القسم الثالث في المجالس
مجلس: في فضائل شهر رمضان
পৃষ্ঠা - ৩৪২
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس: في فضائل شهر رمضان
قال الله -عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ...} [البقرة: 183] إلى قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185].
قال الحسن البصري -رحمه الله -: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأسرع لها سمعك فإنها لأمر تؤمر به أو لنهي تنهى عنه.
وقال جعفر الصادق -رحمه الله -: لذة ما في النداء إزالة تعب العبادة والعناء.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} يا: نداء من العالم، وأي: اسم من المعلوم المنادى، وها: تنبيه على نداء المنادى الذي هو إشارة إلى المعرفة السابقة والصحبة القديمة. آمنوا: إشارة إلى السر المعلوم بين المنادى والمنادي، كأنه يقول: يا من هو لي بسره المخلص له بضميره وبلبه {كتب} أي فرض وأوجب {عليكم الصيام} وهو مصدر كقولك: صمت صيامًا وقمت قيامًا.
وأصل الصيام في اللغة: الإمساك يقال: صامت الريح: إذا سكنت وأمسكت عن الهبوب، وصامت الخيل: إذا وقفت وأمسكت عن السير، ويقال: صام النهار، إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة، لأن الشمس إذا بلغت كبد السماء وقفت وأمسكت عن السير سويعة كما قال الراجز:
حتى إذا صام النهار واعتدل ... وسال للشمس لعاب فنزل
ويقال للرجل إذا صمت وأمسك عن الكلام صام، قال الله تعالى: {إني نذرت للرحمن صومًا} [مريم 26] أي صمتًا، فالصوم: هو الإمساك عن المعتاد من الطعام والشراب والجماع في الشرع مع ترك الآثام، قال الله -عز وجل -: {كما كتب على الذين من قبلكم} أي من الأنبياء والأمم أولهم آدم -عليه السلام -، وهو ما روى عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -
পৃষ্ঠা - ৩৪৪
يقول: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ذات يوم عند انتصاف النهار وهو في الحجرة، فسلمت عليه، فرد -عليه السلام -ثم قال: يا علي هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: عليك وعليه السلام يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم -: ادن مني، فدنوت منه، فقال: يا علي يقول لك جبريل صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم عشرة آلاف حسنة، وباليوم الثاني ثلاثون ألف حسنة، وباليوم الثالث مائة ألف حسنة، فقلت: يا رسول الله هذا الثواب لى خاصة أم للناس عامة؟ قال -صلى الله عليه وسلم -: يا علي يعطيك الله هذا الثواب ولمن يعمل مثل عملك بعدك، قلت: يا رسول الله، وما هي، قال: الأيام البيض ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر".
قال عنترة: فقلت لعلي -رضي الله عنه -: لأي شيء تسمى هذه الأيام أيام البيض؟ فقال علي -رضي الله عنه -: لما أهبط الله تعالى آدم -عليه السلام -من الجنة إلى الأرض أحرقته الشمس فاسود جسده فأتاه جبريل -عليه السلام -فقال: يا آدم أتحب أن يبيض جسدك؟ قال: نعم، قال له: فصم من الشهر ثالث عشر ورابع عشر وخامس عشر، فصام آدم -عليه السلام -أول يوم فابيض ثلث جسده، ثم صار اليوم الثاني فابيض ثلثا جسده، ثم صام اليوم الثالث فابيض جسده كله فسميت أيام البيض".
فآدم -عليه السلام من الذين كتب عليهم الصيام من قبل محمد -صلى الله عليه وسلم -.
وقال الحسن وجماعة من العلماء بالتفسير: أراد الله تعالى بالذين من قبلكم: النصارى، شبه صيامنا بصيامهم لاتفاقهما في الوقت والقدر.
وذلك أن الله تعالى فرض على النصارى صيام شهر رمضان، فاشتد ذلك عليهم، لأنه ربما كان يأتي في الحر الشديد أو في البرد الشديد، وكان يضر بهم في أسفارهم ومعايشهم، فاجتمع رأى علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف، فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصار أربعين يومًا، ثم إن ملكًا لهم اشتكى فمه، فجعل لله إن هو برئ من وجعه ذلك أن يزيد في صومهم أسبوعًا، فزادوا فيه أسبوعيًا، ثم مات ذلك الملك، ووليهم ملك آخر فقال أتموه خمسين يومًا.
قال مجاهد -رحمه الله: أصابهم موتان، فقال: زيدوا في صيامكم، فزادوا عشرًا قبل
পৃষ্ঠা - ৩৪৫
وعشرًا بعد.
وقال الشعبي -رحمه الله -: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل، وذلك أنهم كانوا ربما صاموا في القيظ فعدوا ثلاثين يومًا، ثم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة في أنفسهم، فصاموا قبل الثلاثين يومًا وبعدها يومًا، ثم لم يزل الآخر يستن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يومًا، فذلك قوله -عز وجل -: {كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183] يعني لكي تتقوا الأكل والشرب والجماع.
وقال أهل التفسير أيضًا: فرض الله تعالى على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم -وعلى المؤمنين صوم يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر حين قدم المدينة، فكانوا يصومونها، إلى أن نزل صيام شهر رمضان قبل قتال بدر بشهر وأيام، قال الله تعالى: {أيامًا معدودات} [البقرة: 184] يعني شهر رمضان ثلاثين يومًا أو تسعة وعشرين يومًا.
وروى عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما -يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا لتمام الثلاثين" وسمى الشهر شهرًا لشهرته، وهو مأخوذ من الشهرة وهي البياض، ومنه يقال: شهرت السيف إذا سللته وشهر الهلال إذا طلع.
(فصل) اختلف الناس في معنى قوله رمضان:
فقال بعضهم: رمضان اسم من أسماء الله تعالى، فيقال شهر رمضان، كما يقال: شهر الله الأصم لرجب، وعبد الله.
وروى جعفر الصادق -رحمه الله -عن آبائه -رضي الله عنهم -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "شهر رمضان شهر الله".
وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه -: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله تعالى في القرآن، فقال: شهر رمضان".
পৃষ্ঠা - ৩৪৬
وروى الأصمعى قال أبو عمرو: إنما سمى رمضان لأنه رمضت فيه الفصال من الحر.
وقال غيره: لأن الحجارة كانت ترمض فيه من الحرارة، والرمضاء: الحجارة المحماة.
وقيل: سمى بذلك لأنه يرمض الذنوب: أي يحرقها، وهو مروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -".
وقيل: إن القلوب تأخذ من الحرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس.
وقال الخليل: مأخذه من الرمض، وهو مطر يأتي في الخريف، فسمى هذا الشهر رمضان لأنه يغسل الأبدان من الآثام غسلاً، ويطهر القلوب تطهيرًا.
فصل في قوله -عز وجل -: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185]
روى أن عطية بن الأسود سأل ابن عباس -رضي الله عنهما -فقال: إنه وقع الشك في قوله تعالى: {إنا أنزلنا في ليلة مباركة} [الدخان: 3] وقد نزل القرآن في سائر الشهور.
وقال الله تعلى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106] {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32].
فقال ابن عباس: نزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل -عليه السلام -على محمد -صلى الله عليه وسلم -نجومًا نجومًا في ثلاث وعشرين سنة، وذلك قول الله -عز وجل -: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75].
وقال داود بن أبى هند: قلت للشعبي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما كان ينزل عليه، -عليه السلام -في سائر السنة؟ قال: بلى، ولكن جبريل -عليه السلام -كان يعارض محمدًا -صلى الله عليه وسلم -في رمضان بما أنزل الله، فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء وينسيه ما يشاء.
عن شهاب بن طارق عن أبى ذر الغفاري -رضي الله عنه -عم النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث ليال مضين من شهر رمضان، وأنزلت توراة موسى -عليه
পৃষ্ঠা - ৩৪৭
السلام -في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل إنجيل عيسى -عليه السلام -في ثلاثة عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأنزل زبور داود -عليه السلام -في ثماني عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأنزل الفرقان على محمد -صلى الله عليه وسلم -في الرابعة والعشرين من شهر رمضان" ثم وصف -عز وجل -القرآن فقال: {هدى للناس} [البقرة: 185} من الضلالة {وبينات} [البقرة: 185] من الحلال والحرام والحدود والأحكام {من الهدى والفرقان} [البقرة: 185] يفصل بين الحق والباطل.
(فصل: فيما يختص بشهر رمضان من الفضائل)
أخبرني أبو نصر عن والده، قال: أنبأنا ابن الفارس، قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الجلودى النيسابورى، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: أنبأنا علي بن حجر السعدى، قال: أنبأنا يوسف بن زياد، قال: أخبرنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب عن سلمان -رضي الله عنه -قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في آخر يوم من شعبان فقال: "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير أو أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد به في رزق المؤمن، فمن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال: يعطى الله هذا الثوب لمن فطر صائمًا على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فمن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما.
فالخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائمًا سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدًا".
পৃষ্ঠা - ৩৪৮
وعن الكلبي عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إن أبواب الجنة وأبواب السماء لتفتح لأول ليلة من شهر رمضان، ولا تغلق إلى آخر ليلة منه، ليس من عبد أو أمة يصلى في ليلة منه إلا كتب الله له بكل سجدة ألفًا وسبعمائة حسنة، وبنى له بيتًا في الجنة من ياقوتة حمراء له سبعون ألف باب، لكل باب منها مصراعان من ذهب موشح من ياقوته حمراء، فإذا صام أول يوم من شهر رمضان غفر الله له ذنب إلى آخر يوم من رمضان، وكان كفارة إلى مثلها، وكان له بكل يوم يصومه قصر في الجنة له ألف باب من ذهب، واستغفر له سبعون ألف ملك من غدوه إلى أن تتوارى بالحجاب، وكان له بكل سجدة سجدها من ليل أو نهار شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
وأخبرني أبو نصر عن والده بإسناده عن الأعرج، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، نظر الله إلى خلقه وإذا نظر إلى عبد لم يعذبه أبدًا، ولله -عز وجل -في كل يوم ألف ألف عتيق من النار".
وأخبرني أبو نصر عن والده بإسناده عن سهل، عن أبيه، عن أبى هريرة -رضي الله عنه -قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين".
وعن نافع بن بردة، عن أبى مسعود الغفاري -رضي الله عنه -أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: "ما من عبد يصوم يومًا من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مجوفة مما نعت الله -عز وجل -: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72] على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى، ويعطى سبعون لونًا من الطيب، ليس منها لون على لون الآخر، ويعطى لكل امرأة منهن سبعون سريرًا من ياقوتة حمراء موشحة بالدر، على كل سرير سبعون فراشًا على كل فراش أريكة، لكل امرأة سبعون ألف وصيف لحاجتها، وسبعون ألف وصيف لزوجها مع وصيفة صحفة من ذهب فيها لون من طعام، فيجد لآخر لقمة منها لذة لم يجدها لأوله ويعطى
পৃষ্ঠা - ৩৪৯
زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوت أحمر، هذا لكل يوم صامه من رمضان سوى ما يعمل من الحسنات".
(فصل) أخبرني أبو نصر عن والده بإسناده، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن إبراهيم بن يسار وإبراهيم بن محمد بن حارث، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا القاسم بن محمد، قال: حدثنا هشام بن الوليد، قال: حدثنا حماد ابن سليمان الدوسي، عن الحسن، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم -يقول: "إن الجنة لتتجدد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، فتصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتزين الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين هل من خاطب إلى الله -عز وجل -فيزوجه، ثم يقلن: يا رضوان: ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية يا خيرات حسان، هذه أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان للصائمين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -فيقول الله تعالى: يا رضوان افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلق أبواب النيران عن الصائمين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -يا جبريل اهبط إلى الأرض فصفد مردة الشياطين وغلهم بالأغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمد حبيبي صيامهم.
قال: ويقول الله -عز وجل -في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض الملئ غير المعدم، والوفى غير الظلوم؟
قال: وله في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا العقاب، فإذا كان ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق الله تعالى في كل ساعة ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره، فإذا كان ليلة القدر يأمر جبريل -عليه السلام -فيهبط في كبكبة من الملائكة ومعه لواء أخضر إلى
পৃষ্ঠা - ৩৫০
الأرض، فيركزه على ظهر الكعبة، وله ستمائة جناح لا ينشرها إلا في ليلة القدر، فينشرها في تلك الليلة، فيجاوز المشرق والمغرب، ويبث جبريل -عليه السلام -الملائكة في هذه الأمة فيسلمون على كل قائم ومصل وذاكر، ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، ثم ينادى جبريل -عليه السلام -: يا معشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبريل ما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -؟ فيقول: إن الله تعالى نظر إليهم وعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: هؤلاء الأربعة: مدمن خمر، وعاق والدية، وقاطع رحم، ومشاحن.
قيل: يا رسول الله من المشاحن؟ قال: المصارم، فإذا كان ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلو الجائزة، فإذا كان غداة الفطر بث الله تعالى الملائكة في كل البلاد فيهبطون إلى الأرض، فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه كل من خلق الله تعالى إلا الجن والإنس فيقولون: يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -أخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟.
قال: فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا توفيه أجرته، فيقول: فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب صيامهم من شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي، ثم يقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم في جمعكم لآخرتكم شيئًا إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، وعزتي وجلالي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم.
قال: فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطي الله -عز وجل -هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان".
وعن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -نحوه، واللفظ متقارب.
وأخبرني أبو نصر عن والده بإسناده عن نافع، عن ابن مسعود -رضي الله عنه -أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول يوم أهل شهر رمضان: "لو يعلم العباد ما في شهر رمضان
পৃষ্ঠা - ৩৫১
لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة، فقال رجل من خزاعة: يا رسول الله حدثنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: إن الجنة لتزين لشهر رمضان من رأس الحول إلى الحول، حتى إذا كان أول ليلة منه وهبت ريح من تحت العرش، فصفقت ورق الجنة، فنظرت الحور العين إلى ذلك فقلن: يا رب اجعل من عبادك في هذا الشهر لنا أزواجًا تقر عيننا بهم، وتقر أعينهم بنا، فما من عبد صام شهر رمضان إلا زوجه الله زوجة من الحور العين في خيمة من درة مجنونة، مما نعت الله به: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72] على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى، وتعطى سبعون لونًا من الطيب ليس منه لون يشبه الأول، كل امرأة منهن على سرير من ياقوت موشح بالدر عليه سبعون فراشًا، بطائنها من إستبرق، وفوق السبعين فراش سبعون أريكة، ولكل امرأة منهن سبعون ألف وصيف يخدمها، وسبعون ألف وصيف لزوجها بيد كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون من الطعام، يجد لآخره من اللذة ما لا يجد لأوله، ويعطى زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوتة حمراء، عليه سواران من ذهب مرصع بالياقوت هذا لكل من صام شهر رمضان سوى ما عمل من الحسنات".
وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادى الجليل جلت عظمته رضوان خازن الجنان، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: نجد جنتي وزينها للصائمين من أمة أحمد، ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم، ثم ينادى مالكًا خازن النار: يا مالك، فيقول: لبيك ربي وسعديك، فيقول: أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد، ثم لا تفتحها عليهم حتى ينقضي شهرهم، ثم ينادي جبريل -عليه السلام -، فيقول: لبيك ربي وسعديك، فيقول. انزل إلى الأرض فغل مردة الشياطين عن أمة أحمد حتى لا يفسدوا عليهم صيامهم وإفطارهم، ولله -عز وجل -في كل يوم من شهر رمضان عند طلوع الشمس وعند الإفطار عتقاء يعتقهم من النار عبيدًا وإماء، وله في كل سماء مناد فيهم ملك له عرف تحت عرش رب العالمين، وفرائسه في تخوم الأرض السابعة السفلى، له جناح بالمشرق، مكلل بالمرجان والدر والجواهر، ينادي: هل من تائب يتاب عليه، هل من داع يستجاب له، هل من مظلوم ينصره الله، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطي سؤله؟
পৃষ্ঠা - ৩৫২
قال وينادي الرب -تعالى ذكره -الشهر كله: عبادي وإمائي أبشروا واصبروا وداوموا، يوشك أن أرفع عنكم المؤنات وتفضوا إلى رحمتي وكرامتي، فإذا كان ليلة القدر نزل جبريل -عليه السلام -في كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله -عز وجل -".
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "لو أذن الله للسموات والأرض أن تتكلما لبشرتا من صام رمضان بالجنة".
وعن عبد الله بن أبى أوفى -رضي الله عنه -قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف".
وروى الأعمش عن أبي خيثمة -رضي الله عنه -أنه قال: كانوا يقولون رمضان إلى رمضان، والحج إلى الحج والجمعة إلى الجمعة، والصلاة إلى الصلاة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -أنه كان يقول إذا دخل شهر رمضان: مرحبًا بالمطهر خير كله، صيام نهاره وقيام ليله، والنفقة فيه كالنفقة في سبيل الله.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه -أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "كل حسنة يعملها ابن آدم تتضاعف عشرًا إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإن الله تعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه".
وأخبرنا أبو البركات السقطى بإسناده عن يزيد بن هارون قال: حدثنا المسعودي قال: بلغني أن من قرأ في ليلة من شهر رمضان في التطوع {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] حفظ في ذلك العام.
পৃষ্ঠা - ৩৫৩
(فصل) رمضان خمسة أحرف:
الراء: رضوان الله، والميم: محاباة الله عن العصاة، والضاد: ضمان الله، والألف: ألفة الله، والنون: نور الله، فهو شهر رضوان ومحاباة وضمان وألفة ونوال وكرامة للأولياء والأبرار.
وقيل: مثل شهر رمضان في الشهور كمثل القلب في الصدور، وكالأنبياء في الأنام، وكالحرم في البلاد، فالحرم يمنع منه الدجال اللعين، وشهر رمضان تصفد فيه مردة الشياطين، والأنبياء شفعاء للمجرمين، وشهر رمضان شفيع للصائمين، والقلب مزين بنور المعرفة والإيمان، وشهر رمضان مزين بنور تلاوة القرآن، فمن لم يغفر له في شهر رمضان ففي أي شهر يغفر له، فليتب العبد إلى الله -عز وجل -قبل أن تغلق أبواب التوبة، وليتب إليه -عز وجل -قبل أن يفوت وقت الإنابة، وليبك قبل أن يقضي وقت البكاء والرحمة.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "إن أمتي لم يخزوا ما أقاموا شهر رمضان، فقال رجل: يا نبي الله وما خزيهم؟ قال: من انتهك فيه محرمًا أو عمل سيئة أو شرب خمرًا، أو زنى لم يقبل منه رمضان، لعنه الله وملائكته وأهل السموات إلى مثله من الحول، وإن مات فيما بينه وبينه رمضان فليس له عند الله حسنة".
(فصل) قيل: إن سيد البشر آدم -عليه السلام -، وسيد العرب محمد -صلى الله عليه وسلم -، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبش بلال، وسيد القرى مكة، وسيد الأودية وادي بيت المقدس، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الليالي ليلة القدر، وسيد الكتب القرآن، وسيد القرآن البقرة آية الكرسي، وسيد الأحجار الحجر الأسود، وسيد الآبار زمزم، وسيد العصى عصا موسى، وسيد الحيتان الحوت الذي كان يونس -عليه السلام -في بطنه، وسيد النوق ناقة صالح، وسيد الأفراس البراق، وسيد الخواتم خاتم سليمان -عليه السلام -، وسيد الشهور شهر رمضان.
* * *
পৃষ্ঠা - ৩৫৪
(فصل: في فضائل ليلة القدر)
قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر ...} [القدر: 1] إلى آخر السورة، فأنزلناه كناية عن القرآن أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة، فكان ينزل في تلك الليلة من اللوح المحفوظ على قدر ما ينزل به جبريل -عليه السلام بإذن الله تعالى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -في السنة كلها، إلى مثلها من قابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر من شهر رمضان إلى سماء الدنيا.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما -وغيره: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] يعني أنزلنا جبريل بهذه السورة وجملة القرآن في ليلة القدر على الكتبة ثم نزل بعد ذلك نجمًا نجمًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في ثلاث وعشرين سنة، في سائر الشهور والأيام والليالي والأوقات.
قوله تعالى: {في ليلة القدر} أي في ليلة عظيمة، وقيل: في ليلة الحكم، وسميت ليلة القدر تعظيمًا لها ولقدرها لأن الله تعالى يقدر فيها ما يكون من أمر السنة إلى مثلها من العام المقبل.
ثم قال: {وما أدراك ما ليلة القدر} [القدر: 2} يا محمد لولا أن الله أعلمك بعظمتها، فكل ما في القرآن {وما أدراك} فقد أعلمه، وما فيه {ومما يدريك} فلم يدره، ولم يطلعه عليه كقوله -عز وجل -: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا} بالأحزاب: 63] وما بين له وقتها.
قوله تعالى: {ليلة القدر} أي ليلة العظمة والحكمة.
وقيل: هي الليلة المباركة التي قال الله -عز وجل -: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة ... * فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 3 - 4] ثم قال -عز وجل -: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 3] يعني العمل فيها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
ويقال أن الصحابة -رضي الله عنهم -لم يفرحوا بشيء كفرحهم بقوله تعالى: {خير من ألف شهر} وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ذكر يومًا لأصحابه أربعة من بني إسرائيل بأنهم عبدوا الله ثمانين عامًا لم يعصوه طرفة عين، وذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع ابن نون -عليهم السلام -، فعجب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -من ذلك، فأتاه جبريل -عليه
পৃষ্ঠা - ৩৫৫
السلام -وقال له: يا محمد عجبت أنت وأصحابك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله تعالى فيها طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيرًا من ذلك، ثم قرأ عليه {إنا أنزلناه في ليلة القدر ...} إلى آخرها، وقال له: هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك منه، فسر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم -.
وقال ابن نجيح: إنه كان في بني إسرائيل رجل لبس السلاح ألف شهر في سبيل الله تعالى لم يضعه عنه، فذكر ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لأصحابه، فتعجبوا من قوله، فأنزل الله -عز وجل -: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 3] يعني خير لكم ممن تلك الألف شهر التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ولم يضعه.
وقيل: إنه كان اسمه شمعون العابد في بني إسرائيل، وقيل شمسون.
{تنزل الملائكة} [القدر: 4] يعني تنزل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر {والروح} [القدر: 4] يعني جبريل -عليه السلام.
وقال الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أنه قال: الروح على صورة الإنسان عظيم الخلق وهو عظيم الخلق، وهو الذي قال الله -عز وجل -: {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85] وهو الملك يقوم مع الملائكة صفًا يوم القيامة.
وقال مقاتل: هو أشرف الملائكة عند الله تعالى.
وقال غيره: إنه ملك وجهه على صورة الإنسان وجسده جسد الملائكة، وهو أعظم مخلوق عند العرش يقوم صفًا، وتقوم الملائكة صفًا، قال الله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفًا} [النبأ: 38].
{فيها} [القدر: 4] يعني في ليلة القدر.
{بإذن ربهم} [القدر: 4] أي بأمر ربهم.
{من كل أمر} [القدر: 4] يعني بكل خير.
{سلام هي حتى} [القدر: 5] أي هي سلام، أي سليمة.
{حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] لا يحدث فيها داء ولا كهانة.
{مطلع الفجر} بكسر اللام يريد: الطلوع، وبالفتح يريد: الموضع الذي يطلع فيه، وقيل سلام، يعني سلام الملائكة على المؤمنين من أهل الأرض، يقولون: سلام سلام حتى يطلع الفجر.
পৃষ্ঠা - ৩৫৬
(فصل) وتلتمس ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، وآكدها ليلة سبع وعشرين.
وعند مالك -رحمه الله -جميع ليالي العشر الأواخر ليس بعض بآكد من بعض. وعند الشافعي -رحمه الله آكدها إحدى وعشرون.
وقيل: إنها ليلة التاسع عشر، وهو مذهب عائشة -رضي الله عنها.
وقال أبو بردة الأسلمى -رضي الله عنه -: هي ليلة ثلاث وعشرين.
وقال أبو ذر والحسن -رضي الله عنهما -: إنها ليلة سبع وعشرين.
والدليل على أن آكدها ليلة سبع وعشرين -والله أعلم -ما روى حنبل -رحمه الله -بإسناده عن ابن عمر -رضي الله عنهما -قال: "كانوا لا يزالون يقصون على النبي -صلى الله عليه وسلم -الرؤيا من العشر الأواخر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: أرى رؤياكم قد تواترت إنها ليلة سابعة من العشر الأواخر، من كان متحريًا فليتحرها الليلة السابعة من العشر الأواخر".
ويروى أن ابن العباس قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم -: إني نظرت في الأفراد فلم أر فيها أحرى لي من السبعة، فذكر بعض ما نذكره في السبعة فقال: السموات سبع، والأرضون سبع، والليالي سبع، والأفلاك سبع، والنجوم سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع، وخلق الإنسان من سبع، ورزقه من سبع، وشق في وجهه سبع، والخواتيم سبع، والحمد سبع آيات، وقراءة القرآن على سبعة أحرف، والسبع المثاني، والسجود على سبعة أعضاء، وأبواب جهنم سبع، وأسماؤها سبع، وأدراكها سبع، وأصحاب الكهف سبع، وأهلك عاد بالريح العقيم في سبع ليال، ومكث يوسف -عليه السلام -في السجن سبع سنين، والبقرات سبع، والسنون الجدية سبع، والسنون الخصبة سبع، والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة، وقال الله -عز وجل -: {وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196] وحرم من السناء بالنسب سبع، ومن الصهر سبع، وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -طهارة الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن التراب، وعدد حروف سورة القدر إلى قوله: {سلام هي} سبع
পৃষ্ঠা - ৩৫৭
وعشرون حرفًا، ومكث -عليه السلام -في بلائه سبع سنين، وقالت عائشة -رضي الله عنها -: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وأنا بنت سبع سنين، وأيام العجوز يعني الحسوم سبعة، ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "شهداء أمتي سبعة: القتيل في سبيل الله، والمطعون، والمسلول، والغريق، والحريق، والمبطون، والنفساء".
وأقسم الله -عز وجل بسبع: {والشمس وضحاها ...} [الشمس: 1] إلى قوله: {ونقس وما سواها} [الشمس: 7]، وكان طول موسى -عليه السلام -سبعة أذرع بذراع ذلك القرن، وطول عصى موسى سبعة أذرع.
فإذا ثبت أن أكثر الأشياء سبع، فقد نبه الله تعالى عباده على أنه ليلة القدر السابعة والعشرون بقوله تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر} [القدر: 5] فعلمنا بذلك أنها ليلة السابع والعشرين.
(فصل: فهل ليلة الجمعة أفضل أم ليلة القدر؟)
اختلف أصحابنا في ذلك، فاختار الشيخ أبو عبد الله بن بطة، والشيخ أبو الحسن الجزرى، وأبو حفص عمر اليرمكى -رحمهم الله -أن ليلة الجمعة أفضل.
واختار أبو الحسن التميمى -رحمه الله -أن الليلة التي أنزل فيها القرآن من ليالي القدر أفضل من ليلة الجمعة، فأما أمثال تلك الليلة من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل.
وقال أكثر العلماء: ليلة القدر أفضل من ليلة الجمعة وغيرها من الليالي.
وجه اختيار أصحابنا ما روى القاضي الإمام أبو يعلى -رحمه الله -بإسناده عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يغفر الله ليلة الجمعة لأهل الإسلام أجمعين" وهذه فضيلة لم تنقل عنه -عليه الصلاة والسلام -لغيرها من الليالي.
وروى عنه -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "أكثروا على من الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر، ليلة الجمعة ويوم الجمعة" والغرة من الشيء خياره ولأن ليلة الجمعة تابعة ليومها.
وقد جاء في فضل يومها ما لم يجئ في فضل ليلة القدر، من ذلك ما روى أنس -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "ما طلعت الشمس على يوم أعظم عند الله من
পৃষ্ঠা - ৩৫৮
يوم الجمعة ولا أحب إليه منه".
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والأنس".
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: "إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث الجمعة وهي زهراء منيرة، وأهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضئ لهم ويمشون في ضوئها، وألوانهم كالثلج، وريحهم كالمسك يخوضون في جبال الكافور، وينظر إليهم الثقلان ما يطوفون تعجبًا حتى يدخلون الجنة.
فإن قيل: فما جوابكم عن قوله -عز وجل -: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 3].
قيل: المراد بها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة الجمعة، كما أن تقديرها عندهم خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وأيضًا أن ليلة الجمعة باقية في الجنة، لأن في يومها تقع الزيارة إلى الله سبحانه وتعالى وهي معلومة في الدنيا بعينها على القطع، وليلة القدر مظنون عينها.
وجه اختيار التميمى وغيره من العلماء أن ليلة القدر أفضل؛ قوله تعالى: {خير من ألف شهر} وألف شهر: ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
وقيل: إنه عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم -أعمار أمته فاستقلها، فأعطى ليلة القدر.
وعن مالكى بن أنس -رحمه الله -أنه قال: سمعت ممن أثق به يقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -رأى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله تعالى من ذلك، فكأنه تصاغر أعمار أمته بأن لا يبلغوا منن العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر".
وقد مالك بن أنس -رحمه الله -: بلغني أن سعيد بن المسيب قال: من حضر صلاة العشاء ليلة القدر أصاب منها حظًا.
পৃষ্ঠা - ৩৫৯
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من صلى العشاء والمغرب في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر، ومن قرأها -يعني سورة القدر -فكأنما قرأ ربع القرآن".
ويستحب أن يقرأها في العشاء الأخيرة من شهر رمضان.
(فصل) فإن قال قائل، لم لم يطلع عباده على ليلة القدر يقينًا وقطعًا كما أطلعهم على ليلة الجمعة وبينها لهم؟
قيل له: يتكل العباد على عملهم فيها، فيقولون: قد عملنا في ليلة خير من ألف شهر، فقد غفر الله لنا وحصل لنا عنده درجات وجنات، فلا يعملوا عملاً ويطمئنوا فيغلب عليهم الرجاء فيهلكوا، وهذا كما لم يطلعهم على فناء آجالهم لئلا يقول من كان في عمره طول: أتبع الشهوات واللذات والتنعيم في الدنيا، فإذا قاربت فناء أجلى تبت واشتغلت بعبادة ربي وأموت تائبًا مصلحًا، فيغيب الله تعالى عنهم آجالهم ليكونوا أبدًا على وجل وحذر من الموت فيحسنوا العمل ويداوموا على التوبة وإصلاح العمل، فيأتيهم الموت وهم على خير حال، فتصل إليهم الأقسام من اللذات والشهوات في الدنيا، وينجون من عذاب الله في الآخرة برحمة الله تعالى.
وقيل: إن الله تعالى أخفى خمسة أشياء في خمسة:
الأول: أخفى رضاه في الطاعات.
والثاني: أخفى غضبه في المعاصي.
والثالث: أخفى الصلاة الوسطى بين الصلوات.
والرابع: أخفى وليه في خلقه.
والخامس: أخفى ليلة القدر في شهر رمضان.
(فصل) وأن الله -عز وجل -أعطى المصطفى -صلى الله عليه وسلم -خمس ليالي:
الأولى: ليلة المعجزة والقدرة وهي ليلة انشقاق القمر؛ قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] وكان انفلاق البحر لموسى -عليه السلام -، وهو يضرب العصا.
والانشقاق لمحمد -صلى الله عليه وسلم -وهو بإشارة أصبع المصطفى -صلى الله عليه وسلم -، فهو أعظم في المعجزات والإعجاز والقدرة.
পৃষ্ঠা - ৩৬০
والثانية: ليلة الإجابة والدعوة، قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29].
والثالثة: ليلة الحكم والقضية، قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 3 - 4].
والرابع: ليلة الدنو والقربة، هي ليلة المعراج، قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1].
وأما الخامسة: فليلة السلام والتحية، قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] إلى قوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} [القدر: 4] يعني ليلة القدر.
روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أنه قال: "إذا كان ليلة القدر يأمر الله سبحانه وتعالى جبريل -عليه السلام -أن ينزل إلى الأرض ومعه سكان سدرة المنتهى سبعون ألف ملك، ومعهم ألوية من نور، فإذا هبطوا إلى الأرض ركز جبريل -عليه السلام -لواءه والملائكة ألويتهم في أربع مواطن: عند الكعبة، وعند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم -، وعند مسجد بيت المقدس، وعند مسجد طور سيناء، ثم يقول جبريل -عليه السلام تفرقوا، فيتفرقون فلا تبقى دار ولا حجرة ولا بيت ولا سفينة فيها مؤمن أو مؤمنة إلا دخلت الملائكة فيها، إلا بيت فيه كلب أو خنزير أو خمر أو جنب من حرام أو صورة، فيسبحون ويقدسون ويهللون ويستغفرون لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كان وقت الفجر يصعدون إلى السماء، فيستقبلهم سكان السماء الدنيا فيقولون لهم: من أين أقبلتم؟ فيقولون: كنا في الدنيا، لأن الليلة ليلة القدر لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم -، فقال سكان سماء الدنيا: ما فعل الله بحوائج أمة محمد؟ فيقول جبريل -عليه السلام -إن الله غفر لصالحيهم وشفعهم في طالحيهم، فترفع ملائكة سماء الدنيا أصواتهم بالتسبيح والتقديس والثناء على رب العالمين شكرًا لما أعطاه الله هذه الأمة من المغفرة والرضوان، ثم تشيعهم ملائكة سماء الدنيا إلى السماء الثانية، ثم كذلك سماء بعد سماء إلى السابعة، ثم يقول جبريل -عليه السلام -: يا سكان السموات ارجعوا، فترجع ملائكة كل سماء إلى مواضعهم، ويرجع سكان سدرة المنتهى إلى السدرة، فيقول سكان السدرة: أين كنتم؟ فيجيبون مثل ما أجابوا أهل السماء الدنيا، فترفع سكان السدرة أصواتهم بالتسبيح والتقديس، فتسمع جنة المأوى، ثم جنة النعيم، ثم جنة عدن، ثم الفردوس، فيسمع عرش الرحمن، فيرفع العرش صوته
পৃষ্ঠা - ৩৬১
بالتسبيح والتهليل والثناء على رب العالمين شكرًا لما أعطى هذه الأمة، فيقول الله -عز وجل -وهو أعلم: يا عرشي لم رفعت صوتك؟ فيقول: إلهى بلغني أنك قد غفرت البارحة لصالحى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -وشفعت صالحيها في طالحيها، فيقول الله تعالى: صدقت يا عرشي، ولأمة محمد عندي من الكرامة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وقيل: إن جبريل -عليه السلام -إذا نزل من السماء ليلة القدر لا يدع أحدًا من الناس إلا سلم عليه وصافحه، وعلامة ذلك اقشعرار جلده وترقيق قلبه وتدميع عينيه.
ولهذا روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم -كان مهمومًا لأجل أمته، فقال الله تعالى: يا محمد لا تغتم فإني لا أخرج أمتك من الدنيا حتى أعطيهم درجات الأنبياء، وذلك أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام -تنزل عليهم الملائكة بالروح والرسالة والوحي والكرامة، وكذلك أنزل بالملائكة على أمتك في ليلة القدر بالتسليم والرحمة مني.
(فصل) والأمارة في أنها ليلة القدر، أن تكون ليلة طلقة سمحة لا حارة ولا باردة.
وقيل: لا يسمع فيها نباح الكلاب، وتطلع الشمس صبيحتها، ليس لها شعاع كالطست، وتكشف عجائبها لأرباب القلوب والولاية وأهل الطاعة لمن يشاء الله تعالى من المؤمنين من عباده، وعلى قدر أحوالهم وأقسامهم ومنازلهم في القرب من الله -عز وجل -.
(فصل) وصلاة التراويح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم -.
صلاها ليلة، وروى ليلتين، وروى ثلاثًا، ثم انتظروه فلم يخرج، وقال: "لو خرجت لفرضت عليكم".
ثم استديمت في أيام عمر -رضي الله عنه -، فلذلك أضيفت إليه لأنه ابتدأها، والحديث المروى في ذلك عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها -أن النبي -صلى الله عليه وسلم -خرج في جوف الليل في شهر رمضان، فصلى في المسجد وصلى الناس بصلاته، فلما كانت الليلة الثانية كثر الناس حتى عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما صلى الفجر أقبل على الناس وقال: "إنه لم يخف على شأنكم الليلة، ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عن ذلك".
পৃষ্ঠা - ৩৬২
قالت: وكان -صلى الله عليه وسلم -يرغبهم في حديث رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فتوفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -والأمر على ذلك في أيام خلافة أبى بكر الصديق -رضي الله عنه -وصدرًا من خلافة عمر -رضي الله عنه -.
وروى عن علي -رضي الله عنه -أنه قال: إنما أخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -هذه التراويح من حديث سمعه مني، قالوا: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول: "إن لله تعلى حول العرش موضعًا يسمى حظيرة القدس وهي من النور، فيها ملائكة لا يحصى عددهم إلا الله -عز وجل -، يعبدون الله تعالى عبادة لا يفترون ساعة، فإذا كان ليالي شهر رمضان استأذنوا ربهم أن ينزلوا إلى الأرض، فيصلون مع بني آدم، فيأذن لهم فينزلون كل ليلة إلى الأرض فيصلون مع بني آدم، فكل من مسهم من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا" فقال عمر -رضي الله عنه -إذ ذاك: فنحن أحق بهذا، فجمع للتراويح وسنها.
وروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -أنه خرج في أول ليلة من شهر رمضان، فسمع القرآن في المساجد، فقال: نور الله قبر عمر كما نور مساجد الله بالقرآن، وكذلك يروى عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه -.
وفي لفظ آخر: أن عليًا -رضي الله عنه -اجتاز بالمساجد وهي تزهو بالقناديل والناس يصلون التراويح، فقال: نور الله -عز وجل -على عمر قبره كما نور مساجدنا.
وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من علق في بيت من بيوت الله قنديلاً لم تزل الملائكة تستغفر له وتصلى عليه وهم سبعون ألف ملك حتى يطفأ ذلك القنديل".
وعن أبى ذر الغفاري -رضي الله عنه -أنه قال: "صلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فلما كانت الليلة الثالثة والعشرون قام فصلى بنا حتى مضى ثلث الليل، ثم لما كانت الليلة الرابعة والعشرون لم يخرج إلينا، فلما كانت الليلة الخامسة والعشرون خرج وصلى بنا حتى مضى شطر الليل، فقلنا له: لو نفلتنا ليلتنا هذه، فقال -صلى الله عليه وسلم -: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ولم يصل بنا في الليلة السادسة والعشرين، فلما كانت الليلة السابعة والعشرون قام بنا وجمع أهله وصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور".
পৃষ্ঠা - ৩৬৩
(فصل) ويستحب لها الجماعة والجهر بالقراءة.
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -صلاها كذلك في تلك الليالي، ويكون ابتداؤها في الليلة التي تكون صبحتها رمضان، لأنها ليلة من شهر رمضان، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم -كذلك صلاها، ويكون فعلها بعد صلاة الفرض، وبعد ركعتي سنة بتسليمة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -هكذا صلاها وهي عشرون ركعة يجلس عقيب كل ركعتين، ويسلم، فهي خمس ترويحات، كل أربعة منها ترويحة، وينوى في كل ركعتين: أصلى ركعتي التراويح المسنونة إمامًا كان أو مأمومًا.
ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى منها في أول ليلة في شهر رمضان بالفاتحة ثم يعقبها بسورة العلق وهى {اقرأ باسم ربك الذي خلق ...} لأنها أول سورة نزلت من القرآن عند إمامنا أحمد بن محمد بن حنبل -رحمه الله -، وكذلك عند جميع أئمة الدين والسنة -رضوان الله عليهم -، ثم يسجد في آخرها، ثم ينهض فيبدأ بسورة البقرة.
ويستحب له قراءة الختمة كاملة ليسمع الناس جميع القرآن فيقفوا على ما فيه من الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر، ولا يستحب الزيادة على ختمة واحدة، لئلا يشق ذلك على المأمومين فيضجروا وتلحقهم السآمة ويكرهوا الجماعة ويثقلوا بها، فيفوتهم أجر عظيم وثواب جزيل، فيكون ذلك بسبب الإمام فيعظم إثمة فيكون من الفاتنين، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -في مثل ذلك لمعاذ -رضي الله عنه -: "أفتان أنت يا معاذ" وذلك لما صلى بقوم وطول في القراءة وقطع أحدهم الصلاة وانفرد، ثم شكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -.
ويستحب تأخير الوتر إلى آخر صلاة التراويح، ويقرأ في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى ...}، وفي الثانية بسورة "الكافرون"، وفي الثالثة سورة الإخلاص، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم -كذلك كان يصلي.
ويكره التنفل بين كل ترويحتين، ويكره أن يصلى التراويح في مسجدين وكذلك صلاة النوافل في جماعة بعد التراويح في إحدى الروايتين، لأنه هو التعقيب، وذلك مكروه عند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى -، روى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -أنه كرهه، بل ينام نومة خفيفة ثم يقوم ويأتي بما شاء من النوافل والتهجد ثم يرجع إلى منامه، وهى ناشئة الليل التي أثنى الله عليها وذكرها وقال: {إن ناشئة الليل هي أشد
পৃষ্ঠা - ৩৬৪
وطئًا وأقوم قيلاً} [المزمل: 6].
والرواية الثانية: إن ذلك جائز غير مكروه لكنه يؤخره لما روى عمر -رضي الله عنه -قال: تدعون فضل الليل آخره، الساعة التي تنامون بها أحب إلى من الساعة التي تقومون.
(فصل آخر: يختم به ما يتعلق بليلة القدر وجميع شهر رمضان)
قوله -عز وجل -: {تنزل الملائكة والروح فيها} [القدر: 4] إذا نزلت الملائكة والروح الذي هو جبريل -عليه السلام -ومعه سبعون ألف ملك وهو أمير عليهم، فجبريل -عليه السلام -يسلم على من كان قاعدًا، والملائكة تسلم على من كان نائمًا، والبارئ -سبحانه وتعالى -يسلم على عباده من كان قائمًا، كما جاز أن يسلم الله -عز وجل -على عباده المؤمنين من أهل الجنة في الجنة بقوله: {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58] جار أن يسلم على عباده الأبرار في الدنيا الذي سبقت لهم منا الحسنى والعناية والسعادة في الأزل، الفانين عن الخلق الباقين بالرب، المطمئنين إلى الحق، فلا يبقى في ليلة القدر بقعة إلا وعليها ملك ساجد أو قائم يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا أن تكون كنيسة أو بيعة أو بيت النار أو بيت الوثن، أو بعض أماكنهم التي يطرحون فيها الخبث، فلا يزالون يدعون ليلتهم تلك للمؤمنين والمؤمنات، وأما جبريل -عليه السلام -فلا يدع أحدًا من المؤمنين والمؤمنات إلا ويسلم عليه ويصافحه ويقول له: إن كنت في الطاعة فسلام عليك بالقبول والإحسان، وإن كنت في المعصية فسلام عليك بالغفران، وإن كنت في النوم فسلام عليك بالرضوان، وإن كنت في القبر فسلام عليك بالروح والريحان، فهو قوله -عز وجل -: {من كل أمر * سلام} [القدر: 4 - 5].
وقيل: إن الملائكة تسلم على أهل الطاعات ولا تسلم على أهل العصيان، فمنهم الظلمة ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، وآكل الحرام وقاطع الرحم والنمام وآكل أموال اليتامى، ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، فأي مصيبة أعظم من هذه المصيبة؟.
يمضى شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ولا يكون لك حظ في سلام ملائكة رب العصاة والأبرار، فهل كان ذلك إلا لبعدك من الرحمن، وكونك من أهل الطغيان وموافقى الشيطان، وتحليك بحلية سالكى سبيل النيران؟ وبعدك وتجافيك عن سالكى سبيل الجنان، وهجرانك لطاعة من بيده الضرر والإحسان؟
পৃষ্ঠা - ৩৬৫
فشهر رمضان شهر الصفاء وشهر الوفاء وشهر الذاكرين وشهر الصابرين وشهر الصادقين، فإذا لم يؤثر في إصلاح قلبك وإقلاعك عن معاصي ربك ومجانبة أهل الشقاء والجرائم، فما الذي يؤثر في قلبك؟ فأي خير يرجى منك؟ وأي بقية بقية فيك؟ وأي فلاح يترقب منك؟ فتنبه يا مسكين لما حل بك، واستيقظ من رقدتك وغفلتك، وانظر إلى الذي دهاك، وشيع بقية شهرك بالتوبة والإنابة، وتمتع فيها بالاستغفار والطاعة لعلك تكون ممن تناله الرحمة والرأفة، وودعها بإسبال العبرات، وابك على نفسك المشؤومة بالعويل والويل والنياحات، فكم من صائم لا يصوم غيره أبدًا، وكم من قائم لا يقوم بعده أبدًا، والعامل يعطى أجره عند فراغه من عمله وقد فرغنا من العمل، فليت شعري أمقبول صيامنا وقيامنا أم مضروب بهما وجوهنا؟ يا ليت شعري من المقبول منا فننهينه؟ ومن المردود منا فنعزيه؟
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".
السلام عليك يا شهر الصيام، السلام عليك يا شهر القيام، السلام عليك يا شهر الإيمان، السلام عليك يا شهر المغفرة والغفران، السلام عليك يا شهر الدرجات والنجاة من الدركات، السلام عليك يا شهر التائنبين العابدين، السلام عليك يا شهر العارفين، السلام عليك يا شهر المجتهدين، السلام عليك يا شهر الأمان، كنت للعاصين حبسًا وللمتقين أنسًا، السلام على القناديل والمصابيح الزاهرة، والعيون الساهرة، والدموع الهاطلة، والمحاريب المتعطرة، والعبرات المنسكبة المتفطرة، والأنفاس الصاعدة من القلوب المحترقة.
اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامهم وصلاتهم وبدلت سيئاته بحسناته، وأدخله برحمتك في جنتك، ورفعت درجاته برحمتك يا أرحم الراحمين.
* * *