القسم الثالث في المجالس
باب وأما الاتعاظ بمواعظ القرآن والألفاظ النبوية ففي مجالس نسوقها
مجلس في قوله -عز وجل-: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
পৃষ্ঠা - ১৮৭
باب وأما الاتعاظ بمواعظ القرآن والألفاظ النبوية ففي مجالس نسوقها
الأول من ذلك:
مجلس في قوله -عز وجل-: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]
اعلم أن هذه الآية في سورة النحل وهي مكية، إلا ثلاث آيات من آخرها أنزلت بالمدينة، وعدد آياتها مائة وعشرون آية وثمان آيات، وعدد كلماتها ألف وثمانمائة وإحدى وأربعون كلمة، وحروفها سبعة آلاف وسبعمائة وتسعة أحرف.
قال أهل التفسير: كان سبب نزول هذه الآية: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة النجم وقرأ والليل إذا يغشى ...} [الليل: 1] في صلاة الفجر بمكة أعلنهما فلما بلغ إلى قوله: {أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19 - 20] نعس النبي -صلى الله عليه وسلم- فألقى الشيطان على لسانه «الغرانيق العلا عندها الشفاعة ترتجى» يعني الأصنام.
قال: ففرح المشركون بذلك، لأنهم اثبتوا لها الشفاعة، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، كما قال الله -عز وجل-: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3].
وكانوا يقولون إنها أجسام طاهرة ليس لها ذنوب، فهي أولى بالعبادة لها من غيرها من الملوك والملائكة، لأن لهم ذنوبًا وهم ذوو أرواح، فشبهوا الأصنام بالغرانيق، وهي الذكور من الطيور، وإحداها: غرنوق وغرنيق، لكونها تعلو وترتفع في السماء.
وقيل: هو طائر أبيض من طير الماء.
وقيل: هو الكركي.
ويسمى أيضًا الشاب الناعم غرنوقًا. ومنه حديث علي -رضي الله عنه-: فكأني انظر إلى غرنوق من قريش يتشحط في دمه: أي شاب.
وقال مقاتل: يعني الملائكة رجوا أن تكون للملائكة شفاعة، لأن طائفة من الكفار
পৃষ্ঠা - ১৮৮
كانت تعبد الملائكة، فلما بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- خاتمة النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا شيخًا كبيرًا، فرفع ملء كفه من التراب إلى جبهته فسجد عليه، فقال: نحني كما تحني أم أيمن وصواحباتها، وكان أيمن خادم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقتل يوم حنين.
فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك، وهما من سجع الشيطان وفتنته ألقاهما على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند آخر ذكر الطواغيت والأصنام.
فعجب الفريقان كلاهما من سجودهم أجمعين، واتباعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين، وأما المشركون فطابت أنفسهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، لما سمعوا منه ما ألقى الشيطان في أمنيته واستبشروا وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فسجدوا تعظيمًا لآلهتهم، ففشت الكلمتان في الناس بإظهار الشيطان حتى بلغتنا الحبشة، فكبر ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أمسى أتاه جبريل -عليه السلام- وقال: معاذ الله من هاتين الكلمتين ما أنزلهما ربي -عز وجل- ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شق عليه وقال: أطعت الشيطان وتكلمت بكلامه، وأشركته في أمر الله -عز وجل-، فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأنزل عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 52] يعني في تلاوته وقراءته {فينسخ الله ما يلقي الشطيان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم} [الحج: 52].
فلما برأ الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- من سجع الشيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم، ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة فأنزل الله -عز وجل- {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النجل: 98].
قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يعني احترز بالله من الشيطان الرجيم: أي إبليس اللعين، يعني المرجوم باللعنة، يقال: ليس شيء قط أغيظ على إبليس اللعين من التعوذ بالله منه {إنه ليس له سلطان} [النحل: 99] يعني ملكًا {على الذين آمنوا} [النحل: 99] في علم الله في الشرك فيضلهم عن الهدى {وعلى ربهم يتوكلون} [النحل: 99] يعني بالله يثقون {إنما سلطانه} [النحل: 100] يعني ملكه {على الذين يتولونه} [النحل: 100] يعني إبليس
পৃষ্ঠা - ১৮৯
اللعين، يعني يتبعونه على أمره فيضلهم عن دينهم الإسلام {والذين هم به} [النحل: 100] يعني بالله {مشركون} [النحل: 100] أي من أجله مشركون.
(فصل) ومعنى أعوذ: الاستعاذة والاستجارة والالتجاء والمعاذ والملتجأ، يقال: عاذ به يعوذ عياذًا وأعوذ عوذًا، ومعنى معاذ الله: أي ألجأ إليه وأعوذ به. يقال: هذا عوذ لي مما أخاف، أي مجيري والدافع عني، فكان العبد يعوذ بالله ليقيه شر الشيطان، والتعوذ بالقرآن هو التشفي به.
وقيل: معنى الاستعاذة: الاحتراز بالله -عز وجل-، قال الله تعالى حاكيًا عن أم مريم حنة: {وإني أعيذها بك وذريتها} [آل عمران: 36] يعني مريم وعيسى {من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36] يعني احترز بالله في حقهما من الشيطان الرجيم.
واشتقاق الشيطان مأخوذ من الشطن وهو الحبل الطويل المضطرب، والشطن: البعد، فكأنه تباعد من الخير وطال في الشر واضطرب فيه، ثم قيل للإنسان شيطان: أي كالشيطان في فعله، وكل شيء مستقبح فهو مشبه بالشيطان، فيقال كأن وجهه وجه الشيطان، وكأن رأسه رأس الشيطان، ومنه قوله -عز وجل-: {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} [الصافات: 65] فهو رأس الشيطان المعروف، وقد قيل هي حيات لها رؤوس منكرة وأعراف، وقيل رؤوس الشياطين ثبت معروف.
وأما الرجيم: فهو المرجوم باللعن، أي رماه باللعن وأبعده من الحضرة بعصيانه في ترك السجود لآدم -عليه السلام-، ورجمته الملائكة بالرماح وطردته بها حينئذ من السماء إلى الأرض، ثم جعلت له الكواكب رجومًا، فيرجم هو وذريته إلى أن تقوم الساعة بالكواكب، وباللعن. كما قال الله -عز وجل-: {وجعلناها رجومًا للشياطين} [الملك: 5].
(فصل) الشيطان بعيد من الله، وبعيد من كل خير، وبعيد من الجنة، وقريب إلى النار.
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته الكرام بالتعوذ من الشيطان الرجيم، المبعد من الرحمن ليبعدوا من النيران، ويقربوا إلى الجنان، وينظروا إلى وجه المنان.
فكان الله -عز وجل- يقول: يا عبدي، الشيطان مني بعيد، وأنت مني قريب، فأحسن الأدب في حفظ الحال حتى لا يكون للشيطان عليك سبيل لسبب من الأسباب، وحسن الأدب في أداء الأمر وانتهاء النهي والرضا بجريان المقدور في النفس والمال والأهل والولد والخلائق أجمعين.
পৃষ্ঠা - ১৯০
فإذا دام العبد على ذلك ولازمه وواظب عليه وعانقه، كانت له النجاة من فتن الشيطان ووساوسه، وهواجس النفس وغوائلها، وعذاب القبر وضغطته، وهول القيامة وشدتها، وألم النار وزفرتها، وكان في جوار الله في جنة المأوى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، متقلبًا في نعم الله في كل حال، دائمًا أبدًا، قال الله -عز وجل-: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42].
فإذا كان على العبد سمة العبودية للملك الأعلى، لم يكن للشيطان الضعيف الخسيس الأدنى عليه تسلط وابتلاء ولا في الجلوة ولا إذا خلا، لا على القلب بالمعصية إذا نوى، ولا على الجوارح إذا كادت بها أن تهوى وتردى.
حينئذ يسمع النداء هكذا فعلنا بمن ترك الهوى، واتبع الحق وبه اهتدى، وفيه يختصم الملأ الأعلى، وبالعظيم يدعى في الملكوت الأعلى، وبه يباهى الملك الأعلى على العرش إذ هو عليه استوى، بكلامه القديم، المصون من سجع الشيطان والباطل عند قراءة القارئ إذا قرأ: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف: 24] إذ هو السر والعلانية اتقى، فالفرار من الشيطان الرجيم ودعائه أحرى وأولى، إذ الحذر من العلي الأعلى حيث قال: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6}، وقال تعالى: {ولقد أضل منكم جبلًا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون} [يس: 62].
فاتباع الشيطان أصل كل شقاوة وعناء وفي المخالفة سعادة ونعماء وراحة وهدى، والخلود في دار البقاء.
(فصل) ويستفيد العبد بالاستعاذة خمسة أشياء:
أحدها: الثبات على الدين والبقاء.
والثاني: السلامة من شر اللعين والعناء.
والثالث: الدخول في الحصن الحصين والزلفى.
والرابع: الوصول إلى اللقاء الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
والخامس: نيل معونة رب الأرض والسماء.
كما ذكر في بعض الكتب المتقدمة لما قال إبليس اللعين في مخاطبته لله -عز وجل-: {لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 17].
পৃষ্ঠা - ১৯১
قال الله تعالى: «وعزتي وجلالي لآمرنهم بالاستعاذة فإذا استعاذوا بي حفظتهم عن اليمين بالهداية، وعن الشمال بالعناية، وعن الخلف بالعصمة، وعن القدام بالنصرة، حتى لا تضرهم وسوستك يا ملعون».
ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من استعاذ بالله مرة حفظه الله تعالى في يومه ذلك».
وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «أغلقوا أبواب المعاصي بالاستعاذة وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية».
وقيل: إن إبليس يبعث كل يوم ثلاثمائة وستين عسكرًا لإضلال المؤمن، فإذا استعاذ المؤمن بالله -عز وجل- نظر الله إلى قلبه ثلاثمائة وستين نظرة، ففي كل نظرة من نظراته يهلك عسكرًا من عساكره -لعنه الله-.
(فصل) والذي يخاف الشيطان منه ويحذره الاستعاذة، وشعاع نور معرفة قلوب العارفين، فإن لم تكن من العارفين فعليك باستعاذة المتقين إلى الله ترقى إلى درجة العارفين، فحينئذ شعاع نور قلبك يكسر شوكته، ويهزم جنده ويبيد حضراه، ويقلع شافته في خاصتك، وربما جعلت سجنه لإخوانك وأتباعك، كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «إن الشيطان يفر من ظلك يا عمر».
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما سلك عمر واديًا إلا والشيطان سلك غير ذلك الوادي».
وقيل: إن الشيطان كان يصرع إذا رأى عمر -رضي الله عنه-.
فإذا علم الشيطان من العبد الصدق في عداوته والمخالفة لدعوته أيس منه وتركه واشتغل بغيره.
وإنما يأتيه لمًا أحيانًا على وجه الاختفاء والتلصص، فليكن العبد أبدًا ملازمًا للصدق مستيقظًا مرتقبًا لمجيء الشيطان وكيده، فإن مثقبه دقيق، وعداوته قديمة أصلية، وإنه يجري في الجلود واللحوم كجري الدم في العروق.
وقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول بعد كبره: اللهم إني أعوذ بك من أن أزني أو أقتل، فقيل له: أتخاف من ذلك؟ فقال كيف لا أخاف وإبليس حي.
পৃষ্ঠা - ১৯২
(فصل) وأولى ما يستعان به على محاربة الشيطان ودفعه كلمة الإخلاص، وذكر المرء ربه -عز وجل-.
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حاكيًا عن ربه -عز وجل- أنه قال: «لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي».
وقوله عليه الصلاة والسلام: «من قال لا إله إلا لله مخلصًا دخل الجنة».
فالشيطان سبب العذاب، فإذا قال العبد الكلمة وتقمص بموجباتها من أداء الأوامر وترك النواهي، فرآه الشيطان متلبسًا بذلك، تباعد منه ولم يقدم عليه، فنجا العبد من فتنته كما ينجو بجنة القتال من سلاح عدوه.
وكذلك التسمية يكثر ذكرها، فإنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه سمع رجلًا يقول تعس الشيطان فقال له عليه الصلاة والسلام: لا قتل هكذا، فإنه يتعاظم الشيطان اللعين ويقول: بعزتي غلبتك، ولكن قل: بسم الله، فإنه يتصاغر الشيطان حتى يصير مثل الذرة».
وكذلك يستعان عليه بترك الطمع فيما سوى فضل الله -عز وجل- من أبناء الدنيا وأموالهم وحمدهم وثنائهم وجمعهم والتكثر بهم وهداياهم، فإن الدنيا وأبناءها مال الشيطان وجنوده وحزبه، والمرء مع ماله والملك مع جنده.
فعلى العبد اليأس من ذلك كله، والاستغناء بالله -عز وجل- والثقة به، والتوكل عليه والرجوع إليه في جميع أموره وأحواله واستعمال الورع من الحرام والشبهة وترك منة الخلق والتقلل من مباح الدنيا وحلالها، والأكل بشهوة وشره كحاطب الليل من غير مفتيش وتنقير، ومن لم يبال من أين مطعمه ومشربه لم يبال الله تعالى من أي أبواب النار يدخله.
فيلزم العبد ذلك حتى ييأس الشيطان منه، فيسلم برحمة الله وعونه، فإن لم يفعل ذلك فالشيطان قرينه في قلبه وصدره، قال الله -عز وجل-: {ومن يعش عن ذكر الرحمن
পৃষ্ঠা - ১৯৩
نقيض له شيطانًا فهو له قرين} [الزخرف: 36].
فتارة يوسوسه في الصلاة، وأخرى يمنيه الأماني الباطلة من شهوات النفس المحرمة منها والمباحة، ومرة يثبطه عن المسارعة في الخيرات، والإتيان بالسنن والواجبات، والعبادات والقربات، فيخسر الدنيا والآخرة، فيحشر معه، وربما سلب الإيمان في آخر عمره فيخلد معه في النار يوم القيامة، مع فرعون وهامان وقارون، نعوذ بالله من سلب الإيمان، ومتابعة الشيطان في السر والإعلان.
(فصل) روى مقاتل عن الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: راح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات عشية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسلمان وعمار بن ياسر -رضي الله عنهم أجمعين-، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أخذته الرحضاء، يعني عرق الحمى، يتحدر منه مثل الجمان، يعني اللؤلؤ، ثم مسح جبهته وقال: لعن الله الملعون ثلاثًا، ثم أطرق، فقال له علي -رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمي من لعنت آنفًا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: إبليس الخبيث، عدو الله دخل ذنبه في دبره، فباض سبع بيضات، فهم أولاده الموكلون ببني آدم:
أحدهم: اسمه المدهش وكل بالعلماء، يردهم إلى الأهواء المختلفة.
والثاني: اسمه حديث، وهو صاحب الصلاة، فينسيهم الذكر، ويعبثهم بالحصا، ويطرح عليهم التثاؤب والنعاس حتى ينام أحدهم فيقال له: قد نمت، فيقول: لم أنم، فيدخل في الصلاة بغير وضوء، والذي نفس محمد بيده ليخرجن أحدهم من صلاته ما له شطرها ولا ربعها ولا عشرها، ووزرها أكثر من أجرها.
والثالث: اسمه الزلبنون، وهو صاحب الأسواق، يأمرهم بالتطفيف والكذب في الشراء والبيع والتحلية لسلعه، والمدحة لها إذا باعها حتى ينفقها عن نفسه.
والرابع: اسمه بتر، وهو صاحب قد الجيوب وخمش الوجوه، والدعاء بالويل والثبور عند نزول المصيبة، حتى يحبط أجر صاحبها.
والخامس: اسمه منشوط، وهو صاحب أخبار الكذب والنميمة والهمز والفخر حتى يؤثم العباد.
পৃষ্ঠা - ১৯৪
والسادس: اسمه واسم، وهو صاحب الزنا الذي ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة حتى يزني كل واحد منهما بصاحبه.
والسابع: اسمه الأعور، وهو صاحب السرقة، يقول للسارق: لتسد بها فاقتك، وتقضي بها دينك، وتستر بها عورتك ثم تتوب.
فينبغي لكل مؤمن ألا يغفل عن الشيطان في سائر أحواله، ولا يأمنه في جميع أموره.
وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن للوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاستعيذوا بالله منه».
وجاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تراصوا في الصفوف لئلا يتخللكم الشياطين كأنها بنات حذف».
قالوا: وما بنات حذف؟ قال أبو حذيفة: قال أبو عبيدة هي هذه الغنم الصغار الحجازية، واحدتها: حذفة.
ويقال نقد أيضًا، ونقاد ليس لها أذناب ولا آذان يجاء بها من جرش، بلد باليمن.
وقد روي عن عثمان بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: قلت يا رسول الله كيف حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ذاك شيطان يقال له خنزب إذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: «ما منكم من أحد إلا وله شيطان، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ولا أنا إلا أن الله تبارك وتعالى قد أعانني عليه فأسلم».
وفي حديث آخر عنه -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ولا أنا إلا أن الله قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
পৃষ্ঠা - ১৯৫
وقيل: إن الله لما لعن إبليس، خلق منه زوجته الشيطانة من ضلعه الأيسر، كما خلقت حواء من آدم -عليه السلام-، فغشيها فحملت منه إحدى وثلاثين بيضة، فصارت أصلًا لذريته، فتفرعت الذرية عنها، فطبقت البر والبحر حتى قيل: فقصت كل بيضة عشرة آلاف ذكر وأنثى، يعني تفرعت منها، فسكنوا الجبال والجزائر والخرابات والفلوات والبحار والرمال والأدغال والآجام والعيون ومجامع الطرق والحمامات والكنف والمزابل والهواء ومعارك الحروب والنواقيس والقبور والدور والقصور وخيام الأعراب وجميع البقاع قال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلًا} [الكهف: 50].
فويل لمن استبدل بعبادة الله -عز وجل- طاعة الشيطان وذريته، لا جرم أنه معهم في النار خالدًا فيها إن لم يتب ولم يتذكر فينتبه لنفسه ويسعى في فكاكها وخلاصها، فيفارق قرناء السوء والأعمال الخبيثة، ودعاة الضلال وجنود الشيطان، فيرجع إلى الله، ويلزم طاعته، ويجالس العلماء من عباده، والعارفين به العاملين له الداعين إليه الراغبين فيه، والراجين لفضله الخائفين لسطوته، الراهبين من أخذته الزاهدين في الدنيا، الراغبين في العقبى، القائمين في الليل، والصائمين في النهار، الباكين على ما فات من أيام البطالات، العازمين على الخيرات فيما يأتي من الساعات، التائبين من جميع الذنوب والخطيئات، المتوكلين على خالق الأرض والسموات، الواثقين برب الخليقة والبريات في اللحظات والساعات، القانتين في آناء الليل وأطراف النهار، أولئك آمنون من السلاسل والأغلال وآفات الدنيا وأهوال النيران، لأنهم خالفوا طاعة الشيطان، وأطاعوا الرحمن في السر والإعلان، فقابلهم الديان، وجازاهم المنان بما أخبر في قوله البيان: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا} [الإنسان: 11 - 12]، وقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عن مليك مقتدر} [القمر: 54 - 55]، وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46].
وقد ذكر الله -عز وجل- في كتابه هذا العبد المفتون بعد تقواه بقوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201].
فأخبر -عز وجل- أن جلاء القلوب بذكر الله وبه يزول عنها الغطاء والظلمة والرين والغفلة، وبه تنكشف الكروب، فالذكر مفتاح التقوى والورع، والتقوى باب الآخرة،
পৃষ্ঠা - ১৯৬
كما أن الهوى باب الدنيا، قال الله تعالى: {واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} [البقرة: 63] فأخبر تبارك وتعالى أن الإنسان بالذكر يتقى.
(فصل) وفي القلب لمتان: لمة من الملك، وهي إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة من العدو، وهي إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، ونهي عن الخير، وهو مروي عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: وإنما هما همان يجولان في القلب: هم من الله، وهم من العدو، فرحم الله عبدًا قف عند همه، فما كان من الله أمضاه، وما كان من عدوه جاهده.
وقال مجاهد -رحمه الله- في قوله تعالى: {من شر الوسواس الخناس} [الناس: 4] قال: هو ينبسط على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس وانقبض، وإذا غفل انبسط على قلبه.
وقال مقاتل -رحمه الله-: هو الشيطان في صورة خنزير معلق في القلب في جسد ابن آدم، يجري منه مجرى الدم، سلطه الله -عز وجل- على ذلك من الإنسان، فذلك قوله: {الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5].
فإذا سها ابن آدم وسوس في قلبه حتى يبتلع قلبه الخناس، الذي إذا ذكر الله -عز وجل- ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه وخرج من جسده.
وقال عكرمة -رحمه الله-: الوسواس محله من الرجل في فؤاده وعينيه، ومحله في المرأة في عينيها إذا أقبلت، وفي عجيزتها إذا أدبرت.
(فصل) وفي القلب خواطر ستة:
أحدها: خاطر النفس.
الثاني: خاطر الشيطان.
الثالث: خاطر الروح.
الرابع: خاطر الملك.
الخامس: خاطر العقل.
السادس: خاطر اليقين.
فخاطر النفس يأمر بتناول الشهوات ومتابعة الهوى المباح منه والجناح.
পৃষ্ঠা - ১৯৭
وخاطر الشيطان يأمر في الأصل بالكفر والشرك والشكوى والتهمة لله -عز وجل- في وعده، وفي الفزع بالمعاصي والتسويف بالتوبة، وما فيه هلاك النفس في الدنيا والآخرة.
فالخاطران مذمومان محكوم لهما بالسوء، وهما لعموم المؤمنين.
وخاطر الروح، وخاطر الملك: يردان بالحق والطاعة لله -عز وجل-، وما يكون عاقبته سلامة الدنيا والآخرة، وما يوافق العلم.
فهما محمودان لا يعدمهما خصوص الناس.
وأما خاطر العقل، فتارة يأمر بما تأمر به النفس والشيطان، وآخرى بما يأمر به الروح والملك، وذلك حكمة من الله وإتقان لصنعه، ليدخل العبد في الخير والشر بوجود معقول، وصحة شهود وتميز، فيكون عاقبة ذلك من الجزاء والعقاب عائدًا له وعليه، لأن الله تعالى جعل الجسم مكانًا لجريان أحكامه، ومحلًا لنفاذ مشيئته في مباني حكمته، كذلك جعل العقل مطية الخير والشر، يجري معهما في خزانة الجسم إذا كان مكانًا للتكليف وموضعًا للتصريف، وسببًا للتعريف العائد إلى لذة النعيم أو عذاب أليم.
وأما خاطر اليقين، وهو روح الإيمان ومورد العلم، فيرد من الله تعالى، ويصدر عنه.
وهو مخصوص بخواص من الأولياء الموقنين الصديقين، والشهداء والأبدال، لا يرد إلا بحق، وإن خفي وروده ودق مجيئه، ولا ينقدح إلا بعلم لدني وأخبار والغيوب وأسرار الأمور، فهو للمحبوبين والمرادين والمختارين الفانين بالله فيه عنهم، الغائبين عن ظواهرهم، الذين انقلبت عبادتهم الظاهرة إلى الباطنة، ما خلا الفرائض والسنن المؤكدات، فهؤلاء أبدًا في مراقبة بواطنهم، والله تعالى يتولى تربية ظواهرهم، كما قال -عز وجل- في كتابه العزيز: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196] تولاهم وكفاهم، وأشغل قلوبهم بمطالعة أسرار الغيوب، ونورها بالتجلي في كل قريب، فاصطفاهم لمحادثته، واختصهم بالأنس به، والسكون إليه، والطمأنينة لديه، فهم في كل يوم في مزيد علم ونمو ومعرفة، وتوفير نور، وقرب من محبوبهم ومعبودهم، وهم في نعيم لا نفاد له، وآلاء لا انقطاع لها، وسرور لا غاية له ولا
পৃষ্ঠা - ১৯৮
منتهى، فإذا بلغ الكتاب أجله، وانتهى ما قدر لهم من البقاء في دار الفناء، نقلهم منها بأحسن الانتقال، كما ينقل العروس من حجرة إلى دار، من الأدنى إلى الأعلى، فالدنيا في حقهم جنة، وفي الآخرة لأعينهم قرة، وهو النظر إلى وجهه الكريم من غير حجاب ولا باب ولا حاجب ولا بواب، ولا مانع ولا جداد، ولا من ولا امتنان، ولا ضيم ولا إضرار، ولا انقطاع ولا نفاد، كما قال عز من قائل: {إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 54 - 55]، وكما قال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26].
أحسنوا في الدنيا له بالطاعة، فجازاهم في العقبى بالجنة والكرامة، وأعطاهم النعمة والسلامة، وزادوا له بتطهير القلوب وترك العمل لما سواه، فجازاهم سبحانه وتعالى بالزيادة في دار البقاء والمنة، وهو دوام النظر إلى وجهه الكريم، كما أخبر في كتابه المبين لعباده أولى الألباب والعقول.
(فصل) وللنفس والروح مكانان لإلقاء الملك والشيطان، فالملك يلقى التقوى إلى القلب، والشيطان يلقي الفجور إلى النفس، فتطالب النفس القلب باستعمال الجوارح بالفجور.
وفي مكانين في البنية: العقل والهوى: يتصرفان بمشيئة حاكم، وهو التوفيق والإغواء.
وفي القلب نوران ساطعان: وهما العلم، والإيمان.
فجميع ذلك أدوات القلب وحواسه وآلاته، والقلب في وسط كالملك وهذه جنوده تؤدي إليه، أو كالمرأة المجلودة، وهذه الآلات حولها تظهر فيراها ويقدح فيها فيجدها.
(فصل) أعوذ برب العرش والكرسي من الشيطان الغوي، وخواطر السوء وهواجس النفس، ومن فتنة كل جني وإنسي، ومن رياء ونفاق وعجب وكبر وشرك وخلال السوء الناشئة في قلبي، ومن كل شهوة ولذاة مردية في المهالك نفسي، ومن البدع والضلال والأهوية المسلطة للنيران على جسمي، ومن كل قول وفعل وهمة تحجب عن القلوب العرشية قلبي، ومن اتباع الأهوية المضلة والطبائع النفسية والأخلاق الردية أعوذ بالملك الحميد المجيد من الشيطان الخبيث المريد، أعوذ بالرب الودود من نقمته إذا غفلت عن طاعته إذ هو أقرب إلي من حبل الوريد، أعوذ به من سطوته إذا غضب على أهل
পৃষ্ঠা - ১৯৯
معصيته، أعوذ به من هيبته عند شدة بطشه في يوم القيامة للطاغين من بريته، وأعوذ به من كشف الغطاء والستر والتيهان في معصيته في البر والبحر، ونسيان الأصل والفرع، والميل إلى الزيغ والرعونة والخيلاء والكبر، وترك الطاعة والقربة والبر والتعالي عليه، والأيمان الكاذبة، والحنث دون البر، وخاتمة السوء والإفلاس من كل خير، والموافاة عند حضور المنية بالشر.
(فصل) ومجاهدة الشيطان باطنة وهي بالقلب والجنان والإيمان، فإذا جاهدته كان مددك الرحمن، ومعتمدك الملك الديان، ورجاؤك رؤية وجه الجليل المنان.
وجهاد الكفار جهاد ظاهر بالسيوف والرماح، ومددك فيه الملك والأعوان، ورجاؤك فيه دخول الجنان.
فإذا قتلت في مجاهدة الكفار كان جزاؤك الخلود في دار البقاء، وإن قتلت في مجاهدة الشيطان ومخالفتك إياه بفناء أجلك واخترام منيتك كان جزاؤك رؤية وجه رب العالمين عند اللقاء، فإن قتلك الكافر كنت شهيدًا، وإن قتلك الشيطان بمتابعتك إياه، والانقياد لأمره كنت من قرب الملك الجبار طريدًا، فجهاد الكفار له نهاية وفناء، وجهاد الشيطان والنفس لا غاية له ولا منتهى.
قال الله جل وعلا: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] يعني الموت واللقاء.
فالعبادة بمخالفة الشيطان والهوى، قال الله -عز وجل-: {فكبكوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون} [الشعراء: 94 - 95].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رجع من غزوة تبوك: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
عني به -صلى الله عليه وسلم- مجاهدة الشيطان والنفس والهوى لمداومتها وطول ممارستها وخطرها والخوف من سوء خاتمتها.
* * *