মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل الفناء ومهالكه

পৃষ্ঠা - ১৫২
لَمْ يَتَّسِعْ شُهُودُهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ، بَلْ إِنِ انْصَرَفَ شُهُودُهُ عَنْهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصٌ، وَإِنْ جَحَدَهَا - أَوْ شَيْئًا مِنْهَا - فَكُفْرٌ صَرِيحٌ أَوْ بِتَأْوِيلٍ، مِثْلَ أَنْ يَجْحَدَ تَفْرِقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، أَوْ جَمْعَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، أَوْ كَثْرَةَ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَوَحْدَةَ الذَّاتِ. فَلْيَتَدَبَّرِ اللَّبِيبُ السَّالِكُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّدَبُّرِ، وَلْيَعْرِفْ قَدْرَهُ، فَإِنَّهُ مَجَامِعُ طُرُقِ الْعَالَمِينَ، وَأَصْلُ تَفْرِقَتِهِمْ، قَدْ ضُبِطَتْ لَكَ مَعَاقِدُهُ، وَأُحْكِمَتْ لَكَ قَوَاعِدُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَذَا مَنِ اجْتَازَ الْقِفَارَ، وَاقْتَحَمَ الْبَحَّارَ، وَعَرَضَ لَهُ مَا يَعْرِضُ لِسَالِكِ الْقَفْرِ، وَرَاكِبِ الْبَحْرِ، وَمَنْ لَمْ يُسَافِرْ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ وَطَنِ طَبْعِهِ وَمَرْبَاهُ، وَمَا أَلِفَ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ زَمَانِهِ، فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا، فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ، وَكَفَى النَّاسَ شَرَّهُ، فَهَذَا يُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ، وَإِنْ عَدَا طَوْرَهُ، وَأَنْكَرَ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ، وَكَذَّبَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمًا، ثُمَّ تَجَاوَزَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ شُيُوخَهُ، وَيَرْضَى بِمَا رَضِيَ هُوَ بِهِ لِنَفْسِهِ، فَذَلِكَ الظَّالِمُ الْجَاهِلُ، الَّذِي مَا ضَرَّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا أَضَاعَ إِلَّا حَظَّهُ. [فَصْلٌ الْفَنَاءُ وَمَهَالِكُهُ] فَصْلٌ وَيَعْرِضُ لِلسَّالِكِ عَلَى دَرْبِ الْفَنَاءِ مَعَاطِبُ وَمَهَالِكُ، لَا يُنْجِيهِ مِنْهَا إِلَّا بَصِيرَةُ الْعِلْمِ، الَّتِي إِنْ صَحِبَتْهُ فِي سَيْرِهِ، وَإِلَّا فَبِسَبِيلِ مَنْ هَلَكَ. مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا اقْتَحَمَ عُقْبَةَ الْفَنَاءِ ظَنَّ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، لِتَشْوِيشِهِ عَلَى الْفَنَاءِ وَنَقْضِهِ لَهُ، وَالْفَنَاءُ عِنْدَهُ غَايَةُ الْعَارِفِينَ، وَنِهَايَةُ التَّوْحِيدِ، فَيَرَى تَرْكَ كُلِّ مَا أَبْطَلَهُ وَأَزَالَهُ، مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيُصَرِّحُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَمَّنْ شَهِدَ الْإِرَادَةَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَازِمَانِ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْمَغْرُورُ أَنَّ غَايَةَ مَا مَعَهُ الْفَنَاءُ فِي تَوْحِيدِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا بِهِ مُسْلِمِينَ الْبَتَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] وَقَالَ {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ - قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84 - 89] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
পৃষ্ঠা - ১৫৩
: تَسْأَلُهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَيَقُولُونَ: اللَّهُ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَمَنْ كَانَ هَذَا التَّوْحِيدُ وَالْفَنَاءُ غَايَةَ تَوْحِيدِهِ انْسَلَخَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَمِنْ جَمِيعِ رُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، إِذْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، وَلَا بَيْنَ مَحْبُوبِهِ وَمَبْغُوضِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ، وَسَوَّى بَيْنَ الْمُتَّقِينَ وَالْفُجَّارِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا الطَّاعَةُ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشِيئَةُ الْعَامَّةُ الشَّامِلَةُ. ثُمَّ صَاحَبُ هَذَا الْمَقَامِ يَظُنُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَالتَّوْحِيدِ، وَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ الْمِسْكِينُ إِلَى الْحَقِيقَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ أَجْمَعُونَ، وَكُلُّ كَافِرٍ وَمُشْرِكٍ وَفَاجِرٍ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ تَحْتَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ، فَغَايَةُ صَاحِبِ هَذَا الْمَشْهَدِ وُصُولُهُ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ اسْتِوَاءَ هَؤُلَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ الْأَبْرَارِ، وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَخَاصَّةِ عِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْفَرْقِ، وَالْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ ضَرُورَةٌ، فَيَنْسَلِخُ عَنِ الْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ النَّفْسِيِّ بِهَوَاهُ وَطَبْعِهِ، إِذْ لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ فَيَمِيلُ إِلَيْهِ، وَمَا يَضُرُّهُ فَيَهْرُبُ مِنْهُ، فَبَيْنَا هُوَ مُنْكِرٌ عَلَى أَهْلِ الْفِرْقِ الشَّرْعِيِّ نَاكِبًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ، إِذِ انْتَكَسَ وَارْتَكَسَ، وَعَادَ إِلَى الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ النَّفْسِيِّ، فَيُوَالِي وَيُعَادِي، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ، بِحَسَبِ هَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ. فَإِنَّ الْفَرْقَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِلْإِنْسَانِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَرْقُهُ قُرْآنِيًا مُحَمَّدِيًّا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَانُونٍ يُفَرِّقُ بِهِ: إِمَّا سِيَاسَةُ سَائِسٍ فَوْقَهُ، أَوْ ذَوْقٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ رَأْيٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يُفَرِّقُ فَرْقًا بَهِيمِيًّا حَيَوَانِيًّا بِحَسَبِ مُجَرَّدِ شَهْوَتِهِ وَغَرَضِهِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفْرِيقِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ. فَلْيَنْظُرِ الْعَبْدُ مَنِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ، وَلْيَزِنْ بِهِ إِيمَانَهُ قَبْلَ أَنْ يُوزَنَ، وَلْيُحَاسِبْ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ، وَلْيَسْتَبْدِلِ الذَّهَبَ بِالْخَزَفِ، وَالدُّرَّ بِالْبَعْرِ، وَالْمَاءَ الزُّلَالَ بِالسَّرَابِ الَّذِي {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجْعَةَ إِلَى دَارِ الصَّرْفِ، فَيُقَالُ: هَيْهَاتَ! الْيَوْمُ يَوْمُ الْوَفَاءِ، وَمَا مَضَى فَقَدْ فَاتَ، أُحْصِيَ الْمُسْتَخْرَجُ وَالْمَصْرُوفُ، وَسَتَعْلَمُ الْآنَ مَا مَعَكَ مِنَ النَّقْدِ الصَّحِيحِ وَالزُّيُوفِ. وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ صَائِحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ
পৃষ্ঠা - ১৫৪
الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، إِذَا تَنَاهَوْا فِي حَقِيقَتِهِمْ أَضَافُوا الْجَمِيعَ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى، وَجَعَلُوهَا عَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ، ضَاهَئُوا الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 35] وَقَوْلُهُمْ عَنْ آلِهَتِهِمْ {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20] وَقَوْلَهُ {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28] فَاحْتَجُّوا بِإِقْرَارِ اللَّهِ لَهُمْ قَدَرًا وَكَوْنًا عَلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَأَمْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا قَضَاءَهُ وَقَدَرَهُ عَيْنَ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ، وَوَرِثَهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بِالْفَرْقِ النَّبَوِيِّ الْقُرْآنِيِّ. وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ مُعَارِضِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَمَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَعَارَضُوا الْحَقِيقَةَ الدِّينِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ، وَوَرِثَهُمْ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أَبْطَلَتْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. وَظَنَّتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ إِثْبَاتَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ يُبْطِلُ الشَّرَائِعَ وَالنُّبُوَّاتِ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ احْتَجُّوا عَلَى بُطْلَانِهَا بِإِثْبَاتِهِ، فَجَعَلَتِ التَّكْذِيبَ بِهِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ، بَلْ أَعْظَمَ أُصُولِهِ، فَرَدَّتَ قَضَاءَ اللَّهِ وَقَدَرَهُ الشَّامِلَ الْعَامَّ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. فَانْظُرْ إِلَى اقْتِسَامِ الطَّوَائِفِ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَافْتِرَاقِهِمْ فِي مَفْرِقِ هَذَا الطَّرِيقِ عِلْمًا وَخَبَرًا، وَسُلُوكًا وَحَقِيقَةً، وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ الْخَلْقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، تَنْكَشِفْ لَكَ أَسْرَارُ الْعَالَمِينَ، وَتَعْلَمْ أَيْنَ أَنْتَ وَأَيْنَ مَقَامُكَ؟ وَتَعْرِفْ مَا جَنَى هَذَا الْجَمْعُ وَهَذَا الْفَنَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَا خَرَّبَ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأَرْكَانِ، وَتَتَحَقَّقْ حِينَئِذٍ أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ فُرْقَانٌ فِي الْقُرْآنِ، فَرْقٌ فِي جَمْعٍ، وَكَثْرَةٌ فِي وَحْدَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَأَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ أَصْحَابُ الْفَرْقِ فِي الْجَمْعِ، فَيَقُومُونَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُبْغِضُهُ، وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَيُوَالِيهِ وَيُعَادِيهِ، عِلْمًا وَشُهُودًا، وَإِرَادَةً وَعَمَلًا، مَعَ شُهُودِهِمُ الْجَمْعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ الْعَامَّةِ، فَيُؤْمِنُونَ بِالْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ، وَيُعْطُونَ كُلَّ حَقِيقَةٍ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ. فَحَظُّ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ الْقِيَامُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ، وَكَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ،
পৃষ্ঠা - ১৫৫
وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ الْحُبُّ فِيهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ. وَحَظُّ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ إِفْرَادُهُ بِالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ، وَإِفْرَادُهُ بِالسُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ، وَالتَّحَقُّقِ بِأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ سِوَاهُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وَأَنَّهُ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ، فَقُلُوبُهُمْ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ. فَلِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ عُبُودِيَّةٌ، وَلِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ عُبُودِيَّةٌ، وَلَا تُبْطِلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، بَلْ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَا، وَلَا تَتِمُّ الْعُبُودِيَّةُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] بِخِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ حَقِيقَةَ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " بِحَقِيقَةِ " {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] " وَقَالَ: إِنَّهَا جَمْعٌ، وَ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " فَرْقٌ، وَقَدْ يَغْلُو فِي هَذَا الْمَشْهَدِ فَلَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ قَبِيحَةً، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ قَبِيحَةً لِاسْتِبْصَارِهِ بِسِرِّ الْقَدَرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَقِيقَةُ هَذَا الْمَشْهَدِ أَنْ يَشْهَدَ الْوُجُودَ كُلَّهُ حَسَنًا لَا قَبِيحَ فِيهِ، وَأَفْعَالَهُمْ كُلَّهَا طَاعَاتٍ لَا مَعْصِيَةَ فِيهَا، لِأَنَّهُمْ - وَإِنْ عَصَوُا الْأَمْرَ - فَهُمْ مُطِيعُونَ الْمَشِيئَةَ، وَيَقُولُونَ: أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا تَخْتَارُهُ ... مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ: مَنْ شَهِدَ الْحَقِيقَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وَيُفَسِّرُونَ الْيَقِينَ بِشُهُودِ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ عِنْدَهُمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَامَّةَ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَصَحُّ إِيمَانًا، فَإِنَّ هَذَا زَنْدَقَةٌ وَنِفَاقٌ، وَكَذِبٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَإِلَهِهِمْ. أَمَّا كَذِبُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقُوا قَطْعًا، فَرَغِبُوا عَنِ الْفَرْقِ النَّبَوِيِّ وَالْقُرْآنِيِّ، وَوَقَعُوا فِي الْفَرْقِ النَّفْسِيِّ الطَّبْعِيِّ، مِثْلَ حَالِ إِبْلِيسَ، تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ لِفُسَّاقِ ذُرِّيَّتِهِ، وَمِثْلَ الْمُشْرِكِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ،
পৃষ্ঠা - ১৫৬
وَرَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِعِبَادَةِ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالْمَوْتَى وَالْأَوْثَانِ، وَمِثْلَ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكَبَّرُوا عَنْ تَقْلِيدِ النُّصُوصِ، وَتَلَقِّي الْهُدَى مِنْ مِشْكَاتِهَا، وَرَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِتَقْلِيدِ أَقْوَالٍ مُخَالِفَةٍ لِلْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ، وَظَنُّوهَا قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً، وَقَدَّمُوهَا عَلَى نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ شُبُهَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِلسَّمْعِ وَالْعَقْلِ. وَمِثْلَ الْجَهْمِيَّةِ نَزَّهُوا الرَّبَّ عَنْ عَرْشِهِ، وَجَعَلُوهُ فِي أَجْوَافِ الْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَمَّامَاتِ، وَقَالُوا: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ، وَنَزَّهُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ حَذَرًا - بِزَعْمِهِمْ - مِنَ التَّشْبِيهِ فَشَبَّهُوهُ بِالْجَامِدَاتِ النَّاقِصَةِ الْخَسِيسَةِ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ، وَلَا سَمْعَ لَهَا وَلَا بَصَرَ، وَلَا عِلْمَ وَلَا حَيَاةَ، بَلْ شَبَّهُوهُ بِالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْتَنِعِ وُجُودُهَا. وَمِثْلَ الْمُعَطَّلَةِ الَّذِينَ قَالُوا: مَا فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَّا الْعَدَمُ، وَلَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبٌّ يُعْبَدُ، وَلَا إِلَهٌ يُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدُ، وَلَا تَرْتَفِعُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ، وَلَا رَفَعَ الْمَسِيحُ إِلَيْهِ، وَلَا تَعَرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَلَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَلَا دُنِّيَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، وَلَا يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ فَوْقِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَعُلُوُّهُ فَوْقَ خَلْقِهِ بِالرُّتْبَةِ وَالشَّرَفِ لَا بِالذَّاتِ، وَكَذَلِكَ فَوَقِيَّتُهُ فَوْقِيَّةُ قَهْرٍ، لَا فَوْقِيَّةَ ذَاتٍ، فَنَزَّهُوهُ عَنْ كَمَالِ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ، وَوَصَفُوهُ بِمَا سَاوَوْا بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَمِ وَالْمُسْتَحِيلِ، فَقَالُوا: لَا هُوَ دَاخِلَ الْعَالَمِ، وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ، وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلَا مُحَايِثٌ لَهُ، وَلَا مُبَايِنٌ لَهُ، وَلَا هُوَ فِينَا، وَلَا خَارِجٌ عَنَّا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: صِفْ لَنَا الْعَدَمَ، لَوَصَفَهُ بِهَذَا بِعَيْنِهِ. وَانْطِبَاقُ هَذَا السَّلْبِ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ مِنِ انْطِبَاقِهِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، بَلْ هُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. وَالْقَصْدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَجَحَدَهُ، وَقَعَ فِي بَاطِلٍ مُقَابِلٍ لِمَا أَعْرَضَ عَنْهُ مِنَ الْحَقِّ وَجَحَدَهُ وَلَا بُدَّ، حَتَّى فِي الْأَعْمَالِ مَنْ رَغِبَ عَنِ الْعَمَلِ لِوَجْهِ اللَّهِ وَحْدَهُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْعَمَلِ لِوُجُوهِ الْخَلْقِ، فَرَغِبَ عَنِ الْعَمَلِ لِمَنْ ضَرُّهُ وَنَفْعُهُ وَمَوْتُهُ وَحَيَاتُهُ
পৃষ্ঠা - ১৫৭
وَسَعَادَتُهُ بِيَدِهِ، فَابْتُلِيَ بِالْعَمَلِ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنْ إِنْفَاقِ مَالِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ابْتُلِيَ بِإِنْفَاقِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ رَاغِمٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنِ التَّعَبِ لِلَّهِ ابْتُلِيَ بِالتَّعَبِ فِي خِدْمَةِ الْخَلْقِ وَلَا بُدَّ. وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنِ الْهَدْيِ بِالْوَحْيِ، ابْتُلِيَ بِكُنَاسَةِ الْآرَاءِ وَزِبَالَةِ الْأَذْهَانِ، وَوَسَخِ الْأَفْكَارِ. فَلْيَتَأَمَّلْ مَنْ يُرِيدُ نُصْحَ نَفْسِهِ وَسَعَادَتَهَا وَفَلَاحَهَا هَذَا الْمَوْضِعَ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَامَّةَ - مَعَ غَفْلَتِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ - أَصَحُّ إِيمَانًا مِنْ هَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يُعَطِّلُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، فَإِنَّ إِيمَانًا مَعَ تَفْرِقَةٍ وَغَفْلَةٍ، خَيْرٌ مِنْ شُهُودٍ وَجَمْعِيَّةٍ يَصْحَبُهَا فَسَادُ الْإِيمَانِ وَالِانْسِلَاخُ مِنْهُ. وَأَمَّا كَذِبُهُمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ فَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قِيَامُهُ بِالْأَوْرَادِ وَالْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ، لَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، إِذْ قَدْ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ بِشُهُودِ الْحَقِيقَةِ وَكَمَالِ الْيَقِينِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ وَأَمَرَ سَائِرَ رُسُلِهِ بِعِبَادَتِهِ إِلَى حِينِ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ، فَقَالَ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وَهُوَ الْمَوْتُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَنِ الْكُفَّارِ {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 46] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ» قَالَهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ، وَقَالَ الْمَسِيحُ {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30] فَهَذِهِ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْمَسِيحِ، وَكَذَلِكَ لِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ. وَإِذَا جَمَعَ هَؤُلَاءِ التَّجَهُّمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إِلَى شُهُودِ الْحَقِيقَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا، فَأَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ تَعْطِيلِ الرَّبِّ وَشَرْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا رَبَّ يُعْبَدُ، وَلَا شَرْعَ يُتَّبَعُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَا ذَكَرْنَا فَلْيُسَيِّرْ طَرْفَهُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ، وَلْيَقِفْ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاهِدِ، وَلْيَسْأَلِ الْأَحْوَالَ وَالرُّسُومَ وَالشَّوَاهِدَ، فَإِنْ لَمْ تَجُبْهُ حِوَارًا، أَجَابَتْهُ حَالًا
পৃষ্ঠা - ১৫৮
وَاعْتِبَارًا، وَإِنَّمَا يُصَدِّقُ بِهَذَا مَنْ رَافَقَ السَّالِكِينَ، وَفَارَقَ الْقَاعِدِينَ وَتَبَوَّأَ الْإِيمَانَ، وَفَارَقَ عَوَائِدَ أَهْلِ الزَّمَانِ، وَلَمْ يَرْضَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: دَعِ الْمَعَالِي لَا تَنْهَضْ لِبُغْيَتِهَا ... وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ دَرَجَاتِ الْفَنَاءِ: فَنَاءُ خَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ وَأَئِمَّةِ الْمُقَرَّبِينَ وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ إِرَادَةِ السِّوَى، شَائِمًا بِرِقِّ الْفِنَاءِ عَنْ إِرَادَةِ مَا سِوَاهُ، سَالِكًا سَبِيلَ الْجَمْعِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، فَانِيًا بِمُرَادِ مَحْبُوبِهِ مِنْهُ عَنْ مُرَادِهِ هُوَ مِنْ مَحْبُوبِهِ، فَضْلًا عَنْ إِرَادَةِ غَيْرِهِ، قَدِ اتَّحَدَ مُرَادُهُ بِمُرَادِ مَحْبُوبِهِ - أَعْنِي الْمُرَادَ الدِّينِيَّ الْأَمْرِيَّ، لَا الْمُرَادَ الْكَوْنِيَّ الْقَدَرِيَّ - فَصَارَ الْمُرَادَانِ وَاحِدًا. وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ اتِّحَادٌ صَحِيحٌ إِلَّا هَذَا، وَالِاتِّحَادُ فِي الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ، فَيَكُونُ الْمُرَادَانِ وَالْمَعْلُومَانِ وَالْمَذْكُورَانِ وَاحِدًا، مَعَ تَبَايُنِ الْإِرَادَتَيْنِ وَالْعِلْمَيْنِ وَالْخَبَرَيْنِ، فَغَايَةُ الْمَحَبَّةِ اتِّحَادُ مُرَادِ الْمُحِبِّ بِمُرَادِ الْمَحْبُوبِ، وَفَنَاءُ إِرَادَةِ الْمُحِبِّ فِي مُرَادِ الْمَحْبُوبِ. فَهَذَا الِاتِّحَادُ وَالْفَنَاءُ هُوَ اتِّحَادُ خَوَاصِّ الْمُحِبِّينَ وَفَنَاؤُهُمْ، فَنَوْا بِعِبَادَةِ مَحْبُوبِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِحُبِّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالطَّلَبِ مِنْهُ، عَنْ حُبِّ مَا سِوَاهُ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ. وَمِنْ تَحْقِيقِ هَذَا الْفَنَاءِ: أَنْ لَا يُحِبَّ إِلَّا فِي اللَّهِ وَلَا يُبْغِضَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُوَالِيَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُعَادِيَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُعْطِيَ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَمْنَعَ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَرْجُوَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَسْتَعِينَ إِلَّا بِهِ، فَيَكُونُ دِينُهُ كُلُّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلَّهِ، وَيَكُونُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، فَلَا يُوَادُّ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، بَلْ: يُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ فَنَاؤُهُ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ وَحُظُوظِهَا بِمِرَاضِي رَبِّهِ وَحُقُوقِهِ. وَالْجَامِعُ لِهَذَا كُلِّهِ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَعَمَلًا وَحَالًا وَقَصْدًا. وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ هُوَ الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ، فَيَفْنَى عَنْ تَأْلِيهِ مَا سِوَاهُ عِلْمًا وَإِقْرَارًا وَتَعَبُّدًا، وَيَبْقَى بِتَأْلِيهِهِ وَحْدَهُ.
পৃষ্ঠা - ১৫৯
فَهَذَا الْفَنَاءُ وَهَذَا الْبَقَاءُ هُوَ حَقِيقَةُ التَّوَحُّدِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُرْسَلُونَ، وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهِ الْخَلِيقَةُ، وَشُرِعَتْ لَهُ الشَّرَائِعُ، وَقَامَ عَلَيْهِ سُوقُ الْجَنَّةِ، وَأُسِّسَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. وَحَقِيقَتُهُ أَيْضًا الْبَرَاءُ وَالْوَلَاءُ، الْبَرَاءُ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَالْوَلَاءُ لِلَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4] وَقَالَ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26 - 27] وَقَالَ أَيْضًا {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} [الأنعام: 78 - 79] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1 - 2] إِلَى آخِرِهَا، وَهَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنْهُمْ وَمِنْ مَعْبُودِهِمْ وَسَمَّاهَا بَرَاءَةً مِنَ الشِّرْكِ. وَهِيَ حَقِيقَةُ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، فَيَمْحُو مَحَبَّةَ مَا سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَلْبِهِ، عِلْمًا وَقَصْدًا وَعِبَادَةً، كَمَا هِيَ مَمْحُوَّةٌ مِنَ الْوُجُودِ، وَيُثْبِتُ فِيهِ إِلَهِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ. وَهِيَ حَقِيقَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِلَهِ الْحَقِّ وَبَيْنَ مَنِ ادُّعِيَتْ لَهُ الْإِلَهِيَّةُ بِالْبَاطِلِ، وَيَجْمَعُ تَأْلِيهَهُ وَعِبَادَتَهُ وَحُبَّهُ وَخَوْفَهُ وَرَجَاءَهُ وَتَوَكُّلَهُ وَاسْتِعَانَتَهُ عَلَى إِلَهِهِ الْحَقِّ الَّذِي لَا إِلَهَ سِوَاهُ. وَهِيَ حَقِيقَةُ التَّجْرِيدِ وَالتَّفْرِيدِ، فَيَتَجَرَّدُ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَيُفْرِدُهُ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ، فَالتَّجْرِيدُ نَفْيٌ، وَالتَّفْرِيدُ إِثْبَاتٌ، وَمَجْمُوعُهُمَا هُوَ التَّوْحِيدُ. فَهَذَا الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ، وَالْوَلَاءُ وَالْبَرَاءُ، وَالْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ، وَالْجَمْعُ وَالتَّجْرِيدُ، وَالتَّفْرِيدُ الْمُتَعَلِّقُ بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ هُوَ النَّافِعُ الْمُثْمِرُ، الْمُنَجِّي، الَّذِي بِهِ تُنَالُ السَّعَادَةُ وَالْفَلَاحُ. وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ - الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ - فَغَايَتُهُ فَنَاءٌ فِي تَحْقِيقِ تَوْحِيدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، لَا يَصِيرُ بِهِ وَحْدَهُ الرَّجُلُ مُسْلِمًا، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ عَارِفًا مُحَقِّقًا. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ الشُّيُوخِ، وَأَصْحَابِ الْإِرَادَةِ مِمَّنْ غَلُظَ