মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة التوبة

فصل تمكن الإيمان والعلم في القلب

পৃষ্ঠা - ২৩৬
[فَصْلٌ تَمَكُّنُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ فِي الْقَلْبِ] فَصْلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ مِنْ قَلْبِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْأَمْرُ قَامَ إِلَيْهِ، وَبَادَرَ بِجَمْعِيَّتِهِ، فَإِنْ صَحِبَتْهُ وَإِلَّا طَرَحَهَا، وَبَادَرَ إِلَى الْأَمْرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ فَضْلٌ، وَالْأَمْرَ فَرْضٌ، وَمَنْ ضَيَّعَ الْفُرُوضَ لِلْفُضُولِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ، لَكِنْ إِذَا جَاءَتِ الْمَنْدُوبَاتُ، الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْأَرْبَاحِ وَالْمَكَاسِبِ الْعَظِيمَةِ، وَالْمَصَالِحِ الرَّاجِحَةِ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَالْجِهَادِ الْمُسْتَحَبِّ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْخُلْطَةِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا وَيَنْفَعُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُؤْثِرْهَا عَلَى جَمْعِيَّتِهِ، إِذَا رَأَى جَمْعِيَّتَهُ خَيْرًا لَهُ وَأَنْفَعَ مِنْهَا - فَهَذَا غَيْرُ آثِمٍ وَلَا مُفَرِّطٍ إِلَّا إِذَا تَرَكَهَا رَغْبَةً عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَاسْتِبْدَالًا بِالْجَمْعِيَّةِ، فَهَذَا نَاقِصٌ. أَمَّا إِذَا قَامَ بِهَا أَحْيَانًا وَتَرَكَهَا أَحْيَانًا لِاشْتِغَالِهِ بِجَمْعِيَّتِهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَذْمُومٍ، بَلْ هَذَا حَقِيقَةُ الِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ جَمْعِيَّةُ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَخَلْوَتُهُ بِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِرُ بِحَصِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي اعْتِكَافِهِ، يَخْلُو بِهِ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَكُنْ يَشْتَغِلُ بِتَعْلِيمِ الصَّحَابَةِ وَتَذْكِيرِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، وَخَلْوَتُهُ لِلذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ أَفْضَلُ لَهُ، وَاحْتَجُّوا بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَصْلٌ وَأَكْمَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ إِذَا جَاءَهُ تَفْرِقَةُ الْأَمْرِ، وَرَآهَا أَرْجَحَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجَمْعِيَّةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ فِي التَّفْرِقَةِ اشْتَرَى الْفَاضِلَ بِالْمَفْضُولِ، وَالرَّاجِحَ بِالْمَرْجُوحِ، فَإِذَا كَانَ الْمَنْدُوبُ مَفْضُولًا مَرْجُوحًا، وَالْجَمْعُ خَيْرًا مِنْهُ اشْتَغَلَ بِالْجَمْعِ عَنْهُ، فَهَذَا أَعْلَى الْأَقْسَامِ، وَالرَّجُلُ كُلُّ الرَّجُلِ مَنْ يَرُدُّ مِنْ تَفْرِقَتِهِ عَلَى جَمْعِهِ، وَمِنْ جَمْعِهِ عَلَى تَفْرِقَتِهِ، فَيُقَوِّي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَا يُلْغِي الْحَرْبَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا جَاءَتْ تَفْرِقَةُ الْأَمْرِ جَدَّ فِيهَا وَقَامَ بِهَا لِجَمْعِيَّتِهِ، مُقَوِّيًا لَهَا بِالْأَمْرِ، فَإِذَا جَاءَتْ حَالَةُ الْجَمْعِيَّةِ تَقَوَّى بِهَا عَلَى تَفْرِقَةِ الْأَمْرِ وَالْبَقَاءِ بِهِ، فَيَرُدُّ مِنْ هَذَا عَلَى هَذَا، وَمِنْ هَذَا عَلَى هَذَا، فَإِذَا جَاءَتْ تَفْرِقَةُ الْأَمْرِ قَالَ: أَتَفَرَّقُ لِلَّهِ لِيَجْمَعَنِي عَلَيْهِ، وَإِذَا جَاءَتِ الْجَمْعِيَّةُ قَالَ: أَجْتَمِعُ لِأَتَقَوَّى عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرِضَاهُ، لَا لِمُجَرَّدِ حَظِّي وَلَذَّتِي مِنْ هَذِهِ الْجَمْعِيَّةِ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَغِيبُ بِحَظِّهِ مِنْهَا، وَلَذَّتِهَا وَنَعِيمِهَا وَطِيبِهَا، عَنْ مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ.
পৃষ্ঠা - ২৩৭
فَتَدَبَّرْ هَذَا الْفَصْلَ، وَأَحِطْ بِهِ عِلْمًا، فَإِنَّهُ مِنْ قَوَاعِدِ السُّلُوكِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَكَمْ قَدْ زَلَّتْ فِيهِ مِنْ أَقْدَامٍ، وَضَلَّتْ فِيهِ مِنْ أَفْهَامٍ، وَمَنْ عَرَفَ مَا عِنْدَ النَّاسِ، وَنَهَضَ مِنْ مَدِينَةِ طَبْعِهِ إِلَى السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ، عَرَفَ مِقْدَارَهُ، فَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ مَجَامِعَ الطُّرُقِ، وَمُفْتَرَقَ الطُّرُقِ، الَّتِي تَفَرَّقَتْ بِالسَّالِكِينَ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. فَصْلٌ أَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ، وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ، وَمَنْشَأُ الضَّلَالِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، أَوِ اعْتِقَادِ تَلَازُمِهِمَا، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ، وَقَالُوا: الْمَشِيئَةُ وَالْمَحَبَّةُ سَوَاءٌ، أَوْ مُتَلَازِمَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتِ الْجَبْرِيَّةُ: الْكَوْنُ كُلُّهُ - قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، طَاعَتُهُ وَمَعَاصِيهِ، خَيْرُهُ وَشَرُّهُ - فَهُوَ مَحْبُوبُهُ. ثُمَّ مَنْ تَعَبَّدَ مِنْهُمْ، وَسَلَكَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ رَأَى أَنَّ الْأَفْعَالَ جَمِيعَهَا مَحْبُوبَةٌ لِلرَّبِّ، إِذْ هِيَ صَادِرَةٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَهِيَ عَيْنُ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ، وَفَنِيَ فِي هَذَا الشُّهُودِ الَّذِي كَانَ اعْتِقَادًا، ثُمَّ صَارَ مُشْهَدًا، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً، وَلَا يَسْتَنْكِرُ مُنْكَرًا، وَتِلْكَ اللَّوَازِمُ الْبَاطِلَةُ الْمُنَافِيَةُ لِلشَّرَائِعِ جُمْلَةً. وَلَمَّا وَرَدَ عَلَى هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وَقَوْلُهُ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] وَاعْتَاصَ عَلَيْهِمْ كَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا لَهُ، وَقَدْ أَرَادَ كَوْنَهُ؟ وَكَيْفَ لَا يُحِبُّهُ، وَقَدْ أَرَادَ وُجُودَهُ؟ أَوَّلُوا هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهُ لَا يُحِبُّهَا دِينًا، وَلَا يَرْضَاهَا شَرْعًا، وَيَكْرَهُهَا كَذَلِكَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشْرَعُهَا، مَعَ كَوْنِهِ يُحِبُّ وُجُودهَا وَيُرِيدُهُ. فَشَهِدُوا فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ كَوْنَهَا مَحْبُوبَةَ الْوُجُودِ، وَرَأَوْا أَنَّ الْمَحَبَّةَ تَقْتَضِي مُوَافَقَةَ الْمَحْبُوبِ فِيمَا يُحِبُّهُ، وَالْكَوْنُ كُلُّهُ مَحْبُوبُهُ، فَأَحَبُّوا - بِزَعْمِهِمْ - جَمِيعَ مَا فِي الْكَوْنِ، وَكَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا، فَإِنَّمَا أَحَبُّوا مَا تَهْوَاهُ نُفُوسُهُمْ وَإِرَادَتُهُمْ، فَإِذَا كَانَ فِي الْكَوْنِ مَا لَا يُلَائِمُ أَحَدَهُمْ وَيَكْرَهُهُ طَبْعُهُ أَبْغَضَهُ، وَنَفَرَ مِنْهُ وَكَرِهَهُ، مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا لِلْمَحْبُوبِ، فَأَيْنَ الْمُوَافَقَةُ؟ وَإِنَّمَا وَافَقُوا أَهْوَاءَهُمْ وَإِرَادَاتَهُمْ.