القسم الرابع في فضائل الأعمال
باب في ذكر فضائل أيام الأسبوع والأيام البيض وما ورد في صيام ذلك
পৃষ্ঠা - ৪৬১
باب في ذكر فضائل أيام الأسبوع والأيام البيض وما ورد في صيام ذلك من التخصيص
وذكر أوراد الليل والنهار فيها
من ذلك ما أخبرنا أبو نصر عن والده وبإسناده، قال أنبأنا أبو الحسن على بن أحمد المقري، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي، قال: حدثنا عباس ابن محمد بن حاتم الدوري، قال: حدثنا حجاج بن محمد الأعور، قال: حدثنا ابن جريح، قال: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبيد الله بن رافع مولى أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال: خلق الله تعالى التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق الخير يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأيام، فسئل عن يوم السبت فقال: يوم مكر وخديعة، قالوا: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لأن فيه مكرت قريش بي في دار الندوة، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الأحد، فقال-صلى الله عليه وسلم-: يوم غرس وعمارة قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-، لأن فيه ابتداء الدنيا وعمارتها، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الاثنين، قال -صلى الله عليه وسلم-: يوم سفر وتجارة، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لأن فيه سافر شعيب النبي عليه السلام واتجر، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الثلاثاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: يوم دم، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لأن فيه حاضت حواء، وقتل ابن آدم أخاه، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الأربعاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: يوم نحس وشؤم، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم -: لأن فيه أغرق الله تعالى فرعون وقومه، وأهلك عاداً وثمود، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الخميس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: فيه قضاء
পৃষ্ঠা - ৪৬২
الحوائج، والدخول على السلاطين، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: فيه دخل إبراهيم خليل الرحمن على نمرود فقضى حوائجه، وأخذ منه هاجر، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الجمعة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يوم خطبة ونكاح، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لأن فيه كانت الأنبياء تنكح".
وروى عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج في سفر إلا يوم الخميس".
وعن معاوية بن قرة عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من احتجم يوم الثلاثاء لسبعة عشر من الشهر أخرج الله تعالى منه داء سنة".
وقيل: إن الله تعالى أعطى يوم السبت لموسى ولخمسين نبياً مرسلاً، وأعطى يوم الأحد لعشرين نبياً ولعيسى عليه السلام، وأعطى يوم الاثنين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ولثلاثة وستين مرسلاً، وأعطى يوم الثلاثاء لسليمان عليه السلام ولخمسين مرسلاً، وأعطى يوم الأربعاء ليعقوب عليه السلام ولخمسين مرسلاً، وأعطى يوم الخميس لآدم عليه السلام ولخمسين نبياً، ويوم الجمعة لله عز وجل وتقدس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إلهي ما حظ أمتي؟ قال تبارك وتعالى: يا محمد الجمعة لي والجنة لي، فأعطيت الجمعة لأمتك والجنة معها، وأنا مع الجمعة والجنة لأمتك".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يوم الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله تعالى له قصراً في الجنة من لؤلؤ وياقوت وزمرد، وكتب الله تعالى له براءة من النار".
وفي لفظ آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام ثلاثة أيام من الشهر الحرام، الخميس والجمعة والسبت، كتب الله له عبادة تسعمائة سنة".
পৃষ্ঠা - ৪৬৩
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا يوم السبت والأحد، وخالفوا اليهود والنصارى".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: تفتح أبواب السماء كل اثنين وخميس، فيغفر الله تعالى في ذلك اليوم لكل عبد لا يشرك بالله تعالى شيئاً، إلا امرأ كان بينه وبين أخيه شحناء، يقول تعالى: انظروا هذين حتى يصطلحا".
وروى "أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يدع صومها حضراً ولا سفراً، ويقول: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال".
(فصل) وأما صيام الأيام البيض ففيها فضل كثير.
من ذلك ما أخبرنا أبو نصر عن والده قال: أنبأنا هلال بن محمد، قال حدثنا النقاش، قال: حدثنا الحسين بن سفيان، قال: حدثنا سليمان بن يزيد مولى بن هاشم، قال: حدثنا على بن يزيد، عن عبد الملك بن هارون، عن سعيد بن عثمان، عن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "صوم يوم الثالث عشر يعدل صيام ثلاثة آلاف سنة، وصوم الرابع عشر يعدل صوم عشرة آلاف سنة، ومن صام يوم الخامس عشر يعدل صوم مائة ألف سنة، فذلك مائة ألف سنة وثلاثة عشر ألف سنة".
وعن أبي إسحاق عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر صوم الدهر كله".
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام ثلاثة أيام من الشهر صام الدهر" وقد صدقه الله في كتابه العزيز بقوله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها} [الأنعام: 160].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدع صيام الأيام
পৃষ্ঠা - ৪৬৪
البيض في سفر ولا حضر".
وعن الشعبي رحمه الله قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلى ركعتي الفجر، ولم يترك الوتر في سفر ولا حضر، كتب له أجر شهيد".
وعن سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني حبيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى ألقاه: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والوتر قبل النوم، وصلاة الضحى".
وعن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال: سمعت على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم عند انتصاف النهار وهو في الحجرة، فسلمت عليه، فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- علىّ ثم قال: يا علي، هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: عليك وعليه السلام، يا رسول الله، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فقال: يا على يقول لك جبريل عليه السلام: صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول عشرة آلاف سنة، وباليوم الثاني ثلاثين ألف سنة، وباليوم الثالث مائة ألف سنة، فقلت: يا رسول الله هذا الثواب لي خاصة أم للناس عامة، قال -صلى الله عليه وسلم: يا على يعطيك الله هذا الثواب ولمن يعمل مثل عملك بعدك، قلت: يا رسول الله وما هي؟ قال -صلى الله عليه وسلم: الأيام البيض ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر".
قال عنترة: قلت لعلي رضي الله عنه، لأي شيء سميت هذه الأيام البيض؟ فقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: لما أهبط الله آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود جسده، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا آدم أتحب أن يبيض جسدك؟ قال: نعم، قال: فصم من الشهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر، فصام آدم عليه السلام أول يوم فابيض ثلث جسده، ثم صام اليوم الثاني فابيض ثلثا جسده،
পৃষ্ঠা - ৪৬৫
ثم صام اليوم الثالث فابيض جسده كله، فسميت الأيام البيض".
وعن زر بن حبيش رحمه الله قال: سألت ابن مسعود رضي الله عنه عن الأيام البيض قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: "إن آدم عليه السلام لما عصى وأكل من الشجرة، أوحى الله تعالى إليه: يا آدم اهبط من جواري، وعزتي وجلالي لا يجاورني من عصاني، قال: فهبط إلى الأرض مسوداً، قال: فبكت الملائكة وضجت وقالت: يا رب خلقت خلقته بيدك، وأسكنته جنتك، وأسجدت له ملائكتك، في ذنب واحد حولته بياضه سواداً، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم صم لي هذا اليوم، يوم ثالث عشر فصامه فأصبح ثلثه أبيض، ثم أوحى الله تعالى إليه: يا آدم صم لي هذا اليوم، يوم ثالث عشر فصامه فأصبح ثلثه أبيض، ثم أوحى الله تعالى إليه: يا آدم صم هذا اليوم، يوم رابع عشر، فصامه فأصبح ثلثاه أبيض، ثم أوحى الله تعالى إليه يا آدم صم هذا اليوم، يوم خامس عشر، فصامه فأصبح كله أبيض، فسميت الأيام البيض".
وقال القتبي في أدب الكاتب: العرب تسميتها الأيام البيض، لأن لياليها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها.
باب في صيام الدهر وما لمن صامه من الثواب والأجر
أخبرنا أبو نصر عن والده، قال: حدثنا أبو الحسن على بن أحمد المقرى، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد القرمسيني، قال: حدثنا الحسن بن سهل، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي نجا عن صفوان بن سليم، عن علقمة بن أبي علقمة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام صيام داود، ومن صام الدهر كله فقد وهب نفسه لله تعالى".
পৃষ্ঠা - ৪৬৬
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا، وعقد تسعين".
وعن شعيب عن سعد بن إبراهيم قال: "كانت عائشة رضي الله عنها تصوم الدهر".
وعن يعقوب قال: حدثنا أبي، قال: "سرد سعد رضي الله عنه الصم قبل أن يموت أربعين سنة".
وعن أبي إدريس عائذ الله قال: "صام أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حتى صار كأنه خلال، قال: فقلت: يا أبا موسى لو أجممت؟ أي أرحت نفسك، فقال: إجمامها أريد، إني رأيت السابق من الخيل الضامرة".
وعن أبي إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني عمار الراهب قال: رأيت مسكينة الظفارية في منامي، وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زاذان بالأبلة، تنحدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة، قال عمار: فقلت لها: يا مسكينة ما فعل عيسى؟ فضحكت ثم قالت: قد كسى حلة البهاء وطافت بأباريق حوله الخدم، ثم حلى، وقيل: يا قارئ أرق فلعمري لقد برك الصيام. وكان عيسى قد صام حتى انحنى وانقطع صوته.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه لا يصوم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل الغزو، فلما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم أره مفطراً إلا يوم الفطر ويوم النحر.
وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قال: "حدثني من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم صائف يصب على رأسه الماء من شدة الحر والعطش وهو صائم".
وعن سفيان عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم يوماً ويفطر يوماً"
وما نقل في حديث جابر رضي الله عنه قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما سأله عمر رضي الله عنه: يا نبي الله أخبرني عن رجل يصوم الدهر كله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لا صام ذلك ولا أفطر" فمحمول على رجل صام الدهر ولم يفطر يومي العيدين وأيام التشريق، كذا
পৃষ্ঠা - ৪৬৭
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وأما إذا أفطر هذه الأيام وصام بقية السنة فلا نهى في حقه، بل له ما ذكرنا من الفضائل.
* * *
(فصل: في فضل الصيام في الجملة)
من ذلك ما أخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن عمرو بن ربيعة عن سلامة بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يوماً ابتغاء وجه الله تعالى، بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرماً" وقيل: إن الغراب يعيش مقدار خمسمائة سنة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً عرضه كما بين السماء والأرض".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفاً".
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد أصبح صائماً إلا فتحت له أبواب السماء، وسبحت أعضاؤه، واستغفر له أهل سماء الدنيا إلى أن توارى بالحجاب، وإن صلى ركعة أو ركعتين تطوعاً أضاءت له السموات نوراً، وقلن أزواجه من الحور العين: اللهم اقبضه إلينا فقد اشتقنا إلى رؤيته، وإن هلل أو سبح تلقاها سبعون ألف ملك يكتبونها إلى أن توارى بالحجاب".
وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل حسنة يعملها ابن آدم فهي بعشر حسنات إلى مئة حسنة أو سبعمائة حسنة، إلا الصوم، فإن الله تعالى قال في بعض كتبه: الصوم لي وأنا أجزي به، وخلوف فم الصائم أطيب
পৃষ্ঠা - ৪৬৮
عند الله من ريح المسك".
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من منعه الصيام من الطعام والشراب الذي يشتهيه أطعمه الله من ثمار الجنة، وسقاه من شرابها".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل، ولأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله هل أحد يدعى من هذه الأبواب كلها؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: نعم، وأنا أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل شيء باباً وإن باب العبادة الصيام".
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالصوم تصفو قلوبكم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصوم نصف الصبر ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم".
وعن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نوم الصائم عبادة، وسكوته تسبيح، وعمله متقبل".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يوضع للصائمين يوم القيامة مائدة من ذهب عليها شهد فيأكلون منها والناس ينظرون".
وعن أحمد بن أبي الحواري، قال: حدثني أبو سليمان، قال: جاءني أبو على الأصم بأحسن حديث سمعته في الدنيا، قال: يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب، قال: فيقولون: يارب نحن نحاسب وهؤلاء يأكلون؟ قال:
পৃষ্ঠা - ৪৬৯
فيقول: إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصائمون إذا خرجا من قبورهم تنفح من أفواههم ريح المسك، ويؤتون بمائدة من الجنة فيأكلون منها، وهم في ظل العرش".
وقال سفيان بن عيينة: بلغني أن الصائم لا يحاسب على ما يفطر عليه.
وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقوم الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من رائحة المسك".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصو جنة يجتن بها العبد من النار".
وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما آسى على شيء من الدنيا أتركه خلفي إلا الصيام في الهاجرة والمشي إلى الصلاة".
وعن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن رجلاً صام لله يوماً تطوعاً ثم أعطى ملء الأرض ذهباً لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب".
(فصل) وأما أوراد الليل والحث على قيامه:
مما اتفق عليه في الصحيحين وما ذكر في غيرهما من الكتب، فمن ذلك ما روى عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فقيل: يا رسول الله
পৃষ্ঠা - ৪৭০
إن فلاناً نام الليلة حتى أصبح ما صلى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك رجل بال الشيطان في أذنه".
وفي الخير "إذا نام الرجل عقد الشيطان على رأسه، ثلاث عقد، فإن قعد وذكر الله تعالى انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدتان، وإن صلى ركعتين انحلت العقد كلها، وأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح كسلان خبيث النفس".
وفي خبر آخر "إن للشيطان سعوطاً ولعوقاً وذروراً، فإذا سعط العبد ساء خلقه، وإذا لعقه ذرب لسانه بالشر، وإذا ذره نام بالليل حتى الصبح".
وطول القيام في صلاة الليل، وهي مثنى مثنى، وكثرة الركوع والسجود في صلاة النهار، وإن أراد أن يصلها أربعاً بتسليمة جاز.
وصلاة الليل في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- نافلة وفضيلة وقربة وكرامة، وفي حق أمته مكملة ومتممة للفرائض.
وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: وكنت غلاماً شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، وإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك آخر فقال لي: لن تراع، قال: فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلى من الليل؟ فكان بعد ذلك رضي الله عنه لا ينام من الليل إلا قليلاً".
وعن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل".
পৃষ্ঠা - ৪৭১
وعن أبي صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني علي بن حسين أن أباه الحسين بن علي رضي الله عنهما، أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخبره "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرقه هو وفاطمة ابنته رضي الله عنهما، فوجدهما نياماً فقال: ألا تصلون؟ فقلت: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله تعالى، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قلت ذلك له، فلم يرجع شيئاً، فسمعته وهو يضرب فخذه ويقول -صلى الله عليه وسلم- {كان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54].
وحدثنا أبو نصر عن والده بإسناده عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتان يصليها العبد في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها، ولولا أن أشق على أمتي لفرضتها عليهم".
وحدثنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن أبي العالية، قال: حدثني أبو مسلم، أنه سأل أبا ذر رضي الله عنه: أي صلاة الليل أفضل؟ فقال أبو ذر رضي الله عنه: سألت عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "جوف الليل، أو قال نصف الليل وقليل فاعله".
وفي بعض الأخبار "سأل داود النبي عليه السلام ربه عز وجل وقال: إلهي إني أحب أن أتعبد لك، فأي وقت أفضل؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا داود لا تقم أول الليل ولا آخره، فإنه من قام أوله نام آخره، ومن قام آخره لم يقم أوله، ولكن قم وسط الليل حتى تخلو بي وأخلو بك، وارفع إلى حوائجك".
وعن يحيى بن المختار عن الحسن رحمه الله أنه قال: ما عمل عبد عملاً أقر لعين، ولا أخف لظهر، ولا أطيب لنفس، من قيام في جوف الليل يداوم أو إنفاق مال في حق.
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا لمخافة يوم عسير، يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق".
وحدثنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي جعفر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بقى ثلث الليل ينزل الله تعالى
পৃষ্ঠা - ৪৭২
إلى السماء الدنيا فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يسترزقني فأرزقه، من الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه حتى ينفجر الفجر".
وحدثنا أبو نصر عن والده بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ " فمن ثم كانوا يستحبون الصلاة في آخر الليل.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر وإدبار الصلوات المكتوبات".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن خير الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وخير الصلاة صلاة داود عليه السلام، كان يرقد نصف الليل ويصلي آخر الليل، حتى إذا بقي سدس الليل رقد".
وفي لفظ آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان يرقد شطر الليل ثم يقوم، ثم يرقد آخره، ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إني أجعل الليل أثلاثاً، فثلثاً أنام، وثلثاً أصلي، وثلثاً أستذكر فيه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية.
পৃষ্ঠা - ৪৭৩
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ركعة بالليل خير من عشر بالنهار.
وسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل عليه السلام: "أي الليل أسمع؟ فقال: إن العرش يهتز من السحر".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم".
إن قيام الليل قربة إلى الله تعالى، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد.
وحدثنا أبو نصر عن والده بإسناده عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله تعالى فيها شيئاً إلا أعطاه إياه" وهي في كل ليلة، قالوا: وهذا عام مثل الساعة في يوم الجمعة، ومثل ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان.
ويقال: "إن في الليل وقتاً لابد أن ينام فيه ويغفل كل ذي عين إلا الحي القيوم الذي لا يموت، فلعلها هذه الساعة".
وفي حديث عمرو بن عتبة رضي الله عنه: "عليك بصلاة آخر الليل فإنها مشهودة محضورة تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار".
(فصل) وأما صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المذكورة في المتفق عليه، فما روى عن أبي إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخاً وصديقاً، فقلت له: يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قالت رضي الله عنها: "كان -صلى الله عليه وسلم- ينام في أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم لم يمس ماء حتى ينام فإذا سمع النداء الأول قالت: وثب، لا والله ما قالت قام فأفاض عليه الماء، ولا والله ما قالت قام فأفاض عليه الماء، ولا والله ما قالت اغتسل، وأنا أعلم ما تريد، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوءه للصلاة ثم صلى".
وعن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه بات ليلة عند
পৃষ্ঠা - ৪৭৪
ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجلس فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى.
قال ابن عباس رضي الله عنه: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، فأخذ بأذني اليمني فقلتها فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، ثم قام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح".
وعن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كنت ألقى النبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر السحر إلا وهو نائم عندي" يعني بعد الوتر.
وعن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الدائم من العمل، فقلت: أي الليل كان يقوم؟ قالت: إذا سمع الصارخ".
وعن الحسن رحمه الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا من الليل ولو أربعاً، صلوا ولو ركعتين، ما من أهل بيت يعرف لهم صلاة بالليل إلا ناداهم مناد يا أهل البيت: قوموا لصلاتكم".
وعن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن".
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ في سورة الليل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتها من
পৃষ্ঠা - ৪৭৫
سورة كذا وكذا".
وأما قدر صلاته -صلى الله عليه وسلم- في الليل، فما أخبرنا به الشيخ أبو نصر، عن والده، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الفوارس، قال: حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم ب ملحان، قال: حدثني أبو بكر، قال: حدثني الليث عن ابن أبي حبيب، عن عراك، عن عروة رحمه الله قال: "إن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة وركعتي الفجر".
وروى أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل اثنتى عشرة ركعة، ثم يوتر بواحدة، وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة.
(فصل آخر: في صلاة الليل)
وقد ذكر الله تعالى القائمين بالليل في كتابه العزيز، فقال عز وجل: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون} [الذاريات: 17 - 18].
وقال جل وعلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً} [السجدة: 16].
وقال تعالى: {أمن هو قانت الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} [الزمر: 9].
وقال جل وعلا: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} [الإسراء: 79].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة نادى مناد: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الدين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله عز وجل في السراء والضراء، فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الناس من بعدهم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "استعينوا بطعام السحر على صوم النهار، وبقيلولة النهار على قيام
পৃষ্ঠা - ৪৭৬
الليل، إن صاحب النوم يجئ مفلساً، وما نام أحد طول ليله إلا بال الشيطان في أذنه".
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربما ردد آية حتى يصبح.
وقالت عائشة رضي الله عنها: "نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة حتى ألص جلده بجلدي، ثم قال: يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبد لربي الليلة، قلت: والله إني لأحب قربك ولكني أؤثر هواك، ثم قام -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن ويبكي حتى بل بالدموع منكبيه، ثم جلس يقرأ ويبكي حتى بل بالدموع جنبيه وحقويه، ثم اضطجع يبكي ويقرأ حتى بل بالدموع ما يلى الأرض، فأتاه بلال رضي الله عنه فقال: بأبي وأمي ألم يغفر الله لك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: يا بلال أفلا أكون عبداً شكوراً، إنه أنزل على في هذه الليلة {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيا لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار} [آل عمران: 190 - 191].
وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في شيء من صلاة الليل جالساً حتى دخل في السن، فجعل يصلى وهو جالس، فإذا بقى عليه من السورة ثلاثون آية أو أربعون آية، قام فقرأ بها ثم ركع -صلى الله عليه وسلم-".
وقال يعمر بن بشر: أتيت باب عبد الله بن المبارك بعد العشاء الآخرة، فوجدته يصلى وهو يقرأ: {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] حتى إذا بلغ {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 6] وقف يرددها إلى أن ذهب هوى من الليل، فرجعت حين طلع الفجر وهو يرددها، فلما رأى التفجر قد طلع قطع، ثم قال: حلمك وجهلي، حلمك وجهلي، فانصرفت وتركته.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه، وطال ليله فقامه".
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس
পৃষ্ঠা - ৪৭৭
ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وبصمته إذا الناس يخوضون".
* * *
(فصل: في فضل الصلاة بين العشاءين)
حدثنا أبو نصر عن والده، قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ إملاء، قال: حدثنا بشر، قال: حدثنا محمد بن سليمان المصيعي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن عمر بن عبد الله بن خثعم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى ست ركعات بعد المغرب لم يتكلم بينهن عدلن بعبادة ثنتى عشرة سنة".
وفي حديث زيد بن الحباب: ولم يتكلم بينهن بسوء.
وقيل: يستحب أن يقرأ في الركعتين الأوليين بـ {قل يا أيها الكافرون ...}، و {قل هو الله أحد ...}، ليسرع بهما، لأنه قيل: إنهما يرفعان مع صلاة المغرب، ثم يصلى باقيها ويطول فيها إن شاء.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى أربع ركعات بعد المغرب قبل أن يكلم أحداً رفعت له في عليين، وكان كمن أدرك ليلة القدر في المسجد الأقصى، وهو خير من قيام نصف ليلة".
وحدثنا أبو نصر عن والده بإسناده عن طارق بن شهاب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من صلى المغرب وصلى من بعدها أربعاً كان كمن حج بعد حجة، قلت: فإن صلى بعدها ستاً؟ قال: يغفر له ذنوب خمسين عاماً".
وعن سعيد بن جبير، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عكف نفسه ما بين المغرب والعشاء في مسجد جماعة لم يتكلم إلا بصلاة أو قرآن كان
পৃষ্ঠা - ৪৭৮
حقاً على الله أن يبني له قصرين في الجنة مسيرة كل قصر منهما مائة عام، ويغرس له بينهما غراساً لو ضافه أهل الدنيا لو سعهم".
وحدثنا أبو نصر عن والده بإسناده عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صلاة أحب إلى الله تعالى من صلاة المغرب، بها يفتح العبد ليلته، ويختم بها نهاره، لم تحط عن مسافر ولا عن مقيم، من صلاها وصلى بعدها أربعاً من غير أن يكلم جليساً بنى الله له قصرين مكللين بالدر والياقوت، بينهما من الجنان ما لا يعلم علمه إلا هو، وإن صلاها وصلى بعدها ستاً من غير أن يكلم جليساً غفر له ذنوب أربعين عاماً".
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصلي بين العشاءين ثنتي عشرة ركعة.
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى بين المغرب والعشائ عشرين ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة".
وروى أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ويقول: "هي ناشئة الليل".
وعن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه أنه قال: ما أتيت ساعة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلا وجدته يصلي ما بين المغرب والعشاء.
وكان يقول: هي ساعة غفلة، وقيل: فيها نزلت {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} [السجدة: 16].
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأ بعد المغرب {ألم * تنزيل ....} السجدة، و {تبارك الذي بيده الملك ....}، جاء يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر وقد أدى حق تلك الليلة".
وهذه الركعات التي وردت بها الأخبار يحتمل أن تكون منفردة عن الركعتين السنة، ويحتمل أن تكون معها.
পৃষ্ঠা - ৪৭৯
(فصل) وأما الركعتان قبل صلاة المغرب:
فقد سئل أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: أما أنا فلا أفعلهما، وإن فعلهما رجل لم يكن به بأس.
وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن صلاتهما فقال. ما رأيت أحداً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما ولم ينه ابن عمر عنهما.
وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب ركعتين، فقلت له: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما، فقال: قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرانا نصليها فلا يأمرنا ولا ينهانا".
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: قد كان بالكوفة خيار أصحاب رسول اله -صلى الله عليه وسلم- على ابن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وأبو مسعود الأنصاري وغيرهم رضي الله عنهم، فما رأيت أحداً منهم يصلي قبل المغرب، وما صلى هاتين الركعتين أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم.
(فصل آخر) في ذكر ما ورد فعله بين العشاءين
ورؤية فاعله للنبي -صلى الله عليه وسلم- ببركة فعله ذلك في المنام وغير ذلك من الثواب
عن عبد الرحمن بن حبيب الحارثي البصري، عن سعيد بن سعد بن أبي طيبة كرز ابن وبرة الحارثي رحمه الله، وكان من الأبدال، قال: أتاني أخ لي من أهل الشام فأهدى لي هدية وقال لي: أقبل مني هذه الهدية يا كرز فإنها نعم الهدية، قال: فقلت: يا أخي ومن أهدى إليك هذه الهدية؟ قال: أعطانيها إبراهيم التيمي رحمه الله تعالى، قال: فقلت: فهل سألت إبراهيم من أعطاه هذه العطية، قال: بلى.
قال لي: كنت جالسً في قبالة الكعبة وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد، فجاءني رجل فسلم على وجلس عن يميني، فلم أر في زماني أحسن منه وجهاً ولا أحسن منه ثياباً ولا أطيب منه ريحاً ولا أشد منه بياضاً، فقلت: يا عبد الله من أنت ومن أين جئت وما أنت؟ فقال: أنا الخضر جئت للسلام عليك وحباً لك في الله، وعندي هدية
পৃষ্ঠা - ৪৮০
أريد أن أهديها إليك، فقلت له: فأعلمني هديتك هذه ما هي؟
فقال الخضر عليه السلام: تقرأ قبل أن تطلع الشمس وتبسط على الأرض وقبل أن تغرب سورة {الحمد ...} سبع مرات، و {قل أعوذ برب الناس ...} سبع مرات، و {قل أعوذ برب الفلق ....} سبع مرات، و {قل هو الله أحد ....} سبع مرات، و {قل يا أيها الكافرون ...} سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وتقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر سبع مرات، وتصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبع مرات، وتستغفر لنفسك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات سبع مرات، وعقيب الاستغفار: اللهم رب افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل، إنك غفور حليم جواد كريم بر رؤوف رحيم سبع مرات، وانظر ألا تدع ذلك غدوة وعشياً، فإن الذي أعطانيها قال لي: قلها مرة واحدة في دهرك؟
فقلت: أحب أن تعرفني من أعطاك هذه الهدية؟ قال أعطانيها محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال: فقلت للخضر عليه السلام: علمني شيئاً إن قلته رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامي فأسأه أهو أعطاك هذه العطية؟ فقال لي: أمتهم أنت لي؟ قلت: لا، ولكني أحب أن أسمع ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فقال لي: إن كنت تريد أن ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامك، فاعلم أنك إذا صليت المغرب تقوم تصلى إلى العشاء الآخرة من غير أن تكلم أحداً من الآدميين، وأقبل على صلاتك التي أنت فيها، وتسلم في كل ركعتين، واقرأ في كل سورة {الحمد ....} مرة، و {قل هو الله أحد ....} سبع مرات، ثم تصلى صلاة العتمة في جماعة، ولا تكلمن أحداً، حتى تأتي منزلك، وتصلي الوتر، وتصلي عند نومك ركعتين، تقرأ في كل ركعة سورة {الحمد ....} و {قل هو الله أحد ....} سبع مرات، ثم اسجد بعد الصلاة، واستغفر الله تعالى في سجودك سبع مرات، وقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات، ثم ارفع رأسك من السجود واستو جالساً، وارفع يديك وقل: يا حى يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا إله الأولين والآخرين، ويا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا رب يا رب يا رب، يا الله يا الله يا الله، ثم قم فادع بمثل ما دعوت في قيامك، ثم اسجد وادع في سجودك مثل ما
পৃষ্ঠা - ৪৮১
دعوت، ثم ارفع رأسك ونم حيث شئت مستقبل القبلة وأنت تصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وآدم حتى يغلبك النوم.
فقلت له: أحب أن تعلمني ممن سمعت هذا الدعاء، فقال: أمهتم أنت لي؟ فقلت: والذي بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالحق نبياً ما أنا بمتهم لك.
فقال عليه السلام: إني حضرت محمداً -صلى الله عليه وسلم- حيث علم هذا الدعاء، وأوحى إليه به وكنت عنده، فتعلمته ممن علمه إياه.
قال إبراهيم: فقلت له: أخبرني بثواب هذا الدعاء.
فقال لي الخضر عليه السلام: إذا لقيت محمداً -صلى الله عليه وسلم- فاسأله عن ثوابه.
قال إبراهيم، ففعلت ما قال لي الخضر عليه السلام، ولم أزل أصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في فراشي، فذهب عني النوم من شدة الفرح بما علمني الخضر عليه السلام وبما رجوته من لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصبحت على تلك الحال إلى أن صليت الفجر، وجلست في محرابي إلى أن ارتفع النهار، فصليت الضحى وأنا أحدث نفسي: إن عشت الليلة فعلت كما فعلت في الليلة الماضية، فغلبني النوم، فجاءتني الملائكة فحملوني فأدخلوني الجنة، فرأيت قصوراً من الياقوت الأحمر، وقصوراً من زمرد أخضر، وقصوراً من لؤلؤ أبيض، ورأيت أنهاراً من عسل ولبن وخمر، ورأيت في قصر منها جارية أشرفت على فرأيت صورة وجهها أشد من نور الشمس الصاحية، وإذا لها ذوائب قد سقطت على الأرض من أعلى القصر، فسألت الملائكة الذين أدخلوني: لمن هذا القصر ولمن هذه الجارية؟ فقالوا: للذي يعمل مثل عملك، فلم يخرجوني من تلك الجنان حتى أطعموني من ثمرها وسقوني من ذلك الشراب، ثم أخرجوني وردوني إلى الموضع الذي كنت فيه، فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه سبعون نبياً وسبعون صفاً من الملائكة، كل صف ما بين المشرق والمغرب، فسلم على وأخذ بيدي، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- صدق الخضر وكل ما يحكيه فهو حق، وهو عالم أهل الأرض، وهو رئيس الأبدال، وهو من جنود الله في الأرض، فقلت: يا رسول الله ما لمن يعمل هذا العمل من الثواب سوى ما رأيت؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- لي: وأي ثواب يكون أفضل من هذا الذي رأيت وأعطيت، لقد رأيت موضعك من الجنة وأكلت من ثمارها وشربت من شرابها، ورأيت الملائكة والأنبياء
পৃষ্ঠা - ৪৮২
معي، ورأيت الحور العين، فقلت: يا رسول الله فمن يعمل مثل ما عملت ولم ير مثل الذي رأيت في منامي، هل يعطي شيئاً مما أعطيته فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي بعثني بالحق نبياً، إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها، ويرفع الله عنه غضبه ومقته، والذي بعثني بالحق نبياً ليعطي العامل لهذا، وإن لم ير الجنة في منامه مثل ما أعطيت، وإن منادياً ينادي من السماء: إن الله قد غفر لعامله ولجميع أمته -صلى الله عليه وسلم- من المؤمنين والمؤمنات من المشرق والمغرب ويؤمر صاحب الشمال ألا يكتب على أحد منهم شيئاً من السيئات إلى السنة المقبلة، قال: فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بالذي أراني جمالك وأراني الجنة، أله هذا الثواب والفضل، قال -صلى الله عليه وسلم-: نعم يعطي ذلك جميعاً، فلت: يا رسول الله إنه ينبغي لجميع المؤمنين والمؤمنات أن يتعلموا هذا الدعاء ويعلموه، لما فيه من الثواب والفضل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي بعثني بالحق نبياً ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيداً، ولا يتركه إلا من خلقه الله شقياً، فقلت: يا رسول الله فهل يعطي عامل هذا شيئاً غير هذا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي بعثني بالحق نبياً إن من عمل هذا العمل ليلة واحدة كتبت له بكل قطرة نزلت من السماء منذ خلق الله الدنيا إلى يوم ينفخ في الصور حسنات، ويمحى عنه بعدد كل حبة تنبت من الأرض سيئات له ولمن عمل به من المؤمنين والمؤمنات من الأولين والآخرين".
وعن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي، وخمسة عشرة مرة {قل هو الله أحد ...}، يقول في آخر صلاته ألف مرة: اللهم صل على محمد النبي الأمي، فإنه يراني في ليلته، ولا تتم له الجمعة الأخرى، إلا وقد رآني، ومن رآني فله الجنة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ذكرها في الحديث.
* * *
(فصل: في ذكر الصلاة بعد العشاء الآخرة)
من ذلك ما حدثنا به أبو نصر عن والده، بإسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "من صلى أربعاً بعد العشاء الآخرة كان كمن أدرك ليلة القدر في
পৃষ্ঠা - ৪৮৩
المسجد الحرام".
وكذلك عن كعب الأحبار "من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات بقراءة حسنة، كان له من الأجر مثل ليلة القدر" يعني كأنما صلاها في ليلة القدر.
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى ركعتين بعد العشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وعشرين مرة {قل هو الله أحد ....}، بنى الله له قصرين في الجنة يتراءهما أهل الجنة".
(فصل) وأما الوتر فالأفضل فيه آخر الليل.
لما تقدم من فضل قيام آخر الليل.
وما روى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن رجلاً سأله عن قيام الليل فقال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة توتر لك ما قبلها".
وكان عمر الفاروق رضي الله عنه يوتر في آخر الليل، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يوتر في أول الليل، فسألهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لأبي بكر رضي الله عنه: "متى توتر؟ فقال: أول الليل قبل أن أنام، وقال لعمر رضي الله عنه: متى توتر؟ فقال: من آخر الليل، فقال -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر رضي الله عنه: حذر هذا، وقال عن عمر رضي الله عنه: قوى هذا".
وقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الأكياس يوترون أول الليل، وإن الأقوياء يوترون آخر الليل وهو أفضل.
وقيل: بل أول الليل أفضل لفعل أبي بكر رضي الله عنه، وما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال أما أنا فأوتر أول الليل، فإذا استيقظت صليت ركعة شفعت بها وترى، فما شبهتها إلا بالغريبة من الإبل ضممتها إلى أخواتها، ثم أوترت في آخر صلاتي.
পৃষ্ঠা - ৪৮৪
والمشهور عنه رضي الله عنه من فعله أنه كان يحيى الليل كله في ركعة واحدة يختم فيها القرآن وهي وتره.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أوصاني خليلي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: الوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى". ولاسيما في حق من يخاف ألا يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، فإن الأولى أن ينام على وتر.
وقد قال علي رضي الله عنه: الوتر على ثلاثة أنحاء: إن شئت أوترت أول الليل، ثم صليت ركعتين ركعتين، وإن شئت أوترت بركعة، فإن استيقظت شفعت إليها أخرى، ثم أوترت من آخر الليل، وإن شئت أخرت الوتر حتى يكون آخر صلاتك.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من خاف ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد، ومن طمع أن يقوم من آخر الليل، فإن قيام آخر الليل محظور، وذلك أفضل".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم إذا أوتر من آخر الليل فإن كانت له حاجة إلى أهله دنا منهن، وإلا اضطجع في مصلاه حتى يأتيه بلال رضي الله عنه فيؤذنه بالصلاة".
وقالت عائشة رضي الله عنها: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أوله وأوسطه وانتهاء وتره إلى السحر".
وفي الخبر "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر عند الأذان، ويصلى الركعتين عند الإقامة".
وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلون العشاء، ثم يصلون ركعتين، ثم أربعاً، فمن بدا له أن يوتر أوتر، ومن أراد أن ينام نام.
(فصل) ومن أوتر أول الليل ثم قام إلى التهجد فهل يفسخ وتره أم يصلي ما يشاء من غير أن يفسخه على روايتين عن أحمد رحمه الله: أحدهما لا يفسخه، وقال في
পৃষ্ঠা - ৪৮৫
رواية الفضل بن زياد: الوتر آخر الليل أفضل، فإن خاف رجل أن ينام فليوتر أول الليل، فإن قام آخر الليل صلى ركعتين ولم يوتر، والرواية الأخرى: بنقضه.
قال الفضل بن زياد: قلت لأحمد: افتراء ينقض وتره؟ قال: لا، وإن نقضه فلا بأس، قد فعل ذلك عمر وعلى أسامة وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم.
وصفة نقض الوتر وفسخه، أنه إذا أوتر الليل بواحدة، ونام ثم قام في أثناء الليل ليصلي، صلى ركعة واحدة ينوي بها نقص وتره وإشفاعه وسلم منها، فيصير كل ما صلى من قبل شفعاً، ثم يصلى ما شاء مثنى مثنى، ثم يوتر بركعة واحدة قبل طلوع الفجر.
ويكشف ذلك فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي قدمنا ذكره، ولا يترك الوتر الأول على حاله، ثم يوتر مرة أخرى لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا وتران في ليلة" وإن لم ينقضه وصلى ما أراد، فقد بينا جواز ذلك.
(فصل: في دعاء الوتر)
وهو أن يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الوتر:
"اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونحلع ونترك من يفجرك.
اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نعي ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت.
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".
পৃষ্ঠা - ৪৮৬
وإن زاد على ذلك جار، ثم يمر يده على وجهه في إحدى الروايتين، والأخرى يمرها على صدره، فإن كان إماماً في شهر رمضان قال في جميعها: بالنون والألف أهدنا وعافنا ... إلى آخر الدعاء.
(فصل) وإذا كان ممن يصلي بالليل وغلبه النعاس، فالأولى له أن ينام.
لما روى في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نعس أحدكم وهو في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه".
وعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد وحبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هو لزينب تصلى، فإذا كسئت أو فترت أمسكت به، فقال: حلوة، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: يصلي أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد".
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها "أنها كانت عندها امرأة من بني أسد، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من هذه؟ قالت: هذه فلانة لا تنام الليل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: عليكم بالذي تطيقون من العمل، فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا".
قالت: وأحب العمل إلى الله تعالى الذي يداوم عليه صاحبه وإن قل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أمرهم بما يطيقون من العمل يقولون: يا رسول الله إنا لسنا كهيئتك، إن الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف في وجهه، فالسنة في حق من غلبة النوم حتى شغله عن الصلاة والذكر أن ينام حتى يذهب عنه ثقل النوم، وينسبط للعبادة ويعقل ما يقول.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره النوم قاعداً.
وفي الخبر: "لا تكابدوا الليل".
وقد كان من الصالحين من يمهد لنفسه النوم ليتقوى بذلك على أوسط الليل، ومنهم
পৃষ্ঠা - ৪৮৭
من كره التعمد للنوم وكان لا ينام حتى يغلبه النوم.
ويقال: إن وهب بن منبه اليماني رحمه الله ما وضع جنبه إلى الأرض ثلاثين سنة، كانت له مسورة من آدم إذا غلبه النوم وضع صدره عليها وخفق خفقات ثم يفزع إلى القيام.
وكان يقول: لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إلى من أن أرى فيه وسادة، يعني لأنها تدعو إلى النوم.
وسئل بعضهم عن وصف الأبدال فقال: أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة وصمتهم حكمة وعلمهم قدرة.
وسئل بعضهم عن صفة الأبدال فقال: أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة وصمتهم حكمة وعلمهم قدرة.
وسئل بعضهم عن صفة الخائفين فقال: أكلهم أكل المرضى، ونومهم نوم الفرقى.
ولا ينظر إلى أحوال الصالحين، بل إلى ماروى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-،والاعتماد عليه حتى يدخل العبد في حالة ينفرد بها عن غيره.
وعن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أفضل؟ قال: أدومه وإن قل".
وعن علقمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دائمة"، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم ليلة نصف الليل، وليلة ثلثه، وليلة نصف الليل مع نصف سدسه، ويقوم ليلة ربعه فقط، ويقوم سدس الليل فحسب، وكل ذلك مذكور في سورة المزمل.
وروى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صل من الليل ولو قدر حلب شاه".
وقد يكون ذلك قدر أربع ركعات، وقد يكون قدر ركعتين.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتان يصليهما العبد في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها، ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم".
كل ذلك ليسهل على أمته قيام الليل والعبادة، ولا يثقل عليهم، وتبغض العبادة إليهم فيسأموا، بل أرشدهم -صلى الله عليه وسلم- لقيم الليل وذكر فضله وثوابه لئلا يقتصروا على
পৃষ্ঠা - ৪৮৮
الفرائض والسنن خاصة.
ويستحب من قيام الليل ثلثه، وأقل الاستحباب من القيام سدسه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقم ليلة قط حتى أصبح، بل كان ينام فيها، ولم ينم ليلة حتى يصبح، بل كان يقوم فيها على ما بيناه.
وقيل: إن صلاة أول الليل للمتهجدين، وقيام أوسطه للقانتين، وقيام آخره للمصلين، والقيام من الفجر للغافلين.
وعن يوسف بن مهران أنه قال: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك براثنه من لؤلؤ، وصيصته من زبرجد أخضر، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه ورقاً وقال: ليقم القائمون، فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم المتهجدون، فإذا مضى ثلثا الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم القانتون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم القانتون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقاً وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم.
وقال بعض العارفين: إن الله تعالى ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً، فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير، ثم تنتشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين.
وروى أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لي عباداً من عبادي يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم، وينظرون إلى وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عنهم مقتك، فقال: يارب وما علامتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعي الشفيق غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا جهنم الليل واختلط الظلام، وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب يجيبه، نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم، فناجوني بكلامي، وتملقوني بإنعامي، فبين صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشكون من حبي، أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم، والثانية لو كانت السموات السبع والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم، والثالثة أقبل بوجهي الكريم عليهم فترى من أقبلت بوجهي الكريم عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه.
পৃষ্ঠা - ৪৮৯
(فصل) وأما قيام الليل، فعمل الأقوياء الذين سبقت لهم منه العناية، وأديمت لهم الرعاية، وأحيط على قلوبهم بالتوفيق ونور الجلال ثم الجمال، فجعل القيام بالليل لهم موهبة وخلعة، فلم يسلبه عنهم مولاهم عز وجل حتى اللقاء.
وقد روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يحيى الليل بركعة واحدة يختم فيها القرآن وقدمنا ذكره.
وذكر عن أربعين رجلاً من التابعين أنهم كانوا يحبون الليل كله، ويصلون صلاة الغداة بوضوء العشاء الآخرة أربعين سنة، صح النقل عنهم واشتهر، منهم سعيد بن جبير، وصفوان بن سليم، وأبو حازم، ومحمد بن المنكدر من أهل المدينة، وفضيل بن عياض، ووهب بن الورد من أهل مكة، وطاوس، ووهب بن منبه من أهل اليمن، والربيع بن خيثم، والحكم من أهل الكوفة، وأبو سليمان الداراني، وعلى بن نكار من أهل الشام، وأبو عبد الله الخواص، وأبو عاصم من أهل عبادان، وحبيب أبو محمد، وأبو جائز السليماني من أهل فارس، ومالك بن دينار، وسليمان التيمي، ويزيد الرقاشي، وحبيب بن أبي ثابت، ويحيى البكاء من أهل البصرة، وغيرهم ممن يطول ذكرهم، رحمة الله عليهم ورضوانه.
(فصل) ومن استكملت غفلته، وأحاطت به خطيئاته، وقيدته وثبطته عن قيام الليل زلته وذنوبه، وأحب قيامه والدخول في زمرة القانتين المستغفرين بالأسحار، فليستغفر الله تعالى ثلاثاً عند نومه واضطجاعه، ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ عشر آيات من أول سورة الكهف، وعشراً من آخرها، ويقرأ. {آمن الرسول ...}، و {قل يا أيها الكافرون ...}، فإن الله تعالى يوقظه ويؤهله لقيام الليل بنعمته الواسعة، ومغفرته الشاملة، ورعايته العامة للمؤمنين من عباده.
وليقل أيضاً: اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك، واستعملني بأحب الأعمال لديك، التي تقربني إليك زلفى، وتبعدني من سخطك بعداً، أسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، وأدعوك فتستجيب لي، اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تولني غيرك، ولا ترفع عني سترك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين، فإنه قيل. من قال هذه الكلمات عند نومه أهبط الله عز وجل له ثلاثة أملاك يوقظونه للصلاة، فإن صلى ودعا أمنوا على دعائه، وإن لم يقم تعبد الأملاك في الهواء، وكتب له ثواب عبادتهم.
পৃষ্ঠা - ৪৯০
وليقل أيضاً ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من سره أن يستيقظ بالليل فليقل عند اضطجاعه: اللهم ابعثني من مضجعي لذكرك وشكرك وصلاتك واستغفارك وتلاوة كتابك وحسن عبادتك، ثم ليسبح ثلاثاً وثلاثين مرة، وليحمد ثلاثاً وثلاثين مرة، وليكبر أربعاً وثلاثين مرة".
وإن أحب أن يقول خمساً وعشرين مرة، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فهو أخف عليه، ومجموعها مائة، أجزاء عن الأول.
وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله آخر ما يقول حين ينام وهو واضع خده على يده اليمنى، وهو يرى أنه ميت في ليلته تلك: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغني من الفقر".
(فصل) ومن أنعم عليه بقيام الليل وفعل شيء من النوافل، فليجتهد في المداومة عليه من القدرة وعدم العذر.
لما روى عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من عبد الله سبحانه عبادة ثم تركها ملالة مقته الله تعالى".
وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة، صلى من النهار أثنى عشرة ركعة".
وفي الخبر "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل".
(فصل) ويستحب لمن قام من الليل للتهجد أن يقول:
"الحمد لله الذي أحياني بعدما توفاني وإليه النشور".
ويقرأ العشر من آخر آل عمران، ثم يستاك ويتوضأ، ثم يقول: سبحانك وبحمدك،
পৃষ্ঠা - ৪৯১
لا إله إلا أنت أستغفرك وأسألك التوبة، فاغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، واجعلني صبوراً شكوراً، واجعلني ممن يذكرك كثيراً ويسبحك بكرة وأصيلاً، ثم يرفع رأسه إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أنا عبدك وابن عبدك، ناصيتي بيدك، جار في حكمك، دل في قضاؤك، هذه يداي بما كسبت، وهذه نفسي بما اجترحت، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، علمت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنبي العظيم، إنك أنت ربي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ولا إله إلا أنت يا الله.
فإذا قام إلى الصلاة متوجهاً فليقل: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثم ليسبح عشراً، وليحمد عشراً، وليهلل عشراً، وليكبر عشراً، وليقل: الله أكبر ذو الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة، والجلال والقدرة، وإن شاء أن يقول هذه الكلمات فإنها مأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قيامه للتهجد وهي: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت بهاء السموات والأرض، ولك الحمد أنت زين السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ومن عليهن، أنت الحق، ومنك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اهدني لأحسن الأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، أسألك مسألة البائس المسكين، وأدعوك دعاء المفتقر الذليل، فلا تجعلني بدعائك رب شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسئولين وأكرم المعطين.
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، بأي شيء كان يكبر ويفتح النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان يكبر ويفتح فيقول: اللهم رب جبريل
পৃষ্ঠা - ৪৯২
وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
(فصل) ويستحب إذا قام لصلاة الليل أن يفتح صلاته بركعتين خفيفتين، ولا يتناول شيئاً من الطعام والشراب حتى يفرغ مما أنعم الله عليه من فعل الصلاة والتسبيح، لأنه إذا استيقظ من نومه يكون حامي القلب فارغ الهم، فإذا أكل أو شرب تغير قلبه عن هيئته وأظلم، فالأولى له أن يؤخر ذلك، إلا أن يكون قد نام جائعاً وأفرطه الجوع، أو يخاف من جوع النهار في شهر رمضان، ويخاف طلوع الفجر، فإن المستحب تقديم الأكل.
(فصل) ويستحب ألا ينام حتى يقرأ ثلثمائة آية ليدخل في زمن العابدين، ولم يكتب من الغافلين، فليقرأ سورة الفرقان والشعراء، فإن فيهما ثلثمائة آية، وإن لم يحسنهما قرأ سورة الواقعة ونون والحاقة وسورة الواقعة، أي سأل سائل، والمدثر، فإن لم يحسنهن فليقرأ سورة الطارق إلى خاتمة القرآن، فإنها ثلثمائة آية، فإن قرأ مقدار ألف آية كان أحسن وأكمل للفضل، وكتب له قنطار من الأجر، وكتب من القانتين، وذلك من سورة تبارك الذي بيده الملك إلى خاتمة القرآن: فإن لم يحسنها فليقرأ مائتين وخمسين مرة قل هو الله أحد بالبسملة، فإن مجموعها ألف آية.
وينبغي له ألا يدع قراءة أربع سور في كل ليلة: ألم تنزيل، وسورة يس، وحم الدخان، وتبارك، وإن قرأ معها سورة الزمر والواقعة كان أحسن.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينام حتى يقرأ السجدة وتبارك الملك، وفي خبر آخر: بني إسرائيل والزمر، وفي خبر آخر: المسبحات، ويقال: فيها آية أفضل من ألف آية.
(فصل) والذي يستعان به على قيام الليل أشياء:
منها أكل الحلال، والاستقامة على التوبة رغم خوف الوعيد، وشوق رجاء الموعود، ومنها أنه يجتنب أكل الشبهات والإصرار على الذنوب، ويدفع غلبة هم الدنيا وجهاً عن
পৃষ্ঠা - ৪৯৩
القلب بذكر الموت، والتفكير في المعاد، وما يلقى بعد الموت.
وقال رجل للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك.
وقال الثوري رحمه الله: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل: وما هو؟ قال رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: هذا مراء.
وكان الحسن رحمه الله يقول: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار.
وقيل: كم من أكلة منعت قيام ليلة، وكم من نظرة حرمت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل الأكلة، أو يفعل فعلة فحرم بها قيام السنة، فبحسن التفقد يعرف المزيد من النقصان، وبقلة الذنوب يوقف على التفقد.
وقال أبو سليمان رحمه الله تعالى: لا يفوت أحداً صلاة جماعة إلا بذنب، وكان يقول: الاحتلام بالليل عقوبة، والجنابة البعد.
ومنها: قلة الطعام والشراب، وخلو المعدة منها، لما روى عون بن عبد الله رحمه الله أنه قال: كان في بني إسرائيل ناس يتعبدون، فكان إذا كان فطرهم قام عليهم قائم فقال: لا تأكلوا كثيراً، فإنكم إذا أكلتم كثيراً نمتم كثيراً وإذا نمتم كثيراً صلتم قليلاً.
وقيل: إن كثرة النوم من كثرة شرب الماء.
وقيل: إنه اتفق رأي سبعين صدّيقاً وهم يقولون: إن كثرة النوم من كثرة شرب الماء.
ومنها: أنه يلزم قلبه الهم والغم والحزن ويقظة دائمة، فيحيى بها القلب، ويديم الفكر في الملكوت، ويقيل في النهار، ولا يكثر تعب جوارحه في أمور الدنيا، فإن اختار أن يقوم أول الليل حتى يغلبه النوم، ثم ينام ثم يقوم متى استيقظ، ثم ينام متى غلبه النوم ثم يقوم آخر الليل، فيكون له في الليل قومتان ونومتان، فيكابد الليل فهو من أشد الأعمال وهي حالة الحضور واليقظة والفكر والتذكر، وقيل: إنها من أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد يكون للعابد في الليل قومات ونومات في تضاعيف ذلك، وإما أن يكون القيام والنوم موزوناً عدلاً فلا يكون ذلك إلا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون قلبه دائم اليقظة، ووحي من الله سبحانه يؤمر به وينهى ويوقظ وينوم ويقلب ويحرك، خاص له ذلك دون بقية الخلق.
পৃষ্ঠা - ৪৯৪
(فصل) ويستحب لمن قام الليل أن ينام آخره لوجهين:
أحدهما: أنه يذهب النعاس بالغداة، والنوم بالغداة مكروه، ولهذا كانوا يأمرون الناعس بالنوم بعد صلاة الصبح، ويمنعون قبلها، وقد ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت له هجعة بعد صلاة الفجر.
والوجه الثاني: أن نوم آخر الليل يذهب صفرة الوجه، وإذا كابد نومه ولم ينم بقيت الصفرة بحالها.
وينبغي أن يتقي ذلك لأنه باب غامض، وهو من الشهوة الخفية والشرك الخفي؛ لأنه يشار إليه بالأصابع، ويتوهم فيه الصلاح والسهر والصوم والخوف من الله عز وجل لأجل تلك الصفرة التي في وجهه، نعوذ بالله من الشرك الخفي والرياء، وكل أمارة تدل عليهما.
وينبغي أن يقلل شرب الماء بالليل لما قدمنا من أنه يجلب النوم، ولأنه يكون منه صفرة الوجه، سيما في آخر الليل، وعند الانتباه من النوم، وفي الخبر "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوتر من آخر الليل اضطجع على شقه الأيمن ضجعة حتى يأتيه بلال رضي الله عنه فيخرج معه إلى الصلاة".
وقد كان السلف يستحبون هذه الضجعة بعد الوتر، وقبل صلاة الصبح حتى جعلها بعضهم سنة، وهو أبو هريرة رضي الله عنه ومن تابعه في ذلك.
وإنما استحبوا ذلك لأنه مزيد لأهل المشاهدة والحضور، لأنهم يكشف لهم عن الملكوت ويضيء لهم أنواع العلوم من الجبروت، ويلقنون غرائب الحكم والعلوم، ويطلعون على ما غاب عنهم من الأقسام والحظوظ، وما أعدها لهم رب الخليقة علام الغيوب، وفي حق العمال وأهل المجاهدة راحة وسكون، ولذلك نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، يستريح فيها أهل أوراد الليل والنهار.
وكذلك يستحب أن يفصل في تضاعيف صلاة الليل بجلوس يسبح فيه مائة تسبيحة، ليكون عوناً على الصلاة، ولتسكن الجوارح، وتزول سآمة النفس للقيام، ويحبب إليها التهجد والصلاة، وهو داخل تحت قوله عز وجل: {ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم} [الطور 49]، وقوله تعالى: {وأدبار السجود} [ق 4] أي أعقاب الصلاة.
পৃষ্ঠা - ৪৯৫
(فصل) فإن فاته قيام الليل بنوم أو شغل، فإن قضاه ما بين طلوع الشمس إلى زوالها كان كمن صلى في وقته في الليل:
لما حدثنا به أبو نصر عن والده، بإسناده عن عبد الله بن غنم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اربع ركعات قبل الظهر بعد الزوال يحسبن بمثلهن من السحر".
وفي لفظ آخر عن عمر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من نام عن حزبه من الليل أو نسيه فقرأه من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، فكأنما قرأه في ليله".
وعن بعض السلف أنه قال: اجتمع رأي آل محمد -صلى الله عليه وسلم- أن من صلى وقرأ ورده الذي فاته من الليل قبل الزوال كان كمن صلاه في الليل، وإن لم يقدر على ذلك فيقضيه ما بين الظهر والعصر، قال الله تعالى: {هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً} [الفرقان 62] أي جعلهما خلفتين يتعاقبان في الفصل، فيخلف أحدهما الآخر.
(فصل) فقد تحصل من هذه الجملة أن أوراد الليل خمسة:
أحدهما: ما بين العشائين.
والثاني: ما بعد العشاء الأخير إلى وقت منامه.
والثالث: جوف الليل.
والرابع: الثلث الأخير.
والخامس: وهو السحر الأخير إلى طلوع الفجر الثاني وهو القراءة والاستغفار وللتفكر والاعتبار دون الصلاة، لأنه لا يؤمن أ، تصادف صلاته طلوع الفجر، وهو الوقت المنهي عن الصلاة فيه، ولذا قال -صلى الله عيله وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الفجر فأوتر بركعة توتر لك ما قبلها".
اللهم إلا أن يكون قد نام عن وتره وورده، فإنه يصليها هذه الساعة على ما تقدم بيانه في فصل فعل الوتر.