মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل منزلة المحاسبة

পৃষ্ঠা - ১৬০
حِجَابُهُ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَالتَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ. [فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُحَاسَبَةِ] [مِنْ مَنْزِلَةِ الْمُحَاسَبَةِ يَصِحُّ لَهُ نُزُولُ مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ] فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْمُحَاسَبَةِ فَلْنَرْجِعْ إِلَى ذِكْرِ مَنَازِلِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] " الَّتِي لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى يَنْزِلَ مَنَازِلَهَا. فَذَكَرْنَا مِنْهَا الْيَقَظَةَ وَالْبَصِيرَةَ وَالْفِكْرَةَ وَالْعَزْمَ. وَهَذِهِ الْمَنَازِلُ الْأَرْبَعَةُ لِسَائِرِ الْمَنَازِلِ كَالْأَسَاسِ لِلْبُنْيَانِ، وَعَلَيْهَا مَدَارُ مَنَازِلِ السَّفَرِ إِلَى اللَّهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ السَّفَرُ إِلَيْهِ بِدُونِ نُزُولِهَا الْبَتَّةَ، وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبِ السَّيْرِ الْحِسِّيِّ، فَإِنَّ الْمُقِيمَ فِي وَطَنِهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ السَّفَرُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ عَنِ السَّفَرِ، ثُمَّ يَتَبَصَّرَ فِي أَمْرِ سَفَرِهِ وَخَطَرِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَالْمَصْلَحَةِ، ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ وَالتَّزَوُّدِ وَإِعْدَادِ عُدَّتِهِ، ثُمَّ يَعْزِمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ قَصْدَهُ انْتَقَلَ إِلَى مَنْزِلَةِ الْمُحَاسِبَةِ وَهِيَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَصْحِبُ مَا لَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ مَنْ لَا يَعُودُ. وَمِنْ مَنْزِلَةِ الْمُحَاسَبَةِ يَصِحُّ لَهُ نُزُولُ مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ إِذَا حَاسَبَ نَفْسَهُ، عَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَخَرَجَ مِنْهُ، وَتَنَصَّلُ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ أَوْلَى. وَلِتَأْخِيرِهَا عَنْهَا وَجْهٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُحَاسَبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ التَّوْبَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنْ التَّوْبَةَ بَيْنَ مُحَاسَبَتَيْنِ، مُحَاسَبَةٍ قَبْلَهَا، تَقْتَضِي وُجُوبَهَا، وَمُحَاسَبَةٍ بَعْدَهَا، تَقْتَضِي حِفْظَهَا، فَالتَّوْبَةُ مَحْفُوفَةٌ بِمُحَاسَبَتَيْنِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ الْعَبْدَ أَنْ يَنْظُرَ مَا قَدَّمَ لِغَدٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مُحَاسَبَةَ نَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرَ هَلْ يَصْلُحُ مَا قَدَّمَهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِهِ أَوْ لَا يَصْلُحُ؟ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ مَا يُوجِبُهُ وَيَقْتَضِيهِ، مِنْ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقْدِيمِ مَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيُبَيِّضُ وَجْهَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتُزَيَّنُوا
পৃষ্ঠা - ১৬১
لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمْ. [أَرْكَانُ الْمُحَاسَبَةِ] [الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُقَايَسَةُ بَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا لِلَّهِ] قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: الْمُحَاسَبَةُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُقَايِسَ بَيْنَ نِعْمَتِهِ وَجِنَايَتِكَ. يَعْنِي تُقَايِسَ بَيْنَ مَا مِنَ اللَّهِ وَمَا مِنْكَ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَكَ التَّفَاوُتُ، وَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا عَفْوُهُ وَرَحْمَتُهُ، أَوِ الْهَلَاكُ وَالْعَطَبُ. وَبِهَذِهِ الْمُقَايَسَةِ تَعْلَمُ أَنَّ الرَّبَّ رَبٌّ وَالْعَبْدَ عَبْدٌ، وَيَتَبَيَّنُ لَكَ حَقِيقَةُ النَّفْسِ وَصِفَاتُهَا، وَعَظْمَةُ جَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَفَرُّدِ الرَّبِّ بِالْكَمَالِ وَالْإِفْضَالِ، وَأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلَّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَأَنْتَ قَبْلَ هَذِهِ الْمُقَايَسَةِ جَاهِلٌ بِحَقِيقَةِ نَفْسِكَ، وَبِرُبُوبِيَّةِ فَاطِرِهَا وَخَالِقِهَا، فَإِذَا قَايَسْتَ ظَهَرَ لَكَ أَنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَسَاسُ كُلِّ نَقْصٍ، وَأَنَّ حَدَّهَا الْجَاهِلَةُ الظَّالِمَةُ، وَأَنَّهُ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ بِتَزْكِيَتِهِ لَهَا مَا زَكَتْ أَبَدًا، وَلَوْلَا هُدَاهُ مَا اهْتَدَتْ، وَلَوْلَا إِرْشَادُهُ وَتَوْفِيقُهُ لَمَا كَانَ لَهَا وُصُولٌ إِلَى خَيْرٍ الْبَتَّةَ، وَأَنَّ حُصُولَ ذَلِكَ لَهَا مِنْ بَارِئِهَا وَفَاطِرِهَا، وَتَوَقُّفَهُ عَلَيْهِ كَتَوَقُّفِ وُجُودِهَا عَلَى إِيجَادِهِ، فَكَمَا أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا مِنْ ذَاتِهَا وُجُودٌ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا مِنْ ذَاتِهَا كَمَالُ الْوُجُودِ، فَلَيْسَ لَهَا مِنْ ذَاتِهَا إِلَّا الْعَدَمُ - عَدَمُ الذَّاتِ، وَعَدَمُ الْكَمَالِ - فَهُنَاكَ تَقُولُ حَقًّا " «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي» ". ثُمَّ تُقَايِسُ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَتَعْلَمُ بِهَذِهِ الْمُقَايَسَةِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ قَدْرًا وَصِفَةً. وَهَذِهِ الْمُقَايَسَةُ الثَّانِيَةُ مُقَايَسَةٌ بَيْنَ أَفْعَالِكَ وَمَا مِنْكَ خَاصَّةً. قَالَ: وَهَذِهِ الْمُقَايَسَةُ تَشُقُّ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: نُورُ الْحِكْمَةِ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِالنَّفْسِ، وَتَمْيِيزُ النِّعْمَةِ مِنَ الْفِتْنَةِ.
পৃষ্ঠা - ১৬২
يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمُقَايَسَةَ وَالْمُحَاسَبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى نُورِ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ النُّورُ الَّذِي نَوَّرَ اللَّهُ بِهِ قُلُوبَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ نُورُ الْحِكْمَةِ، فَبِقَدْرِهِ تَرَى التَّفَاوُتَ، وَتَتَمَكَّنُ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ. وَنُورُ الْحِكْمَةِ هَاهُنَا: هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ الْعَبْدُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالضَّارِّ وَالنَّافِعِ، وَالْكَامِلِ وَالنَّاقِصِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَيُبْصِرُ بِهِ مَرَاتِبَ الْأَعْمَالِ، رَاجِحَهَا وَمَرْجُوحَهَا، وَمَقْبُولَهَا وَمَرْدُودَهَا، وَكُلَّمَا كَانَ حَظُّهُ مِنْ هَذَا النُّورِ أَقْوَى كَانَ حَظُّهُ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ. وَأَمَّا سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّفْسِ فَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِالنَّفْسِ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ التَّفْتِيشِ وَيُلَبِّسُ عَلَيْهِ، فَيَرَى الْمَسَاوِئَ مَحَاسِنَ، وَالْعُيُوبَ كَمَالًا، فَإِنَّ الْمُحِبَّ يَرَى مَسَاوِئَ مَحْبُوبِهِ وَعُيُوبَهُ كَذَلِكَ. فَعَيْنُ الرِّضَى عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا وَلَا يُسِيءُ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ إِلَّا مَنْ عَرَفَهَا، وَمَنْ أَحْسَنَ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا تَمْيِيزُ النِّعْمَةِ مِنَ الْفِتْنَةِ: فَلْيُفَرِّقْ بَيْنَ النِّعْمَةِ الَّتِي يُرَى بِهَا الْإِحْسَانُ وَاللُّطْفُ، وَيُعَانُ بِهَا عَلَى تَحْصِيلِ سَعَادَتِهِ الْأَبَدِيَّةِ، وَبَيْنَ النِّعْمَةِ الَّتِي يُرَى بِهَا الِاسْتِدْرَاجُ، فَكَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالنِّعَمِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ الْجُهَّالِ عَلَيْهِ، مَغْرُورٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ حَوَائِجَهُ وَسَتْرِهِ عَلَيْهِ! وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَلَامَةُ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاحِ، ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ. فَإِذَا كَمَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِيهِ عَرَفَ حِينَئِذٍ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِجَمْعِهِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ نِعْمَةٌ حَقِيقَةٌ، وَمَا فَرَّقَهُ عَنْهُ وَأَخَذَهُ مِنْهُ فَهُوَ الْبَلَاءُ فِي صُورَةِ النِّعْمَةِ، وَالْمِحْنَةُ فِي صُورَةِ الْمِنْحَةِ، فَلْيَحْذَرْ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَدْرَجٌ، وَيُمَيِّزْ بِذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ الْمِنَّةِ وَالْحُجَّةِ، فَكَمْ تَلْتَبِسُ إِحْدَاهُمَا عَلَيْهِ بِالْأُخْرَى! . فَإِنَّ الْعَبْدَ بَيْنَ مِنَّةٍ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَحُجَّةٍ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا، فَالْحُكْمُ الدِّينِيُّ مُتَضَمِّنٌ لِمِنَّتِهِ وَحُجَّتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164] وَقَالَ {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] وَقَالَ {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149] .
পৃষ্ঠা - ১৬৩
وَالْحُكْمُ الْكَوْنِيُّ أَيْضًا مُتَضَمِّنٌ لِمِنَّتِهِ وَحُجَّتِهِ، فَإِذَا حَكَمَ لَهُ كَوْنًا حُكْمًا مَصْحُوبًا بِاتِّصَالِ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ بِهِ فَهُوَ مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الدِّينِيُّ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ الدِّينِيُّ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُهُ الْكَوْنِيُّ، فَتَوْفِيقُهُ لِلْقِيَامِ بِهِ مِنَّةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حُكْمِهِ الْكَوْنِيِّ صَارَ حُجَّةً مِنْهُ عَلَيْهِ، فَالْمِنَّةُ بِاقْتِرَانِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ، وَالْحُجَّةُ فِي تَجَرُّدِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، فَكُلُّ عِلْمٍ صَحِبَهُ عَمَلٌ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَهُوَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ قُوَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ صَحِبَهَا تَنْفِيذٌ لِمَرْضَاتِهِ وَأَوَامِرِهِ فَهِيَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ حَالٍ صَحِبَهُ تَأْثِيرٌ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَهُوَ مِنَّةٌ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ مَالٍ اقْتَرَنَ بِهِ إِنْفَاقٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، لَا لِطَلَبِ الْجَزَاءِ وَلَا الشَّكُورِ، فَهُوَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ فَرَاغٍ اقْتَرَنَ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا يُرِيدُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فَهُوَ مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ قَبُولٍ فِي النَّاسِ، وَتَعْظِيمٍ وَمَحَبَّةٍ لَهُ، اتَّصَلَ بِهِ خُضُوعٌ لِلرَّبِّ، وَذُلٌّ وَانْكِسَارٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِعَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ، وَبَذْلِ النَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ فَهُوَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ بَصِيرَةٍ وَمَوْعِظَةٍ، وَتَذْكِيرٍ وَتَعْرِيفٍ مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ إِلَى الْعَبْدِ، اتَّصَلَ بِهِ عِبْرَةٌ وَمَزِيدٌ فِي الْعَقْلِ، وَمَعْرِفَةٌ فِي الْإِيمَانِ فَهِيَ مِنَّةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ حُجَّةٌ. وَكُلُّ حَالٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَقَامٍ اتَّصَلَ بِهِ السَّيْرُ إِلَى اللَّهِ، وَإِيثَارُ مُرَادِهِ عَلَى مُرَادِ الْعَبْدِ، فَهُوَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ صَحِبَهُ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَالرِّضَى بِهِ، وَإِيثَارُ مُقْتَضَاهُ، مِنْ لَذَّةِ النَّفْسِ بِهِ وَطُمَأْنِينَتِهَا إِلَيْهَا، وَرُكُونِهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَبْدُ هَذَا الْمَوْضِعَ الْعَظِيمَ الْخَطَرِ، وَيُمَيِّزْ بَيْنَ مَوَاقِعِ الْمِنَنِ وَالْمِحَنِ، وَالْحُجَجِ وَالنِّعَمِ، فَمَا أَكْثَرَ مَا يَلْتَبِسُ ذَلِكَ عَلَى خَوَاصِّ النَّاسِ وَأَرْبَابِ السُّلُوكِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّانِي التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ] فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْمُحَاسَبَةِ: وَهِيَ أَنْ تُمَيِّزَ مَا لِلْحَقِّ عَلَيْكَ وَبَيْنَ مَا لَكَ وَمَا عَلَيْكَ مِنْ وُجُوبِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالْتِزَامِ الطَّاعَةِ، وَاجْتِنَابِ
পৃষ্ঠা - ১৬৪
الْمَعْصِيَةِ، وَبَيْنَ مَا لَكَ وَمَا عَلَيْكَ، فَالَّذِي لَكَ: هُوَ الْمُبَاحُ الشَّرْعِيُّ، فَعَلَيْكَ حَقٌّ، وَلَكَ حَقٌّ، فَأَدِّ مَا عَلَيْكَ يُؤْتِكَ مَا لَكَ. وَلَابُدَّ مِنَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا لَكَ وَمَا عَلَيْكَ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَجْعَلُ كَثِيرًا مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ قَسْمِ مَا لَهُ، فَيَتَحَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ رَأَى أَنَّهُ فَضْلٌ قَامَ بِهِ لَا حَقٌّ أَدَّاهُ. وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ يَرَى كَثِيرًا مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ مِنْ قَسْمِ مَا عَلَيْهِ فِعْلُهُ أَوْ تَرْكُهُ، فَيَتَعَبَّدُ بِتَرْكِ مَا لَهُ فِعْلُهُ، كَتَرْكِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَيَظُنُّ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِ، أَوْ يَتَعَبَّدُ بِفِعْلِ مَا لَهُ تَرْكُهُ وَيَظُنُّ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: مَنْ يَتَعَبَّدُ بِتَرْكِ النِّكَاحِ، أَوْ تَرْكِ أَكْلِ اللَّحْمِ، أَوِ الْفَاكِهَةِ مَثَلًا، أَوِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، وَيَرَى - لِجَهْلِهِ - أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ، فَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَرْكَهُ، أَوْ يَرَى تَرْكَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا عَنْ عِبَادَتِهِ فِي السِّرِّ فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتُهُمْ، فَخَطَبَ، وَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ؟ لَكِنِّي أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، وَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَتَبَرَّأَ مِمَّنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ، وَتَعَبَّدَ لِلَّهِ بِتَرْكِ مَا أَبَاحَهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، رَغْبَةً عَنْهُ، وَاعْتِقَادًا أَنَّ الرَّغْبَةَ عَنْهُ وَهَجْرَهُ عِبَادَةٌ، فَهَذَا لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ وَمَا لَهُ. وَمِثَالُ الثَّانِي: مَنْ يَتَعَبَّدُ بِالْعِبَادَاتِ الْبِدْعِيَّةِ الَّتِي يَظُنُّهَا جَالِبَةً لِلْحَالِ، وَالْكَشْفِ وَالتَّصَرُّفِ، وَلِهَذِهِ الْأُمُورِ لَوَازِمُ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهَا الْبَتَّةَ، فَيَتَعَبَّدُ بِالْتِزَامِ تِلْكَ اللَّوَازِمِ فِعْلًا وَتَرْكًا، وَيَرَاهَا حَقًّا عَلَيْهِ، وَهِيَ حَقٌّ لَهُ، وَلَهُ تَرْكُهَا، كَفِعْلِ الرِّيَاضَاتِ، وَالْأَوْضَاعِ الَّتِي
পৃষ্ঠা - ১৬৫
رَسَمَهَا كَثِيرٌ مِنَ السَّالِكِينَ بِأَذْوَاقِهِمْ وَمَوَاجِيدِهِمْ وَاصْطِلَاحَاتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ مَا فِيهَا مِنْ حَظِّ الْعَبْدِ وَالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، فَهَذَا لَوْنٌ وَهَذَا لَوْنٌ. [فَصْلٌ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الرِّضَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّعْيِيرُ بِالْمَعْصِيَةِ] وَمِنْ أَرْكَانِ الْمُحَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ، فَقَالَ: الثَّالِثُ: أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ رَضِيتَهَا مِنْكَ فَهِيَ عَلَيْكَ، وَكُلَّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ. رِضَاءُ الْعَبْدِ بِطَاعَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ، وَجَهْلِهِ بِحُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ، وَعَدَمِ عَمَلِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ وَيَلِيقُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ جَهْلَهُ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهَا وَآفَاتِهَا وَعُيُوبِ عَمَلِهِ، وَجَهْلَهُ بِرَبِّهِ وَحُقُوقِهِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ بِهِ، يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا رِضَاهُ بِطَاعَتِهِ، وَإِحْسَانُ ظَنِّهِ بِهَا، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَجَبِ وَالْكِبْرِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَنَحْوِهَا. فَالرِّضَا بِالطَّاعَةِ مِنْ رَعُونَاتِ النَّفْسِ وَحَمَاقَتِهَا. وَأَرْبَابُ الْعَزَائِمِ وَالْبَصَائِرِ أَشَدُّ مَا يَكُونُونَ اسْتِغْفَارًا عُقَيْبَ الطَّاعَاتِ، لِشُهُودِهِمْ تَقْصِيرَهُمْ فِيهَا، وَتَرْكَ الْقِيَامِ لِلَّهِ بِهَا كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلَا الْأَمْرُ لَمَا أَقْدَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَثَلِ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا رَضِيَهَا لِسَيِّدِهِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَفْدَهُ وَحُجَّاجَ بَيْتِهِ بِأَنْ يَسْتَغْفِرُوهُ عُقَيْبَ إِفَاضَتِهِمْ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ أَجَلُّ الْمَوَاقِفِ وَأَفْضَلُهَا، فَقَالَ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ - ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198 - 199] وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] قَالَ الْحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتَغَفْرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
পৃষ্ঠা - ১৬৬
بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ أَعْبَائِهَا، وَقَضَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ، وَاقْتِرَابِ أَجَلِهِ، فَقَالَ فِي آخِرِ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3] . وَمِنْ هَاهُنَا فَهِمَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ هَذَا أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ عُقَيْبَ أَدَاءِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ إِعْلَامٌ بِأَنَّكَ قَدْ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَاجْعَلْ خَاتِمَتَهُ الِاسْتِغْفَارَ، كَمَا كَانَ خَاتِمَةَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَخَاتِمَةُ الْوُضُوءِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ " «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» ". فَهَذَا شَأْنُ مَنْ عَرَفَ مَا يَنْبَغِي لِلَّهِ، وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ وَشَرَائِطِهَا، لَا جَهْلَ أَصْحَابِ الدَّعَاوِي وَشَطَحَاتِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَتَى رَضِيتَ نَفْسَكَ وَعَمَلَكَ لِلَّهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ نَفْسَهُ مَأْوَى كُلِّ عَيْبٍ وَشَرٍّ، وَعَمَلَهُ عُرْضَةٌ لِكُلِّ آفَةٍ وَنَقْصٍ، كَيْفَ يَرْضَى لِلَّهِ نَفْسَهُ وَعَمَلَهُ؟ . وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ حَيْثُ يَقُولُ: مَنْ تَحَقَّقَ بِالْعُبُودِيَّةِ نَظَرَ أَفْعَالَهُ بِعَيْنِ
পৃষ্ঠা - ১৬৭
الرِّيَاءِ، وَأَحْوَالَهُ بِعَيْنِ الدَّعْوَى، وَأَقْوَالَهُ بِعَيْنِ الِافْتِرَاءِ، وَكُلَّمَا عَظُمَ الْمَطْلُوبُ فِي قَلْبِكَ، صَغُرَتْ نَفْسُكَ عِنْدَكَ، وَتَضَاءَلَتِ الْقِيمَةُ الَّتِي تَبْذُلُهَا فِي تَحْصِيلِهِ، وَكُلَّمَا شَهِدْتَ حَقِيقَةَ الرُّبُوبِيَّةِ وَحَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ، وَعَرَفْتَ اللَّهَ، وَعَرَفْتَ النَّفْسَ، وَتَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ مَا مَعَكَ مِنَ الْبِضَاعَةِ لَا يَصْلُحُ لِلْمَلِكِ الْحَقِّ، وَلَوْ جِئْتَ بِعَمَلِ الثَّقَلَيْنِ خَشِيتَ عَاقِبَتَهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَتَفَضُّلِهِ، وَيُثِيبُكَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَتَفَضُّلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ. يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: أَنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَيْكَ وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْمَلَهَا، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ. وَأَيْضًا فَفِي التَّعْيِيرِ ضَرْبٌ خَفِيٌّ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالْمُعَيَّرِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مَرْفُوعًا «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ» .
পৃষ্ঠা - ১৬৮
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: أَنَّ تَعْيِيرَكَ لِأَخِيكَ بِذَنْبِهِ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ ذَنْبِهِ وَأَشَدُّ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْلَةِ الطَّاعَةِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَشُكْرِهَا، وَالْمُنَادَاةِ عَلَيْهَا بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الذَّنْبِ، وَأَنَّ أَخَاكَ بَاءَ بِهِ، وَلَعَلَّ كَسْرَتَهُ بِذَنْبِهِ، وَمَا أَحْدَثَ لَهُ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ، وَالْإِزْرَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ مَرَضِ الدَّعْوَى، وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ، وَوُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ نَاكِسَ الرَّأْسِ، خَاشِعَ الطَّرْفِ، مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ أَنْفَعُ لَهُ، وَخَيْرٌ مِنْ صَوْلَةِ طَاعَتِكَ، وَتَكَثُّرِكَ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا، وَالْمِنَّةِ عَلَى اللَّهِ وَخَلْقِهِ بِهَا، فَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْعَاصِيَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ! وَمَا أَقْرَبَ هَذَا الْمُدِلَّ مِنْ مَقْتِ اللَّهِ، فَذَنْبٌ تَذِلُّ بِهِ لَدَيْهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ تُدِلُّ بِهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّكَ أَنْ تَبِيتَ نَائِمًا وَتُصْبِحَ نَادِمًا، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبِيتَ قَائِمًا وَتُصْبِحَ مُعْجَبًا، فَإِنَّ الْمُعْجَبَ لَا يَصْعَدُ لَهُ عَمَلٌ، وَإِنَّكَ إِنْ تَضْحَكْ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ، وَأَنِينُ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ الْمُدِلِّينَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَسْقَاهُ بِهَذَا الذَّنْبِ دَوَاءً اسْتَخْرَجَ بِهِ دَاءً قَاتِلًا هُوَ فِيكَ وَلَا تَشْعُرُ. فَلِلَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَسْرَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَلَا يُطَالِعُهَا إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ، فَيَعْرِفُونَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا تَنَالُهُ مَعَارِفُ الْبَشَرِ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ» أَيْ لَا يُعَيِّرْ، مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِإِخْوَتِهِ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] فَإِنَّ الْمِيزَانَ بِيَدِ اللَّهِ، وَالْحُكْمَ لِلَّهِ، فَالسَّوْطُ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ هَذَا الْعَاصِي بِيَدِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَالْقَصْدُ إِقَامَةُ الْحَدِّ لَا التَّعْيِيرُ وَالتَّثْرِيبُ، وَلَا يَأْمَنُ كَرَّاتِ الْقَدَرِ وَسَطْوَتَهُ إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ بِاللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَعْلَمِ الْخَلْقِ بِهِ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ وَسِيلَةً {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74] وَقَالَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33] وَكَانْتَ عَامَّةُ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» وَقَالَ: «مَا مِنْ