গুনিয়াত আত-তালেবিন

القسم الثالث في المجالس

مجلس: في قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}

পৃষ্ঠা - ২২০
مجلس: في قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31] هذا خطاب للعموم بالتوبة. وحقيقة التوبة في اللغة: الرجوع، يقال: تاب فلان من كذا: أي رجع عنه، فالتوبة هي الرجوع عما كان مذمومًا في الشرع إلى ما هو محمود في الشرع. والعلم بأن الذنوب والمعاصي مهلكات مبعدات من الله -عز وجل- ومن جنته، وتركها مقرب إلى الله -عز وجل- وجنته، فكأنه -عز وجل- يقول: ارجعوا إلي من هوى نفوسكم ووقوفكم مع شهواتكم عسى أن تظفروا ببغيتكم عندي في المعاد، وتبقوا في نعيمي في دار البقاء والقرار، وتفلحوا وتفوزوا وتنجوا وتدخلوا برحمتي الجنة العليا المعدة للأبرار، وخاطبهم أيضًا بخطاب الخصوص والاقتضاء فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [التحريم: 8] ومعنى النصوح الخالص لله تعالى الخالي عن الشوائب، مأخوذ من النصاح وهو الخيط. وهو توبة مجردة لا تتعلق بشي، ولا يتعلق بها شيء، يكون العبد معها مستقيمًا على الطاعة غير مائل إلى المعصية، لا يروغ كما يروغ الثعلب، ولا يحدث نفسه بعود إلى معصية، ولا ذنب من الذنوب، وأن يترك الذنب لله خالصًا كما ارتكبه للهوى خالصًا حتى يختم له بحسن الخاتمة. فالتوبة من سائر الذنوب واجبة بإجماع الأمة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى التائبين في غير موضع، قال عز من قائل: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222] فذكر أنه يحبهم لتوبتهم وتطهرهم من الذنوب المبعدة عنه -عز وجل-، وقال في موضع آخر: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} [التوبة: 112] فذكر اسمًا معرفًا يعني التائبون ثم وصفه بهذه الأوصاف الحميدة، فعلم أن التائب من هذه صفته، فإذا
পৃষ্ঠা - ২২১
اتصف بها استحق البشارة واسم الإيمان بقوله: {وبشر المؤمنين} [التوبة: 112]. (فصل) والذي عنه التوبة من الذنوب كبائر وصغائر: أما الكبائر: فقد اختلف فيها العلماء، فقيل: هي ثلاث، وقيل أربع، وقيل سبع، وقيل تسع، وقيل إحدى عشرة. وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا بلغه قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: الكبائر سبع يقول: هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبعة. وكان يقول: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة. وقيل: إنها مبهمة لا يعرف عددها كليلة القدر وساعة يوم الجمعة، ليعظم جد الناس في طلبها، فكذلك الكبائر ليشتد حذر الناس في ترك الذنوب كلها. وقيل: كل ما أوعد الله عليه بالنار فهو كبيرة. وقيل: كل ما أوجب الحد في الدنيا فهو كبيرة. وقد جمعها بعض العلماء بالله -عز وجل- فقال: هي سبع عشرة: أربع في القلب وهي: الشرك بالله، والإصرار على معصية الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله. وأربع في اللسان وهي: شهادة الزور، وقذف المحصن، واليمين الغموس وهي التي يحق بها باطل ويبطل بها حق أو يقطع بها مال امرئ مسلم باطلًا ولو سواكًا من أراك، والسحر. وثلاث في البطن وهي: شرب الخمر والمسكر من كل شراب، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا وهو يعلم به. واثنتان في الفرج وهما: الزنا واللواطة. واثنتان في اليدين هما: القتل، والسرقة. وواحدة في الرجلين وهي: الفرار من الزحف، الواحد من الاثنين، والعشرة من العشرين، والمائة من المائتين. وواحدة في جميع الجسد كله وهي: عقوق الوالدين، وهو ألا تبر قسمهما إذا أقسما عليك، وأن تضربهما إذا سباك، وألا تعطيهما إذا سألاك، وألا تطعمهما إذا جاعا واستطعماك.
পৃষ্ঠা - ২২২
(فصل) وأما الصغائر فأكثر من أن تحصى، ولا سبيل إلى تحقيق معرفتها وبيان حصرها، لكنا نعلم ذلك بشواهد الشرع وأنوار البصائر، فإن مقصود الشرع سباق الخلق إلى الله -عز وجل- وقربه وجواره بترك الذنوب، كما قال تعالى: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام: 120]. ومنها النظر إلى مستحسن والقبلة له والمضاجعة معه من غير جماع، والسب لأخيه المسلم والشتم له دون القذف والضرب له، والغيبة والنميمة والكذب، وغير ذلك مما يطول شرحه. فإذا تاب المؤمن من الكبائر اندرجت الصغائر في ضمنها لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء: 31] ولكن لا يطمع نفسه في ذلك، بل يجتهد في التوبة عن جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، كما قال الشاعر: خل الذنوب كبيرها وصغيرها ... فهو التقي لمن استقام وشمرا واصنع كماش فوق أرض الشوك يسـ ... لك ما خلا حتى يحاذر ما يرى لا تحقرن صغيرة في نفسها ... إن الجبال من الحصى لم تحقرا وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: «نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواد هو وأصحابه ليس فيه حطب ولا شيء يرونه، فأمرهم أن يحتطبوا، فقالوا: يا رسول الله ما نرى حطبًا، قال: لا تحقروا شيئًا تأخذونه، فجعل الرجل يجمع الشيء بعضه إلى بعض حتى جمعوا سوادًا عظيمًا، فقال لأصحابه، ألا ترون، هكذا تكون المحقرات من خير وشر، حتى الذنب الصغير إلى الصغير، والكبير إلى الكبير، والخير إلى الخير، والشر إلى الشر». وقيل: إن الذنب إذا صغر عند العبد عظم عند الله تعالى، فإذا استعظمه العبد صغر عند الله تعالى، فإنما يستعظم الذنب الصغير العبد المؤمن لعظم إيمانه ونمو معرفته، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب طائر على أنفه فأطاره». وقال بعضهم: الذنب الذي لا يغفر قول العبد: ليت كل شيء عملته مثل هذا، وهذا من نقصان إيمانه، وضعف معرفته، وقلة علمه بجلال الله -عز وجل-، ولو كان
পৃষ্ঠা - ২২৩
عنده علم بذلك لرأي الصغير كبيرًا، والحقير عظيمًا، كما أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظم مهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها. ولهذا قال: من جلت رتبته وعظمت منزلته عند الله -عز وجل- فلا صغيرة بل كل مخالفة كبيرة. وقال بعض الصحابة لأصحابه من التابعين: «إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات» وإنما قال ذلك لقربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الله ومن جلاله، فيعظم من العالم ما لم يعظم من الجاهل، ويتجاوز عن العامي ما لا يتجاوز عن العارف على قدر ما بينهما من التفاوت في العلم والمعرفة والمنزلة. (فصل) والتوبة فرض عين في حق كل شخص. لا يتصور أن يستغنى عنها أحد من البشر؛ لأنه لا يخلو أحد عن معصية الجوارح، فإن خلا عنها فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب، وإن خلا عن ذلك فلا يخلو من وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله تعالى، فإن خلا عنها فلا يخلو عن غفلة وتقصير في العلم بالله -عز وجل- بصفاته وأفعاله. كل ذلك على قدر منازل المؤمنين في أحوالهم ومقاماتهم، فلكل حال طاعات وذنوب وحدود وشروط، فحفظها طاعة، وتركها والغفلة عنها ذنب، فيحتاج إلى توبة، وهو الرجوع عن التعريج الذي وجد إلى سنن الطريق المستقيم الذي شرع له، ومقام أقيم فيه، ومنزلة مهدت له، والكل مفتقر إلى التوبة وإنما يتفاوتون في المقادير، فتوبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة، وتوبة خاص الخواص من ركون القلب إلى ما سوى الله -عز وجل- كما قال ذو النون المصري -رحمه الله-: توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخاص من الغفلة. وكما قال أبو الحسين النوري: التوبة أن تتوب من كل شيء سوى الله -عز وجل-، فشتان بين تائب يتوب من الزلات، وتائب يتوب من الغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات، وتائب يتوب من طمأنينة القلب إلى غير خالق البريات. فالأنبياء -عليهم السلام- لم يستغنوا عن التوبة، ألا ترى إلى ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه
পৃষ্ঠা - ২২৪
قال: «إنه ليغان على قلبي، وإني لاستغفر الله -عز وجل- في اليوم والليلة سبعين مرة». وآدم -عليه السلام- لما أكل من الشجرة -القصة المشهورة- تطايرت الحلل عن جسده وبدت عورته وبقى التاج والأكليل على رأسه، فاستحيا أن يرتفعا عنه، فجاءه جبريل -عليه السلام- فأخذ التاج عن رأسه والإكليل عن جبينه، ونودي هو وحواء: أن اهبطا من جواري، فإنه لا يجاورني من عصاني، فالتفت إلى حواء بالحياء وقال لها: هذا أول شؤم المعصية أخرجنا من جوار الحبيب، فأحوجنا إلى التوبة والتضرع والافتقار والاستكانة والذلة من بعد عيش قار، ومن ذلك الملك العظيم والفضل الكبير والعز والدلال وارتفاع المنزلة في أشرف الأمكنة وأطهرها وآمنها وأقربها إلى الله تعالى. فلو استغنى أحد عن التوبة وآمن من العدو وشؤم النفس ووسواس الشيطان ومكايده، واغتر بشرف المكان وطهارته والقرب إلى الله ودنو منزلته، لكان ذلك حقيقًا بآدم -عليه السلام-، فلم يستغن عن التوبة حتى تاب الله عليه لقوله -عز وجل-: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [البقرة: 37]. وروي عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- أنه قال: لما تاب الله على آدم -عليه السلام- هنته الملائكة فهبط جبريل -عليه السلام- وميكائيل ودردائيل -عليهم السلام- فقالوا: يا آدم قرت عيناك بتوبة الله عليك، فقال آدم -عليه السلام-: يا جبريل فإن كان بعد هذه التوبة سؤال فأين مقامي؟ فأوحى الله إليه: يا آدم ورثت ذريتك التعب والنصب، وورثتهم التوبة، فمن دعاني منهم لبيته كما لبيتك، ومن سألني منهم المغفرة لم أبخل عليه، لأني قريب مجيب يا آدم، وأحشر التائبين من القبور مستبشرين ضاحكين، ودعاؤهم مستجاب. وكذلك نوح النبي -عليه السلام- الذي أغرق الله تعالى أهل الشرق والغرب بدعوته والغيرة على عرضه، ولتكذيبهم إياه وشدة غضبه عليهم لذلك، وهو آدم الثاني، لأن الخلق من ذريته على ما قيل إنه لم يتوالد من الذين كانوا معه في السفينة من الناس غير أولاده الثلاثة وهم سام وحام ويافث، فالخلق تشعبت منهم ومع هذه المنزلة قال: {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من
পৃষ্ঠা - ২২৫
الخاسرين} [هود: 47]. وإبراهيم الخليل -عليه السلام- مع جلالة قدره واصطفاء الله له بخلته وجعله أبا الأنبياء والمرسلين، كما روى أنه أخرج من ولده وولده ولده أربعة آلاف نبي عليه وعليهم السلام، قال الله تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين} [الصافات: 77]. حتى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من ولده، وموسى وعيسى وداود وسليمان -عليهم السلام- وغيرهم لم يستغن عن التوبة والاستكانة والافتقار إلى الله -عز وجل- فقال: {الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [الشعراء: 78 - 82]، وقوله -عز وجل-: {وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة: 128]. وموسى -عليه السلام- مع جلالة قدره واصطفاء الله له بالرسالة والكلام واصطناعه لنفسه، وإلقائه المحبة عليه، وتأييده له بالمعجزات الباهرات من اليد والعصا والآيات التسع والأشياء التي كانت له في التيه، من عمود النور بالليل والمن والسلوى وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لأحد من الأنبياء قبله {قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين} [الأعراف: 151]. وداود النبي -عليه السلام- مع جلالة قدره وإعطاء الله له ذلك الملك العظيم، كان حراسة ثلاثة وثلاثين ألف حارس، وكان إذا قرأ الزبور اصطفت الطير على رأسه، ووقف الماء عن جريانه وحدته، واصطفت الإنس والجن حوله، والسباع والهوام كذلك لا يؤذي بعضها بعضًا، وتسبح الجبال بتسبيحه، وألين له الحديد لرزقه إجلالًا لقدره وصيانة لأمره، بكى أربعين يومًا ساجدًا، حتى نبت العشب من دموعه، فرحمه الله تعالى وتاب عليه، حتى قال -عز وجل-: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [ص: 25]. وسليمان بن داود عليهما السلام مع ملكه العظيم وريحه المسخرة له، غدوها شهر ورواحها شهر، والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، لما عوقب على خطيئته من أجل التمثال الذي عبد في داره أربعين يومًا من غير علمه فسلب ملكه أربعين يومًا فهرب تائهًا على وجهه، وكان يسأل بكفيه فلا يطعم، فإذا قال أطعموني فإني سليمان بن داود شج رأسه وضرب وأهين وكذب، ولقد استطعم يومًا من بيت فطرد وبزقت امرأة في وجهه.
পৃষ্ঠা - ২২৬
وروي أنه ذات يوم أخرجت عجوز جرة فيها بول وصبته على رأسه، فبقى في الذل على ذلك إلى أن أخرج الله له الخاتم من بطن حوت، فلبسه حتى انتهت الأربعون يومًا من أيام العقوبة، فجاءت الطير حينئذ فعكفت عليه، وجاءت الجن والشياطين والوحوش فاجتمعت حوله، فلما عرفه الذين أهانوه وضربوه اعتذروا إليه مما جرى منهم إليه من الإساءة، فقال: لا ألومكم فيما صنعتم من قبل، ولا أحمدكم الآن فيما تصنعون، فإن هذا أمر من السماء ولابد منه، فتاب الله عليه، ورد إليه ملكه، وأحسن موئله ومرجعه -عليه السلام-. فإذا كان هؤلاء السادة الكبراء القادة ولاة الخلق والشرع وملوكها وخلفاء الله في خلقه حالهم كذلك، فما حالك واغترارك يا مسكين، وأنت في دار الغرور في إقطاع الشياطين، محيط بك جنود الأعداء من الخلق والهوى والنفس والشهوات والإرادات والوساوس وتزيين الشيطان وتحسينه، واغتررت بالعبادات الطاهرة من: الصوم والصلاة والزكاة والحج، وكف الجوارح عن المعاصي الظاهرة، وباطنك عار عن العبادات الباطنة صفر عنها من: الورع الشافي والتأني والتقوى والزهد والصبر والرضا والقناعة والتوكل والتفويض واليقين وسلامة الصدر وسخاوة النفس ورؤية المنة والنية والإحسان وحسن الظن وحسن الخلق وحسن المعاشرة وحسن المعرفة وحسن الطاعة والصدق والإخلاص وغير ذلك مما يطول شرحه. بل أنت مشحون ممتلئ بخلال قبيحة وأمهات الذنوب التي منها تتفرع كل محنة وداهية، وكل بلية مهلكة موبقة في الدنيا والآخرة من: خوف الفقر والسخط لقدر الله -عز وجل-، والاعتراض عليه في قضائه في خلقه، والتهمة له في ذلك، والشك في وعده، والغل والحقد والحسد والغش، وطلب العلو والمنزلة، وحب الثناء والمحمدة، وحب الجاه في الدنيا والرضا بها والطمأنينة إليها، والتكبر على عباد الله والتعظيم عليهم، والشمخ بالأنف كما قال تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} [البقرة: 206]، والغضب والحمية والأنفة، وحب الرياسة والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والشح والرغبة والرهبة والفرح والأشر والبطر والتعظيم للأغنياء والاستهانة بالفقراء، والفخر والخيلاء، والتنافس في الدنيا والمباهاة بها، والرياء والسمعة، والإعراض عن الحق استكبارًا، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام من غير نفع، والتيه والصلف، واختبار أحوال الغير، وترك حالتك التي أنت عليها، وجعلت عبادتك
পৃষ্ঠা - ২২৭
في حفظها، والتملك والاقتدار، والتهاون في أمر الله، والتوقير للمخلوقين، والمداهنة لهم والعجب بالأعمال، وحب المدح بما لم تفعله، والاشتغال بعيوب الخلق والتعامي عن عيوبك، ونسيان نعمة الله وإضافتها إلى نفسك أو إلى الخلق الذين هم مسخرون وآلة لتلك النعمة، والوقوف مع الظاهر، والتقاعد عن النظر في الأصول، وحفظ الحدود، ووضع الشيء في محله، وإيثار الفرح، ونبض الحزن الذي يكون بعدمه خراب القلب، وخروج الخشية منه، وببعده إطفاء نور الحكمة، وبتزايده إيجاب قرب الرب والأنس به والاستماع إليه والفهم منه، والاستغناء به عن جميع البرية، والسعادة الأبدية، والنجاة السرمدية، والنعمة الكلية، ومشحون بالانتصار للنفس إذا نالها الذل الذي دواؤها فيه وسعادتها به، ودخولها في زمرة أحباب الله تعالى وأصفيائه وخلصائه وشهدائه وعلمائه، والعارفين بمجاري أقداره وأبدال أنبيائه -عليهم السلام-، وبضعف الانتصار للحق جلت عظمته وأنصار دينه وأوليائه القائمين بحجته، الداعين الخلق إلى طاعته، المحذرين لنقمته وتارة بتذكرهم لأيامه، المرغبين في رحمته وجنته، واتخاذ إخوان العلانية مع عداوتك إياهم في السر، والإعراض عن موافقة الأخيار الأبرار المنكسري القلوب والأفئدة، الذين هم جلساء الرحمن جلت عظمته، المطمئنون إليه، الملازمون للشدة، المداومون على الخدمة، المتنعمون بالمنة، المتلبسون بالخلعة، الموسومون بخلصاء الرحمن رب العزة، الآمنون في الدنيا من دوران الدول والفتنة، وفي القبور من شر هول المطلع والضغطة، وفي القيامة من طول الحساب والوحشة، الخالدون في دار البقاء في النعمة والسرور والبهجة والفرحة، المخصوصون فيها بكل ظريف ولطيف في ساعة ولحظة وطرفة. واغتررت أيضًا بما خولت من الدنيا، وما أطلقت فيها من القضاء، وأرحت من العناء، فأمنت من سلب العطاء والفضل والنعم الذي كان لغيرك، ثم انتقل منه إليك ممن تقدم ومضى، من فرعون وهامان وقارون وشداد وعاد وقيصر وكسرى، من الملوك الخالية والأمم الفانية الذاهبة، الذين تلاعبت بهم الدنيا وغرتهم الأماني، حتى جاء أمر الله وغرهم بالله الغرور، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وجمعوا وفرقوا وقطع بينهم وبين ما خولوا وأزيلوا عن الفرش التي مهدوها لأنفسهم، وأهبطوا عن المنازل التي شيدوها، وأزيلوا عن العز الذي كانوا به ظفروا، وعن الملك الذي ادعوا وخيلوا، فطولبوا بالودائع التي استودعوها، وبالعواري التي استؤمنوها، فجاءهم من الله ما لم
পৃষ্ঠা - ২২৮
يكونوا احتسبوا، وأوقفوا على مساوئ ما علموا، ونوقشوا على دقائق ما اقترفوا، وحبسوا في أضيق الحبوس التي في الدنيا لغيرهم حبسوا، وشددوا بأشد الذي شددوا، وعوقبوا بأبلغ ما عاقبوا، وبالنار أحرقوا، وبأيديهم وأرجلهم فيها بالأغلال غلوا، ومن زقوم وضريع طعموا، ومن حميم سقوا، ومن طينة الخبال ثنوا. أما كانت لك بهؤلاء الماضين عبرة، وبالمأسورين عن أهاليهم عظة عن ادعاء ملك ما خلقوا، وسكنى ما بنوا وعنه أجلوا، إذ كانوا في بنائهم ذلك جاروا أو ظلموا، فكم من عرض وظهر وخد ورأس حينئذ نالوا وضربوا، وكم من عين مسكين بائس فقير ذليل أبكوا وأدمعوا، وكم من غني ذي حسب أذلوا وأفقروا، وكم من بدعة وسنة سيئة ورسم شرعوا ورسموا، وكم من قلب حكيم لبيب عليهم كسروا وأغضبوا، وكم من دعاء ونحيب وصوت حزين في جنح الليل من أرباب القلوب لظلمهم إلى الرحمن رفعوا، شكاية منهم إليه في كشف ما بهم، إذ هم على الخبير سقطوا، فانتدبت لذلك الملائكة الكرام وإليه بادروا، وإلى الملك العظيم المنصف غير الجائر وصلوا وانتهوا، فنظر العزيز الحكيم العليم بما في صدورهم، والخبير بما يخفون وما يعلنون فيما شكوا ومنه ضجوا فأجابهم العزيز الجليل «لأنصرنكم ولو بعد حين». فجعلهم حصيدًا {فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8] فقوم بالغرق، وقوم بالخسف، وقوم بالحصب، وقوم بالقتل، وقوم بالمسخ في الصور، وقوم بالمسخ بالمعاني بأن جعل قلوبهم قاسية كالحجارة الصماء، فطبع عليها بطابع الكفر، وختمها بخاتم الشرك والرين والغطاء والظلمة، فلم يلج فيها الإسلام ولا الإيمان، ثم أخذهم أخذة رابية، وبطش بهم بطشة الجبار، فأدخلهم دار البوار {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها} [النساء: 56] فهم أبدًا في نكال وجحيم وطعام ذي غصة وعذاب أليم {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} [هود: 107] لا يموتون فيها ومنها لا يخرجون، لا غاية لويلهم ولا منتهى لثبورهم، ولهم فيها معيشة ضنك، لا يتخلص إليهم روح ولا يخرج منهم نفس ولا روح، انقطعت آمالهم وأصواتهم، وتشتت قلوبهم في حلوقهم، وخرست ألسنتهم، وقيل لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108]. فاحذر يا مسكين أن تفعل بأفعالهم، أو تستن بسنتهم، فتقفو آثارهم، فتموت من غير توبة، وتؤخذ على غفلة وغرة، من غير أن تمهد لنفسك عذرًا، وتعد لك جوابًا ومخلصًا، وتقدم بها زادًا ومجازًا، فيحل بك من العذاب والنكال ما حل بهم.
পৃষ্ঠা - ২২৯
(فصل) في شروط التوبة وكيفيتها. أما شروطها: ثلاثة: أولها: الندم على ما عمل من المخالفات، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الندم توبة». وعلامة صحة الندم: رقة القلب، وغزارة الدمع، ولهذا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «جالسوا التوابين، فإنهم أرق أفئدة». والثاني: ترك الزلات في جميع الحالات والساعات. والثالث: العزم على ألا يعود إلى مثل ما اقترف من المعاصي والخطيئات، وهو معنى قول أبي بكر الواسطي حين سئل عن التوبة النصوح فقال: ألا يبقى على صاحبها أثر من المعصية سرًا ولا جهرًا. من كانت توبته نصوحًا فلا يبالي كيف أمسى وأصبح، فالندم يورث عزمًا وقصدًا، فالعزم ألا يعود إلى مثل ما اقترف من المعاصي لعلمه المستفاد بالندم أن المعاصي حائلة بينه وبين معبوده وبين محاب الدنيا والآخرة السليمة من التبعات، كما ورد في الخبر «إن العبد يحرم الرزق الكثير بذنب يصيبه». وفي الخبر الآخر «إن الزنا يورث الفقر». وعن بعض العارفين قال: إذا رأيت التغير والتضييق في المعيشة والتعسر في الرزق وتشعب الحال، فاعلم أنك تارك لأمر مولاك تابع لهواك، وإذا رأيت الأيدي تسلطت عليك والألسن وتناولتك الظلمة في النفس والأهل والمال والولد، فاعلم أنك مرتكب للمناهي ومانع للحقوق ومتجاوز للحدود، وممزق للرسوم. وإذا رأيت الهموم والغموم والكروب في القلب قد تراكمت، فاعلم أنك معترض على الرب فيما قدر عليك وقضى لك متهم له في وعده، ومشرك به خلقه في أمره، غير واثق به ولا أنت راض بتدبيره فيك وفي خلقه، فإذا علم التائب هذا بالنظر في حاله والتفكر فيها ندم على ذلك.
পৃষ্ঠা - ২৩০
ومعنى الندم: توجع القلب عند علمه بفوات محبوبه، فتطول حراته وأحزانه وبكاؤه ونحيبه وانسكاب عبراته، فيعزم على ألا يعود إلى مثل ذلك لما تحقق عنده من العلم بشؤم ذلك، وأنه أضر من السم القاتل والسبع الضاري والنار المحرقة والسيف القاطع "وإن المؤمن لا يلسع من جحر مرتين" فيهرب ضرورة من المعاصي كما يهرب من هذه المضار والمهالك، ففي المعاصي هلاك كلي، وفي الطاعات بقاء كلي، والسلامة الأبدية سعادة دنيوية وأخروية. فيا ليت المعاصي لم تخلق ولم تكن، قرب شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلًا وأعقبت داء دويًا وأهدمت عمرًا طويلًا وأوقعت في النار جبلًا كبيرًا. وأما المقصد الثاني الذي ينبعث منه، وهو إرادة التدارك، فله تعلق بالحال، وهو موجب ترك كل محظور وهو ملابس له ومداوم عليه، وأداء كل فرض هو متوجه عليه في الحال، وله تعلق بالماضي وهو تدارك ما فرط بالمستقبل، وهو المداومة على الطاعة وترك المعصية إلى الموت. فأما شرط صحته فيما يتعلق بالماضي وهو أن يرد فكره إلى أول يوم بلغ فيه السن والاحتلام، فيفتش عما مضى من عمره سنة سنة وشهرًا شهرًا ويومًا يومًا وساعة ساعة ونفسًا نفسًا، فينظر إلى الطاعات ما الذي قصر فيها، وإلى المعاصي ما الذي قارف منها. أما الطاعات فإن كان ترك صلاة فلم يصلها البتة أو صلاها بغير شرائطها وغير أركانها، مثل أن صلاها من غير وضوء، أو من غير وضوء مختل من شرط كالنية، أو بعض واجباته كالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه وغير ذلك من الأعضاء، أو صلى في ثوب نجس أو حرير أو غصب أو على أرض مغصوبة فإنه يقضيها جميعًا من حين بلوغه إلى حين توبته، فيشتغل بقضاء الفرائض أولًا، ولا يزال يصليها إلى أن يضيق وقت صلاة الحاضرة ثم يصلي الحاضرة أداء، ثم يشتغل بقضاء الفوائت هكذا إلى أن يأتي على آخرها. فإذا حضرت الجماعة صلاها مع الجماعة، وينويها قضاء، ثم يصلى على عادته حتى إذا تضايق وقت التي صلاها مع الإمام صلاها وحده أداء، كل ذلك إنما يفعله احتياطًا
পৃষ্ঠা - ২৩১
لتحصيل الترتيب في القضاء إذ هو واجب عندنا، فإن نوى مع الإمام أداء جماعة سومح ورخص له في ذلك، ولا يعيدها مرة أخرى والصحيح هو الأول. فإن كان في عمره الماضي مخلطًا في دينه من الذين قال الله تعالى في حقهم: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا عسى الله أن ينوب عليهم} [التوبة: 102] تارة يغلب عليه الإيمان فيحسن العمل من صلاته وصيامه والتحرز من النجاسات والمحرم في الشرع ويحتاط لدينه، وأخرى تغلبه الشقاوة وتزيين الشيطان فينجس في صلاته ويتساهل في شرائطها وأركانها وواجباتها، فيأتي ببعضها ويترك بعضًا، أو يصلي يومًا ويترك أيامًا، أو يصلي من صلاة يوم وليلة صلاة أو صلاتين ويترك باقيها، فليجتهد وليتحر في ذلك، فما تيقن أنه أتى بها على التمام والكمال على وجه يسوغ في الشرع لم يقضها ويقضي الباقي، وإن نظر لنفسه وأرتكب العزيمة والأشد فقضي الجميع كان ذلك أحتياطًا وخيرًا قدمه لنفسه، وكفارة وترقيعًا لكل ما فرط من سائر الأوامر يوم القيامة، ودرجات في الجنة إذا مات على التوبة والإسلام والسنة. وإذا فرغ من قضاء الفرائض ومد الله في أجله، وأمهل في مدته، ووفقه لخدمته، ورضيه لطاعته، وأقامه في أهل محبته، وأنقذه من ضلالته، وأخرجه من مرافقه الشيطان ومتابعته ومن ركوب الهوى، وملاذ نفسه، فأدبره من دنياه، وأقبله على أخراه، فليشتغل حينئٍذ بقضاء السنن المؤكدات وما يتعلق بكل صلاة على مما ذكرناه في الفرائض. ثم بعد ذلك يجتهد في التهجد وصلاة الليل والأوراد التي نشير إليها في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى. وأما الصوم فإن كان تركه في سفر أو مرض أو أفطر عمدًا في الحضر أو ترك النية ليلًا عمدًا أو سهوًا، فليقض ذلك جميعه، وإن شك في ذلك، فليتحر ويجتهد في ذلك فلقض ما غلب على ظنه تركه، ويترك باقية فلا يقضيه، وإن أخذ بالأحوط فقضى الجميع كان خيرًا له، فيحسب من حين بلوغه إلى حين توبته، فإن كان بين ذلك عشر سنين صام عشرة أشهر، وإن كان اثنتي عشرة سنة صام سنة عن كل سنة شهرًا وهو شهر رمضان.
পৃষ্ঠা - ২৩২
وأما الزكاة فيحسب جميع ماله وعدد السنين من أول تمام ملكه لا من زمان بلوغه وعقله، إذا الزكاة واجبة على الصبي والمجنون عندنا، فيخرجها ويدفعها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم، فإن كان قد أدى في بعض السنين وتوانى في بعض حسب ذلك، وأدى المتروك وترك المؤدى على ما تقدم في الصوم والصلاة. وأما الحج فإن كان قد تم شروطه في حقه فوجب عليه السعي فيه والقصد إليه فتوانى وفرط حتى افتقر واختلت الشرائط في حقه برهة من الزمان ثم قدر، فعليه الخروج والقصد إليه، وإن لم يجد المال وكان له قدرة على الخروج ببدنه مع الإفلاس فعليه الخروج، فإن لم يقدر إلا بمال فعليه أن يكتسب من الحلال قدر الزاد والراحلة، فإن لم يقدر على الكسب فليسأل الناس ليدفعوا إليه من زكاتهم وصدقاتهم ليحج، لأن الحج من السبيل عندنا، وهو واحد من الأصناف الثمانية، وهو قوله عز وجل: {وفي سبيل الله} [التوبة: 60] فإن مات قبل ذلك مات عاصيًا أثمًا، لأنه فرط في أداء الحج. وهو عندنا على الفور، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من جد زادًا وراحلة تبلغه البيت فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا أو على ملة"، وفي لفظ آخر "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا". وإن كان عليه كفارات ونذور فعليه الخروج منها والاحتياط فيها والتحرز على ما ذكرنا. وأما المعاصي فينبغي أن يفتش من أول بلوغه عن سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وفرجه وجميع جوارحه، ثم ينظر في جميع أيامه وساعاته، ويفصل عند نفسه ديوان معاصيه، حتى يطلع على جميعها صغائرها وكبائرها، ويتذكرها جميعها برؤية قرنائه الذين كانوا معه فيها وشاركوه في اقترافها، والبقاع التي قارف عليها، والمنازل التي تستر فيها عن الأعين في زعمه، وغفل عن الأعين التي لا تنام ولا تغمض طرفة عين عنه {كراما كاتبين* يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 11 - 12]، {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق:18] غفل عن هؤلاء الكرام الحفظة {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11] ويحصون عليه أفعاله وأنفاسه، وغفل عن عالم السر وأخفى العليم بذات الصدور، والخبير بما يخفون وما يعلنون، ثم ينظر في ذلك، فإن
পৃষ্ঠা - ২৩৩
كانت المعاصي تتعلق بحق الله وهي بينه وبينه لا تتعلق بمظالم العباد كالزنا وشرب الخمر وسماع الملاهي، وكالنظر إلى غير محرم، والقعود في المسجد وهو جنب، ومس المصحف بغير وضوء، واعتقاد وبدعة، فتوبته عنها بالندم والتحسر والاعتذار إلى الله عز وجل عنها ويحسب مقدارها من حيث الكثرة ومن حيث المدة، ويطلب لكل معصية عنها حسنة تناسبها، فيأتي من الحسنات بمقدار تلك السيئات أخذًا من قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] ومن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها" فتكفير كل سيئة بحسنة من جنسها بما تقارب أن تكون كفارة له دون غيره في التشبيه. فتكفير شرب الخمر بالتصدق بكل شراب حلال هو أحب إليه ,أطيب عنده، وسماع الملاهي بسماع القرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحكايات الصالحين، وتكفير القعود في المسجد جنبًا بالاعتكاف فيه من الاشتغال بالعبادة، وتكفير مس المصحف محدثًا بإكرام المصحف وكثرة قراءة القرآن منه وكثرة تلقيه على الطهارة، والاعتبار بما فيه، والاتعاظ، واحترامه والعمل به، وبأن يكتب مصحفًا ويجعله وقفًا على المسلمين ليقرؤوا فيه. وأما مظالم العباد، ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى، فإن الله تعالى نهي عن الظلم للعباد، كما نهى عن الزنا وشرب الخمر والربا، فما يتعلق من ذلك بحق الله تعالى تداركه بالندم والتحسر، وترك مثله في ثاني الحال، والإتيان بالحسنات لتكفر عنه، فتكفير إيذائه للناس بالإحسان إليهم والدعاء لهم، فإن كان المؤذي ميتًا فبالترحم عليه والإحسان إلى ولده وورثته إذا كانت الأذية باللسان أو الضرب، وتكفير غصب أموالهم في حق الله تعالى بالتصدق بما يملكه من الحلال. وإن كانت الأذية في الأعراض مثل إن اغتابهم ومشى بينهم بالنميمة وقدح فيهم، فتكفير ذلك بالثناء عليهم إن كانوا من أهل الدين والسنة وإظهار ما يعرف فيهم من خصال الخير في أقرانه وأمثاله في المحافل والمجامع. وتكفير قتل النفوس في حق الله تعالى بإعتاق الرقاب لأن ذلك إحياء للعبد، لأن العبد كالمفقود المعدوم فيما يرجع إلى نفسه، كما قال الله عز وجل: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} [النحل: 75] فكليته لمولاه وتصرفاته وحركاته وسكناته، فهو موجود لسيده، إذ جميع ذلك
পৃষ্ঠা - ২৩৪
له، ففي إعتاقه إيجاد، فكان القاتل أعدم عبدًا عابدًا لله تعالى وعطل طاعته له، فجني على حقه، فأمره بإقامة عبد مثله عابد الله تعالى، ولا يتحقق ذلك إلا يعتقد عن رق العبودية، فيتصرف في نفسه لنفسه من غير مانع ولا حاجر، فيقابل الإعدام بالإيجاد، وهذا في حق الله تعالى. وأما في حق العباد فلا يخلو إما أن يكون في النفوس أو في الأموال أو الأعراض أو القلوب، وهذا هو الإيذاء المحض. وأما إذا كانت المظلمة في النقوس بأن جرى على يده قتل خطأ، فتوبته بتسليم الدية إلى من يستحقها من مناسب، أو مولى أو الإمام، فهي في عهدة ذلك حتى تصل الدية إليهم، إما من العاقلة، والعاقلة هو القرابة العصيبة، أو الإمام. فإن لم تكن له عاقلة، ولا وجد في بيت المال شيء سقطت، فإن كان هو قادرًا على أدائها ولا عاقلة له، فليس له غير عتق رقبة مؤمنة، فإن تطوع بالدية كان أولى، إذ الدية إنما تجب عندنا على العاقلة، فلا يخاطب بها القاتل وهو الصحيح. وقيل: إنه يجب عليه أداء الدية في هذه الحالة إذا لم تكن له عاقلة وله يسار، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، لأن الدية تجب ابتداء على القاتل، ثم تتحملها عنه العاقلة على وجه التخفيف عنه والنصرة له، والمواساة له في الغرامة لما بينهما من التوارث، وقد عدمت العاقلة هاهنا، فوجبت عليه، لا سيما وهو في حالة التوبة والخروج من المظالم والتورع والخلاص عن حقوق الآدميين. وأما إن كان القتل عمدًا فلا يتخلص إلا بالقصاص، وكذلك إن كان دون النفس في محل يمكن الاقتصاص منه، فإن كان في النفس، فالكلام مع الوارث، وإن كلن فيما دون النفس فمع المجني عليه، فإن طابت النفوس بإسقاط ذلك والعفو عنه سقط، وإن طلبوا العفو على مال بذله وتبرأ عن عهدته. فإن قتل قتيلًا ولم يعرف أنه هو القاتل كان عليه أن يعترف عند ولي الدم، ويحكمه في روحه، فإن شاء عفا عنه، وإن شاء قتله أو أخذ المال عليه، ولا يجوز له إخفاؤه لأنه لا يسقط بمجرد التوبة، فإن قتل جماعة في أوقات مختلفة ومحال متعددة، وقد تقادم الزمان، ولا يعرف أولياءهم ولا عدد من قتلهم، أحسن توبته وعمله، وأقام على نفسه حد الله بأنواع المجاهدات والتعذيب لها، والعفو عمن ظلمه وآذاه، وأعتق
পৃষ্ঠা - ২৩৫
الرقاب، وتصدق بمال، وأكثر النوافل، ليفرق ثواب ذلك عليهم على قدر حقوقهم يوم القيامة، فينجو هو، ويدخل الجنة برحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء وهو أرحم الراحمين. ولا فائدة إذ ذاك في التحدث بما جرى عليه من أنواع القتل والجراحات وقطع الطريق، إذ لا يعثر بأربابها ومستحقيها ليوفيهم أو يستحل منهم، بل يشتغل بما ذكرناه. وكذلك إن زنا أو شرب أو سرق، ولا يعرف مالكها، أو قطع الطريق ولا يعرف المقطوع عليه، أو باشر امرأة دون الفرج مما يجب فيه حد الله أو التعزيز، فإنه لا يلزمه في صحة التوبة أن يفضح ويهتك ستره، ويلتمس من الإمام أو الحاكم إقامة الحدود عليه، بل يستتر بستر الله تعالى، وينوب إلى الله عز وجل فيما بينه وبين الله، ويستغل بأنواع المجاهدات من صيام النهار، والتقلل من المباح واللذات، وقيام الليل، وقراءة القرآن وكثرة التسبيح والتورع، وفير ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله تعالى عليه، ولا يبدي لنا صفحته، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حدود الله". فإن خالف ما قلناه، ورفع أمره إلى الوالي فأقام عليه الحد وقع موقعه وصحت توبته، وتكون مقبولة عند الله، وبريء من عهدة دينه، وتطهر من آثمة ولطخه. وأما الأموال، فإن كان تناول إنسان بغصب أو سرقة أو قطع طريق أو خيانة في عين من وديعة أو عارية أو معاملة بنوع تلبيس، كترويج زائف أو ستر عيب في المبيع، أو نقص أجرة أجير، أو منع أجرته جملة فكل ذلك عليه أن يفتش عنه لا من مدة بلوغه، بل من مدة وجود ذلك بعد بلوغه وعقله وتمييزه، أو قبل بلوغه وهو في حجر وليه ووصيه، واختلط ماله بماله، وتهاون الولي في ذلك، ولم يبال به بأن كان ظالمًا مجازنا في دينه فاختلط ذلك الحرام بمال الصبي تارة من فعل الصبي، وأخرى من ظلم الوصي وجب علي الصبي النائب بعد بلوغه تفتيش ذلك، ورد كل حق إلى أهله، وتصفيه ماله من تلك الشبهات والحرام، فليحاسب نفسه على الحبات والذرات من أول يوم جنايته إلى يوم توبته، قبل أن يأتيه الموت على غفلة من غير حساب، وتقوم عليه القيامة على غرة من غير تحصيل ثواب وتهذيب كتاب فيسأل فلا يسمع جوابًا، ويندم
পৃষ্ঠা - ২৩৬
فلا ينفعه الندم، ويستعتب فلا يعتب، ويعتذر فلا يعذر، ويستمهل فلا يمهل، ويستشفع فلا يشفع له إذا كان مفرطًا في حال حياته، ومجازفًا في حال يقظته وفطنته، متبصرًا في أمور معاشه، حريصًا في تحصيل شهواته ولذاته، متابعًا لهواه ولشيطانه، معرضًا عن طاعة ربه وجنابة، منبثطًا عن إجابته، متسارعًا في معصيته وخلافه، فلذلك طال في القيامة حسابه، وعظم ويله ونحيبه، وانقطع ظهره، ونكس رأسه، واشتد خجله وحياؤه، وانقطعت حجته وبرهانه، وأخذت حسناته، وتضاعفت سيئاته، وخسرت صفقته وظهر إفلاسه، واشتد عليه غضب ربه ويأخذه، وأخذته الزبانية إلى ما مهد لنفسه من عذاب ربه وأوبقها فأرداها، فساوى من في النار من قارون وفرعون وهامان، إذ مظالم العباد لا تسامح فيها، ولا ترك، وفي الأثر "إن العبد ليوقف بين يدي الله تعالى وله من الحسنات أمثال الجبال، لو سلمت له لكان من أهل الجنان، فيقوم أصحاب المظالم فيكون قد سب عرض هذا وأخذ مال هذا، وضرب هذا، فتقتص حسناته فلا يبقى له شيء، فتقول الملائكة: يارب فنيت حسناته وبقى طالبون كثيرون، فيقول: ألقوا من سيئاتهم إلى سيئاته، وصكوا له صكًا إلى النار، فيهلك هو بسيئة غيره بطريق القصاص. فكذلك ينجو المظلوم بحسنة الظالم، إذ ينقل إليه عوضًا مما ظلمه. وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الدواوين ثلاثة: ديوان يغفره الله، وديوان لا يغفره الله، وديوان لا يترك منه شيء. فأما الديوان الذي لا يغفره الله تعالى، فالشرك بالله جل جلاله، قال الله عز وجل: {أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} [المائدة: 72]. وأما الديوان الذي يغفره الله فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه. وأما الديوان الذي لا يترك منه شيء، فظلم العباد بعضهم بعضًا". وعن أبي هريرة رضي الله عنه [عن النبي -صلى الله عليه وسلم-] أنه قال: "أتدرون من المفلس من أمتي يوم القيامة قالوا: يا رسول الله، المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع له، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه، وقد شتم هذا،
পৃষ্ঠা - ২৩৭
وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقاص هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» فينبغي للمذنب أن يبادر إلى التوبة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: "هلك المسوفون؛ يقول سوف نتوب". وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} [القيامة: 5] يعني يقدم ذنوبه ويؤخر توبته، ويقول: سأتوب حتى يأتي الموت، وهو على شر ما كان عليه فيموت عليه. وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة إلى غد، فإن الموت يأتيك بغتة، فالواجب على كل أحد أن يتوب حين يصبح وحين يمسي. قال مجاهد رحمه الله: من لم يتب إذا أصبح وأمسى فهو من الظالمين. فالتوبة على وجهين: أحدهما: في حق العباد، وقد ذكرناها. والثاني: بينك وبين الله تعالى فتكون بالاستغفار باللسان والندم بالقلب والإضمار على ألا يعود على ما أشرنا إليه من قبل. فليجتهد هذا التائب من الظلم، ويبذل جهده في تكثير الحسنات حتى يقتص منه يوم القيامة، فتؤخذ حسناته وتوضع في موازين أرباب المظالم، ولتكن كثرة حسناته بقدر كثرة مظالمه للعباد وإلا هلك بسيئات غيره، وهذا يوجب استغراق جميع العمر في الحسنات لو طال عمره بحسب مدة الظلم، فكيف والموت على الرصد، وربما يكون الأجل قريبًا فتخترمه المنية قبل بلوغ الأمنية، وقبل إخلاص العمل، وتصحيح النية وتصفية اللقمة، فليبادر إلى ذلك، وليبذل الاجتهاد فيكتب جميع ذلك، وأسامي أصحاب المظالم واحدً واحدًا، وليطف نواحي العالم وأطراف البلاد وأقطارها يطلبهم ليستحلهم وليؤد حقوقهم، فإن لم يجدهم فإلى ورثتهم، وهو مع ذلك خائف من عذاب الله، راج لرحمته تائب مقلع عن جميع ما يكره مولاه، مثمر في طاعته
পৃষ্ঠা - ২৩৮
ومرضاته، فإن أدركته منيته وهو على ذلك فقد وقع أجره على الله، قال عز وجل: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100]. وقد جاء في الصحيحين المتفق عليه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال له: أنه قد قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدل على رجل عالم، فأتاه فقال له: أنه قد قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها ناسًا يعبدون الله، فأعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقال ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا على الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم حكًا، فقال: قيسوا ما بين الأرضيين إلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا، فوجدوه وكان أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية: فكان إلى الرقية الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها، وفي رواية: فأوحى الله عز وجل إلى هذه: أن تباعدي، وإلى هذه أن تقاربي وقال: قيسوا بينهما. فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له". فهذا دليل واضح على أن قصده إلى التوبة وسعيه إليها، ونيته لها نافع، ودليل على أنه لا خلاص إلا برجحان ميزان الحسنات ولو بمثقال ذرة، فلا بد للتائب من تكثير الحسنات والنوافل ليرضى بها الخصوم يوم القيامة، وترفع بها الفرائض، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من النوافل ترفع بها القرائض" أو كما قال. ويعقد أيضًا مع الله تعالى عقدًا صحيحًا مؤكدًا، وعهدًا وثيقًا ألا يعود إلى تلك الذنوب، ولا إلى أمثالها ابدًا، ويستعين على ذلك بالعزلة والصمت وقلة الأكل وقلة النوم، وإحراز قوت حلال، والتورع عن الحرام والشبهة، إما بكسب أو بضاعة في يده من إرث، أو سبب حلال، فإن كان فيما ورثه شبهة أو حرام أخرجه ولم يأكل منه ولم
পৃষ্ঠা - ২৩৯
يتلبس بشيء منه، فإن رأس المعاصي الحرام، وملاك الدين الحلال والتورع، وتصفية اللقمة، فكل ما ينشأ من الإنسان من خير وشر فمن اللقمة، فالحلال يورث الخير، والحرام يورث الشر، كالقدر إذا طبخ ما فيها واستكمل نضجه تبين الرائحة الفائحة عما فيها، كل إناء ينضح بما فيه، ويكثر مجالسة الفقهاء والعلماء بالله، ليستفيد منهم أمر دينه، ويعرفونه سلوك الطريق إلى الله تعالى، وحسن الأدب في طاعته، والقيام في أمره، وينبهونه على ما خفي عليه من أمر السلوك في طريقه، فلا بد لكل من سلك طريقًا لم يعرفه من دليل يدله، ومرشد يرشده، وهاد يهديه، وقائد يقوده، وستعمل الصدق في جميع ذلك، والإخلاص والجد في المجاهدة، قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 96] فقد ضمن للمجد الصادق في المجاهدة في طريقه الهداية فإذا صدق في ذلك لا يعدم الهداية، لأن الله لا يخلف الميعاد، وليس بظلام للعبيد، وهو أرحم الراحمين، رءوف رحيم، لطيف بخلقه، بار ببريته، معين وموفق للمقبلين عليه، وداع للمدبرين المولين عنه بألطف الدعاء، يفرح بتوبتهم كالوالدة الشفيقة إذا قدم ولدها من سفره البعيد. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أفرح بنوبة أحدكم من رجل من بأرض دوية مهلكة ومعه راحلة عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها، فخرج في طلبها حتى كادت نفسه تخرج، فقال: أرجع إلى المكان الذي أضللتها فيه، فأموت فيه، فرجع إلى مكانه، فغلبته عينه، فغمضها لحظة، فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه". قال على كرم الله وجهه: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وهو الصادق المصدوق قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد أذنب ذنبًا فقام وتوضأ وصلى واستغفر الله من ذنبه، إلا كان حقًا على الله أن يغفر له" لأنه يقول جل وعلا: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110]. وأما الأموال الحاضرة المغصوبة، فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكًا معينًا أو إلى ورثته على ما تقدم، وما لا يعرف له مالكًا معينًا فعليه أن يتصدق به عن صاحبه، فإن اختلط الحرام بالحلال، مثل اختلاط المغصوب بالإرث الحلال، حسب واجتهد في معرفة
পৃষ্ঠা - ২৪০
مقدار الحرام وتصدق بذلك المقدار، وترك الباقي له ولعياله. وأما الأعراض فهو سب الناس وشتمهم مشافهة، وهو الجناية على القلوب، وكذلك غيبتهم، وذكرهم بالقبيح، وما يسوءهم من الغيبة، وهو كل كلام لا يحسن أن يقال له في وجهه فإذا قاله في غيبه منه، كان قد اغتابه، فكفارته أن يذكر له ذلك ويستحله، فإن كانوا جماعة فواحدًا واحدًا، ومن مات منهم قبل ذلك، فتدارك ذلك بكثير الحسنات على ما ذكرناه. كل ذلك إذا بلغتهم الغيبة، وأما إذا لم تبلغهم فلا يجب عليه استحلالهم، بل لا يجوز، لأن فيه إيصال الألم إلى قلوبهم، بل يأتي الذين أغتابهم عندهم فيكذب نفسه عندهم، ويثني على المغتابين. (فصل) ولا بد أن يعرفه قدر جنايته، ويعرض له في سائر المظالم، ولا يكفي في ذلك الاستحلال المبهم، لجواز أن يكون المظلوم إذا عرف قدر ظلمه على الحقيقة لم تطب نفسه بالإحلال بل يؤخر ذلك ليوم القيامة، ليأخذ بدله من حسناته، أو يحمله من سيئاته، وإن كان من جملة جنايته على الغير ما لو عرفه، وذكره لتأذي بمعرفته، كزناة بجاريته وأهله، أو نيبته باللسان إلى عيب خفي من عيوبه، يعظم أداه به، فهاهنا لا طريق له إلا أن يستحله مبهمًا، ويبقى عليه له مظلمة ما، فيجبرها بالحسنات كما يجبر له مظلمة الميت والغائب، وكل جناية على الغير لم يعلم بها لو ذكر الجاني له ذلك لم تطب نفسه بالإحلال بسرعة، أو لا يأمن المجني عليه مقابلته بها فق الجاني في ذلك وطريقه أن يتلطف له، ويسعى في مهماته وأغراضه ويظهر من حبه والشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فإن الإنسان عبد الإحسان، وكل من نفر بسيئة مال ورجع بحسنة، فإن تعذر ذلك عليه، فالكفارة بتكثير الحسنات، ليجزي بها في يوم القيامة جنايته، فإن الله تعالى يحكم به عليه، ويلزمه قبول حسناته مقابلة لجنايته عليه إذا امتنع من القبول، كمن أتلف في الدنيا مالًأ، فجاء بمثله، فامتنع من له الحق عن قبول ذلك، وإبرائه عن ذلك، فإن الحاكم يحكم عليه بالقبض، شاء أم أبى، كذلك الله عز وجل يحكم بذلك في عرصات القيامة، وهو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين. (فصل) فإذا تخلص من مظالم العباد، وتفرغ لعبادة الله تعالى في خاصته، سلك طريق الورع، لأن به يتخلص العبد في الدنيا والآخرة من العباد، ومن عذاب الله عز
পৃষ্ঠা - ২৪১
وجل، وبه يخفف عنه الحساب يوم القيامة، فإن الحساب يوم القيامة لحقوق العباد والمعاملات التي جرت في الدنيا بين الأنام على غير وجه الشرع. وأما من حاسب نفسه في الدنيا، وأخذ من الخلق ما يستحقه، وأعرض عما ليس له، وخاف من طول الحساب في يوم القيامة، فعلى أي شيء يحاسب، وفي الخبر"إن الله تعالى يستحي أن يحاسب الورعين في يوم القيامة". ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"؟ وهذا إشارة إلى التوقف في كل شيء وترك الإقدام عليه إلا بإذن الشرع، فإن وجد في الشرع مساغًا لتناوله والشروع فيه فعل، وإلا وقف عنه ومال إلى غيره، وإليه أشار رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "ادع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن وقاف، والمنافق لقاف". وفي موضع آخر: المؤمن فتاش". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو صلبتم حتى تكونوا كالحنايا، وصممتم حتى تكونوا كالأوتار فما ينفعكم إلا الورع الشافي". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يبال من أين مطعمه ومشربه لم يبال الله تعالى من أي باب من النار يدخله". عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيها الناس إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه فلا تستبقوا الرزق، واتقوا الله وأجملوا في الطلب، وخذوا ما حل لكم، وذروا ما حرم عليكم" وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يكتب العبد مالًا من الحرام ويتصدق به فيؤجر عليه، ولا ينفق منه شيئًا فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار".
পৃষ্ঠা - ২৪২
وقال-صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يمحو الشر بالشر، ولكن يمحو الشر بالخير". وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله تعالى يقول عبدي أد ما افترضت عليك تكن من أعبد الناس، وانه عما ينهيك عنه تكن من أورع الناس، واقنع بما رزقتك تكن من أغنى الناس". وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة رضي الله عنه: "كن ورعًا تكن من أعبد الناس". وقال الحسن البصري رحمه الله: "مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة". وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لا يتقرب إلى المتقربون بمثل الورع. وقيل: رد دائق من فضة أفضل عند الله من ستمائة حجة مبرورة، وقيل: سبعين حجة متقبلة. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: جلساء الله تعالى غدًا أهل الورع والزهد. وقال ابن المبارك رحمه الله: ترك فلس من الحرام أفضل من مائة فلس يتصدق به. روى عن ابن المبارك أنه كان بالشام يكتب الحديث، فانكسر قلمه فاستعار قلمًا، فلما فرغ من الكتابة نسى، فجعل القلم في مقلمته، فلما رجع إلى مرور، رأى القلم وعرفه، فتجهز للقدوم إلى الشام لرد القلم إلى صاحبه. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنا كان يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الحلال بين الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن لم يتق الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمي يوشك أن يقع فيه، وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله، ألا وهي القلب". وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لكل شيء حد، وحدود الإسلام: الورع والتواضع والصبر والشكر، فالورع ملاك الأمور، والصبر النجاة من النار،
পৃষ্ঠা - ২৪৩
والشكر الفوز بالجنة. ودخل الحسن البصري رحمه الله مكة، فرأى غلامًا من أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس فوقف عليه الحسن وقال له: ما ملاك الدين؟ فقال: الورع، فقال: ما آفة الدين؟ قال: الطمع، فتعجب الحسن منه. وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: الورع ورعان، ورع فرض، وورع حذر، فورع الفرض: الكف عن كل معاصي الله، وورع الحذر: الكف عن الشبهات في محارم الله تعالى. فورع العام من الحرام والشبهة، وهو كل ما كان للخلق عليه تبعة، وللشرع فيه مطالبه، وورع الخاص من كل ما كان فيه الهوى وللنفس فيه شهوة ولذة، وورع خاص الخاص من كل ما كان لهم فيه إرادة ورؤية. فالعام يتورع في ترك الدنيا، والخاص يتورع في ترك الجنة العليا، وخاص الخاص يتورع في ترك ما سوى الذي خلق وبرأ. قال يحيي بن معاذ الرازي رحمه الله: الورع على وجهين، ورع في الظاهر وهو ألا تتحرك إلا لله، وورع في الباطن، وهو ألا يدخل في قلبك سواء تبارك وتعالى. وقال يحيي رحمه الله أيضًا: من لم ينظر في دقيق من الورع لم يحصل له شيء ولم يصل إلى الجليل من العطاء. وقيل: من دق في الورع نظره جل في القيامة خطره. وقيل: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة؛ والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة، لأنك تبذلهما في طلب الرياسة. وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الورع أول الزهد، كما أن القناعة طرف الرضا. وقال أبو عثمان رحمه الله: ثواب الورع خفة الحساب. وقال يحيي بن معاذ رحمه الله: من لم يصحبه الورع في فقره أكل الحرام النص. وقال يونس بن عبيد الله رحمه الله: الورع الخروج من كل شبهة، ومحاسبة النفس
পৃষ্ঠা - ২৪৪
مع كل طرفة. وقال سفيان الثوري رحمه الله: ما رأيت أسهل من الورع، كل ما حاك في نفسك تركته، وهو قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" وهو إذا لم ينشرح الصر به وكان في قلبك منه شيء، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإثم حزاز القلوب" يعني ما حز في صدرك وحاك ولم يطمئن عليه القلب فاجتنبه، ومنه الحديث "إياكم والحكاكات فإنها المأثم" وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وقال معروف الكرخي رحمه الله: أحفظ لسانك من المدح كما تحفظه من الذم. وقال بشر بن الحارث رحمه الله: أشد الأعمال ثلاثة: الجود في القلة، والورع في الخلوة، وكلمة حق عند من يخاف ويرجى. وقيل: جاءت أخت بشير بن الحارث الحافي إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله وقالت: يا إمام إنا نغزل على سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية ويقع الشعاع علينا، فيحوز لنا الغزل في شعاعها؟ فقال: من أنت عافاك الله؟ قالت: أنا أخت بشر بن الحارث، فبكى الإمام أحمد رحمه الله وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزلي في شعاعها. وقال على العطار رحمه الله: مررت بالبصرة في بعض الشوارع وإذا مشايخ قعود وصبيان يلعبون، فقلت: ألا تستحيون من هؤلاء المشايخ؟ فقال صبي من بينهم: هؤلاء المشايخ قل ورعهم فقلت هيبتهم. وقيل: إن مالك بن دينار رحمه الله مكث بالبصرة أربعين سنة، فلم يصح له يأكل من تمر البصرة ولا رطبها حتى مات ولم يذقه، وكان إذا انقضى وقت الرطب قال: يا أهل البصرة هذا بطني ما نقص منه شيء ولا زاد فيكم شيئًا. وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: ألا تشرب من ماء زمزم؟ فقال: لو كان لي دلو لشربت. وقيل: كان الحارث المحاسبي رحمه الله إذا مد بصره إلى طعام فيه شبهة ضرب على
পৃষ্ঠা - ২৪৫
رأس أصبعه عرق، فيعلم أنه غير حلال. وقيل: إن بشرًا الحافي رحمه الله كان إذا قدم بين يديه طعام فيه شبهة لا تمتد إليه يده. وقيل: إن أم أبي يزيد البسطامي رحمهما الله كانت إذا مدت يدها إلى طعام فيه شبهة تباعد حال كونها حبلي بأبي يزيد فلم تمد يدها إليه. وكان بعضهم إذا قدم إليه طعام فيه شبهة فاحت منه رائحة منكرة، فعلم من ذلك فامتنع من أكله. وقيل عن بعضهم: أنه كان إذا وضع في لقمة من طعام فيه شبهة لم يمتضغ فتصير كالرمل في فمه. وإنما فعل الله تعالى لهم ذلك تخفيفًا ورحمه وشفقة وحمية لهم، لما صفوا اللقم واجتهدوا في طلب الحلال وترك الحرام والشبهة، حماهم الله تعالى عما يكرهونه من المطاعم، فذب عنهم في معرفة ذلك، وكفاهم مؤنه التفتيش والتنقير عن بائع الطعام وكسبه ومعيشته، وعن الثمن الذي اشترى به وأصله وتحصيله من وجه الحلال. فجعل ذلك علامة عندهم في أي وقت رأوها كفوا أيديهم عن تناول الطعام، وإذا لم يروها تناولوه، هذا في حق هؤلاء السادة الكرام الذين سبقت لهم العناية وعمتهم الرعاية. وأما الحلال في حق العوام من المؤمنين، فكل ما لا يكون للخلق فيه تبعة ولا للشرع عليه مطالبة، كما قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله حين سئل عن الحلال قال: الحلال هو الذي لا يعصى الله فيه، وقال مرة أخرى: الحلال الصافي الذي لا ينسى فيه. فالحلال حلال حكم لا حلال عين، إذ لو كان حلال عين لم يحل لأحد أكل الميتة، ولا إذا اشترى الشرطي بماله الحرام طعامًا حلالًا، ثم رجع فاستقال البيع فرجع الطعام إلى يد مالكه الأول ألا يجوز أكله للمتورع المؤمن، لأنه قد تخلل بينهما حالة يحرم أكله فيها، وهو حصوله في يد الشرطي. فلما اتفق المسلمون على جواز أكل هذا الطعام الذي حصل في ملك الشرطي المشتري بماله الحرام الذي يحرم أكله عند جميع المسلمين علم أن الحلال والحرام ما كان
পৃষ্ঠা - ২৪৬
الشرع حكم به لا نفس العين لأن ذلك طعام الأنبياء كما جاء في الحديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: اللهم ارزقني الحلال المطلق، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ذلك رزق الأنبياء، سل الله رزقًا لا يعذبك عليه". وكذلك في الشرع من اتجر من أهل الذمة واليهود والنصارى والمجوس في المحرمات من الخمر والخنزير وليناهم بيعها وأخذنا منهم العشر من أثمانها، وروى ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ولوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها. فإذا أخذ العشر منهم فما يصنع به، أليس ينتفع به المسلمون؟ فلو كان الحلال حلال العين لما جاز أخذ ذلك، لأن الخمر والخنزير وثمنهما حرام، فأحل ذلك لدخول اليد والعقد، كما قيل بين الحلال والحرام يد، فمن أخذ الشرع في يده مصباحًا فأخذ به وأعطى به ولم يتأول فيه ولم يخرج عنه، فأخذ ما أذن له الشرع وأعطى ما أذن له الشرع فيه، وصار جميع تصرفاته بالشرع أكل الحلال بالشرع، وليس عليه طلب الحلال المطلق والعين، إذ ذاك لا يكاد يدرك إلا أن يشاء الله أن يكرم به بعض أوليائه وأصفيائه {وما ذلك على الله بعزيز} [إبراهيم: 20، وفاطر: 17]. فالناس في الطعام على ثلاثة أضرب، متق، وولي، ويدل عارف، فحلال المتقي ما ليس للخلق عليه تبعة، ولا للشرع عليه مطالبة. وطعام الولي المحق الذي هو الزاهد الزائل الهوى ما ليس فيه الهوى، بل هو مجرد بأمره. وطعام البدل الذي هو المعارف المفعول فيه زائل الإرادة كرة القدر، وهو ما لم تكن فيه همسة ولا إرادة بل فضل كله من الله عز وجل، يرزقه ويدلله ويربيه بقدرته الشاملة ومنته العامة ومشيئته النافذة، كالطفل الرضيع في حجر أنه الشفيقة. فما لم يتحقق له المقام الأول لا يصل إلى المقام الثاني، وما لم يتحقق له المقام الثاني لا يصل إلى المقام الثالث. فطعام التقي شبهة في حق زائل الهوى، وطعام زائل الهوى شبهة في حق زائل الإرادة والهمة، كما قيل: سيئات المقربين حسنات الأبرار. فطعام الشيخ مباح للمريد، وطعام المريد حرام في حق الشيخ لصفاء حالته ونزاهة
পৃষ্ঠা - ২৪৭
رتبته وعلو منزلته وقربه من ربه عز وجل. ومن دقائق الورع ما نقل عن كهمس رحمه الله أنه قال: أذنبت ذنبًا وأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زارتي أخ لي فاشتريت بدانق سمكة مشوية، فلما فرغ أكلها أخذت قطعة من طين من جدار جار لي حتى غسل يده ولم استحله. وقيل: إن رجلًا كان في بيت بكراء، فكتب رقعة وأراد أن يتربها من جدار البيت، فخطر بباله أن البيت بالكراء، ثم إنه خطر بباله ألا خطر لهذا، فترب الكتاب فسمع هاتفًا يقول: سيعلم المستخف بالتراب ما يلقي غدًا من طول الحساب. ورؤى عتبة الغلام يتصب عرفًا في الشتاء فقيل له في ذلك؟ فقال: إنه مكان عصيت فيه ربي ، فسئل عنه فقال: كشطت من هذا الجدار قطعة طين غسل ضيف لي يده بها ولم استحل صاحبه. وقيل: إن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله رهن سطلًا له عند بقال بمكة، فلما أراد فكاكه أخرج البقال إليه سطلين وقال: خذ أيهما لك، فقال الإمام أحمد؛ أشكل على سطلي فهو لك والدراهم لك، فقال البقال: سطلك هذا وإنما أردت أن أجريك، فقال: لا أخذه ومضى وترك السطل عنده. وقيل: إن رابعة العدوية رحمها الله خاطت شفًا في قميصها في ضوء مشعلة سلطانية، ففقدت قلبها زمانًا حتى تذكرت ذلك فشقت قميصها فوجدت قلبها. ورؤى سفيان الثوري رحمه الله في المنام وله جناحان يطير بهما في الجنة من شجرة إلى شجرة، فقيل له: بم نلت هذا؟ قال: بالورع. وكان حسان بن أبي سنان رحمه الله لا ينام مضطجعًا ولا يأكل سمينًا ولا يثرب باردًا ستين سنة، فرؤى في المنام بعد ما مات فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيرًا، إلا أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها. وكان لعبد الواحد بن زيد غلام خدمة سنين وتعبد أربعين سنة، وكان في ابتداء أمره كيالًا، فلما مات رؤى في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيرًا غير أني محبوس عن الجنة، وقد أخرج على من غبار القفيز أربعين قفيزًا. ومر عيسى ابن مريم عليه السلام بمقبرة، فنادى رجلًا منهم فأحياء الله تعالى فقال: من أنت؟ كنت حمالًا أنقل للناس، فنقلت يومًا لإنسان حطبًا فكسرت منه خلالًا
পৃষ্ঠা - ২৪৮
تخللت به فأنا مطالب به منذ مت. (فصل) ولا يتم الورع إلا أن يرى عشرة أشياء فريضة على نفسه: أولها: حفظ اللسان من الغيبة لقوله تعالى {ولا يغتب بعضكم بعضًا} [الحجرات: 12] والثاني: الاجتناب عن سوء الظن لقوله تعالى: {اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12] ولقوله -صلي الله عليه وسلم-: "إياكم والظن فإنه أكذب الحديث". والثالث: الاجتناب عن السخرية لقوله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم} [الحجرات: 11] والرابع: غض البصر عن المحارم لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور:30]. والخامس: صدق اللسان لقوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} [الأنعام: 152]. يعني فاصدقوا. والسادس: أن يعرف منة الله تعالى عليه لكيلا يعجب بنفسه لقوله تعالى: {بل والله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} [الحجرات: 17]. والسابع: أن ينفق ماله في الحق ولا ينفقه في الباطل لقوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} [الفرقان: 67]. يعني لم ينفقوا في المعصية ولم يمنعوا من الطاعة. والثامن: ألا يطلب لنفسه العلو والكبر لقوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا} [القصص:83]. والتاسع: المحافظة على الصلوات الخمس في مواقيتها بركوعها وسجودها لقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]. والعاشر: الاستقامة على السنة والجماعة لقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]. (فصل) ويجوز أن يتوب عن بعض الذنوب دون بعض إذا لم يمكنه التوبة عن جميعها في حالة واحدة، مثل أن يتوب عن الكبائر دون الصغائر، لعلمه أن الكبائر
পৃষ্ঠা - ২৪৯
أعظم عند الله وأجلب لسخطه ومقته، والصغائر دونها، في الرتبة، إذ هي أقرب إلى تطرق العفو إليها، فلا يستحيل أن يتوب عن الأعظم، ثم إذا قوى الإيمان واليقين في قلبه، وظهرت أنوار الهداية وانشراح صدره للإنابة إلى الله تعالى، حينئذ تاب عن جميع الصغائر ودقائق الزلات والشرك الخفي وذنوب القلب أجمع، ومعاصي الحالات والمقامات بعد ذلك كلما رفع إلى حالة ومقام كان هناك ما يأتي وما يذر، أمر ونهى يعرفه كل ذائق لهذا الأمر، وسالك لهذه الطريق ومخالط لأهله. فلا يأخذ الناس في أول وهلة بما هو منتهي الأمر "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ولا منفرين، إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت - أي المنقطع - لا طريقًا سلك ولا ظهرًا أبقى". ومثل من يتوب عن بعض الكبائر دون بعض لعلمه أن بعضها أشد من البعض عند الله وأغلظ عقوبة وأبلغ، كالذي يتوب عن القتل والنهب والظلم للعباد، لعلمه أن ديون العباد لا تترك، وما بينه وما بين الله تعالى يتسارع العفو إليه. ومثل أن يتوب عن شرب الخمر دون الزنا، لعلمه أن الخمر مفتاح الشر، فإنه إذا زال عقله ارتكب جميع المعاصي وهو لا يشعر بها من القذف والسب والكفر بالله والزنا والقتل والغصب، لأن الخمر مجمع المعاصي وأمها وأصلها. وكمن يتوب عن صغيرة أو صغائر وهو مصر على كبيرة، مثل أن يتوب عن الغيبة أو عن النظر إلى المحرم، وهو مصر على شرب الخمر لشدة ضراوته بالخمر ولهجه بها وتعوده لها وتسويل نفسه بأنه مداو مرضه بها، وقد أمرنا باستعمال الدواء وتزيين الشيطان له ذلك وتحسينه وقوة شهوته فيها لما في شربها من السرور والفرح وذهاب الهموم وصحة الجسم على زعمهم، وذهول عن بوائقها وعاقبتها، والغفلة عن عقوبة الله له لأجلها، وفساد الدين والدنيا بها، لأنها سبب زوال العقل الذي به انتظام أمر الدين والدنيا والآخرة. وإنما قلنا أنه تصح التوبة عن بعض هذه الذنوب دون بعض لأنه لا يخلو كل مسلم من جمع بين طاعة الله ومعصيته في الأحوال كلها، وإنما يتفاوتون في الحالات وعظم الذنوب وصغرها على قرب أحوالهم من الله وبعدها. فإذا قال الفاسق إن قهرني الشيطان بواسطة غلبة الشهوة في بعض المعاصي، فلا
পৃষ্ঠা - ২৫০
ينبغي لي أن أرخى العنان وخلع العذار بالكلية، فأنمزج في المعاصي، بل أجاهد فيما يخف على من ترك بعض المعاصي فأتركها فيكون قهري لبعض ذلك كفارة لبعض الباقي، ولعل الله يراني أخافه في بعض معاصيه، وأتركها لأجله، وأجاهد نفسي وشيطاني في تركها، فيعينني ويوفقني، ويحول بيني وبين بقية المعاصي برحمته. ولو لم يكن الأمر على ما قلنا لما صحت صلاة كل فاسق ولا صومه ولا زكاته ولا حجه ولا شيء من الطاعات، بأن يقال له: أنت فاسق خارج من طاعة الله بفسقك، مخالف لأمره، فعبادتك هذه لغير الله تعالى، فإن زعمت أنها لله عز وجل فاترك الفسق، فإن أمر الله فيه واحد ولا يتصور أن تقصد بصلاتك التقرب إلى الله ما لم تتقرب بترك الفسق. وهذا محال لا يقال، فما هذا إلا بمثابة من عليه ديناران لرجلين وهو قادر على الأداء إليهما، فأدى أحد الدينارين إلى أحدهما وجحد الآخر، وحلف عليه مع علمه ذلك وتحققه له، فلا شك أن ذمته بريئة مما قد أدى ومشتغلة بما جحد وأبى. فكذلك من أطاع الله تعالى في بعض أوامره مطيع له بطاعته، وإذا عصاه في بعض نواهيه عاص له بمعصية فهو مؤمن ملئ ناقص الإيمان طائع بطاعته عاص مخالف له بمخالفته، وهذا هو دأب كل مخلط في أمر دينه إلى أن يبلغ إلى حالة يزول هواه، فتنقطع عنه جميع المعاصي إلا من شاء الله أن يقضي عليه بها، إذ لا معصوم، ويتوب الله على من تاب، ويتفضل بالرحمة على من تاب. (فصل: في ذكر الأخبار والآثار الواردة في التوبة) قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة فقال: أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تحصنوا، وانهوا عن المنكر تنصروا". وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقول: "اللهم اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم".
পৃষ্ঠা - ২৫১
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن إبليس حين اهبط إلى الأرض قال: وعزتك وجلالك لا أزال أغوى ابن آدم ما دام الروح في جسده، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أمنعه التوبة ما لم يتغرغر بنفسه". وعن محمد بن عبد الله السلمي رحمه الله أنه قال: جلست إلى نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فقال رجل منهم: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تاب قبل موته بنصف يوم تاب الله عليه". وقال آخر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تاب قبل الغرغرة تاب الله عليه". وعن محمد بن مطرف رحمه الله أنه قال: يقول الله تعالى: ويح ابن آدم يذنب الذنب فيستغفرني فأغفر له، ثم يعود فأغفر له، ويحه لا هو يترك ذنبه ولا هو ييأس من رحمتي، أشهدكم أني قد غفرت له. وقال أنس رضي الله عنه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته بعدما أنزلت {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 3] يستغفرون كل يوم مائة مرة ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه. قال: "وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أذنبت ذنبًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: استغفر الله، فقال: إني أتوب ثم أعود، قال -صلى الله عليه وسلم-: كلما أذنبت فتب حتى يكون الشيطان هو الحسير، قال: يا نبي الله إذا تكثر ذنوبي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: عفو الله أكثر من ذنوبك ... ". وقال الحسن رحمه الله: لا تتمنى المغفرة بغير التوبة ولا تتمنى الثواب بغير العمل، لأن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه، وتترك العمل بما يرضيه، وتتمنى عليه المغفرة، فتغرك الأماني، حتى يحل بك أمره، أما سمعته يقول: {وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} [الحديد: 14]، وقال الله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82]، وقال عز وجل: {ورحمتي وسعت كل شيء
পৃষ্ঠা - ২৫২
فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف: 156]. فالطمع في الرحمة والجنة من غير توبة وغير تقوى حمق وجهل وغرور لأنهما مقيدتان بهاتين الآيتين. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه بأصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا فطار". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليذنب الذنب فيدخله الجنة، فقالوا: يا نبي الله وكيف يدخله الجنة؟ قال: يكون الذنب نصب عينه يستغفر منه ويندم عليه حتى يدخله الجنة". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لم أر شيئًا أحسن طلبًا ولا أسرع إدراكًا من حسنة حديثة لذنب قديم {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أذنب العبد ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإذا تاب وفزع واستغفر صفا قلبه منها، وإذا لم يتب ولم ينزع ولم يستغفر كان الذنب على الذنب والسواد على السواد حتى يعمى القلب فيموت، فذلك قوله عز وجل: {كلا بل ران على قلوبهم كانوا يكسبون} [المطففين: 14] ". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة فاغتنم غفلة المنية". قال: وكان آدم بن زياد رحمه الله يقول: لينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت، فاستقال ربه فأقاله، فليعمل بطاعة الله. قيل: أوحى الله تعالى إلي داود عليه السلام: أتق أن آخذك على غرة فتلقاني بلا حجة. ودخل بعض الصالحين على عبد الملك بن مروان، فقال له: عظني، فقال: هل أنت على استعداد لحلول الموت إن أتاك؟ قال: لا. قال: فهل أنت مجمع على التحول عن هذه الحالة إلى حالة ترضاها؟ قال: لا. قال: فهل بعد الموت دار فيها مستعتب؟ قال: لا.
পৃষ্ঠা - ২৫৩
قال: فهل تأمن الموت أن يأتيك على غرة؟ قال: لا. قال: ما رأيت مثل هذه الخصال يرضى بها عاقل. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الندم توبة". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أذنب ذنبًا ثم ندم عليه فهو كفارته". وقال الحسن رحمه الله: التوبة على أربع: دعاء، ثم استغفار باللسان، وندم بالقلب، وترك بالجوارح، وإضمار ألا يعود. وقال: التوبة النصوح: أن يتوب ثم لا يرجع فيما تاب منه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه، كالمستهزئ بربه، وإن الرجل إذا قال: أستغفرك وأتوب إليك، ثم عاد ثم قالها ثم عاد ثلاث مرات كتبت في الرابعة من الكبائر". وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: كن وصي نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك، كيف تلومهم أن يضيعوا وصيتك وقد ضيعتها في حياتك؟ وأنشد بعضهم يقول: تمتع إنما الدنيا متاع ... وإن دوامها لا يستطاع وقدم ما ملكت وأنت حي ... أمير فيه متبع مطاع ولا يغررك من توصى إليه ... فقصر وصية المرء الضياع وقال آخر: إذا مات كنت متخذًا وصيًا ... فكن فيما ملكت وصى نفسك ستحصد ما زرعت غدًا وتجنى ... إذا وضع الحساب ثمار غرسك (فصل آخر: في ذلك) عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: "إن الرجل موكل به ملكان أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله، صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد
পৃষ্ঠা - ২৫৪
حسنة كتب له صاحب اليمين عشرًا، فإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين أمسك عنه فيمسك عنه ست ساعات من النهار أو سبعًا، فإن استغفر الله تعالى منها لم يكتب عليه شيئًا، وإن لم يستغفر كتب عليه سيئة واحدة". وفي لفظ آخر: "إن العبد إذا أذنب لم يكتب عليه حتى يذنب ذنبًا آخر فإذا اجتمعت عليه خمسة من الذنوب فإذا عمل حسنة واحدة كتب له خمس حسنات وجعل الخمس بإزاء خمس سيئات، فيصيح عند ذلك إبليس لعنة الله ويقول: كيف لي أن استطيع على ابن آدم فإني وإن اجتهدت عليه يبطل بحسنة واحدة جميع جهدي". وروي يونس عن الحسن -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس من عبد إلا عليه ملكان، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد السيئة قال له صاحب الشمال: أكتبها؟ فيقول له صاحب اليمين: دعه حتى يعمل خمس سيئات، فإذا عمل خمس سيئات، قال صاحب الشمال أكتبها؟ فيقول صاحب اليمين: دعه حتى يعمل حسنة، فإذا عمل حسنة، قال له صاحب اليمين: قد أخبرنا بأن الحسنة بعشر أمثالها، فتعال نمحو خمسًا بخمس ونثبت له خمسًا من الحسنات، قال: فيصيح الشيطان عند ذلك فيقول: متى أدرك ابن آدم. وهذه الأحاديث موافقة لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82]. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "مكتوب حول العرش قبل آدم بأربعة آلاف عام {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} [طه: 82]. وموافقة لقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114]. وروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إذا تاب العبد وتاب الله عليه أنسى الله تعالى حفظته ما كان قد عمل من مساوئ عمله، وأنسى جوارحه ما عملت من الخطايا، وأنسى مقامه من الأرض، وأنسى مقامه من السماء فيجئ يوم القيامة وليس عليه شيء شهيد عليه".
পৃষ্ঠা - ২৫৫
وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له ... " وفي لفظ "ولو عاد في اليوم سبعين مرة". وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مرات، غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر". وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "ينظر الإنسان في كتابه يوم القيامة فيرى في أوله المعاصي وفي آخره الحسنات، فإذا رجع إلى أول الكتاب رأى كل ذلك حسنات، وذلك قوله تعالى: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: 70]. وهذا هو في حق التائب الذي ختم الله له بالتوبة والإنابة. وقال بعض السلف: إن العبد إذا تاب من الذنوب صارت الذنوب الماضية كلها حسنات. ولهذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: وليتمنين أناس يوم القيامة أن تكثر سيئاتهم، وإنما قال ذلك لما ذكر الله تعالى من تبديل السيئات بالحسنات لمن يشاء من عباده. وروى عن الحسن البصري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لو أخطأ أحدكم حتى يملأ ما بين السماء والأرض ثم تاب، تاب الله عليه". ولهذا جاء في الخبر: "يا ابن آدم لو لقيتني بقراب الأرض ذنوبًا لقيتك بقرابها مغفرة". (فصل آخر: في ذلك) وروى أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة، وإذا الفساق قد اجتمعوا في دار رجل منهم وهم يشربون الخمر، ومعهم مغن يقال له زاذان كان يضرب بالعود ويغنى بصوت حسن، فلما سمع ذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله تعالى كان أحسن، وجهل رداءه على رأسه ومضى، فسمع ذلك الصوت زاذان، فقال: من هذا؟
পৃষ্ঠা - ২৫৬
قالوا: كان عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وأيش قال؟ قالوا: قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة القرآن كان أحسن، فدخلت الهيبة قلبه، فقام فضرب بالعود على الأرض فكسره، ثم أسرع حتى أدركه وجعل المنديل في عنق نفسه وجعل يبكى بين يدي عبد لله فاعتنقه عبد الله وجعل يبكي كل واحد منهما، ثم قال عبد الله -رضي الله عنه-: كيف لا أحب من قد أحبه الله؟ فتاب من ضربه بالعود، وجعل يلازم عبد الله حتى تعلم القرآن وأخذ الحظ الوافر من العلم حتى صار إمامًا في العلم، وقد جاء في كثير من الأخبار روي زاذان عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وروي زاذان عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه-. وفي الإسرائيليات مروى أنه كانت امرأة بغية مغنية مفتنة للناس بجمالها، وكان باب دارها أبدًا مفتوحًا وهي قاعدة على السرير بحذاء الباب فكل من مر بها ونظر إليها افتتن بها واحتاج إلى عشرة دنانير أو أكثر من ذلك حتى تأذن له بالدخول عليها، فمر على بابها ذات يوم عابد من عباد بني إسرائيل فوقع بصره عليها في الدار وهي قاعدة على السرير فافتتن بها وجهل يجادل نفسه حتى أنه يدعو الله تعالى أن يزول ذلك عن قلبه، فلم يزل ذلك عن نفسه، ولم يملك نفسه حتى باع قماشًا كان له، فجمع من الدنانير ما يحتاج إليه، فجاء إلى بابها فأمرته أن يسلم الذهب إلى وكيل لها وواعدته لمجيئه، فجاء إليها لذلك الوعد وقد تزينت وجلست في بيتها على سريرها، فدخل عليها العابد وجلس معها على السرير، فلما مد يديه إليها وانبسط معها، تداركه الله برحمته ببركة عبادته المتقدمة، فوقع في قلبه أن الله تعالى يراني في هذه الحالة من فوق عرشه، وأنا في الحرام وقد حبط عملي كله، فوقعت الهيبة في قلبه، فارتعد في نفسه، وتغير لونه، فنظرت إليه المرأة فرأته متغير اللون، فقالت له: أيش أصابك يا رجل؟ فقال: إني أخاف الله ربي، فأذني لي بالخروج، فقالت له: ويحك إن كثيرًا من الناس يتمنون الذي وجدته فأيش هذا الذي أنت فيه؟ فقال: إني أخاف الله جل ثناؤه وإن المال الذي دفعته إلى وكيلك هو لك حلال، فأذني لي بالخروج، فقالت له: كأنك لم تعمل هذا العمل قط؟ قال: لا، فقالت له: من أين أنت وما اسمك؟ فأخبرها أنه من قرية كذا واسمه كذا، فأذنت له بالخروج من عندها، فخرج وهو يدعو بالويل والثبور ويبكي على نفسه، فوقعت الهيبة في قلب المرأة ببركة ذلك العابد، فقالت في نفسها: إن هذا الرجل أو ذنب أذنب فدخل عليه من الخوف ما دخل، وإني قد أذنبت منذ كذا وكذا سنة،
পৃষ্ঠা - ২৫৭
وإن ربه الذي خاف منه هو ربي، فينبغي أن يكون خوفي أشد من خوفه، فتابت إلى الله وغلقت الباب على الناس ولبست ثيابًا خلقًا وأقبلت على العبادة، فكانت في عبادتها ما شاء الله تعالى، فقالت في نفسها: إني لو انتهيت إلى ذلك الرجل لعله يتزوجني، فأكون عنده وأتعلم منه أمر ديني ويكون عونًا لي علي عبادة ربي، فتجهزت وحملت من الأموال والخدم ما شاء الله، وانتهت إلى تلك القرية وسألت عنه، فأخبروا العابد أنه قدمت امرأة تسأل عنك، فخرج العابد إليها، فلما رأته المرأة كشفت عن وجهها لكي يعرفها، فلما رآها العابد وعرف وجهها وتذكر الأمر الذي كان بينه وبينها صاح صيحة فخرجت روحه. فبقيت المرأة حزينة وقالت في نفسها: إني خرجت لأجله وقد مات فهل له أحد من أقربائه يحتاج إلى امرأة، فقالوا لها: له أخ صالح لكنه معسر لا مال له، فقالت: لا بأس به، فإن لي مالًا يكفينا، فجاء أخوه فتزوج بها، فولدت له سبعًا من البنين (كلهم صاروا أنبياء في بني إسرائيل). فانظر إلى بركة الصدق والطاعة وحسن النية كيف هدى الله زاذان بعبد الله بن مسعود لما كان صادقًا حسن السريرة فلا يصلح بك الفاسد حتى تكون أنت صالحًا في ذات نفسك، خائفًا لربك إذا خلوت، مخلصًا له إذا خالطت، غير مراء للخلق في حركاتك وسكناتك، موحدًا لله عز وجل في ذلك كله، فحينئذ يزاد في توفيقك وتسديد وتحفظ عن الهوى والإغواء من شياطين الجن والإنس والمنكرات كلها والفساق والبدع والضلالات أجمع، فزال بك المنكر من غير تكلف، ومن غير أن يصير المعروف منكرًا، كما هو في زماننا، ينكر أحدهم منكرًا واحدًا فيتفرع منه منكرات جمة وفاسد عظيم من السب والقذف والضرب والكسر وتخريق الثياب وإفساد الأموال، وكل ذلك لقلة صدقهم ونقصان إيمانهم ويقينهم وغلبة أهويتهم عليهم. فالمنكر فيهم بعد وفرض إزالته متوجه عليهم وبأنفسهم شغل طويل وهم ينكرون على الغير فيتركون الفرض العين ويتعلقون بالفرض على الكفاية، ويتركون ما يعنيهم ويشتغلون بما لا يعنيهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". من أراد أن يزول به المنكر بسرعة، فعليه بالإنكار على نفسه والوعظ لها، ومنعها
পৃষ্ঠা - ২৫৮
وفطمها عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، فإذا تطهر من ذلك كله حينئذ اشتغل بغيره، فزال به المنكر بأحسن ما يكون من الوجوه، كما زال في حق عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. وانظر إلى بركة العبادة والصدق أيضًا في حق العابد كيف نجاه الله من البغية وارتكاب الكبيرة {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف: 24]. فالله تعالى حال بينه وبين تلك الفاحشة لما تقدم له من الصدق في الخلوات وحسن الطاعة فيما سلف من الأيام والساعات، ثم كيف نجى الله تعالى تلك البغية ببركة العابد، ثم كيف نالت بركته أخاه، فأزال الله فقره وجهده، وزوجه بأحسن النساء، وأغناه ورزقه من حيث لا يحتسب، وجعله أبا الأنبياء السبعة، وجعلها أمهم عليهم السلام. فالخير كله في الطاعة والشر كله في المعصية، فلا كانت المعصية ولا كنا إذا كنا من أهلها. (فصل) وإنما تعرف توبة التائب في أربعة أشياء: أحدها: أن يملك لسانه من الفضول والغيبة والنميمة والكذب. والثاني: ألا يرى لأحد في قلبه حسدًا ولا عداوة. والثالث: أن يفارق إخوان السوء، فإنهم هم الذين يحملونه على رد هذا القصد ويشوشون عليه صحة هذا العزم، ولا يتم له ذلك إلا بالمواظبة على المشاهدة التي تزيد بها رغبته في التوبة، وتوفر دواعيه على إتمام ما عزم عليها مما يقوى خوف ورجاءه، فعند ذلك تنحل من قلبه عقد الإصرار على ما هي عليه من قبيح الأفعال، فيقف عن تعاطي المحظورات، ويكبح لجام نفسه عن متابعة الشهوات فيفارق الزلة في الحال، ويبرم العزيمة على ألا يعود إلى مثلها في الاستقبال. والرابع: أن يكون مستعدًا للموت نادمًا مستغفرًا لما سلف من ذنوبه مجتهدًا في طاعة ربه. وقيل: علامة أنه مقبول التوبة أربعة أشياء. أولها: أن ينقطع عن أصحاب الفسق ويريهم هيبته من نفسه، ويخالط الصالحين.
পৃষ্ঠা - ২৫৯
والثاني: أن يكون منقطعًا عن كل ذنب مقبلًا على جميع الطاعات. والثالث: أن يذهب فرح الدنيا من قلبه، ويرى حزن الآخرة دائمًا في قلبه. والرابع: أن يرى نفسه فارغًا عما ضمن الله له، يعني الرزق، مشتغلًا بما أمر الله به. فإذا وجدت فيه هذه العلامات كان من الذين قال الله تعالى في حقهم: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222]. ووجب له على الناس أربعة أشياء: أولها: أن يحبوه لأن الله قد أحبه. والثاني: أن يحفظوه بالدعاء على أن يثبته الله تعالى على التوبة. والثالث: ألا يعيروه بما سلف من ذنوبه لما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من عير مؤمنًا بفاحشة فهو كفارة لها، وكان حقًا على الله تعالى أن يوقعه فيها، ومن عير مؤمنًا بجريرة لم يخرج من الدنيا حتى يركبها ويفتضح بها". ولأن المؤمن لا يقصد الوقوع في الذنب ولا يتعمده ولا يعتقده دينًا بتدين به، وإنما يكون ذلك فيه بتزيين الشيطان وفرط ضراوة الشهوة وشد الشبق وتراكم الغفلة والغرة، قال الله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7]. فقد أخبر أنه بغض إلى المؤمنين المعصية، فلا يجوز أن يعير بها إذا تاب وأناب، بل يدعى له بالثبات على التوبة والتوفيق والحفظ. والرابع: أن يجالسوه ويذاكروه ويعينوه. ويكرمه الله تعالى أيضًا بأربع كرامات: أحدها: أن يخرجه من الذنوب كأنه لم يذنب قط. والثانية: يحبه الله تعالى. والثالثة: ألا يسلط عليه الشيطان ويحفظه منه. والرابعة: أن يؤمنه من الخوف قبل أن يخرجه من الدنيا لأنه عز وجل قال: {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30].
পৃষ্ঠা - ২৬০
(فصل: في ذكر أقاويل شيوخ الطريقة في التوبة) قال أبو علي الدقاق رحمه الله: التوبة على ثلاثة أقسام: أولها: التوبة، وأوسطها: الإنابة، وآخرها: الأوبة. فالتوبة بداية والإنابة واسطة والأوبة نهاية. فإن من تاب لخوف العقوبة كان صاحب توبة، ومن تاب طمعًا في الثواب أو رهبة من العقاب كان صاحب إنابة، ومن تاب مراعاة للأمر لا لرغبة في الثواب أو رهبة من العقاب كان صاحب أوبة. وقيل أيضًا: التوبة: صفة المؤمنين، قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [ص: 30، 44]. وقال الجنيد رحمه الله تعالى: التوبة على ثلاثة معان: الأول: يندم. والثاني: يعزم على ترك المعاودة لما نهى الله عنه. والثالث: يسعى في أداء المظالم. وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: التوبة وترك التسويف. وقال الجنيد: سمعت الحارث يقول: ما قلت قط اللهم إني أسألك التوبة، ولكني أقول: أسألك شهوة التوبة. وقال الجنيد: دخلت على السري رحمه الله يومًا فرأيته متغيرًا، فقلت له: ما لك؟ فقال: دخل على شاب فسألني عن التوبة، فقلت له: إلا تنسى ذنبك، فعارضني وقال: بل التوبة أن تنسى ذنبك، فقلت: إن الأمر عندي على ما قاله الشاب، فقال: لم؟ قلت: لأني إذا كنت في حال الجفاء فنقلني إلى حال الوفاء، فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت. وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: التوبة ألا تنسى ذنبك. وقال الجنيد رحمه الله حين سئل عن التوبة: هي أن تنسى ذنبك. وتكلم أبو نصر السراج رحمه الله في المقالتين فقال: أشار سهل إلى أحوال المريدين
পৃষ্ঠা - ২৬১
والمتعرضين تارة لهم وتارة عليهم. فأما الجنيد فإنه أشار إلى توبة المحققين، فلا يذكرون ذنوبهم مما غلب على قلوبهم من عظمة الله تعالى ودوام ذكره. وقال: وهو مثل ما سئل رويم عن التوبة فقال: التوبة من التوبة. وقال ذو النون المصري رحمه الله: توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة. وقال أبو الحسين النوري رحمه الله: التوبة أن نتوب من كل شيء سوى الله عز وجل. قال عبد الله بن علي بن محمد التميمي رحمهم الله: شتان بين تائب يتوب من الزلات، وتائب يتوب من الغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات. وقال أبو بكر الواسطى رحمه الله: التوبة النصوح ألا يبقى على صاحبها أثر من المعصية سرًا ولا جهرًا، ومن كانت توبته نصوحًا لا يبالي كيف أمسى وأصبح. وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله في مناجاته: إلهي لا أقول تبت ولا أعود لما أعرف من خلقي، ولا أضمن ترك الذنوب لما أعرف من ضعفي، ثم إني أقول لا أعود لعلي أموت قبل أن أعود. وقال ذو النون رحمه الله: الاستغفار من غير إقلاع توبة الكذابين. وقال أيضًا رحمه الله: حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ثم تضيق عليك نفسك كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة: 118]. وقال ابن عطاء رحمه الله: التوبة توبتان: توبة الإنابة، وتوبة الاستجابة. فتوبة الإنابة: أن يتوب العبد خوفًا من عقوبته، وتوبة الاستجابة: أن يتوب حياء من كرمه. وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله: زلة واحدة بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها. وقال أبو عمرو الأنماطي رحمه الله: ركب علي بن عيسى الوزير في موكب عظيم فجعل الغرباء يقولون: من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق إلى متى تقولون من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فأبلاه الله بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك، فرجع إلى منزله واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها إلى أن مات.