মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل الانفصال

فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১২৮২
قَوْلُهُ: إِلَّا اسْمٌ مُعَارٌ وَلَمْحٌ إِلَيْهِ مُشَارٌ. لَمَّا كَانَ الِاسْمُ لَا يَبْلُغُ الْحَقِيقَةَ وَلَا يُطَابِقُهَا، فَكَأَنَّهُ لِغَيْرِهَا، وَأُعِيرَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا عَارِيَةً، وَكَذَلِكَ اللَّمْحُ الْمُشَارُ هُوَ الَّذِي يُشَارُ بِهِ إِشَارَةً إِلَى الْحَقِيقَةِ، وَبَعْدُ، فَالشَّيْخُ يُدَنْدِنُ حَوْلَ بَحْرِ الْفَنَاءِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: صَاحِبُ هَذَا الِاتِّصَالِ قَدْ فَنِيَ فِي الْوُجُودِ، بِحَيْثُ صَارَ نُقْطَةً انْحَلَّ تَعَيُّنُهَا، وَاضْمَحَلَّ تَكَوُّنُهَا، وَرَجَحَ عَوْدُهَا عَلَى بَدْئِهَا، فَفَنِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزَلْ، فَهُنَالِكَ طَاحَتِ الْإِشَارَاتُ، وَذَهَبَتِ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتِ الرُّسُومُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] . [فَصْلُ الِانْفِصَالِ] [حَقِيقَةُ الِانْفِصَالِ] فَصْلُ الِانْفِصَالِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: (بَابُ الِانْفِصَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] لَيْسَ فِي الْمَقَامَاتِ شَيْءٌ فِيهِ مِنَ التَّفَاوُتِ مَا فِي الِانْفِصَالِ. وَجْهُ الْإِشَارَةِ بِالْآيَةِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُقَرِّبُ الْمُبْعِدُ، فَلْيَحْذَرِ الْقَرِيبُ مِنَ الْإِبْعَادِ وَالْمُتَّصِلُ مِنَ الِانْفِصَالِ، فَإِنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ غَيُورٌ لَا يَرْضَى مِمَّنْ عَرَفَهُ وَوَجَدَ حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَاتَّصَلَ قَلْبُهُ بِمَحَبَّتِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ، وَتَعَلَّقَتْ رُوحُهُ بِإِرَادَةِ وَجْهِهِ الْأَعْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْتِفَاتٌ إِلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ غَيْرَتِهِ سُبْحَانَهُ: حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَغَارُ أَشَدَّ الْغَيْرَةِ عَلَى عَبْدِهِ: أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى سِوَاهُ، فَإِذَا أَذَاقَهُ حَلَاوَةَ مَحَبَّتِهِ، وَلَذَّةَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ، وَأُنْسَ مَعْرِفَتِهِ، ثُمَّ سَاكَنَ غَيْرَهُ بَاعَدَهُ مِنْ قُرْبِهِ، وَقَطَعَهُ مِنْ وَصْلِهِ، وَأَوْحَشَ سِرَّهُ، وَشَتَّتَ قَلْبَهُ، وَنَغَّصَ عَيْشَهُ، وَأَلْبَسَهُ رِدَاءَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَالْهَوَانِ، فَنَادَى عَلَيْهِ حَالُهُ، إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ قَالُهُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَعَوَّضَ عَنْ وَلِيِّهِ وَإِلَهِهِ وَفَاطِرِهِ، وَمَنْ لَا حَيَاةَ لَهُ إِلَّا بِهِ بِغَيْرِهِ وَآثَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، فَاتَّخَذَ سِوَاهُ لَهُ حَبِيبًا، وَرَضِيَ بِغَيْرِهِ أَنِيسًا، وَاتَّخَذَ سِوَاهُ وَلِيًّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] .
পৃষ্ঠা - ১২৮৩
فَإِذَا ضُرِبَ هَذَا الْقَلْبُ بِسَوْطِ الْبُعْدِ وَالْحِجَابِ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ مَنْ يَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ، وَمُلِئَ مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ، وَصَارَ مَحَلًّا لِلْجِيَفِ وَالْأَقْذَارِ وَالْأَنْتَانِ، وَبُدِّلَ بِالْأُنْسِ وَحْشَةً، وَبِالْعِزِّ ذُلًّا، وَبِالْقَنَاعَةِ حِرْصًا، وَبِالْقُرْبِ بُعْدًا وَطَرْدًا، وَبِالْجَمْعِ شَتَاتًا وَتَفْرِقَةً كَانَ هَذَا بَعْضَ جَزَائِهِ، فَحِينَئِذٍ تَطْرُقُهُ الطَّوَارِقُ وَالْمُؤْلِمَاتُ، وَتَعْتَرِيهِ وُفُودُ الْأَحْزَانِ وَالْهُمُومِ بَعْدَ وُفُودِ الْمَسَرَّاتِ. قَرَأَ قَارِئٌ بَيْنَ يَدَيِ السَّرِيِّ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] فَقَالَ السَّرِيُّ: تَدْرُونَ مَا هَذَا الْحِجَابُ؟ هُوَ حِجَابُ الْغَيْرَةِ، وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. فَمَنْ عَرَفَهُ وَذَاقَ حَلَاوَةَ قُرْبِهِ وَمَحَبَّتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى مُسَاكَنَةِ غَيْرِهِ: ثَبَّطَ جَوَارِحَهُ عَنْ طَاعَتِهِ، وَعَقَلَ قَلْبَهُ عَنْ إِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ مَحَلِّ قُرْبِهِ، وَوَلَّاهُ مَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: احْذَرْهُ، فَإِنَّهُ غَيُورٌ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَرَى فِي قَلْبِ عَبْدِهِ سِوَاهُ. وَمِنْ غَيْرَتِهِ: أَنَّ صَفِيَّهُ آدَمَ لَمَّا سَاكَنَ بِقَلْبِهِ الْجَنَّةَ، وَحَرِصَ عَلَى الْخُلُودِ فِيهَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا، وَمِنْ غَيْرَتِهِ سُبْحَانَهُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ لَمَّا أَخَذَ إِسْمَاعِيلُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِهِ أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ، حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ قَلْبِهِ ذَلِكَ الْمُزَاحِمَ. إِنَّمَا كَانَ الشِّرْكُ عِنْدَهُ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ لِتَعَلُّقِ قَلْبِ الْمُشْرِكِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ كُلُّهُ بِغَيْرِهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِكُلِّيَّتِهِ؟ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا حَلَّ بِكَ مِنْ بَلَاءِ الِانْفِصَالِ، وَذُلِّ الْحِجَابِ، فَانْظُرْ لِمَنِ اسْتَعْبَدَ قَلْبَكَ، وَاسْتَخْدَمَ جَوَارِحَكَ، وَبِمَنْ شَغَلَ سِرَّكَ، وَأَيْنَ يَبِيتُ قَلْبُكَ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ؟ وَإِلَى أَيْنَ يَطِيرُ إِذَا اسْتَيْقَظْتَ مِنْ مَنَامِكَ؟ فَذَلِكَ هُوَ مَعْبُودُكَ وَإِلَهُكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لِيَنْطَلِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ، انْطَلَقْتَ مَعَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! مَا أَشَدَّ غَبْنَ مَنْ بَاعَ أَطْيَبَ الْحَيَاةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ هُنَاكَ، وَالنَّعِيمَ الْمُقِيمَ بِالْحَيَاةِ الْمُنَغَّصَةِ الْمُنَكَّدَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَالْمُدَّةُ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، أَوْ عَشِيَّةٌ أَوْ ضُحَاهَا، أَوْ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُ يَوْمٍ، فِيهِ رِبْحُ الْأَبَدِ أَوْ خَسَارَةُ الْأَبَدِ. فَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَةٌ ثُمَّ تَنْقَضِي ... وَيَذْهَبُ هَذَا كُلُّهُ وَيَزُولُ
পৃষ্ঠা - ১২৮৪
[فَصْلٌ وُجُوهُ الِانْفِصَالِ] فَصْلٌ قَالَ الشَّيْخُ: لَيْسَ فِي الْمَقَامَاتِ شَيْءٌ فِيهِ مِنَ التَّفَاوُتِ مَا فِي الِانْفِصَالِ. يَعْنِي: أَنَّ بَيْنَ دَرَجَاتِ الْمَقَامَاتِ تَنَاسُبٌ، وَاخْتِلَافٌ يَسِيرٌ. وَمَقَامُ الِانْفِصَالِ قَلِيلُ التَّنَاسُبِ فِي دَرَجَاتِهِ، كَثِيرُ التَّفَاوُتِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ. قَالَ: وَوُجُوهُهُ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: انْفِصَالٌ هُوَ شَرْطُ الِاتِّصَالِ، وَهُوَ الِانْفِصَالُ عَنِ الْكَوْنَيْنِ بِانْفِصَالِ نَظَرِكَ إِلَيْهِمَا، وَانْفِصَالِ تَوَقُّفِكَ عَلَيْهِمَا، وَانْفِصَالِ مُبَالَاتِكَ بِهِمَا. يَعْنِي: أَنَّ انْفِصَالَ الْعَبْدِ عَنْ رُسُومِهِ بِالْفَنَاءِ، هُوَ شَرْطُ اتِّصَالِ وَجُودِهِ بِالْبَقَاءِ، فَلَا وَلَاءَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا بِالْبَرَاءِ مِمَّا يُضَادُّ ذَلِكَ وَيُخَالِفُهُ، وَقَدْ قَالَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ لِقَوْمِهِ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26 - 27] ، وَقَالَ الْفِتْيَةُ: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف: 16] فَلَمْ تَعْتَزِلُوهُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ لَا تَخْلُو عَنْ إِنْكَارٍ حَتَّى يُبَيَّنَ مَعْنَاهَا وَالْمُرَادُ بِهَا، فَإِنَّ الْكَوْنَيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِعَالَمِ الْغَيْبِ وَعَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَفِيهِمَا الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ، وَالْمَلَائِكَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ، فَكَيْفَ يَنْفَصِلُ عَنْهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَقِفُ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُبَالِي بِهِمْ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي لِسَانِ الْقَوْمِ مِنَ الِاسْتِعَارَاتِ، وَإِطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ، وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ إِشَارَتِهِ دُونَ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ: مَا لَيْسَ فِي لِسَانِ أَحَدٍ مِنَ الطَّوَائِفِ غَيْرُهُمْ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَصْحَابُ إِشَارَةٍ لَا أَصْحَابُ عِبَارَةٍ، وَالْإِشَارَةُ لَنَا وَالْعِبَارَةُ لِغَيْرِنَا، وَقَدْ يُطْلِقُونَ الْعِبَارَةَ الَّتِي يُطْلِقُهَا الْمُلْحِدُ، وَيُرِيدُونَ بِهَا مَعْنًى لَا فَسَادَ فِيهِ، وَصَارَ هَذَا سَبَبًا لِفِتْنَةِ طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةٌ تَعَلَّقُوا عَلَيْهِمْ بِظَاهِرِ عِبَارَاتِهِمْ، فَبَدَّعُوهُمْ وَضَلَّلُوهُمْ، وَطَائِفَةٌ نَظَرُوا إِلَى مَقَاصِدِهِمْ وَمَغْزَاهُمْ، فَصَوَّبُوا تِلْكَ الْعِبَارَاتِ، وَصَحَّحُوا تِلْكَ الْإِشَارَاتِ، فَطَالِبُ الْحَقِّ يَقْبَلُهُ مِمَّنْ كَانَ، وَيَرُدُّ مَا خَالَفَهُ عَلَى مَنْ كَانَ. وَمُرَادُ الشَّيْخِ وَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ: أَنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ مَائِلَةً إِلَى الْمَلْذُوذَاتِ الْمَحْسُوسَةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الْمُشَاهَدَةِ الْمُعَايَنَةِ كَانَ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْوُقُوفُ مَعَهَا عِلَّةً فِي الطَّرِيقِ وَالْقَصْدِ جَمِيعًا، وَكَانَ شَاغِلًا لَهَا عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَحْدَهُ، وَالْوُقُوفِ مَعَهُ دُونَ
পৃষ্ঠা - ১২৮৫
غَيْرِهِ، وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَمَتَى قَوِيَ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالْمَقْصُودِ الْأَعْلَى، بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ ذِكْرُهُ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ، وَحُبُّهُ عَنْ حُبِّ غَيْرِهِ، وَخَوْفُهُ عَنْ خَوْفِ غَيْرِهِ، وَرَجَاؤُهُ عَنْ رَجَاءِ غَيْرِهِ، وَكَانَ أُنْسُهُ بِهِ خَاصَّةً انْفَصَلَ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ فِي حَالِ شُغْلِهِ بِهِ سُبْحَانَهُ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ اتِّسَاعٌ لِغَيْرِهِ، فَانْفَصَلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ نَظَرُهُ إِلَى الْكَوْنَيْنِ، وَانْفَصَلَ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِمَا، وَانْفَصَلَتْ مُبَالَاتُهُ بِهِمَا ضَرَّا أَوْ نَفْعًا، أَوْ عَطَاءً أَوْ مَنْعًا، وَهَذِهِ الْحَالُ لَا تَدُومُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى الْكَوْنِ بِحُكْمِ طَبِيعَتِهِ، وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْكَوْنِ ذَكَرَ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْمَلَائِكَةَ وَالْأَوْلِيَاءَ بِالتَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ، وَأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَذَكَرَ أَعْدَاءَهُمْ بِاللَّعْنِ وَأَقْبَحِ الذِّكْرِ - فَهَذِهِ وَظِيفَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَتِلْكَ وَظِيفَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ انْفِصَالُ شُهُودٍ فِي الْأَحْوَالِ، لَا انْفِصَالَ وُجُودٍ، وَلَا انْفِصَالَ شُهُودٍ دَائْمًا أَبَدًا، وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ خَيَالٌ وَخَبَالٌ وَوَهْمٌ، لَا نُطِيلُ الْكِتَابَ بِذِكْرِهِ. قَالَ: الثَّانِي: انْفِصَالٌ عَنْ رُؤْيَةِ الِانْفِصَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتَرَاءَى عِنْدَكَ فِي شُهُودِ التَّحْقِيقِ شَيْءٌ يُوصِلُ بِالِانْفِصَالِ مِنْهُمَا إِلَى شَيْءٍ. إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى عِنْدَهُ مِمَّا قَبْلَهَا، مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْأُولَى وَسِيلَةً إِلَيْهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ غَايَةً لَهَا وَمُرَتَّبَةً عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنَ الْكَوْنَيْنِ شُغْلًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إِلَى مَقَامِهِ مِنَ الِانْفِصَالِ، وَيُسَاكِنُهُ بِسِرِّهِ وَقَلْبِهِ، وَيَغِيبُ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْضُ مِنَّةِ اللَّهِ، وَمُجَرَّدُ عَطَائِهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ رُؤْيَةِ انْفِصَالِهِ، وَيُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ وَوَلِيِّهِ الْمَانِّ بِهِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَتَضَمَّنُ التَّفَاوُتَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى أَنَّ الِانْفِصَالَ شَرْطٌ فِي الِاتِّصَالِ، وَقَالَ هَاهُنَا: " لَا يَتَرَاءَى عِنْدَكَ فِي شُهُودِ التَّحْقِيقِ سَبَبٌ يُوصِلُ بِالِانْفِصَالِ مِنْهُمَا إِلَى شَيْءٍ " وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ مَعْنَى كَلَامَيْهِ، بَلْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتُ التَّنَاقُضِ، فَأَيْنَ شَرْطُ حُصُولِ الشَّيْءِ مِنْ شُهُودِ عَدَمِ كَوْنِهِ سَبَبًا وَشَرْطًا؟ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ شَرْطًا وَسَبَبًا لِحُصُولِ شَيْءٍ لَا يُنَاقِضُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ رُؤْيَتِهِ شَرْطًا لِحُصُولِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ حُصُولُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَبْدِ لَهُ، فَتَكُونُ الرُّؤْيَةُ مَانِعَةً، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ بِبَيَانِ كَلَامِهِ.
পৃষ্ঠা - ১২৮৬
فَقَوْلُهُ: " انْفِصَالٌ عَنْ رُؤْيَةِ الِانْفِصَالِ " يَعْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ يَرَى حَالَةَ الشُّهُودِ أَنَّهُ انْفَصَلَ عَنِ الْكَوْنَيْنِ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِجَنَابِ الْعِزَّةِ، فَيَشْهَدُ اتِّصَالًا بَعْدَ انْفِصَالٍ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَتْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنِ الْكَوْنَيْنِ أَصْلًا، لَكِنَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنِ الْكَوْنَيْنِ فَقَدِ انْفَصَلَ عَنْ الِانْفِصَالِ الْمَذْكُورِ، لِتَحَقُّقِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا. ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفَ يَصِحُّ لَهُ انْفِصَالٌ عَنِ انْفِصَالِهِ بِقَوْلِهِ: أَنْ لَا يَتَرَاءَى؛ أَيْ: لَا يَظْهَرُ لَكَ شَيْءٌ فِي شُهُودِ التَّحْقِيقِ يَكُونُ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلِاتِّصَالِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ تَشَهَدَ التَّحْقِيقَ، فَيُرِيكَ شُهُودُهُ: أَنَّكَ مَا انْفَصَلْتَ بِنَفْسِكَ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا اتَّصَلْتَ بِنَفْسِكَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِ غَيْرِكَ، فَهُوَ الَّذِي فَصَلَكَ وَهُوَ الَّذِي وَصَلَكَ. وَأَمَّا الْمُلْحِدُ: فَيُفَسِّرُ كَلَامَهُ بِغَيْرِ هَذَا، وَيَقُولُ: إِذَا شَهِدْتَ الْحَقِيقَةَ أَرَتْكَ أَنَّكَ ما انْفَصَلْتَ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا اتَّصَلَتْ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ تِلْكَ اثْنِينِيَّةٌ تُنَافِي الْوَحْدَةَ الْمُطْلَقَةَ. فَانْظُرْ مَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ مِنَ الِاحْتِمَالِ، وَكَيْفَ يَجُرُّهَا كُلُّ أَحَدٍ إِلَى نِحْلَتِهِ وَمَذْهَبِهِ؟ وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُلْحِدُ: إِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اتِّصَالٌ وَلَا انْفِصَالٌ إِنَّمَا هُوَ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ وَوَهْمِهِ فَقَطْ، فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا انْفِصَالَ وَلَا اتِّصَالَ، وَيُنْشِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْتًا مَشْهُورًا لِطَائِفَةِ الِاتِّحَادِيَّةِ: فَمَا فِيكَ لِي شَيْءٌ لِشَيْءٍ مُوَافِقُ ... وَلَا مِنْكَ لِي شَيْءٌ لِشَيْءٍ مُخَالِفُ قَالَ: الثَّالِثُ: انْفِصَالٌ عَنْ الِاتِّصَالِ، وَهُوَ انْفِصَالٌ عَنْ شُهُودِ مُزَاحَمَةِ الِاتِّصَالِ عَيْنَ السَّبْقِ، فَإِنَّ الِانْفِصَالَ وَالِاتِّصَالَ عَلَى عِظَمِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الِاسْمِ وَالرَّسْمِ فِي الْعِلَّةِ سِيَّانِ. الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا: أَنَّ مَا قَبْلَهَا انْفِصَالٌ عَنْ سُكُونِهِ إِلَى انْفِصَالِهِ وَرُؤْيَتِهِ لَهُ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ انْفِصَالٌ عَنْ رُؤْيَةِ اتِّصَالِهِ، فَيَتَجَرَّدُ عَنْ رُؤْيَةِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا، فَإِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ عِلَّةٌ فِي الِاتِّصَالِ، بَلْ كَمَالُ الِاتِّصَالِ غَيْبَتُهُ عَنْ رُؤْيَةِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا، لِكَمَالِ اسْتِغْرَاقِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ حَقِيقَةِ الِاتِّصَالِ، فَيَحْصُلُ مِنَ الدَّرَجَتَيْنِ انْفِصَالُهُ عَنْ الِانْفِصَالِ وَالِاتِّصَالِ مَعًا. فَهَاهُنَا جَالَ الْمُلْحِدُ وَصَالَ، وَفَتَحَ فَاهُ نَاطِقًا بِالْإِلْحَادِ، وَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْفِصَالَ وَالِاتِّصَالَ لَا حَقِيقَةَ لَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ فِي نَظَرِ النَّاظِرِ، فَلَا حَقِيقَةَ