মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل الغرق

فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১১৭০
إِلَى مَوْجُودٍ سِوَاهُ، وَأَخْبَرَ: أَنَّ مَوْجُودَهُ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ غَرِيبٌ، فَكَيْفَ بِمَوْجُودِهِ الَّذِي لَا يَحْمِلُهُ عِلْمٌ، وَلَا يُظْهِرُهُ وَجْدٌ، وَلَا يَقُومُ بِهِ رَسْمٌ، وَلَا تُطِيقُهُ إِشَارَةٌ، وَلَا تَشْمَلُهُ عِبَارَةٌ؟ فَهَذَا أَشَدُّ غُرْبَةً. قَوْلُهُ: " فَغُرْبَةُ الْعَارِفِ: غُرْبَةُ الْغُرْبَةِ " وَ " الْغُرْبَةُ " أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ غَرِيبًا، مَعَ أَنَّ لَهُ نَسَبًا فِيهِمْ. وَأَمَّا غُرْبَةُ الْمَعْرِفَةِ: فَلَا يَبْقَى مَعَهَا نِسْبَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ إِلَّا بِوَجْهٍ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ فِي شَأْنٍ وَالنَّاسُ فِي شَأْنٍ آخَرَ، فَغُرْبَتُهُ غُرْبَةُ الْغُرْبَةِ. وَأَيْضًا فَالصَّالِحُونَ غُرَبَاءُ فِي النَّاسِ، وَالزَّاهِدُونَ غُرَبَاءُ فِي الصَّالِحِينَ، وَالْعَارِفُونَ غُرَبَاءُ فِي الزَّاهِدِينَ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَرِيبُ الدُّنْيَا وَغَرِيبُ الْآخِرَةِ. يَعْنِي: أَنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا لَا يَعْرِفُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَأَهْلَ الْآخِرَةِ الْعُبَّادَ الزُّهَّادَ لَا يَعْرِفُونَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ وَرَاءَ شَأْنِهِمْ، هِمَّتُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِبَادَةِ، وَهِمَّتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَعْبُودِ مَعَ قِيَامِهِ بِالْعِبَادَةِ، فَهُوَ يَرَى النَّاسَ وَالنَّاسُ لَا يَرَوْنَهُ، كَمَا قِيلَ: تَسَتَّرْتُ مِنْ دَهْرِي بِظِلِّ جَنَاحِهِ ... فَعَيْنِي تَرَى دَهْرِي وَلَيْسَ يَرَانِي فَلَوْ تَسْأَلِ الْأَيَّامَ مَا اسْمِي لَمَا دَرَتْ ... وَأَيْنَ مَكَانِي مَا عَرَفْنَ مَكَانِيَ [فَصْلُ الْغَرَقِ] [حَقِيقَةُ الْغَرَقِ] فَصْلُ الْغَرَقِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: (بَابُ الْغَرَقِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] هَذَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى مَنْ تَوَسَّطَ الْمَقَامَ، وَجَاوَزَ حَدَّ التَّفَرُّقِ. وَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِإِشَارَةِ الْآيَةِ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَ مَا بَلَغَ هُوَ وَوَلَدُهُ فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى الِامْتِثَالِ، وَالْعَزْمِ عَلَى إِيقَاعِ الذَّبْحِ الْمَأْمُورِ بِهِ: أَلْقَاهُ الْوَالِدُ عَلَى جَبِينِهِ فِي الْحَالِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ وَأَهْوَى إِلَى حَلْقِهِ، أَعْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ،
পৃষ্ঠা - ১১৭১
وَفَنِيَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَنْهُمَا، فَتَوَسَّطَ بَحْرَ جَمْعِ السِّرِّ وَالْقَلْبِ وَالْهَمِّ عَلَى اللَّهِ، وَجَاوَزَ حَدَّ التَّفْرِقَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ امْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ. قَوْلُهُ: " {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات: 103] " اسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا لِأَمْرِ اللَّهِ، فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ مُنَازَعَةٌ لَا مِنَ الْوَالِدِ وَلَا مِنَ الْوَلَدِ، بَلِ اسْتِسْلَامٌ صِرْفٌ وَتَسْلِيمٌ مَحْضٌ. قَوْلُهُ: " {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الفاتحة: 103 - 31870] " أَيْ: صَرَعَهُ عَلَى جَبِينِهِ، وَهُوَ جَانِبُ الْجَبْهَةِ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَتِلْكَ هِيَ هَيْئَةُ مَا يُرَادُ ذَبْحُهُ. قَوْلُهُ: " تَوَسَّطَ الْمَقَامَ " لَا يُرِيدُ بِهِ مَقَامًا مُعَيَّنًا، وَلِذَلِكَ أَبْهَمَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَ " الْمَقَامُ " عِنْدَهُمْ: مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِ، وَلَهُ بِدَايَةٌ وَتَوَسُّطٌ وَنِهَايَةٌ، فَ " الْغَرَقُ " الْمُشَارُ إِلَيْهِ: أَنْ يَصِيرَ فِي وَسَطِ الْمَقَامِ. فَإِنْ قِيلَ: الْغَرَقُ أَخَصُّ بِنِهَايَةِ الْمَقَامِ مِنْ تَوَسُّطِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِغْرَاقٌ فِيهِ بِحَيْثُ يَسْتَغْرِقُ قَلْبَهُ وَهَمَّهُ، فَكَيْفَ جَعَلَهُ الشَّيْخُ تَوَسُّطًا فِيهِ؟ قُلْتُ: لَمَّا كَانَتْ هِمَّةُ الطَّالِبِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَجْمُوعَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَمَّا سِوَاهُ، قَدْ فَارَقَ مَقَامَ التَّفْرِقَةِ، وَجَاوَزَ حَدَّهَا إِلَى مَقَامِ الْجَمْعِ، فَابْتَدَأَ فِي الْمَقَامِ وَأَوَّلُ كُلِّ مَقَامٍ يُشْبِهُ آخِرَ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَمَّا تَوَسَّطَ فِيهِ اسْتَغْرَقَ قَلْبَهُ وَهَمَّهُ وَإِرَادَتَهُ، كَمَا يَغْرَقُ مَنْ تَوَسَّطَ اللُّجَّةَ فِيهَا قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى آخِرِهَا. [دَرَجَاتُ الْغَرَقِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْحَالِ] قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ؛ الدَّرَجَةُ الْأُولَى: اسْتِغْرَاقُ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْحَالِ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ ظَفِرَ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَتَحَقَّقَ فِي الْإِشَارَةِ، فَاسْتَحَقَّ صِحَّةَ النِّسْبَةِ. هَذِهِ الدَّرَجَةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا هِيَ أَوَّلُ دَرَجَاتِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ عَالِمًا بِالشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ مُتَّصِفًّا بِالتَّخَلُّقِ بِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، فَالْعِلْمُ شَيْءٌ وَالْحَالُ شَيْءٌ آخَرٌ. فَعِلْمُ الْعِشْقِ وَالصِّحَّةِ وَالشُّكْرِ وَالْعَافِيَةِ غَيْرُ حُصُولِهَا وَالِاتِّصَافِ بِهَا، فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ صَارَ عِلْمُهُ بِهَا كَالْمَغْفُولِ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ، بَلْ صَارَ الْحُكْمُ لِلْحَالِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْرِفُ الْخَوْفَ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ، وَلَكِنْ إِذَا اتَّصَفَ بِالْخَوْفِ وَبَاشَرَ الْخَوْفُ قَلْبَهُ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ وَالِانْزِعَاجِ، وَاسْتَغْرَقَ عِلْمُهُ فِي حَالِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمَهُ لِغَلَبَةِ حَالِهِ عَلَيْهِ.
পৃষ্ঠা - ১১৭২
وَمَنْ هَذِهِ حَالُهُ فَقَدْ ظَفِرَ بِالِاسْتِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلُومَ إِذَا أَثْمَرَتِ الْأَحْوَالَ؛ كَانَتْ عَنْهَا الِاسْتِقَامَةُ فِي الْأَعْمَالِ وَوُقُوعُهَا عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ، وَتَحَقُّقُ صَاحِبِهَا فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَجَدَهُ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَمْ تَكُنْ إِشَارَتُهُ عَنْ تَخْمِينٍ وَظَنٍّ وَحُسْبَانٍ. وَاسْتَحَقَّ اسْمَ النِّسْبَةِ فِي صِحَّةِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] ، وَقَوْلِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] الْآيَاتِ، وَقَوْلِهِ: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] ، وَقَوْلِهِ: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 68] . وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا انْتَقَلَ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلْمِ وَحْدَهُ إِلَى أَحْكَامِ الْعَمَلِ بِالْحَالِ الْمُصَاحِبِ لِلْعِلْمِ، فَهُوَ عَامِلٌ بِالْمَوَاجِيدِ الْحَالِيَّةِ الْمَصْحُوبَةِ بِالْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ انْفِرَادَ الْعِلْمِ عَنِ الْحَالِ تَعْطِيلٌ وَبَطَالَةٌ، وَانْفِرَادُ الْحَالِ عَنِ الْعِلْمِ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ، وَالْأَكْمَلُ: أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ شُهُودِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ، وَإِنِ اسْتَغْرَقَهُ الْحَالُ عَنْ شُهُودِ الْعِلْمِ مَعَ قِيَامِهِ بِأَحْكَامِهِ؛ لَمْ يَضُرَّهُ. قَوْلُهُ: " وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ ظَفِرَ بِالِاسْتِقَامَةِ " أَيْ: هُوَ عَلَى مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ الْقَاصِدِ إِلَى اللَّهِ، الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ، وَ " الظَّفَرُ " هُوَ حُصُولُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَطْلُوبِهِ. قَوْلُهُ: " وَتَحَقَّقَ فِي الْإِشَارَةِ " أَيْ: إِشَارَتُهُ إِشَارَةُ تَحْقِيقٍ، لَيْسَتْ كَإِشَارَةِ صَاحِبِ الْبَرْقِ الَّذِي يَلُوحُ ثُمَّ يَذْهَبُ. قَوْلُهُ: " فَاسْتَحَقَّ صِحَّةَ النِّسْبَةِ " لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَامَ، وَصَحَّ حَالُهُ بِعَمَلِهِ، وَأَثْمَرَ عِلْمُهُ حَالَهُ: صَحَّتْ نِسْبَةُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ إِلَّا نِسْبَةَ الْعُبُودِيَّةِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِغْرَاقُ الْإِشَارَةِ فِي الْكَشْفِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: اسْتِغْرَاقُ الْإِشَارَةِ فِي الْكَشْفِ، وَهَذَا رَجُلٌ يَنْطِقُ عَنْ مَوْجُودِهِ، وَيَسِيرُ مَعَ مَشْهُودِهِ، وَلَا يُحِسُّ بِرُعُونَةِ رَسْمِهِ. إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَرْفَعُ مِمَّا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى غَايَتُهُ أَنْ
পৃষ্ঠা - ১১৭৩
يُشِيرَ إِلَى مَا تُحَقِّقُهُ وَإِنْ فَارَقَهُ، وَصَاحِبُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ قَدْ فَنِيَ عَنِ الْإِشَارَةِ، لِغَلَبَةِ تَوَالِي نُورِ الْكَشْفِ عَلَيْهِ، فَاسْتِغْرَاقُ الْإِشَارَةِ فِي الْكَشْفِ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِهَا فِيهِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدَهُمْ نِدَاءٌ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ، وَبَوْحٌ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ، وَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْعِلَلُ عَنْ صَاحِبِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ، فَاسْتَغْرَقَتْ إِشَارَتُهُ فِي كَشْفِهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِشَارَةٌ فِي الْكَشْفِ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِعُ الْإِشَارَةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْكَشْفِ لَهَا، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رُعُونَةِ رَسْمِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَلَا يُحِسُّ بِرُعُونَةِ رَسْمِهِ، وَرُعُونَةُ الرَّسْمِ: هِيَ الْتِفَاتُهُ إِلَى إِنِّيَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَهَذَا رَجُلٌ يَنْطِقُ عَنْ مَوْجُودِهِ. أَيْ: لَا يَسْتَعِيرُ مَا يَذْكُرُهُ مِنَ الذَّوْقِ وَالْوَجْدِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَكُونُ لِسَانُهُ نَاطِقًا بِهِ عَلَى حَالِ غَيْرِهِ وَمَوْجُودِهِ، فَهُوَ يَنْطِقُ عَنْ أَمْرٍ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ لَا وَصَّافٌ لَهُ. قَوْلُهُ: " وَيَسِيرُ مَعَ مَشْهُودِهِ " هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ؛ أَيْ: يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ شُهُودٍ وَكَشْفٍ، لَا مَعَ حِجَابٍ وَغَفْلَةٍ، فَهُوَ سَائِرٌ إِلَى اللَّهِ بِاللَّهِ مَعَ اللَّهِ. قَوْلُهُ: " وَلَا يُحِسُّ بِرُعُونَةِ رَسْمِهِ " الرَّسْمُ عِنْدَهُمْ هُوَ ذَاتُ الْعَبْدِ الَّتِي تَفْنَى عِنْدَ الشُّهُودِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَنَائِهَا عَدَمَهَا مِنَ الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ، بَلْ عَدَمَهَا مِنَ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ الْعِلْمِيِّ، هَذَا مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: فَنِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزَلْ. وَقَدْ يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ: اضْمِحْلَالُ الْوُجُودِ الْمُحْدَثِ الْحَاصِلِ بَيْنَ عَدَمَيْنِ، وَتَلَاشِيهِ فِي الْوُجُودِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. وَلِلْمُلْحِدِ هَاهُنَا مَجَالٌ يَجُولُ فِيهِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْوُجُودَ الْمُحْدَثَ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَإِنَّ الْوُجُودَ الْقَدِيمَ الدَّائِمَ وَحْدَهُ هُوَ الثَّابِتُ لَا وُجُودَ لِغَيْرِهِ، لَا فِي ذِهْنٍ وَلَا فِي خَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وُجُودٌ فَائِضٌ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى مَاهِيَّاتٍ مَعْدُومَةٍ، فَتَكْتَسِي بِعَيْنِ وَجُودِهِ بِحَسْبِ اسْتِعْدَادَاتِهَا، وَالْمَقْصُودُ: شَرْحُ كَلَامِ الشَّيْخِ. وَالْمُرَادُ بِرُعُونَةِ الرَّسْمِ هَاهُنَا: بَقِيَّةٌ تَبْقَى مِنْ صَاحِبِ الشُّهُودِ، لَا يُدْرِكُهَا لِضَعْفِهَا وَقِلَّتِهَا، وَاشْتِغَالِهِ بِنُورِ الْكَشْفِ عَنْ ظُلْمَتِهَا، فَهُوَ لَا يُحِسُّ بِهَا. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِغْرَاقُ الشَّوَاهِدِ فِي الْجَمْعِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِغْرَاقُ الشَّوَاهِدِ فِي الْجَمْعِ، وَهَذَا رَجُلٌ شَمَلَتْهُ أَنْوَارُ