মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل التمكن

فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১১৭৯
[فَصْلُ التَّمَكُّنِ] [حَقِيقَةُ التَّمَكُّنِ] قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: (بَابُ التَّمَكُّنِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] . وَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَمَكِّنَ لَا يُبَالِي بِكَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ، وَلَا بِمُخَالَطَةِ أَصْحَابِ الْغَفَلَاتِ، وَلَا بِمُعَاشَرَةِ أَهْلِ الْبَطَالَاتِ، بَلْ قَدْ تَمَكَّنَ بِصَبْرِهِ وَيَقِينِهِ عَنِ اسْتِفْزَازِهِمْ إِيَّاهُ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ لَهُ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] فَمَنْ وَفَّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وَتَيَقَّنَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ الْمُبْطِلُونَ، وَلَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ وَمَتَى ضَعُفَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ أَوْ كِلَاهُمَا اسْتَفَزَّهُ هَؤُلَاءِ وَاسْتَخَفَّهُ هَؤُلَاءِ، فَجَذَبُوهُ إِلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ وَيَقِينِهِ، فَكُلَّمَا ضَعُفَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوِيَ جَذْبُهُمْ لَهُ، وَكُلَّمَا قَوِيَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذَابُهُ مِنْهُمْ وَجَذْبُهُ لَهُمْ. فَصْلٌ. قَالَ الشَّيْخُ: التَّمَكُّنُ: فَوْقَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى غَايَةِ الِاسْتِقْرَارِ. التَّمَكُّنُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَيُسَمَّى مَكَانَةً أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [الأنعام: 135] الْآيَةَ.
পৃষ্ঠা - ১১৮০
وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي اصْطِلَاحِ الْقَوْمِ: عَلَى مَنِ انْتَقَلَ إِلَى مَقَامِ الْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ وَهُوَ الْوُصُولُ عِنْدَهُمْ، وَحَقِيقَتُهُ: ظَفَرُ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ تَتَوَارَى عَنْهُ أَحْكَامُ الْبَشَرِيَّةِ بِطُلُوعِ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ وَاسْتِيلَاءِ سُلْطَانِهَا، فَإِذَا دَامَتْ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ أَوْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ صَاحِبُ تَمْكِينٍ. قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: التَّمَكُّنُ: فَوْقَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى غَايَةِ الِاسْتِقْرَارِ إِنَّمَا كَانَ فَوْقَ الطُّمَأْنِينَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَعَ نَوْعٍ مِنَ الْمُنَازَعَةِ، فَيَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ إِلَى مَا يَسْكُنُهُ، وَقَدْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ، وَلِذَلِكَ كَانَ التَّمَكُّنُ هُوَ غَايَةُ الِاسْتِقْرَارِ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْمَكَانِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَقَامُهُ مَكَانًا لِقَلْبِهِ قَدْ تَبَوَّأَهُ مَنْزِلًا وَمُسْتَقَرًّا. [دَرَجَاتُ التَّمَكُّنِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى تَمَكُّنُ الْمُرِيدِ] قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: تَمَكُّنُ الْمُرِيدِ؛ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ صِحَّةُ قَصْدٍ يُسَيِّرُهُ، وَلَمْعُ شُهُودِهِ يَحْمِلُهُ، وَسِعَةُ طَرِيقٍ تُرَوِّحُهُ. الْمُرِيدُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ: هُوَ الَّذِي قَدْ شَرَعَ فِي السَّيْرِ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ فَوْقَ الْعَابِدِ وَدُونَ الْوَاصِلِ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ بِحَسْبِ حَالِ السَّالِكِينَ، وَإِلَّا فَالْعَابِدُ مُرِيدٌ، وَالسَّالِكُ مُرِيدٌ، وَالْوَاصِلُ مُرِيدٌ، فَالْإِرَادَةُ لَا تُفَارِقُ الْعَبْدَ مَا دَامَ تَحْتَ حُكْمِ الْعُبُودِيَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ لِلتَّمَكُّنِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: صِحَّةُ قَصْدٍ، وَصِحَّةُ عِلْمٍ، وَسِعَةُ طَرِيقٍ، فَبِصِحَّةِ الْقَصْدِ يَصِحُّ سَيْرُهُ، وَبِصِحَّةِ الْعِلْمِ تَنْكَشِفُ لَهُ الطَّرِيقُ، وَبِسِعَةِ الطَّرِيقِ يَهُونُ عَلَيْهِ السَّيْرُ، وَكُلُّ طَالِبِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَعَيُّنِ مَطْلُوبِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَمَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ، وَالْأَخْذُ فِي السُّلُوكِ، فَمَتَى فَاتَهُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ: لَمْ يَصِحَّ طَلَبُهُ وَلَا سَيْرُهُ، فَالْأَمْرُ دَائِرٌ بَيْنَ مَطْلُوبٍ يَتَعَيَّنُ إِيثَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَطَلَبٍ يَقُومُ بِقَصْدِ مَنْ يَقْصِدُهُ، وَطَرِيقٍ تُوَصِّلُ إِلَيْهِ. فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِطَلَبِ رَبِّهِ وَحْدَهُ: تَعَيَّنَ مَطْلُوبُهُ، فَإِذَا بَذَلَ جُهْدَهُ فِي طَلَبِهِ صَحَّ لَهُ طَلَبُهُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ بِاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ صَحَّ لَهُ طَرِيقُهُ، وَصِحَّةُ الْقَصْدِ وَالطَّرِيقِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْمَطْلُوبِ وَتَعَيُّنِهِ. فَحُكْمُ الْقَصْدِ يُتَلَقَّى مِنْ حُكْمِ الْمَقْصُودِ، فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ أَهْلًا لِلْإِيثَارِ كَانَ الْقَصْدُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ كَذَلِكَ، فَالْقَصْدُ وَالطَّرِيقُ تَابِعَانِ لِلْمَقْصُودِ. وَتَمَامُ الْعُبُودِيَّةِ: أَنْ يُوَافِقَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقْصُودِهِ وَقَصْدِهِ وَطَرِيقِهِ، فَمَقْصُودُهُ:
পৃষ্ঠা - ১১৮১
اللَّهُ وَحْدَهُ، وَقَصْدُهُ: تَنْفِيذُ أَوَامِرِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِي خَلْقِهِ، وَطَرِيقُهُ: اتِّبَاعُ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَصَحِبَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَحِقُوا بِهِ، ثُمَّ جَاءَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَمَضَوْا عَلَى آثَارِهِمْ. ثُمَّ تَفَرَّقَتِ الطُّرُقُ بِالنَّاسِ، فَخِيَارُ النَّاسِ مَنْ وَافَقَهُ فِي الْمَقْصُودِ وَالطَّرِيقِ، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَنْ خَالَفَهُ فِي الْمَقْصُودِ وَالطَّرِيقِ؛ وَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ بِالْمَعْبُودِ، وَالْبِدْعَةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ فِي الْمَقْصُودِ وَخَالَفَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ فِي الطَّرِيقِ وَخَالَفَهُ فِي الْمَقْصُودِ. فَمَنْ كَانَ مُرَادُهُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَقَدْ وَافَقَهُ فِي الْمَقْصُودِ، فَإِنْ عَبَدَ اللَّهَ بِمَا بِهِ أَمَرَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَافَقَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ عَبَدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُ فِي الطَّرِيقِ. وَمَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْعِبَادَةِ، وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا الرِّيَاسَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ فِي الْمَقْصُودِ، وَإِنْ تَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ. فَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ، فَقَدْ خَالَفَهُ فِي الْمَقْصُودِ وَالطَّرِيقِ. فَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَقَوْلُ الشَّيْخِ " تَمَكُّنُ الْمُرِيدِ: أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ صِحَّةُ قَصْدٍ يُسَيِّرُهُ " إِشَارَةً إِلَى صِحَّةِ الْقَصْدِ. وَقَوْلُهُ: " وَلَمْعُ شُهُودٍ يَحْمِلُهُ " إِشَارَةً إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ، وَقُوَّةِ الْيَقِينِ، فَيَحْصُلُ لِقَلْبِهِ كَشْفٌ يَحْمِلُهُ عَلَى سُلُوكِهِ، فَإِنَّ السَّالِكَ إِذَا كُشِفَ لَهُ عَنْ مَقْصُودِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يُعَايِنُهُ جَدَّ فِي طَلَبِهِ، وَذَهَبَتْ عَنْهُ رُخَصُ الْفُتُورِ. وَقَوْلُهُ: " وَسِعَةُ طَرِيقٍ تُرَوِّحُهُ " إِشَارَةً إِلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ، وَذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: بِسِعَتِهَا حَتَّى لَا تَضِيقَ عَلَيْهِ، فَيَعْجَزُ عَنْ سُلُوكِهَا، وَبِاسْتِقَامَتِهَا حَتَّى لَا يَزِيغَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاسِعَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، وَطُرُقَ الْبَاطِلِ ضَيِّقَةٌ مُعْوَجَّةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِ الشَّيْخِ فِي الْعِلْمِ، وَوُقُوفِهِ مَعَ السُّنَّةِ، وَفِقْهِهِ فِي هَذَا الشَّأْنِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ تَمَكُّنُ السَّالِكِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَكُّنُ السَّالِكِ، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ صِحَّةُ انْقِطَاعٍ، وَبَرْقُ كَشْفٍ، وَضِيَاءُ حَالٍ. هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَتَمُّ مِمَّا قَبْلَهَا، فَإِنَّ تِلْكَ تَمَكُّنٌ فِي تَصْحِيحِ قَصْدِ الْأَعْمَالِ، وَهَذِهِ
পৃষ্ঠা - ১১৮২
تَمَكُّنٌ فِي حَالِ التَّمَكُّنِ، وَالتَّمَكُّنُ فِي الْحَالِ أَبْلَغُ مِنَ التَّمَكُّنِ فِي الْقَصْدِ. وَيُرِيدُ بِصِحَّةِ الِانْقِطَاعِ: انْقِطَاعَ قَلْبِهِ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَتَعَلُّقَهُ بِالشَّوَاغِلِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَكْدَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ لِقَلْبِهِ " بَرْقُ كَشْفٍ " يَجْعَلُ الْإِيمَانَ لَهُ كَالْعِيَانِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَحَالُهُ مَعَ اللَّهِ صَافٍ مِنْ مُعَارَضَاتِ السِّوَى، فَلَا يُعَارِضُ كَشْفُهُ شُبْهَةً، وَلَا هِمَّتُهُ إِرَادَةً، بَلْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ فِي انْقِطَاعِهِ وَشُهُودِهِ وَحَالِهِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ تَمَكُّنُ الْعَارِفِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: تَمَكُّنُ الْعَارِفِ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ فِي الْحَضْرَةِ فَوْقَ حَجْبِ الطَّلَبِ لَابِسًا نُورَ الْوُجُودِ. الْعَارِفُ فَوْقَ السَّالِكِ، وَلَا يُفَارِقُهُ السُّلُوكُ، لَكِنَّهُ مَعَ السُّلُوكِ قَدْ ظَفِرَ بِالْمَعْرِفَةِ، فَأَخَذَ مِنْهَا اسْمًا أَخَصَّ مِنَ اسْمِ السَّالِكِ، وَهَكَذَا الشَّأْنُ فِي سَائِرِ الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ، فَإِنَّهَا لَا تُفَارِقُ مَنْ تَرَقَّى فِيهَا، وَلَكِنْ إِذَا تَرَقَّى فِي مَقَامٍ أَخَذَ اسْمَهُ، وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْأَوَّلِ لَهُ. وَالْحَضْرَةُ يُرَادُ بِهَا حَضْرَةُ الْجَمْعِ، وَعِنْدِي: أَنَّهَا حَضْرَةُ دَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ مَقَامِ الْإِحْسَانِ، هَذِهِ حَضْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعَارِفِينَ. وَأَمَّا حَضْرَةُ الْجَمْعِ الَّتِي يُشِيرُونَ إِلَيْهَا فَكُلُّ فِرْقَةٍ تُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ، فَأَهْلُ الْفَنَاءِ يُرِيدُونَ حَضْرَةَ جَمْعِ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَهْلُ الْإِلْحَادِ: يُرِيدُونَ حَضْرَةَ جَمْعِ الْوُجُودِ فِي وُجُودٍ وَاحِدٍ، وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّالِكِينَ يُرِيدُونَ حَضْرَةَ جَمْعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ.
পৃষ্ঠা - ১১৮৩
وَإِذَا فُسِّرَتْ بِحَضْرَةِ دَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالتَّمَكُّنِ فِي مَقَامِ الْإِحْسَانِ كَانَ ذَلِكَ أَحْسَنَ وَأَصَحَّ، وَصَاحِبُ هَذِهِ الْحَضْرَةِ لِدَوَامِ مُرَاقَبَتِهِ قَدِ انْقَشَعَتْ عَنْهُ سُحُبُ الْغَفَلَاتِ، وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ تِلْكَ الْحَضْرَةِ الشَّوَاغِلُ الْمُلْهِيَاتُ. قَوْلُهُ: " فَوْقَ حُجُبِ الطَّلَبِ " يَعْنِي أَنَّ الْعَارِفَ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْ مَقَامِ الطَّلَبِ لِلْمَعْرِفَةِ إِلَى مَقَامِ حُصُولِهَا، وَالطَّالِبُ لِلْأَمْرِ دُونَ الْوَاصِلِ إِلَيْهِ، فَالطَّالِبُ بَعُدَ فِي حِجَابِ طَلَبِهِ، وَالْعَارِفُ قَدِ ارْتَفَعَ فَوْقَ حِجَابِ الطَّلَبِ بِمَا شَاهَدَهُ مِنَ الْحَقِيقَةِ، فَالطَّالِبُ شَيْءٌ، وَالْوَاجِدُ شَيْءٌ. وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ وَبَيَانٍ، فَإِنَّ الطَّلَبَ لَا يُفَارِقُ الْعَبْدَ، مَا دَامَتْ أَحْكَامُ الْعُبُودِيَّةِ تَجْرِي عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مُتَنَقِّلٌ فِي مَنَازِلِ الطَّلَبِ، يَنْتَقِلُ مِنْ عُبُودِيَّةٍ إِلَى عُبُودِيَّةٍ، وَالْمَعْبُودُ وَاحِدٌ جَلَّ وَعَلَا، لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَجَرُّدُ الْمَعْرِفَةِ عَنِ الطَّلَبِ؟ هَذَا مَوْضِعٌ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ، وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ، وَظَنَّ الْمَخْدُوعُونَ الْمَغْرُورُونَ أَنَّهُمْ قَدِ اسْتَغْنَوْا بِالْمَعْرِفَةِ عَنِ الطَّلَبِ، وَأَنَّ الطَّلَبَ وَسِيلَةٌ وَالْمَعْرِفَةَ غَايَةٌ، وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِالْوَسِيلَةِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَى الْغَايَةِ. فَهَؤُلَاءِ خَرَجُوا عَنِ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَعْدَ أَنْ شَمَّرُوا فِي السَّيْرِ فِيهَا، فَرُدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ بِذِكْرِ حَجْبِ الطَّلَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا مِنْكَ حِجَابٌ عَلَى مَطْلُوبِكَ، فَإِنْ وَقَفْتَ مَعَهُ فَأَنْتَ دُونَ الْحِجَابِ، وَإِنْ قَطَعْتَهُ إِلَى تَجْرِيدِ الْمَطْلُوبِ صِرْتَ فَوْقَ الْحِجَابِ، فَطَلَبُكَ وَإِرَادَتُكَ وَتَوَكُّلُكَ، وَحَالُكُ وَعَمَلُكَ كُلُّهُ حِجَابٌ، إِنْ وَقَفْتَ مَعَهُ أَوْ رَكَنْتَ إِلَيْهِ، وَإِنْ جَاوَزْتَهُ إِلَى الَّذِي أَنْتَ بِهِ وَلَهُ وَفِي يَدَيْهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَلَيْسَ لَكَ ذَرَّةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا بِهِ وَمِنْهُ، وَلَمْ تَقِفْ مَعَ طَلَبِكَ فِي إِرَادَتِكَ فَقَدْ صِرْتَ فَوْقَ حِجَابِ الطَّلَبِ. فَفِي الْحَقِيقَةِ: أَنْتَ حِجَابُ قَلْبِكَ عَنْ رَبِّكِ، فَإِذَا كَشَفْتَ الْحِجَابَ عَنِ الْقَلْبِ أَفْضَى إِلَى الرَّبِّ، وَوَصَلَ إِلَى الْحَضْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ. وَقَوْلُنَا: " إِذَا كَشَفْتَ الْحِجَابَ " إِخْبَارٌ عَنْ مَحَلِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِلَّا فَكَشْفُهُ لَيْسَ بِيَدِكَ، وَلَا أَنْتَ الْكَاشِفُ لَهُ، فَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَمِنْ أَعْظَمِ الضُّرِّ: حِجَابُ الْقَلْبِ عَنِ الرَّبِّ، وَهُوَ أَعْظَمُ عَذَابًا مِنَ الْجَحِيمِ، قَالَ