মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل الغربة

فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১১৫৯
[فَصْلُ الْغُرْبَةِ] [حَقِيقَةُ الْغُرْبَةِ] فَصْلُ الْغُرْبَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: بَابُ الْغُرْبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116] . اسْتِشْهَادُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْغُرَبَاءَ فِي الْعَالَمِ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قَالُوا:
পৃষ্ঠা - ১১৬০
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَزِيدُونَ إِذَا نَقَصَ النَّاسُ» . فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَحْفُوظًا لَمْ يَنْقَلِبْ عَلَى الرَّاوِي لَفْظُهُ وَهُوَ: الَّذِينَ يَنْقُصُونَ إِذَا زَادَ النَّاسُ فَمَعْنَاهُ: الَّذِينَ يَزِيدُونَ خَيْرًا وَإِيمَانًا وَتُقًى إِذَا نَقَصَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» . وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» . وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ، يَجْتَمِعُونَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ» . وَقَالَ نَافِعٌ، عَنْ مَالِكٍ: دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَالِسًا إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَلَكَ أَخُوكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِياءَ الْأَحْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ
পৃষ্ঠা - ১১৬১
يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ» . فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْغُرَبَاءُ الْمَمْدُوحُونَ الْمَغْبُوطُونَ، وَلِقِلَّتِهِمْ فِي النَّاسِ جِدًّا؛ سُمُّوا غُرَبَاءَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي النَّاسِ غُرَبَاءُ، وَالْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ غُرَبَاءُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُؤْمِنِينَ غُرَبَاءُ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَهَا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَهُمْ غُرَبَاءُ، وَالدَّاعُونَ إِلَيْهَا الصَّابِرُونَ عَلَى أَذَى الْمُخَالِفِينَ هُمْ أَشَدُّ هَؤُلَاءِ غُرْبَةً، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا، فَلَا غُرْبَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا غُرْبَتُهُمْ بَيْنَ الْأَكْثَرِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْغُرَبَاءُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، وَغُرْبَتُهُمْ هِيَ الْغُرْبَةُ الْمُوحِشَةُ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمَعْرُوفِينَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ، كَمَا قِيلَ: فَلَيْسَ غَرِيبًا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ ... وَلَكِنَّ مَنْ تَنْأَيْنَ عَنْهُ غَرِيبُ وَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَارِبًا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ انْتَهَى إِلَى مَدْيَنَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، وَهُوَ وَحِيدٌ غَرِيبٌ خَائِفٌ جَائِعٌ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَحِيدٌ مَرِيضٌ غَرِيبٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى الْوَحِيدُ: مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي أَنِيسٌ، وَالْمَرِيضُ: مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي طَبِيبٌ، وَالْغَرِيبُ: مَنْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ. [أَنْوَاعُ الْغُرْبَةِ] [الْأَوَّلُ غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ] فَالْغُرْبَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: غُرْبَةُ أَهْلِ اللَّهِ وَأَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِهِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ، وَهِيَ الْغُرْبَةُ الَّتِي مَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهَا، وَأَخْبَرَ عَنِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ: أَنَّهُ بَدَأَ غَرِيبًا وَأَنَّهُ سَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَأَنَّ أَهْلَهُ يَصِيرُونَ غُرَبَاءَ. وَهَذِهِ الْغُرْبَةُ قَدْ تَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَبَيْنَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَلَكِنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْغُرْبَةِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَأْوُوا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَدْعُوا إِلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ فَارَقُوا النَّاسَ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا انْطَلَقَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ آلِهَتِهِمْ بَقُوا فِي مَكَانِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَا تَنْطَلِقُونَ حَيْثُ انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَا النَّاسَ وَنَحْنُ أَحْوَجُ إِلَيْهِمْ مِنَّا
পৃষ্ঠা - ১১৬২
الْيَوْمَ، وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُهُ. فَهَذِهِ الْغُرْبَةُ لَا وَحْشَةَ عَلَى صَاحِبِهَا، بَلْ وَآنَسُ مَا يَكُونُ إِذَا اسْتَوْحَشَ النَّاسُ، وَأَشَدُّ مَا تَكُونُ وَحْشَتُهُ إِذَا اسْتَأْنَسُوا، فَوَلِيُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَإِنْ عَادَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَجَفَوْهُ. وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَنِ اللَّهِ تَعَالَى «إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي: لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِّ ذُو حَظٍّ مِنْ صَلَاتِهِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَامِضًا فِي النَّاسِ، لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، ثُمَّ حَلَّتْ مَنِيَّتُهُ، وَقَلَّ تُرَاثُهُ، وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ» . وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءِ: مَنْ ذَكَرَهُمْ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كُلُّ ضَعِيفٍ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ لَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، وَلَا يُنَافِسُ فِي عَزْلِهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ وَلَهُ حَالٌ، النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي تَعَبٍ. وَمِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ غَبَطَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ، إِذَا
পৃষ্ঠা - ১১৬৩
رَغِبَ عَنْهَا النَّاسُ، وَتَرْكُ مَا أَحْدَثُوهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ وَتَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَتَرْكُ الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا شَيْخَ وَلَا طَرِيقَةَ وَلَا مَذْهَبَ وَلَا طَائِفَةَ، بَلْ هَؤُلَاءِ الْغُرَبَاءُ مُنْتَسِبُونَ إِلَى اللَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَإِلَى رَسُولِهِ بِالِاتِّبَاعِ لِمَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْقَابِضُونَ عَلَى الْجَمْرِ حَقًّا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ بَلْ كُلُّهُمْ لَائِمٌ لَهُمْ. فَلِغُرْبَتِهِمْ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ: يَعُدُّونَهُمْ أَهْلَ شُذُوذٍ وَبِدْعَةٍ، وَمُفَارَقَةٍ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَمِ. وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمُ النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ رَسُولَهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى أَدْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَهُمْ بَيْنَ عُبَّادِ أَوْثَانٍ وَنِيرَانٍ، وَعُبَّادِ صُوَرٍ وَصُلْبَانٍ، وَيَهُودٍ وَصَابِئَةٍ وَفَلَاسِفَةٍ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ غَرِيبًا، وَكَانَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ غَرِيبًا فِي حَيِّهِ وَقَبِيلَتِهِ وَأَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ. فَكَانَ الْمُسْتَجِيبُونَ لِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ نُزَّاعًا مِنَ الْقَبَائِلِ، بَلْ آحَادًا مِنْهُمْ تَغَرَّبُوا عَنْ قَبَائِلِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانُوا هُمُ الْغُرَبَاءُ حَقًّا، حَتَّى ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، فَزَالَتْ تِلْكَ الْغُرْبَةُ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الِاغْتِرَابِ وَالتَّرَحُّلِ، حَتَّى عَادَ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، بَلِ الْإِسْلَامُ الْحَقُّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ هُوَ الْيَوْمَ أَشَدُّ غُرْبَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَامُهُ وَرُسُومُهُ الظَّاهِرَةُ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَالْإِسْلَامُ الْحَقِيقِيُّ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَهْلُهُ غُرَبَاءُ أَشَدُّ الْغُرْبَةِ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَيْفَ لَا تَكُونُ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا غَرِيبَةً بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، ذَاتَ أَتْبَاعٍ وَرِئَاسَاتٍ وَمَنَاصِبَ وَوِلَايَاتٍ، وَلَا يَقُومُ لَهَا سُوقٌ إِلَّا بِمُخَالَفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنَّ نَفْسَ مَا جَاءَ بِهِ يُضَادُّ أَهْوَاءَهُمْ وَلَذَّاتِهِمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبْهَاتِ وَالْبِدَعِ الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى فَضِيلَتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي هِيَ غَايَاتُ مَقَاصِدِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ؟ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ السَّائِرُ إِلَى اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ غَرِيبًا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَأَطَاعُوا شُحَّهُمْ، وَأُعْجِبَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِرَأْيِهِ؟ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا صَبْرُ الصَّابِرِ فِيهِنَّ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» . وَلِهَذَا جُعِلَ لِلْمُسْلِمِ الصَّادِقِ فِي هَذَا الْوَقْتِ إِذَا تَمَسَّكَ بِدِينِهِ: أَجْرُ
পৃষ্ঠা - ১১৬৪
خَمْسِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكِ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ؛ الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» . وَهَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ إِنَّمَا هُوَ لِغُرْبَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ بَيْنَ ظُلُمَاتِ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ. فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي قَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ بَصِيرَةً فِي دِينِهِ، وَفِقْهًا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَفَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَأَرَاهُ مَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ وَتَنَكُّبِهِمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْلُكَ هَذَا الصِّرَاطَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى قَدْحِ الْجُهَّالِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ فِيهِ، وَطَعْنِهِمْ عَلَيْهِ، وَإِزْرَائِهِمْ بِهِ وَتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْهُ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْهُ، كَمَا كَانَ سَلَفُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ يَفْعَلُونَ مَعَ مَتْبُوعِهِ وَإِمَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا إِنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدَحَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ: فَهُنَالِكَ تَقُومُ قِيَامَتُهُمْ وَيَبْغُونَ لَهُ الْغَوَائِلَ وَيَنْصِبُونَ لَهُ الْحَبَائِلَ وَيَجْلِبُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلِ كَبِيرِهِمْ وَرِجْلِهِ. فَهُوَ غَرِيبٌ فِي دِينِهِ لِفَسَادِ أَدْيَانِهِمْ، غَرِيبٌ فِي تَمَسُّكِهِ بِالسُّنَّةِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْبِدَعِ، غَرِيبٌ فِي اعْتِقَادِهِ لِفَسَادِ عَقَائِدِهِمْ، غَرِيبٌ فِي صِلَاتِهِ لِسُوءِ صِلَاتِهِمْ، غَرِيبٌ فِي طَرِيقِهِ لِضَلَالِ وَفَسَادِ طُرُقِهِمْ، غَرِيبٌ فِي نِسْبَتِهِ لِمُخَالَفَةِ نَسَبِهِمْ، غَرِيبٌ فِي مُعَاشَرَتِهِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُعَاشِرُهُمْ عَلَى مَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَهُوَ غَرِيبٌ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ لَا يَجِدُ مِنَ الْعَامَّةِ مُسَاعِدًا وَلَا مُعِينًا فَهُوَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، صَاحِبُ سُنَّةٍ بَيْنَ أَهْلِ بِدَعٍ، دَاعٍ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَيْنَ دُعَاةٍ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ بَيْنَ قَوْمٍ الْمَعْرُوفُ لَدَيْهِمْ مُنْكَرٌ وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفٌ.
পৃষ্ঠা - ১১৬৫
[فَصْلٌ الثَّانِي غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ] فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْغُرْبَةِ غُرْبَةٌ مَذْمُومَةٌ وَهِيَ غُرْبَةُ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ، فَهِيَ غُرْبَةٌ بَيْنَ حِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ وَإِنْ كَثُرَ أَهْلُهَا فَهُمْ غُرَبَاءُ عَلَى كَثْرَةِ أَصْحَابِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ، أَهْلُ وَحْشَةٍ عَلَى كَثْرَةِ مُؤْنِسِهِمْ، يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، وَيَخْفَوْنَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ. [فَصْلٌ الثَّالِثُ غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ] فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ: غُرْبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَا تُحْمَدُ وَلَا تُذَمُّ وَهِيَ الْغُرْبَةُ عَنِ الْوَطَنِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ غُرَبَاءُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارِ مَقَامٍ، وَلَا هِيَ الدَّارُ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» . وَهَكَذَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُطَالِعَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَيَعْرِفَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى ... نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي ... لَهَا أَضْحَتِ الْأَعَدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا نَأَى ... وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ لَيْسَ يَنْعَمُ فَمِنْ أَجْلِ ذَا لَا يَنْعَمُ الْعَبْدُ سَاعَةً ... مِنَ الْعُمْرِ إِلَّا بَعْدَ مَا يَتَأَلَّمُ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَرِيبًا، وَهُوَ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، لَا يَحِلُّ عَنْ رَاحِلَتِهِ إِلَّا بَيْنَ أَهْلِ الْقُبُورِ؟ فَهُوَ مُسَافِرٌ فِي صُورَةِ قَاعِدٍ، وَقَدْ قِيلَ: وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلَّا مَرَاحِلُ ... يَحُثُّ بِهَا دَاعٍ إِلَى الْمَوْتِ قَاصِدُ وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا ... مَنَازِلُ تُطْوَى وَالْمُسَافِرُ قَاعِدُ
পৃষ্ঠা - ১১৬৬
[فَصْلٌ دَرَجَاتُ الِاغْتِرَابِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ] فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: الِاغْتِرَابُ: أَمْرٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الِانْفِرَادِ عَنِ الْأَكْفَاءِ. يُرِيدُ: أَنَّ كُلَّ مَنِ انْفَرَدَ بِوَصْفٍ شَرِيفٍ دُونَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، فَإِنَّهُ غَرِيبٌ بَيْنَهُمْ؛ لِعَدَمِ مُشَارِكِهِ أَوْ لِقِلَّتِهِ. قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ؛ الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْغُرْبَةُ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَهَذَا الْغَرِيبُ مَوْتُهُ شَهَادَةٌ، وَيُقَاسُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ إِلَى وَطَنِهِ، وَيُجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. لَمَّا كَانَتِ الْغُرْبَةُ هِيَ انْفِرَادٌ، وَالِانْفِرَادُ إِمَّا بِالْجِسْمِ وَإِمَّا بِالْقَصْدِ وَالْحَالِ وَإِمَّا بِهِمَا كَانَ الْغَرِيبُ غَرِيبَ جِسْمٍ، أَوْ غَرِيبَ قَلْبٍ وَإِرَادَةٍ وَحَالٍ، أَوْ غَرِيبًا بِالِاعْتِبَارَيْنِ. قَوْلُهُ: " وَهَذَا الْغَرِيبُ مَوْتُهُ شَهَادَةٌ " يُشِيرُ بِهِ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ
পৃষ্ঠা - ১১৬৭
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَيُقَاسُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ إِلَى وَطَنِهِ " فَيُشِيرُ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «تُوفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَيْتَهُ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيٍّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: يَا لَهُ لَوْ مَاتَ غَرِيبًا، فَقِيلَ: وَمَا لِلْغَرِيبِ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ غَرِيبٍ يَمُوتُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، إِلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ تُرْبَتِهِ إِلَى مَوْلِدِهِ فِي الْجَنَّةِ» . قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ. قِيلَ: وَمَا الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ غُرْبَةُ الْحَالِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: غُرْبَةُ الْحَالِ، وَهَذَا مِنْ الْغُرَبَاءِ الَّذِينَ طُوبَى لَهُمْ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ فِي زَمَانٍ فَاسِدٍ بَيْنَ قَوْمٍ فَاسِدِينَ، أَوْ عَالِمٌ بَيْنَ قَوْمٍ جَاهِلِينَ، أَوْ صِدِّيقٌ بَيْنَ قَوْمٍ مُنَافِقِينَ. يُرِيدُ بِالْحَالِ هَاهُنَا: الْوَصْفَ الَّذِي قَامَ بِهِ مِنَ الدِّينِ وَالْتَمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ، وَلَا يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ الِاصْطِلَاحِيَّ عِنْدَ الْقَوْمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْعَالِمُ بِالْحَقِّ، الْعَامِلُ بِهِ، الدَّاعِي إِلَيْهِ. وَجَعَلَ الشَّيْخُ الْغُرَبَاءَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: صَاحِبَ صَلَاحٍ وَدِينٍ بَيْنَ قَوْمٍ فَاسِدِينَ، وَصَاحِبَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ، وَصَاحِبَ صِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ بَيْنَ أَهْلِ
পৃষ্ঠা - ১১৬৮
كَذِبٍ وَنِفَاقٍ، فَإِنَّ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ وَأَحْوَالَهُمْ تُنَافِي صِفَاتِ مَنْ هُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَمَثَلُ هَؤُلَاءِ بَيْنَ أُولَئِكَ كَمَثَلِ الطَّيْرِ الْغَرِيبِ بَيْنَ الطُّيُورِ، وَالْكَلْبِ الْغَرِيبِ بَيْنَ الْكِلَابِ. وَالصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي صَدَقَ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَصَدَّقَ الْحَقَّ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، فَقَدِ انْجَذَبَتْ قُوَاهُ كُلُّهَا لِلِانْقِيَادِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، عَكْسُ الْمُنَافِقِ الَّذِي ظَاهِرُهُ خِلَافُ بَاطِنِهِ وَقَوْلُهُ خِلَافُ عَمَلِهِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ غُرْبَةُ الْهِمَّةِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: غُرْبَةُ الْهِمَّةِ، وَهِيَ غُرْبَةُ طَلَبِ الْحَقِّ، وَهِيَ غُرْبَةُ الْعَارِفِ؛ لِأَنَّ الْعَارِفَ فِي شَاهِدِهِ غَرِيبٌ، وَمَصْحُوبَهُ فِي شَاهِدِهِ غَرِيبٌ، وَمَوْجُودَهُ لَا يَحْمِلُهُ عِلْمٌ أَوْ يُظْهِرُهُ وَجْدٌ، أَوْ يَقُومُ بِهِ رَسْمٌ، أَوْ تُطِيقُهُ إِشَارَةٌ، أَوْ يَشْمَلُهُ اسْمُ غَرِيبٍ، فَغُرْبَةُ الْعَارِفِ غُرْبَةُ الْغُرْبَةِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ الْأُولَى غُرْبَةٌ بِالْأَبْدَانِ. وَالثَّانِيَةَ: غُرْبَةٌ بِالْأَفْعَالِ وَالْأَحْوَالِ. وَهَذِهِ الثَّالِثَةَ: غُرْبَةٌ بِالْهِمَمِ. فَإِنَّ هِمَّةَ الْعَارِفِ حَائِمَةٌ حَوْلَ مَعْرُوفِهِ، فَهُوَ غَرِيبٌ فِي أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، فَضْلًا عَنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ طَالِبَ الْآخِرَةِ غَرِيبٌ فِي أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. قَوْلُهُ: " لِأَنَّ الْعَارِفَ فِي شَاهِدِهِ غَرِيبٌ " شَاهِدُ الْعَارِفِ: هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ عِنْدَهُ وَلَهُ بِصِحَّةِ مَا وَجَدَ وَأَنَّهُ كَمَا وَجَدَ، وَبِثُبُوتِ مَا عَرَفَ وَأَنَّهُ كَمَا عَرَفَ. وَهَذَا الشَّاهِدُ: أَمْرٌ يَجِدُهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَهُوَ قُرْبُهُ مِنَ اللَّهِ، وَأُنْسُهُ بِهِ، وَشِدَّةُ شَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ وَفَرَحِهِ بِهِ، فَهَذَا شَاهِدُهُ فِي سِرِّهِ وَقَلْبِهِ. وَلَهُ شَاهِدٌ فِي حَالِهِ وَعَمَلِهِ، يُصَدِّقُ هَذَا الشَّاهِدَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ. وَلَهُ شَاهِدٌ فِي قُلُوبِ الصَّادِقِينَ، يُصَدِّقُ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنَّ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ لَا تَشْهَدُ بِالزُّورِ أَلْبَتَّةَ، فَإِذَا أُخْفِيَ عَلَيْكَ شَأْنُكُ وَحَالُكُ، فَاسْأَلْ عَنْكَ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ؛ فَإِنَّهَا تُخْبِرُكَ عَنْ حَالِكَ. قَوْلُهُ: " وَمَصْحُوبَهُ فِي شَاهِدِهِ غَرِيبٌ " مَصْحُوبُهُ فِي شَاهِدِهِ؛ هُوَ الَّذِي يَصْحَبُهُ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ، وَهُوَ غَرِيبٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَطِقْ طَعْمَ هَذَا الشَّأْنِ، بَلْ هُوَ فِي وَادٍ وَأَهْلُهُ فِي وَادٍ.
পৃষ্ঠা - ১১৬৯
وَقَوْلُهُ: وَمَوْجُودَهُ لَا يَحْمِلُهُ عِلْمٌ إِلَى آخِرِهِ. يُرِيدُ بِمَوْجُودِهِ: مَا يَجِدُهُ فِي شُهُودِهِ وِجْدَانًا ذَاتِيًّا حَقِيقِيًّا فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ يَشْمَلُهَا كُلُّهَا حَالَةَ الْمُشَاهَدَةِ. فَأَمَّا مَا يَحْمِلُهُ الْعِلْمُ: فَهُوَ أَحْكَامُ الْعِلْمِ الَّتِي مَتَى انْسَلَخَ مِنْهَا انْسَلَخَ مِنَ الْإِيمَانِ. وَمَوْجُودُهُ فِي هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ فِي هَذَا الْحَالِ، هُوَ إِصَابَتُهُ وَجْهَ الصَّوَابِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِشَرْعِهِ وَأَمْرِهِ، وَهَذِهِ الْإِصَابَةُ غَرِيبَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ هِيَ مَتْرُوكَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ الْحَلَالُ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ مَنْ قَلَّدُوهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا أَفْتَى بِهِ، يُقَدَّمُ عَلَى النُّصُوصِ، وَتُتْرَكُ لَهُ أَقْوَالُ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: " أَوْ يُظْهِرُهُ وَجْدٌ " الْوَجْدُ: يُظْهِرُ أُمُورًا يُنْكِرُهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الْوَجْدُ، وَيَعْرِفُهَا مَنْ كَانَ لَهُ، وَهَذَا الْوَجْدُ إِنْ شَهِدَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْقَبُولِ وَزَكَّاهُ، فَهُوَ وَجْدٌ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَهُوَ وَجْدٌ فَاسِدٌ وَفِيهِ انْحِرَافٌ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا يُظْهِرُهُ وَجْدُ هَذَا الْعَارِفِ بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ غَرِيبٌ عَلَى غَيْرِهِ، بِحَسَبِ هِمَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَطَلَبِهِ. قَوْلُهُ: " أَوْ يَقُومُ بِهِ رَسْمٌ " الرَّسْمُ: هُوَ الصُّورَةُ الْخَلْقِيَّةُ وَصِفَاتُهَا وَأَفْعَالُهَا عِنْدَهُمْ، وَالَّذِي يَقُومُ بِهِ هَذَا الرَّسْمُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُهُ مَنْ تَعَلَّقَ اسْمُ الْقَيُّومِ بِهِ، فَإِنَّ الْقَيُّومَ هُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِي قِيَامُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ؛ أَيْ: هُوَ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ، فَلَا قِيَامَ لِغَيْرِهِ بِدُونِ إِقَامَتِهِ لَهُ، وَقِيَامُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ مَا يَقْوَى رَسْمُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ مَا لَا يَقْوَى رَسْمُ الْعَبْدِ عَلَى إِظْهَارِهِ وَلَا الْقِيَامِ بِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ كَلَامِهِ، وَسِيَاقُهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ تُطِيقُهُ إِشَارَةٌ؛ أَيْ: لَا تَقْدِرُ عَلَى إِفْهَامِهِ وَإِظْهَارِهِ إِشَارَةٌ، فَتَنْهَضُ الْإِشَارَةُ بِكَشْفِهِ. ثُمَّ قَالَ: أَوْ يَشْمَلُهُ رَسْمٌ، يَعْنِي: أَوْ تَنَالُهُ عِبَارَةٌ. فَذَكَرَ الشَّيْخُ خَمْسَ مَرَاتِبَ؛ الْأُولَى: مَرْتَبَةُ حَمْلِ الْعِلْمِ لَهُ. الثَّانِيَةُ: مَرْتَبَةُ إِظْهَارِ الْوَجْدِ لَهُ. الثَّالِثَةُ: مَرْتَبَةُ قِيَامِ الرَّسْمِ بِهِ. الرَّابِعَةُ: مَرْتَبَةُ إِطَاقَةِ الْإِشَارَةِ لَهُ. الْخَامِسَةُ: مَرْتَبَةُ شُمُولِ الْعِبَارَةِ لَهُ. وَمَقْصُودُهُ: أَنَّ مَوْجُودَ الْعَارِفِ أَخْفَى وَأَدَقُّ مِنْ مَوْجُودِ غَيْرِهِ، فَهُوَ غَرِيبٌ بِالنِّسْبَةِ