فصل في منازل إياك نعبد
فصل الوجود
فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১৩৫৩
وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا بِشَيْءٍ، وَلَا فَعَلَ شَيْئًا لِأَجْلِ شَيْءٍ.
فَهَذَا غَايَةُ تَوْحِيدِهِمُ الَّذِي يَحُومُونَ حَوْلَهُ، وَيُبَالِغُونَ فِي تَقْرِيرِهِ.
فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَضْحَكُوا عَلَيْهِمُ الْعُقَلَاءَ، وَأَشْمَتُوا بِهِمُ الْأَعْدَاءِ، وَنَهَجُوا لِأَعْدَاءِ الرُّسُلِ طَرِيقَ إِسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِمْ، وَجَنَوْا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ أَعْظَمَ جِنَايَةٍ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، الْمُوَكَّلُونَ بِكَسْرِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَعْدَاءِ الرُّسُلِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ كَسَرُوا الدِّينَ وَسَلَّطُوا عَلَيْهِ الْمُبْطِلِينَ، وَقَدْ قِيلَ: إِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْجَاهِلِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ.
فَقِفْ مَعَ الْأَسْبَابِ حَيْثُ أُمِرْتَ بِالْوُقُوفِ مَعَهَا، وَفَارِقْهَا حَيْثُ أُمِرْتَ بِمُفَارَقَتِهَا، كَمَا فَارَقَهَا الْخَلِيلُ وَهُوَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مِنَ الْمَنْجَنِيقِ، حَيْثُ عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا.
وَدُرْ مَعَهَا حَيْثُ دَارَتْ، نَاظِرًا إِلَى مَنْ أَزِمَّتُهَا بِيَدَيْهِ، وَالْتَفَتَ إِلَيْهَا الْتِفَاتَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ إِلَى تَنْفِيذِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَالتَّحْدِيقِ نَحْوَهُ، وَارْعَهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَلَا تَغِبْ عَنْهَا وَلَا تَفْنَ عَنْهَا، بَلِ انْظُرْ إِلَيْهَا وَهِيَ فِي رُتْبَتِهَا الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ إِيَّاهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ غَيْبَتَكَ بِمُسَبِّبِهَا عَنْهَا نَقْصٌ فِي عُبُودِيَّتِكَ، بَلِ الْكَمَالُ: أَنَّ تَشْهَدَ الْمَعْبُودَ، وَتَشْهَدَ قِيَامَكَ بِعُبُودِيَّتِهِ، وَتَشْهَدَ أَنَّ قِيَامَكَ بِهِ لَا بِكَ، وَمِنْهُ لَا مِنْكَ، وَبِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ لَا بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَمَتَى خَرَجْتَ عَنْ ذَلِكَ وَقَعْتَ فِي انْحِرَافَيْنِ، لَابُدَّ لَكَ مِنْ أَحَدِهِمَا: إِمَّا أَنْ تَغِيبَ بِهَا عَنِ الْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ، لِضَعْفِ نَظَرِكَ وَغَفْلَتِكَ، وَقُصُورِ عِلْمِكَ وَمَعْرِفَتِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَغِيبَ بِالْمَقْصُودِ عَنْهَا، بِحَيْثُ لَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهَا.
وَالْكَمَالُ: أَنْ يُسَلِّمَكَ اللَّهُ مِنَ الِانْحِرَافَيْنِ، فَتَبْقَى عَبْدًا مُلَاحِظًا لِلْعُبُودِيَّةِ، نَاظِرًا إِلَى الْمَعْبُودِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
[فَصْلٌ الْوُجُودُ]
[حَقِيقَةُ الْوُجُودِ]
فَصْلٌ الْوُجُودُ
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: " (بَابُ الْوُجُودِ) أَطْلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْقُرْآنِ اسْمَ الْوُجُودِ عَلَى نَفْسِهِ صَرِيحًا فِي مَوَاضِعَ، فَقَالَ تَعَالَى {يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا - لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 110 - 64]
পৃষ্ঠা - ১৩৫৪
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} [النور: 39] الْوُجُودُ: الظَّفَرُ بِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ، وَهُوَ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا: وُجُودُ عِلْمٍ لَدُنِّيِّ، يَقْطَعُ عُلُومَ الشَّوَاهِدِ فِي صِحَّةِ مُكَاشَفَةِ الْحَقِّ إِيَّاكَ، وَالثَّانِي: وُجُودُ الْحَقِّ وُجُودَ عَيْنٍ مُنْقَطِعًا عَنْ مَسَاغِ الْإِشَارَةِ، وَالثَّالِثُ: وُجُودُ مَقَامِ اضْمِحْلَالِ رَسْمِ الْوُجُودِ فِيهِ بِالِاسْتِغْرَاقِ فِي الْأَوَّلِيَّةِ.
هَذَا الْبَابُ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي شَمَّرَ إِلَيْهِ الْقَوْمُ، وَالْغَايَةُ الَّتِي قَصَدُوهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا مَعْنًى صَحِيحًا، وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِالْوُجُودِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَنَظِيرِهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ مَا تَضَمَّنُهُ الْوِجْدَانُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَإِنَّهُ وِجْدَانُ الْمَطْلُوبِ تَعَلَّقَ بِاسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] فَهَذَا وُجُودٌ مُقَيَّدٌ بِظَفَرِهِمْ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَجِدُ مَا ظَنَّهُ مَنْ مَغْفِرَةُ اللَّهِ لَهُ حَاصِلَةٌ، وَكَذَلِكَ {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39] فَهَذَا وِجْدَانُ الْكَافِرِ لِرَبِّهِ عِنْدَ حِسَابِهِ لَهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْوُجُودَ الَّذِي يُشِيرُ الْقَوْمُ إِلَيْهِ، بَلْ مِنْهُ الْأَثَرُ الْمَعْرُوفُ «ابْنَ آدَمَ، اطْلُبْنِي تَجِدْنِي، فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ،» وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،» وَمِنْهُ الْأَثَرُ الْإِسْرَائِيلِيُّ: أَنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ أَيْنَ أَجِدُكَ؟ قَالَ: عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَجْلِي، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدِي، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدَتْ ذَلِكَ عِنْدِي، عَبْدِي اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، عَبْدِي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ
পৃষ্ঠা - ১৩৫৫
رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: مَرِضَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» .
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِي الْإِطْعَامِ وَالْإِسْقَاءِ «لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي» وَقَوْلَهُ فِي الْعِيَادَةِ «لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» وَلَمْ يَقُلْ: لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، إِيذَانًا بِقُرْبِهِ مِنَ الْمَرِيضِ، وَأَنَّهُ عِنْدَهُ، لِذُلِّهِ وَخُضُوعِهِ، وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ، وَافْتِقَارِهِ إِلَى رَبِّهِ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ وُجُودَ اللَّهِ عِنْدَهُ، هَذَا، وَهُوَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ عِنْدَ عَبْدِهِ، فَوُجُودُ الْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ ظَفَّرَهُ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ.
وَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ: سَالِكٌ، وَوَاصِلٌ، وَوَاجِدٌ.
فَإِنْ قُلْتَ: اضْرِبْ لِي مَثَلًا، أَفْهَمُ بِهِ مَعْنَى الْوُصُولِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْوُجُودِ.
قُلْتُ: إِذَا بَلَغَكَ أَنَّ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا كَنْزًا عَظِيمًا، مَنْ ظَفِرَ بِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، اسْتَغْنَى غِنَى الدَّهْرِ، وَتَرَحَّلَ عَنْهُ الْعَدَمُ وَالْفَقْرُ، فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ لِلسَّيْرِ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ فِي التَّأَهُّبِ لِلْمَسِيرِ، فَلَمَّا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ انْتَهَى إِلَى الْكَنْزِ وَوَصَلَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِتَحْوِيلِهِ إِلَى دَارِهِ، وَحُصُولِهِ عِنْدَهُ بَعْدُ، فَهُوَ وَاصِلٌ غَيْرُ وَاجِدٍ، وَالَّذِي فِي الطَّرِيقِ سَالِكٌ، وَالْقَاعِدُ عَنِ الطَّلَبِ مُنْقَطِعٌ، وَآخِذُ الْكَنْزِ - بِحَيْثُ حَصَلَ عِنْدَهُ، وَصَارَ فِي دَارِهِ - وَاجِدٌ، فَهَذَا الْمَعْنَى حَوْلَهُ حَامَ الْقَوْمُ، وَعَلَيْهِ دَارَتْ إِشَارَاتُهُمْ فَعِنْدَهُمُ التَّوَاجُدُ بِدَايَةٌ، وَالْوَاجِدُ وَاسِطَةٌ، وَالْوُجُودُ نِهَايَةٌ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَتَكَلَّفُ التَّوَاجُدَ، فَيَقْوَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ وَاجِدًا، ثُمَّ يَسْتَغْرِقُ فِي وَجْدِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى مَوْجُودِهِ.
وَيَسْتَشْكِلُ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ النُّورِيِّ: أَنَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً بَيْنَ الْوَجْدِ وَالْفَقْدِ إِذَا وَجَدْتُ رَبِّي فَقَدْتُ قَلْبِي، وَإِذَا وَجَدْتُ قَلْبِي فَقَدْتُ رَبِّي، وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْوُجُودَ الصَّحِيحَ يُغَيِّبُ الْوَاجِدَ عَنْهُ، وَيُجَرِّدُهُ مِنْهُ، فَيَفْنَى بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ، وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ، فَإِذَا وَجَدَ الْحَقِيقَةَ غَابَ عَنْ قَلْبِهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ، وَإِذَا غَابَتْ عَنْهُ الْحَقِيقَةُ بَقِيَ مَعَ صِفَاتِهِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ:
وُجُودِي أَنْ أَغِيبَ عَنِ الْوُجُودِ ... بِمَا يَبْدُو عَلَيَّ مِنَ الشُّهُودِ
পৃষ্ঠা - ১৩৫৬
وَمَا فِي الْوَجْدِ مَوْجُودٌ وَلَكِنْ
فَخَرْتُ بِوَجْدِ مَوْجُودِ الْوُجُودِ
وَقَدْ مَثَّلَ التَّوَاجُدَ وَالْوَجْدَ وَالْوُجُودَ بِمُشَاهَدَةِ الْبَحْرِ وَرُكُوبِهِ وَالْغَرَقِ فِيهِ، فَقِيلَ: التَّوَاجُدُ يُوجِبُ اسْتِيعَابَ الْعَبْدِ، وَالْوَجْدُ: يُوجِبُ اسْتِغْرَاقَ الْعَبْدِ، وَالْوُجُودُ: يُوجِبُ اسْتِهْلَاكَ الْعَبْدِ، وَهَذِهِ عِبَارَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ لِلْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الْبِدَايَةُ، وَالتَّوَسُّطُ، وَالنِّهَايَةُ، وَالسُّلُوكُ وَالْوُصُولُ - عِنْدَهُمْ - قُصُودٌ، ثُمَّ وُرُودٌ، ثُمَّ شُهُودٌ، ثُمَّ وُجُودٌ، ثُمَّ خُمُودٌ، فَيَقْصِدُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرِدُ، ثُمَّ يَشْهَدُ، ثُمَّ يَجِدُ، ثُمَّ تَخْمَدُ نَفْسُهُ، وَتَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَالْوَجْدُ مَا يَرِدُ عَلَى النَّاظِرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يُكْسِبُهُ فَرَحًا أَوْ حُزْنًا، وَهِيَ فَرْحَةٌ يَجِدُهَا الْمَغْلُوبُ عَلَيْهِ بِصِفَاتٍ شَرِيفَةٍ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا، وَالتَّوَاجُدُ اسْتِجْلَابُ الْوَجْدِ بِالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، لِاتِّسَاعِ فُرْجَةِ الْوَجْدِ بِالْخُرُوجِ إِلَى فَضَاءِ الْوِجْدَانِ، فَلَا وَجْدَ عِنْدَهُمْ مَعَ الْوِجْدَانِ، كَمَا لَا خَبَرَ مَعَ الْعِيَانِ، وَالْوَجْدُ عُرْضَةٌ لِلزَّوَالِ، وَالْوُجُودُ ثَابِتٌ ثُبُوتَ الْجِبَالِ، وَقَدْ قِيلَ:
قَدْ كَانَ يُطْرِبُنِي وَجْدِي فَأَقْعَدَنِي ... عَنْ رُؤْيَةِ الْوَجْدِ مَنْ بِالْوَجْدِ مَوْجُودُ
وَالْوَجْدُ يُطْرِبُ مَنْ فِي الْوَجْدِ رَاحَتُهُ ... وَالْوَجْدُ عِنْدَ حُضُورِ الْحَقِّ مَقْصُودُ
فَالتَّوَاجُدُ: اسْتِدْعَاءُ الْوَجْدِ بِنَوْعِ اخْتِيَارٍ وَتَكَلُّفٍ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ كَمَالُ الْوَجْدِ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَكَانَ وَجْدًا، وَبَابُ التَّفَاعُلِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى إِظْهَارِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، كَمَا قِيلَ: إِذًا تَخَازَرْتُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّوَاجُدِ: هَلْ يَسلَمُ لِصَاحِبِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَسْلَمُ لِصَاحِبِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَإِظْهَارِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَقَوْمٌ قَالُوا: يَسْلَمُ لِلصَّادِقِ الَّذِي يَرْصُدُ لِوِجْدَانِ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا» .
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ صَاحِبَ التَّوَاجُدِ إِنْ تَكَلَّفَهُ لِحَظٍّ وَشَهْوَةِ نَفْسٍ: لَمْ يَسْلَمْ لَهُ، وَإِنْ
পৃষ্ঠা - ১৩৫৭
تَكَلَّفَهُ لِاسْتِجْلَابِ حَالٍ، أَوْ مَقَامٍ مَعَ اللَّهِ: سَلِمَ لَهُ، وَهَذَا يُعْرَفُ مِنْ حَالِ الْمُتَوَاجِدِ، وَشَوَاهِدِ صِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ.
[فَصْلٌ تَكَلَّمَ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَالِاتِّحَادِيَّةُ فِي الْوُجُودِ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الصَّوَابِ]
فَصْلٌ
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي " الْوُجُودِ " الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَالِاتِّحَادِيَّةُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الصَّوَابِ: هَلْ وُجُودِ الشَّيْءِ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ، أَوْ غَيْرُ مَاهِيَّتِهِ؟ أَوْ وُجُودُ الْقَدِيمِ نَفْسُ مَاهِيَّتِهِ؟ أَوْ وُجُودُ الْحَادِثِ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ؟
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ خَطَأٌ، وَأَصْحَابُهَا كَخَابِطِ عَشْوَاءَ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْوُجُودَ وَالْمَاهِيَّةَ إِنْ أُخِذَا ذِهْنِيَّيْنِ فَالْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ عَيْنُ الْمَاهِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أُخِذَا خَارِجِيَّيْنِ: اتَّحَدَا أَيْضًا، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ وُجُودٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ كَالثَّوْبِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْبَدَنِ، هَذَا خَيَالٌ مَحْضٌ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْمَاهِيَّةِ فِي الذِّهْنِ هُوَ عَيْنُ وُجُودِهَا، فَلَيْسَ فِي الذِّهْنِ مَاهِيَّةٌ وَوُجُودُ مُتَغَايِرَيْنِ، بَلْ إِنْ أُخِذَ أَحَدُهُمَا ذِهْنِيًا وَالْآخَرُ خَارِجِيًّا، فَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بَحْثَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ وَظَائِفِ أَرْبَابِ الْجَدَلِ وَالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، لَا مِنْ وَظَائِفِ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَالْمُعَامَلَاتِ، فَهَؤُلَاءِ هِمَمُهُمْ فِي أَنْ يَجِدُوا مَطْلُوبَهُمْ، وَيَظْفَرُوا بِهِ، وَأُولَئِكَ شَاكُّونَ فِي وُجُودِهِ: هَلْ هُوَ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ، أَوْ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ؟ وَهَلْ هُوَ وُجُودُ مُطْلَقٌ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ وَصْفٌ وَلَا اسْمٌ؟ أَمْ وُجُودٌ خَاصٌّ تُضَافُ إِلَيْهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ؟ فَهَؤُلَاءِ فِي وَادٍ وَهَؤُلَاءِ فِي وَادٍ.
وَأَعْظَمُ الْخَلْقِ كُفْرًا وَضَلَالًا: مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَبَّهُ نَفْسُ وُجُودِ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ، وَأَنْ عَيْنَ وُجُودِهِ فَاضَ عَلَيْهَا فَاكْتَسَتْ عَيْنَ وُجُودِهِ، فَاتَّخَذَ حِجَابًا مِنْ أَعْيَانِهَا، وَاكْتَسَتْ جِلْبَابًا مِنْ وُجُودِهِ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ مَا لَبَّسُوهُ عَلَى ضُعَفَاءِ الْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ وُجُودِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَإِيجَادِهِ، وَأَنَّ إِيجَادَهُ هُوَ الَّذِي فَاضَ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي اكْتَسَتْهُ، وَأَمَّا وُجُودُهُ: فَمُخْتَصٌّ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، كَمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَاهِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَهُوَ بَائِنٌ عَنْ خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ بَائِنُونَ عَنْهُ، فَوُجُودُ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ
পৃষ্ঠা - ১৩৫৮
لَمْ يَكُنْ، حَاصِلٌ بِإِيجَادِهِ لَهُ، فَهُوَ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَوُجُودَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ، وَبَانَ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَوُجُودِهِ عَنْ خَلْقِهِ.
[فَصْلٌ حَدُّ الْوُجُودِ]
فَصْلٌ
قَوْلُهُ: " الْوُجُودُ: اسْمٌ لِلظَّفَرِ بِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ، هَذَا الْوُجُودُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ وَجَدَ الشَّيْءَ يَجِدُهُ وُجُودًا، وَوَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَانًا، وَفِي الصِّحَاحِ: أَوْجَدَهُ اللَّهُ مَطْلُوبَهُ أَيْ أَظْفَرَهُ بِهِ، وَأَوْجَدَهُ أَيْ أَغْنَاهُ، أَيْ جَعَلَهُ ذَا جِدَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَيُقَالُ: وَجَدَ فُلَانٌ وُجْدًا وَوَجْدًا - بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - إِذَا صَارَ ذَا جِدَةٍ وَثَرْوَةٍ، وَوُجِدَ الشَّيْءُ فَهُوَ مَوْجُودٌ وَأَوْجَدَهُ اللَّهُ، وَيُقَالُ: وَجَدَ اللَّهُ الشَّيْءَ كَذَا وَكَذَا، عَلَى غَيْرِ مَعْنًى أَوْجَدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَدَهُ عَلَى عِلْمِهِ، بِأَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ إِيجَادِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْوَاجِدُ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ: فَهُوَ بِمَعْنَى ذُو الْوُجْدِ وَالْغِنَى، وَهُوَ ضِدُّ الْفَاقِدِ، وَهُوَ كَالْمُوْسِعِ ذِي السَّعَةِ، قَالَ تَعَالَى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] أَيْ ذَوُو سَعَةٍ وَقُدْرَةٍ وَمُلْكٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَدَخَلَ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْوَاجِدُ دُونَ الْمُوجِدِ فَإِنَّ الْمُوجِدَ صِفَةُ فِعْلٍ، وَهُوَ مُعْطِي الْوُجُودِ، كَالْمُحْيِي مُعْطِي الْحَيَاةِ وَهَذَا الْفِعْلُ لَمْ يَجِئْ إِطْلَاقُهُ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، فَلَا يُعْرَفُ إِطْلَاقُ: أَوْجَدَ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَ خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ، وَصَوَّرَهُ وَأَعْطَاهُ خَلْقَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِعْلُهُ لَمْ يَجِئِ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، فَإِنَّ الْفِعْلَ أَوْسَعُ مِنَ الِاسْمِ، وَلِهَذَا أَطْلَقَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْعَالًا لَمْ يَتَسَمَّ مِنْهَا بِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِ، كَأَرَادَ، وَشَاءَ، وَأَحْدَثَ، وَلَمْ يُسَمَّ بِالْمُرِيدِ وَالشَّائِي وَالْمُحَدِثِ، كَمَا لَمْ يُسَمِّ نَفْسَهُ بِالصَّانِعِ وَالْفَاعِلِ وَالْمُتْقِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ، فَبَابُ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْأَسْمَاءِ.
وَقَدْ أَخْطَأَ - أَقْبَحَ خَطَأٍ - مَنِ اشْتَقَّ لَهُ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ اسْمًا، وَبَلَغَ بِأَسْمَائِهِ زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ، فَسَمَّاهُ الْمَاكِرُ، وَالْمُخَادِعُ، وَالْفَاتِنُ، وَالْكَائِدُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بَابُ
পৃষ্ঠা - ১৩৫৯
الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالِاسْمِ أَوْسَعُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ يُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ، وَمَوْجُودٌ، وَمَذْكُورٌ، وَمَعْلُومٌ، وَمُرَادٌ، وَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ.
فَأَمَّا الْوَاجِدُ فَلَمْ تَجِئْ تَسْمِيَتُهُ بِهِ إِلَّا فِي حَدِيثِ تَعْدَادِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ ذُو الْوَجْدِ وَالْغِنَى، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمَّى بِهِ مِنَ الْمَوْجُودِ وَمِنَ الْمُوجِدِ، أَمَّا الْمَوْجُودُ فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ إِلَى كَامِلٍ وَنَاقِصٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمَا كَانَ مُسَمَّاهُ مُنْقَسِمًا لَمْ يَدْخُلِ اسْمُهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، كَالشَّيْءِ وَالْمَعْلُومِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بِالْمُرِيدِ، وَلَا بِالْمُتَكَلِّمِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الْإِرَادَةُ وَالْكَلَامُ، لِانْقِسَامِ مُسَمَّى الْمُرِيدِ وَالْمُتَكَلِّمِ، وَأَمَّا الْمُوجِدُ فَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ بِأَكْمَلِ
পৃষ্ঠা - ১৩৬০
أَنْوَاعِهِ، وَهُوَ الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ فَالْمُوجِدُ كَالْمُحْدِثِ وَالْفَاعِلِ وَالصَّانِعِ.
وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ فِقْهِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، فَتَأَمَّلْهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَصْلٌ
الظَّفَرُ بِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ، إِنْ كَانَ فِي بَابِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ تَجْرِي فَوْقَ حُدُودِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُعَايَنِ كَانَ مُعَايَنَةً، وَهِيَ فَوْقَ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلطَّالِبِ فَهُوَ جَمْعِيَّةٌ لَهُ بِكُلِّهِ عَلَى مَطْلُوبِهِ، وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْجَمْعِ كَانَ جَمْعِيَّةً وُجُودِيَّةً، تُغْنِيهِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ " هُوَ اسْمٌ لِثَلَاثِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا: وُجُودُ عِلْمٍ لَدُنِّيِّ، يَقْطَعُ عُلُومَ الشَّوَاهِدِ " الْعِلْمُ اللَّدُنِّيُّ - عِنْدَهُمْ - هُوَ الْمَعْرِفَةُ، وَسُمِّيَ لَدُنِّيًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْحَقِّ، وَارِدٌ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ، يَقْطَعُ الْوَسَاوِسَ، وَيُزِيلُ الشُّكُوكَ، وَيَحُلُّ مَحَلَّ الْعِيَانِ، فَيَصِيرُ لِصَاحِبِهِ كَالْوِجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا عَنِ النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: يَقْطَعُ عُلُومَ الشَّوَاهِدِ، فَعُلُومُ الشَّوَاهِدِ - عِنْدَهُ - هِيَ عُلُومُ الِاسْتِدْلَالِ، وَهِيَ تَنْقَطِعُ بِوِجْدَانِ هَذَا الْعِلْمِ، أَيْ يَرْتَقِي صَاحِبُهُ عَنْهَا إِلَى مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهَا، لَا أَنَّهَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا، وَيَزُولُ رَسْمُهَا، وَلَكِنْ صَاحِبُ الْوُجُودِ قَدِ ارْتَقَى عَنِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالشَّوَاهِدِ إِلَى الْعِلْمِ الْمُدْرَكِ بِالذَّوْقِ وَالْحِسِّ الْبَاطِنِ.
قَوْلُهُ " فِي صِحَّةِ مُكَاشَفَةِ الْحَقِّ إِيَّاكَ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " يَقْطَعُ عُلُومَ الشَّوَاهِدِ " أَيْ يَقْطَعُهَا فِي كَوْنِ الْحَقِّ كَشَفَ لَكَ كَشْفًا صَحِيحًا، قَطَعَ عَنْكَ الْحَاجَةَ إِلَى الشَّوَاهِدِ وَالْأَدِلَّةِ.
قَوْلُهُ: " وَالثَّانِي: وُجُودُ الْحَقِّ وُجُودَ عَيْنٍ "، أَيْ وُجُودَ مُعَايَنَةٍ لَا وُجُودَ خَبَرٍ، وَمُرَادُهُ: مُعَايَنَةُ الْقَلْبِ لَهُ بِحَقِيقَةِ الْيَقِينِ.
قَوْلُهُ " مُنْقَطِعًا عَنْ مَسَاغِ الْإِشَارَةِ " لَمَّا كَانَتِ الدَّرَجَةُ الْأَوْلَى وُجُودَ عِلْمٍ، وَهَذِهِ وُجُودُ عِيَانٍ: قَامَ الْعِيَانُ فِيهَا مَقَامَ الْإِشَارَةِ، فَأَغْنَى عَنْهَا، فَإِنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًا، وَقَدْ يَكُونُ نَظَرِيًّا، وَالضَّرُورِيُّ: أَبْعَدُ عَنِ الِالْتِفَاتِ، وَعَنْ تَطَرُّقِ الْآفَاتِ، وَعَدَمِ الْغَفَلَاتِ، فَصَاحِبُهُ يُشَاهِدُ مَعْلُومَهُ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ، كَمَا يُشَاهِدُ الْمُبْصِرَاتِ بِنُورِ الْبَصَرِ، وَلَمَّا كَانَتْ مَرْتَبَةُ الْمَعْرِفَةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ، وَمَرْتَبَةُ الشُّهُودِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْمَعْرِفَةِ وَمَرْتَبَةُ الْوُجُودِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الشُّهُودِ، كَانَتِ الْعِبَارَةُ فِي مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِشَارَةُ فِي مَرْتَبَةِ الشُّهُودِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْوُجُودِ انْقَطَعَتِ الْإِشَارَاتُ،