القسم الثالث في المجالس
[مجلس] في ذكر يوم الفطر
পৃষ্ঠা - ৩৬৬
[مجلس] في ذكر يوم الفطر
قال الله تعالى: {قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 14 - 15].
قوله: {قد أفلح} فالفلاح على وجهين:
أحدهما: الفوز والنجاة من النيران في العقبى ومن الآفات والبلايا في الدنيا.
والثاني: اليمن والسعادة بالتوفيق للطاعة في الدنيا والخلود في الجنان في الأخرى، قال الله -عز وجل -: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] يعنى سعدوا، ونظيره {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] أي وفق للزكاة، وتطهيره إيمانه وتقواه من الآثام، وأما من لم يزك فلا فلاح له قاله الله -عز وجل -: {إنه لا يفلح المجرمون} [يونس: 17] أي لا يفوزوا ولا يسعدوا.
وأما قوله: {من تزكى} فقد اختلف في ذلك:
فقال ابن عباس -رضي الله عنهما -: يعنى من تطهر من الشرك بالإيمان.
وقال الحسن -رحمه الله -: {من تزكى} يعنى من كان صالحًا وعمله زاكيًا ناميًا.
وقال أبو الأحوص: عنى به -عز وجل -زكاة الأموال كلها.
وقال قتادة وعطاء -رحمهما الله -: أراد به زكاة الفطر لا غير.
وقوله: {وذكر اسم ربه فصلى} قد اختلف في ذلك أيضًا:
فقال ابن عباس -رضي الله عنهما -: معناه وحد الله تعالى وصلى الصلوات الخمس.
وقال أبو سعيد الخدرى -رضي الله عنه -: {ذكر اسم ربه} بالتكبير و {صلى} يعنى خرج إلى العيد فصلى.
وقال وكيع بن الجراح -رحمه الله -: زكاة الفطر لرمضان كسجدة السهو للصلاة.
وفرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم -زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث فكأنها جبران للصائم لما دخله من النقصان بالآثام من اللغو والرفث والكذب والغيبة والنميمة وأكل الشبهات والنظر إلى المستحسنات، فجعلت الفطرة مكفرة لها ومتممة للصيام جابرة له، كالتوبة للذنوب والاستغفار لها، والسجود للسهو، فكما أن السجود للسهو شرع ترغيمًا
পৃষ্ঠা - ৩৬৭
للشيطان إذ كان هو السبب في ذلك، فكذلك التوبة عن المعاصي والفطرة لرمضان شرعتا ترغيمًا له، لأن المعاصي والرفث الحاصل في الصيام بسببه، أعاذنا الله وجميع المؤمنين من مكايده ومصايده وغوائله، وسلمنا من آفات الدنيا وبلائها، وأخرجنا منها إلى رحمته وكرامته برحمته ومنه آمين.
(فصل) وإنما سمى العيد عيدًا لأنه يعيد الله إلى عبادة الفرح والسرور في يوم عيدهم.
وقيل: إنما سمى عيدًا لأن فيه عوائد الإحسان من الله وفوائد الامتنان منه للعبد.
وقيل: لأنه يعود العبد فيه إلى التضرع والبكاء، ويعود الرب -عز وجل -فيه إلى الهبة والعطاء.
وقيل: لأنهم عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من الطهارة.
وقيل: معناه عادوا من طاعة الله إلى طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم -، ومن الفريضة إلى السنة، ومن صوم رمضان إلى صوم ستة أيام من شوال.
وقيل: إنما سمى عيدًا لأنه يقال المؤمنين فيه: عودوا إلى منازلكم مغفورًا لكم.
وقيل: إنما سمى العيد عيدًا لأن فيه ذكر الوعد والوعيد، ويوم الجزاء والمزيد، ويوم عتق الإماء والعبيد، وإقبال الحق إلى القريب من خلقه والبعيد، ووجود الإنابة والأوبة من العبد الضعيف إلى الغفور الودود.
قال وهب بن منبه -رحمه الله -: خلق الله الجنة يوم الفطر، وغرس شجرة طوبى يوم الفطر، واصطفى جبريل -عليه السلام -للوحي يوم الفطر، والسحرة وجدوا المغفرة يوم الفطر.
وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "إذا كان يوم الفطر وخرج الناس إلى الجبانة اطلع الله عليهم فيقول: عبادي لي صمتم ولي صليتم انصرفوا مغفورًا لكم".
وروى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "ليلة الفطر يوفى الله تعالى أجور من صام شهر رمضان، فيأمر الله تعالى غداة الفطر لملائكته فيهبطون إلى الأرض، ويقومون على أفواه السكك ومجامع الطرق فينادون بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا الإنس والجن: يا أمة محمد أخرجوا إلى ربكم -عز وجل -، يشكر القليل ويعطى الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم وصلوا ودعوا لم يدع لهم
পৃষ্ঠা - ৩৬৮
الرب تبارك وتعالى حاجة إلا قضاها ولا سؤالاً إلا أجابه ولا ذنبًا إلا غفره، فينصرفون مغفورًا لهم".
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما -: "فإذا كانت ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة، وإذا كان غداة الفطر بث الله ملائكته في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه كل من خلق الله تعالى إلا الجن والإنس، فيقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي، فيقولون: لبيك وسعديك، فيقول لهم: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا ومولانا -توفيه أجره، فيقول جل جلاله: أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب صيامهم من شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي، ثم يقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم شيئًا لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، وعزتي وجلالي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، ولا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم، قال: فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطى الله -عز وجل -هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان".
(فصل) وأربعة أيعاد لأربعة أقوام:
أحدها: عيد قوم إبراهيم، قوله -عز وجل -: {نظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم} [الصافات: 88 - 89].
وذلك أن قومه خرجوا إلى عيد لهم فتخلف إبراهيم -عليه السلام -عنهم واعتل بعلة ولم يخرج معهم، لأنه لم يكن على دينهم، فلما خرجوا أخذ فأسًا وكسر أصنامهم، وجاء بالفأس فوضعه على عنق الضم الكبير، فلما رجعوا قالوا: {من فعل هذا بآلهتنا ...} [الأنبياء: 59] إلى قوله -عز وجل -: {أأنت فعلت هذا بآياتنا يا إبراهيم} [الأنبياء: 62] القصة إلى آخرها، فغار خليل الرحمن -عليه السلام -لربه، فأتعب يده بكسر الأصنام وخاطر بنفسه في ولاية رب الأنام، فأكرمه ربه بالخلة، وأحيا على يده الطيور الميتة، وأخرج من ظهره أهل الرسالة والنبوة وجعله أبا المصطفى خير البرية -صلى الله عليه وسلم -.
وأما العيد الثاني: فهو عيد قوم موسى كليم الرحمن -عليه السلام -، قوله -عز وجل -: {موعدكم يوم الزينة} [طه: 59].
পৃষ্ঠা - ৩৬৯
قيل: سمى يوم الزينة لأنه -عز وجل -زين موسى وقومه بإهلاك عدوهم فرعون وقومه، فخرج مع فرعون وقومه اثنان وسبعون ساحرًا،
وقيل: ثلاثة وسبعون، ومعهم ستمائة ألف عصا وحبل، وجعلوا في وسط العصا الزئبق، والخلائق قيام على الرمضاء، واشتد حر الشمس فسأل الزئبق فسعت العصى الملتفة بالحبال، فتخيل للناس أنها حيات تسعى وهي لا تتحرك {فأوجس في نفسه خيفة موسى} [طه: 67] على قومه، قال: ربما يتوهمون أن الذي فعلوه حق فينقص إيمانهم أو يرتدون، فقال الله تعالى لموسى -عليه السلام -: {وألق عصاك} [النمل: 10] فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون وألقى موسى عصاه فإذا هي حية كأعظم جمل يكون، ولها عينان تتقدان نارًا، ودمدمة وهيبة، فأقبلت على ما صنعوا من السحر والحبال والعصى فتلقفتها، يعني التقمتها بأسرها ولم تتغير بانفتاخ بطن ونقصان حركة ولا زاد في طولها ولا في عرضها {فألقى السحرة ساجدين} [الشعراء: 46] له -عز وجل -وكان أكبرهم اسمه شمعون، فـ {قالوا آمنا} [الشعراء: 47] يعني صدقنا بـ {رب موسى وهارون} [الشعراء: 48] ثم أقبلت الحية على عسكر فرعون وقومه فانهزموا.
وقيل: مات منهم خمسون ألفًا، القصة بطولها.
وأما الثالث: فهو عيد عيسى -عليه السلام -وقومه، قوله تعالى: {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك} [المائدة: 114].
وذلك أن الحواريين قالوا: يا عيسى هل يستطيع ربك أن يعطيك إن سألته أن ينزل علينا مائدة من السماء، قال لهم عيسى -عليه السلام -: اتقوا الله فلا تسألوه البلاء إن كنتم مؤمنين، فإنها إن أنزلت ثم كذبتم بها عوقبتم {قالوا نريد أن نأكل منها} [المائدة: 113] فقد جعنا {وتطمئن قلوبنا} [المائدة: 113] يعني تسكن قلوبنا إلى ما تدعونا إليه من الإيمان والتصديق {ونعلم أن قد صدقتنا} [المائدة: 113] بأنك نبي ورسول {ونكون عليها} [المائدة: 113] يعني على المائدة {من الشاهدين} [المائدة: 113] عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم.
والحواريون هم الذين أجابوا عيسى -عليه السلام -حين مر بهم وهم ببيت المقدس يقصرون الثياب.
وبالنبطية: الحواريون: المبيضون للثياب، وهم اثنا عشر رجلاً لما قال لهم عيسى عليه
পৃষ্ঠা - ৩৭০
السلام -: {من أنصاري إلى الله} [الصف: 14، وآل عمران: 52] يعني من ينصرني مع الله على أهل الكفر والطغيان فأدعوهم إلى طاعة الله تعالى وتوحيده فـ {قال الحواريون نحن أنصار الله} [الصف: 14، وآل عمران: 52] فتركوا معيشتهم واتبعوا عيسى -عليه السلام -يسبحون معه أينما توجه من الأرض، فيرون العجائب والمعجزات التي تجرى على يده عليه السلام -، فأي وقت جاعوا أو احتاجوا إلى الطعام أخرج عيسى يده فأخرج من الأرض لكل واحد منهم رغيفين ولنفسه كذلك، وكان جبريل -عليه السلام يمشي معه ويريه العجائب ويؤيده ويبصره بالأشياء، فما زال عيسى -عليه السلام -يرى بني إسرائيل العجائب ولم يزدهم ذلك إلا بعدًا من تصديقه وإتباعه، حتى يخرج معه يومًا خمسة آلاف بطريق من بني إسرائيل وسألوه المائدة مع الحواريين، فقال عيسى ابن مريم -عليه السلام -عند ذلك: {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا} [المائدة: 114].
يقول: تكون عيدًا لمن كان في زماننا عند نزول المائدة، وتكون عيدًا لمن بعدنا، وتكون المائدة {آية منك وارزقنا} [المائدة: 114] يعني المائدة {وأنت خير الرازقين} [المائدة: 114] من غيرك فإنك خير من يرزق {قال الله} [المائدة: 115] تعالى: {إني منزلها} [المائدة: 115] يعني المائدة عليكم {فمن يكفر بعد منكم} [المائدة: 115] أي بعد نزولها منكم {فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين} [المائدة: 115] فأنزلها الله عليهم يوم الأحد من السماء سمكًا طريًا وخبزًا رقاقًا وتمرًا.
وقيل: كانت سفرة فيها سمكة مشوية، وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وفيها خمسة أرغفة، على كل رغيف زيتونة، وخمس رمانات وتمرات قد نضد حولها من البقول ما خلا الكراث.
وقيل: إن عيسى -عليه السلام -قال لأصحابه وهم جلوس في روضة: هل مع أحد منكم شيء؟ فجاء شمعون بسمكتين صغيرتين وخمسة أرغفة، وجاء آخر بشيء من السويق، فعمد عيسى -عليه السلام -فقطعهما صغارًا وكسر الخبز فوضعه فلقًا، ووضع السويق، وتوضأ ثم صلى ركعتين ودعا ربه، فألقى الله سبحانه وتعالى على أصحابه شبه السبات، ففتح القوم أعينهم وزاد الطعام حتى بلغ الركب، فقال عيسى -عليه السلام -للقوم: كلوا وسموا الله ولا ترفعوا، وأمرهم أن يجلسوا حلقًا حلقًا، فجلسوا وأكلوا
পৃষ্ঠা - ৩৭১
حتى شبعوا وهم خمسة آلاف رجل، وقيل إنهم كانوا ألف رجل وثمانمائة رجل وامرأة من بين فقير وجائع وبين من له فاقة إلى رغيف واحد، فصدروا كلهم شباعًا يحمدون ربهم، وإذا ما عليها كهيئته، ورفعت السفرة إلى السماء وهم ينظرون، قال فاستغنى كل فقير أكل منها يومئذ فلم يزل غنيًا حتى مات، وبرئ كل زمن وشفى كل مريض.
وقال مقاتل: فنادى عيسى -عليه السلام -: أكلتم؟ قالوا: نعم، قال: فلا ترفعوا، قالوا: لا نرفع ورفعوا، فبلغ كل ما رفعوا من الفضل أربعة وعشرين مكتلاً، فآمنوا عند ذلك بعيسى -عليه السلام -وصدقوا به ثم رجعوا إلى قومهم اليهود، يعني بني إسرائيل ومعهم فضل المائدة، فلم يزل بهم قومهم حتى ارتدوا عن الإسلام، وكفروا بالله تعالى، وجحدوا بنزول المائدة، فمسخهم الله -عز وجل -وهم نيام خنازير ذكور، وليس فيهم صبى ولا امرأة.
وقيل في ذلك إشارة: مائدة وضع عليها طعام محدود، صدر عنها الجم الغفير والجمع الكثير وهي بحالها، فكيف بمائدة الرضا وبساط الرحمة التي لا حد لها ولا نهاية.
ففي الخبر "إن لله -عز وجل -مائة رحمة، واحدة أنزلها إلى خلقه فبها يتراحمون وبها يتعاطفون، وأخر تسعة تسعين عنده يرحم بها عباده يوم القيامة".
وفي خبر آخر "أن يوم القيامة يبسط الجليل جل جلاله بساط المجد يدخل ذنوب الأولين والآخرين في حواشيه ويبقى البساط فارغًا حتى يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه".
ومع ذلك لا ينبغي لكل عاقل لبيب أن يتكل على ذلك ويغتر به، ولا يغلبه الرجاء فيهلك، بل يبذل مجهوده ويستفرغ وسعه في أداء الأوامر وانتهاء النواهي وتسليم الأمور والقدر إلى الله -عز وجل -، ويكثر من الاستغفار والتوبة، ويكون أبدًا على حذر، لا خوف مؤيس من رحمة الله، ولا رجاء يوقع في ارتكاب المحارم وإهمال الأوامر، بل يبتغى بين ذلك سبيلاً، كما قيل: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا، فليكن خوفه ورجاؤه كجناحي الطائر، والطائر لا يطير بجناح واحد.
وأما العيد الرابع: فهو عيد أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -وقد ذكرنا ما يتعلق به أول المجلس.
পৃষ্ঠা - ৩৭২
(فصل) يشترك المؤمن والكافر في العيد، فكل له عيد، فالمؤمن عيده لرضا الرحمن، والكافر عيده لرضا الشيطان، المؤمن يذهب إلى عيده وعلى رأسه تاج الهداية وعلى عينيه علامة فكرة العبرة، وعلى أذنيه استماع الحق، وعلى لسانه الشهادة بالتوحيد، وفي قلبه المعرفة واليقين، وعلى عنقه رداء الإسلام، وفي وسطه منطقة العبودية، ومعدنه المحاريب والمساجد، ومعبوده رب العباد والبرية، ثم التضرع منه والسؤال، ويقابله الرب بالإجابة والنوال، ثم يحله دار الكرامة والجنان.
والكافر يذهب إلى عيده وعلى رأسه تاج الخسران والضلال، وعلى أذنيه ختم الغفلة والحجاب، وعلى عينيه السهو والشهوات، وعلى لسانه ختم الشقاوة والإبعاد، وعلى قلبه ظلمة النكرة والجحود، وعلى وسطه زنار الفرقة والشقاق، وموضعه البيعة والكنائس أو بيت النار، ومعبوده الوثن والأصنام، ومصيره آخرًا إلى جهنم والنيران.
(فصل) ليس العيد بلبس الناعمات وأكل الطيبات ومعانقة المستحسنات والتمتع باللذات والشهوات.
لكن العيد بظهوره علامة القبول للطاعات، وتكفير الذنوب والخطيئات، وتبديل السيئات بالحسنات، والبشارة بارتفاع الدرجات، والخلع والطرف والهبات والكرامات، وانشراح الصدر بنور الإيمان، وسكون القلب بقوة اليقين وما ظهر عليه من العلامات، وانفجار بحور العلوم من القلوب على الألسنة وأنواع الحكم والفصاحة والبلاغة.
كما قيل: إن رجلاً دخل على علي -رضي الله عنه -وكرم الله وجهه في يوم عيد وهو يأكل الخبز الخشكار فقال له: اليوم يوم العيد وأنت تأكل الخبز الخشكار؟ فقال: اليوم عيد لمن قبل صومه، وشكر سعيه، وغفر ذنبه، اليوم لنا عيد وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصى الله فيه فهو لنا عيد.
فينبغي لكل عاقل أن يترك النظر إلى الظاهر ولا يتقيد به، بل يكون نظره في يوم العيد نظر التفكير والاعتبار، فيشبه العيد بيوم القيامة، فليذكر نفخ الصور يوم القيامة عند سمع صوت بوق السلطان ليلة العيد، وإذا بات الناس ليلة العيد ورقدوا منتظرين عيدهم متأهبين له، فيذكر الرقود بين النفختين، وإذا رأى الناس صبيحة يوم العيد وقد خرجوا من قصورهم وبيوتهم مختلفى الأحوال متفاوتى اللباس والألوان كل له زى وحلية، واحد منهم مسرور وواحد مغموم، وواحد راكب وآخر ماش، وواحد غني
পৃষ্ঠা - ৩৭৩
وآخر فقير، وواحد في فرحة وآخر في ترحة، فليذكر تفاوت أهل القيامة، أهل الطاعة مسرور وأهل المعصية مغموم، المتقى راكب والمجرم المشرك متعثر مكبوب على وجهه مسحوب أو ماش.
كما قال عز من قائل: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا} [مريم: 85] أي ركبانًا على النجائب {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا} [مريم: 86] أي عطاشًا.
والزاهد والعارف والبدل كل واحد في راحة وغنى عند مليكهم ومحبوبهم تحت ظل العرش عليهم الحلى والحلل، وأنوار الطاعات والمعارف على وجوههم ظاهرة وهي نضرة مشرقة، وبين أيديهم موائد عليها أنواع الأطعمة والأشربة والفواكه حتى يقضى حساب الخلائق، ثم يصيرون إلى الجنة إلى منازلهم التي أعد الله تعالى لهم، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
كما قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17].
وأما الراغب في الدنيا فهو في نياحة وبكاء وعناء، ومصدود عما فيه القوم من النعيم بدنياه، وتناوله الحرام والشبهات، وتخليطه في طاعة ربه، وهو يرى مكانه في الجنة فلا يصل إليه حتى يخرج مما عليه من الحقوق.
والكافر ينادى بالويل والثبور لما قد عاين وانكشف له من أنواع العذاب والنكال والهوان والهلاك والخلود في النيران، وإذا رأى الأعلام قد نشرت والألوية قد ضربت فليذكر أهل الإسلام أصحاب الأعلام حين ينادى منادي الرحمن بالتوجه إلى زيارة رب الأنام إلى دار السلام بأمر السلام.
وإذا رأى الصفوف قد استكملت والخلائق قد اجتمعت فليذكر وقوف الخلائق بين يدى الجبار وصفوف الفجار والأبرار يوم النشر الذي فيه تظهر الأسرار.
وإذا رأى الناس قد انصرفوا من الجبانة فكل يرجع إلى ما قد قسم له من دار أو مسجد أو خان، فليذكر منصرف الخلائق من بين يدى الملك المنان الديان إلى الجنة أو إلى النار كما قال ذو العظمة والامتنان: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون} [الروم: 14] {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7].
* * *