ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْنَا، وَلَا نُؤْثِرُ عَلَيْكَ غَيْرَكَ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ فَاذْهَبَا إِلَى سَائِرِ مَمَالِيكِي وَعَرِّفَاهُمْ بِحُقُوقِي عَلَيْهِمْ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِمَا يُرْضِينِي عَنْهُمْ، وَيُسْخِطُنِي عَلَيْهِمْ، وَابْذُلَا قُوَاكُمَا فِي تَخْلِيصِهِمْ مِنْ مَسَاخِطِي، وَنَفِّذَا فِيهِمْ أَوَامِرِي، وَاصْبِرَا عَلَى أَذَاهُمْ، وَعُودَا مَرِيضَهُمْ، وَشَيِّعَا مَيِّتَهُمْ، وَأَعِينَا ضَعِيفَهُمْ بِقُوَاكُمَا، وَأَمْوَالِكُمَا وَجَاهِكُمَا، ثُمَّ اذْهَبَا إِلَى بِلَادِ أَعْدَائِي بِهَذِهِ الْمُلَطِّفَاتِ وَخَالِطُوهُمْ، وَادْعُوهُمْ إِلَى مُوَالَاتِي، وَاشْتَغِلَا بِهِمْ، وَلَا تَخَافُوهُمْ، فَعِنْدَهُمْ مِنْ جُنْدِي وَأَوْلِيَائِي مَنْ يَكْفِيكُمَا شَرَّهُمْ. فَأَمَّا أَحَدُ الْمَمْلُوكَيْنِ فَقَامَ مُبَادِرًا إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَبَعُدَ عَنْ حَضْرَتِهِ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِهِ. وَأَمَّا الْآخَرُ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ غَلَبَ عَلَى قَلْبِي مِنْ مَحَبَّتِكَ، وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُشَاهَدَةِ حَضْرَتِكَ وَجِمَالِكَ مَا لَا أَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى مُفَارَقَةِ حَضْرَتِكَ وَمُشَاهَدَتِكَ. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رِضَائِي فِي أَنْ تَذْهَبَ مَعَ صَاحِبِكَ، فَتَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ، وَإِنْ بَعُدْتَ عَنْ مُشَاهَدَتِي. فَقَالَ: لَا أُوثِرُ عَلَى مُشَاهَدَتِكَ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيكَ شَيْئًا. فَأَيُّ الْمَمْلُوكَيْنِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا الْمَلِكِ، وَأَحْظَى عِنْدَهُ، وَأَخَصُّ بِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ؟ أَهَذَا الَّذِي آثَرَ حَظَّهُ وَمُرَادَهُ وَمَا فِيهِ لَذَّتُهُ عَلَى مُرَادِ الْمَلِكِ وَأَمْرِهِ وَرِضَاهُ؟ أَمْ ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ فِي تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ، وَفَرَّغَ لَهَا قُوَاهُ وَجَوَارِحَهُ، وَتَفَرَّقَ فِيهَا فِي كُلِّ وَجْهٍ؟ فَمَا أَوْلَاهُ أَنْ يَجْمَعَهُ أُسْتَاذَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ أَوَامِرِهِ وَفَرَاغِهِ مِنْهَا، وَيَجْعَلَهُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَأَهْلِ قُرْبِهِ! وَمَا أَوْلَى صَاحِبَهُ بِأَنْ يُبْعِدَهُ عَنْ قُرْبِهِ، وَيَحْجُبَهُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ، وَيُفَرِّقَهُ عَنْ جَمْعِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَيُبَدِّلَهُ بِالتَّفْرِقَةِ الَّتِي هَرَبَ مِنْهَا - فِي تَفْرِقَةِ أَمْرِهِ - تَفْرِقَةً فِي هَوَاهُ وَمُرَادِهِ بِطَبْعِهِ وَبِنَفْسِهِ. فَلْيَتَأَمَّلِ اللَّبِيبُ هَذَا حَقَّ التَّأَمُّلِ، وَلْيَفْتَحْ عَيْنَ بَصِيرَتِهِ، وَيَسِيرُ بِقَلْبِهِ، فَيَنْظُرَ فِي مَقَامَاتِ الْعَبِيدِ وَأَحْوَالِهِمْ وَهِمَمِهِمْ، وَمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْعُبُودِيَّةِ، وَمَنْ هُوَ الْبَعِيدُ مِنْهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ اللَّهِ وَطَاعَاتِهِ، وَتَوَثَّبَ عَلَيْهِ، وَأَوْرَثَتْهُ الطَّاعَاتُ
পৃষ্ঠা - ২৪৭
جَبَرُوتًا وَحَجْبًا عَنْ رُؤْيَتِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَعَمَلِهِ، وَكَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ فِي عَيْنِهِ، فَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ، لَا مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَمِنْ مِثْلِ مَا وَصَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: «أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17] قَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنْ يُوصِيَهُ بِشَيْءٍ يَتَشَبَّثُ بِهِ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» . وَالدِّينُ كُلُّهُ اسْتِكْثَارٌ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَأَحَبُّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ أَعْظَمُهُمُ اسْتِكْثَارًا مِنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبَصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسَتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ.» فَهَذَا جَزَاؤُهُ وَكَرَامَتُهُ لِلْمُسْتَكْثِرِينَ مِنْ طَاعَتِهِ، لَا لِأَهْلِ الْفَنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِينَ فِي شُهُودِ الرُّبُوبِيَّةِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِآخَرَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا
পৃষ্ঠা - ২৪৮
دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» . فَصْلٌ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الْإِرَادَةِ وَالطَّلَبِ نَظِيرُ طَرِيقَةِ التَّجَهُّمِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، تِلْكَ تَعْطِيلٌ لِلصِّفَاتِ وَالتَّوْحِيدِ، وَهَذِهِ تَعْطِيلٌ لِلْأَمْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَانْظُرْ إِلَى هَذَا النَّسَبِ وَالْإِخَاءِ الَّذِي بَيْنَهُمَا، كَيْفَ شُرِكَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ، كَمَا شُرِكَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى؟ فَتِلْكَ طَرِيقَةُ النَّفْيِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْفَنَاءِ، تِلْكَ نَفْيٌ لِصِفَاتِ الْمَعْبُودِ، وَهَذِهِ فَنَاءٌ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ. وَأَمَّا نَفْيُ خَوَاصِّ الْعَبِيدِ وَفَنَاؤُهُمْ فَأَمْرٌ وَرَاءَ نَفْيِ أُولَئِكَ وَفَنَائِهِمْ، لِأَنَّ نَفْيَهُمْ لِصِفَاتِ النَّقَائِصِ، وَمَا يُضَادُّ أَوْصَافَ الْكَمَالِ، وَفِنَاءَهُمْ عَنْ إِرَادَةِ غَيْرِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، فَفَنَاؤُهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُ أَمْرَهُ وَمَحَابَّهُ، وَنَفْيُهُمْ لِكُلِّ مَا يُضَادُّ كَمَالَهُ وَجَلَالَهُ، وَمَنْ لَهُ فُرْقَانٌ فَهُوَ يَعْرِفُ هَذَا وَهَذَا، وَغَيْرُهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَصَاحِبُ الْمَنَازِلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ شَدِيدَ الْإِثْبَاتِ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، مُضَادًّا لِلْجَهْمِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُ كِتَابُ الْفَارُوقِ اسْتَوْعَبَ فِيهِ أَحَادِيثَ الصِّفَاتَ وَآثَارَهَا، وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ، وَكِتَابُ ذَمِّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ طَرِيقَتُهُ فِيهِ أَحْسَنُ طَرِيقَةٍ، وَكِتَابٌ لَطِيفٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ، يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَيُقَرِّرُهَا، وَلَهُ مَعَ الْجَهْمِيَّةِ الْمَقَامَاتُ الْمَشْهُودَةُ، وَسَعَوْا بِقَتْلِهِ إِلَى السُّلْطَانِ مِرَارًا عَدِيدَةً، وَاللَّهُ يَعْصِمُهُ مِنْهُمْ، وَرَمَوْهُ بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، عَلَى عَادَةِ بَهْتِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، الَّذِينَ لَمْ يَتَحَيَّزُوا إِلَى مَقَالَةِ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَلَكِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَتْ طَرِيقَتُهُ فِي السُّلُوكِ مُضَادَّةً لِطَرِيقَتِهِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَدِّمُ عَلَى الْفَنَاءِ شَيْئًا، وَيَرَاهُ الْغَايَةَ الَّتِي يُشَمِّرُ إِلَيْهَا السَّالِكُونَ، وَالْعِلْمَ الَّذِي يَؤُمُّهُ السَّائِرُونَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ ذَوْقُ الْفَنَاءِ وَشُهُودُ الْجَمْعِ، وَعَظُمَ مَوْقِعُهُ عِنْدَهُ، وَاتَّسَعَتْ إِشَارَاتُهُ إِلَيْهِ، وَتَنَوَّعَتْ بِهِ الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَيْهِ، عِلْمًا وَحَالًا وَذَوْقًا، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ تَعْطِيلًا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، بَادِيًا عَلَى صَفَحَاتِ كَلَامِهِ. وِزَانَ تَعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ لِمَا اقْتَضَتْهُ أُصُولُهُمْ مِنْ نَفْيِ الصِّفَاتِ.