মাদারিজ আস-সালেকিন

فصل في منازل إياك نعبد

فصل في منزلة الهيمان

حقيقة الهيمان

درجات الهيمان

فصل الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقي أحدا
পৃষ্ঠা - ১০৫৪
[فَصْلٌ فِي مَنْزِلَةِ الْهَيَمَانِ] [حَقِيقَةُ الْهَيَمَانِ] وَقَدْ يَعْرِضُ لِلسَّالِكِ عِنْدَ وُرُودِ بَعْضِ الْمَعَانِي وَالْوَارِدَاتِ الْعَجِيبَةِ عَلَى قَلْبِهِ: فَرْطُ تَعَجُّبٍ، وَاسْتِحْسَانٍ وَاسْتِلْذَاذٍ، يُزِيلُ عَنْهُ تَمَاسُكَهُ، فَيُورِثُهُ ذَلِكَ الْهَيَمَانَ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِ السَّيْرِ، وَلَا مَنَازِلِ الطَّرِيقِ الْمَقْصُودَةِ بِالنُّزُولِ فِيهَا لِلْمُسَافِرِينَ. خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَنَازِلِ. حَيْثُ عَدَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَى الْمَنَازِلِ وَغَايَاتِهَا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَيَمَانِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَا فِي لِسَانِ سَلَفِ الْقَوْمِ. وَقَدْ تَكَلَّفَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ الِاسْتِشْهَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] وَمَا أَبْعَدَ الْآيَةَ مِنَ اسْتِشْهَادِهِ. وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مُوسَى ذَهَبَ عَنْ تَمَاسُكِهِ، لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْخِطَابِ وَالتَّكْلِيمِ الْإِلَهِيِّ فَأَوْرَثَهُ ذَلِكَ هَيَمَانًا صُعِقَ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ. وَإِنَّمَا صُعِقَ مُوسَى عِنْدَ تَجَلِّي الرَّبِّ تَعَالَى لِلْجَبَلِ وَاضْمِحْلَالِهِ، وَتَدَكْدُكِهِ مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ تَعَالَى. فَالِاسْتِشْهَادُ بِالْآيَةِ فِي مَنْزِلَةِ الْفَنَاءِ الَّتِي تَضْمَحِلُّ فِيهَا الرُّسُومُ: أَنْسَبُ وَأَظْهَرُ. لِأَنَّ تَدَكْدُكَ الْجَبَلِ: هُوَ اضْمِحْلَالُ رَسْمِهِ عِنْدَ وُرُودِ نُورِ التَّجَلِّي عَلَيْهِ. وَالصَّعْقُ فَنَاءٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِهَذَا الْوَارِدِ الْمُفْنِي لِبَشَرِيَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ حَدَّهُ بِأَنَّهُ الذَّهَابُ عَنِ التَّمَاسُكِ تَعَجُّبًا أَوْ حَيْرَةً. يَعْنِي: أَنَّ الْهَائِمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِمْسَاكِ نَفْسِهِ لِلْوَارِدِ تَعَجُّبًا مِنْهُ وَحَيْرَةً. قَالَ: وَهُوَ أَثْبَتُ دَوَامًا، وَأَمْلَكُ لِلنَّعْتِ مِنَ الدَّهِشِ. يَعْنِي: أَنَّ الْهَائِمَ قَدْ يَسْتَمِرُّ هَيَمَانُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً. بِخِلَافِ الْمَدْهُوشِ. وَصَاحِبُ الْهَيَمَانِ يَمْلِكُ عِنَانَ الْقَوْلِ. فَيُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَيَتَمَكَّنُ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ. وَأَمَّا الدَّهِشُ: فَلِضِيقِ مَعْنَاهُ، وَقِصَرِ زَمَانِهِ: لَمْ يَمْلِكِ النَّعْتَ. فَالْهَائِمُ أَمْلَكُ بِنَعْتِ حَالِهِ وَوَارِدِهِ مِنَ الْمَدْهُوشِ. [دَرَجَاتُ الْهَيَمَانِ] [الدَّرَجَةُ الْأُولَى هَيَمَانٌ فِي شِيَمِ أَوَائِلِ بَرْقِ اللُّطْفِ عِنْدَ قَصْدِ الطَّرِيقِ] قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الْأُولَى: هَيَمَانٌ فِي شِيَمِ أَوَائِلِ بَرْقِ اللُّطْفِ عِنْدَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫
قَصْدِ الطَّرِيقِ، مَعَ مُلَاحَظَةِ الْعَبْدِ خِسَّةَ قَدْرِهِ، وَسَفَالَةَ مَنْزِلَتِهِ. وَتَفَاهَةَ قِيمَتِهِ يُرِيدُ: أَنَّ الْقَاصِدَ لِلسُّلُوكِ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَوَاقِعِ لُطْفِ رَبِّهِ بِهِ - حَيْثُ أَهَّلَهُ لِمَا لَمْ يُؤَهِّلْ لَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الْغَفْلَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ - أَوْرَثَهُ ذَلِكَ النَّظَرُ تَعَجُّبًا يُوقِعُهُ فِي نَوْعٍ مِنَ الْهَيَمَانِ. قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ فِي الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ " «إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الْبَلَاءِ فَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» " تَدْرُونَ مَنْ هُمْ أَهْلُ الْبَلَاءِ؟ هُمْ أَهْلُ الْغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ. وَتَقْوَى هَذِهِ الْحَالُ إِذَا انْضَافَ إِلَيْهَا شُهُودُ الْعَبْدِ خِسَّةَ قَدْرِ نَفْسِهِ. فَاسْتَصْغَرَهَا أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِمَا أُهِّلَتْ لَهُ. وَكَذَلِكَ شُهُودُ سَفَالَةِ مَنْزِلَتِهِ أَيِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ، وَكَذَلِكَ شُهُودُ تَفَاهَةِ قِيمَتِهِ أَيْ خِسَّتِهَا وَقِلَّتِهَا. وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ: احْتِقَارُهُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتِعْظَامُهُ لِلُطْفِ رَبِّهِ بِهِ، وَتَأْهِيلِهِ لَهُ. فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ: الْهَيَمَانُ الْمَذْكُورُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الشُّهُودَيْنِ: أُمُورٌ أُخْرَى، أَجَلُّ وَأَعْظَمُ، وَأَشْرَفُ مِنَ الْهَيَمَانِ - مِنْ مَحَبَّةٍ وَحَمْدٍ وَشُكْرٍ، وَعَزْمٍ وَإِخْلَاصٍ، وَنَصِيحَةٍ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَسُرُورٍ وَفَرَحٍ بِرَبِّهِ، وَأُنْسٍ بِهِ - هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا. بِخِلَافِ عَارِضِ الْهَيَمَانِ. فَإِنَّهُ لَا يُطْلَبُ لِذَاتِهِ. وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ. [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ] فَصْلٌ قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: هَيَمَانٌ فِي تَلَاطُمِ أَمْوَاجِ التَّحْقِيقِ، عِنْدَ ظُهُورِ بَرَاهِينِهِ، وَتَوَاصُلِ عَجَائِبِهِ، وَلَوَامِعِ أَنْوَارِهِ. يُرِيدُ: أَنَّ السَّالِكَ وَالْمُرِيدَ إِذَا لَاحَتْ لَهُ أَنْوَارُ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ: اهْتَدَى بِهَا إِلَى الْقَصْدِ، عَنْ بَصِيرَةٍ مُسْتَجَدَّةٍ، وَيَقَظَةٍ مُسْتَعِدَّةٍ. فَاسْتَنَارَ بِهَا قَلْبُهُ، وَأَشْرَقَ لَهَا سِرُّهُ. فَتَلَاطَمَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ. فَهَامَ قَلْبُهُ فِيهَا. وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ بِالذَّوْقِ كُلُّ طَالِبٍ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ انْفَتَحَتْ لَهُ الطُّرُقُ وَالْأَبْوَابُ إِلَى تَحْصِيلِهِ. وَيُرِيدُ بِتَوَاصُلِ عَجَائِبِهِ: تَتَابُعُ عَجَائِبِ التَّحْقِيقِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا لَا يُحْجَبُ عَنْ