মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

مراد الفناء

পৃষ্ঠা - ১৪১
وَالِاتِّحَادِيُّ يَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُوَحَّدَ وَاحِدٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَأَبْطَلَ بِبَسَاطَةِ ذَاتِهِ تَرْكِيبَ نُطْقِ وَاصِفِهِ، وَأَبْطَلَ بِإِطْلَاقِهِ تَقْيِيدَ نَعْتِ مُوَحِّدِهِ. وَقَوْلُهُ " تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ " يَعْنِي أَنَّ تَوْحِيدَهُ الْحَقِيقِيَّ هُوَ تَوْحِيدُهُ لِنَفْسِهِ، حَيْثُ لَا هُنَاكَ رَسْمٌ وَلَا مُكَوَّنٌ، فَمَا وَحَدَّ اللَّهَ حَقِيقَةً إِلَّا اللَّهُ. وَالِاتِّحَادِيُّ يَقُولُ: مَا ثَمَّ غَيْرٌ يُوَحِّدُهُ، بَلْ هُوَ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، إِذْ لَيْسَ ثَمَّ سِوًى فِي الْحَقِيقَةِ. قَوْلُهُ " وَنَعَتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لَاحِدٌ " أَيْ نَعْتُ النَّاعِتِ لَهُ مَيْلٌ وَخُرُوجٌ عَنِ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْإِلْحَادُ أَصْلُهُ الْمَيْلُ، لِأَنَّهُ بِنَعْتِهِ لَهُ قَائِمٌ بِالرُّسُومِ، وَبَقَاءُ الرُّسُومِ يُنَافِي تَوْحِيدَهُ الْحَقِيقِيَّ. وَالِاتِّحَادِيُّ يَقُولُ: نَعْتُ النَّاعِتِ لَهُ شِرْكٌ، لِأَنَّهُ أَسْنَدَ إِلَى الْمُطْلَقِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ إِسْنَادُهُ مِنَ التَّقْيِيدِ، وَذَلِكَ شِرْكٌ وَإِلْحَادٌ. فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي إِسْمَاعِيلَ، فَتَحَ لِلزَّنَادِقَةِ بَابَ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ، فَدَخَلُوا مِنْهُ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ: إِنَّهُ لَمِنْهُمْ، وَمَا هُوَ مِنْهُمْ، وَغَرَّهُ سَرَابُ الْفَنَاءِ، فَظَنَّ أَنَّهُ لُجَّةُ بَحْرِ الْمَعْرِفَةِ، وَغَايَةُ الْعَارِفِينَ، وَبَالَغَ فِي تَحْقِيقِهِ وَإِثْبَاتِهِ، فَقَادَهُ قَسْرًا إِلَى مَا تَرَى. الْفَنَاءُ [مُرَادُ الْفَنَاءِ] الفَنَاءُ " وَالْفَنَاءُ " الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ الْقَوْمُ، وَيَعْمَلُونَ عَلَيْهِ: أَنْ تَذْهَبَ الْمُحْدَثَاتُ فِي شُهُودِ
পৃষ্ঠা - ১৪২
الْعَبْدِ، وَتَغِيبَ فِي أُفُقِ الْعَدَمِ، كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ، وَيَبْقَى الْحَقُّ تَعَالَى كَمَا لَمْ يَزَلْ، ثُمَّ تَغِيبُ صُورَةُ الْمُشَاهَدِ وَرَسْمُهُ أيْضًا، فَلَا يَبْقَى لَهُ صُورَةٌ وَلَا رَسْمٌ، ثُمَّ يَغِيبُ شُهُودُهُ أيْضًا، فَلَا يَبْقَى لَهُ شُهُودٌ، وَيَصِيرُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يُشَاهِدُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ قَبْلَ إِيجَادِ الْمُكَوَّنَاتِ، وَحَقِيقَتُهُ: أَنْ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ. قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: هُوَ اضْمِحْلَالُ مَا دُونَ الْحَقِّ عِلْمًا، ثُمَّ جَحْدًا، ثُمَّ حَقًّا، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: فَنَاءُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْفَنَاءُ عِلْمًا، وَفَنَاءُ الْعِيَانِ فِي الْمُعَايِنِ، وَهُوَ الْفَنَاءُ جَحْدًا، وَفَنَاءُ الطَّلَبِ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ الْفَنَاءُ حَقًّا. الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فَنَاءُ شُهُودِ الطَّلَبِ لِإِسْقَاطِهِ، وَفَنَاءُ شُهُودِ الْمَعْرِفَةِ لِإِسْقَاطِهَا، وَفَنَاءُ شُهُودِ الْعِيَانِ لِإِسْقَاطِهِ. الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ الْفَنَاءِ، وَهُوَ الْفَنَاءُ حَقًّا، شَائِمًا بَرْقَ الْعَيْنِ، رَاكِبًا بَحْرَ الْجَمْعِ، سَالِكًا سَبِيلَ الْبَقَاءِ. فَنَذْكُرُ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، ثُمَّ نُتْبِعُهُ ذِكْرَ أَقْسَامِ الْفَنَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَنَاءِ الْمَحْمُودِ، الَّذِي هُوَ فَنَاءُ خَاصَّةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالْفِنَاءِ الْمَذْمُومِ الَّذِي هُوَ فَنَاءُ أَهْلِ الْإِلْحَادِ، الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَفَنَاءِ الْمُتَوَسِّطِينَ الْنَاقِصِينَ عَنْ دَرَجَةِ الْكَمَالِ، بِعَوْنِ اللَّهِ وَحَوْلِهِ وَتَأْيِيدِهِ. فَقَوْلُهُ: الْفَنَاءُ اضْمِحْلَالُ مَا دُونُ الْحَقِّ جَحْدًا، لَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يُعْدَمُ مِنَ الْوُجُودِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ اضْمِحْلَالَهُ فِي الْعِلْمِ، فَيَعْلَمَ أَنَّ مَا دُونَهُ بَاطِلٌ، وَأَنَّ وُجُودَهُ بَيْنَ
পৃষ্ঠা - ১৪৩
عَدَمَيْنِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إِلَّا الْعَدَمُ، فَعَدَمُهُ بِالذَّاتِ، وَوُجُودُهُ بِإِيجَادِ الْحَقِّ لَهُ، فَيَفْنَى فِي عِلْمِهِ، كَمَا كَانَ فَانِيًا فِي حَالِ عَدَمِهِ، فَإِذَا فَنِيَ فِي عِلْمِهِ ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةٍ أُخْرَى فَوْقَ ذَلِكَ، وَهِيَ جَحْدُ السِّوَى وَإِنْكَارُهُ، وَهَذِهِ أَبْلَغُ مِنَ الْأُولَى، لِأَنَّهَا غَيَّبَتْهُ عَنِ السِّوَى، فَقَدْ يَغِيبُ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ جَاحِدٍ لَهُ، وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ جَحْدُهُ وَإِنْكَارُهُ. وَمِنْ هَاهُنَا دَخَلَ الِاتِّحَادِيُّ، وَقَالَ: الْمُرَادُ جَحْدُ السِّوَى بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرٌ بِوَجْهٍ مَا. وَحَاشَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ مِنْ إِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ مُوهِمَةً، بَلْ مُفْهِمَةٌ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْجَحْدِ فِي الشُّهُودِ، لَا فِي الْوُجُودِ، أَيْ يَجْحَدُهُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا، فَيَجْحَدَ وُجُودَهُ الشُّهُودِيَّ الْعِلْمِيَّ، لَا وُجُودَهُ الْعَيْنِيَّ الْخَارِجِيَّ، فَهُوَ أوْلًا يَغِيبُ عَنْ وُجُودِهِ الشُّهُودِيِّ الْعِلْمِيِّ، ثُمَّ يُنْكِرُ ثَانِيًا وَجُودَهُ فِي عِلْمِهِ، وَهُوَ اضْمِحْلَالُهُ جَحْدًا، ثُمَّ يَرْتَقِي مِنْ هَذِهِ الدَّرَجَةِ إِلَى دَرَجَةٍ أُخْرَى أَبْلَغَ مِنْهَا، وَهِيَ اضْمِحْلَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا وُجُودُهُ قَائِمٌ بِوُجُودِ الْحَقِّ، فَلَوْلَا وُجُودُ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَوْجُودًا، فَفِي الْحَقِيقَةِ: الْمَوْجُودُ إِنَّمَا هُوَ الْحَقُّ وَحْدَهُ، وَالْكَائِنَاتُ مِنْ أَثَرِ وَجُودِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ " إِنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا وَلَا أَثَرَ لَهَا، وَإِنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَفَانِيَةٌ وَمُضْمَحِلَّةٌ ". وَالِاتِّحَادِيُّ يَقُولُ: إِنَّ السَّالِكَ فِي أَوَّلِ سُلُوكِهِ يَرَى أَنَّهُ لَا فَاعِلَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ، فَهَذَا تَوْحِيدُ الْعِلْمِ، وَلَا يَقْدِرُ فِي طَوْرِهِ الْأَوَّلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْ هَذَا إِلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ شُهُودُ عَوْدِ الْأَفْعَالِ إِلَى الصِّفَاتِ، وَالصِّفَاتِ إِلَى الذَّاتِ، فَعَادَ الْأَمْرُ كُلُّهُ إِلَى الذَّاتِ، فَيَجْحَدُ وُجُودَ السِّوَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَهَذَا هُوَ الِاضْمِحْلَالُ جَحْدًا، ثُمَّ يَرْتَقِي عَنْ هَذِهِ الدَّرَجَةِ إِلَى رُكُوبِ الْبَحْرِ الَّذِي تَغْرَقُ فِيهِ الْأَفْعَالُ وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا أَمْرٌ مُطْلَقٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِاسْمٍ وَلَا فِعْلٍ وَلَا صِفَةٍ، قَدِ اضْمَحَلَّ فِيهِ كُلُّ مَعْنًى وَقَيْدٍ وَصِفَةٍ وَرَسْمٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ غَايَةُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ، فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ فِي السَّفَرِ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَقَاءُ.
পৃষ্ঠা - ১৪৪
قَوْلُهُ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: فَنَاءُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْرُوفِ. يُرِيدُ اضْمِحْلَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَلَاشِيهَا فِي مَعْرُوفِهِ، وَأَنْ يَغِيبَ بِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، كَمَا يَغِيبُ بِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ، وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَبِمَحْبُوبِهِ عَنْ حُبِّهِ، وَبِمُخَوِّفِهِ عَنْ خَوْفِهِ، وَهَذَا لَا رَيْبَ فِي إِمْكَانِهِ وَوُقُوعِهِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا امْتَلَأَ بِشَيْءٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهِ، وَأَنْتَ تَرَى الرَّجُلَ يُشَاهِدُ مَحْبُوبَهُ الَّذِي قَدِ اسْتَغْرَقَ فِي حُبِّهِ، بِحَيْثُ تَخَلَّلَ حُبُّهُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ قَلْبِهِ، أَوْ يُشَاهِدُ الْمُخَوِّفَ الَّذِي امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِخَوْفِهِ، فَتَرَاهُ دَهِشًا عَنْ شُعُورِهِ بِحُبِّهِ أَوْ خَوْفِهِ، لِاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْمَحْبُوبِ أَوِ الْمُخَوِّفِ عَلَى قَلْبِهِ، وَعَدَمِ اتِّسَاعِهِ لِشُهُودِ غَيْرِهِ الْبَتَّةَ، لَكِنَّ هَذَا لِنَقْصِهِ لَا لِكَمَالِهِ، وَالْكَمَالُ وَرَاءَ ذَلِكَ، فَلَا أَحَدَ أَعْظَمُ مَحَبَّةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْخَلِيلَيْنِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَانَتْ حَالُهُمَا أَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَشُهُودُ الْعُبُودِيَّةِ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ وَأَبْلَغُ مِنَ الْغَيْبَةِ عَنْهَا بِشُهُودِ الْمَعْبُودِ، فَشُهُودُ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَعْبُودِ دَرَجَةُ الْكُمَّلِ، وَالْغَيْبَةُ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ لِلنَّاقِصِينَ، فَكَمَا أَنَّ الْغَيْبَةَ بِالْعِبَادَةِ عَنِ الْمَعْبُودِ نَقْصٌ، فَكَذَلِكَ الْغَيْبَةُ بِالْمَعْبُودِ عَنْ عِبَادَتِهِ نَقْصٌ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْعَارِفِينَ مَنْ لَا يَعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَيَرَى وُجُودَهَا عَدَمًا، وَيَقُولُ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ عُبُودِيَّةِ النَّائِمِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ، لَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَلَمْ يُبْعِدْ هَذَا الْقَائِلُ. فَالْحَقُّ تَعَالَى مُرَادُهُ مِنْ عَبْدِهِ اسْتِحْضَارُ عُبُودِيَّتِهِ، لَا الْغَيْبَةُ عَنْهَا، وَالْعَامِلُ عَلَى الْغَيْبَةِ عَنْهَا عَامِلٌ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ اللَّهِ، وَعَلَى حَظِّهِ وَالتَّنَعُّمِ بِالْفَنَاءِ فِي شُهُودِهِ، لَا عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا مَا بَيْنَهُمَا. فَكَيْفَ يَكُونُ قَائِمًا بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ مَنْ يَقُولُ " إِيَّاكَ نَعْبُدُ " وَلَا شُعُورَ لَهُ بِعُبُودِيَّتِهِ الْبَتَّةَ؟ بَلْ حَقِيقَةُ " إِيَّاكَ نَعْبُدُ " عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَقَصْدًا وَإِرَادَةً وَعَمَلًا، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي وَادِي الْفَنَاءِ، وَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ يَعْرِفُ هَذَا وَهَذَا. قَوْلُهُ: وَفَنَاءُ الْعِيَانِ فِي الْمُعَايَنِ، وَهُوَ الْفَنَاءُ جَحْدًا. لَمَّا كَانَ مَا قَبْلَ هَذَا فَنَاءَ الْعِلْمِ فِي الْمَعْلُومِ، وَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَالْعِيَانُ فَوْقَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، إِذْ نِسْبَتُهُ إِلَى الْعِلْمِ كَنِسْبَةِ الْمَرْئِيِّ إِلَيْهِ كَانَ الْفَنَاءُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَنَاءَ عِيَانِهِ فِي مُعَايَنِهِ، وَمَحْوَ أَثَرِهِ وَاضْمِحْلَالَ رَسْمِهِ. قَوْلُهُ: وَفَنَاءُ الطَّلَبِ فِي الْمَوْجُودِ وَهُوَ الْفَنَاءُ حَقًّا. يُرِيدُ: أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِ هَذَا الْعِيَانِ طَلَبٌ، لِأَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِمَوْجُودِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَطَلَبُ الْمَوْجُودِ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَطْلُبُ الْمَفْقُودَ عَنِ الْعِيَانِ لَا الْمَوْجُودَ، فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي عِيَانِهِ وَشُهُودِهِ فَنِيَ الطَّلَبُ حَقًّا.
পৃষ্ঠা - ১৪৫
قَوْلُهُ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فَنَاءُ شُهُودِ الطَّلَبِ لِإِسْقَاطِهِ، وَفَنَاءُ شُهُودِ الْمَعْرِفَةِ لِإِسْقَاطِهَا، وَفَنَاءُ شُهُودِ الْعِيَانِ لِإِسْقَاطِهِ. يُرِيدُ أَنَّ الطَّلَبَ يَسْقُطُ، فَيَشْهَدُ الْعَبْدُ عَدَمَهُ، فَهَاهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ أَحَدُهَا: فَنَاءُ الطَّلَبِ وَسُقُوطُهُ، ثُمَّ شُهُودُ سُقُوطِهِ، ثُمَّ سُقُوطُ شُهُودِهِ. فَهَذَا هُوَ فَنَاءُ شُهُودِ الطَّلَبِ لِإِسْقَاطِهِ. وَأَمَّا فَنَاءُ شُهُودِ الْمَعْرِفَةِ لِإِسْقَاطِهَا، فَيُرِيدُ بِهِ: أَنَّ الْمَعْرِفَةَ تُسْقِطُهُ فِي شُهُودِ الْعِيَانِ، إِذْ هُوَ فَوْقَهَا، وَهِيَ تَفْنَى فِيهِ، فَيَشْهَدُ سُقُوطَهَا فِي الْعِيَانِ، ثُمَّ يَسْقُطُ شُهُودُ سُقُوطِهَا. وَصَاحِبُ الْمَنَازِلِ يَرَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ قَدْ يَصْحَبُهَا شَيْءٌ مِنْ حِجَابِ الْعِلْمِ، وَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْحِجَابُ إِلَّا بِالْعِيَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْنَى فِي حَقِّهِ الْمَعَارِفُ، فَيَشْهَدُ فَنَاءَهَا وَسُقُوطَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَعْدُ بَقِيَّةٌ، لَا تَزُولُ عَنْهُ حَتَّى يَسْقُطَ شُهُودُ فَنَائِهَا وَسُقُوطِهَا مِنْهُ، فَالْعَارِفُ يُخَالِطُهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْعِلْمِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْمُعَايِنُ قَدْ يُخَالِطُهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِشُهُودِ سُقُوطِهَا، ثُمَّ سُقُوطِ شُهُودِ هَذَا السُّقُوطَ. وَأَمَّا فَنَاءُ شُهُودِ الْعِيَانِ لِإِسْقَاطِهِ، فَيَعْنِي أَنَّ الْعِيَانَ أيْضًا يَسْقُطُ فَيُشْهَدُ الْعَبْدُ سَاقِطًا، فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمُعَايَنُ وَحْدَهُ. قَالَ الِاتِّحَادِيُّ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ يَرَى مَذْهَبَ أَهْلِ الْوَحْدَةِ، لِأَنَّ الْعِيَانَ إِنَّمَا يَسْقُطُ فِي مَبَادِئِ حَضْرَةِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: مُعَايَنٌ، وَمُعَايِنٌ، وَمُعَايَنَةٌ، وَحَضْرَةُ الْجَمْعِ تَنْفِي التِّعْدَادِ. وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: فَنَاءُ شُهُودِ الْعِيَانِ، فَيَفْنَى عَنْ
পৃষ্ঠা - ১৪৬
مُشَاهَدَةِ الْمُعَايَنَةِ، وَيَغِيبُ بِمُعَايِنِهِ عَنْ مُعَايَنَتِهِ، لِأَنَّ مُرَادَهُ انْتِفَاءُ التَّعَدُّدِ، وَالتَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُعَايَنِ وَالْمُعَايِنِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: انْتِفَاءُ الْحَاجِبِ عَنْ دَرَجَةِ الشُّهُودِ، لَا عَنْ حَقِيقَةِ الْوُجُودِ، وَلَكِنَّهُ بَابٌ لِإِلْحَادِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ، مِنْهُ يَدْخُلُونَ. وَفَرْقٌ بَيْنَ إِسْقَاطِ الشَّيْءِ عَنْ دَرَجَةِ الْوُجُودِ الْعِلْمِيِّ الشُّهُودِيِّ، وَإِسْقَاطِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ الْعَيْنِيِّ، فَشَيْخُ الْإِسْلَامِ بَلْ مَشَايِخُ الْقَوْمِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِلِسَانِ الْفَنَاءِ هَذَا مُرَادُهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْوَحْدَةِ، فَمُرَادُهُمْ: أَنَّ حَضْرَةَ الْجَمْعِ وَالْوَحْدَةِ تَنْفِي التَّعَدُّدَ وَالتَّقْيِيدَ فِي الشُّهُودِ وَالْوُجُودِ، بِحَيْثُ يَبْقَى الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْرِفَةُ وَالْعَارِفُ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، لَا بَلْ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ وَالْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ حُجُبٌ، بَعْضُهَا أَغْلَظُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَصِيرُ السَّالِكُ عِنْدَهُمْ مُحَقِّقًا حَتَّى يَخْرِقَ حِجَابَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْعَقْلِ، فَحِينَئِذٍ يُفْضِي إِلَى مَا وَرَاءَ الْحِجَابِ مِنْ شُهُودِ الْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تَتَقَيَّدُ بِقَيْدٍ، وَلَا تَخْتَصُّ بِوَصْفٍ. قَوْلُهُ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ الْفَنَاءِ. أَيْ يَشْهَدُ فَنَاءَ كُلِّ مَا سِوَى الْحَقِّ تَعَالَى فِي وُجُودِ الْحَقِّ، ثُمَّ يَشْهَدُ الْفَنَاءَ قَدْ فَنِيَ أيْضًا، ثُمَّ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ الْفَنَاءِ، فَذَلِكَ هُوَ الْفَنَاءُ حَقًّا. وَقَوْلُهُ: شَائِمًا بَرْقَ الْعَيْنِ. يَعْنِي نَاظِرًا إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ، فَإِذَا شَامَ بَرْقَهُ مِنْ بُعْدٍ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى رُكُوبِ لُجَّةِ بِحْرِ الْجَمْعِ، وَرُكُوبُهُ إِيَّاهَا هُوَ فَنَاؤُهُ فِي جَمْعِهِ. وَيَعْنِي بِالْجَمْعِ: الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا جَمِيعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَتَشْمِيرُ الْقَوْمِ إِلَى شُهُودِهَا وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالْفَنَاءِ فِيهَا هُوَ غَايَةُ السُّلُوكِ وَالْمَعْرِفَةِ عِنْدَهُمْ. وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَدْخُلُ بِهَذَا الْفَنَاءِ وَالشُّهُودِ فِي الْإِسْلَامِ،