القسم الثالث في المجالس
مجلس في فضائل يوم الجمعة
পৃষ্ঠা - ৪৩৩
مجلس في فضائل يوم الجمعة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [الجمعة: 9].
قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -: {يا أيها الذين آمنوا} يعنى أقروا وصدقوا بوحدانية الله تعالى: {إذا نودى للصلاة} يعنى إذا دعيتم بالأذان يوم الجمعة {فاسعوا إلى ذكر الله} يعنى فامشوا إلى صلاة الجمعة {وذروا البيع} يعنى واتركوا البيع بعد النداء {ذلكم} يعنى الصلاة {خير لكم} من الكسب والتجارة {إن كنتم تعلمون} يعنى تصدقون.
وسبب نزول هذه الآية أن اليهود افتخروا على المسلمين بأشياء ثلاثة:
أحدها: قالوا: نحن أولياء الله وأحباؤه دونكم.
والثاني: لنا كتاب ولا كتاب لكم.
والثالث: لنا سبت ولا سبت لكم.
فرد الله عليهم وكذبهم في هذه السورة، فقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم -: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [الجمعة: 6] بقولكم نحن أولياء الله من دونكم.
وأنزل الله -عز وجل -لقولهم أنتم أميون لا كتاب لكم، قوله -جل وعلا -: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} [الجمعة: 2] وذمهم فقال تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا} [الجمعة: 5].
وأنزل تبارك وتعالى لقولهم لنا سبت ولا سبت لكم: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ...} إلى قوله: {ذلكم خير لكم}.
ثم قال -عز وجل -: {وإذا رأو تجارة أو لهوًا انفضوا إليها} [الجمعة: 11].
وذلك أن العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق، فيخرج الناس من المسجد، فلما كان ذات يوم جاءت العير فخرج الناس من المسجد، غير اثنى عشر
পৃষ্ঠা - ৪৩৪
رجلاً وامرأة، ثم جاءت عير أخرى فخرجوا أيضًا إلا اثنى عشر رجلاً وامرأة، ثم إن دحية بن خليفة الكلبى من بنى عامر بن عوف أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم، وكان يحمل معه من أنواع التجارة، وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والتصفيق، فوافق قدومه يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم -قائم على المنبر يخطب، فخرج إليه الناس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: انظروا كم بقى في المسجد؟ فقالوا: اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: لولا هؤلاء لقد سومت عليهم الحجارة، يعنى علم على الحجارة لهم، فأنزل الله -عز وجل -: {وإذا رأو تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا} [الجمعة: 11] على المنبر {قل ما عند الله خير من اللهو} [الجمعة: 11] يعنى من الطبل والتصفيق {ومن التجارة} [الجمعة: 11] التي جاء بها دحية {والله خير الرازقين} [الجمعة: 11] من غيره. وقيل: من الاثنى عشر رجلاً الذين بقوا في المسجد أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما -.
(فصل: في فضائل يوم الجمعة من طريق الآثار)
من ذلك ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة -رضي الله عنه -قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "لم تطلع الشمس ولم تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهى تفزع من يوم الجمعة إلا الثقلان الجن والإنس، وعلى كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الناس الأول فالأول، كرجل قرب بدنة، وكرجل قرب بقرة، وكرجل قرب شاة، وكرجل قرب دجاجة، وكرجل قرب بيضة، فإذا قام الإمام طريت الصحف".
وعن أبى سلمة عن أبى هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "إن خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله تعالى آدم، وفيه أدخله الجنة وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يصادفها مؤمن يسأل الله تعالى فيها شيئًا إلا أعطاه إياه".
قال أبو سلمة: قال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه -: قد عرفت تلك الساعة، وهى آخر ساعة من النهار، وهى الساعة التي خلق فيها آدم -عليه السلام -، قال الله -عز وجل -:
পৃষ্ঠা - ৪৩৫
{خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37].
وروى عبد الله بن منذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله تعالى من يوم الفطر، وفيه خمس خلال: فيه خلق الله تعالى آدم -عليه السلام، وفيه أهبط إلى الأرض، وفيه توفى، وفيه ساعة لا يسأل العبد ربه فيها شيئًا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب عند ربه -عز وجل -إلا وهو يفزع من يوم الجمعة، ولا سماء ولا أرض إلا وهى تشفق من يوم الجمعة".
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم -عليه السلام -، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة".
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه -أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "اليوم الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة، ما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله تعالى فيها خيرًا إلا أعطاه أو يستعيذه من شر إلا يعيذه".
أخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن علي بن أبى طالب -رضي الله عنه -قال: "إذا كان يوم الجمعة خرجت الشياطين يزفون الناس إلى أسواقهم ومعهم الرايات، وتخرج الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس على قدر منازلهم، السابق والمصلى والذي يليه، حتى يخرج الإمام، فمن دنا من الإمام فنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر، ومن نأى عنه فاستمع ونصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر، ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان، ومن نأى عنه فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفل من الوزر، ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له، ثم قال علي -رضي الله عنه -: هكذا سمعت من نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم -".
পৃষ্ঠা - ৪৩৬
فقوله: فلا جمعة له أي جمعة كاملة من الأجر والثواب ومعناه ناقص الأجر والثواب.
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه -قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت".
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه -قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "تقف الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون مجيء الناس حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفع الأقلام".
قال: "فتقول الملائكة بعضهم لبعض: ما حبس فلانًا وما حبس فلانًا؟ قال: فتقول الملائكة بعضهم لبعض: اللهم إن كان مريضًا فاشفه، وإن كان ضالاً فاهده، وإن كان غائبًا فأعنه".
وقال جعفر: حدثنا ثابت. قال: بلغنا أن الله تعالى ملائكة معهم ألواح من فضة وأقلام من ذهب يكتبون من صلى ليلة الجمعة ويوم الجمعة في جماعة.
أخبرنا الشيخ أبو نصر عن والده، بإسناده عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -: قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "من كان يؤمن بالله والبوم الآخر فعليه الجمعة في يوم الجمعة، إلا مريضًا أو مسافرًا أو امرأة أو صبيًا أو مملوكًا، ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غنى حميد".
وعن أبى الجهد الضمرى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من ترك الجمعة ثلاثًا تهاونًا بها طبع الله تعالى على قلبه".
وأخبرنا الشيخ أبو نصر عن والده بإسناده عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول على منبره: "يا أيها الناس توبوا إلى الله تعالى قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له تسعدوا، وأكثروا من الصدقة في السر والعلانية تؤجروا
পৃষ্ঠা - ৪৩৭
وتحمدوا وترزقوا، واعلموا أن الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة فريضة مكتوبة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة، من وجد إليها سبيلاً وتركها في حياتي أو بعدي جحودًا بها أو استخفافًا بها، وله إمام جائز أو عادل، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له في أمره، ألا فلا صلاة له، ألا فلا وضوء له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا بركة له حتى يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، ألا ولا تؤمن امرأة رجلاً ولا يؤمن أعرابي مهاجرًا، ألا ولا يؤمن فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه وسوطه".
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن ثابت البنانى عن طاوس عن أبى موسى الأشعري -رضي الله عنه -قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث الجمعة وهي زاهرة منيرة، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج وريحهم كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، وينظر إليهم الثقلان، ما يطرفون تعجبًا حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون".
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن ثابت البنانى، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "إن لله تعالى ستمائة ألف عتيق من النار في كل يوم، وليلة الجمعة ويوم الجمعة أربع وعشرون ساعة، في كل ساعة ستمائة ألف عتيق من النار".
وفي لفظ آخر عن ثابت عن أنس -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "إن لله في كل ساعة من ساعات الدنيا ستمائة ألف عتيق من النار يعتقهم كلهم، قد استوجبوا النار يوم القيامة، وفي يوم الجمعة وليلة الجمعة أربع وعشرون ساعة، ليس فيها ساعة إلا ولله -عز وجل -فيها ستمائة ألف عتيق يعتقهم من النار كلهم قد استوجبوا النار".
وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبى الدرداء -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من صلى يوم الجمعة في جماعة كتبت له حجة متقبلة، وإن صلى العصر كانت
পৃষ্ঠা - ৪৩৮
له عمرة، وإن تمسى في مكانه لم يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه".
وعن أبى أمامة الباهلى -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من صام يوم الجمعة وصلى مع الإمام وشهد جنازة وتصدق بصدقة وعاد مريضًا وشهد نكاحًا وجبت له الجنة".
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها بلغو فذاك حظه، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله تعالى، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، فإن الله -عز وجل -يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 16].
وقد ورد في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "ما من دابة إلا وهي قائمة على ساق يوم الجمعة مشفقة من قيام الساعة إلا الشياطين وشقي بني آدم".
ويقال: إن الطير والهوام تلقى بعضها بعضًا في يوم الجمعة، فتقول: سلام عليكم يوم صالح.
وفي بر آخر: "إن جهنم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء، فلا تصلوا في هذه الساعة إلا يوم الجمعة، فإنها صلاة كلها وإن جهنم لا تسعر فيه".
(فصل) روى عن أبى صالح عن أبى هريرة -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما فرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة،
পৃষ্ঠা - ৪৩৯
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
فالساعة الأولى تكون بعد صلاة الصبح، والساعة الثانية تكون عند ارتفاع الشمس، والثالثة عند انبساطها وهي الضحى الأعلى إذا مضت الأقدام بحر الشمس، والساعة الرابعة تكون قبل الزوال، والخامسة إذا زالت الشمس أو مع استوائها.
وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "اغتسل في كل يوم جمعة أخرجه الله تعالى من ذنوبه ثم قيل له: استأنف العمل".
وروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من غسل واغتسل وغدا وابتكر ودنا من الإمام ولم يلغ، كان له بكل خطوة صيام سنة وقيامها".
وقوله -صلى الله عليه وسلم -: "من غسل" بالتشديد: أي غسل أهله كناية عن الجماع، ولهذا يستحب عند أهل العلم إتيان الزوجة في يوم الجمعة، كان بعض السلف يفعله إتباعًا لهذا الحديث.
ومن روى بالتخفيف: أي غسل رأسه ثم غسل جسده.
وعن الحسن عن أبى هريرة -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة اغتسل كل يوم جمعة، ولو صار أن تشترى الماء بقوت يومك".
فغسل الجمعة مستحب عند أكثر الفقهاء، وواجب عند داود، فلا ينبغي أن يتركه من يأتي الجمعة.
ووقته: بعد طلوع الفجر الثاني، والأولى له له أن يعقبه بالرواح إلى المسجد ليخرج من الخلاف، وأن يتحفظ من نقض الطهارة حتى يصلى الجمعة وينوى بالغسل خدمة مولاه، فإن أصبح جنبًا فتوضأ واغتسل ناويًا بهما الجنابة والجمعة جاز، ويتنظف بأخذ شعره وظفره وقطع رائحته: أي الكريهة، ويلبس أحسن ثيابه وأفضلها البياض ويتعمم ويرتدي، فإنه جاء في الحديث: "إن الملائكة تصلي على أصحاب العمائم يوم الجمعة" ويتطيب بأطيب طيبه مما يظهر ريحه ويخفى لونه، وليخرج من بيته إلى الجامع وعليه
পৃষ্ঠা - ৪৪০
السكينة والوقار خاشعًا متواضعًا مخبتًا مفتقرًا مكثرًا من الدعاء والاستغفار، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وينوى بخروجه زيارة مولاه في بيته والتقرب إلى الله تعالى بأداء فرائضه، والعكوف في المسجد إلى حين انقلابه إلى بيته، وينوى كف جوارحه عن اللهو واللغو في الطريق والجامع، وليترك راحته يوم الجمعة وحظوظ دنياه، وليواصل الأوراد والعبادة فيه، فيجعل أول نهاره إلى انقضاء صلاة الجمعة للخدمة، ثم يجعل وسط النهار إلى صلاة العصر لاستماع العلم ومجالس الذكر، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس للتسبيح والاستغفار، وأفضل ما يشتغل به في هذا الوقت وفي كل يوم وليلة من الأذكار أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مائتي مرة، سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، لا إله إلا الله الملك الحق المبين مائة مرة، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي مائة مرة وأستغفر الله العظيم الحي القيوم وأسأله التوبة مائة مرة، وما شاء الله لا قوة إلا بالله مائة مرة فذلك سبعمائة مرة من أنواع الأذكار.
وقد نقل عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم -، أنه كان يسبح في كل يوم اثنى عشر ألف تسبيحة، وعن بعض التابعين أنه كان يسبح كل يوم ثلاثين ألفًا، كل قد علم صلاته وتسبيحه، فاحذر أن تكون من المحرومين، فلا تذكر ولا تذكر، والمؤمن أولاً يكون ذاكرًا لله -عز وجل -، ثم مذكورًا له، قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم} البقرة: 152].
وأما قبل الصلاة فلا يستحب له حضور القاص، لأن القصص بدعة وكان ابن عمر وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم -يخرجون القصاص من الجامع، اللهم إلا أن يكون عالمًا بالله تعالى من أهل المعرفة واليقين، فيكون حضور مجلسه أفضل من صلاته لحديث أبى ذر -رضي الله عنه -: "حضور مجلس العلم أفضل من صلاة ألف ركعة".
وفي حديث آخر: "لئن يتعلم أحدكم بابًا من العلم أو يعلمه خير له من صلاة ألف ركعة".
وإذا أتى الجامع لا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إمامًا أو مؤذنًا، لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: "يا فلان ما منعك أن تصلي معنا
পৃষ্ঠা - ৪৪১
الجمعة؟ فقال: أولم ترنى يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم -: رأيتك تلبثت وآذيت" أي تأخرت عن البكور، وآذيت الحضور.
وفي حديث آخر قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "ما منعك اليوم أن تجمع؟ قال: يا نبي الله قد جمعت، قال -صلى الله عليه وسلم -: أولم أرك تتخطى رقاب الناس".
وقد قيل: إن من فعل ذلك جعل جسرًا يوم القيامة على جهنم يتخطاه الناس.
ولا تمرن بين يدى المصلى، لأن في الخبر "لأن يقف أحدكم أربعين سنة خير له من أن يمر بين يدى المصلى".
وفي لفظ آخر "لأن يكون الرجل رمادًا تذروه الرياح خير له من أن يمر بين يدي المصلى".
ولا يقيمن أحدًا من موضعه ويجلس مكانه، لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما -إذا قام له الرجل من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه.
وإن رأى بين يديه فرجة فهل يجوز له أن يتخطى رقاب الناس فيجلس فيها؟ على روايتين عند إمامنا أحمد -رحمه الله تعالى -، فإن قدم صاحبًا له فجلس في موضعه، فإذا جلس هناك جاز وإن بسط له شيئًا فهل لغيره أن يرفعه ويجلس هناك؟ على وجهين عند أصحابنا.
ويجتهد أن يدنو من الإمام فينصت إلى الخطبة فلا يتكلم، فإن تكلم أثم في إحدى الروايتين، ولا يحرم الكلام قبل الشروع في الخطبة وبعد الفراغ منها.
(فصل) أخبرنا الشيخ أبو نصر عن والده، قال: أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن عمر الفقيه الشافعي -رحمه الله تعالى -، قال: حدثنا حبيب بن الحسن القزاز، قال: حدثنا
পৃষ্ঠা - ৪৪২
جعفر بن محمد بن الحسين الخراساني، قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: حدثنا محمد بن شعيب، عن عمر بن عبد الله مولى عفرة، عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "أتاني جبريل -عليه السلام -في كفه كمأة بيضاء فيها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة، لكم فيها خير كثير، قلت: وما هذه النكتة السوداء؟ قال: هذه الساعة، تقوم يوم الجمعة، وهو سيد الأيام، ونحن نسميه عندنا يوم المزيد، قلت: ولم تسمونه يوم المزيد يا جبريل؟ قال: ذلك لأن ربك -عز وجل -اتخذ في الجنة واديًا أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبار تبارك وتعالى من عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي، وقد حف الكرسي بمنابر من نور يجلس عليها النبيون، وحفت المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالجواهر يجلس عليها الصديقون والشهداء، ثم جاء أهل الغرف حتى حفوا بالكثيب، فيقول الله -عز وجل -: أنا الذي صدقتكم وعدى وأتممت عليكم نعمتي وأحللتكم كرامتي، ثم يقول: فسلوني، فيقولون بأجمعهم: نسألك الرضا عنا، فيقول: رضاي عنكم أحلكم داري وأنيلكم كرامتي، ثم يقول: سلوني، فيعيدون فيقولون: ربنا نسألك الرضا، ثم يقول: سلوني، فيسألونه حتى تنتهي أمنية كل عبد منهم، ثم يقولون: حسبنا ربنا، فيفتح لهم بقدر انصرافهم من يوم الجمعة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، غرفة من لؤلؤة بيضاء، وياقوتة حمراء وزمردة خضراء، ليس فيها فصم ولا وصم، مطردة فيها الأنهار متدلية فيها ثمارها وفيها أزواجها وخدمها ومساكنها، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فضلاً من ربهم ورضوانًا".
وأخبرنا أبو نصر عن والده، قال: حدثنا محمد بن أحمد الحافظ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد الصواف، قال: حدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو صالح الخزاز، قال: حدثنا عمرو بن شمس عن سعد بن طريف الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم الجمعة غدا أمين الله جبريل -عليه السلام -إلى المسجد الحرام، فركز لواء فيه، وغدا سائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها، فركزوا ألويتهم وراياتهم
পৃষ্ঠা - ৪৪৩
بأبواب المساجد، ثم ينشرون قراطيس من فضة وأقلاماً من ذهب، ثم يكتبون الأول فالأول من بكر إلى الجمعة، فإذا دخل كل مسجد سبعون رجلاً ممن بكر إلى المسجد طويت القراطيس، وكان أولئك السبعون الذين بكروا كالذين اختار موسى {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} [الأعراف: 155] والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء" ثم يتخلل الملائكة الصفوف فيتفقدون الرجال، ويقول بعضهم لبعض: ما فعل فلان؟ فيقولون: مات، فيقولون. رحمه الله تعالى، فإنه كان صاحب جمعة، ويقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: غائب، فيقولون: حفظه الله فإن كان صاحب جمعة، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: مريض، فيقولون: عافاه الله فإنه كان صاحب جمعة".
(فصل) وفي يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد يدعو الله تعالى إلا استجيبت دعوته.
أخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتيت الطور فوجدت فيه كعباً، فحدثته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدثني عن التوراة، قال: فما اختلفنا في شيء حتى انتهينا إلى حديث، فقلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "في الجمعة ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي فيسأل الله تعالى فيها خيراً إلا أعطاه إياه" فقال كعب: في كل سنة، قال: فقلت بل في كل جمعة، كذلك قال -صلى الله عليه وسلم-، فذهب قليلاً ثم رجع فقال: صدقت والله، إنها لكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل جمعة، وإنه سيد الأيام وأحبها إلى الله تعالى. فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه أسكن الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر ما يكون في يوم الجمعة إلا الثقلين، فرجعت فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فحدثته بحديثي وحديث كعب، قال: فقال عبد الله رضي الله عنه: كذب كعب هو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في التوراة، قال: فقلت: إنه قد رجع، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: إني لأعلم تلك الساعة، قلت: أي ساعة هي؟ قال: آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، قال: فقلت: وكيف وقد سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يوافقها مؤمن يصلي" ولات حين صلاة قال: أما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من انتظر صلا فرض فهو
পৃষ্ঠা - ৪৪৪
في صلاة، قلت: بلى، قال: فهي كذلك".
وفي لفظ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، وقال: بيده يقللها".
وقد روى عن بعض السلف أنه قال: إن لله تبارك وتعالى فضلاً من الرزق سوى أرزاق العباد ولا يعطى من ذلك الفضل إلا لمن سأله عشية الخميس ويوم الجمعة.
وأخبرنا أبو النصر عن والده، بإسناده عن سعيد بن راشد، عن زيد بن على عن مرجانة، عن فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها، عن أبيها -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه" قلت: يا أبت أية ساعة هي؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تدلى نصف الشمس للغروب" قالت: فكانت فاطمة رضي الله عنها إذا كان يوم الجمعة أمرت غلاماً لها يقال له زيد تقول: اصعد إلى الضراب، فإذا تدلى نصف الشمس للغروب فآذني وأعلمني، فكان يصعد، فإذا كانت تلك الساعة آذنها وأعلمها، فتقوم وتدخل المسجد حتى تغرب الشمس وتصلي.
وفي حديث كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه عن جده رضي الله عنه، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "في الجمعة ساعة من نهار ولا يسأل الله فيها عبد شيئاً إلا أعطاه سؤله، قيل له: وأية ساعة هي يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها".
قال كثير بن عبد الله المزني: يعني بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة.
وأخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: عرض هذا الدعاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لو دعى الله به على كل شيء بين المشرق والمغرب في ساعة يوم الجمعة لاستجيب لصاحبه:
পৃষ্ঠা - ৪৪৫
سبحانك لا إله إلا أنت يا حنان يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام.
وقال صفوان بن سليم: بلغني أن من قال حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، غفر له.
وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "فضل يوم الجمعة في رمضان على سائر الأيام كفضل رمضان على سائر الشهور".
(فصل: في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة)
أخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة علىَّ يوم الجمعة، فإنه يوم تضاعف فيه الأعمال، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة، قيل: يا رسول الله: وما الدرجة الوسيلة من الجنة؟ قال: هي أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا نبي، وأرجو أن أكون هو".
وعن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، حلت له الشفاعة يوم القيامة".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أكثروا الصلاة على نبيكم في الليلة الغراء واليوم الأزهر، ليلة الجمعة ويوم الجمعة".
وعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت واقفاً بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من صلى علىَّ في كل جمعة ثمانين مرة غفر الله تعالى له ذنوب ثمانين سنة، قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: تقول اللهم صل
পৃষ্ঠা - ৪৪৬
على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وتعقد واحدة".
وعن مكحول الشامي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من الصلاة علىَّ في يوم الجمعة، فإن صلاة أمتي تعرض على في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علىَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة يوم القيامة".
(فصل: فيما يستحب أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة)
أخبرنا أبو نصر عن والده بإسناده عن أبي الأحوص، عن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصبح يوم الجمعة: الم السجدة، وهل أتى".
وروى عنه -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان يقرأ في المغرب ليلة الجمعة: {قل يا أيها الكافرون ...}، و {قل هو الله أحد ...}، وفي العشاء بسورة الجمعة والمنافقين".
وقيل: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ ذلك في صلاة الجمعة.
وعن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ ليلة الجمعة سورة يس وحم الدخان أصبح مغفوراً له".
وقيل: إن من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة كان كمن تصدق بعشرة آلاف دينار سوية.
ويستحب أن يصلي ليلة الجمعة ويوم الجمعة أربع ركعات بأربع سور: سورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة طه، وسورة الملك، فإن لم يحسن القرآن قرأ جميع ما يحسن منه، فذلك له ختمة، فقد قيل: ختمة من حيث علمه، وإن كان يحسن القرآن يستحب له أن يختم في يوم الجمعة، فإن لم يقدر يشفع إليه ليلة الجمعة، فإن جعل آخر ختمته في ركعتي المغرب أو ركعتي الفجر كان أحسن، وكذلك إن جعل ختمته بين الآذان والإقامة يوم الجمعة كان فيه فضل كبير، وإن قرأ ألف مرة {قل هو الله أحد ...} يوم الجمعة في عشر ركعات أو عشرين أو في غير صلاة كان أفضل من ختمة القرآن.
ويستحب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ألف مرة يوم الجمعة، وكذلك التسبيح ألف مرة، وهي بالكلمات الأربع التي تقدمت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
পৃষ্ঠা - ৪৪৭
(فصل: في تسميته بيوم الجمعة)
أخبرنا أبو نصر عن والده، بإسناده عن سلمان رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدري لم سمى يوم الجمعة؟ قلت: لا، قال: لأن فيه جمع أبوكم آدم. قال لكني أقول: لا يتطهر رجل يوم الجمعة فيتوضأ ويحسن وضوءه، ثم يأتي الجمعة، إلا كفّر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى ما اجتنب الكبائر".
وقال بعضهم: هو من الاجتماع، وهو اجتماع قالب آدم وروحه بعد أن كان ملقى أربعين سنة، وقال آخرون: لاجتماع آدم وحواء لما خلقها الله تعالى من ضلع آدم عليه السلام، وقال آخرون: لاجتماع آدم وحواء بعد الفرقة الطويلة.
وقيل: إنما سمي بذلك لاجتماع أهل البلد والرسانيق فيه.
وقيل: لأنه تقوم فيه القيامة، وهو يوم الجمع، قال الله عز وجل: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} [التغابن:9].
(فصل) وجميع ما ذكرناه من صيام الأشهر والأضحية والعبادات من الصلاة والأذكار وغير ذلك، وما سنذكر إن شاء الله تعالى، لا يقبل إلا بعد التوبة وطهارة القلب وإخلاص العمل لله تعالى وترك الرياء والسمعة.
أما التوبة:
فقد تقدم بيانها ونزيد عليه بأن الله يحب التوابين ويحب كل قلب طاهر من الذنوب، فقال عز وجل: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222].
قال عطاء ومقاتل والكلبي رحمهم الله: إن الله يحب التوابين من الذنوب، والمتطهرين بالماء من الأحداث والمحيض والجنابات والنجاسات، بيانه قصة أهل قباء، حيث ذكرهم الله عز وجل بقوله تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} [التوبة: 18] سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يعملون، فقالوا: نتبع الماء الأحجار في الاستنجاء.
وقال مجاهد رحمه الله: يحب التوابين من الذنوب والمتطهرين عن أديار السماء أن يأتوها، من أتى امرأة في دبرها فليس من المتطهرين، فإن دبر المرأة مثله من الرجل.
وقيل: التوابين من الذنوب والمتطهرين من الشرك.
পৃষ্ঠা - ৪৪৮
وروي عن أبي المنهال رحمه الله أنه قال: كنت عند أب العالية فتوضأ وضوءًا حسنًا، فقلت: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، فقل: الطهور ممه، إن الطهور حسن، ولكنهم المتطهرون من الذنوب.
وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: إن الله تعالى يحب التوابين من الشك، والمتطهرين من الذنوب.
وقيل: التوابين من الكفر، والمتطهرين بالإيمان.
وقيل التوابين من الذنوب لا يعودون فيها، والمتطهرين منها لم يصيبوها.
وقيل: التوابين من الكبائر، والمتطهرين من الصغائر.
وقيل: التوابين من الأفعال، والمتطهرين من الأقوال.
وقيل: التوابين من الأقوال والأفعال، والمتطهرين من العقود والإضمار.
وقيل: التوابين من الآثام، والمتطهرين من الأجرام.
وقيل: التوابين من الجرائر، والمتطهرين من خبث السرائر.
وقيل: التوابين من الذنوب، والمتطهرين من العيوب.
وقيل: التواب الذي كلما أذنب تاب، قال الله عز وجل: {فإنه كان للأوابين غفوراً} [الإسراء: 25].
وعن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة، فنظر إليها فقال: أي رب أنت أنت وأنا من أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، ثم خر ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك فأنا العواد بالمغفرة، وأنت العواد بالذنوب فرفع رأسه فغفر له".
(فصل) وأما الإخلاص:
فقد قال الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5]، وقال جلا وعلا: {ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 3].
وقال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن ينال التقوى منكم} [الحج:37].
وقال جل جلاله: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} [البقرة: 139].
পৃষ্ঠা - ৪৪৯
اختلف الناس في معنى الإخلاص:
قال الحسن رحمه الله: سألت حذيفة رضي الله عنه عن الإخلاص ما هو؟ قال: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإخلاص ما هو؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: سألت جبريل عليه السلام عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت رب العزة جل وعلا عن الإخلاص ما هو؟ فقال سبحانه وتعالى: هو سر من سرى استودعته قلب من أحببت من عبادي".
وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل حق حقيقة وما يبلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل عمله لله عز وجل".
وقال سعيد بن جبير رحمه الله: الإخلاص أن يخلص العبد دينه لله وعمله لله تعالى، ولا يشرك به في دينه، ولا يرائي بعمله أحداً.
وقال الفضيل رحمه الله تعالى: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص هو الخوف من أن يعاقبك الله تعالى عليهما.
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: الإخلاص: تمييز العمل من العيوب، كتمييز اللبن من الفرث والدم.
وقال أبو الحسن البوشنجي رحمه الله: هو ما لا يكتبه الملكان، ولا يفسده الشيطان، ولا يطلع عليه الإنسان.
وقال رويم رحمه الله: هو ارتفاع رؤيتك من الفعل.
وقيل: هو ما يراد به الحق ويقصد به الصدق.
وقيل: هو ما لا تشوبه الآفات ولا يتبعه رخص التأويلات.
وقيل: هو ما استنر من الخلائق واستصفى من العلائق.
وقال حذيفة المرعشي: هو أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.
وقال أبو أيوب المكفوف: هو أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
وقال سهل بن عبد الله: هو الإفلاس.
পৃষ্ঠা - ৪৫০
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين".
وقيل: الإخلاص: إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو إرادة العبد بطاعته القرب إلى مولا" دون أحد من خلقه، فلا يتصنع للخلق، ولا يكتسب منهم الحمد، ولا يتسجلب منهم الحب، ولا يدفع بها عن نفسه اللوم والذم.
وقيل: الإخلاص: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
وقال ذو النون المصري رحمه الله: الإخلاص لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه، والصدق لا يتم إلا بالإخلاص فيه والمداومة عليه.
وقال أبو يعقوب السوسي: متى شهدوا في إخلاصهم احتاج إخلاصهم إلى إخلاص.
وقال ذو النون رحمه الله أيضاً: ثلاث من علامات الإخلاص. استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال، واقتضاء ثواب العمل في الآخرة.
وقال ذو النون أيضاً رحمه الله: الإخلاص: ما حفظ من العدو أن يفسده.
قال أبو عثمان المغربي رحمه الله: الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال، وهذا إخلاص العوام. وأما إخلاص الخواص فهو ما يجرى عليهم لا بهم، فتبدوا عنهم الطاعات وهم عنها بمعزل، ولا يقع لهم عليها رؤية ولا بها اعتداد، فذلك إخلاص الخواص.
وقال أبو بكر الدقاق رحمه الله: نقصان كل مخلص في إخلاصه رؤية إخلاصه، فإذا أراد الله تعالى أن يخلص إخلاصه، ويسقط عن إخلاصه رؤية إخلاصه، فيكون مخلصاً لا مخلصاً.
وقال سهل رحمه الله: لا يعرف الرياء إلا مخلص.
وقال أب سعيد الخراز رحمه الله: رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين.
وقال أبو عثمان رحمه الله: الإخلاص: نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
وقيل: الإخلاص ما أريد به الحق وقصد به الصدق.
وقيل: هو الإغماض عن رؤية الأعمال.
পৃষ্ঠা - ৪৫১
وقال سري السقطي رحمه الله: من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله تعالى.
وقال الجنيد رحمه الله: الإخلاص سر بين الله تعالى وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده ولا هوى يميله.
وقال رويم رحمه الله. الإخلاص في العمل هو الذي لا يريد صاحبه عليه عوضاً في الدارين، ولا حظاً من الملكين.
وسئل سهل بن عبد الله رحمه الله: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص، لأنه ليس لها منه نصيب.
وقيل: هو ألا يشهد على عملك أحد غير الله عز وجل.
وقال بعضهم: دخلت على سهل بن عبد الله رحمه الله يوم جمعة قبل الصلاة، فرأيت في البيت حية، فجعلت أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، فقال: ادخل لا يبلغ أحد حقيقة الإيمان وعلى وجه الأرض شيء يخافه، ثم قال: هل لك في صلاة الجمعة؟ فقلت: بيننا وبين المسجد مسيرة يوم وليلة، فأخذ بيدي، فما كان إلا قليلاً حتى رأيت المسجد، فدخلنا وصلينا الجمعة ثم خرجنا، فوقف ينظر إلى الناس وهم يخرجون، فقال: أهل لا إله إلا الله كثير ولكن المخلصون منهم قليل, كنت مع إبراهيم الخواص رحمه الله في سفر، فجئنا إلى موضع فيه حيات كثيرة، فوضع ركوته وجلس وجلست، فما كان برد الليل وبرد الهواء، خرجت الحيات، فصحت بالشيخ، فقال: اذكر الله تعالى، فذكرت فرجعت، ثم عادت، فصحت به، فقال مثل ذلك، فلم أزل إلى الصباح في مثل تلك الحالة، فلما أصبحنا قام ومشي ومشيت معه، فسقطت من وطائه حية عظيمة قد تطوقت، فقلت: ما أحسست بها؟ فقال: لا، منذ زمان ما بت ليلة أطيب من البارحة.
وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى: من لم يذق وحشة الغفلة لم يجد طعم أنس الذكر.
(فصل) وينبغي لكل متعبد وعارف أن يحذر في جميع أحواله من الرياء ورؤية الخلق والعجب.
فإن النفس خبيئة، وهي منشأ الأهوية المضلة والشهوات المردية واللذات الحائلة بين
পৃষ্ঠা - ৪৫২
العبد وبين الحق عز وجل، لا طريق إلى الأمن من غوائلها ما دام الروح في جسد ابن آدم، وإن بلغ العبد إلى حالة البدلية والصديقية، وإن كانت هذه الحالة أسلم من الابتداء وآمن من شرها ودواهيها، والخير أغلب والنور أكثر، والهداية متحققة بسبيل الله، والتوفيق شامل والحفظ موجود، غير أن العصمة ليست لنا، إنما ذلك مختص بالأنبياء عليهم السلام، ليقع الفرق بين النبوة والولاية.
وقد توعد الله عز وجل أهل الرياء والسمعة، ونبه على شؤم النفس وغوائلها، ونهى عن إتباعها وأمر بمخالفتها في القرآن تارة، وفيما نطق به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأخبار والسنة أخرى.
من ذلك قال الله عز وجل: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون* ويمنعون الماعون} [الماعون: 4 - 7].
وقال جل وعلا: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون} [آل عمران: 167].
وقال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 142 - 143].
وقال تعالى: {إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله} [التوبة: 34] الأحبار: هم العلماء، والرهبان: العباد.
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلوان * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2 - 3].
وقال تعالى: {وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور} [الملك: 13].
وقال جل وعلا: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف: 110].
وقال تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف: 53].
وقال تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح} [النساء: 128].
وقال عز وجل لداود عليه السلام: يا داود اهجر هواك فإنه لا منازع ينازعني في ملكي غير الهوى، وقال تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} [ص: 26].
وأما السنة فمن ذلك ما روى عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: "دخلت
পৃষ্ঠা - ৪৫৩
على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأيت في وجهه ما ساءني، فقلت: ما الذي بك يا رسول الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم: أخاف على أمتي الشرك بعدي، فقلت: أيشركون من بعدك يا رسول الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً، ولكنهم يراءون في أعمالهم، والرياء: هو الشرك، ثم تلا قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف: 11].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يجاء يوم القيامة بصحف مختومة، فيقول الله عز وجل للملائكة: القوا هذا واقبلوا هذا، فيقولون: وعزتك ما علمنا إلا خيراً، فيقول تعالى: نعم، ولكن هذا عمل لغيري، ولا أقبل إلا ما ابتغى به وجهي".
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "اللهم طهر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وعملي من الرياء، وبصري من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين، وما تخفى الصدور".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقعدوا إلا إلى عالم يدعوكم من خمس إلى خمس: من الرغبة إلى الزهد، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكبر إلى التواضع، ومن المداهنة إلى المناصحة، ومن الجهل إلى العلم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يقول: أنا خير شريك: من أشرك معي شريكاً في عمله فهو لشريكي دوني، إني لا أقبل إلا ما أخلص لي، يا ابن آدم أنا خير قسيم، فانظر عملك الذي عملت لغيري، فإنما أجرك على الذي عملت له".
وقل -صلى الله عليه وسلم-: "بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة في الدين والتمكين في البلاد، ما لم يعملوا عمل الآخرة للدنيا، ومن يعمل عمل الآخرة للدنيا لم يقبل منه وما له في الآخرة من نصيب".
পৃষ্ঠা - ৪৫৪
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يعطى الدنيا على نية الآخرة، ولا يعطى الآخرة على نية الدنيا".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مررت ليلة أسرى بي بقوم تقرض شفاهم بمقاريض من نار، فقلت لجبريل عليه السلام، من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون الشيء ولا يعملون به، يقولون ما يعرفون، ويفعلون ما ينكرون، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكون عليكم أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوان خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، وعباد جهال، يفتح الله تعالى عليهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهوكون فيها تهوك اليهود الظلمة، فحينئذ ينقض الإسلام عروة عروة حتى لا يقال الله الله".
وعن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بناس يوم القيامة في أعظم نكال، فيقول الله تعالى: إنكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، هم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تجلوني، وعزتي لأذيقنكم أليم العذاب".
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يلقى رجل في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدار به كما تدار الرحى بصاحبها، فيقال له، أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر ولا أجتنبه".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".
পৃষ্ঠা - ৪৫৫
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اهتز لذلك العرش وغضب له الرب تبارك وتعالى".
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "بئس العبد عبد حال بينه وبين ثواب الله عبد من خلق الله تعالى، يتعبد له رجاء ما في يديه، فيتعب بدنه في مرضاته، فيخرج دينه، وتضيع مروءته، حتى يحول بينه وبين ربه، لا يرجو الله تعالى في الكبير، ويرجو العبد في الصغير، يعطي العبد من خدمته ما لا يعطي الله تعالى من طاعته".
وعن مجاهد رحمه الله أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أتصدق بصدقة فألتمس بها وجه الله تعالى، وأحب أن يقال لي خيراً، فنزل قوله سبحانه: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف: 110].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يخرج في آخر الزمان أقوام يختلون الدنيا بالدين، فيلبسون للناس جلود الضأن من اللين، وألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: أبي يفترون أم علي يجترؤن؟ بي حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران".
وعن ضمرة عن أبي حبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الملائكة يرفعون عمل عبد من عباد الله فيستكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله تعالى من سلطانه، فيوحي الله تعالى إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص لي عمله فاكتبوه في سجين، ويصعدون بعمل عبد من عباده يستقلونه ويحقرونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه، فيوحى الله إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدي هذا أخلص لي عمله فاكتبوه في عليين".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة يقضي بين خلقه وكل أمة جائية، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارئ: ماذا عملت فيما
পৃষ্ঠা - ৪৫৬
علمت؟ فيقول: كنت أقوم به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول تبارك وتعالى، كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال فلان قارئ، فق قيل ذلك، ويقال لصاحب المال: ماذا عملت فيما آتيتك؟ فيقول: كنت أصل الرحم وأتصدق به، فيقول الله تبارك وتعالى: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال فلان جواد، وقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله تعالى، فيقول الله تعالى: لماذا قاتلت؟ فيقول: قاتلت حتى قتلت في سبيلك، فيقول الله تبارك وتعالى: كذبت، وتقول الملائكة، كذبت، بل أردت أن يقال فلان جرئ، وقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه على ركبتيه وقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلاق الله عز وجل تسعر بهم النار يوم القيامة".
قال: فبلغ هذا الخبر إلى معاوية رضي الله عنه: فبكى بكاء شديداً وقال: صدق الله تعالى وصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقرأ هذه الآية: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 15 - 16]، {أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون} [النمل: 5].
وعن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يؤمر بناء يوم القيامة من أهل النار إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله تعالى لأهلها نودوا: أن اصرفوهم لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها، فيقولون: يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثواب ما أعددت لأوليائك، فيقول الله تعالى: ذلك أردت بكم كتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين متواضعين، وأجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركوا لي، فاليوم أذيقكم أليم عقابي مع ما حرمتكم من جزيل ثوابي".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لما خلق الله تعالى
পৃষ্ঠা - ৪৫৭
جنة عدن، خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] ثلاثاً، ثم قالت: إني حرام على كل بخيل ومراء".
وسأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فيم النجاة غداً؟ قال: لا تخادع الله تعالى، قال: وكيف أخادع الله عز وجل؟ قال: أن تعمل بما أمرك وتريد به غير وجه الله تعالى، قال: فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله تعالى، فإن المرائي ينادي يوم القيامة بأربعة أسماء على رؤوس الخلائق: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، ضل عملك وبطل أحرك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع".
فتعوذ بالله من الرياء والسمعة والنفاق، فإن ذلك عمل أهل النار، قال الله عز وجل: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] يعني في الهاوية مع فرعون وهامان وقومهما.
فإن قيل: قد جاء في بعض الأخبار ما يدل على أن رؤية الخلق للعمل لا تضر، وهو ما روى عن وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أعمل العمل أسره، فيطلع عليه فيعجبني، ألى فيه أجر؟ فقال: لك أجران أجر السر وأجر العلانية".
قيل: هذا محمول على أن ذلك الرجل كان يعجبه اقتداء الناس به في عمله، وعلم ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه، فقال له: لك أجران أجر لعملك، وأجر لاقتداء الناس بك، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ... " الحديث إلى آخره.
وأما إذا تجرد العجب من الاقتداء به، فإنه لا أجر له، لأن العجب يسقط العبد من عين الله.
وقال الحسن البصري رحمه الله: إذا شئت لقيت أبيض بيضاء ذليق اللسان، حديد النظر، ميت القلب، ترى أبداناً ولا قلوب، وتسمع الصوت ولا أنيس، أخصب ألسنة
পৃষ্ঠা - ৪৫৮
وأجدب قلوب، حتى لقد حدثني جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه لا تزال هذه الأمة تحت يد الله في كنفه ما لم تمال قراؤها أمراءها، ولم يترك صلحاؤها فجارها، وما لم يأمن خيارها شرارها، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله تعالى عنهم يده، وضربهم بالفاقة والفقر، وملأ قلوبهم رعباً، وسلط عليهم جبابرهم فساموهم سوء العذاب".
وقال أيضاً رحمه الله: بئس العبد عبد يسأل المغفرة وهو يعمل بالمعصية، يخشع ليحسب عنده أمانة وإنما يتصنع بالخيانة، ينهى ولا ينتهي، يأمر ولا يفعل، إن أعطى قتر وإن منع لم يعذر، وإن صح آمن وإن سقم ندم، وغن افتقر حزن، وإن استغنى فتن، يرجو النجاة ولا يعمل، ويخاف العذاب ولا يحذر، يريد الزيادة ولا يشكر، ويؤثر الثواب ولا يصبر، يعجل النوم ويؤخر الصوم.
وقال يوماً لفرقد السبخي وهو جالس في مجلسه وعليه ثياب فاخرة وعلى فرقد جبة من صوف: ثيابي ثياب أهل الجنة، وثيابك ثياب أهل النار، وجعلوا زهدهم في ثيابهم، وكبرهم في صدورهم، والله لأحدهم أعجب بصوفه من صاحب المطرف بمطرفه ما له تفاخر، البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية.
وقال عمر رضي الله عنه: البس من الثياب ما لم تستهزئ به القراء ولا يزدريك السفهاء.
وكان يقال: كن صوفي القلب قطني الثياب.
وفي الجملة: الناس في اللباس على ثلاثة أضرب: الأتقياء، والأولياء، والبدلاء.
فلباس الأتقياء: هو الحلال الذي ليس للخلق عليه تبعة ولا للشرع فيه مطالبة، فكل حلال، سواء كان لباسهم قطناً أو كتاناً أو صوفاً، زرقاً أو بيضاً.
ولباس الأولياء: ما وقع به الأم، وهو أدنى ما يستر به العودة والجسد مما لابد منه وتدعو إليه بالضرورة، ليتحقق بذلك كسر أهويتهم، فيبلغوا إلى درجة الأبدال.
ولباس البدلاء: ما جاء به القدر مع حفظ الحدود، قميص بقيراط أو حلة بمائة دينار، فلا إرادة، تسموا إلى الأعلى، ولا هوى يكسر بالأدنى، بل ما تفضل به المولى من جميع ما أحل وأعطى من غير نصب ولا عناء، ولا بشرف من النفس ولا منى، وما سوى هذه الوجوه فهو من الجاهلية الأولى، ورعونة النفس واتباع الهوى.
* * *