গুনিয়াত আত-তালেবিন

القسم الثالث في المجالس

مجلس في فضائل يوم الأضحى ويوم النحر

পৃষ্ঠা - ৪০৫
مجلس في فضائل يوم الأضحى ويوم النحر قول الله -عز وجل -: {إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وأنحر * إن شائنك هو الأبتر} [الكوثر: 1 - 3]. قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما -: الكوثر هو الخير الكثير، منه القرآن والنبوة والنهر الذي في الجنة، وهو نهر يجرى من بطنان الجنة، باطنه الدر المجوف، وعلى حافتيه قباب من الياقوت الأخضر، ماؤه أحلى من العسل وألين من الزبد، حمأته المسك الأذفر، وترابه الكافور الأبيض، وحصاه الدر والياقوت، يطرد مثل السهام، أعطاه الله تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم -. وقال مقاتل -رحمه الله -: {إنا أعطيناك الكوثر} هو نهر في بطنان الجنة. وإنما سمى الكوثر لأنه أكثر أنهار الجنة خيرًا. ولذلك النهر عجاج يطرد مثل السهام، طينه المسك الأذفر ورضراضه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ، أشد بياضًا من الثلج وألين من الزبد وأحلى من العسل، حافتاه قباب الدر المجوف، كل قبة طولها فرسخ في فرسخ، عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، في كل قبة زوجة من الحور العين، لها سبعون خادمًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "ليلة الإسراء قلت لجبريل: ما هذه الخيام؟ فقال جبريل -عليه السلام -: هذه مساكن لأزواجك في الجنة". ويتفجر من الكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان التي ذكرها الله -عز وجل -في سورة محمد -صلى الله عليه وسلم -أحدها: الماء، والثاني: الخمر، والثالث: اللبن، والرابع: العسل. قوله -عز وجل -: {فصل لربك وأنحر} قال مقاتل -رحمه الله -: يعنى صل لربك الصلوات الخمس، وأنحر البدن يوم النحر. وقيل: {فصل لربك): يعنى صلاة العيد {وأنحر}: يعنى البدن بمنى. وقيل: ارفع يدك بالتكبير إلى نحرك. قيل: {وأنحر} يعنى استقبل القبلة بنحرك. وقوله -عز وجل -: {إن شائنك هو الأبتر} [الكوثر: 3] وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم -دخل المسجد.
পৃষ্ঠা - ৪০৬
الحرام من باب بنى سهم بن عمرو بن هصيص والناس من قريش جلوس في المسجد، فمضى النبي -صلى الله عليه وسلم -فسلم ولم يجلس حتى خرج من باب الصفا، فنظروا إليه حين خرج ولم يروه حين دخل، فلم يغرفوه، فتلقاه العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم على باب الصفا وهو يدخل والنبي -صلى الله عليه وسلم -يخرج، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم -توفى ابنه عبد الله ابن محمد، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له منه من بعده ابن يرثه يسمى الأبتر، فلما انتهى العاص بن وائل إلى القوم، فقالوا له: من ذا الذي تلقاك، فقال: الأبتر، فنزل قوله -عز وجل -: {إن شانئك} يعنى عدوك ومبغضك {هو الأبتر} يعنى مقطوع من الخير الذي هو العاص بن وائل، وأما أنت يا محمد فستذكر معي إذا ذكرت، فرفع الله -عز وجل -ذكره -عليه السلام -في الناس عامة. قال الله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 1 - 4] فيذكر -صلى الله عليه وسلم -في كل عيد وجمعة على المنابر والمساجد والأذان والإقامة والصلاة وكل موطن، حتى في خطبة النكاح وخطبة الكلام وفي الحاجات -صلى الله عليه وسلم -، وجعل مأواه الفردوس الأعلى وما ضره قول شانئه وعدوه، وجعل مأوى العاص بن وائل النار، وأنواع العذاب والنكال لقوله للنبي -صلى الله عليه وسلم -ذلك، وكفره بالله -عز وجل -، فهكذا يجازى الله -عز وجل -كل محب النبي -صلى الله عليه وسلم -من المؤمنين من أمته بالجنة، ومبغضه -عليه السلام -من المنافقين والكفار بالنار. (فصل) فأما الذكر: فقوله -عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} [الأحزاب: 41]. وقوله -عز وجل -: {فاذكروني أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون} [البقرة: 152]. اختلف العلماء في ذلك: فقال ابن عباس -رضي الله عنهما -: اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي، كما قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69]. وقال سعيد بن جبير -رحمه الله -: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، كما قال الله تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} [آل عمران: 132]. وقال فضيل بن عياض -رحمه الله -: فاذكروني بطاعتي أذكركم بثوابي، كما قال الله -عز وجل -: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً *
পৃষ্ঠা - ৪০৭
أولئك لهم جنات عدن} [الكهف: 30 - 31]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فقد نسى الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن". وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه -: كفى بالتوحيد عبادة وكفى بالجنة ثوابًا. وقال ابن كيسان -رحمه الله -: فاذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة، لقوله تعالى: {ولئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7]. وقيل: اذكروني بالتوحيد والإيمان أذكركم بالدرجات والجنان، لقوله -عز وجل -: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار} [البقرة: 25]. وقيل: اذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها إذا نسيكم أهل الدنيا، كما قال الأصمعى: رأيت أعرابيًا واقفًا يوم عرفة بعرفات وهو يقول: إلهي عجت إليك الأصوات بضروب اللغات يسألونك الحاجات، وحاجتي إليك أن تذكرني عند البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. وقيل: اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبى. وقيل: اذكروني بالطاعات أذكركم بالمعافاة، دليله قوله تعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: 97]. وقيل: اذكروني في الخلاء والبلاء والملاء، كما روى في الخبر أن الله تعالى قال في بعض الكتب: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء، وأنا معه إذا ذكرني، فمن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، ومن تقرب إلى شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلى ذراعًا، تقربت إليه باعًا، ومن أتاني ماشيًا، أتيته هرولة، ومن أتاني بقراب الأرض خطيئة، أتيته بمثلها مغفرة، بعد ألا يشرك بى شيئًا". وقيل: اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء، كما قال الله -عز وجل -: {فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصافات: 143 - 144].
পৃষ্ঠা - ৪০৮
وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه -: إن العبد إذا كان دعا في السراء فإذا نزل به البلاء قالت الملائكة: يا ربنا عبدك ق نزل به البلاء فيشفعون له، فيجيبهم الله تعالى، وإذا لم يكن دعى قالوا: الآن فلا تشفعون له، بيانه قصة فرعون {الآن وقد عصيت قبل} [يونس: 91]. وقيل: اذكروني بالتسليم والتفويض أذكركم بأصلح الاختيار، بيانه قوله -عز وجل -: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]. وقيل: اذكروني بالشوق والمحبة أذكركم بالوصل والقربة. وقيل: اذكروني بالحمد والثناء أذكركم بالمن والجزاء. وقيل: اذكروني بالتوبة أذكركم بغفران الحوبة، اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء، اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال، اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة، اذكروني بالندم أذكركم بالكرم، اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة، اذكروني بالإرادة أذكركم بالإفادة، اذكروني بالتنصل أذكركم بالتفضل، اذكروني بالإخلاص أذكركم بالخلاص، اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب، اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان، اذكروني بالافتقار أذكركم بالاقتدار، اذكروني بالاعتذار والاستغفار أذكركم بالرحمة والاغتفار، اذكروني بالإيمان أذكركم بالجنان، اذكروني بالإسلام أذكركم بالإكرام، اذكروني بالقلب أذكركم بكشف الحجب، اذكروني ذكرًا فانيًا أذكركم ذكرًا باقيًا، اذكروني بالابتهال أذكركم بالإفضال، اذكروني بالتذلل أذكركم بعفو الزلل، اذكروني بالاعتراف أذكركم بمحو الاقتراف، اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر، اذكروني بالصدق أذكركم بالرفق، اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو، اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم، اذكروني بالتكبير أذكركم بالنجاة من السعير، اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء، اذكروني بترك الخطأ أذكركم بأنواع العطاء، اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بإتمام النعمة، اذكروني من حيث أنتم أذكركم من حيث أنا، ولذكر الله أكبر. وقال الربيع -رحمه الله -في الآية: إن الله تعالى ذاكر من يذكره، وزائد من يشكره، ومعذب لمن يكفره. وقال السدى -رحمه الله فيها -: ليس من عبد يذكر الله تعالى إلا ذكره، لا يذكره مؤمن إلا ذكره بالرحمة، ولا يذكره كافر إلا ذكره بالعذاب.
পৃষ্ঠা - ৪০৯
وقال سفيان بن عيينة -رحمه الله -: بلغنا أن الله -عز وجل -قال: أعطيت عبادي ما لو أعطيته جبريل وميكائيل كنت قد أجزلت لهما، قلت: اذكروني أذكركم، وقلت لموسى: قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من ذكرني، وإن ذكرى إياهم أن ألعنهم. وقال أبو عثمان النهدى -رحمه الله -: إني أعلم حين يذكرني ربي، قيل: كيف ذلك؟ فقال: إن الله -عز وجل -قال: {فاذكرونى أذكركم} [البقرة: 152] فإذا ذكرت الله ذكرنى. وقيل: أوحى الله -عز وجل -إلى داود -عليه السلام -: يا داود بي فافرحوا، وبذكري فتنعموا. وقال الثورى -رحمه الله -: لكل شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر. وقيل: إذا تمكن الذكر من القلب فإذا دنا منه الشيطان صرع كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسه الإنس. وقال سهل بن عبد الله -رحمه الله -: ما أعرف معصية أقبح من نسيان هذا الرب الكريم. وقيل: الذكر الخفي لا يرفعه الملك لأنه لا اطلاع له عليه، فهو سر بين العبد وبين الله تعالى. وقال بعضهم: وصف لي ذاكر في الأجمة فأتيته، فبينما هو جالس وإذا سبع عظيم ضربه ضربة ونهش منه قطعة، فغشى عليه وعلى، فلما أفقت قلت له: ما هذا؟ فقال: قيض الله على هذا السبع فكلما دخلتنى فترة عن ذكرى جاءني فعضني كما رأيت. (فصل) وأما الدعاء: فقوله -عز وجل -: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب} [الشرح: 7 - 8] أي إذا فرغت من صلاتك فانصب للدعاء له تبارك وتعالى. وقوله -عز وجل -: {وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186]. اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية. فروى الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أنه قال: "سألت يهود أهل المدينة النبي -صلى الله عليه وسلم -كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة
পৃষ্ঠা - ৪১০
خمسمائة عام، وأن غلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت هذه الآية: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} [البقرة: 186]. وقال الحسن -رحمه الله -: سأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: أين ربنا؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال عطاء وقتادة -رحمهما الله -: لما نزلت هذه الآية: {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم} [غافر: 6] قال رجل: يا رسول الله كيف ندعو ربنا ومتى ندعوه؟ فأنزل الله هذه الآية: {وإذا سألك عبادى عني فإني قريب}. وقال الضحاك -رحمه الله -: سأل بعض الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: قريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية: {وإذا سألك} يا محمد {عبادى عني فإني قريب}. قال أهل المعاني: فيه إضمار كأنه قال: فقل لهم أو فأعلمهم أنى قريب منهم بالعلم. وقال أهل الإشارة: رفع الواسطة إظهار للقدرة. قوله: {أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجبوا لى} [البقرة: 186] أي فليستجيبوا لي بالطاعة، يقال: أجاب واستجاب بمعنى واحد. وقال أبو رجاء الخرساني -رحمه الله -: يعنى فليدعوني. والإجابة في اللغة الطاعة وإعطاء ما سئل، يقال: أجابت السماء بالمطر وأجابت الأرض بالنبات: أي سئلت السماء المطر فأعطت، وسئلت الأرض النبات فأعطت. والإجابة من الله -عز وجل -: هو الإعطاء ومن العبد الطاعة. قوله: {وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون} [البقرة: 186] أي لكى يهتدوا. فإن سأل سائل عن قوله: {أجيب دعوة الداع إذا دعان} وقوله: {ادعونى أستجب لكم} وقال: قد نرى كثيرًا من خلق الله تعالى يدعون فلا يجاب لهم: قيل: اختلف أهل العلم في وجه الآيتين وتأويلهما. فقال بعضهم: معنى الدعاء هاهنا: الطاعة، ومعنى الإجابة: الثواب كأنه قال -عز وجل -: أجيب دعوة الداع بالثواب إذا أطاعني.
পৃষ্ঠা - ৪১১
وقال بعضهم: معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عامًا، تقديرهما أجيب دعوة الداع إن شئت، وأجيب دعوة الداعى إذا وافق القضاء، وأجيب دعوة الداع إذا لم يسأل محالاً، وأجيب دعوة الداع إذا كانت الإجابة له خيرًا. يدل على ذلك ما روى عن علي بن أبى المتوكل عن أبى سعيد -رضي الله عنه -، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "ما مسلم دعا الله -عز وجل -بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطى الله تعالى بها صاحبها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قالوا. يا رسول الله إذا نكثر، قال -صلى الله عليه وسلم -: الله أكثر". وقال بعضهم: إن الآية عامة ليس فيها أكثر من إجابة الدعوة، فإما إعطاء المنية وقضاء الحاجة فليس بمذكور في الآية، وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ولا يعطيه سؤاله. فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة، لأن قوله: أجيب وأستجب خبر، والخبر لا يعترض عليه النسخ، لأنه إذا نسخ صار المخبر كذابًا، وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وخبر الله تعالى لا يقع بخلاف مخبره. والذي يؤيد هذا التأويل ما روى نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة". وأوحى الله تعالى إلى داود -عليه السلام -: قل للظلمة لا يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني، وإني إذا أجبت الظالمين لعنتهم. وقيل: إن الله تعالى يجيب دعوة المؤمن في الوقت إلا أنه يؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته. يدل عليه ما روى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليدعو الله -عز وجل -وهو يجيبه، فيقول الله تعالى: يا جبريل اقض لعبدي هذا حاجته وأخرها، فإني أحب أن لا أزال أسمع صوته، وإن العبد ليدعو الله -عز وجل -وهو يبغضه فيقول: يا جبريل اقض لعبد هذا حاجته بإخلاصه
পৃষ্ঠা - ৪১২
وعجلها، فإني أكره أن أسمع صوته". وقيل: إن يحيى بن سعيد -رحمه الله -قال: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب كم أدعوك فلا تستجيب لي، قال: يا يحيى إني أحب صوتك. وقال بعضهم: إن للدعاء آدابًا وشرائط وهي أسباب الإجابة ونيل المنى، فمن راعاها واستكملها كان من أهل الإجابة، ومن أغفلها أو أخل بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء. وقيل: إنه سئل إبراهيم بن أدهم -رحمه الله -فقيل له: ما بالنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟ فقال: لأنكم عرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم ترهبوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس. (فصل) وأما النحر: فقوله -عز وجل -: {وأنحر}. والأصل في النحر أمر الله تعالى لخليله إبراهيم النبي -صلى الله عليه وسلم -وذلك ن إبراهيم خليل الرحمن لما أنجاه الله تعالى من نار نمرود الجبار وسلمه من كيده وعذابه، قال: {إني ذاهب إلى ربى} [الصافات: 99] يعني مهاجرًا إلى ربي، يعني إلى رضا ربي بالأرض المقدسة {سيهدين} [الصافات: 99] لدينه، وهو عليه السلام -أول من هاجر من خلق الله في دين الله -عز وجل -، فهاجر ومعه لوط وسارة أخت لوط، وهو ابن خال إبراهيم عليه السلم، فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد قال: {رب هب لى من الصالحين} [الصافات: 100]. يقول: هبب لي ولدًا صالحًا، فاستجاب الله له {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: 101] يعنى عليم وهو العالم، وهو إسحاق بن سارة، {فلما بلغ معه السعى} [الصافات: 102] يعني المشى إلى الجبل {قال يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 102] يعنى أمرت في المنام بذبحك وذلك لنذر كان عليه في -عليه السلام - {فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] فرد عليه إسحاق -عليه السلام -بقوله: {يا أبت أفعل ما تؤمر} وأطع
পৃষ্ঠা - ৪১৩
ربك، فمن ثم لم يقل إسحاق لإبراهيم افعل ما رأيت في المنام، ورأى ذلك إبراهيم -عليه السلام -ثلاث لبال متتابعات، وكان إسحاق صام وصلى قبل الذبح فقال: {ستجدنى إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102] على الذبح {فلما أسلما} [الصافات: 103] يقول: أسلما لأمر الله تعالى وطاعته {وتله للجبين} [الصافات: 103] يقول كبه على جبهته، فلما أذخ بناصيته ليذبحه لله، علم الله منهما الصدق، وقال الله -عز وجل -: {وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا} [الصافات: 104 - 105] في ذبح ابنك، فخذ الكبش واذبحه فداء عن ولدك، قال الله -عز وجل -: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107] واسم الكبش زرير، وكان من الوعول يرعى في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح. وقيل: إنه هو الكبش الذي قربه هابيل بن آدم المقتول شهيدًا -عليه السلام -، وكان يرعى في الجنة قد فدى به إسحاق النبي -عليه السلام -من الذبح، قال الله -عز وجل -: {إنا كذلك نجزى المحسنين} [الصافات: 105] يعنى هكذا نجزى كل محسن، فجزاه الله خيرًا بإحسانه بطاعته لأمر الله تعالى في الذبح لابنه إسحاق. وقيل: إن المأمور بذبحه إنما هو إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام -، ثم قال الله -عز وجل -: {إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: 106] يعني النعيم المبين حين عفا عنه وفداه بالكبش. وقيل: إنه لما وضع الخليل -عليه السلام السكين على حقل ولده نودي: {أن يا إبراهيم} [الصافات: 104] خل ولدك، فإن مرادنا لم يكن قربانًا للولد، وإنما كان مرادنا خلو القلب عن محبة الولد، ولهذا قيل: إنه ذكر في بعض الكتب أن إبراهيم -عليه السلام -لما أراد أن يذبح ولده قال في سره: يا رب، أيش لو كان هذا الذبح على يدي غيري، قال الله تعالى: لا يكون إلا على يدك، فقالت الملائكة: يا ربنا لم فعلت هكذا؟ قال: حتى يزيد بلاء على بلاء، فقالت الملائكة: لم؟ قال: حتى لا يحب أحدًا غيري، فإني لا أقبل الشريك في الحب، فإبراهيم -عليه السلام -أحب ولده فابتلى بذبحه، ويعقوب أحب يوسف فغاب عنه أربعين سنة وابتلى بفراقه، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -أحب الحسن والحسين -رضي الله عنهما -وعلقا بقلبه، فجاء جبريل -عليه السلام -وأخبره بأن أحدهما يسم والآخر يقتل حتى لا يحب مع الحبيب سواه.
পৃষ্ঠা - ৪১৪
(فصل) ويستحب إذا خرج المؤمن إلى صلاة العيد في طريق أن يرجع في طريق أخرى. لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -أخذ يوم العيد في طريق ورجع في آخر. وفي حديث آخر أنه كان يخرج في طريق ويرجع في طريق آخر، فاختلف الناس في ذلك، فقال أكثرهم: إنما أراد بذلك اختلاف حرز المشركين لعسكره، فخالف بين الطريقين ليختلف الحرز. وقال آخرون: إنما قصد بذلك الاختصار في الرجوع كأنه سلك الطريق الأطول في الممر لكثرة الحسنات ورجع في الأقصر. وقال آخرون: لما مضى في طريق شهدت له الأرض، ثم رجع في طريق آخر لتشهد له الأرض الثانية. وقيل: إنه -عليه السلام -مضى على حي من الأحياء ثم رجع على غيرهم ليساوى بينهم في الإكرام، لأن رؤيته -عليه السلام -كانت رحمة، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إل رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107]. وقيل: إن الأرض تفتخر بوطء النبي -صلى الله عليه وسلم -وغيره من الأنبياء والأولياء وسعيهم عليها، فأراد أن يساوى بين البقعتين لكي لا تفتخر بعضها على بعض. وقيل: إنه -عليه السلام -كان قد سلك إلى المصلى من طريق وقصده الحقيقة إلى الله تعالى، ثم أراد الرجوع إلى الأهل والوطن والطين والماء المعروف المعهود، فكره أن يسلك إلى الله تعالى طريقًا ثم يسلكه إلى غيره، فرجع من طريق آخر. وقيل: إنه -عليه السلام -لو لم يرجع في طريق آخر لوجب على الناس الاستنان به -عليه السلام -، وتعذر عليهم التفرق بعد صلاة العيد إلى منازلهم، فأراد أن يبين التوسعة عليهم في الرجوع في أي طريق شاءوا. وقيل: إنه -صلى الله عليه وسلم -فزع من مكيدة الكفار والمنافقين. وقيل: إنه كان يتصدق على من كان معه، فكان يرجع في طريق آخر حتى تتوفر
পৃষ্ঠা - ৪১৫
الصدقة على الفقراء. وقيل: إنه كان يفعل ذلك لأجل ازدحام الناس عليه -صلى الله عليه وسلم -. (فصل: في فضيلة يوم النحر والأضحية) روى عبد الله بن قرط -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر". وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال لفاطمة -رضي الله عنها -: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كا ذنب عملت، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "إن داود -عليه السلام -قال: إلهي ما ثواب من ضحى من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -قال: ثوابه أن يعطى بكل شعرة منها عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات، ويرفع له عشر درجات، فقال: إلهي فما ثوابه إذا شق بطنها؟ قال: إذا انشق القبر عنه أخرجه الله تعالى آمنًا من الجوع والعطش ومن أهوال القيامة، يا داود له بكل بضعة من لحمها طير في الجنة كأمثال البخت، وبكل كراع منها مركب من مراكب الجنة، وبكل شعرة على جسدها قصر في الجنة، وبكل شعرة على رأسها جارية من الحور العين. أما علمت يا داود أن الضحايا هي المطايا، وأن الضحايا تمحو الخطايا وتدفع البلايا، مر بالضحايا فإنها فداء المؤمن كفداء إسحاق من الذبح". وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "أحسنوا ضحاياكم فإنها مطاياكم يوم القيامة". وروى أن عليًا -رضي الله عنه -قرأ: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا} [مريم: 85] ثم قال: وهل يكون الوفد إلا ركبانًا على نجائبهم، ونجائبهم صحاياهم يؤتون بنوق لم ير الخلائق مثلها عليها أرحلة من الذهب، وأمتها من الزبرجد، ثم تنطلق بهم إلى الجنة حتى يقرعوا بابها. وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "ضحوا وطيبوا بها نفسًا فإنه من أخد أضحيته
পৃষ্ঠা - ৪১৬
فاستقبل بها القبلة كان دمها وشعرها محصورين له يوم القيامة، فإن الدم إذا وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله، انفقوا يسيرًا تؤجروا كثيرًا". وروى "أن النبي -صلى الله عليه وسلم -دعا بكبشين أملحين أقرنين عظيمين، فأضجع أحدهما وقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن محمد وعن أهل بيته، ثم ثنى بالآخر وقال: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عن محمد وعن أمته". وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -"أنه ضحى بكبشين يوم النحر". وأخبرنا هبة الله عن محمد بن أحمد الخارون المعدل الكوفى، قال: أنبأنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفى، أنبأنا محمد بن جعفر الأشجعى، أنبأنا على بن المنذر الطرفى، أنبأنا ابن فضيل عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من قرب أضحيته يوم النحر لينحرها، قربة الله تعالى إلى الجنة، فإذا نحرها غفر الله له بأول قطرة تقطر من دمها، وجعلها الله تعالى له مركبًا يوم القيامة إلى المحشر، ويعطى بعدد شعرها وصوفها حسنات". وروى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم -ضحى بكبشين أقرنين أملحين، فكان يذبح ويسمى ويضع رجله على صفحتها". قال أبو عبيدة: الأملح ما فيه بياض وسواد، والسواد أغلبه. وروت عائشة -رضي الله عنها -أنه "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم -بكبش أقرن بطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد، فأتى به فضحى به فأضجعه وذبحه فقال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد". قال أصحاب الحديث: قوله: "وبطأ في سواد وينظر في سواد معناه: لكثرة شحمه ولحمه ما يظل في ظل نفسه وينظر فيه ويبرك فيه".
পৃষ্ঠা - ৪১৭
وقال أهل اللغة: معنى السواد في هذا الموضع: أنه كان أسود اليدين والعينين والركبتين. (فصل: في صلاة ليلة الأضحى) وهو أن يصلى ركعتين في كل ركعة فاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، و {قل هو الله أحد ...} كذلك، و {قل أعوذ برب الفلق ...} مثل ذلك، و {قل أعوذ برب الناس ...} كذلك، فإذا سلم قرأ آية الكرسى ثلاث مرات، واستغفر الله خمس عشر مرة، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة. (فصل) والأضحية سنة: لا يستحب تركها لمن قدر عليها عند الإمام أحمد ومالك والشافعي -رحمهم الله -، وعند غيرهم هي واجبة. والأصل في استحبابها دون وجوبها ما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "أمرت بالنحر وهو لكم سنة". وفي خبر آخر: "ثلاث على فرض، ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الفجر ... ". وفي حديث أم سلمة -رضي الله عنها -قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره ولا بشرته شيئًا". فعلق -صلى الله عليه وسلم -الأضحية بالإرادة، وما كان واجبًا بالشرع لا يتعلق بالإرادة. (فصل) وأفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم، ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثنى مما سواه. أما الجذع فهو ما كمل له ستة أشهر، والثنى من المعز ما كمل له سنة، ومن البقر ما كمل له سنتان، ومن الإبل ما كمل له خمس سنين، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة من الإبل والبقر عن سبعة. وأفضل الضحايا الشهب ثم الصفر ثم السود، والأفضل أن يذبحها بنفسه، فإن لم
পৃষ্ঠা - ৪১৮
يحسن فليشاهد ذبحها، ويأكل ثلثها، ويهدى ثلثها، ويتصدق بثلثها، ويجتنب فيها المعيبة. والعيوب خمسة، فلا يضحى بعضباء القرن والأذن وهي ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وقيل: ما ذهب ثلث أذنها وقرنها. وكذلك لا يضحى بالجماء، لأنها كالعضباء في أصح القولين، ولا بالعوراء البين عورها، وهي ما انخسفت عينها وذهبت، ولا بالعجفاء التي لا تنقى، وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وال بالعرجاء البين عرجها، وهي التي لا تقدر على المشي مع المسرح، ولا المشاركة في العلف لضعفها، ولا بالمريضة البين مرضها، ولا بالجرباء، لأن جربها يفسد اللحم. وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم -أن يضحى بالمقابلة، وهي ما قطع شيء من مقدم أذنها وبقى معلقًا، ولا بالمدابرة، وهي ما قطع شيء من خلف أذنها، ولا بالخرقاء، وهي ما ثقب الكي أذنها، ولا بالشرقاء، وهي ما شق الكي أذنها، وذلك محمول على نهي تنزيه لا على نهي تحريم، والأولى أن يجتنب ذلك، وإن ضحى بها جاز. وأيام النحر ثلاثة: يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها، ويومان بعده، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وقال الشافعي -رحمه الله -: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة. والذي ذكرناه من أنه ثلاثة أيام منقول عن عمر وعلي وابن عباس وأبى هريرة -رضي الله عنهم -. ومن ضحى قبل صلاة الإمام فهي شاة لحم لا يحصل بذلك ثواب الأضحية لما روى منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما -قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يوم النحر بعد الصلاة -فقال: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم، فقام أبو بردة بن نبار -رضي الله عنه -فقال: يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: تلك شاة لحم فقال: إن عندي عناقًا جذعة وهي خير من شاتي لحم فهل تجزئ عني؟ فقال -صلى الله عليه وسلم -: نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك".
পৃষ্ঠা - ৪১৯
وعن الأسود بن قيس -رضي الله عنه -قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم -يوم النحر مر بقوم ذبحوا قبل الصلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم -: "من ذبح قبل الصلاة فليعد". وفي بعض الأخبار "من كان ذبح قبل أن يصلي فليعد أخرى مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح". (فصل: في ذكر أيام التشريق) قال الله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] يعني بالذكر: التكبير إدبار الصلوات، وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات، يستحب ذلك من أول العشر إلى آخر أيام التشريق. قوله: {في أيام معدودات} يعنى أيام التشريق أيام منى الثلاث، وأما المعلومات. فهي أيام العشر، وعلى هذا أكثر العلماء، ويدل عليه قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة: 203] وإنما يكون الصدر في أيام التشريق في يومين منها أو جميع الثلاث. قال ابن عباس -رضي الله عنهما: أمر الله تعالى بذكره في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق ثلاثة أيام بعد النحر، وجعلها معدودة لقلتها من بين الشهور، وكما قال تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} [يوسف: 20]. وقيل: إنما سميت معدودة، لأنها تعد من أيام الحج، فيفرغ فيها مما عليه من أفعال الحج من رمي الجمار والبيتوتة بمزدلفة. وقال الزجاج: تستعمل المعدودات في اللغة للشيء القليل فسميت بذلك لأنها ثلاث أيام، فالأيام المعدودات، أيام التشريق، والذكر المأمور فيها: التكبير. وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما -أنه قال: الأيام المعدودات ثلاثة أيام، يوم النحر ويومان بعده. وقال إبراهيم النخعى -رحمه الله -: الأيام المعدودات: أيام العشر، والمعلومات. أيام النحر.
পৃষ্ঠা - ৪২০
وسبب أمر الله تعالى المسلمين بالذكر في هذه الآية والتي قبلها قوله -عز وجل -: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} [البقرة: 200] على ما ذكر المفسرون أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم وقفوا عند البيت وذكروا مآثر آبائهم ومفاخرهم، وكان الرجل يقول إن أبى كان يقرى الضيف، ويطعم الطعام، وينحر الجزور، ويفك العانى، ويجز النواصى، ويفعل كذا وكذا، ويتفاخرون بذلك، فأمرهم الله -عز وجل -بذكره، فنزل الله -عز وجل -: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا} [البقرة: 200] إلى قوله تعالى: {واذكروا الله فى أيام معدودات} [البقرة: 203]. وقال -جل وعلا -: {فاذكرونى} [البقرة: 152] فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم وأحسنت إليكم وإليهم. وقال السدى -رحمه الله -: كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله -عز وجل-ويقول: اللهم إن أبى كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال، فأعطني مثل ذلك، وليس يذكر الله -عز وجل -، إنما يذكر أباه، ويسأل أن يعطى في دنياه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس وعطاء والربيع والضحاك معناه: فاذكروا الله تعالى كذكر الصبيان الصغار الآباء، وهو قول الصبي أول ما يفصح ويفقه كلام أبيه وأمه، ثم يلهج بأبيه وأمه. وعن عمر بن مالك عن أبى الجوزاء قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما -: أخبرني عن قول الله -عز وجل -: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} البقرة: 2] وقد يأتي على الرجل يوم لا يذكر فيه أباه، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما -: ليس كذلك، ولكن أن تغضب لله -عز وجل -إذا عصى أشد من غضبك لوالديك إذا شتما. وعن محمد بن أبى حميد عن محمد بن كعب القرظى -رحمه الله - {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} أي كذكر آباءكم إياكم {أو أشد ذكرًا} يعنى بل أشد كقوله: {أو يزيدون} [الصافات: 147] أي بل يزيدون. قال مقاتل -رحمه الله -: {أو أشد ذكرًا} يعنى أكثر ذكرًا كقوله: {أو أشد قسوة} [البقرة: 74] {أو أشد خشية} [النساء: 77].
পৃষ্ঠা - ৪২১
(فصل) وقد سمى الله -عز وجل -أشياء في القرآن ذكرًا: - من ذلك أنه سمى التوراة ذكرًا، فقال -عز وجل -: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7، والنحل: 43]. - وسمى القرآن ذكرًا، قوله -عز وجل -: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} [الأنبياء: 5]. - وسمى اللوح المحفوظ ذكرًا، قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} [الأنبياء: 105] يعنى من بعد اللوح المحفوظ. - وسمى الموعظة ذكرًا، قوله -عز وجل -: {فلما نسوا ما ذكروا} [الأنعام: 44، والأعراف: 165]. - وسمى الرسول ذكرًا، قوله -عز وجل -: {قد أنزل الله إليكم ذكرًا * رسولاً} [الطلاق: 10 - 11]. - والخبر ذكرًا، قوله -عز وجل -: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} [الأنبياء: 24]. - والشرف ذكرًا، قوله -عز وجل -: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]. - والتوبة ذكرًا، قوله -عز وجل -: {ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114]. - والصلاة ذكرًا، قوله -عز وجل -: {فاذكروا الله كما علمكم} [البقرة: 239]. - وسمى صلاة العصر ذكرًا، قوله -عز وجل -: {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} [ص: 33] يعني صلاة العصر. - والجمعة أيضًا ذكرًا، قوله -عز وجل -: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]. - والشفاعة ذكرًا، قوله -عز وجل -: {اذكرني عند ربك} [يوسف: 42]. - وسمى الطاعة ذكرًا، قوله -عز وجل -: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152] معناه: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة. - وسمى الندامة ذكرًا، قوله تعالى: {أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله} [آل عمران: 135] أي ندموا بالقلب واستغفروا باللسان. - وسمى التكبير ذكرًا، قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 202] يعني أيام التشريق. * * *
পৃষ্ঠা - ৪২২
(فصل) واختلف لم سميت أيام التشريق: فقال قوم إن المشركين كانوا يقولون أشرق ثبير كيما نفير، يعني ادخل في الشرق يا ثبير، وهو اسم جبل، كيما نغير أي كيما ندفع، لأنهم كانوا لا يدفعون ولا يفيضون من المزدلفة إلا بعد أن تشرق الشمس فجاء الإسلام فأبطل ذلك. وقيل: إنما سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، وتشريق اللحم: أن يشرح ويشرق في الشمس، ويسمى القديد شرائق اللحم. وقيل: بل سميت الصلاة يوم النحر، والتشريق صلاة العيد، وإنما أخذ من شروق الشمس لأن ذلك يكون وقتها، وسمى المصلى المشرق لأن الناس يبرزون فيه للشمس، فسمى يوم العيد يوم التشريق لهذا المعنى، ثم صارت أيام التشريق تبعًا للعيد. وقيل لذى النون المصري -رحمه الله -: لم سمى الموقف بالمشعر ولم يسم بالحرم؟ فقال: لأن الكعبة بيته، والحرم حجابه، والمشعر بابه، فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرعون إليه، ثم أوقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة، فلما نظر إلى تضرعهم أمرهم بتقريب قربانهم، فلما أن قربوها وتطهروا من الذنوب أمرهم بالزيارة على الطهارة. فقيل له: لم كره الصيام في أيام التشريق؟ قال: لأن القوم زاروا الله تعالى وهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من أضافه. فقيل له: يا أبا الفيض ما معنى تعلق الرجل بأستار الكعبة؟ قال: مثله كمثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو متعلق بذيل رجال يشفعون له أن يهب له جرمه. (فصل) واختلف في قدر التكبير في هذه الأيام: قال نافع -رحمه الله -: كان عمر وعبد الله ابنه -رضي الله عنهما -يكبران بمنى هذه الأيام عقيب الصلاة، وفي المجلس، وعلى الفرش، والفسطاط، وفي الطريق، ويكبر الناس بتكبيرها، ويتلوان هذه الآية، فالاتفاق حاصل على كون التكبير سنة، وإنما الخلاف في قدره. وكان علي -رضي الله عنه -يكبر من صلاة الغداة من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو مذهب إمامنا أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى -، وأحد أقوال الشافعي ومذهب أبى يوسف ومحمد بن الحسن، وهو أولى الأقاويل وأجمعها
পৃষ্ঠা - ৪২৩
وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، وهو مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان -رحمه الله تعالى -. وكان ابن عباس وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم -يكبران من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو قول عطاء -رحمه الله -. والأظهر من مذهب الشافعي -رحمه الله -أن يبدأ بالتكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق اقتداء بالحاج، وهو مذهب الإمام مالك، وللشافعي قول ثالث: أوله من صلاة المغرب ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. وأما لفظ التكبير، فكان ابن مسعود رضي الله عنه يكبر اثنين: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد، وهو مذهب إمامنا أحمد وأبى حنيفة -رحمهما الله -وأهل العراق. وعن مالك -رحمه الله تعالى -أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر، ثم يقطع فيقول: الله أكبر لا إله إلا الله. وكان سعيد بن جبير والحسن -رحمهما الله تعالى -يقولان: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثًا نسقًا ثم يسوق التكبير إلى آخره على ما ذكرنا أولاً وهو مذهب الشافعي -رحمه الله -وأهل المدينة. وعن قتادة -رحمه الله -أنه كان يقول: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر ولله الحمد. وروى أبو هريرة -رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى". وعن جعفر بن محمد -رحمه الله -أنه قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بعث مناديًا فنادى في أيام التشريق. إنها أيام أكل وشرب وبعال". (فصل) وإن كان محرمًا فمن صلاة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق عند إمامنا أحمد -رحمه الله تعالى-، وكذلك في الصحيح عنه لا يكبر إلا إذا صلى الفرض في
পৃষ্ঠা - ৪২৪
جماعة، ولا يكبر إذا كان وحده ولا عقيب النوافل. (فصل) وهذا التكبير الذي ذكرناه في عيد الأضحى في عيد الفطر بل هو آكد في الفطر ليلة الفطر لقول الله -عز وجل -: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185]. غير أن ابتداءه من بعد غروب الشمس ليلة الفطر إلى أن يفرغ الإمام من خطبتي العيد يوم العيد ثم ينقطع. وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله -: ليس في الفطر تكبير مسنون. وقال مالك -رحمه الله -: يكبر يوم الفطر دون ليلته ويكون وقته إلى أن يأتي المصلى ويخرج الإمام ويظهر الناس للصلاة. وقال الشافعي -رحمه الله -: يكبر من غروب الشمس ليلة الفطر إلى أن يفرغ الإمام من خطبتي العيد ثم ينقطع. وقال في قول: يكبر من غروب الشمس ليلة العيد إلى أن يظهر الإمام في المصلى. وقال في قول: إلى أن يحرم بالصلاة. وفي قول: إلا أن يفرغ من الصلاة. * * *