গুনিয়াত আত-তালেবিন

القسم الرابع في فضائل الأعمال

باب في الصلوات الخمس وبيان أوقاتها وأعدادها وسنتها وفضائلها

পৃষ্ঠা - ৫০৬
باب في الصلوات الخمس وبيان أوقاتها وأعدادها وسنتها وفضائلها (فصل) الصلوات المكتوبة خمس: الفجر وهي ركعتان، والظهر وهي أربع ركعات، والعصر وهي أربع ركعات، والمغرب وهي ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة وهي أربع ركعات، فذلك سبع عشرة ركعة. وقد كانت فرضت خمسين صلاة ليلة أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، ثم أعيدت إلى خمس حكمة من الله عز وجل، يتبين بذلك التخفيف وسهولة ما أبقى مما أسقط عن عبادة المؤمنين، كما أسقط عنهم ثبوت واحد لعشرة من المشركين في القتال إلى ثبوت واحد لاثنين منهم، وكما أسقط تحريم الأكل والشراب والجماع بعد النوم في ليالي الصيام بقوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] بعد أن كان ذلك محرماً عليهم. (فصل) والأصل في وجوبها: قوله عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} [البقرة: 43]. والأصل في بيان أوقاتها آيات وأخبار: أما الآيات: فقوله عز وجل: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} [الروم: 17 - 18]. فسبحان الله: أي صلوا الله حين تمسون صلاة المغرب والعشاء، وحسن تصبحون صلاة الفجر، وعشياً صلاة العصر، وحين تظهرون صلاة الظهر. وقال عز وجل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103]. وقال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل} [هود: 114]. وقال تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] أي عند غروبها، وقيل:
পৃষ্ঠা - ৫০৭
عند زوالها. وقال جلت عظمته: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} [طه: 130]. قال قتادة رحمه الله: قبل طلوع الشمس: هي صلاة الفجر، وقبل غروبها: صلاة العصر، ومن آناء الليل: صلاة المغرب والعشاء، وأطراف النهار: صلاة الظهر. وأما الأخبار: فما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، وكانت بقدر الشراك، ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى بين المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى بي الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم صلى بين المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، ثم صلى بي الفجر حين أسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين من قبلك، فيما بين هذين الوقتين". وهذا الخبر هو أصل المواقيت. وفي هذا الباب أحاديث وردت كلها ترجع إلى معناه فلم تذكرها. (فصل: في ذكر من صلى هذه الصلوات أولاً قبل نبينا -صلى الله عليه وسلم-) روي في بعض الأخبار "أن رجلاً من الأنصار سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الفجر- من صلاها أولاً؟ فأخبره أن من صلاها أولاً آدم عليه السلام، والظهر صلاها إبراهيم عليه السلام حين نجاه الله تعالى من نار نمرود، والعصر صلاها يعقوب عليه السلام حين أخبره جبريل عليه السلام بسلامة يوسف عليهما السلام، والمغرب صلاها داود عليه السلام حين تاب الله عليه، وصلاة العتمة صلاها يونس ابن متى عليه السلام حين أخرجه الله من بطن الحوت كالفرخ الذي لا ريش له، فجاء جبريل عليه السلام فقال: إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك: إني مستح منك كيف عذبتك في دار الدنيا،
পৃষ্ঠা - ৫০৮
فهل أنت راضٍ عني؟ فقام فصلى أربع ركعات ثم قال: إني عن ربي راض، إني عن ربي راض". (فصل) وأول ما وجب من الصلوات على نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأمر بفعلها، صلاة الفجر والمغرب، فكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وهو قوله عز وجل: {وبسح بحمد ربك بالعشي والإبكار} [غافر: 55] إلى أن أسري به -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء ليلة المعراج، ففرض عليه خمس صلوات على ما بينا. وصلاة الفجر هي أول صلاة النهار ثم الظهر. وإنما بدأ العلماء في بيان صفة الصلوات بالظهر اتباعاً للسنة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أمَّني جبريل عند البيت فصلى بي الظهر ... " إلى آخر الحديث، فبدأ ببيان وقتها، فجعل أول المواقيت وقتها، لأنها فرضت أولاً. وقد بينا أن الفجر هي التي صلاها آدم عليه السلام، وهو أول نبي أرسل في الأرض من الإنس، فعلم أنها أول صلاة فرضت في الجملة. (فصل: في بيان وقت صلاة الفجر) فأول وقتها انصداع الفجر الثاني المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهباً من القبلة إلى دبرها حتى يرتفع فيعم الأفق، وينتشر على رؤوس الجبال والقصور المشيدة، وآخر وقتها الإسفار النير الذي إذا سلم منها بدأ حاجب الشمس، وما بين هذين الوقتين وقت واسع. والمستحب أن تسمى هذه الصلاة صلاة الصبح أو الفجر ولا تسمى صلاة الغداة، لأن الله تعالى قال: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً} [الإسراء: 78] يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فتحصل في آخر صحيفة ملائكة الليل وأول صحيفة ملائكة النهار عليهم السلام. والأفضل التغليس بها، خلاف ما قال الإمام أبو حنيفة من أن الإسفار بها أفضل. وإنما قلنا ذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النساء يخرجن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلين الفجر معه، ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفن
পৃষ্ঠা - ৫০৯
من الغلس". وعن إمامنا أحمد رحمه الله رواية أخرى: أن المعتبر بحال المأمومين، فإن أسفروا فالأفضل الإسفار لتكثير الجمع والثواب. وأما الفجر الأول فلا عبرة به، لأنه لا يحرم شيئاً ولا يوجد شيئاً لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الفجر فجران، فالذي تحل به الصلاة ويحرم فيه الأكل والشرب الذي ينتشر على رؤوس الجبال، وقال: هما فجران فالذي يسطع في السماء سطوعاً فليس بشيء ولا يحل ولا يحرم ولكن الذي ينتشر على رؤوس الجبال هو الذي يحرم. وقد وصف بعض العلماء بالله عز وجل الفجرين وحدهما بحدين فقال: الفجر الأول، وهو بدو سلطان شعاع الشمس إذا ظهرت من وراء الأرض الخامسة ليسطع ضوؤها في وسط السماء حتى يقطع بمقدار بقاء الفجر الأول، فذلك الضياء الذي يظهر في السماء في الثلث الأخير من الليل هو الفجر الأول، ثم يعود سواد الليل كما كان، لأن الشمس تغرب في الفلك الأسفل المتجانف، وتحجبها الأرض السادسة، فيذهب ذلك الضوء الذي ظهر في السماء. وأما الفجر الثاني، فهو انشقاق شفق الشمس وهو بدو بياضها الذي تحت الحمرة، وهو الشفق الثاني، وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس، وذلك أن الشمس إذا ظهرت على وجه أرض الدنيا التي هي السابعة وانفجر شعاعها من الفلك الأسفل، وهو ذيل السماء سترت عينها الجبال والبحار والأقاليم العالية، وظهر شعاعها منتشراً إلى وسط السماء عرضاً مستطيراً. (فصل) وأما الظهر: فأول وقتها إذا زالت الشمس، وآخره إذا صار ظل كل شيء مثله، والأفضل تعجيلها إلا في شدة الحر، ومع الغيم في حق من أراد الخروج إلى الجماعة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
পৃষ্ঠা - ৫১০
"أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم". ولما روي عن بلال رضي الله عنه قال: "آذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الظهر، فقال: أبرد، ثم أذنته ثانية فقال: أبرد، ثم آذنته ثالثة فقال: أبرد، حتى رأيت فيء التلول، ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا". وبيان معرفة الزوال أن الشمس إذا وقفت فهو قبل الزوال، فإذن زالت أقل القليل فذلك وقت الظهر. وجاء الحديث "أن الشمس إذا زالت بمقدار شراك فذاك وقت الظهر" فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر. فإذا أردت أن تعرف ذلك فقس الظل بأن تنصب عموداً، أو تقوم قائماً في موضع من الأرض مستوياً معتدلاً، ثم علم على منتهى الظل بأن تخط خطا، ثم انظر أينقص أو يزيد، فإن رأيته ينقص علمت أن الشمس لم تزل بعد، وإن رأيته قائماً لا يزيد ولا ينقص، فذلك قيامها وهو صف النهار لا تجوز الصلاة حينئذ، فإذا أخذ الظل في الزيادة فذلك زوال الشمس، فقس من حد الزيادة إلى طول ذلك الشيء الذي قست به طل الظل، فإذا بلغ إلى آخر طوله فهو آخر وقت الظهر، فإذا زاد شيئاً يسيراً فقد دخل وقت العصر حتى يزيد الظل طول ذلك الشيء مرة أخرى، فذلك آخر وقت العصر، ثم يبقى وقت الضرورة إلى قبل غروب الشمس. وكذلك تفعل بقيامك فتعلم على موضع ظللت، فإن نقص علمت أنه لم تزل الشمس، وإن وقف فهو حال القيام، وإن زاد فهو الزوال. وأما معرفتك المثل بقيامك وطولك، فإن طولك سبع أقدام بقدمك سوى قدمك التي تقوم عليها، فإنك تقوم مستقبل الشمس بوجهك، ثم تأمر إنساناً يعلم طرف ظلك بعلامة، ثم تقيس من عقبك إلى تلك العلامة، فإن كان بينهما أقل من سبعة أقدام سوى ما زالت الشمس عليه من الظل، فتعلم أنك في وقت الظهر، وأن وقت العصر لم يدخل بعد، فإذا زاد الظل على سبع أقدام علمت دخول وقت العصر.
পৃষ্ঠা - ৫১১
(فصل) وهذا الذي ذكرنا من الأقدام ونصب العمود، يختلف في الشتاء والصيف، فيزيد الظل وينقص، فالزيادة تكون في الشتاء، لأن الشمس تكون في مسامتة الشخص، لأنها تسير في ذيل السماء ولا ترتفع في الجو، ونقصانه يكون في الصيف لأن الشمس ترتفع إلى الجو فتشرف على الأشخاص، لأنها أول ما تصعد تكون من جانب السماء، فيمتد ظلها لمقابلة قرصها، فكلما صعدت قصر الظل إلى أن تنتهي في الارتفاع فتصير في كبد السماء، وهو حالة قيامها، فإذا أخذت في السيران وهو النزول نحو ما يلي مغربها، فيأخذ الظل في الطول وهو الزوال. وكذلك يختلف ذلك في البلدان، فما كان منها تحت وسط الفلك كمكة وما حواليها من البلدان قصر ظل الشمس فيه حتى لا يبقى للشخص ظل أصلاً، وما كان بعيداً عن وسط الفلك كخراسان وما والاها من النواحي فإن ظل الشمس يطول صيفاً وشتاء، فيكون صيفها كشتاء غيرها في طول الظل، فقد يزول في تلك البلاد على قدم واحد. (فصل: في معرفة الأقدام) اعلم أن أقل ما تزول عليه الشمس على ما ذكره القدماء من أهل هذا العلم في حزيران على قدمين، وأكثر ما تزول عليه في كانون على ثمانية أقدام، وتزول في أيلول على خمسة أقدام، وفي تشرين الأول على ستة أقدام، وفي تشرين الآخر على سبعة أقدام، وفي كانون الأول على ثمانية أقدام، وذلك منتهى قصر النهار، وطول الليل، وهو أكثر ما تزول عليه الشمس، ثم ينقص الظل ويزيد النهار، فتزول الشمس في كانون الآخر على سبعة أقدام، وتزول في شباط على ستة أقدام، وتزول في آذار على خمسة أقدام، وذلك استواء الليل والنهار، وتزول في نيسان على أربعة أقدام، وفي أيار على ثلاثة أقدام، وفي حزيران على قدمين، فذلك منتهى طول النهار وقصر الليل، وهو أقل ما تزول الشمس عليه، فيكون النهار خمس عشرة ساعة، والليل تسع ساعات، وتزول في تموز على ثلاثة أقدام، وفي آب على أربعة أقدام، وفي أيلول على خمسة أقدام، وفيه يستوي الليل والنهار. وروي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال: "أكثر ما تزول عليه الشمس سبعة أقدام، وأقل ما تزول عليه قدم واحدة". وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كانت صلاتنا الظهر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
পৃষ্ঠা - ৫১২
في الصيف على ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء على خمسة أقدام إلى ستة أقدام. (فصل) وذكر بعضهم صفة أخرى: فقال: تزول الشمس في تسعة عشر يوماً من آذار وظل الإنسان ثلاثة أقدام، وكذلك كل شيء تنصبه، فإن الشمس تزول يومئذ وظل ذلك الشيء ثلاثة أسباعه، ثم ينقص الظل قدماً حتى ينتهي طول النهار وقصر الليل في تسعة عشر من حزيران، فتزول الشمس يومئذ، وظل الإنسان نصف قدم وذلك أقل ما تزول عليه الشمس، ثم يزيد الظل، فكلما مضت ستة وثلاثون يوماً، زاد الظل قدماً حتى يستوي الليل والنهار في تسعة عشر ويماً من أيلول، فنزول الشمس يومئذ والظل على ثلاثة أقدام، ثم يزيد الظل، فكلما مضى أربعة عشر يوماً، زاد الظل قدماً حتى ينتهي طول الليل وقصر النهار، وذلك في تسعة عشر يوماً من كانون الأول، فنزول الشمس يومئذ على سبعة أقدام ونصف قدم، وذلك أكثر ما تزول الشمس عليه، ثم كلما مضى أربعة عشر يوماً زاد الظل قدماً، حتى ينتهي إلى تسعة عشر يوماً من آذار، فذلك استواء اليل والنهار، وتزول الشمس على ثلاثة أقدام، وذلك دخول الصيف وزيادة الظل ونقصانه الذي ذكرناه في كل ستة وثلاثين يوماً قدم في الصيف والقيظ، وزيادة في كل أ {بعة عشر يوماً قدم في الربيع والشتاء. (فصل) وقد ذكر بعض شيوخنا لذلك صفة أخرى: وهو أن قال: تزول الشمس في حزيران كله على ثلاثة أقدام، والقدم سبع كل شخص منتصب، وأول وقت العصر فيه تسعة أقدام ونصف، وأول وقت الظهر في تموز كله أربعة أقدام، وأول وقت العصر فيه عشرة أقدام ونصف، وأول وقت الظهر في آب كله خمسة أقدام، وأول وقت العصر فيه أحد عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في أيلول كله ستة أقدام، وأول وقت العصر فيه اثنا عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في تشرين الأول كله سبعة أقدام، وأول وقت العصر فيه ثلاثة عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في تشرين الآخر كله ثمانية أقدام، وأول وقت العصر فهي أربعة عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في كانون الأول كله عشرة أقدام ونصف، وأول وقت العصر فيه سبعة عشر قدماً سواء، وأول وقت الظهر في كانون الثاني كله تسعة أقدام،
পৃষ্ঠা - ৫১৩
وأول وقت العصر فيه خمسة عشر قدماً، وأول وقت الظهر في شباط كله سبعة أقدام ونصف، وأول وقت العرص فيه أربعة عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في آذار كله ستة أقدام، وأول وقت العصر فيه اثنا عشر قدماً ونصف، وأول وقت الظهر في نيسان كله أربعة أقدام ونصف، وأول وقت العصر فيه أحد عشر قدماً، وأول وقت الظهر في أيار كله ثلاثة أقدام ونصف، وأول وقت العصر فيه عشرة أقدام، فهذه مقادير ما تزول عليه الشمس في شهور السنة كلها، والله أعلم بما لا تدركه إحساسنا، ولا تنتهي نحو علومنا. (فصل) ومعرفة الزوال على هذه الصفات والتحديد ليس هو بأمر حتم. بل هي جهة من جهات الوصول إلى معرفة الزوال. وليس كل أحد يدرك ذلك، بل كل من غلب على ظنه ويقينه زوال الشمس وجب عليه فعل صلاة الظهر. وذلك أن الناس في الأوقات على ثلاثة أضرب: - من فرضه اليقين، وهو من يعرف الدقائق والساعات وسير الكواكب، يستدل بذلك ليحصل له يقين الوقت. - ومن فرضه الاجتهاد والتقدير بالعمل أو تقليد من يعمل، وهم الصناع الجهال بالأوقات، فإن اجتهدوا فقدروا بأعمالهم، مثل الخباز عادته أن يخبز العجنتين أو ثلاثة إلى الظهر، أو الطحان يطحن القفيز إلى الظهر، استظهر بالتأخير وصلى، لأن في يوم الغيم كان الوقت يقصر بغيبة الشمس فيغفل الإنسان عن مراعاة الوقت أو يتشاغل عنه، فإن سمع الأذان من عارف بالأوقات بنى على أذانه وصلى إذا علم أنه عارف بالأوقات أو أنه لا يؤذن إلا بإذن عارف للوقت. والثالث: من فرضه التحري والتأخير بجهده إلى أن يغلب على ظنه دخول الوقت، وهو المطمور والمحبوس في الأمكنة التي لا يتوصل إلى معرفة الوقت بدلالة ولا خبر ولا سماع ولا أذان لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". (فصل) ومعرفة الزوال على التحقيق أمر يدق ويصعب. وقد ورد في الحديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل جبريل عليه السلام. أزالت الشمس؟
পৃষ্ঠা - ৫১৪
فقال: لا، نعم، فقال: كيف هذا؟ فقال: من قولي لك: لا، نعم، قطعت الشمس من الفلك خمسين ألف فرسخ، فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عن زوالها على علم الله تعالى. لكنك إذا استقبلت القبلة فكانت الشمس على حاجبك الأيمن في الصيف فقد زالت الشمس بلا شك، فصل الظهر، فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو وقت العصر، فإذا كانت الشمس على حاجبك الأيسر في الصيف أيضاً وأنت مستقبل القبلة، فاعلم أنها لم تزل بعد، فإذا كانت بين عينيك فهو قيامها واستواؤها في كبد السماء، وقد يجوز أنها قد زالت إذا كانت في أول الشتاء وقصر النهار. وأما إذا كانت في أول الشتاء على حاجبك الأيمن فتكون قد زالت في جميع الأزمنة، لأنه إذا كان ذلك في الصيف فهو أول وقت الظهر، وإن كان في الشتاء فهو آخر وقت الظهر، وإذا كانت على حاجبك الأيسر في الشتاء فقد يجوز أنها قد زالت لقصر النهار في أول الشتاء، ولا يجوز في أول الصيف لامتداد النهار وطوله، وإذا كانت بين عينيك في الشتاء فقد زالت بلا شك، فإذا صارت إلى حاجبك الأيمن فهو آخر وقت الظهر، وهذا لأهل إقليم العراق وخراسان الذين يصلون إلى الركن الأسود وباب البيت من جهة الكعبة، وأما أهل اليمن والمغرب ومن يليهم، فعلى ضد ذلك، لأنهم يصلون إلى الركن اليماني ومؤخر الكعبة، فلذلك اختلف التقدير. (فصل) فإذا عرفت الزوال وأردت أن تعرف القبلة فاجعل ظلك على يسارك، فإنك تكون حينئذ مستقبل القبلة فاعلم ذلك مختصراً بلا تعب. وإنما طولت في ذكر معرفة الزوال لأنه أشكل الأوقات وأدقها، وقد ورد ذكر الأقدام في خبر ابن مسعود رضي الله عنه، والتنبيه على معرفة ذلك على ما تقدم بيانه والله أعلم. (فصل) وأما وقت العصر، فأوله على ما ذكرنا أدنى زيادة على المثل، وآخر وقتها إذا صار الظل مثليه، ووقت الضرورة إلى قبل أن تغيب الشمس، وقد تقدم ذكره والأفضل تعجيلها. (فصل) وأما صلاة المغرب فإذا غربت الشمس، وهو إذا تدلى حاجب الشمس الأعلى، وهو غيبتها عن الأبصار دخل وقتها، ولها وقتان: أحدهما الغروب، والثاني
পৃষ্ঠা - ৫১৫
غيبوبة شفق الشمس وهو الحمرة في أصح الروايتين. (فصل) فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء الآخرة، ووقت الفضيلة مبقى إلى ثلث الليل في إحدى الروايتين، والثانية إلى نصف الليل، ووقت العذر والضرورة ما لم يطلع الفجر الثاني. ولها اسمان. أحدهما عتمة، والثانية العشاء الآخرة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "؟؟؟؟؟؟ الأعراب على اسم صلاتكم هذه فسموها عتمة" يعني أن اسمها العشاء الآخرة، والأعراف يسمونها عتمة، فوافقوهم في ذلك، والأفضل تأخيره إلى آخر وقتها، وهو الثلث الأول أو النصف الأول على ما ذكرنا، وأفضل ما صليت إذا غاب البياض الغربي وأظلم مكانه، وهو الشفق الثاني، فيؤخر إلى ربع الليل أو الثلث أو النصف، كل ذلك ما لم ينم المصلي قبل أن يصليها، فإنه يكره النوم عنها، فمن خاف غلبة النوم، فالأفضل أن يصليها ثم ينام، ولهذا الأفضل عند الشافعي رحمه الله أن يصلي في أول الوقت. وإنما قلنا الأفضل تأخيرها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعتموا بالعتمة". وخرج -صلى الله عليه وسلم- ليلة وقد أعتم فقال: "لولا أن أشق على أمتي أمرتهم أن يصلوها" هكذا فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخرها وحث على تأخيرها. (فصل) وأما السنن الراتبة مع هذه الصلوات الخمس فثلاث عشرة ركعة: ركعتان قبل صلاة الفجر، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الأخرة، ويوتر بثلاث، وهو مخير إن شاء صلاها بتسليمه واحدة كصلاة المغرب، وإن شاء فصل بينها، فيسلم عن كل ركعتين، ويوتر بالآخرة، وهو الأفضل، فيقرأ في الأولى من الثلاث بعد الفاتحة {سبح اسم ربك الأعلى ...}، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون ...}، وفي الثالثة بعد الفاتحة بـ {قل هو الله أحد ...}، ويقرأ في أول الركعتين من سنة الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون ...}، وفي الثانية بـ {قل هو الله أحد ...}، ويستحب فعلها في منزله، ثم يخرج، ويستحب
পৃষ্ঠা - ৫১৬
الاشتغال بذكر الله تعالى وترك الكلام إلا أن يكون واجباً بعد أن يصليها حتى يدخل في الفريضة، والقراءة في الركعتين بعد المغرب كالقراءة في ركعتي الفجر، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب: {قل يا أيها الكافرون ...}، و {قل هو الله أحد ...} ". وروي عن طاوس رحمه الله أنه كان يقرأ في الأولى منهما: {آمن الرسول ...}، وفي الثانية: {قل هو الله أحد ...}. ويستحب تعجيلها لما روي حذيفة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عجلوا بالركعتين بعد المغرب ليرفعا مع المكتوبة" فيستحب تخفيفها لذلك. وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين". وقد جاء ما يدل على استحباب تطويلهما، وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد". وروي كذلك عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصليت معه صلاة المغرب، ثم قام فصلى إلى العشاء الآخرة، ثم انتقل إلى منزله". وقد ورد أيضاً أن الاستحباب في فعلها في المنزل، وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الركعتين اللتين بعد المغرب في بيتها". وكذلك عن أم حبيبة رضي الله عنها. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي ركعتين بعد المغرب إلى في بيته".
পৃষ্ঠা - ৫১৭
وروى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "لقد أدركت زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنه ليسلم من المغرب، وما أرى رجلاً واحداً يصليهما يعني الركعتين في المسجد، بل كانوا يبتدرون باب المسجد فيخرجون فيصلونها في بيوتهم". * * * (فصل: في فضائل الصلوات الخمس) روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل كل يوم منه خمس مرات هل يبقى من دونه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله تعالى بها الخطايا". وعن أبي ثعلبة القرظي قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يحترقون فإذا صلوا الصبح غسلت الصلاة ما كان قبلها، ثم يحترقون فإذا صلوا الظهر غسلت الصلاة ما كان قبلها، فإذا حضرت صلاة العصر غسلت ما كان قبلها، حتى ذكر -صلى الله عليه وسلم- الصلوات الخمس". وعن الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله قال: "جلس عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم دعا بماء فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ وضوئي هذا، ثم قال: فمن توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى الظهر غفر له ما بينها وبين صلاة الصبح، ثم قام فصلى صلاة العصر غفر له ما بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين صلاة العصر، ثم صلى العشاء الآخرة غفر له ما بينها وبين صلاة المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ ليله، ثم إذا قام فصلى الصبح غفر له ما بينها وبين العشاء الآخرة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
পৃষ্ঠা - ৫১৮
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة مرضاة الرب، وحب الملائكة، وسنة الأنبياء صلوات الله عليهم، ونور المعرفة، وأصل الإيمان، وإجابة الدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق، وراحة الأبدان، وسلاح على الأعداء، وكراهية الشيطان، وشفيع بن صاحبها وبين مالك السموات، وسراج في قبره، وفراش تحت جنبه، وجواب منكر ونكير، ومؤنس زائر معه في قبره إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة كانت الصلاة ظلاً فوقه، وتاجاً على رأسه، ولباساً على بدنه، ونوراً يسعى بين يديه، وستراً بينه وبين النار، وحجة المؤمنين بين يدي الرب عز وجل، وثقلاً في الميزان، وجوازاً على الصراط، ومفتاحاً للجنة، لأن الصلاة تسبيح وتحميد وتقديس وتعظيم وقراءة ودعاء، وإن أفضل الأعمال كلها الصلاة لوقتها". وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصلوات الخمس عماد الدين، لا يقبل الله الإيمان إلا بالصلاة". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله كم افترض الله عز وجل على عباده من الصلوات؟ قال: خمس صلوات، قال: فهل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: افترض الله عباده صلوات خمساً ليس قبلهن أو بعدهن شيء، فحلف الشل بالله لا يزيد عليهن ولا ينقص منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صدق دخل الجنة". وعن تميم الداري رضي الله عنه: قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن هو أكملها كتبت له كاملة، وإن لم يكن أكملها قال الله عز وجل للملائكة: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا له ما ضيع من ذلك". وعن أنس بن حكيم الضبي قال: لي أبو هريرة رضي الله عنه: إذا أتيت أهلك فأخبرهم أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول ما يحسب به العبد يوم القيامة صلاته المكتوبة، فإن أتمها وإلا نظر فإن كان له تطور أكملت الفريضة بها، ثم يفعل
পৃষ্ঠা - ৫১৯
بسائر الأعمال كذلك". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما افترض الله تعالى على هذه الأمة الصلاة". * * * (فصل: في الخروج إلى المسجد، وفضل الجماعة والخشوع في الصلاة) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضأ العبد ثم خرج إلى المسجد كتب الله عز وجل بكل خطوة حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة، ويستبشر الله تعالى به كما يستشر بالغائب الطوير غيبة إذا قدم على أهله". وعن ابن عثمان النهدي عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم زارني في بيت من بيوتي فإياي زار وحق على المزور أن يكرم الزائر". وعن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي عليهما السلام فقال: بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من مشى في ظلم الليل إلى المساجد أتاه الله تعالى نوراً يوم القيامة". وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صلاة
পৃষ্ঠা - ৫২০
الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة". وعن نافع عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بين صلاة الجماعة والفذ سبع وعشرون درجة". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا عثمان بن مظعون من صلى الصبح في جماعة كانت له حجة مبرورة وعمرة متقبلة، يا عثمان من صلى الظهر في جماعة كان له خمس وعشرون صلاة كلها مثلها وسبعون درجة في جنة الفردوس، يا عثمان من صلى العصر في جماعة ثم ذكر الله تعالى حتى تغرب الشمس فكأنما أعتق نسمة من ولد إسماعيل، مع كل رجل منها اثنا عشر ألفاً، يا عثمان من صلى المغرب في جماعة كانت له خمس وعشرون صلاة كلها مثلها، وسبعون درجة في جنة عدن، يا عثمان من صلى العشاء الآخرة في جماعة فكأنما قام ليلة القدر. ويستحب للرجل إذا أقبل إلى المسجد أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع، وأن تكون عليه السكينة والوقار، وأن يحدث لنفسه فكراً وأدباً غير ما كان عليه، وفيه قبل ذلك من حالات الدنيا وأشغالها، وليخرج برغبة ورهبة وذل وتواضع وانكسار من غير عجب وتكبر وافتخار ورؤية الناس والخلق، وينوي بذلك التوجه إلى الله عز وجل إلى بيت من بيوته التي {أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 36 - 37] فما أدرك من الصلاة صلى مع الجماعة، وما فاته قضى، كذا جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاء أحدكم وقد أقيمت الصلاة فليمش على هينته، فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه"، وفي لفظ آخر "فليمش وعليه السكينة والوقار". فليحذر العجب في المواظبة على العبادات والمداومة عليها، لأن ذلك يسقطه من عين الله عز وجل، ويبعده من قربه، ويعمى عليه حالته، ويزيل نور بصيرته وحلاوة ما كان يجده من قبل في عبادته، ويكدر صفاء معرفته، وربما رد عليه عمله وقصم، ولأنه روي أنه تبارك وتعالى لا يتقبل من المتكبرين عملاً حتى يتوبوا.
পৃষ্ঠা - ৫২১
وقد جاء في الحديث: إن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام أحيا ليلة، فلما أصبح أعجب بقيام ليله فقال: نعم الرب رب إبراهيم، ونعم العبد إبراهيم فلما كان غداؤه لم يجد أحد يأكله معه، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يأكل معه غيره، فأخرج طعامه إلى الطريق ليمر به مار فيأكل معه، فنزل ملكان من السماء فأقبلا نحوه فدعاهما إبراهيم عليه السلام إلى الغداء، فأجاباه، فقال لهما: تقدما بنا إلى هذه الروضة، فإن فيها عيناً وفيها ماء فنتعدى عندها، فتقدموا إلى الروضة، فإذا العين قد غارت وليس فيها ماء، فاشتبه ذلك على إبراهيم عليه السلام واستحيا مما قال، إذ لم ير عين ماء، فقالا له: يا إبراهيم فادع ربك واسأله أن يعيد الماء في العين، فدعا الله عز وجل فلم ير شيئاً فاشتد ذلك عليه، فقال لهما: ادعوا الله، فدعا أحدهما فرجع الماء في العين، ثم دعا الآخر فأقبلت العين، فأخبراه أنهما ملكان، وأن إعجابه بقيام ليله رد دعاءه عليه فلم يستجب له. فإذا كان هذا فعله عز وجل بخليله إبراهيم عليه السلام، فكيف فعله بغيره؟ بل يعتقد العبد أن جميع ما هو فيه من الطاعة والمسارعة إليها توفيق من الله ونعمة وفضل ورحمة ومنة، فليقم بين يديه عز وجل محترماً خاضعاً ذليلاً، كأنه يشاهده، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". وقد ورد في الحديث "أن الله عز وجل أوحى إلى عيسى ابن مريم عليهما السلام إذا قمت بين يدي فقم مقام الخائف الذليل الذام لنفسه فإنها أولى بالذم، وإذا دعوتني فادعني وأعضاؤك تنتفض" وكذلك روى أن الله تعالى أوحى مثل ذلك إلى موسى عليه السلام. وروي أن ابن سيرين رحمه الله كان إذا قام إلى الصلاة ذهب دمه وجهه خوفاً من الله عز وجل وفرقاً منه. وكان مسلم بن يسار رحمه الله إذا دخل في الصلاة لم يسمع حساً من صوت ولا غيره، اشتغالاً بالصلاة وخوفاً من الله عز وجل. وقال عامر بن عبد قيس: لأن تختلف الخناجر بين كتفي أحب إلي من أن أتفكر في شيء من أمر الدنيا، وأن في الصلاة. وقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ما صليت صلاة قط فحدثت نفسي فيها بشيء
পৃষ্ঠা - ৫২২
من أمر الدنيا حتى انصرفت. وقال مجاهد رحمه الله: كان ابن الزبير رضي الله عنهما إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع. وكان وهب بن الورد رحمه الله إذا قام يصلي كأنما يطلع في جهنم. وكان عتبة الغلام رحمه الله إذا قام في الصلاة في الشتاء ينصب العرق منه، فسألوه في ذلك، فقال: حياء من الله عز وجل. وكان مسلم بن يسار رحمه الله يصلي فوقع الحريق في داره وهو في بيت منها، ففزع أهل البصرة حتى خرجوا فأطفأوه، فما عقل مسلم إلا بعد ما أطفأوها. وقيل: إنه أيضاً كان يصلي في الجامع، فسقطت سارية إلى جنبه ففزع منها أهل اسوق وهو لم يعقل بها. وعن عمار بن الزبير رحمه الله: أنه كان يصلي ونعله بين يديه، وكان شسع نعله جديداً فالتفت في صلاته إلى الشسع، فلما فرغ من صلاته رمى بنعله ولم يلبس بعد ذلك نعلاً حتى مات رحمه الله. وحكى عن الربيع بن خيثم رحمه الله أنه كان يصلي تطوعاً وبين يديه فرس له يساوي عشرين ألف درهم، فجاء لص فحله وذهب به، فجاء الناس من الغداة يعزونه، فقال: أما إني كنت أرى من يحله، ولكن كنت في شيء أحب إلي منه، فلما كان في بعض النهار فإذا الفرس قد أقبل حتى قام بين يديه. وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه صلى في شملة سوداء فيها خيط أحمر فلما سلم قال: إن هذا الخيط ألهاني عن صلاتي". وقد وصف الله تعالى الخاشعين في الصلاة في قوله تعالى: {الذي هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2]. قال الزهري رحمه الله: هو سكون المرء في صلاته، وقيل: هو الذي لا يعلم من عن يمينه وشماله في الصلاة لاشتغاله بالصلاة، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الصلاة شغلاً".
পৃষ্ঠা - ৫২৩
(فصل: في المحافظة عليها وما ورد من العقوبة على من ضيعها) روى الأعمش عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلى العبد في أول الوقت صعدت إلى السماء، ولا نور حتى تنتهي إلى العرش، تستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة وتقول: حفظك الله كما حفظني، وإذا صلى العبد في غير وقتها صعدت إلى السماء لا نور لها، فتنتهي إلى السماء فتلف كما يلف الثوب الخلق، فيضرب بها وجهه ثم تقول: ضيعك الله كما ضيعتني". وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من توضأ فأبلغ الوضوء، ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني، ثم صعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور، فتفتح لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى الله عز وجل، فتشفع لصاحبها، وإذا ضيع ركوعها وسجودها والقراءة فيها: قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني، ثم صعد بها ولها ظلمة حتى تنتهي إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها". وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلوات لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل". وعن إبراهيم بن أبي محذورة المؤذن عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أول الوقت رضوان الله، وأوسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو الله". وقال الله تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 4 - 5]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "والله ما تركوها ولكن أخروها عن أوقاتها". وقال سعد رضي الله عنه: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله عز وجل: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال -صلى الله عليه وسلم-: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".
পৃষ্ঠা - ৫২৪
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} [مريم: 59] قال: هو واد في جهنم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يدخله إلى من أشاع أوقات صلاته. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت نوراً له وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة من النار، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بي خلف". وعن الحرث عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تهاون بصلاته فإن الله عز وجل يعاقبه بخمس عشرة عقوبة: ست منها قبل الموت، وثلاث عند الموت، وثلاث في القبر، وثلاث عند خروجه من القبر. فأما الست التي قبل الموت فأولها: أنه يرفع عنه اسم الصالحين، والثانية ترفع عنه بركة الحياة، والثالثة ترفع عنه بركة الرزق، والرابعة لا يقبل منه شيء من أعمال الخير حتى يكمل صلاته، والخامسة لا يستجاب دعاؤه، والسادسة لا يجعل له في دعاء الصالحين نصيباً. وأما الثلاث التي عند الموت، فأولها: يموت عطشاناً ولو صبت في حلقة سبعة أبحر ما روى، والثانية أنه يموت بغتة، والثالثة كأنه قد أثقل بحديد الدنيا وخشبها وأحجارها عرى رقبته وكتفه. وأما الثلاث التي في القبر: فيضيق عليه قبره، والثانية يظلم عليه القبر، والثالثة يصير عيياً بالقول. وأما الثلاث التي عند خروجه من القبر فأولها: يلقي الله عز وجل وهو عليه غضبان، والثانية يكون حسابه شديداً، والثالثة رجوعه من بين يدي الله عز وجل إلى النار إلا أن يعفو الله عنه". * * *
পৃষ্ঠা - ৫২৫
(فصل) الصلاة خطرها عظيم، وأمرها جسيم، وبالصلاة أمر الله تبارك وتعالى رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأول ما أوحى الله بالنبوة، ثم بالصلاة قبل كل عمل، وقبل كل فريضة في آيات كثيرة: منها قوله تعالى: {اتل ما أوحي أليك من الكتاب وأقم الصلاة} [العنكبوت: 45]. وقال عز وجل: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45]. وقال جل وعلا: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك} [طه: 132]. وخاطب جميع المؤمنين فأمرهم بالاستعانة على طاعاته كلها، بالصبر والصلاة، فقال: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153] {وسلاماً على إبراهيم ...} [الأنبياء: 69] إلى قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ...} [الأنبياء: 72] إلى قوله: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [الأنبياء: 73] فذكر الخيرات كلها جملة وهي جميع الطاعات مع اجتناب جميع المعاصي، فأفرد الصلاة بالذكر وأوصاهم بها خاصة. وبالصلاة أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته عند خروجه من الدنيا، فقال: "الله الله الله في الصلاة وفيما ملكت أيمانكم" فهي آخر وصيته -صلى الله عليه وسلم-. وجاء في الحديث "أنها آخر وصية كل نبي لأمته، وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا". فالصلاة أول فريضة فرضت عليه -صلى الله عليه وسلم- وعلى أمته، وهي آخر ما أوصى به أمته وآخر ما يذهب من الإسلام، وأول ما يسأل العبد عنه من عمله يوم القيامة، وهي عمود الإسلام وليس بعد ذهابها دين ولا إسلام. وجاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة، وليصلين أقوام لا خلاق لهم". فتارك الصلاة يكفر عند إمامنا أحمد رحمه الله إذا تركها جاحداً لوجوبها ووجب
পৃষ্ঠা - ৫২৬
قتله لا خلاف في مذهبه، وأما إن تركها تهاوناً وكسلاً مع اعتقاد وجوبها ودعى ليفعلها، فإن لم يفعلها حتى تضايق الوقت الذي يليها كفر وقتل بالسيف لكفره، وبعد أن ستتاب ثلاثة أيام كالمرتد في الحالتين، ويكون ماله فيئاً يوضع في بيت مال المسلمين، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وعنه: لا يجب قتله في التهاون حتى يترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة، ويقتل حداً كالزاني المحصن، وحكمه حكم أموات المسلمين يرث ماله ورثته من المسلمين. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا يقتل ولكن يحبس حتى يصلي فيتوب أو يموت في الحبس. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: يقتل بالسيف حداً ولا يكفر، والدليل على كفره ما ذكرنا فيما تقدم من الآيات والأخبار. ونزيد عليها بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بين الرجل وبين الكفر والشرك إلا ترك الصلاة". وروي عن عبد الله بن زيد عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بيننا وبينهم ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر". وروي عن جعفر بن محمد بن أبيه رضي الله عنه قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبصر رجلاً ينقر كما ينقر الغراب، فقال: لو مات هذا مات على غير دين محمد -صلى الله عليه وسلم-". وعن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ترك الرجل صلاته متعمداً كتب اسمه على باب النار فيمن يدخلها". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الا من نام عن صلاته العتمة ولم يصلها تقول الملائكة: لا نامت عيناك ولا قرتا، حبسك الله بين الجنة والنار كما حبستنا".
পৃষ্ঠা - ৫২৭
(فصل) مروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: كان العلماء من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: خمس وأربعون خصلة مكروهة منهي عنها في صلاة الفريضة. وهي: التنحنح عمداً، والتشاغل عمداً، والتعاطي عمداً، وإقناع الرأس إلى السماء، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان يقلب بصره إلى السماء فنزلت {الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] فطأطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه، فكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز ببصره مصلاه". ومنها إلصاق الحنك بالصدر، وفلى الثوب، والتمطي، وتنفس الصعداء، وتعميص العينين، والالتفات في الصلاة لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه في قوله تعالى: {الذين هم على صلاتهم دائمون} [المعارج: 23] قال: إذا صلوا لم يلتفتوا يميناً ولا شمالاً". وقالت عائشة رضي الله عنها: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التفات الرجل في صلاته، فقال: إنما هي اختلاسة يختلسها من صلاة العبد". وقيل: جاء طلحة، يعني ابن مصروف إلى عبد الجبار بن وائل وهو في القوم، فساره ثم انصرف، فقال عبد الجبار: أتدرون ما قال؟ قال: رأيتك أمس التفت وأنت تصلي، وقد جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا افتتح الصلاة استقبله الله بوجهه، فلا يصرفه حتى يكون العبد هو الذي نصرف أو يلتفت يميناً وشمالاً". وفي حديث آخر "إن العبد ما دام في صلاته فله ثلاث خصال: البر يتناثر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملائكة يحفون من لدن قدمه إلى عنان السماء، ومناد ينادي: لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل ... " أي التفت وانصرف، والالتفات مكروه جداً، وقد قيل: إنه يقطع الصلاة، وفيه استخفاف بحرمة الصلاة وآدابها. ومن ذلك الإقعاء في القعود فيها، والرد على الإمام، وافتراش الذراعين في السجود، ووضع الصدر على الفخذين في السجود، وضم الإبطين إلى الجنبين في السجود، بل يفرق بينهما ولا يلصقان، لأن مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان إذا سجد لو
পৃষ্ঠা - ৫২৮
مرت بهيمة تحت ذراعيه لنفذت" وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه عن ضبعيه. وفي حديث آخر "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد يجافي بين ضبعيه". ومن ذلك تفريق الأصابع في السجود، بل يضمها، ووضع اليدين دون الركبتين في الركوع، ووضع القدمين إحداهما على الأخرى، وتعليقهما من الأرض، والسدل على الإزار والسراويل، والتخليل والتلمظ، واستراط الطعام الحبة والحبتين، والقلس أن يردد ويبلع، والنفث باللسان والنفخ في السجود، والمشي عرضاً ورفع الصوت على جليسك في التشهد، ومعرفتك من عن يمينك ومن عن شمالك، والإيماء، والإشارة، وبلع الجشاء، أو ما يخرج من الحلق، والاستعال، والتمخط، والتبزق، والنظر في الثياب، ومسح التراب عن الجبهة قبل أن ينصرف وتسوية الحصى أكثر من مرة واحدة، ونفض موضع السجود، والدعاء بعد التشهد إذا كنت إماماً، والقعود في المحراب بعد التسليم حتى ينحرف من مكانه إلى يساره، والعقد باليد بالأصابع في الصلاة، والعبث باللحية والثوب فيها، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه". وأبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يعبث بلحية في الصلاة فقال: "لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه". ونظر الحسن رحمه الله إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين، فقال: بئس الخاطب أن تخطب وأنت تعبث. وقال عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم" يعني في الصلاة. وقال الأوزاعي رحمه الله: يكون الرجلان في الصلاة وبين أحدهما وبين الآخر كما بين السماء والأرض، هذا مقبل على الله تعالى بقلبه، وهذا لاه وساه".
পৃষ্ঠা - ৫২৯
وقد صح الخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "للمصلي من له من صلاته نصفها، فذكر إلى عشرها" يعني بذلك ما عقل منها وحضر قلبه فيها. وفي حديث آخر أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "لمصل أربعمائة صلاة، ولمصل مائتا صلاة، ولمصل مائة وخمسون صلاة، ولمصل سبعون صلاة، وصلاة بخمسين صلاة، وصلاة بسبع وعشرين صلاة، وصلاة بعشر صلوات، وصلاة بصلاة واحدة". فالذي يكتب له أربعمائة صلاة فهو الذي يصلي بمكة في البيت الحرام مع الإمام في الجماعة بعد ألا تفوته التكبيرة الأولى. والذي يكتب له مائتا صلاة فهو الإمام الذي يؤم الناس بعد أن يعرف أحكام الصلاة. والذي يكتب له مائة وخمسون صلاة فهو المؤذن. والذي له سبعون صلاة فهو الذي يستاك ويسبغ وضوءه ويصلي في الجامع في الجماعة. والذي يكتب له خمسون صلاة فهو الرجل الذي يصلي في الجامع مع الإمام في الجماعة، ويكون قد فاتته تكبيرة الإحرام. والذي يكتب له سبع وعشرون صلاة فهو الرجل الذي يسبغ وضوءه ويصلي في المسجد في الجماعة ولا تفوته تكبيرة الإحرام. والذي يكتب له عشر صوات فهو الرجل الذي يلحق الجماعة وقد فاتته تكبيرة الإحرام. والذي يكتب له صلاة واحدة فهو الذي يصلي وحده في غير جماعة. والذي لا صلاة له هو الذي يصلي وينقر كنقر الديك ولا يتم ركوعها وسجودها، وهو الذي تطوى صلاته كالثواب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها، ويقال له: لا حفظ الله كما لم تحفظ صلاتك". (فصل) وينبغي لكل مصلٍ أن يقدم النية لصلاته، ويمثل الكعبة البيت الحرام أمامه ونصب عينيه على ما تقدم بيانه في أول الكتاب. ويتيقن قيامه بين يدي الله تعالى، ولا
পৃষ্ঠা - ৫৩০
يشك أنه بعين الله منتصب حيث يراه لقوله تعالى: {الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين} [الشعراء: 218 - 219]. ولقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك". وينوي الصلاة الفريضة بعينها ويصفها بالأداء والقضاء، فهو أولى، ويرفع يديه إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه، وقد بينا صفة ذلك في أول الكتاب. وهل يضم الأصابع بعضها إلى بعض أن يفرجها على روايتين، وإذا رفع يديه وكبر كأنه رفع الحجاب الذي بينه وبين الله تعالى، فيحصل في المكان الذي لا يجوز التلفت فيه ولا التشاغل عنه، ولعلمه أنه بعين من يرى حركته، ويعلم ما يتلجلج في نفسه، وينطوي عليه سره وقلبه، فينظر موضع سجوده ولا يلتفت يميناً وشمالاً، ولا يرفع رأسه إلى السماء. وإذا قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، علم أنه يخاطب من هو سامع منه مقبل عليه ناظر إليه، ولا يخفى عليه موضع شعرة ولا حركة جارحة عنه. وكذلك قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 5 - 6] يعقل ما يقول ويدري من يخاطب بهذا الخطاب، ولا ينسى مع ذلك الخضوع والتحفظ حذراً من وقوع السهو عليه فيما هو قائم له وماثل فيه، ويأتي بإحدى عشرة تشديدة في الفاتحة، ويحذر اللحن الذي يغير المعنى فيها، فإن قراءتها فريضة، وهي ركن تبطل الصلاة بتركها، ومع ذلك يرى كأنه واقف على الصراط، وأن الجنة عن يمينه بصفتها والنار عن شماله بما فيها، وأنه بصلاته يستنجز ما وعد الله عز وجل بها إذا صحت صلاته من ثواب الجنة، ومستحصن بها من وعيد الله بعقاب النار، كل ذلك بيقن من قلبه، وحضور من عقله، ويعتقد مع ذلك أنه يصلي صلاة مودع لا يشك أنها تعرض على الله تعالى، وأنه لا يصح له منها إلا ما يصح له عند الله فقط، ثم يأتي بقراءة ما يسر من السور الكوامل، وهي أول من قراءة أواخرها وأواسطها، ويكون ناصتاً إلى ما يقرأ متفهماً إلى ما يلفظ ويتلو. وكذلك إن كان مأموماً ينصت إلى قراءة الإمام ويفهمها ويتعظ بمواعظها وزواجرها،
পৃষ্ঠা - ৫৩১
ويعتقد امتثال أوامرها هكذا إلى أن تنتهي السورة. فإذا فرغ من القراءة ثبت قائماً وسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع، ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع، ثم يكبر ويرفع يديه إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه على ما بينا في أول الكتاب. فإذا انقضى التكبير حط يديه، ثم انحط في قيامه للركوع، ويلقم راحته ركبتيه، ويفرق يبن أصابعه، ويعتمد على ضبعيه وساعديه، ويسوي ظهره، ولا يرفع رأسه، ولا يخفض فينكسه، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان إذا ركع لو كانت قطرة ماء على ظهره ما تحركت عن موضعها". وجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان إذا ركع لو كان قدح من ماء على ظهره ما تحرك عن موضعه". وذلك لاستواء ظهره ومبالغته في ركوعه -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً وهو أدنى الكمال. وقال الحسن البصري رحمه الله: التسبيح التام سبع، والوسط من ذلك خمس، وأدناه ثلاث تسبيحات. ثم يرفع رأسه مسمعاً فينتصب معتدلاً فيطمئن مترسلاً يديه، ثم ينحط للسجود فيبدأ بوضع ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته وأنفه، ويتمكن من الأرض ويطمئن في سجوده، ويتوجه بكل عضو منه وجزء إلى القبلة. وجاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أمرت بالسجود على سبع أعظم". وي حديث آخر "إن العبد يسجد على سعة أعضاء، فأي عضو منها ضيعه لم يزل ذلك العضو يلعنه". ويكون في سجوده منقبضاً لا ينبسط على الأرض، ولا يفرش ذراعيه وينام عليهما ولا على فخذيه بل يضع أصابع يديه على الأرض حتى يحاذي بها أذنيه أو منكبه الموضع الذي يستحب رفع اليد إليه في التكبير في حال القيام، ولا يضعهما حداء رأسه، ويضم أصابعه ويوجهها نحو القبلة، ويبين العضدين عن الجنبين، والفخذين عن
পৃষ্ঠা - ৫৩২
الساقين، والبطن عن الأرض على ما تقدم بيانه. ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً كالركوع، ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً، ناظراً إلى حجره، ثم يسجد ثانية كذلك، ثم يرفع رأسه مكبراً من الأرض ثم يديه ثم ركبتيه معتمداً على ركبتيه، فينهض على صدور قدميه، ولا يقدم إحدى رجليه فإنه مكروه. وقيل: إنه يقطع الصلاة مروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويفعل كذلك في الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد الأول جلس على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ويوجه أصابعه نحو القبلة، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهي السبابة، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويقبض الخنصر والبنصر، وتكون عينه إلى إصبعه من أول تشهده إلى آخره، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا كان أحدكم في الصلاة فجلس فلا يعبث بشيء، فإنه يناجي ربه"، ولكن يجعل يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ثم ليكن قلبه وبصره إلى أصبعه فإنها مذبة للشيطان، ويتشهد فيقول: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". ثم يقوم مكبراً فيقرأ الفاتحة فحسب، ويركع ويسجد كذلك، ثم يصلي الركعة الرابعة كذلك، ثم يجلس للتشهد فيأتي به على ما ذكرنا. فإذا بلغ عبده ورسوله قال: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". وعن إمامنا أحمد رواية أخرى: أنه يذكر إبراهيم ثم يذكر آله فيقول على إبراهيم وعلى إبراهيم، وهذا آخر التشهد.
পৃষ্ঠা - ৫৩৩
ويستحب له أن يستعيذ من أربع فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات". ثم يدعو فيقول: "اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من رش ما استعاذك منه عبادك الصالحون. اللهم إني أسالك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201]، {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 193 - 194]. وإن زاد على ذلك جاز، إلا أن يكون إماماً فيطول ذلك على المأمومين، فالمستحب الاقتصار حفظاً لقلوبهم، لعل أن يكون فيهم ذو الحاجة، ثم يسلم ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين، ويكون في جميع ذلك متخوفاً من عاقبتها، كيف وقد وقعت عند الله عز وجل الداعي إليها الآمر بها المثيب عليها والمعاقب عليها عند إساءتها، فإذا خرج منها عرضها على العلم. فإن شهد لها ببراءة الساحة وسلامة المنزلة حمد الله تعالى وأثنى عليه إذ جعله أهلاً لذلك، وأن وجد فيها نقصاناً وخللاً تاب إلى الله عز وجل واستغفر الله وتأهب واجتهد في التحفظ على التي بعدها. وللصلاة المقبولة علامة بينة وللمردودة علامة بينة فعلامة المقبولة نهيها وكفها لصابحها عن الفواحش والمناكر، وترغيبه في الخير، وتجديد نيته في الصلاة والازدياد من الطاعات وفعل الخيرات، والرغبة في المثوبات، وارتداعه عن الاسواء وكراهة المعاصي والخطيئات، لقول الله عز وجل: {وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] وهذا الذي ذكرنا يشترك فيه الإمام والمأموم والمنفرد. فأما شرائط الصلاة وواجباتها ومسنوناتها فقد ذكرناها في أول الكتاب. * * *
পৃষ্ঠা - ৫৩৪
(فصل: فيما يختص بالإمام) ولا ينبغي للرجل أن يكون إماماً حتى تكون فيه هذه الخصال التي نذكرها. وهي ألا يحب أن يتقدم وهو يجد من يكفيه ذلك، ولا يتقدم وهناك من هو أفضل منه، لأنه جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا أم القوم رجل وخلفه من هو أفضل منه لم يزالوا في سفال". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أقدم فترض عنقي ولا يقربني ذلك من إثم خير من أن أتقدم قوماً فيهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأن يكون قارئاً لكتاب الله، فقيهاً في دين الله، بصيراً بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه جاء في الحديث "اجعلوا أمر دينكم إلى فقهائكم، وأئمتكم قراؤكم"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يؤمكم خياركم فإنهم وفودكم إلى الله عز وجل". وإنما خصهم -صلى الله عليه وسلم- بذلك لأنهم أهل الدين والفضل والعلم بالله عز وجل والخوف من الله تعالى، الذي يعنون بصلاتهم وصلاة من خلفهم، ويتقون ما يلزمهم من وزر أنفسهم ووزر من خلفهم إن أساؤوا في صلاتهم، وما أراد -صلى الله عليه وسلم- بالقراء الحفظة للقرآن فحسب من غير أن يعملوا به، وإنما أراد -صلى الله عليه وسلم- العمال بالقرآن مع حفظه، وقد جاء في الحديث: "إن أحق الناس بهذا القرآن من كان يعمل به وإن كان لا يقرؤه". وقد يحفظ القرآن من لا يعمل به ولا يعبأ بإقامة حدوده مما فرض الله عليه من العمل به وما نهاه من النهي عنه، فلا نعنى نحن به ولا كرامة له، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه". فلا يجوز للناس أن يقدموا عليهم في صلاتهم إماماً إلا أعلمهم بالله وأخوفهم له، فإن خالفوا وقدموا غيره لم يزالوا في سفال وإدبار وانتقاص في دينهم وبعد من الله تعالى ومن رضوانه وجنته. فرحم الله قوماً عنوا بدينهم وصلواتهم، فقدموا خيارهم واتبعوا في ذلك سنة نبيهم
পৃষ্ঠা - ৫৩৫
-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا بذلك القربة إلى ربهم تبارك وتعالى. وينبغي أن يكون الإمام حافظاً للسانه من عيب الناس عليه وغيبتهم إلا من الخير، ويكون يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويجتنبه، ويحب الخير وأهله، ويبغض الشر وأهله، عارفاً بمواقيت الصلاة محافظاً عليها، مقبلاً على شأنه، عفيف البطن والفرج، منقبض اليد عن الحرام، قليل السعي إلا في ابتغاء مرضاة الله عز وجل، وقوراً حمولاً صبوراً على الأذى، يغضى عن الشر ويحتمل ممن يتكلم فيه، ويصبر على من يجهل عليه، ويحسن إلى من أساء إليه، ويكون غضيض الطرف عن المحارم، إن رأى عورة سترها، وإن رأى مخزية دفنها، يعرض عن الجاهلين ويقول لهم: اللهم سلاماً، الناس منه في راحة، وهو من نفسه في عناء، حريصاً على فكاك رقبته، مجداً في خلاص نفسه، ويعلم أنه قد بلي بشيء عظيم جليل خطره، كبير شأنه. وليكن همه ما قد كلف به من عظيم قدر الإمامة وخطر قدرها وخيرها، وليكن قليل الكلام إلا فيما يعنيه، له حال وللناس حال، إذا قام في محرابه علم أنه قائم في مقام النبيين، وخليفه سيد المرسلين، ويناجي رب العالمين. يتحرى الاجتهاد لتمام الصلاة وليسلم من خلفه، ممن تقلد إمامته، خفيف الصلاة في تمام، يصلي بصلاة أضعفهم، فيرى في نفسه أنه دونهم وأنه مبتلى بإمامتهم، وأن الله تعالى يسأله عن أداء الفرائض عن نفسه وعنهم. وهو بتقدمه باك على خطيئته، نادم على ما سلف من تفريطه وقديم أيامه، وما انقضى من أوقاته، لا يتكبر على من خلفه، ولا يتجبر على من هو دونه، ولا يغضب حمية لنفسه، إذا قيل ما فيه وما هو عنه بريء، ولا يحب حمدهم ولا يكره ذمهم، فتكون الجماعة عنده في الحالتين سواء، لم يجرب عليه كذبة، طيب الطعام، نظيف اللباس، متواضعاً في لبسه متخاشعاً في جلسته، غير محدود في الإسلام، ولا ذا ريبة في الأنام، ولا غمازاً على أخيه عند السلطان، ولا هو ساع إلى الشر، ولا ذي غمز في حقه، ولا خائن في وديعة وتجارته وعاريته، ولا يتقدم وهو خبيث المطعم والمكسب، ولا يتقدم وهو يشتهي الإمامة، ولا يتقدم وهو يعلم أن فيه حسداً ولا بغياً ولا حقداً ولا إحنة ولا غلاً ولا رجاء ولا طالباً لثأر، ولا منتصراً لنفسه، ولا متشفياً من غيظ، ولا متتبعاً عورة رجل مسلم، ولا غاشاً لأحد من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
পৃষ্ঠা - ৫৩৬
ولا يتكلم في فتنة ولا يسعى فيها ولا يقويها، بل يعين أهل الحق على أهل الباطن بيده ولسانه وقلبه، يقول الحق وإن كان مراً، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يحب مدح الناس له، ولا يكره ذمهم، ولا يخص نفسه بشيء من الدعاء، بل يعمم الدعاء له ولهم وقت ما يدعو عقيب الصلاة بهم، فإن أفرد نفسه بذلك كان خيانة منه لهم، ولا يؤثر بعضهم على بعض إلا أولى العلم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليليني أولو الأحلام والنهي". وكذلك الذين يلونهم وراء ظهره، ولا يقرب الغنى ويزري بالفقير، ولا ينبغي له أن يتقدم بقوم وفيهم من يكره إمامته، فإن كان فيهم من يكره ومن لا يكره نظر، فإن كان الأكثر يكرهونه اعتزل المحراب ولا يقربه، هذا إذا كانت كراهتهم له بعلم وحق، وإن كانت بجهل وباطل ورعونة نفس وعصبية لمذهب أو هوى لم يلتفت إلى كراهتهم، ولا يترك الصلاة بهم إلا أن يخاف الفتنة في القوم لأجله، فيتنحى ويعتزل المحراب لذلك حتى يصطلحوا أو يرضوا، ولا ينبغي له أن يكون ممارياً ولا حلافاً ولا لعاناً، ولا يدخل مداخل السوء والتهم، ولا يأنف ولا يخالط من الناس إلا الصالحين، ولا ينبغي له أن يكون إماماً وهو يحب الفتنة وأهلها، والعصبية وأهلها، والرياسة وأهلها، وينبغي أن يكون صبوراً على أذية الناس متودداً إليهم، طالباً لمنفعتهم، مجتهداً في نصيحتهم، لا يماري على الإمامة ولا يقاتل عليها من كفاه عظيم مؤنتها. ولقد نقل عن الأكابر ممن تقدم من السلف الصالحين أنهم كرهوا الإمامة وقدموا من ليس هو مثلهم في الشرف والديانة ابتغاء حمل المؤنة عنهم وتخفيفاً، وخيفة من تقصير يقع لهم. وينبغي للإمام إذا حضر عنده ذو سلطان ألا يتقدم عليه في الصلاة إلا بإذنه، وكذلك لا جلس إلا بإذنه، وإذا نزل بقرية أو محلة أو قبيلة أو حي من أحياء العرب لا يؤمهم إلا بإذنهم، وكذلك إذا اتفق مع قوم في قافلة وسفر ومجمع لا يؤمهم إلا بإذنهم. وينبغي للإمام ألا يطيل الصلاة بل يخففها مع التمام لما روي عن أبي هريرة رضي
পৃষ্ঠা - ৫৩৭
الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أحدكم إماماً فليخفف، فإنه يقوم وراءه الصغير والكبير وذو الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء". وعن أبي واقد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أوجز الناس صلاة على الناس، وأدومه على نفسه". (فصل) وينبغي للإمام ألا يدخل في الصلاة ولا يكبر حتى ينوي الإمامة بقلبه، وإن تلفظ ذلك بلسانه كأن أحسن، ويلتفت يميناً وشمالاً فيسوى الصفوف فيقول: استووا رحمكم الله، واعتدلوا رضي الله عنكم، ويأمرهم بسد الفرح وتسويه المناكب ودنو بعضهم إلى بعض حتى تتماس مناكبهم، لأن اختلاف المناكب واعوجاج الصفوف نقص في الصلاة وحضور الشياطين وقيامهم مع الناس في الصفوف، جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "راصوا الصفوف وحاذوا المناكب وسدوا الخلل حتى لا يقوم بينكم مثل أولاد الحذف" يعني مثل أولاد الغنم من الشياطين. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام مقامه إلى الصلاة لم يكبر حتى يلتفت يميناً وشمالاً فيأمرهم بتسوية مناكبهم ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم". ورأى -صلى الله عليه وسلم- يوماً رجلاً قد خرج صدره من الصف فقال: "لتسون مناكبكم أو ليخالفن الله تعالى بين قلوبكم". وفيما اتفق عليه مسلم والبخاري رحمهما الله عن سالم بن أبي الجعد رحمه الله قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله تعالى بين وجوهكم". وفي حديث آخر عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".
পৃষ্ঠা - ৫৩৮
وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قام مقام الإمام لا يكبر حتى يأتيه رجل قد وكله بإقامة الصفوف فيخبره أنهم قد استووا فيكبر حينئذ. وكذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله. وروى أن بلالاً المؤذن رضي الله عنه كان يسوى الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة حتى يستووا. وقال بعض العلماء: إن الظاهر من هذا أنه كان يفعل ذلك على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند إقامته قبل أن يدخل في الصلاة لأن بلالاً رضي الله عنه لم يؤذن لأحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا يوماً واحداً عند مرجعه من الشام في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بسؤاله وسؤال الصحابة رضي الله عنهم شوقاً إلى رسول الله -صلى الله عله وسلم- وعهده، فلما بلغ بلال رضي الله عنه إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، امتنع من الآذان فلم يقدر عليه، فسقط مغشياً عليه حباً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وشوقاً إليه، واشتد عند ذلك بكاء أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى خرجت العوائق من خدورهن شوقاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فثبت بذلك أن ضربه لعراقيب الناس كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وينبغي للإمام ألا يدخل طاقة القبلة فيمنع من ورائه رؤيته، بل يخرج منه قليلاً. وعن إمامنا أحمد رحمه الله رواية أخرى: أنه يستحب قيامه فيه، ولا يقف مقاماً أعلى من مقام المأمومين، فإن فعل فهل تبطل صلاته على وجهين. وينبغي له إذا سلم من صلاته ألا يلبث في محرابه، وليقم وليتنح إلى يساره، فليأت بتنفله ناحية من المحراب، لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلى فيه بالناس المكتوبة" وأما المأموم فجائز له ذلك، وهو مخير إن شاء صلى في موضعه أو يتأخر قليلاً. وينبغي أن تكون له سكتتان سكتة عند افتتاح الصلاة وسكتة إذا فرغ من القراءة قبل أن يركع حتى يتنفس ويسكن وهج قراءته، ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع، لأن ذلك مروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. وينبغي إذا صلى إلى سترة أن يدنو منها، ولا يدع بينه وبينها فرجة بعيدة لئلا يمر بينهما كلب أسود بهيم أو حمار أو امرأة، فإن صلاته تنقطع بذلك عند أحمد إمامنا
পৃষ্ঠা - ৫৩৯
رحمه الله. وعنه في المرأة والحمار رواية أخرى لا بأس بهما. وينبغي له إذا ركع سبح ثلاث تسبيحات على ما ذكرنا، ولا يسرع فيها ولا يبادر، وليكن بتمام من كلامه، وبتأييد وتمكن، لأنه إذا أسرع بالتسبيح لم يدركه من خلفه، فيؤدي ذلك إلى مسابقة المأموم فتفسد صلاتهم، فيرجع وزرهم إليه. وكذلك ينبغي له إذا رفع رأسه من الركوع وقال: "سمع الله لمن حمده" ثبت قائماً معتدلاً ويقول: "ربنا ولك الحمد" من غير عجلة في كلامه حتى يدركه المأمون، وإن زاد على ذلك فقال: ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، جاز لأن ذلك مروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وجاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع يقوم حتى يقال قد نس". وكذلك يثبت في السجود وفي الجلسة بين السجدتين ليدركه من خلفه في الركن. ولا نظر إلى قول من يقول: إذا فعل ذلك سبقه المأموم فبطلت صلاته، إذا تكرر ذلك منه، ففي ذلك فساد لأن الناس إذا رأوه يديم ذلك ويواظب عليه علموا أن التثبيت دأبه فثبتوا له ولم يبادروا، ثم يقال للإمام: يستحب لك أن تخوفهم قبل الشروع في الصلاة وتحذرهم من مسابقتك، على ما نذكره في الفصل الذي يليه، فلا يؤدى ذلك إلى فساد بل إلى مصلحة عامة وتمام صلاة الجميع، وقد جاء في الحديث "إن كل مصل راع ومسئول عن رعيته". وقيل: إن الإمام راع لمن يصلي بهم، فعلى الإمام النصيحة لمن يصلى خلفه، وينهاهم عن المسابقة في الركوع والسجود، ويحسن أدبهم إذ هو راع لهم ومسئول غداً عنهم، ويتم صلاته ويحكمها ويحسنها حتى يكون له مثل أجر من يصلي خلفه، وإلا عليه مثل أوزارهم إذا أسا وقصر. (فصل) ويجب على المأموم أن ينوي الائتمام، ويقف على يمين الإمام ولا يقف قدامه ولا عن يساره، فإن كانوا جماعة فالسنة أن يقفوا خلفه، فإن كبر عن يمينه وجاء آخر فإنه يكبر معه ويحصل معه صفاً ثم يخرجان وراء الإمام، فإن كبر الثاني أخرجهما الإمام بيده إلى ورائه، ولا يتقدم هو عن موضعه إلا أن يكون وراءه ضيق، وإذا حضر
পৃষ্ঠা - ৫৪০
الجماعة فوجد في الصف فرجة دخل فيها، وإن لم يجد وقف عن يمين الإمام، ولا يجذب رجلاً فيقوم معه صفاً لأنه يؤدي إلى الهرج والفتنة والبغضاء والعداوة، ولأنه يؤدي ذلك إلى بطلان صلاة المجذوب، لأنه يصير فذاً بذلك، وذلك يبطل الصلاة عندنا، ولكن يجتهد فيحصل كتفيه في الصف، فيكبر ويحرم بالصلاة، ثم يخرج مع واحد منهم إلى وراء الصف، وإذا دخل المسجد والإمام في الرجوع كبر تكبيرتين: إحداهما للإحرام، والأخرى للركوع، فإن كبر واحدة ونواهما جاز، وإذا دخل والإمام في التشهد الأخير استحب له أن ينوى الصلاة ويكبر ويجلس مع الإمام ليدرك فضل الجماعة، فإذا سلم الإمام بنى على تكبيره وصلى. (فصل) وينبغي للمأموم أيضاً ألا يسبق الإمام في التكبير ولا في الركوع والسجود ولا في الرفع عنهما، ويحذر ذلك جداً، ويجتهد وسعه ويبذل طاقته أن تكون أفعاله جميعها في الصلاة عقيب فعل إمامه. وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. من ذلك ما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار". وفي حديث آخر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الإمام يركع قبلكم ويسجد قبلكم ويرفع قبلكم". وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "كنا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان إذا انحط من قيامه للسجود لا يحنى أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبهته على الأرض، وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبثون خلفه قياماً حتى ينحط النبي -صلى الله عليه وسلم- ويكبر ويضع جبهته على الأرض وهم قيام ثم يتبعونه". وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا: "لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستوي قائماً وإنا لسجد بعد". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما يخشى الذي يرفع
পৃষ্ঠা - ৫৪১
رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو رأس خنزير". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار". وروى أن ابن مسعود رضي الله عنه نظر إلى من سبق الإمام فقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت، والذي لم يصل وحده ولم يقتد بإمامه فذلك الذي لا صلاة له. وكذلك روى أن ابن عمر رضي الله عنهما نظر إلى من سبق الإمام فقال له: ما صليت وحدك ولا صليت مع الإمام، ثم ضربه وأمره أن يعيد الصلاة. وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع رأسه فارفعوا رؤوسكم، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا جميعاً: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا قبل أن يسجد، وإذا رفع رأسه فارفعوا رؤوسكم، ولا ترفعوا رؤوسكم قبل أن يرفع وإذا صلى جالساً فصلوا أجمعون جلوساً". وروى إمامنا أبو عبد الله أحمد رحمه الله في رسالة له بإسناده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا صلاتنا وعلمنا ما نقول فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين ...} فقولوا: "آمين"، يجبكم الله، وإذا كبروا فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، فارفعوا رؤوسكم وقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، وإذا كبروا وسجد فكبروا واسجدوا، وإذا رفع رأسه وكبر فارفعوا رؤوسكم وكبروا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فتلك بتلك، وإذا كان في القعدة فليكن من قول أحدكم: التحيات لله والصلوات والطيبات، حتى تفرغوا من التشهد". قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله، وأماتنا على مذهبه أصلاً وفرعاً، وحشرنا في زمرته: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كبر فكبروا" معناه أن ينتظروا الإمام حتى يكبر ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته ثم يكبرون بعده، والناس
পৃষ্ঠা - ৫৪২
يغلطون في هذه الأحاديث ويجهلونها مع ما عليه عامتهم من الاستخفاف بالصلاة والاستهانة بها، فتارة يأخذ الإمام في التكبير فيأخذون معه في التكبير، وهذا خطأ لا ينبغي لهم أن يأخذوا في التكبير حتى يكبر الإمام ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته وهكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا كبر الإمام فكبروا" والإمام لا يكون مكبراً حتى يقول: الله أكبر، لأن الإمام لو قال الله ثم سكت لم يكن مكبراً حتى يقول: الله أكبر فيكبر الناس بعد قوله: الله أكبر، فأخذهم في التكبير مع الإمام خطأ، وترك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنك لو قلت إذا صلى فلان فكلمه كان معناه أن انتظره حتى إذا صلى وفرغ من صلاته كلمته، وليس لك أن تكلمه وهو يصلى، وكذلك معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كبر الإمام فكبروا" وربما طول الإمام في التكبير إذا لم يكن له فقه، والذي يكبر معه ربما جزم التكبير ففرغ من التكبير قبل أن يفرغ الإمام، فقد صار هذا مكبراً قبل الإمام، ومن كبر قبل الإمام فليست له صلاة، لأنه دخل في الصلاة قبل الإمام وكبر قبل الإمام فلا صلاة له. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كبر وركع فكبروا واركعوا" معناه: أن ينتظروا الإمام حتى يكبر ويركع وينقطع صوته، وهم قيام ثم يتبعونه. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم وقولوا: اللهم ربنا لك الحمد" معناه: أن ينتظروا الإمام ويثبتوا ركوعاً حتى يرفع الإمام رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، وينقطع صوته وهم ركوع، ثم يتبعونه فيرفعون رؤوسهم ويقولون: اللهم ربنا لك الحمد. وقوله: "فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا" معناه: أن يكونوا قياماً حتى يكبر وينحط للسجود ويضع جبهته على الأرض وهم قيام، ثم يتبعونه. وكذلك جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهذا كله موافق لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإمام يركع قبلكم ويسجد قبلكم ويرفع قبلكم". وقوله: "إذا كبر ورفع رأسه فارفعوا رؤوسكم وكبروا" معناه: أن يثبتوا سجوداً حتى يرفع رأسه ويكبر، فإذا انقطع صوته وهم سجود اتبعوه فرفعوا رؤوسهم. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فتلك بتلك" يعني: انتظاركم إياه قياماً حتى يكبر ويركع وأنتم قيام فتتبعونه، وانتظاركم إياه ركوعاً حتى يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده وأنتم
পৃষ্ঠা - ৫৪৩
ركوع، فإذا قال: سمع الله لمن حمده وانقطع صوته وأنتم ركوع اتبعتموه فرفعتم رؤوسكم وقلتم ربنا لك الحمد. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فتلك بتلك" في كل رفع وخفض، وهذا تمام الصلاة فاعقلوه وأبصروه وأحكموه، واعملوا أن كثيرًا من الناس يوم القيامة ما تكون لهم صلاة لسبق الإمام بالركوع والسجود والرفع والخفض. وقد جاء في الحديث "أنه يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون" ويوشك أن يكون زماننا هذا، فإن الغالب عليهم مسابقة الإمام وتضييع أركان الصلاة وواجباتها ومسنوناتها وتمامها. (فصل) ويجب على من رأى من يقصر في صلاته ويسقط أركانها وواجباتها وآدابها أن يعظه ويعلمه وينصحه ليصلح فيما بقى ويستغفر عما مضى، فإن لم يفعل كان شريكه في ذلك وعليه وزره وإثمه. وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه". فلولا أن تعليم الجاهل واجب على العالم ولازم له وفرض عليه لما توعده -صلى الله عليه وسلم- بالويل في السكوت عنه، لأن الوعيد لا يستحقه إلا من ترك الواجب والفرض دون النفل. وجاء في الحديث عن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة، وذلك لتركهم ما لزمهم من التغيير والإنكار على من ظهرت الخطيئة منه وسكوتهم عنه، فلما سكتوا تفاقم الأمر والوبال على الجميع، وشارك المحسن المسئ في إساءته إذا لم ينهه وينصحه. وقد ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: من رأى من يسئ في صلاته فلم ينهه شاركه في وزرها وعارها ويكون موافقًا للشيطان اللعين، لأنه يريد أن يسكت عن الكلام في ذلك، وأن يترك التعاون على البر والتقوى اللذين أوصى الله تعالى بهما في قوله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة 2] والنصيحة التي هي واجبة عليهم بعضهم لبعض، ويريد أن يضمحل الدين ويذهب الإسلام، ويأثم الحلق كلهم، فلا ينبغي للعاقل أن يطيع الشيطان، قال الله عز وجل: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} [الأعراف 270]، وقال جل وعلا: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر 6].
পৃষ্ঠা - ৫৪৪
واعلم أن جميع ما يوجد من النقص في الصلاة والزكاة وسائر العبادات لسكوت أهل العلم والفقه والتصبر عنهم وترك النصيحة والتعليم والتأديب، فينشأ ذلك أولًا من أهل الجهل، ثم يعلم أهل العلم وينسب إليهم. ومن العجب لو أن رجلًا رأى من يسرق حبة واحدة أو رغيفًا من إنسان يهودي أو مسلم لم يتمالك من نفسه حتى يصبح عليه ويزجره ويقبح له ذلك، وإذا رأى من يصلي ويسرق أركان الصلاة ويسقطها مع الواجب ويسابق الإمام سكت عنه ولا ينطق، فينكر عليه ويعلمه ويستهين أمره. وقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "شر الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لا يتم ركوعها ولا سجودها". وعن الحسن البصري رحمه الله قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بشر الناس سرقة؟ قالوا: بلى، من هو يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: الذي لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها". وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: الصلاة مكيال، فمن وفى وفى له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله تعالى في المطففين. وعن عبد الله بن علي أو علي بن شيبان -رضي الله عنه-، وكان من الوفد الذين وفدوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "إن رجلًا دخل المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد فصلى، ثم جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فصلي كما صلى، ثم جاء فسلم، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر
পৃষ্ঠা - ৫৪৫
معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها". وفي حديث آخر عن رفاعة بن رافع -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن جلوس حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ دخل رجل فاستقبل القبلة فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى قومه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارجع فصل فإنك لم تصل، أمره بذلك مرتين أو ثلاثًا، فقال الرجل: ما ألوت قدرتي فلا أدري ما عنيت من صلاتي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ويغسل رجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله تعالى ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه، ثم يكبر فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائمًا حتى يقيم صلبه، ويأخذ كل عضو مأخذه، ثم يكبر ويسجد ويمكن وجهه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر ويستوي قاعدًا على مقعده ويقيم صلبه، فوصف صلاته هكذا أربع ركعات، حتى فرغ، ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل كذلك". فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإتمام الصلاة والركوع والسجود، وأخبر أن الصلاة لا تقبل إلا هكذا وما وسعه -صلى الله عليه وسلم- السكوت حين رأى الرجل يصلي صلاة ناقصة، فلو جاز تأخير البيان عن وقت الحاجة وترك الإنكار على الجاهل وتعليمه لسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووكل ذلك إلى ما قد بين من قبل الصحابة -رضي الله عنهم- وتجاوز عنه، فلما بالغ في ذلك الإنكار عليه والتعليم له دل على وجوب ذلك، وتنبيهه -صلى الله عليه وسلم- من حضره من الصحابة -رضي الله عنهم- أن يفعلوا كذلك إذا رأوا من يفعل في صلاته مثل ما فعل ذلك الرجل ويعلموا أصحابهم، وأصحابهم لأصحابهم كيفية أحكام الشرع إلى أن تقوم الساعة. (فصل) ويجب على المؤذن أن يصلح من لسانه ما لا يلحن في الشهادتين، ويكون عارفًا بالأوقات، وألا يؤذن إلا بعد دخول الوقت إلا في الفجر خاصة ويحتسب بأذانه وجه الله تعالى، ولا يأخذ على أذانه أجرًا، ويستقبل القبلة بوجهه في التكبير
পৃষ্ঠা - ৫৪৬
والشهادتين، ويولى وجهه يمينًا وشمالًا في الدعاء إلى الصلاة، وإذا أذن لصلاة المغرب جلس بين الأذان والإقامة جلسة خفيفة، ويكره له أن يؤذن وهو جنب أو محدث، ولا ينبغي له أن يشق الصفوف إذا فرغ من الإقامة ليقوم في الصف الأول. وينبغي له أن يقيم موضع الأذان، إلا أن يشق عليه مثل أن يكون قد أذن في منارة، فإنه يقيم مواضع الصلاة، أو حيث تيسر له. (فصل) فرحم الله من أقبل على صلاته خاشعًا خاضعًا ذليلًا لله عز وجل خائفًا واعيًا راغبًا وجلًا مشفقًا راجيًا، وجعل أكثر همته في صلاته لربه تعالى، ومناجاته إياه وانتصابه بين يديه قائمًا وقاعدًا وراكعًا وساجدًا، وفرغ لذلك قلبه وثمرة فؤاده، واجتهد في أداء فرائضه، فإنه لا يدري هل يصلي صلاة بعد التي هو فيها أو يعاجل عليه بوفاته قبل ذلك، فقام بين يدي ربه عز وجل محزونًا مشفقًا يرجو قبولها، ويخاف ردها، إن قبلها سعد وإن ردها شقى، فما أعظم خطرك يا أيها المؤمن المتحلي بأنوار الإسلام في هذه الصلاة وفي غيرها من عملك، وما أولاك من الهم والحزن والخوف والوجل فيها وفيما سواها، مما افترض عليك، أنك لا تدري هل قبلت منك صلاة أو حسنة قط أم لا؟ وهل غفرت لك سيئة أم لا؟ وأنت مع ذلك ضاحك فرح غافل منتفع بالعيش، كيف وقد جاء اليقين من مخبر صادق أمين أنك وارد النار فقال جل وعلا: {وإن منكم إلا واردها} [مريم 710] ولم يأتك اليقين أنك صادر عنها، فمن أحق بطول البكاء وطول الحزن منك حتى يتقبل الله منك، ثم مع هذا لا تدري لعلك لا تصبح إذا أمسيت ولا تمسي إذا أصبحت، فمبشر بالجنة أم مبشر بالنار، فمحقوق ألا تفرح بأهل ولا ولد ولا مال، وإن العجب كل العجب من طول غفلتك وطول سهوك عن هذا الأمر العظيم وأنت تساق سوقًا حثيثًا في كل يوم وليلة، وفي كل ساعة وطرفة عين، فتوقع أجلك ولا تغفل عن هذا الخطر العظيم الذي قد أظلك، فإنك لابد ذائق الموت ولاقيه، ولعله ينزل بساحتك في صباحك أو مسائك أشر ما تكون عليها إقبالًا، فإنك قد أخرجت من ذلك كله وسلبته فإما إلى الجنة وإما إلى نار انقطعت عنها الصفات، وقصرت العبارات والحكايات عن بلوغ حقيقة وصفها ومعرفة قدرها وأنواع عذابها والإحاطة بغاية خبرها. وقال العبد الصالح رحمه الله: عجبت للنار كيف نام هاربها، وعجبت للجنة كيف نام طالبها، فوالله لئن كنت خارجًا من الهرب والطلب لقد هلكت هلاكًا بينًا وعظم
পৃষ্ঠা - ৫৪৭
شقاؤك وطال حزنك وبكاؤك غدًا مع الأشقياء المعذبين، ولئن زعمت أنك هارب طالب، فلا تغرنك الأماني والعجب بما أنت متحل به فدونك الجد والاجتهاد، واحذر النفس والشيطان، فإن مثقبهما دقيق وغائلتهما شديدة ومكايدهما خبيثة، واحذر الدنيا لئلا تأخذك بزينتها وتخدعك بأباطيلها وكذبها وخضرتها ونضرتها. وقد جاء في الحديث عن سيد البشر "إن الدنيا تغر وتمر وتضر". قال الله عز وجل. {فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [لقمان 33، وفاطر 5] فالغرور هو الشيطان الرجيم، الله الله ثم الله، احذر الهلاك والردى، احفظ الصلاة وما سواها من الأوامر، وانته عن المناهي أجمع، وذر الإثم ما ظهر منه وما بطن، وسلم إلى ربك جميع المقدور فيك وفي غيرك، وانقد لربك بطاعته فيما أمرك ونهاك، ولا تنفر منه بارتكابك ما نهاك عنه، ولا تسخطه عليك باعتراضك عليه في تدبيره فيك وترك رضاك عنه، فيما قسم لك من الأقسام والأرزاق، وفعل فيك من الأفعال، ما طوي عنك مصالحها وأخفى عنك عواقبها، وما سيظهر لك من أطيب ثمارها ومنافعها، قال عز من قائل: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكن وانه يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]. وكن أبدًا طائعًا لمولاك راضيًا بقضائه صابرًا على بلائه شاكرًا لآلائه داعيًا بأسمائه، ذاكرًا لأنعمه وآياته، موافقًا لفعله ومراده، غير متهم له في تدبيره فيك وفي خلقه، حتى تأتيك الوفاة، فتتوفى مع الطيبين، وتحشر مع النبيين، وتدخل جنات النعيم برحمة رب العالمين، ومشيئة إله الأولين والآخرين. (فصل) وأما صلاة الخاصة لإيقاظ الخاشعين المراقبين، حراس القلوب جلساء الرحمن رضوان الله عليهم وسلامه، فصفتها: ما روى أن يوسف بن عصام مر يومًا في جامع من جوامع خراسان فإذا هو بحلقة عظيمة، فسأل عنها فقيل له: إنها حلقة حاتم، وهو يتكلم في الزهد والورع والخوف والرجاء، فقال لأصحابه: قفوا بنا نسأله عن مسألة عن أمر الصلاة، فإن هو أجابنا عنها جلسنا إليه، فوقف عليه وسلم عليه وقال: رحمك الله لي مسألة، قال له حاتم: سل، قال: أسألك عن أمر الصلاة، فقال له حاتم: تسألني عن معرفتها أو عن أدبها؟ قال: فصارت مسألتين، وجب لهما جوابان، فقال يوسف: أسألك عن أدبها، فقال حاتم.
পৃষ্ঠা - ৫৪৮
هو أن تقوم بالأمر، وتمشي بالاحتساب، وتدخل بالنية، وتكبر بالتعظيم، وتقرأ بالترتيل، وتركع بالخشوع، وتسجد بالتواضع، وتتشهد بالإخلاص، وتسلم بالرحمة. فقال أصحاب يوسف: سله عن معرفتها، فسأله، فقال حاتم: هو أن تجعل الجنة عن يمينك، والنار عن شمالك، والصراط تحت قدميك، والميزان بين عينيك، والرب عز وجل كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فقال يوسف: يا شاب منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ عشرين سنة، فقال يوسف لأصحابه: قوموا بنا حتى نعيد صلاة خمسين سنة، ثم التفت إليه فقال له: من أين لك هذا؟ قال: من كتبك إلى كنت تمليها علينا. وحديث أبي حازم الأعرج رحمه الله يليق بهذه الجملة فنذكره، وذلك أن أبا حازم رحمه الله قال: لقيني رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا على ساحل البحر، فقال لي: يا أبا حازم أتحسن أن تصلي؟ قلت: وكيف لا أحسن أن أصلي وأنا بصير بالفرائض وما استن به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال لي: يا أبا حازم ما الفرض عليك قبل قيامك إلى الصلاة؟ فقلت: ستة، قال: وما هي؟ قلت: الطهارة، والاستتار، واختيار موضع الصلاة، والقيام إلى الصلاة، والنية، والتوجه إلى القبلة، قال لي: يا أبا حازم فبأي نية تخرج من بيتك إلى المسجد؟ قلت: بنية الزيارة، قال: فبأي نية تدخل المسجد؟ قلت: بنية العبادة، قال: فبأي نية تقوم إلى العبادة؟ قلت: بنية العبودية مقرًا له بالربوبية. قال: فأقبل علي وقال: يا أبا حازم بم تستقبل القبلة؟ قلت: بثلاث فرائض وسنة، قال: وما هي؟ قلت: التوجه إلى القبلة فرض، والنية فرض، والتكبيرة الأولى فرض، ورفع اليدين سنة، قال: فكم من التكبير عليك فرض وسنة؟ قلت: أصل التكبير أربع وتسعون تكبيرة، منها خمس فرض، والباقي كلها سنة. قال: فبم تستفتح الصلاة؟ قلت: بالتكبير: قال: فما برهانها؟ قلت: قراءتها، قال: فما جوهرها؟ قلت: تسبيحها، قال: فما إحياؤها؟ قلت: خشوعها، قال: فما الخشوع؟ قلت: النظر إلى موضع السجود، قال: فما وقارها؟ قلت: السكون، قال: فما تحريمها؟ قلت: التكبير، قال: فما تحليلها؟ قلت: التسليم، قال: فما شعارها؟ قلت: التسبيح عند انقضائها.
পৃষ্ঠা - ৫৪৯
قال: فما مفتاح ذلك كله يا أبا حازم؟ قلت: الوضوء، قال: فما مفتاح الوضوء؟ قلت: التسمية، قال: فما مفتاح التسمية؟ قلت: النية، قال: فما مفتاح النية؟ قلت: اليقين، قال: فما مفتاح اليقين؟ قلت: التوكل، قال: فما مفتاح التوكل؟ قلت: الخوف، قال: فما مفتاح الخوف، قلت: الرجاء، قال: فما مفتاح الرجاء؟ قلت: الصبر، قال: فما مفتاح الصبر؟ قلت: الرضا، قال: فما مفتاح الرضا؟ قلت: الطاعة، قال: فما مفتاح الطاعة؟ قلت: الاعتراف، قال: فما مفتاح الاعتراف، قلت: الاعتراف بالوحدانية والربوبية. قال: فيم استفدت ذلك كله؟ قلت: بالعلم، قال: فبم استفدت العلم؟ قلت: بالتعلم، قال: فبم استفدت التعلم؟ قلت: بالعقل، قال: فبم استفدت العقل؟ قلت: العقل عقلان، عقل تفرد الله بصنعه دون خلقه، وعقل يستفيده المرء بتأديبه ومعرفته، فإذا اجتمعا جميعًا قوى كل واحد منهما صاحبه، قال: فبم استفدت ذلك كله؟ قلت: بالتوفيق، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. ثم قال: والله لقد أكملت مفاتيح الجنة، فما الفرض عليك، وما فرض الفرض، وما فرض يؤدي إلى فرض، وما السنة الداخلة في الفرض، وما سنة يتم بها الفرض؟ قلت: أما الفرض: فالصلاة، وأما فرض الفرض: فالطهارة، وفرض يؤدي إلى فرض: أخذك الماء بيمينك إلى شمالك، وأما السنة الداخلة في الفرض: فتخليلك الأصابع بالماء، وسنة يتم بها الفرض فهي الختان، فقال: ما أبقيت على نفسك حجة يا أبا حازم. فكم فرض عليك في أكل الطعام؟ قلت: هل في أكل الطعام فرض وسنة؟ قال: نعم، أربعة فرض، وأربعة سنة، وأربعة مكرمة. فأما الفرض: فالتسمية، والحمد، والشكر، ومعرفة ما أطعمك الله. وأما السنة: فاتكاؤك على فخذك الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، وشد المضغ، ولعق الأصابع. وأما المكرمة: فغسل اليدين، وتصغير اللقم، والأكل مما يليك، وأن تقل النظر إلى جليسك، هكذا كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. * * *