إنكار ابن الجوزي على استمرار حياة الخضر
পৃষ্ঠা - ৫৫
الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - فَهُوَ من الْأَحْيَاء عِنْد جَمَاهِير الْخَاصَّة من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ، والعامة مَعَهم فِي ذَلِك. وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكار ذَلِك بعض أهل الحَدِيث.
وَهُوَ - صلى الله عَلَيْهِ، وعَلى نَبينَا، والنبيين، وَآل كل، وَسلم - نَبِي.
وَاخْتلفُوا فِي كَونه مُرْسلا. وَالله اعْلَم ".
لَا يفوتني أَن اقول مكررا: إِن الْجُزْء الْأَخير من هَذِه الْفَتْوَى الَّتِي نَحن بصدد الْبَحْث عَنْهَا، لَا يتَّفق صلابة عقيدة ابْن تَيْمِية، وتمسكه الشَّديد بِالْكتاب وَالسّنة، وتبحره فِي علومها، وَلَا يُمكن - عِنْدِي - أَن يعْتَقد فِي الْخضر مَا يُخَالف صَرِيح الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول.
فبالنظر إِلَى ذَلِك لما وجدت هَذَا الرَّأْي الشاذ، فِي هَذَا السّفر الديني الْعَظِيم، وَهَذِه الموسوعة الْفِقْهِيَّة الْكَبِيرَة، وَهَذِه الخزانة العلمية الهادفة (مَجْمُوع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام) قُمْت بتحقيقه وتخريجه ونقده - بِفضل الله عز وَجل -، ليَكُون القاريء على بَيِّنَة من الْأَمر، ويتبين لَدَيْهِ الْخَطَأ من الصَّوَاب.
فَإِن أصبت فِي ذَلِك فَمن الله عز وَجل، وَإِن أَخْطَأت فَمن الشَّيْطَان. ونعوذ بِاللَّه من ذَلِك.
إِنْكَار ابْن الْجَوْزِيّ على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر
ذكر ابْن الْقيم - رَحمَه الله - رد ابْن الْجَوْزِيّ على حَيَاة الْخضر فَقَالَ: " " قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ ": " وَالدَّلِيل على أَن الْخضر لَيْسَ بباق
পৃষ্ঠা - ৫৬
فِي الدُّنْيَا أَرْبَعَة أَشْيَاء الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء والمعقول.
أما الْقُرْآن: فَقَوله تَعَالَى: (وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد افإن مت فهم الخالدون) فَلَو دَامَ الْخضر كَانَ خَالِدا.
وَأما السّنة: فَذكر حَدِيث: " أريتكم ليلتكم هَذِه؟ فَإِن على رَأس مائَة
পৃষ্ঠা - ৫৭
سنة مِنْهَا لَا يبْقى على ظهر الأَرْض مِمَّن هُوَ الْيَوْم عَلَيْهَا أحد " مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَفِي صَحِيح مُسلم: عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله - عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - قبل مَوته بِقَلِيل: " مَا من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة وَهِي يَوْمئِذٍ حَيَّة ".
وَأما إِجْمَاع الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء: فقد ذكر عَن البُخَارِيّ وعَلى بن مُوسَى الرِّضَا: أَن الْخضر مَاتَ.
وَأَن البُخَارِيّ سُئِلَ عَن حَيَاته فَقَالَ: " وَكَيف يكون ذَلِك؟ وَقد قَالَ النَّبِي -: " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه؟ فَإِن على رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن على ظهر الأَرْض مِمَّن هُوَ على الْأَحَد "
قَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ إِن الْخضر مَاتَ: إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي وهما إمامان، وَكَانَ ابْن الْمُنَادِي يقتح قَول من يَقُول: إِنَّه حَيّ.
وَحكى القَاضِي أَبُو يعلي مَوته عَن بعض أَصْحَاب أَحْمد، وَذكر عَن بعض أهل الْعلم: أَنه احْتج بِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي إِلَى النَّبِي -.
وَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد، حَدثنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان، حَدثنَا هشيم، أخبرنَا مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله - قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن مُوسَى كَانَ حَيا مَا وَسعه
পৃষ্ঠা - ৫৮
إِلَّا أَن يَتبعني " فَكيف يكون حَيا، وَلَا يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة، ويجاهد مَعَه؟ {
أَلا ترى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام - إِذا نزل إِلَى الأَرْض يُصَلِّي خلف إِمَام هَذِه الْأمة، وَلَا يتَقَدَّم، لِئَلَّا يكون ذَلِك خدشا فِي نبوة نَبينَا -.
قَالَ أَبُو الْفرج: وَمَا أبعد فهم من يثبت وجود الْخضر، وينسى مَا فِي طي إثْبَاته من الْإِعْرَاض عَن هَذِه الشَّرِيعَة} !
وَأما الدَّلِيل من الْمَعْقُول: فَمن عشرَة وُجُوه:
أَحدهَا: أَن الَّذِي أثبت حَيَاته يَقُول: إِنَّه ولد آدم لصلبه، وَهَذَا فَاسد لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن يكون عمره الْآن سِتَّة الاف سنة، فِيمَا ذكر فِي كتاب يوحنا المؤرخ؛ وَمثل هَذَا بعيد فِي الْعَادَات أَن يَقع فِي حق الْبشر.
وَالثَّانِي: أَنه لَو كَانَ وَلَده لصلبه، أَو الرَّابِع من ولد وَلَده - كَمَا زَعَمُوا - وَأَنه كَانَ وَزِير ذِي القرنين، فَإِن تِلْكَ الْخلقَة لَيست على خلقتنا، بل مفرط فِي الطول وَالْعرض.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول الله - أَنه قَالَ: " خلق الله آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا، فَلم يزل الْخلق ينقص بعد ".
পৃষ্ঠা - ৫৯
الْوَجْه الثَّالِث: أَنه لوكان الْخضر قبل نوح لركب مَعَه فِي السَّفِينَة، وَلم ينْقل هَذَا أحد.
الْوَجْه الرَّابِع: أَنه قد اتّفق الْعلمَاء أَن نوحًا لما نزل من السَّفِينَة مَاتَ من كَانَ مَعَه، ثمَّ مَاتَ نسلهم، وَلم يبْق غير نسل نوح وَالدَّلِيل على هَذَا قَوْله تَعَالَى: (وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ)
وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ قبل نوح.
الْوَجْه الْخَامِس: أَن هَذَا لَو كَانَ صَحِيحا أَن بشرا من بني آدم يعِيش من حِين يُولد إِلَى آخر الدَّهْر، ومولده قبل نوح، لَكَانَ هَذَا من أعظم الْآيَات والعجائب، وَكَانَ خَبره فِي الْقُرْآن مَذْكُورا فِي غير مَوضِع، لِأَنَّهُ من أعظم آيَات الربوبية.
وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أَحْيَاهُ ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما وَجعله آيَة؛ فَكيف بِمن أَحْيَاهُ إِلَى اخر الدَّهْر؟
وَلِهَذَا قَالَ بعض أهل الْعلم: مَا ألْقى هَذَا بَين النَّاس، إِلَّا شَيْطَان.
وَالْوَجْه السَّادِس: إِن القَوْل بحياة الْخضر قَول على الله بِلَا علم، وَذَلِكَ حرَام بِنَصّ الْقُرْآن.
أما الْمُقدمَة الثَّانِيَة فظاهرة.
وَأما الأولى، فَإِن حَيَاته لَو كَانَت ثابته لدل عَلَيْهِمَا الْقُرْآن أَو السّنة، أَو إِجْمَاع الْأمة.
فَهَذَا كتاب الله تَعَالَى، فَأَيْنَ فِيهِ حَيَاة الْخضر؟
পৃষ্ঠা - ৬০
وَهَذِه سنة رَسُول الله - فَأَيْنَ فِيهَا مَا يدل على ذَلِك بِوَجْه؟
وَهَؤُلَاء عُلَمَاء الْأمة، هَل أَجمعُوا على حَيَاته؟ {}
الْوَجْه السَّابِع: أَن غَايَة مَا يتَمَسَّك بِهِ من ذهب إِلَى حَيَاته، حكايات منقولة يخبر الرجل بهَا أَنه رأى الْخضر.
فيالله الْعجب، هَل للخضر عَلامَة يعرفهُ بهَا من رَاه؟ وَكثير من هَؤُلَاءِ يغتر بقوله: أَنا الْخضر. وَمَعْلُوم أَنه لَا يجوز تَصْدِيق قَائِل ذَلِك بِلَا برهَان من الله.
فَأَيْنَ للرأي أَن الْمخبر لَهُ صَادِق، لَا يكذب؟
الْوَجْه الثَّامِن: أَن الْخضر فَارق مُوسَى بن عمرَان كليم الرَّحْمَن، وَلم يصاحبه، وَقَالَ لَهُ: (هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك) .
فَكيف يرضى لنَفسِهِ بمفارقته لمثل مُوسَى، ثمَّ يجْتَمع بجهله الْعباد الخارجين عَن الشَّرِيعَة، الَّذين لَا يحْضرُون جُمُعَة وَلَا جمَاعَة، وَلَا مجْلِس علم، وَلَا يعْرفُونَ من الشَّرِيعَة شَيْئا؟
وكل مِنْهُم يَقُول: قَالَ الْخضر، وَجَاءَنِي الْخضر، وأوصاني الْخضر {} {فيا عجبا لَهُ} يُفَارق كليم الله، تَعَالَى ويدور على صُحْبَة الْجُهَّال، وَمن لَا يعرف كَيفَ يتَوَضَّأ وَلَا كَيفَ يُصَلِّي؟ !
الْوَجْه التَّاسِع: أَن الْأمة مجمعة على أَن الَّذِي يَقُول: أَنا الْخضر، لَو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - يَقُول: كَذَا وَكَذَا " لم يلْتَفت إِلَى قَوْله، وَلم يحْتَج بِهِ فِي الدّين.
إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه لم يات إِلَى رَسُول الله - وَلَا بَايعه، أَو
পৃষ্ঠা - ৬১
يَقُول هَذَا الْجَاهِل: أَنه لم يُرْسل إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا من الْكفْر مَا فِيهِ.
الْوَجْه الْعَاشِر: أَنه لوكان حَيا، لَكَانَ جهاده الْكفَّار، ورباطه فِي سَبِيل الله، ومقامه فِي الصَّفّ سَاعَة، وحضوره الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة، وتعليمه الْعلم: أفضل لَهُ بِكَثِير من سياحته بَين الوحوش فِي القفار والفلوات.
وَهل هَذَا إِلَّا من أعظم الطعْن عَلَيْهِ، وَالْعَيْب لَهُ؟ {
هَذَا، وتكفينا النُّصُوص الْكَثِيرَة المدعمة بالدلائل الْعَقْلِيَّة والنقلية للرَّدّ على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، وسيقف القاريء الْكَرِيم على مَجْمُوعَة كَبِيرَة مِنْهَا أثْنَاء دراسة هَذَا الْكتاب أَيْضا.
وَلَا يفوتني أَن أَقُول بِأَن الْأَحَادِيث المرفوعة الْوَارِدَة فِي حَيَاة الْخضر مَا بَين ضِعَاف وموضوعات؛ وَالْأَخْبَار والحكايات بِهَذَا الصدد واهية الصُّدُور والإعجاز ; أَو تصح أسانيدها إِلَى من لَيْسَ بمعصوم، يجب قبُوله.
وَالْمِيزَان الصَّحِيح الوحيد، عندنَا، لنقد أَمْثَال هَذِه الْأُمُور هُوَ الْكتاب وَالسّنة، فَإِن وافقتهما فعلى الرَّأْس وَالْعين، وَإِن خالفتهما نرفضها وَلَا كَرَامَة.
وَإِلَيْك نَص الْكتاب}