القسم الثاني في العقائد
পৃষ্ঠা - ১১১
القسم الثاني في العقائد
পৃষ্ঠা - ১১৩
باب في معرفة الصانع عز وجل
نقول: أما معرفة الصانع عز وجل بالآيات والدلالات على وجه الاختصار، فهي:
أن يعرف ويتيقن أن الله واحد أحد فرد صمد، {لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 3 - 4]، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] لا شبيه له ولا نظير، ولا عون ولا ظهير، ولا شريك ولا وزير، ولا ند ولا مشير، ليس بجسم فيمس، ولا بجوهر فيحس، ولا عرض فيقضى، ولا ذي تركيب أو آلة وتأليف، أو ماهية وتحديد.
وهو الله للسماء رافع، وللأرض واضع، لا طبيعة له من الطبائع، ولا طالع له من الطوالع، ولا ظلمة تظهر، ولا نور يزهر، حاضر الأشياء علمًا، شاهد لها من غير مماسة، قاهر حاكم قادر، راحم غافر، ساتر معز ناصر، رؤوف خالق فاطر، أول آخر، ظاهر باطن، فرد معبود، حي لا يموت، أزلي لا يفوت، أبدي الملكوت سرمدي الجبروت، قيوم لا ينام، عزيز لا يضام، منيع لا يرام، له الأسماء العظام والمواهب الجسام، قضى بالفناء على جميع الأنام فقال: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26 - 27].
وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرض إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة: 5].
خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعًا لأطاعوه، يعلم السر وأخفى، عليم بذات الصدور، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14].
هو المحرك، هو المسكن، لما تتصوره الأوهام ولا تقدره الأذهان، ولا يقاس بالناس،
পৃষ্ঠা - ১১৪
جل أن يشبه بما صنعه، أو يضاف إلى ما اخترعه وابتدعه، محصي الأنفاس، القائم على كل نفس بما كسبت {لقد أحصاهم وعدهم عدًا * وكلهم آتية يوم القيامة فردًا} [مريم: 94 - 95]، {لتجزى كل نفس بما تسعى} [طه: 15]، {ليجزى الذين أساؤوا بما عملا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى} [النجم: 31] غنى عن خلقه، رازق لبريته، يطعم ولا يطعم، يرزق ولا يرزق، يجير ولا يجار عليه، الخليقة مفتقرة إليه، لم يخلقهم لاجتلاب نفع ولا دفع ضرر، ولا لداع دعاة إليه، ولا لخاطر خطر له، وفكر حدث له، بل إرادة مجردة كما قال وهو أصدق القائلين: {ذو العرش المجيد * فعال لما يريد} [البروج: 15 - 16].
متفردة بالقدرة على اختراع الأعيان، وكشف الضر والبلوى وتقليب الأعيان وتغيير الأحال، {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29].
يسوق ما قدر إلى ما وقت.
وأنه تعالى حي بحياة، وعالم بعلم، وقادر بقدرة، ومريد بإرادة، وسميع بسمع، وبصير ببصر، ومدرك بإدراك، ومتكلم بكلام، وآمر بأمر، وناه بنهي، ومخبر بخبر.
وأنه تعالى عادل في حكمه وقضائه، ومحسن متفضل في عطائه وإنعامه، مبدئ ومعيد، محيي ومميت، محدث وموجد، مثيب ومعاقب، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يقبض ويبسط، يضحك ويفرح، يحب ويكره، ويبغض ويرضى، ويغضب ويسخط، يرحم ويغفر، ويعطي ويمنع، له يدان وكلتا يديه يمين، قال جل وعلا: {والسموات مطويات بيمينه} [الزمر: 67]، روى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المنبر {والسموات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] وقال: تكون في يمينه يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة، ثم يقول: أنا العزيز، قال: فلقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتحرك على المنبر حتى كاد يسقط)).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يقبض الأرضين والسموات جميعًا، فلا يرى طرفهما من قبضته.
وعن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من
পৃষ্ঠা - ১১৫
نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين)).
خلق آدم عليه السلام بيده على صورته، وغرس جنة عدن بيده، وغرس شجرة طوبى بيده، وكتب التوراة بيده، وناولها موسى من يده إلى يده، وكلمه تكليمًا من غير واسطة ولا ترجمان، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد، والسموات والأرض يوم القيامة في كفه كما جاء في الحديث.
ويضع قدمه في جهنم، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، ويخرج قومًا من النار بيده.
وينظر أهل الجنة إلى وجه، ويرونه لا يضامون في رؤيته، ولا يضارون، كما جاء في الحديث: ((يتجلى لهم يعطيهم ما يتمنون))، وقال عز من قائل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] قيل: الحسنى هي الجنة، والزيادة: النظر إلى وجهه الكريم، وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22 - 23].
ويعرض عليه العباد يوم الفصل والدين، يتولى حسابهم بنفسه، ولا يتولى ذلك غيره.
وأن الله تعالى خلق سموات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، ومن الأرض العليا إلى السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عم، والماء فوق السماء السابعة، وعرش الرحمن فوق الماء، والله تعالى على العرش، ودونه حجب من نار ونور وظلمة، وما هو أعلم به، وللعرش حملة يحملونه، قال عز وجل: {الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر: 7] الآية.
وللعرش حد يعمله الله تعالى، قال الله عز وجل: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] وهو من ياقوتة حمراء، وسعته كسعة السموات والأرضين.
والكرسي عند العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة.
وهو جل وعلا يعلم ما في السموات السبع وما بينهن وما تحتهن، وما في الأرضين السبع وما تحتهن وما بينهن وما تحت الثرى، وما في قعر البحار ومنبت كل شعرة وكل
পৃষ্ঠা - ১১৬
شجرة وكل زرع ينبت، ومسقط كل ورقة، وعدد ذلك كله، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وأعمال العباد وآثارهم، وأنفاسهم وكلامهم، ويعلم كل شيء لا يخفى عليه شيء من ذلك.
وهو باين من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال جل ثناؤه {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5]، وقوله: {ثم استوى على العرش الرحمن} [الفرقان: 59]، وقال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
والنبي- صلى الله عليه وسلم- حكم بإسلام الأمة لما قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لما خلق الله الخلق كتب كتابًا على نفسه، وهو عنده، فوق العرش: أن رحمتي تغلب غضبي.
وفي لفظ آخر: لما قضى الله سبحانه الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي.
وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية، ولا على معنى الاستيلاء والغلبة كما قالت المعتزلة، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق.
وقد روى عن أم سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- في قوله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به واجب، والجحود به كفر.
وقد أسنده مسلم بن الحجاج عنها عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في صحيحه، وكذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله قبل موته بقريب: أخبار الصفات تمر، كما جاءت، بلا تشبيه ولا تعطيل.
পৃষ্ঠা - ১১৭
وقال أيضًا في رواية بعضهم: لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل، أو حديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أو عن أصحابه رضي الله عنهم، أو عن التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود، فلا يقال في صفات الرب عز وجل: كيف، ولم، ولا يقول ذلك إلا شاك.
وقال أحمد رحمه الله، في رواية عنه في موضع آخر: نحن نؤمن بأن الله عز وجل على العرش، كيف شاء، وكما شاء، بلا حد ولا صفة، يبلغها واصف، أو يحده حاد، لما روى عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار قال الله تعالى في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، عليه أدبر عبادي، ولا يخفى علي شيء من عبادي.
وكونه عز وجل على العرش مذكورًا في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف، ولأن الله تعالى فيما لم يزل موصوف بالعلو والقدرة والاستيلاء والغلبة على جميع خلقه من العرش وغيره، فلا يحمل الاستواء على ذلك.
فالاستواء من صفات الذات بعدما أخبرنا به، ونص عليه، وأكده في سبع آيات من كتابه، والسنة المأثورة به، وهو صفة لازمة له، ولائقة به كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة، وكونه خالقًا ورازقًا ومحييًا ومميتًا، موصوف بها، ولا نخرج من الكتاب والسنة، نقرأ الآية والخبر، ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه.
فتفسيره قراءته، لا تفسير له غيرها، ولا نتكلف غير ذلك، فإنه غيب، لا مجال للعقل في إدراكه، ونسأل الله تعالى العفو والعافية، ونعوذ به من أن نقول فيه وفي صفاته ما لم يخبرنا به هو أو رسوله عليه الصلاة والسلام.
وأنه تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا، كيف شاء وكما شاء، فيغفر لمن أذنب وأخطأ وأجرم وعصى لمن يختار من عباده ويشاء، تبارك وتعالى العلي الأعلى، لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، لا بمعنى نزول رحمته وثوابه على ما ادعته المعتزلة والأشعرية، لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من
পৃষ্ঠা - ১১৮
سائل فيعطى سؤاله؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من عان فيفك عانيه؟ حتى يصبح الصبح، ثم يعلو ربنا تبارك وتعالى على كرسيه)).
وفي لفظ آخر عن عباده بن الصامت رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقتر عليه رزقه يدعوني فأرزقه؟ ألا مظلوم يذكرني فأنصره؟ ألا عان يدعوني فأفكه؟ قال: فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح، ويعلو على كرسيه)).
وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وعلي رضي الله عنهم، وعن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وابن عباس وعائشة رضوان الله عليهم، كلهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله.
وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ينزل الله عز وجل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل نفس إلا لإنسان في قلبه شحناء، أو شرك بالله عز وجل)).
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله عز وجل إذا ذهب شطر الليل الأول ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى ينشق الفجر)).
وقيل لإسحاق بن راهوية: ما هذه الأحاديث التي تحدث بها عن الله تعالى ينزل
পৃষ্ঠা - ১১৯
إلى السماء الدنيا، والله يصعد ويتحرك، قال للسائل: تقول إن الله تعالى يقدر على أن ينزل ويصعد، ولا يتحرك؟ قال: نعم، قال: فلم تنكره؟.
وقال يحيى بن معين: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل له: كيف صعد؟.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب ينزل، فقل له: أنا مؤمن برب يفعل ما يشاء.
وعن شريك بن عبد الله رحمه الله- لما قيل له عندنا قوم ينكرون هذه الأحاديث-: من جاءنا بأسماء ليست عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصلاة والصيام والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله عز وجل بهذه الأحاديث.
(فصل) ونعتقد أن القرآن كلام الله كتابه وخطابه ووحيه الذي نزل به جبريل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
كما قال عز وجل: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [الشعراء: 193 - 195].
هو الذي بلغه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمته امتثالًا لأمر رب العالمين بقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67].
وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ((كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)).
وقال عز وجل: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] كلام الله تعالى هو القرآن غير مخلوق كيفما قرئ وتلى وكتب، وكيفما تصرفت به قراءة قارئ، لفظ لافظ، وحفظ حافظ، هو كلام الله وصفة من صفات ذاته، غير محدث ولا مبدل ولا مغير ولا مؤلف ولا منقوص ولا مصنوع ولا مزاد فيه، منه بدأ تنزيله، وإليه يعود حكمه، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-، في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((إن فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه)).
وذلك أن القرآن منه تبارك وتعالى خرج وإليه يعد فمعناه: أن تنزيله وبدايته وظهوره
পৃষ্ঠা - ১২০
منه عز وجل، وإليه يعود حكمه الذي هو العبادات من أداء الأوامر وانتهاء النواهي، لأجله تفعل وتترك، فالأحكام عائدة إليه عز وجل.
وقيل: منه بدء حكمًا، وإليه يعود علمًا، وهو كلام الله في صدور الحافظين وألسن الناطقين وفي أكف الكاتبين وملاحظة الناظرين ومصاحف أهل الإسلام وألواح الصبيان حيثما رؤى ووجد.
فمن زعم أنه مخلوق أو عبارته أو التلاوة غير المتلو، أو قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم، ولا يخالط ولا يؤاكل ولا يناكح ولا يجاور، بل يهجر ويهان، ولا يصلى خلفه، ولا تقبل شهادته، ولا تصح ولايته في نكاح وليه، ولا يصلى عليه إذا مات، فإن ظفر به استتيب ثلاثًا كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل.
سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عمن قال: لفظي بالقرىن مخلوق فقال: كفر.
وقال رحمه الله فيمن قال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، والتلاوة مخلوقه، أو ألفاظنا بالقرآن مخلوقة: هو كافر.
وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- عن القرآن فقال: ((كلام الله غير مخلوق)).
وروى عن عبد الله بن عبد الغفار وكان مولى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، عتاقة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ذكر القرآن فقولوا: كلام الله غير مخلوق، فمن قال مخلوق فهو كافر)).
وقال الله عز وجل: {ألا له الخلق والأمر} [العراف: 54]، ففصل بين الخلق والأمر، فلو كان أمره الذي هو كن، الذي به يخلق الخلق مخلوقًا لكان ذلك تكرارًا وعيبًا لا فائدة فيه. كأنه قال: ألا له الخلق والخلق، والله عز وجل يتعالى عن ذلك.
وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهما فسرا قوله عز وجل: {قرآنًا عربيًا غير ذي عوج} [الزمر: 28] أنه غير مخلوق.
وقد هدد الله تعالى الوليد بن المغيرة المخزومي حين سمى القرآن قول البشر- بسقر فقال: {إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر} [المدثر: 24 - 26].
পৃষ্ঠা - ১২১
فكل من قال: القرآن عبارة أو مخلوق، أو لفظي بالقرآن مخلوق، فله سقر، كما هو للوليد، إلا أن يتوب.
وقال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6]، ولم يقل: حتى يسمع كلامك يا محمد.
وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]، يعني القرآن الذي هو في الصدور والمصاحف.
وقال عز وجل: {وإذا قرئ القرآن فاستعموا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204].
وقال تعالى: {وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} [الإسراء: 106] والناس إنما سمعوا قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم- ولفظه، فلفظه بالقرآن هو القرآن، ومدح الله سبحانه وتعالى الجن الذين سمعوا قراءة النبي- صلى الله عليه وسلم-: {فقالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا} [الجن: 1 - 2].
وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29].
وسمى الله قراءة جبريل عليه السلام للقرآن قرآنًا، فقال جل وعلا: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه قرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة: 16 - 18].
وقال تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20].
وأجمع المسلمون على أن من قرأ فاتحة الكتاب في صلاة إنه قارئ كتاب الله، وأن من حلف أنه لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث، فدل على أنه ليس بعبارة.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه: ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هي القراءة، والتسبيح، والتهليل، وتلاوة القرآن)).
فأخبر أن تلاوة القرآن هي القرآن، فعلم بذلك أن التلاوة هي المتلو، والله تعالى، ورسوله- صلى الله عليه وسلم- أمر المؤمنين بالقراءة في الصلاة، ونهيا عن الكلام، فلو كانت قراءتنا كلامنا لا كلام الله لكنا مرتكبين للنهي في الصلاة.
পৃষ্ঠা - ১২২
(فصل) ونعتقد أن القرآن حروف مفهومة وأصوات مسموعة.
لأن بها يصير الأخرس والساكت متكلمًا وناطقًا، وكلام الله عز وجل لا ينفك عن ذلك، فمن جحد ذلك الكتاب فقد كابر حسه، وعميت بصيرته، قال الله عز وجل: {ألم * ذلك الكتاب} [البقرة: 1 - 2]، {حم}، {طسم * تلك آيات الكتاب} [القصص: 1 - 2]، فقد ذكر حروفًا وكنى عنها بالكتاب، وقال تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27].
فأثبت لنفسه كلمات متعددة غير متناهية الأعداد، وكذلك قوله: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله ممددًا} [الكهف: 109].
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((إقرؤوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: {الم} حرف، ولكن الألف عشر، واللام عشر، والميم عشر، فذلك ثلاثون}.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)).
وقال تعالى في حق موسى عليه السلام: {وإذ نادى ربك موسى} [الشعراء: 10]، {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيًا} [مريم: 52].
وقال تعالى لموسى عليه السلام: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [طه: 14].
كل هذا لا يكون إلا صوتًا، ولا يجوز أن يكون هذا النداء وهذا الاسم والصفة إلا لله عز وجل، دون غيره من الملائكة وسائر المخلوقات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم القيامة، يأتي الله عز وجل في ظلل من الغمام، فيتكلم بكلام طلق ذلق، فيقول- وهو أصدق القائلين-: انصتوا فطالما أنصت لكم، منذ خلقتكم، أرى أعمالكم، وأسمع أقوالكم، فإنما هي صحائفكم، تقرأ عليكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله سبحانه وتعالى، ومن وجد غير
পৃষ্ঠা - ১২৩
ذلك فلا يلومن إلا نفسه)).
وروى البخاري في صحيحه بإسناده عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أنه قال: ((سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: يحشر الله سبحانه العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)).
وروى عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: ((إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدًا حتى إذا فزع عن قلوبهم، قال: سكن عن قلوبهم، نادى أهل السماء: أهل السماء ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، قال: كذا وكذا، يعني ذكر الوحي)).
وعن عبد الله بن الحرث، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((إن الله تبارك وتعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السموات صوتًا كصوت الحديد إذا وقع على الصفا فيخرون له سجدًا فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم، قالوا الحق وهو العلي الكبير)).
قال محمد بن كعب: قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: بم شبهت صوت ربك حين كلمك في هذا الخلق، قال: شبهت صوت ربي بصوت الرعد حين لا يرتجع.
وهذه الآيات والأخبار تدل على أن كلام الله صوت لا كصوت الآدميين، كما أن علمه قدرته وبقية صفاته لا تشبه صفات الآدميين، كذلك صوته.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على إثبات الصوت في رواية جماعة من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين.
خلاف ما قالت الأشعرية من أن كلام الله معنى قائم بنفسه، والله حسيب كل مبتدع ضال مضل، فالله سبحانه لم يزل متكلمًا وقد أحاط كلامه بجميع معاني الأمر والنهي والاستخبار.
وقال ابن خزيمة رحمه الله: كلام الله تعالى متواصل لا سكوت فيه ولا صوت.
পৃষ্ঠা - ১২৪
وقيل لأحمد بن حنبل رحمه الله: هل يجوز أن تقول إن الله تعالى متكلم، ويجوز عليه السكوت؟ فقال رحمه الله: نقول في الجملة إن الله تعالى لم يزل متكلمًا، ول ورد الخبر بأنه سكت لقلنا به ولكنا نقول إنه متكلم كيف شاء بلا كيف ولا تشبيه.
(فصل) وكذلك حروف المعجم غير مخلوقة وسواء كان ذلك في كلام الله تعالى أو في كلام الآدميين.
وقد ادعى قوم من أهل السنة أنها قديمة في القرآن الشريف محدثة في غيره، وهذا خطأ منهم، بل القول السديد هو الأول من مذهب أهل السنة بلا فرق، لقوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82].
وهي حرفان فلو كانت ((كن)) مخلوقة لاحتاجت إلى ((كن)) تخلق بها إلى ما لا نهاية له، وقد تقدمت أدلة كثيرة من الآيات فلا نعيدها.
وأما من السنة فما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعثمان بن عفان لما سئل عن أ، ب، ت، ث، إلى آخر الحروف.
فقال: الألف من اسم الله الذي هو الله، والباء من اسم الله الذي هو البارئ، والتاء من اسم الله الذي هو المتكبر، والثاء من اسم الله الذي هو الباعث والوارث، حتى أتى إلى آخرها، فذكر أنها كلها من أسماء الله وصفاته.
وأسماؤه عز وجل غير مخلوقة. وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث علي كرم الله وجهه لما سأله عن معنى أبجد هوز حطي ... إلى آخرها: يا علي ألا تعرف تفسير أبي جاد؟ الألف من اسم الله عز وجل الذي هو الله، والباء من اسم الله الذي هو البارئ، والجيم من اسم الله الذي هو الجليل ... إلى آخرها. فذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- أنها من أسماء الله وهي في كلام الآدميين.
وقد نص أحمد بن حنبل رحمه الله على قدم حروف الهجاء، فقال في رسالته إلى أهل نيسابور وجرجان: ومن قال إن حروف التهجي محدثة فهو كافر بالله، ومتى حكم أن ذلك مخلوق فقد جعل القرآن مخلوقًا.
ولما قيل له رحمه الله إن فلانًا يقول: إن الله تعالى لما خلق الحروف انضجعت اللام، وانتصبت الألف، فقالت لا أسجد حتى أؤمر. فقال أحمد هذا كفر من قائله.
পৃষ্ঠা - ১২৫
وقال الشافعي رحمه الله: لا تقولوا بحدث الحروف فإن اليهود أول ما هلكت بهذا، ومن قال بحدث حرف من الحروف فقد قال بحدث القرآن.
ولأنه لا يخلو إما أن يقال هي قديمة في القرآن أو محدثة فيه فإن قيل هي قديمة في القرآن فوجب أن تكون قديمة في غيره، لأنه لا يجوز أن يكون الشيء الواحد قديمًا وهو بعينه محدث.
فإن قالوا هي محدثة في القرآن فقد تقدمت الأدلة على قدمها في القرآن، فإذا ثبت ذلك في القرآن فكذلك في غيره.
فإن قالوا فهذا يفضي إلى أن جميع الكلام يكون قديمًا، قيل يلزم القرآن لما لم يقل ذلك في حروف الهجاء.
(فصل) ونعتقد أن الله عز وجل له تسعة وتسعون اسمًا، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة.
وذلك مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن لله تعالى تسعة وتسعون اسمًا مئة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة)).
وجميعها في القرآن في سور متفرقة: منها خمسة أسماء في الفاتحة، وهي: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا مالك.
وفي سورة البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط، يا قدير، يا عليم، يا حليم، يا تواب، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا واحد، يا غفور، يا حكيم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد.
وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا واهب، يا سريع، يا خبير.
وفي سورة النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا غفور، يا مقيت، يا وكيل.
وفي الأنعام خمسة أسماء: يا فاطر، يا قاهر، يا قادر، يا لطيف، يا خبير.
وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت.
পৃষ্ঠা - ১২৬
وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير.
وفي هود سبعة أسماء: يا حفيظ، يا رقيب، يا مجيد، يا قوي، يا مجيب، يا ودود، يا فعال لما تريد.
وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال.
وفي إبراهيم اسم واحد: وهو يا منان.
وفي الحجر اسم واحد: وهو يا خلاق.
وفي النحل اسم: يا باعث.
وفي مريم اسمان، يا صادق، يا وارث.
وفي المؤمنين اسم: يا كريم.
وفي النور ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور.
وفي الفرقان: يا هادي.
وفي سبأ: يا فتاح.
وفي المؤمن أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول.
وفي الذاريات ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين.
وفي الطور: يا منان.
وفي اقتربت الساعة: يا مقتدر.
وفي الرحمن: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام.
وفي الحديد أربعة: يا أول، يا آخر، يا ظاهر، يا باطن.
وفي الحشرة عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور.
وفي البروج: يا مبدئ، يا معيد.
وفي قل هو الله أحد: يا أحد، يا صمد.
هكذا ذكرها سفيان بن عيينة رحمه الله.
وذكر عبد الله بن أحمد أسماء زوائد على هذه: وهي: يا قاهر، يا فاصل، يا فالق، يا رقيب، يا ماجد، يا جواد، يا أحكم الحاكمين.
পৃষ্ঠা - ১২৭
وذكر أبو بكر النقاش في كتاب تفسير الأسماء والصفات، عن جعفر بن محمد- يعني الصادق رحمه الله- أنه قال: إن لله ثلاثمائة وستين اسمًا.
وروى أيضًا عن غيره: مئة وأربعة عشرة اسمًا.
وكل ذلك محمول على أنهم وجدوا في القرآن أسماء مكررة فعدوها أسماء، والصحيح ما ذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(فصل) ونعتقد أن الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ويقوى بالعلم ويضعف بالجهل، وبالتوفيق يقع.
كما قال الله عز وجل: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهو يستبشرون} [التوبة: 124].
وما جاز عليه الزيادة جاز عليه النقصان. وقال تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2].
وقوله عز وجل: {ليستبقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانًا} [المدثر: 31].
وما روى عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي الدرداء رضي الله عنهم، أنهم قالوا: الإيمان يزيد وينقص. وغير ذلك مما يطول شرحه.
وقد أنكرت الأشعرية زيادة الإيمان ونقصانه. وهو في اللغة تصديق القلب المتضمن للعلم بالمصدق به، وهو في الشريعة: التصديق؛ وهو العلم بالله وصفاته مع جميع الطاعات الواجبات منها والنوافل واجتناب الزلات والمعاصي.
ويجوز أن يقال الإيمان: هو الدين والشريعة والملة؛ لأن الدين هو ما يدان به من الطاعات مع اجتناب المحظورات والمحرمات، وذلك هو صفة الإيمان.
وأما الإسلام: فهو من جملة الإيمان وكل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانًا.
لأن الإسلام هو بمعنى الاستسلام والانقياد وكل مؤمن مستسلم منقاد لله تعالى. وليس كل مسلم مؤمنًا بالله، لأنه قد يسلم مخافة السيف.
فالإيمان اسم يتناول مسميات كثيرة، أفعالًا وأقوالًا، فيعم جميع الطاعات.
والإسلام عبارة عن الشهادتين مع طمأنينة القلب والعبادات الخمس.
وقد أطلق الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أن الإيمان غير الإسلام، فذهب إلى
পৃষ্ঠা - ১২৮
الحديث المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: ((بينما أنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شددي بياض الثوب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال- صلى الله عليه وسلم-: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، قال: صدقت، قال: فتعجبنا منه يسأله ويصدقه، ثم قال: أخبرني عن الإيمان: قال- صلى الله عليه وسلم-: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان: قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
قال عمر رضي الله عنه: فلبثت هنيهة. ثم قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هل تدرون من السائل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال- صلى الله عليه وسلم-: فإنه جبريل جاءكم يعلمكم دينكم)).
وفي لفظ آخر قال: ((ذلك جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم، وما أتاني قط في صورة إلا عرفته إلا في صورته هذه)).
فقد فرق جبريل عليه السلام بين الإسلام والإيمان بسؤالين: فأجاب النبي- صلى الله عليه وسلم- عنهما بجوابين مختلفين فذهب الإمام أحمد رضي الله عنه إلى حديث الأعرابي حيث قال: ((يا رسول الله أعطيت فلانًا ومنعتني فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك مؤمن: فقال الأعرابي: وأنا مؤمن. فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم- أو مسلم أنت؟)).
وذهب أيضًا إلى قول الله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14].
واعلم أن زيادة الإيمان: إنما تكون على التحقيق بعد أداء الأوامر وانتهاء النواهي
পৃষ্ঠা - ১২৯
بالتسليم في القدر، وترك الاعتراض على الله عز وجل في فعله في خلقه، وترك الشك في وعده في الأقسام والرزق وفي الثقة به، والتوكل عليه، والخروج من الحول والقوة والصبر على البلاء والشكر على النعماء، والتنزيه للحق، وترك التهمة له عز وجل في سائر الأحوال، وأما بمجرد الصلاة والصوم فلا.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإيمان أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقال: من قال إن الإيمان مخلوق فقد كفر؛ لأن في ذلك إيهامًا وتعريضًا بالقرآن، ومن قال إنه غير مخلوق فقد ابتدع؛ لأن في ذلك إيهام أن إماطة الأذى عن الطريق وأفعال الأركان غير مخلوقة فقد أنكر على الطائفتين.
وذكر في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((الإيمان بضع وسبعون خصلة، أفضلها قول: لا إله الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
وإنما كفر القائل بخلق القرآن، وبدع الآخر لأن مذهبه رحمه الله مبني على أن القرآن إذا لم ينطق بشيء ولم يرو في السنة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيء فانقرض عصر الصحابة ولم ينقل أحد منهم قولًا، فالكلام فيه بدعة وحدث.
ولا يجوز للمؤمن أن يقول: أنا مؤمن حقًا، بل يجب أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، خلاف ما قالت المعتزلة إنه يجب أن يقول: أنا مؤمن حقًا.
وإنما قلنا ذلك لما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من زعم أنه مؤمن فهو كافر.
وعن الحسن رضي الله عنه: أن رجلًا قال عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني مؤمن.
فقيل لابن مسعود إن هذا يزعم أنه مؤمن قال: فاسألوه أفي الجنة هو أم هو في النار؟ فسألوه فقال: الله أعلم. فقال عبد الله: فهلا وكلت الأخرى كما وكلت الأولى.
ولأن المؤمن حقًا من هو عند الله تعالى مؤمن، وهو الذي يكون من أهل الجنة.
ولا يكون كذلك إلا بعد موافاته بالإيمان، ويختم له بذلك، ولا يعلم أحد بما يختم له.
পৃষ্ঠা - ১৩০
فينبغي أن يكون خائفًا راجيًا مصلحًا حذرًا مترقبًا حتى يأتيه الموت على خير عمل، وإن الناس يموتون على ما عشوا عليه، ويحشرون على ما ماتوا عليه، كما جاء في الحديث: قال -عليه الصلاة والسلام-: «كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون».
ونعتقد أن أفعال العباد خلق الله -عز وجل- وكسب لهم خيرها وشرها، حسنها وقبيحها ما كان منها طاعة ومعصية، لا على معنى أنه أمر بالمعصية، لكن قضى بها وقدرها، وجعلها على حسب قصده، وأنه قسم الأرزاق وقدرها، فلا يصدها صاد ولا يمنعها مانع، لا زائدها ينقص، ولا ناقصها يزيد، ولا ناعمها يخشن، ولا خشنها ينعم، ورزق غد لا يؤكل اليوم، وقسم زيد لا ينقل إلى عمرو.
وإنه تعالى يرزق الحرام كما يرزق الحلال، على معنى أنه يجعله غذاء للأبدان وقامًا للأجسام لا على معنى إباحة الحرام.
وكذلك القاتل لم يقطع أجل المقتول المقدر له، بل يموت بأجله، وكذلك الغريق، ومن هدم عليه الحائط وألقى من شاهق، ومن أكله السبع، وكذلك هداية المسلمين والمؤمنين وضلالة الكافرين إليه -عز وجل- جميع ذلك فعل له صنعة، لا شريك له في ملكه.
وإنما أثبتنا كسبًا لموضع توجه الأمر والنهي والخطاب إليهم، ثم استحقاق الثواب والعقاب لديه كما وعده وضمن -جل وعز-، قال الله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17، الأحقاف: 14، الواقعة: 24].
وقال -عز وجل-: {بما صبرتم} [الرعد: 24]، وقال -جل وعلا-: {ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين} [المدثر: 42 - 44].
وقال -تبارك وتعالى-: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون} [الطور: 14]، وقال تعالى: {ذلك بما قدمت يداك} [الحج: 10] وغير ذلك من الآيات.
فعلق سبحانه الجزاء على أفعالهم، فأثبت لهم كسبًا خلاف ما قالت الجهمية من أنه لا كسب للعباد، وأنه كالباب يرد ويفتح، والشجرة تحرك وتهز. وهم الجاحدون للحق، الرادون للكتاب والسنة.
والدليل على أن ذلك خلق الله -عز وجل- وكسب للعباد خلافًا للقدرية في قولهم: إن جميع ذلك خلق للعبادة دون الله -عز وجل-.
পৃষ্ঠা - ১৩১
تبًا لهم وهم مجوس هذه الأمة جعلوا لله شركاء ونسبوه إلى العجز، وأن يجرى في ملكه ما لا يدخل في قدرته ولا إرادته تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا لقوله -عز وجل-: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96]، وكما قال تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17، الأحقاف: 14، الواقعة: 24].
فلما كان الجزاء واقعًا على أعمالهم كان الخلق واقعًا على أعمالهم، ولا جائز أن يقال: المراد بذلك ما يعملون من الحجارة والأصنام، لأن الحجارة أجسام، والعباد لا يعملون، وإنما الأعمال التي يقع فيها ما يعملها العباد فوجب أن يرجع الخلق إلى أعمالهم من الحركات والسكنات وقال تعالى: {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود: 118 - 119] والمعنى للخلاف، وقال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء} [الرعد: 16].
وقال -جل وعلا-: {هل خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} [فاطر: 3]، وقال تعالى إخبارًا عن المشركين: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا} [النساء: 78].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة -رضي الله عنه-: «إن الله تعالى خلق كل صانع وصنعته، حتى خلق الجازر وجزوره».
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله قال: أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يديه الخير، وويل لمن قدرت على يديه الشر».
وسئل علي -رضي الله عنه- عن أعمال العباد التي يستوجبون من الله السخط والرضى، أشيئًا من الله أم شيء من العباد، قال هي: لله خلق وللعباد عمل.
ويعتقد أن المؤمن وإن أذنب ذنوبًا كثيرة من الكبائر والصغائر لا يكفر بها وإن خرج من الدنيا بغير توبة إذا مات على التوحيد والإخلاص، بل يرد أمره إلى الله -عز وجل- إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه وأدخله النار، فلا يدخل بين الله تعالى
পৃষ্ঠা - ১৩২
وبين خلقه ما لم يخبرنا الله بمصيره.
(فصل) ونعتقد أن من أدخله الله النار بكبيرته مع الإيمان فإنه لا يخلد فيها، بل يخرجه منها.
فأن النار في حقه كالسجن في الدنيا فيستوفى منه بقدر كبيرته وجريمته، ثم يخرج برحمة الله تعالى ولا يخلد فيها، ولا تلفح وجهه النار ولا تحرق أعضاء السجود منه، لان ذلك محرم على النار، ولا ينقطع طمعه من الله -عز وجل- في كل حال مادام في النار حتى يخرج منها فيدخل الجنة، ويعطى الدرجات على قدر طاعته التي كانت له في الدنيا، خلاف ما قالته القدرية إن الكبيرة تحبط الطاعات، فلا يثاب عليها، وكذلك قول الخوارج تبًا لهم.
(فصل) وينبغي أن يؤمن بخير القدر وشره، وحلو القضاء ومره.
وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه بالحذر، وما أخطأه من الأسباب لم يكن ليصيبه بالطلب، وأن جميع ما كان في سالف الدهور والأزمان، وما يكون، إلى يوم البعث والنشور بقضاء الله وقدره المقدور، وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور الذي خط في اللوح المسطور، وأن الخلائق لو جهدوا أن ينفعوا المرء بما لم يقضه الله تعالى لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه لم يقضه الله عليه لم يستطيعوا.
كما ورد في خبر ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال، قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده} [يونس: 107].
وروى عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة» وفي لفظ آخر «أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا بأربع كلمات: خلقه ورزقه وعمله وشقي أم سعيد، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».
পৃষ্ঠা - ১৩৩
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النار فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النار، فمات فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة، فمات فدخل الجنة».
وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ينكث في الأرض إذ رفع رأسه فقال: ما من أحد إلا وقد علم مقعده من النار، أو مقعده من الجنة، فقالوا: أفلا نتكل؟ قال -صلى الله عليه وسلم- اعملوا فكل ميسر لما خلق له».
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- قال: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أشيء قد فرغ منه، أو شيء مبتدع، أو مبتدأ؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، بل فيما قد فرغ منه، قال: أفلا نتكل؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل السعادة فيعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فيعمل للشقاوة».
(فصل) ونؤمن بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه -عز وجل- ليلة الإسراء بعيني رأسه لا بفؤاده ولا في المنام.
لما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: «قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: 13].
قال: رأيت ربي -جل اسمه- مشافهمة لاشك فيه، وفي قوله تعالى: {عند سدرة المنتهى} [النجم: 14] قال: رأيته عند سدرة المنتهى حتى تبين لي نور وجهه».
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -عز وجل-: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] هي رؤيا عين رأيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به».
পৃষ্ঠা - ১৩৪
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كانت الخلة لإبراهيم -عليه السلام- والكلام لموسى -عليه السلام-، والرؤية لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه -عز وجل- بعينيه مرتين.
ولا يعارض هذا ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- من إنكار ذلك، لأنه نفي وهذا إثبات فقدم عند الاجتماع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثبت لنفسه الرؤية.
وقال أبو بكر بن سليمان: رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه إحدى عشرة مرة، منها بالسنة تسع مرات في ليلة المعراج حين كان يتردد بين موسى -عليه السلام- وبين ربه -عز وجل- يسأله أن يخفف عن أمته الصلاة فنقص خمسًا وأربعين صلاة في تسع مقامات ومرتين بالكتاب.
(فصل) ونؤمن بأن منكرًا ونكيرًا إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين.
فيسألانه ويمتحنانه عما يعتقده من الأديان، وهما يأتيان القبر، فيرسل فيه الروح، ثم يقعد، فإذا سئل سلت روحه بلا ألم.
ونؤمن بأن الميت يعرف من يزوره إذا أتاه، وآكده يوم الجمعة بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس.
والإيمان بعذاب القبر وضغطته واجب لأهل المعاصي والكفر وجميع الخلق سوى النبيين ثم يخفف عن المؤمنين برحمة الله -عز وجل-، وكذلك النعيم فيه لأهل الطاعة والإيمان، خلاف ما قالت المعتزلة من إنكارهم ذلك، وإنكارهم مسألة منكر ونكير.
ودليل أهل السنة على إثبات ذلك، قوله -عز وجل-: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27].
قيل في التفسير {في الحياة الدنيا}: عند خروج الروح، {وفي الآخرة}: عند مسألة منكر ونكير.
وما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قبر أحدكم أو الإنسان أتاه
পৃষ্ঠা - ১৩৫
ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ يعني محمدًا رسول الله، فهو قائل ما كان يقول، فإذا كان مؤمنًا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فيقولان إنا كنا لنعلم أنك تقول مثل ذلك. ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين ذراعًا، وينور له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقال له: نم كنومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب أهلها إليها، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.
وإن كان منافقًا قال: لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئًا وكنت أقوله، فيقولان: إنا كنا نعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض التئمي عليه، فتلتأم حتى يختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبًا حتى يبعثه الله -عز وجل- من مضجعه ذلك».
وتعلقوا أيضًا بما روى عطاء بن يسار قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «يا عمر كيف أنت إذا أعد لك من الأرض ثلاثة أذرع وشبر في عرض ذراع وشبر، ثم قام إليك أهلك فغسلوك وكفنوك وحنطوك، ثم حملوك حتى يغيبوك فيه، ثم يهيلوا عليك التراب، ثم انصرفوا عنك، وأتاك مُسائلا القبر منكر ونكير، أصواتهما مثل الرعد القاصف، وأبصارهما مثل البرق الخاطف قد سدلا شعورهما فتلتلاك وتوهلاك وقالا: من ربك وما دينك؟
قال: يا نبي الله أو يكون معي قلبي الذي هو معي اليوم؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: نعم. قال: إذًا أكفيكهما بإذن الله -عز وجل-».
وهذا دليل ونص على أن ذلك يكون بعد إعادة الروح، لأن عمر قال أو يكون قلبي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: نعم.
وعن المنهال بن عمرو عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-ما قال: «خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار وانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير من هيبته، وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه وقال: أستعيذ بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاث.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت
পৃষ্ঠা - ১৩৬
عليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، ومعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون معه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوانه، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذونها ولا يدعونها في يده طرفة عين حين يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن والحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون هذا فلان ابن فلان بأحسن أسمائه، ثم ينتهون بها إلى سماء الدنيا فيستفتحون لها فيفتح لهم فيستقبلوها ويشيعوها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل- اكتبوا كتابه في عليين وأعيدوه إلى الأرض: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].
فتعاد الروح إلى جسده، ويأتيه ملكان فيقولان له: من ربك وما دينك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءنا بالحق، فيقولان له: وما علمك بذلك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى، وآمنت به وصدقته، فينادى من السماء: صدق عبدي فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه ريحها وطيبها ويفسح له في قبره، مد البصر، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول عند ذلك: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.
وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا أنزل الله تعالى عليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون معه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه فتتفرق في أعضائه كلها فينزعها كما ينزع العود من الصوف المبلول، فتنقطع منه العروق والعصب فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح فيخرج منها كأنتن جيفة، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: هذا فلان ابن فلان بأقبح أسمائه حتى ينتهوا بها إلى سماء الدنيا فيستفتحون لها فلا يفتح لهم، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {لا تفتح لهم أبواب السماء} [الأعراف: 40]،
পৃষ্ঠা - ১৩৭
ثم يقول الله سبحانه وتعالى: «اكتبوا كتابه في سجين» ثم تطرح روحه طرحًا، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31].
يعني ترد فتعاد إليه روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي المنادي من السماء: كذب عبدي فافرشوا له فراشًا، من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا من النار، فيدخل عليه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح المنظر والثياب منتن الريح فيقول له: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت؟ فيقول: أنا عملك السوء، فيقول: رب لا تقم الساعة.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره يوسع عليه في قبره سبعون ذراعًا عرضًا وسبعون ذراعًا طولًا، وتنثر عليه الرياحين، ويستر بالحرير في الجنة، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن معه شيء من القرآن جعل له نور مثل نور الشمس، ويكون مثله كمثل العروس تنام فلا يوقظها من نومتها إلا أحب أهلها إليها، فتقوم من نومتها كأنها لم تشبع منها.
وإن الكافر إذا وضع في قبره يضيق عليه قبره، حتى تدخل أضلاعه في جوفه، ويرسل عليه حيات كأمثال أعناق البخث فتأكل لحمه حتى لا يذرن على عظمه لحمًا، ويرسل عليه شياطين صم بكم عمي، ويقال: هو الشيطان الرجيم، ومعهم فطاطيس من حديد، فيضربونه بها حتى لا يسمعوا صوته فيرحمونه، ولا يبصرونه فيرحمونه، وتعرض عليه النار بكرةً وعشيًا.
فهذه أخبار دالة على إثبات عذاب القبر ونعيمه، فإن اعترضوا عليها فقالوا: كيف القول في المصلوب والمحترق والغريق ومن أكلته السباع فتفرقت بلحمه والطير معها فحصل أجزاء متعددة؟
পৃষ্ঠা - ১৩৮
فيقال لهم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر عذاب القبر والمسألة على ما هو معهود وعادة في الخلق أنهم يدفنون في القبور، وإن وجد ميت على هذه الصفة البعيدة النادرة لا يمتنع أن يقال: إن الله يصير روحه إلى الأرض، ثم تضغط وتسئل وتعذب وتنعم، كما أن أرواح الكفار تعذب كل يوم مرتين، غدوة وعشية، حتى تقوم الساعة، ثم تدخل النار مع الأجساد حينئذ، كما قال تعالى: {النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46].
وإن أرواح الشهداء والمؤمنين في حواصل طيور خضر، تسرح في الجنة، وتأوى إلى قناديل من نور تحت العرش ثم تأتي إلى الأجساد عند النفخة الثانية إلى الأرض للعرض والحساب يوم القيامة.
كما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل أثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق، فلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله -عز وجل- وهو أصدق القائلين: أنا أبلغهم فأنزل -عز وجل-: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران: 169 - 170]».
فيجوز أن تقع المسألة والعذاب والنعيم ببعض جسد الكافر والمؤمن دون بقية أجزائه ويكون ما فعل بالبعض فعلًا بالكل، وقد قيل: إن الله يجمع تلك الأجزاء المتفرقة للضغط والمسألة كما يفعل ذلك في الحشر والمحاسبة.
ثم إن الإيمان بالبعث من القبور والنشر عنها واجب، كما قال -عز وجل-: {وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} [الحج: 7]. وكما قال الله -عز وجل-: {كما بدأكم تعودون} [الأعراف: 29]، وقال -جل وعلا-: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].
سيحشرهم ويجمعهم جميعًا -جل وعلا-: {لتجزى كل نفس بما تسعى} [طه: 15]، {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} [النجم: 31]، وقال
পৃষ্ঠা - ১৩৯
-جل جلاله-: {الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} [الروم: 40].
فالذي قدر على إنشاء الخلق قادر على إعادتهم، وقد أنكرت المعطلة ذلك تبًا لهم.
(فصل) والإيمان بأن الله تعالى يقبل شفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر والأوزار واجب.
قبل دخول النار عامًا للحساب لجميع أمم المؤمنين، وبعد دخولها لأمته خاصة، فيخرجون منها بشفاعته -صلى الله عليه وسلم- وغيره من المؤمنين حتى لا يبقى في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ومن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله مرة واحدة في عمره مخلصًا لله -عز وجل- خلاف ما زعمت القدرية من إنكار ذلك.
وفي كتاب الله تكذيبهم قال الله -عز وجل-: {فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم} [الشعراء: 100 - 101].
وقوله -عز وجل-: {فما لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ...} [الأعراف: 53] الآية.
وقال الله -جل جلاله-: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48].
فقد أثبت الله تعالى في الآخرة شفاعة، وكذلك في السنة.
وهو ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا صاحب لواء الحمد ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا آخذ بحلقة باب الجنة، فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار -عز وجل-، فأخر له ساجدًا. فيقول تعالى: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط، فأرفع رأسي فأقول: يارب أمتي أمتي، فلا أزال أرجع إلى ربي، فيقول لي: اذهب فانظر، فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من الإيمان فأخرجه من النار.
قال -صلى الله عليه وسلم- فأخرج من أمتي أمثال الجبال، ثم يقول لي النبيون: ارجع إلى ربك فاسأله، فأقول قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه».
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
পৃষ্ঠা - ১৪০
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة -إن شاء الله تعالى- لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا».
وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنيس الأنصاري -رضي الله عنه-: «إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر».
وله -صلى الله عليه وسلم- شفاعة في القيامة عند الميزان وعلى الصراط، وكذلك ما من نبي إلا وله شفاعة.
وعن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يقول إبراهيم -عليه السلام- يوم القيامة: يا رباه. فيقول الله -عز وجل-: يا لبيكاه، فيقول: يارب أحرقت بني آدم. فيقول -جل وعلا-: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال برة أو شعيرة من الإيمان.
وكذلك للصديقين والصالحين من كل أمة شفاعة.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: «لكل نبي عطية، وإني اختبأت عطيتي شفاعة لأمتي، وإن الرجل من أمتي ليشفع للقبيلة فيدخلهم الله تعالى الجنة بشفاعته، وإن الرجل ليشفع لفئام من الناس فيدخلهم الله الجنة بشفاعته، وإن الرجل ليشفع لثلاثة نفر، والرجل لاثنين، وإن الرجل ليشفع لرجل».
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: «ليدخل الجنة قوم من المسلمين قد عذبوا في النار برحمة الله تعالى وشفاعة الشافعين».
وأيضًا في حديث أويس القرني -رحمه الله ورضي عنه- المعروف: «ولله -عز وجل- تفضل وتكرم ورحمة ومنة على من يشاء من أهل النار في إخراجهم من النار بعدما احترقوا وصاروا فحمًا».
পৃষ্ঠা - ১৪১
وعن الحسن عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مازلت أشفع إلى ربي فيشفعني حتى أقول: يارب شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله.
فيقول -جل وعلا-: هذه ليست لك يا محمد ولا لأحد، هذه لي، وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار واحدًا يقول: لا إله إلا الله».
(فصل) والإيمان بالصراط على جهنم واجب.
وهو جسر ممدود على متن جهنم يأخذ من يشاء الله إلى النار، ويجوز من يشاء ويسقط في جهنم من يشاء.
ولهم في تلك الأحوال أنوار على قدر أعمالهم فهم بين ماش وساع وراكب وزحف وسحب.
وقد وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ذو كلاليب في خبر فيه طول إلى أن قال -صلى الله عليه وسلم-: «ذو كلاليب مثل شوك السعدان، هل تعرفون شوك السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلمها إلا الله -عز وجل-، فتخطف الناس، فمنهم موبق بعمله ومنهم المخردل، ثم ينجو المخردل، المرمي المصروع» وقيل ذلك للمنقطع أيضًا.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «استجيبوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط».
وجاء في وصف الصراط عنه -صلى الله عليه وسلم-: «أنه أدق من الشعرة وأحر من الجمرة وأحد من السيف، طوله ثلثمائة سنة من سنى الآخرة، يجوزه الأبرار وتزل عنه الفجار، وقيل طوله ثلاثة آلاف سنة من سنى الآخرة».
(فصل) وأهل السنة يعتقدون أن لنبينا -صلى الله عليه وسلم- حوضًا في القيامة.
يسقى منه المؤمنون، دون الكافرين، ويكون ذلك بعد جواز الصراط قبل دخول الجنة، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، عرضه مسيرة شهر، ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، حوله أباريق على عدد نجوم السماء، فيه ميزابان يصبان من الكوثر، أصله في الجنة وفرعه في الوقف.
পৃষ্ঠা - ১৪২
وقد ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ثوبان -رضي الله عنه-: «أنا عند حوضي يوم القيامة، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سعة الحوض، فقال: -صلى الله عليه وسلم-: ما بين مقامي هذا إلى عمان، شرابه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، فيه ميزابان من الجنة، أحدهما من ورق والآخر من ذهب، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا».
وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: «موعدكم حوضي عرضه مثل طوله، وهو أبعد ما بين إيلة إلى مكة، وذلك مسيرة شهر، فيه أباريق أمثال الكواكب، ماؤه أشد بياضًا من الفضة، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدًا».
وكذلك لكل نبي من الأنبياء حوض إلا صالحًا النبي، فإن حوضه ضرع ناقته يسقى من ذلك مؤمنون كل أمة منهم دون الكافرين.
وفي حديث آخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «حوضي ما بين عدن وعمان، حافتاه خيام الدر المجوف، وآنيته عدد نجوم السماء، طينة المسك الأذفر، وماؤه أبيض من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، فيذاد عني يوم القيامة رجال كما تذاد الغريبة من الإبل فأقول: ألا هلم ألا هلم، فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: وما أحدثوا؟ فيقال: إنهم غيروا وبدلوا فأقول: ألا سحقًا وبعدًا».
وقد أنكرت ذلك المعتزلة فلا يسقون منه، ويدخلون النار وردًا عطشًا إن لم يتوبوا عم مقالتهم وجحودهم الحق ورد الآيات والأخبار والآثار.
وروي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من كذب بالشفاعة لم يكن له فيها نصيب ومن كذب بالحوض لم يكن له فيه نصيب».
(فصل) وأهل السنة يعتقدون أن الله يجلس رسوله ونبيه المختار على سائر رسله وأنبيائه معه على العرش يوم القيامة.
পৃষ্ঠা - ১৪৩
لما روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله -عز وجل-: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال يجلسه معه على السرير.
وعن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المقام المحمود، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وعدني ربي القعود على العرش».
وكذلك عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- فأقعد بين يدي الله على كرسيه، فقيل له يا أبا مسعود إذا كان معه على كرسيه أليس هو معه؟ قال: ويلكم هذا أقر حديث في الدنيا لعيني».
وقال الحجاج في حديثه: إذا كان يوم القيامة نزل الجبار جل اسمه على عرشه وقدماه على الكرسي، ويؤتي بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- فيقعد بين يديه على الكرسي، فقالوا للحميدي: إذا كان على الكرسي فهو معه، قال: نعم، ويلكم هو معه».
(فصل) ويعتقد أهل السنة أن الله تعالى يحاسب عبده المؤمن يوم القيامة، ويدنيه منه فيضع كنفه عليه حتى يستره من الناس.
لما روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يؤتى بالمؤمن يوم القيام فيدنيه الله تعالى منه، فيضع كنفه عليه حتى يستره من الناس فيقول: عبدي أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ مرتين، فيقول: نعم رب، حتى إذا قرره بذنوبه كلها فرأى نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم».
ومعنى المحاسبة: تعريف الله تعالى عبده بمقادير ثواب الأعمال وعذابه بقراءة سيئاته أو حسناته وما له وما عليه.
وقد أنكرت المعطلة المحاسبة، وقد كذبهم الله تعالى بقوله: {إن إلينا إيابهم * ثم إن
পৃষ্ঠা - ১৪৪
علينا حسابهم} [الغاشية: 25 - 26].
(فصل) ويعتقد أهل السنة أن لله تعالى ميزانًا يزن فيه الحسنات والسيئات يوم القيامة، له كفتان ولسان.
وقد أنكرت المعتزلة مع المرجئة والخوارج ذلك، فقال: إن معنى الميزان: العدل دون موازنة الأعمال، وفي كتاب الله وسنة رسوله تكذيبهم، قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} [القارعة: 6 - 9].
والعدل لا يوصف بالخفة والثقل، وإنما هو بيد الرحمن جل جلاله؛ لأنه هو الذي يتولى حسابهم، لما روى النواس بن سمعان الكلابي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الميزان بيد الرحمن -عز وجل-، يرفع أقوامًا ويضع آخرين يوم القيامة».
وقيل إنه بيد جبرائيل -عليه السلام- لما روى عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: إن جبرائيل -عليه السلام- صاحب الميزان، فيقول له ربه زن يا جبريل بينهم فيرجح بعضهم على بعض.
وروى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يوضع الميزان يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة الميزان، ويوضع ما أحصى من عمله في كفة، فيميل به الميزان، فيبعث الله به إلى النار فإذا أدبر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن: لا تعجلوا لا تعجلوا، فإنه قد بقى له، فيؤتى بشيء فيه لا إله إلا الله فيوضع مع الرجل في كفة حسناته حتى يميل به الميزان، فيؤمر به إلى الجنة».
وفي حديث آخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إنه يؤتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان ثم يؤتى بتسعة وتسعين سجلًا كل سجل مد البصر فيها كلها سيئاته وخطيئاته فترجح سيئاته على حسناته فيؤمر به إلى النار، فإذا أدبر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا لا تعجلوا فقد بقى له، فيؤتى بمثل رأس الإبهام، وأمسك على النصف منها،
পৃষ্ঠা - ১৪৫
فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فيوضع في كفة حسناته فتثقل حسناته على سيئاته، فيؤمر به إلى الجنة.
وفي لفظ آخر: فيخرج له بقرطاس مثل هذا -وأمسك على إبهامه- فيه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ... إلى آخر الحديث.
وقيل إن الصنج يؤمئذ مثاقيل الذر والخردل تكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فيثقل بها الميزان برحمة الله وتكون السيئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى.
وعلامة تثقيل الميزان ارتفاعها، وعلامة خفتها انحطاطها بخلاف موازين الدنيا، وقد قيل مثل موازين الدنيا.
وسبب تثقيلها الإيمان وقول الشهادتين، وسبب خفتها الشرك بالله -عز وجل-، فإذا ارتفعت أدخل صاحبها الجنة لأنها عالية، وإذا خفت أدخل صاحبها النار الهاوية، لأنها في التخوم أسفل السافلين.
كما قال الله -عز وجل-: {فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية} [القارعة: 6 - 7] أي في جنة عالية. {وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} [القارعة: 8 - 9] أي أصله ومأواه ومرجعه نار حامية، وهي هاوية.
والناس في موازنة الأعمال على ثلاثة أضرب: منهم من ترجح حسناته على سيئاته، فيؤمر به إلى الجنة، ومنهم من ترجح سيئاته على حسناته، فيؤمر به إلى النار. ومنهم من لا ترجح إحداهما على الأخرى، فهم أصحاب الأعراف، ثم ينالهم الله برحمته إذا شاء فيدخلهم الجنة. فهو قوله -عز وجل-: {وعلى الأعراف رجال} [الأعراف: 46].
والذي يوزن صحائف أعمالهم على ما ذكرنا من تسعة وتسعين سجلًا وطريق ذلك النقل والسمع.
وأما المقربون فيدخلون الجنة بغير حساب، كما جاء في الحديث: «أنه يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، ومع كل واحد منهم سبعون ألفًا» على نص الحديث المشهور.
وأما الكافرون فيدخلون النار بغير حساب، ومن المؤمنين من يحاسب حسابًا يسيرًا ثم يؤمر به إلى الجنة على ما تقدم.
পৃষ্ঠা - ১৪৬
ومنهم من يناقش ثم أمره إلى الله -عز وجل- إن شاء أمر به إلى الجنة أو إلى النار. قال الله -عز وجل-: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسرًا * وينقلب إلى أهله مسرورًا} [الانشقاق: 7 - 9] الآية، وقال جل وعلا: {وكل إنسان ألزمانه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 13 - 14].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث علي -رضي الله عنه-: «إن الله يحاسب كل الخلق إلا من أشرك بالله، فإنه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار».
(فصل) ويعتقد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وهما الداران أعدهما الله تعالى.
إحداهما للنعيم والثواب لأهل الطاعة والإيمان، والأخرى للعقاب والنكال لأهل المعاصي والطغيان، وهما منذ خلقهما الله تعالى باقيتان لا تفنيان أبدًا، وهي الجنة التي كان فيها آدم وحواء -عليهما السلام- وإبليس اللعين، ثم أخرجا منها، القصة المشهورة.
وقد أنكرت المعتزلة ذلك، فأما الجنة فلا يدخلونها، وأما النار فلعمري هم فيها خالدون مخلدون لإنكارهم ولحكمهم بذلك للمؤمن الموحد المطيع لله -عز وجل- سبعين سنة بكبيرة واحدة، وفي كتاب الله العزيز -عز وجل- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكذيبهم. قال الله -عز وجل-: {وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
وقال -عز وجل-: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} [آل عمران: 131] وما كان معدًا كان موجودًا يعلمه كل عاقل فعلم أنهما مخلوقتان.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «دخلت الجنة فإذا أنا بنهري يجري؟ حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ماء يجري إذ مسك أذفر، قلت: يا جبريل ما هذا، قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله تعالى».
وقال -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: حين قيل له يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال عليه الصلاة والسلام: لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وبلاطها المسك الأذفر، وحصاها الياقوت واللؤلؤ، وترابها الورس والزعفران، من دخلها يخلد
পৃষ্ঠা - ১৪৭
ولا يموت وينعم ولا يبأس، ولا يخلق ثيابهم ولا يبلى شبابهم».
فهذا دليل على كونهما مخلوقتين، وأن نعيم الجنة دائم لا يفنى، كما قال الله تعالى: {أكلها دائم وظلها} [الرعد: 35]، وقال -عز وجل-: {لا مقطوعة ولا ممنوعة} [الواقعة: 33].
ومن نعيمها الحور العين خلقهن الله تعالى في الجنة للبقاء، لا يفنين ولا يمتن كما قال الله -عز وجل-: {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان} [الرحمن: 56]، وقوله تبارك وتعالى: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72].
وروت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله -عز وجل-: {كأمثال اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 23].
قال: صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف ... إلى أن قال: يقلن نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، وهن في دار حق ولا يقلن إلا حقًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صادق لا يقول إلا حقًا فقد أخبر أنهن خالدات لا يمتن أبدًا.
وروى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك إن يفارقك إلينا».
فإذا ثبت أنهما لا يفنيان وما فيهما أبدًا فلا يخرج الله تعالى من الجنة أحدًا، ولا يسلط على أهلها الموت فيها، ولا يزول عنهم نعيمها فهم في كل يوم في مزيد نعيم أبد الآباد.
وتمام نعيمهم أن الله -عز وجل- يأمر بالموت فيذبح على صورة كبش أملح بين الجنة والنار، وينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، على ما ورد به الخبر الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
পৃষ্ঠা - ১৪৮
(فصل) ويعتقد أهل الإسلام قاطبة أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم رسول الله، وسيد المرسلين وخاتم النبيين -عليهم السلام-، وأنه مبعوث إلى الناس كافة وإلى الجن عامة.
كما قال الله -عز وجل-: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28]، وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-: «إن الله فضلني على الأنبياء بأربع: أرسلني إلى الناس كافة ...» وذكر الحديث.
وأنه -صلى الله عليه وسلم- أعطى من المعجزات ما أعطى غيره من الأنبياء وزيادة، وقد عدها بعض أهل العلم ألف معجزة.
منها القرآن المنظوم على وجه مخصوص مفارق لجميع أوزان كلام العرب ونظمه وترتيبه وبلاغته وفصاحته على وجه جاوز فصاحة كل فصيح، وبلاغة كل بليغ، وعجزت العرب أن تأتي بمثله، ولا بسورة منه كما قال الله تعالى: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} [هود: 13] فلم يأتوا، ثم قال تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] فعجزوا عن ذلك مع براعتهم وفصاحتهم على أهل زمانهم، وانقطعوا فظهر فضله عليهم، فلذلك صار القرآن معجزة له -صلى الله عليه وسلم-، كالعصا في حق موسى -عليه السلام- لأن موسى بعث في زمن السحرة الحذاق في صنعتهم، فتلقفت عصا موسى -عليه السلام- ما سحروا به أعين الناس وخيلوه إليهم: {فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي السحرة ساجدين} [الأعراف: 119 - 120].
وكإحياء عيسى -عليه السلام- الموتى، وإبراءه الأكمه والأبرص لأنه -عليه السلام- بعث في زمن الناس فيه أطباء حذاق، يوقفون الأعلال والأسقام التي لا تبرأ ببراعتهم في حذق الصنعة، فانقادوا إليه وأمنوا به لمجاوزته في الصنعة عليهم وبراعته في المعجزة فيما تعاطوه منه.
ففصاحة القرآن وإعجازه معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- كالعصا وإحياء الموتى في حق موسى وعيسى عليهما السلام.
ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام نبع الماء من بين أصابعه وإطعام الزاد القليل
পৃষ্ঠা - ১৪৯
للخلق الكثير، وكلام الذراع المسموم، وقوله: لا تأكل مني فإني مسموم، وانشقاق القمر، وحنين الجذع، وكلام البعير، ومجيء الشجرة إليه، وغير ذلك مما يبلغ ألف معجزة على ما ذكروا.
وإنما لم يأت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل عصا موسى ويده البيضاء، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص ومثل ناقة صالح، والمعجزات التي كانت للأنبياء لأمرين اثنين.
أحدهما: لئلا يكذب بها أمته فيهلكوا كما هلكت الأمم قبلهم، كما قال الله تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} [الإسراء: 59].
والثاني: لو جاء بمثل ما جاء به الأولون لقالوا له ما جئت بغريب وقد تعلمت من موسى وعيسى، فأنت من أتباعهم لا نؤمن لك حتى تأتينا بما لم يأت به الأولون. ولهذا لم يؤت الله سبحانه نبيًا من أنبيائه معجزة غيره، بل خص كل نبي بمعجزة غير معجزة من كان قبله.
(فصل) ويعتقد أهل السنة أن أمة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأمم أجمعين، وأفضلهم أهل القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وبايعوه وتابعوه وقاتلوا بين يديه ومدوه بأنفسهم وأموالهم وعزروه ونصروه.
وأفضل أهل القرون أهل الحديبية الذين بايعوه بيعة الرضوان وهم ألف وأربعمائة رجل.
وأفضلهم أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا عدد أصحاب طالوت.
وأفضلهم الأربعون أهل دار الخيزران الذين كملوا بعمر بن الخطاب.
وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح.
وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون الأربعة الأخيار.
পৃষ্ঠা - ১৫০
وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله تعالى عنهم-.
ولهؤلاء الأربعة الخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثون سنة ولي منها أبو بكر -رضي الله عنه- سنتين وشيئًا، وعمر -رضي الله عنه- عشرًا، وعثمان -رضي الله عنه- اثنتي عشرة، وعلي -رضي الله عنه- تسعًا، ثم وليها معاوية تسعة عشرة سنة، وكان قبل ذلك ولاه عمر الإمارة على أهل الشام عشرين سنة.
وخلافة الأئمة الأربعة كانت باختيار الصحابة واتفاقهم ورضاهم، ولفضل كل واحد منهم في عصره وزمانه على من سواه من الصحابة ولم تكن بالسيف والقهر والغلبة والأخذ ممن هو أفضل منه.
وأما خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فباتفاق المهاجرين والأنصار كانت.
وذلك أنه لما توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قامت خطباء الأنصار فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فقالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: معاذ الله أن نتقدم أبا بكر.
وفي لفظ آخر قال عمر رضي الله تعالى عنه: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا كلهم: كلنا لا تطيب أنفسنا، نستغفر الله، فاتفقوا مع المهاجرين فبايعوه بأجمعهم، وفيهم علي والزبير.
ولهذا في النقل الصحيح: «لما بويع أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قام ثلاثًا يقبل على الناس يقول: يا أيها الناس أقلتكم بيعتي هل من كاره؟ فيقوم علي -رضي الله عنه- في أوائل الناس فيقول: لا نقيلك ولا نستقيلك أبدًا، قدمك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمن يؤخرك».
وبلغنا عن الثقات أن عليًا -رضي الله عنه- كان أشد الصحابة قولًا في إمامة أبي بكر -رضي الله عنه-.
وروي أن عبد الله بن الكراء دخل على علي بعد قتال الجمل وسأله: هل عهد إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الأمر شيئًا؟ فقال: نظرنا في أمرنا فإذا الصلاة عضد الإسلام
পৃষ্ঠা - ১৫১
فرضينا لدنيانا من رضى الله ورسوله لديننا، فولينا الأمر أبا بكر.
وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- في إمامة الصلاة المفروضة أيام مرضه، فكان يأتيه بلال وقت كل صلاة فيؤذنه بالصلاة، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: «مروا أبا بكر فليصل بالناس».
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم في شأن أبي بكر -رضي الله عنه- في حال حياته بما يتبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده.
وكذلك في حق عمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- أن كل واحد منهم أحق بالأمر في عصره وزمانه.
من ذلك ما روي عن ابن بطة بإسناده عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «قيل يا رسول الله من نؤمِّر بعدك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويًا أمينًا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عثمان تجدوه قائمًا بالدليل والبرهان، وإن تولوا عليًا تجدوه هاديًا مهديًا، فلذلك أجمعوا على خلافة أبي بكر -رضي الله عنه-».
وقد روي عن إمامنا أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -رحمه الله- رواية أخرى: إن خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- ثبتت بالنص الخفي والإشارة، وهذا مذهب الحسن البصري وجماعة من أصحاب الحديث -رحمهم الله-.
وجه هذه الرواية ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لما عرج بي إلى السماء سألت ربي -عز وجل- أن يجعل الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، فقالت الملائكة: يا محمد إن الله يفعل ما يشاء! الخليفة من بعدك أبو بكر».
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «الذي بعدي أبو بكر لا يلبث بعدي إلا قليلًا».
وعن مجاهد -رحمه الله- قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من دار الدنيا حتى عهد إلى أن أبا بكر يلي من بعدي، ثم عمر من بعده، ثم
পৃষ্ঠা - ১৫২
عثمان من بعده ثم علي من بعده.
وأما خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فإنها كانت باستخلاف أبي بكر له -رضي الله عنه-، فانقادت الصحابة إلى بيعته وسموه أمير المؤمنين، فقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: قالوا لأبي بكر -رضي الله عنه-: ما تقول لربك غدًا إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر وقد عرفت فظاظته؟ فقال: أقول استخلفت عليهم خير أهلك.
وأما خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، فكانت أيضًا عن اتفاق الصحابة -رضي الله عنهم-، وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أخرج أولاده عن الخلافة، وجعلها شورى بين ستة نفر، وهم طلحة، الزبير، سعد بن أبي وقاص، عثمان، علي، وعبد الرحمن ابن عوف، فأخرج طلحة، والزبير، وسعد أنفسهم منها، فبقيت بين علي، عثمان، وعبد الرحمن.
فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أنا أختار أحدكما لله ورسوله وللمؤمنين، فأخذ بيد علي -رضي الله عنه- فقال: عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله إن أنا بايعتك لتنصحن لله ولرسوله وللمؤمنين، ولتسيرن بسيرة رسول الله وأبي بكر وعمر، فخاف علي ألا يقوى على ما قووا عليه فلم يجبه.
ثم أخذ بيد عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، فأجابه عثمان على ذلك، فمسح يد عثمان فبايعه، وبايع علي -رضي الله عنه- معه، ثم بايع الناس أجمع.
فصار عثمان بن عفان خليفة من بين الستة باتفاق الكل.
فكان إمامًا حقًا إلى أن مات، ولم يوجد فيه أمر يوجب الطعن فيه ولا فسقه ولا قتله، خلاف ما قالت الروافض تبًا لهم.
وأما خلافة علي -رضي الله عنه- بعد عثمان فكانت عن اتفاق الجماعة وإجماع الصحابة، لما روي عن عبد الله بن بطة عن محمد بن الحنفية قال: كنت مع علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان محصورًا، فأتاه رجل فقال: إن أمير المؤمنين مقتول الساعة.
قال فقام علي -رضي الله عنه- فأخذت بوسطه تخوفًا عليه.
فقال: خل لا أم لك، قال فأتى على الدار وقد قتل عثمان -رضي الله عنه- فأتى داره فدخلها وأغلق بابه.
পৃষ্ঠা - ১৫৩
فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا: إن عثمان قد قتل ولابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحدًا أحق بها منك.
فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزير خير من أمير، قالوا: والله لا نعلم أحدًا أحق بها منك، قال -رضي الله عنه-: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرًا، ولكن أخرج إلى المسجد، فمن شاء أن يبايعني بايعني.
قال: فخرج -رضي الله عنه- إلى المسجد فبايعه الناس، فكان إمامًا حقًا إلى أن قتل -رضي الله عنه-، خلاف ما قالت الخوارج إنه لم يكن إمامًا قط. تبًا لهم إلى آخر الدهر.
وأما قتاله -رضي الله عنه- لطلحة والزبير وعائشة ومعاوية -رضي الله عنهم- فقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- على الإمساك عن ذلك، وجميع ما شجر بينهم من منازعة ومنافرة وخصومة.
لأن الله تعالى يزيل ذلك من بينهم يوم القيامة، كما قال -عز وجل-: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين} [الحجر: 47].
ولأن عليًا -رضي الله عنه- كان على الحق في قتالهم.
لأنه كان يعتقد صحة إمامته على ما بينا من اتفاق أهل الحل والعقد من الصحابة على إمامته وخلافته، فمن خرج عن ذلك بعد وناصبه حربًا كان باغيًا خارجًا على الإمام فجاز قتاله، ومن قاتله من معاوية وطلحة والزبير طلبوا ثأر عثمان بن عفان خليفة الحق المقتول ظلمًا، والذين قتلوه كانوا في عسكر علي -رضي الله عنه-، فكل ذهب إلى تأويل صحيح، فأحسن أحوالنا الإمساك في ذلك، وردهم إلى الله -عز وجل- وهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين، والاشتغال بعيوب أنفسنا وتطهير قلوبنا من أمهات الذنوب وظواهرنا من موبقات الأمور.
وأما خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- فثابتة صحيحة بعد موت علي -رضي الله عنه- وبعد خلع الحسن بن علي -رضي الله عنهما- نفسه من الخلافة وتسليمها إلى معاوية لرأي رآه الحسن ومصلحة عامة تحققت له، وهي حقن دماء المسلمين وتحقيق قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحسن -رضي الله عنه-: «إن ابني هذا سيد يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين».
পৃষ্ঠা - ১৫৪
فوجبت إمامته بعقد الحسن له، فسمى عامه عام الجماعة، لارتفاع الخلاف بين الجميع واتباع الكل لمعاوية -رضي الله عنه-، لأنه لم يكن هناك منازع ثالث في الخلافة.
وخلافته مذكورة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تدور رحى الإسلام خمسًا وثلاثين سنة أو ستًا وثلاثين أو سبعًا وثلاثين».
والمراد بالرحى، في هذا الحديث القوة في الدين والخمس السنين الفاضلة من الثلاثين فهي من جملة خلافة معاوية إلى تمام تسع عشرة سنة وشهور، لأن الثلاثين كملت بعلي -رضي الله عنه- كما بينا.
ونحسن الظن بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أجمعين، ونعتقد أنهن أمهات المؤمنين.
وأن عائشة -رضي الله عنها- أفضل نساء العالمين وبرأها الله تعالى من قول الملحدين فيها بما يقرأ ويتلى إلى يوم الدين.
وكذلك فاطمة بنت نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- -ورضي الله تعالى عنها وعن بعلها وأولادها- أفضل نساء العالمين، ويجب موالاتها ومحبستها كما يجب ذلك في حق أبيها -صلى الله عليه وسلم- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فاطمة بضعة مني، يريبني ما يريبها».
فهذا القرن هم الذين ذكرهم الله -عز وجل- في كتابه وأثنى عليهم، فهم المهاجرون الأولون والأنصاء الذين صلوا إلى القبلتين.
قال الله تعالى فيهم: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلًا وعد الله الحسنى} [الحديد: 10].
وقال -جل وعلا-: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55].
وقال تعالى: {والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا ...} إلى قوله {يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} [الفتح: 29].
وروى جعفر بن محمد عن أبيه في قوله -عز وجل-: {محمد رسول الله والذين معه} في العسر واليسر في الغار والعريش أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر بن الخطاب
পৃষ্ঠা - ১৫৫
{رحماء بينهم} عثمان بن عفان {تراهم ركعًا سجدًا} علي بن أبي طالب {يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا} طلحة والزبير حواريا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {سيماهم في وجوههم من اثر السجود} سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح هؤلاء العشرة {ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- {فآزره} بأبي بكر {فاستغلظ} بعمر {فاستوى على سوقه} بعثمان بن عفان {يعجب الزراع} بعلي بن أبي طالب {ليغيظ بهم} بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه {الكفار}.
واتفق أهل السنة على وجوب الكف عما شجر بينهم، والإمساك عن مساوئهم، وإظهار فضائلهم ومحاسنهم، وتسليم أمرهم إلى الله -عز وجل- على ما كان وجرى من اختلاف علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية -رضي الله عنهم- على ما قدمنا بيانه، وإعطائه كل ذي فضل فضله، كما قال الله -عز وجل-: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} [الحشر: 10].
وقال تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة: 134].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا».
وفي لفظ آخر: «إياكم وما شجر بين أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «طوبي لمن رآني ومن رأى من رآني».
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله».
وقال -صلى الله عليه وسلم- في رواية أنس: «إن الله -عز وجل- اختارني واختار لي أصحابي، فجعلهم أنصاري، وجعلهم أصهاري، وأنه سيجيء في آخر الزمان قوم ينقصونهم، ألا فلا تواكلوهم، ألا فلا تشاربوهم، ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا
পৃষ্ঠা - ১৫৬
عليهم، عليهم حلت اللعنة».
وروى جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة».
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اطلع الله على أهل بدر فقال يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
وروى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أصحابي مثل النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم».
وعن ابن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مات من أصحابي بأرض جعل شفيعًا لأهل تلك الأرض».
وقال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: من نطق في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكلمة فهو صاحب هوى.
وأهل السنة أجمعوا على السمع والطاعة لائمة المسلمين وابتاعهم، والصلاة خلف كل بر منهم وفاجر، والعادل منهم والجائر، ومن ولوه ونصبوه واستنابوه، وألا ينزلوا أحدًا من أهل القبلة بجنة ولا نار، مطيعًا كان أو عاصيًا، رشيدًا كان أو غاويًا أو عاتيًا إلا أن يطلع منه على بدعة وضلالة.
وأجمعوا على تسليم المعجزات للأنبياء، والكرامات للأولياء.
وأن الغلاء والرخص من قبل الله، لا من أحد من خلقه من السلاطين والملوك، ولا من الكواكب كما زعمت القدرية والمنجمون.
لما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الغلاء والرخص جندان من جنود الله، اسم أحدهما الرغبة، والآخر الرهبة.
فإذا أراد الله أن يغليه قذف الرغبة في قلوب التجار فحبسوه.
পৃষ্ঠা - ১৫৭
وإذا أراد أن يرخص قذف الرهبة في صدور التجار فأخرجوه من أيديهم».
والأولى للعاقل المؤمن الكيس أن يتبع ولا يبتدع، ولا يغالي ويعمق وتكلف لئلا يضل ويزل فيهلك.
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: إياك ومغمضات الأمور، وأن تقول للشيء ما هذا، فقال مجاهد -رحمه الله- حين بلغه هذا عن معاذ: قد كنا نقول للشيء ما هذا؟ فأما الآن فلا.
فعلى المؤمن اتباع السنة والجماعة، فالسنة ما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والجماعة ما اتفق عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خلافة الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين -رحمة الله عليهم أجمعين-.
وألا يكاثر أهل البدع ولا يدانيهم، ولا يسلم عليهم، لأن إمامنا أحمد بن حنبل -رحمه الله- قال: من سلم على صاحب بدعة فقد أحبه.
ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «افشوا السلام بينكم تحابوا».
ولا يجالسهم ولا يقرب منهم ولا يهنيهم في الأعياد وأوقات السرور، ولا يصلي عليهم إذا ماتوا، ولا يترحم عليهم إذا ذكروا بل يباينهم ويعاديهم في الله -عز وجل-، معتقدًا ومحتسبًا بذلك الثواب الجزيل والأجر الكثير.
وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من نظر إلى صاحب بدعة بغضًا له في الله ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا، ومن انتهر صاحب بدعة بغضًا له في الله أمنه الله يوم القيامة، ومن استحقر بصاحب بدعة رفعه الله تعالى في الجنة مائة درجة، ومن لقيه بالبشر أو بما يسره فقد استخف بما أنزل الله تعالى على محمد -صلى الله عليه وسلم-».
وعن أبي المغيرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أبى الله -عز وجل- أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته».
পৃষ্ঠা - ১৫৮
وقال فضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإيمان من قلبه.
وإذا علم الله -عز وجل- من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت الله تعالى أن يغفر ذنوبه وإن قل عمله، وإذا رأيت مبتدعًا في طريق فخذ طريقًا آخر.
وقال فضيل بن عياض -رحمه الله-: سمعت سفيان بن عيينة -رحمه الله- يقول: من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله تعالى حتى يرجع.
وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المبتدع، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرفًا ولا عدلًا».
يعني بالصرف: الفريضة، وبالعدل: النافلة.
وعن أبي أيوب السجستاني -رحمه الله- أنه قال: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا وحدثنا بما في القرآن، فاعلم أنه ضال.
(فصل) واعلم أن لأهل البدع علامات يعرفون بها.
فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر.
وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر: بالحشوية، ويريدون إبطال الآثار.
وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر: مجبرة.
وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة: مشبهة.
وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر: ناصبة.
وكل ذلك عصبية وغياظ لأهل السنة، ولا اسم لهم إلا اسم واحد: وهو «أصحاب الحديث».
ولا يلتصق بهم ما لقبهم به أهل البدع، كما لم يلتصق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- تسمية كفار مكة له ساحرًا وشاعرًا ومجنونًا ومفتونًا وكاهنًا، ولم يكن اسمه عند الله وعند ملائكته وعند إنسه وجنه وسائر خلقه إلا رسولًا نبيًا بريًا من العاهات كلها.
قال الله تعال: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلًا} [الإسراء: 48].
পৃষ্ঠা - ১৫৯
هذا آخر ما ألفنا في باب معرفة الصانع والاعتقاد على مذهب أهل السنة والجماعة على وجه الاختصار والقدرة.
* * *
ثم نردف هذه الجملة بفصلين آخرين: لا يسع العاقل المؤمن جهلهما إذا أراد سلوك المحجة.
أحد الفصلين: فيما لا يجوز إطلاقه على الباري -عز وجل- من الصفات، وأخلاق العباد والنقائض، وما يجوز من ذلك.
والفصل الثاني: في بيان مقالة الفرق الضالة عن طريق الهدى الداحضة الحجة في يوم الدين والمحاسبة.
* * *
পৃষ্ঠা - ১৬০
أما الفصل الأول:
فبما لا يجوز إطلاقه على الباري -عز وجل- من الصفات
ويستحيل إضافته إليه من الأخلاق، وما يجوز من ذلك
لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بالجهل والشك والظن وغلبة الظن والسهو والنسيان والسنة والنوم والغلبة والغفلة والعجز والموت والخرس والصمم والعمى والشهوة والنفور والميل والحرد والغيظ والحزن والتأسف والكمد والحسرة والتلهف والألم واللذة والنفع والمضرة والتمني والعزم والكذب، ولا يجوز أن يسمى إيمانًا خلاف ما قالت السالمية، وتعلقهم بقوله -عز وجل-: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [المائدة: 5] محمول على أنه من يكفر بوجوب الإيمان، كان كمن كفر بالرسول، وما جاء به -صلى الله عليه وسلم- من الله -عز وجل- من الأوامر والنواهي.
ولا يجوز أن يوصف -عز وجل- بأنه مطيع ولا محبل لنساء العالم.
ولا يجوز عليه الحد ولا النهاية، ولا القبل ولا البعد، ولا تحت ولا قدام، ولا خلف ولا كيف، لأن جميع ذلك ما ورد به الشرع إلا ما ذكرناه من أنه على العرش استوى، على ما ورد به القرآن والأخبار، بل هو -عز وجل- خالق لجميع الجهات ولا يجوز عليه الكمية.
واختلف في جواز إطلاق تسميته بالشخص، فمن جوز ذلك فلقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: (لا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه المعاذير من الله).
ومن منع ذلك فلأن لفظ الخير ليس بصريح في الشخص لاحتماله أن يكون معناه: لا أحد أغير من الله.
وقد ورد في بعض الألفاظ: (لا أحد أغير من الله).
ولا يجوز أن يسمى فاضلاً وعتيقًا وفقيهًا ولا فهيمًا ولا فطنًا ولا محققًا وعاقلًا وموقرًا ولا طيبًا، وقيل يجوز.
পৃষ্ঠা - ১৬১
ولا عاديًا، لأن ذلك منسوب إلى زمن عاد وهو محدث، ولا مطيقًا لأنه خالق كل طاقة وهي متناهية، ولا محفوظًا لأنه هو الحافظ.
ولا يجوز وصفه بالمباشرة، ولا يجوز وصفه بأنه مكتسب، لأن ذلك محدث بقدرة محدثة، والله تعالى منزه عن ذلك.
ولا يجوز عليه العدم وهو قديم لا بقدم، ولا أول لوجوده خلاف ما قال ابن كلاب من أنه قديم بقدم، وهو باق لا ببقاء، وهو -عز وجل- عالم بمعلومات غير متناهية، قادر بمقدورات غير متناهية خلاف ما أذاعت المعتزلة من أن كل ذلك متناه.
وأما الصفات التي يجوز وصفه -عز وجل- بها: فالفرح والضحك والغضب والسخط والرضا، وقد قدمنا ذلك في أول الباب.
ويجوز وصفه -عز وجل- بأنه موجود لقوله -عز وجل-: {ووجد الله عنده} [النور: 39].
ويجوز وصفه بأنه شيء لقوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: 19].
ويجوز أن يوصف بأنه: نفس وذات وعين من غير تشبيه بجارحة الإنسان على ما تقدم بيانه.
ويجوز وصفه بأنه كائن من غير حد لقوله تعالى: {وكان الله بكل شيء عليمًا} [الأحزاب: 40، الفتح: 26].
{وكان الله على كل شيء رقيبًا} [الأحزاب: 52].
ويجوز وصفه بأنه قديم وباق، وبأنه مستطيع، لأن معنى الاستطاعة القدرة، وهو موصوف بالقدرة.
ويجوز وصفه بأنه سيد، ويجوز وصفه بأنه عارف ومتين وواثق ودري ودار.
لأن جميع ذلك راجع إلى معنى العالم، ولم يرد الشرع بمنع ذلك ولا اللغة، بل قال الشاعر:
اللهم لا أدري ... وأنت الداري
ويجوز وصفه بأنه راء ويرجع إلى معنى العالم، ويجوز وصفه بأنه مطلع على خلقه وعباده بمعنى عالم بهم، وكذلك واجد بمعنى عالم.
ويجوز وصفه بأنه جميل ومجمل، يعني في الصنع إلى خلقه.
পৃষ্ঠা - ১৬২
ويجوز وصفه بأنه ديان، على معنى أن مجاز لعباده على أفعالهم.
الدين: الحساب، «كما تدين تدان» {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4] أي يوم الحساب، وعلى معنى الشارع لعباده عبادة وشريعة دعاهم إليها، وفرض ذلك عليهم ثم هو يجازيهم على ما فعلوا فيها.
ويجوز وصفه بأنه مقدر على معنى التقدير: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49]، {الذي قدر فهدى} [الأعلى: 3].
وعلى معنى الخبر قال تعالى: {إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين} [الحجر: 60]، أي أخبرنا لوطًا -عليه السلام- أن امرأته من الباقين في العذاب من دون أهله، ولا يجوز أن يكون معناه الظن والشك -تعالى الله عن ذلك-.
ويجوز وصفه بأنه ناظر على معنى أنه راء مدرك للأشياء، لا على معنى أنه مترو مفكر، تعالى عن ذلك.
ويجوز وصفه أنه شفيق على معنى الرحمة بخلقه والرأفة بهم، لا على معنى الخوف والحزن.
وكذلك يجوز وصفه بأنه رفيق على معنى الرحمة والتعطف بخلقه لا على معنى التثبيت في الأمور والإجمال في إصلاحها والسلامة من عواقبها.
ويجوز وصفه بأنه سخي كما يجوز وصفه بأنه كريم وجواد لأن معنى الكل التفضل والإحسان إلى خلقه.
ولا يقصد بذلك الرخاوة واللين على ما هو في اللغة مستعمل في أرض سخية وقرطاس سخي إذا كانا لينين.
ويجوز وصفه بأنه أمر وناه، ومبيح وحاضر، ومحلل ومحرم، وفارض وملهم، وموجب ونادب، ومرشد وقاض، وحاكم على ما ذكرناه.
وكذلك يجوز وصفه بأنه واعد ومتوعد، ومخوف ومحذر، وذام ومادح، ومخاطب ومتكلم، وقائل كل ذلك راجع إلى معنى أنه موصوف بالكلام.
ويجوز وصفه بأنه معدم على معنى أنه لم يوجد ولم يفعل، وعلى معنى أنه معدم
পৃষ্ঠা - ১৬৩
لما أوجده بعد إيجاده بقطع البقاء عنه فينعدم بذلك.
ويجوز وصفه بأنه فاعل بمعنى أنه مخترع لذات ما فعله، وخالق له، وجاعل بقدرته، فاستحق لذلك هذا الوصف، لا على معنى المباشرة للأشياء لأن حقيقة ذلك تلاقي الأجسام ومماستها، والله سبحانه متعال عن ذلك.
وكذلك يجوز وصفه بأنه جاعل على معنى أنه فاعل وفعله مفعول، كقوله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} [الإسراء: 12].
ويجوز أن يكون الجعل بمعنى الحكم، قال -عز وجل-: {إنا جعلناه قرآنًا عربيًا} [الزخرف: 3].
ويجوز وصفه بأنه تارك في الحقيقة كما وصف بأنه فاعل، على معنى أنه فاعل ضد فعله الآخر بدلًا من الأول بقدرته العامة الشاملة، لا على معنى كف النفس ومنعها عما يدعو إلى فعله.
ويجوز وصفه بأنه يوجد على معنى أنه يخلق؟ وكذلك يجوز وصفه بأنه مكون على معنى أنه موجد.
ويجوز وصفه بأنه مثبت على معنى أنه يوجد في الشيء البقاء والثبا، كما قال -عز وجل-: {يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت} [إبراهيم: 27]، وقوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39].
ويجوز وصفه بأنه عامل وصانع بمعنى خالق.
ويجوز وصفه بأنه مصيب، على معنى أن أفعاله واقعة على ما قصده وأراده من غير تفاوت وتزايد وتناقص، لأنه تعالى عالم بها وبحقائقها وكيفياتها، لا على معنى أن ذلك موافق لأمر آمر أمره بفعلها، تعالى عن ذلك.
ويجوز إطلاق هذه الصفة على عبد من عبيده فيقال له إنه مصيب، بمعنى أنه مطيع لربه، متبع لأمره، منته لنهيه، وكذلك إذا كان مطيعًا لمن هو فوقه ورئيسه.
ويجوز وصف أفعاله -عز وجل- بأنه صواب على معنى أنها حق وثابت.
ويجوز وصفه بأنه مثيب ومنعم، على معنى أنه يجعل المثاب منعمًا معظمًا.
وكذلك يجوز وصفه بأنه معاقب ومجاز، على معنى أنه يهين العاصي ويؤلمه على معصيته.
পৃষ্ঠা - ১৬৪
ويجوز وصفه بأنه قديم الإحسان على معنى أنه موصوف بالخلق والرزق في القدم، قال الله -عز وجل-: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101].
ويجوز وصفه بأنه دليل، وقد نص الإمام أحمد عليه في حق رجل قال له: زودني دعوة فإني أريد الخروج إلى طرطوس، فقال له: قل يا دليل الحائرين، دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين.
ويجوز وصفه بأنه طبيب لما روي عن أبي رمثة التميمي أنه قال: «كنت مع أبي عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرأيت على كتف النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل التفاحة. قال: فقال أبي: يا رسول الله إني طبيب أفأطبها لك، قال -صلى الله عليه وسلم- طبيبها الذي خلقها».
وروى عن أبي السفر أنه قال: مرض أبو بكر -رضي الله عنه- فعادوه فقالوا له: ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال قد رآني، قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: قال لي إني فعال لما أريد.
وكذلك يروى أن أبا الدرداء -رضي الله عنه- مرض، فعادوه، فقالوا له: أي شيء تشتكي؟ قال: ذنوبي، فقالوا: أي شيء تشتهي؟ قال: الجنة، قالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: هو أمرضني.
فإذا ثبت هذا على ما ذكرنا فلا يجوز أن يدعا -عز وجل- بكل اسم لا يجوز إطلاقه عليه -عز وجل-، على ما ذكرنا في أول الفصل.
وإنما يجوز أن يدعا بما يسمى به من الأسماء التي يجوز وصفه بها، وصفاته التي يجوز أن يوصف بها، وقد ذكرنا التسعة والتسعين اسمًا فيما تقدم، فهي آكد في الدعاء.
وإذا أراد أن يصفه ويدعو بما ذكرنا في هذا الفصل جاز ذلك، إلا أنه يجتنب في دعائه من أن يدعوه -عز وجل- بقوله يا ساخر يا مستهزئ يا ماكر يا خادع، ومبغض وغضبان، ومنتقم ومعاد، ومعدم ومهلك، فلا يدعو بها وإن كان مما يجوز وصفه بها على وجه الجزاء والمقابلة لأهل الإحرام على وجه الاستحقاق.
* * *
পৃষ্ঠা - ১৬৫
وأما الفصل الثاني:
في بيان مقالة الفرق الضالة عن طريق الهدى
فالأصل في ذلك ما روي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن مثل أخذهم إن شبرًا فشبرًا وإن ذراعًا فذراعًا وإن باعًا فباعًا، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم فيه معهم.
ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى بإحدى وسبعين فرقة كلها ضالة، إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم.
ثم إنها افترقت على عيسى ابن مريم باثنين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم.
ثم إنكم تكونون على ثلاث وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم».
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي الذين يقيسون الأمور برأيهم يحرمون الحلال ويحللون الحرام».
وعن عبد الله بن زيد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. وستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: وما تلك الواحدة؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي».
وهذا الافتراق الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في زمانه ولا في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-.
পৃষ্ঠা - ১৬৬
وإنما كان بعد تقادم السنين والأعوام، وفوت الصحابة والتابعين والفقهاء السبعة فقهاء المدينة، وعلماء الأمصار وفقهائها قرنًا بعد قرن، وقبض العلم بموتهم إلا شرذمة قليلة، وهم الفرقة الناجية فحفظ الله الدين بهم.
كما روي عن عروة عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى لا ينزع العلم من صدور الرجال بعد أن يعطيهم، ولكن يذهب بالعلماء، فكلما ذهب بعالم ذهب معه من العلم حتى يبقى من لا يعلم، فَيَضِلون ويُضَلون».
وفي لفظ آخر عن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا فافتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».
وعن كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«إن الدين ليأزر إلى الحجاز كما تأزر الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبي للغرباء. قيل: ومن الغرباء؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي بعدي».
وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لا يأتي على الناس زمان إلا أماتوا فيه سنة وأحيوا فيه بدعة.
وعن الحارث عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال:
ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفتن فقلنا: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كتاب الله هو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تلتبس له الألسن، هو
পৃষ্ঠা - ১৬৭
الذي لم تنته الجن إذا سمعته أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنًا عجبًا} [الجن: 1] من قال به صدق، ومن حكم به عدل».
وعن عبد الرحمن بن عمر العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال:
«صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت بها القلوب ورمضت منها الجلود، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش من بعدي يرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجر من اتبعه، لا ينقص من أجورهم شيء، وأيما داع دعا إلى الضلالة فاتبع فعليه مثل أوزار من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيء».
(فصل) فأصل ثلاث وسبعين فرقة عشرة: أهل السنة، والخوارج، والشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والمشبهة، والجهمية، والضرارية، والنجارية، والكلابية.
فأهل السنة طائفة واحدة، والخوارج خمس عشرة فرقة، والمعتزلة ست فرق، والمرجئة اثنتا عشرة فرقة، والشيعة اثنتان وثلاثون فرقة، والجهمية والنجارية والضرارية والكلابية كل واحدة فرقة واحدة، والمشبهة ثلاث فرق، فجميع ذلك ثلاث وسبعون فرقة على ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
* أما الفرقة الناجية فهي أهل السنة والجماعة.
وقد بينا مذهبهم واعتقادهم على ما قدمنا ذكره.
وتسمى هذه الفرقة الناجية القدرية والمعتزلة: مجبرة لقولها إن جميع المخلوقات بمشيئة الله تعالى وقدرته وإرادته وخلقه.
পৃষ্ঠা - ১৬৮
وتسميها المرجئة شكاكية لاستثنائها في الإيمان، يقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، على ما قدمنا بيانه.
وتسميها الرافضة ناصبة، لقولها باختيار الإمام ونصبه بالعقد.
وتسميها الجهمية والنجارية مشبهة، لإتيانها صفات الباري -عز وجل- من العلم والقدرة والحياة وغيرها من الصفات.
وتسميها الباطنية حشوية، لقولها بالأخبار وتعلقها بالآثار.
وما اسمهم إلا أصحاب الحديث وأهل السنة، على ما بينا.
* * *
* وأما الخوارج فلهم أسام وألقاب:
سموا الخوارج؛ لخروجهم على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
وسموا محكمة؛ لإنكارهم الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، ولقولهم لا حكم إلا لله، لا حكم الحكمين.
وسموا أيضًا حرورية؛ لأنهم نزلوا بحروراء، وهو موضع.
وسموا شراة؛ لقولهم شرينا أنفسنا في الله: أي بعناها بثواب الله وبرضاه الجنة.
وسموا مارقة؛ لمروقهم من الدين، وقد وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه.
فهم الذين مرقوا من الدين والإسلام، وفارقوا الملة وشردوا عنها وعن الجماعة، وضلوا عن سواء الهدى والسبيل وخرجوا على السلطان، وسلوا السيف على الأئمة، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وكفروا من خالفهم، ويسبون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصهاره، ويتبرؤون منهم ويرمونهم بالكفر والعظائم، ويرون خلافهم، ولا يؤمنون بعذاب القبر ولا الحوض ولا الشفاعة، ولا يخرجون أحدًا من النار، ويقولون: من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو كافر وفي النار مخلد.
ولا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم، ويرون تأخير الصلاة عن وقتها والصوم قبل رؤية الهلال، والفطر مثل ذلك، والنكاح بغير ولي.
ويرون المتعة والدرهم بالدرهمين يدًا بيد حلالًا.
পৃষ্ঠা - ১৬৯
ولا يرون الصلاة في الخفاف ولا المسح عليها ولا طاعة السلطان ولا خلافة قريش.
وأكثر ما يكون الخوارج بالجزيرة وعمان والموصل وحضرموت ونواحي المغرب.
والذي وضع لهم الكتب وصنفها عبد الله بن زيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وسعيد بن هارون.
فهم خمس عشرة فرقة:
- منهم النجدات: نسبوا إلى نجدة بن عامر الحنفي، من اليمامة وتميم، وهم أصحاب عبد الله بن ناصر.
ذهبوا إلى أن من كذب كذبة أو أتى صغيرة وأصر عليها فهو مشرك، وإن زنى وسرق وشرب الخمر من غير أن يصر عليها فهو مسلم، وأنه لا يحتاج إلى إمام إنما الواجب العلم بكتاب الله فحسب.
- ومنهم الأزارقة: وهم أصحاب نافع بن الأزرق ذهبوا إلى أن كل كبيرة كفر وأن الدار دار كفر، وأن أبا موسى وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- كفرا بالله حين حكمهما علي -رضي الله عنه- بينه وبين معاوية -رضي الله عنه- في النظر في الأصلح للرعية.
ويرون أيضًا قتل الأطفال، يعني أولاد المشركين، ويحرمون الرجم، ولا يحدون قاذف المحصن، ويحدون قاذف المحصنات.
- ومنهم الفدكية: منسوبة إلى ابن فديك.
- ومنهم العطوية: منسوبة إلى عطية بن الأسود.
- ومنهم العجاردة: وهم فرق كثيرة.
- ومنهم اليمونية: جميعًا.
يجيزون بنات البنين وبنات البنات وبنات الإخوة وبنات الأخوات، ويقولون إن سورة يوسف ليست من القرآن.
- ومنهم الخازمية: تفردت بأن الولاية والعداوة صفتان في ذاته تعالى.
وتشعبت الخازمية من المعلومية، ذهبت إلى أن من لم يعلم الله بأسمائه فهو جاهل، ونفوا أن تكون الأفعال خلقًا لله تعالى، وأن تكون الاستطاعة مع الفعل.
পৃষ্ঠা - ১৭০
ومن أصل الخمس عشرة:
- المجهولية: وهي تقول أن من علم الله بعض أسمائه فهو عالم به غير جاهل.
- ومنهم الصلتية: وهي منسوبة إلى عثمان بن الصلت، وادعت أن من استجاب لنا وأسلم وله طفل فليس له إسلام حتى يدرك، ويدعوه فإن أبى فيقتله.
- ومنهم الأخنسية: منسوبة إلى رجل يقال له الأخنس، ذهبوا إلى أن السيد يأخذ من زكاة عبده ويعطيه من زكاته إذا احتاج وافتقر.
- ومنهم الصفرية: والحفصيلة طائفة متشعبة منها، يزعمون أن من عرف الله وكفر بما سواه من رسول وجنة ونار، وفعل سائر الجنايات من قتل النفس، واستحلال الزنا فهو بريء من الشرك، وإنما يشرك من جهل الله وأنكره فحسب.
ويزعمون أن الحيران الذي ذكره الله تعالى في القرآن هو على وحزبه وأصحابه، يدعونه إلى الهدى ائتنا، وهم أهل النهروان.
- ومنهم الأباضية: زعموا أن جميع ما افترضه الله تعالى على خلقه إيمان، وأن كل كبيرة فهو كفر نعمة لا كفر شرك.
- ومنهم البيهسية: منسوبة إلى أبي بيهس، تفردوا فزعموا أن الرجل لا يكون مسلمًا حتى يعلم جميع ما أحل الله له وحرم عليه بعينه ونفسه.
ومن البيهسية من يقول: كل من واقع ذنبًا حرامًا عليه ليس يكفر حتى يرفع إلى السلطان فيحده عليه، فحينئذ يحكم بالكفر.
- ومنهم الشمراخية: منسوبة إلى عبد الله بن الشمراخ زعم أن قتل الأبوين حلال.
وكان حين ادعى ذلك في دار التقية، فتبرأت منه الخوارج بذلك.
- ومنهم البدعية: قولها كقول الأزارقة، وتفردت بأن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشى، لقول الله -عز وجل-: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: 114].
واتفقت مع الأزارقة على جواز سبي النساء وقتل الأطفال من الكفار مغتالًا لقوله تعالى: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26].
واتفقت جميع الخوارج على كفر علي -رضي الله عنه- لأجل التحكيم، وعلى كفر مرتكب الكبيرة، إلا النجدات فإنها لم توافقهم على ذلك.
পৃষ্ঠা - ১৭১
* (فصل) وأما الشيعة فلهم أسام منها: الشيعة والرافضة والغالية والطيارة.
وإنما قيل لها الشيعة، لأنها شيعت عليًا -رضي الله عنه- وفضلوه على سائر الصحابة.
وقيل لها الرافضة لرفضهم أكثر الصحابة وإمامة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
وقيل سموا الروافض لرفضهم زيد بن علي لما تولى أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وقال بإمامتهما، وقال زيد: رفضوني، فسموا رافضة.
وقيل إن الشيعي من لا يفضل عثمان على علي -رضي الله عنهما-، لأن الرافضي من فضل عليًا على عثمان -رضي الله عنهما-.
ومنهم القطعية لقبوا به لقطعهم على موت موسى بن جعفر ومنهم الغالية سموا بذلك لغلوهم في علي -رضي الله عنه-، وقولهم فيه ما لا يليق به من صفات الربوبية والنبوة.
والذين صنفوا كتبهم: هشام بن الحكم، وعلي بن منصور، وأبو الأحوص، والحسين بن سعيد والفضل بن شاذان وأبو عيسى الوراق وابن الراوندي والمنيجي.
وأكثر ما يكونون في بلاد قم وقاشان وبلاد إدريس والكوفة.
(فصل) فأما الرافضة، فهم ثلاثة أصناف: الغالية، والزيدية، والرافضة.
أما الغالية فيتفرق منها اثنتا عشرة فرقة:
منها البيانية والطيارية، والمنصورية، والمغيرية، والخطابية، والمعمرية، والبزيعية، والمفضلية، والمنتاسخة، والشريعية، والسبئية، والمفوضة.
وأما الزيدية فتشعبت ست شعب:
منها الجارودية، والسليمانية، والبترية، والنعيمية، واليعقوبية، والسادسة لا تنكر الرجعة ويتبرؤون من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
وأما الرافضة فتفرقت أربع عشرة فرقة:
القطعية، الكيسانية، الكريبية، العميرية، المحمدية، الحسينية، الناوسية، الإسماعيلية، القرامطة، المباركية، الشميطية، العمارية، الممطورية، الموسوية، والإمامية.
والذي اتفقت عليه طوائف الرافضة وفرقها، إثبات الإمامة عقلًا وأن الإمامة نص،
পৃষ্ঠা - ১৭২
وأن الأئمة معصومون من الآفات من الغلط والسهو والخطأ.
ومن ذلك إنكارهم إمامة المفضول والاختيار الذي قدمناه في ذكر الأئمة.
ومن ذلك تفضيلهم عليًا -رضي الله عنه- على جميع الصحابة وتنصيصهم على إمامته بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتبرؤهم من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وغيرهما من الصحابة إلا نفرًا منهم سوى ما حكى عن الزيدية، فإنهم خالفوهم في ذلك.
ومن ذلك أيضًا ادعاؤهم أن الأمة ارتدت بتركهم إمامة علي -رضي الله عنه- إلا ستة نفر.
وهم علي وعمار والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ورجلان آخران.
ومن ذلك قولهم: إن للإمام أن يقول لست بإمام في حال التقية.
وأن الله تعالى لا يعلم ما يكون قبل أن يكون، وإن الأموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب.
إلا الغالية منهم، فإنها زعمت بأن لا حساب ولا حشر.
ومن ذلك قولهم: أن الإمام يعلم كل شيء ما كان وما يكون من أمر الدنيا والدين حتى عدد الحصى وقطر الأمطار وورق الشجر، وأن الأئمة تظهر على أيديهم المعجزات كالأنبياء -عليهم السلام-.
وقال الأكثرون منهم: إن من حارب عليًا -رضي الله عنه- فهو كافر بالله -عز وجل-، وأشياء ذكروها غير ذلك.
وأما الذي انفردت به كل فرقة:
فمنهم الغالية: وقد ادعت أن عليًا -رضي الله عنه- أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
وادعت أنه ليس بمدفون في التراب كبقية الصحابة -رضي الله عنهم-، بل هو في السحاب يقاتل أعداءه تعالى من فوق السحاب، وأنه كرم الله وجهه يرجع في آخر الزمان يقتل مبغضيه وأعداءه، وأن عليًا وسائر الأئمة لم يموتوا، بل هم باقون إلى أن تقوم الساعة، ولا يجوز عليهم الموت.
وادعت أيضًا أن عليًا -رضي الله عنه- نبي وأن جبريل -عليه السلام- غلط في نزول
পৃষ্ঠা - ১৭৩
الوحي عليه.
وادعت أيضًا أن عليًا كان إلهًا -عليهم لعنة الله وملائكته وسائر خلقه إلى يوم الدين، وقلع آثارهم وأباد خضراءهم، ولا جعل منهم في الأرض ديارًا.
لأنهم بالغوا في غلوهم ومردوا على الكفر، وتركوا الإسلام وفارقوا الإيمان، وجحدوا الإله والرسل والتنزيل، فنعوذ بالله ممن ذهب إلى هذه المقالة.
ويتفرع عن الغالية:
- البيانية: وهم ينسبون إلى بيان بن سمعان.
ومن جملة فريتهم وأباطيلهم أن الله على صورة الإنسان. كذبوا على الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، قال -عز وجل-: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
- وأما الطيارية: من الغالية، وهي منسوبة إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار يقولون بالتناسخ، وأن روح آدم -عليه السلام- روح الله نسخت فيه.
والمتعمقون من الغالية القائلون بالتناسخ يزعمون أن الروح المنقولة إلى هذه الدار بعد أن خرجت من الدنيا بالموت أول ما تنسخ في حمل، ثم تنقل إلى ما دون هيكله أبدًا حالًا بعد حال، إلى أن تنقل إلى دود العذرة وما شاكل ذلك، وهو آخر ما ينسخ فيه.
حتى قال بعضهم: إن أرواح العصاة تنسخ في الحديد والطين والفخار، وتكون معذبة بالنار والطبخ والضرب والسبك والابتذال والامتهان عقابًا على إجرامهم.
- وأما المغيرية: فمنسوبة إلى مغيرة بن سعيد، ادعى النبوة، وزعم أن الله نور على صورة رجل، وادعى إحياء الموتى وغير ذلك.
- وأما المنصورية: فمنسوبة إلى أبي منصور، كان يزعم أنه صعد إلى السماء، ومسح الرب رأسه، وزعم أن عيسى -عليه السلام- أول خلق الله، ثم علي -رضي الله عنه-، ورسل الله لا تنقطع، وأن لا جنة ولا نار، وتزعم هذه الطائفة أن من قتل أربعين نفسًا ممن خالفهم دخل الجنة، ويستحلون أموال الناس، وأن جبريل -عليه السلام- أخطأ بالرسالة، وهو الكفر الذي لا يشوبه شيء.
- وأما الخطابية: فمنسوبة إلى أبي الخطاب، يزعمون أن الأئمة أنبياء أمناء، وفي كل وقت رسول ناطق وصامت فمحمد ناطق وعلي -رضي الله عنه- صامت.
পৃষ্ঠা - ১৭৪
- وأما المعمرية: فكذلك تقول، وانفردت عن الخطابية بالزيادة في ترك الصلاة.
- وأما البزيعية: المنسوبة إلى بزيع، زعموا أن جعفرًا هو الله فلا يرى ولكن شبه هذه الصورة، تبًا لهم ما أعظم فريتهم وكذبهم وأباطيلهم، بل يحطون إلى أسفل السافلين، إلى الهاوية والدرك الأسفل من النار بمقالتهم السوء ودعواهم الزور.
- وأما المفضلية: فمنسوبة إلى المفضل الصيرفي، ينتحلون الرسالة والنبوة، وقولهم في الأئمة كقول النصارى في المسيح.
- وأما الشريعية: فمنسوبة إلى شريع، زعموا أن الله تعالى في خمسة أشخاص النبي وآله، يعني في النبي وآله وهم: العباس وعلي وجعفر وعقيل.
- وأما السبئية: فمنسوبة إلى عبد الله بن سبأ، من دعواهم أن عليًا لم يمت، وأنه يرجع قبل يوم القيامة، والسيد الحميري منهم.
- وأما المفوضية: فهم القائلون إن الله فوض تدبير الخلق إلى الأئمة، وإن الله تعالى قد أقدر النبي -صلى الله عليه وسلم- على خلق العالم وتدبيره، وإن كان ما خلق الله من ذلك شيئًا، وكذلك قالوا في حق علي -رضي الله عنه-، ومنهم من إذا رأى السحاب سلم عليه، يزعم أن عليًا -رضي الله عنه- فيه، على ما بينا من قبل.
- وأما الزيدية: فإنما سموا بذلك لميلهم إلى قول زيد بن علي في تولية أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
- وأما الجارودية: فمنسوبة إلى أبي الجارود، زعموا أن عليًا -رضي الله عنه- وصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الإمام.
وقالوا إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص على علي -رضي الله عنه- بصفته لا باسمه، ويسوقون الإمامة إلى الحسين، ثم هي شورى بينهم فيمن خرج منهم.
- وأما السليمانية: فمنسوبة إلى سليمان بن كثير، قال زرقان: زعموا أن عليًا كرم الله وجهه كان الإمام، وأن بيعة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- خطأ، لا يستحقان اسم السبق، وأن الأمة تركت الأصلح.
- وأما البترية: فمنسوبة إلى الأبتر وهو النواء، وكان يلقب به وزعموا أن بيعة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ليست بخطأ، لأن عليًا -رضي الله عنه- ترك الإمارة لهما، وهم واقفون في عثمان، ويقولون علي إمام حين بويع.
পৃষ্ঠা - ১৭৫
- وأما النعيمية: فمنسوبة إلى نعيم بن اليمان، وهي تقول بقول الأبترية، إلا أنها تبرأت من عثمان -رضي الله عنه- وكفرت به.
- وأما اليعقوبية: فيقولون بإمامة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إلا أنهم يقولون بتفضيل علي عليهما وينكرون الرجعة، فهي تنسب إلى رجل يقال له يعقوب.
- ومنهم من تبرأ من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويقولون بالرجعة.
(فصل) وأما الرافضة فالأربع عشرة فرقة التي تفرعت عنها:
- أولها القطعية: سموا بذلك لقطعهم على موت موسى بن جعفر، ساقوا الإمامة إلى محمد بن الحنفية، وهو القائم المنتظر.
- والثانية: الكيسانية: وهي منسوبة إلى كيسان، يقولون بإمامة محمد بن الحنفية، لأنه دفع إليه الراية بالبصرة.
- والثالثة: الكريبية: وهم أصحاب ابن كريب الضرير.
- والرابعة العميرية: وهم أصحاب عمير وهو إمامهم إلى خروج المهدي.
- والخامسة المحمدية: وقد زعمت أن القائم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين، وأنه أوصى إلى أبي منصور دون بني هاشم، كما أوصى موسى -عليه السلام- إلى يوشع بن نون دون ولده وولد هارون.
- وأما السادسة الحسينية: زعمت أن أبا منصور أوصى إلى ولده الحسين بن أبي منصور وهو الإمام بعده.
- وأما الناوسية: فلقبوا به لأنهم نسبوا إلى ناوس البصري.
- وأما الإسماعيلية: فقد قالوا إن جعفرًا ميت والإمام بعده إسماعيل، وقالوا إنه يملك، وهو المنتظر عندهم.
- وأما القرامطة: فهم يسوقون الإمامة إلى جعفر، وأن جعفرًا نص على وراثة محمد ابن إسماعيل، ومحمد لم يمت وهي حي، وهو المهدي.
- وأما المباركية: فمنسوبة إلى رئيسهم المبارك، زعموا أن محمد بن إسماعيل مات، وأن الإمامة في ولده.
- وأما الشمطية: فمنسوبة إلى رئيسهم يقال له يحيى بن شميط، زعموا أن الإمام جعفر ثم محمد بن جعفر ثم في ولده.
পৃষ্ঠা - ১৭৬
- وأما المعمرية: ويقال لهم الأفطحية، لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين، يقولون إن الإمام بعد جعفر ابنه عبد الله وهم عدد كثير.
- وأما الممطورية: فسموا بذلك لأنهم ناظروا يونس بن عبد الرحمن وهو من القطعية الذين يقطعون على موت موسى بن جعفر، فقال لهم يونس: أنتم أهون من الكلاب الممطورة، فلزمهم هذا اللقب، ويسمون الواقفة، لوقوفهم على موسى بن جعفر، وقولهم هو حي لم يمت، ولا يموت، وهو المهدي عندهم.
- أما الموسوية: فسموا بذلك لوقوفهم في موسى وقولهم لا ندري أميت هو أم حي؟ وقالوا إن صحت إمامة غيره أنفذوها.
- وأما الإمامية: فيسوقون الإمامة إلى محمد بن الحسن، وأنه القائم المنتظر الذي يظهر فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا.
- وأما الزرارية: فهم أصحاب زرارة، ادعى ما ادعت العمارية، وقيل إنه ترك مقالتها وأنه سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل ولم يعلمها فصار إلى موسى بن جعفر.
فقد شبهت مذاهب الروافض باليهودية؛ قال الشعبي: محبة الروافض محبة اليهود، قالت اليهود: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من ولد علي بن أبي طالب؛ وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال، وينزل بسبب من السماء، وقالت الروافض: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء، وتؤخر اليهود صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الروافض يؤخرونها؛ واليهود تزول عن القبلة شيئًا، وكذلك الرافضة؛ واليهود تنور في الصلاة، وكذلك الرافضة؛ واليهود تسدل أبوابها في الصلاة، وكذلك الروافض؛ واليهود تستحل دم المسلم، وكذلك الروافض؛ واليهود لا ترى على النساء عدة، وكذلك الرافضة؛ واليهود لا ترى في الطلاق الثلاث شيئًا، وكذلك الروافض؛ واليهود حرفت التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن؛ لأنهم قالوا القرآن غير وبدل، وخولف بين نظمه وترتيبه، وأحيل عما أنزل عليه، وقرئ على وجوه غير ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه قد نقص منه وزيد فيه؛ واليهود يبغضون جبريل -عليه السلام- ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الروافض يقولون غلط جبريل -عليه السلام- بالوحي إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإنما بعث إلى علي -رضي الله عنه-، كذبوا تبًا لهم إلى آخر الدهر.
পৃষ্ঠা - ১৭৭
* (فصل) وأما المرجئة ففرقها اثنتا عشرة فرقة:
الجهمية، والصالحية، الشمرية، اليونسية، اليونانية، النجارية، الغيلانية، الشبيبية، الغسانية، المعاذية، المريسية، والكرامية.
وإنما سموا المرجئة لأنها زعمت أن الواحد من المكلفين إذا قال لا إله إلا الله محمدًا رسول الله وفعل بعد ذلك سائر المعاصي لم يدخل النار أصلًا.
وأن الإيمان قول بلا عمل، والأعمال الشرائع، والإيمان قول مجرد، والناس لا يتفاضلون في الإيمان، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يستثنى فيه، فمن أقر بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن.
(فصل):
- وأما الجهمية: فمنسوبة إلى جهم بن صفوان، وكان يقول: الإيمان هو المعرفة بالله ورسوله وجميع ما جاء من عنده فقط.
ويزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله تعالى لم يكلم موسى، وأنه تعالى لم يتكلم ولا يرى ولا يعرف له مكان وليس له عرش ولا كرسي، ولا هو على العرش.
وأنكروا الموازين وعذاب القبر، وكون الجنة والنار مخلوقين.
وادعوا أنهما إذا خلقتا تفنيان، والله -عز وجل- لا يكلم خلقه ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا ينظر أهل الجنة إلى الله تعالى ولا يرونه فيها، وأن الإيمان معرفة القلب دون إقرار اللسان، وأنكروا جميع صفات الحق -عز وجل-، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
- وأما الصالحية: فإنما سميت بذلك لقولها بمذهب أبي الحسين الصالحي.
وكان يقول: الإيمان هو المعرفة، والكفر هو الجهل، وإن قول من قال ثالث ثلاثة ليس بكفر وإن كان لا يظهر إلا ممن كان كافرًا، وأن لا عبادة إلا الإيمان.
- وأما اليونسية: فمنسوبة إلى يونس البري، زعم أن الإيمان هو المعرفة والخضوع والمحبة لله -عز وجل-، وأنه من ترك خصلة منها فهو كافر.
- وأما الشمرية: فمنسوبة إلى أبي شمر، زعم أن الإيمان هو المعرفة والخضوع والمحبة والإقرار بأنه واحد {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] وذلك باجتماعه إيمانًا.
পৃষ্ঠা - ১৭৮
وقال أبو شمر: لا أسمى من ركب الكبيرة فاسقًا على الإطلاق دون أن أقول فاسق في كذا وكذا.
- وأما اليونانية: فمنسوبة إلى يونان، زعموا أن الإيمان هو الإيمان والإقرار بالله ورسله، وما يجوز في العقل إلا أن يفعله.
- وأما النجارية: فمنسوبة إلى الحسين بن محمد النجار.
يقولون: إن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله، وفرائضه المجتمع عليها، والخضوع له والإقرار باللسان، فمتى جهل منه شيئًا وقامت عليه الحجة ولم يقر به كان كافرًا.
- وأما الغيلانية: فمنسوبة إلى غيلان، وافقوا الشمرية وزعموا أن العلم بحدوث الأشياء ضروري، والعلم بالتوحيد باللسان.
وفي حكاية زرقان أن غيلان يقول: بأن الإيمان هو الإقرار باللسان وهو التصديق.
- وأما الشبيبية: فهم أصحاب محمد بن شبيب.
زعموا أن الإيمان هو الإقرار بالله والمعرفة بوحدانيته ونفى التشبيه عنه.
وزعم محمد أن الإيمان كان في إبليس، وإنما كفر لاستكباره.
- وأما الغسانية: فهم أصحاب غسان الكوفي، زعم أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله وبما جاء من عنده جملة على ما ذكره البرهوتي في كتاب الشجرة.
- وأما المعاذية: فمنسوبة إلى معاذ الموصي، كان يقول: من ترك طاعة الله يقال له إنه فسق، ولا يقال فاسق، والفاسق ليس بعدو لله ولا ولي.
- وأما المريسية: فمنسوبة إلى بشر المريسي، يزعمون أن الإيمان هو التصديق، وأن التصديق يكون بالقلب واللسان وإلى هذا كان يذهب ابن الراوندي.
وزعم أيضًا أن السجود للشمس ليس بكفر ولكنه إمارة الكفر.
(فصل):
- وأما الكرامية: فمنسوبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام، زعموا أن الإيمان هو الإقرار باللسان دون القلب، وأن المنافقين كانوا مؤمنين في الحقيقة.
ومن قولهم إن الاستطاعة تتقدم الفعل مع وجود كونها مقارنة له، بخلاف ما قال أهل السنة من أنها مع الفعل، ولا يجوز أن تتقدمه من غير شرط.
ومؤلفو كتبهم: أبو الحسين الصالحي، ابن الراوندي، محمد بن شبيب، الحسين ابن محمد النجار.
পৃষ্ঠা - ১৭৯
وأكثر ما يكون مذهبهم بالمشرق ونواحي خراسان.
* * *
* (فصل) في ذكر مقالة المعتزلة والقدرية:
وإنما سموا المعتزلة لاعتزالهم الحق، وقيل لاعتزالهم أقاويل المسلمين، لأن الناس كانوا مختلفين في مرتكب الكبيرة.
فقال بعضهم: هم مؤمنون بما معهم من الإيمان، وقال بعضهم: هم كافرون، فأحدث واصل بن عطاء قولًا ثالثًا وفارق المسلمين واعتزل المؤمنين فقال: ما هم بمؤمنين ولا كافرين فسموا بذلك المعتزلة.
وقيل: إنما سموا بذلك، لاعتزالهم مجلس الحسن البصري -رحمه الله-، فمر الحسن بهم وقال: هؤلاء معتزلة فلقبوا بذلك.
وهم يقتدون بعمرو بن عبيد، ولما غضب الحسن البصري على عمرو بن عبيد عوتب في ذلك، فقال: أتعاتبونني في رجل رأيته يسجد للشمس من دون الله في المقام؟
وسموا أيضًا قدرية لردهم قضاء الله -عز وجل- وقدره في معاصي العباد، وإتيانهم بها بأنفسهم.
ومذهب المعتزلة والجهمية والقدرية في نفي الصفات واحد، وقد ذكرنا بعض مذاهبهم في الاعتقاد.
ومؤلفوا كتبهم: أبو الهذيل، وجعفر بن حرب، الخياط، الكعبي، أبو هاشم، أبو عبد الله البصري، عبد الله الجبار بن أحمد الهمداني.
وأكثر ما يكون مذهبهم بالعسكر والأهواز وجهرم.
وهم ست فرق: الهذلية، النظامية، المعمرية، الجبائية، الكعبية، والبهشمية.
والذي اجتمعت عليه فرق المعتزلة نفي الصفات جميعها.
فنفت أن يكون له -عز وجل- علم وقدرة وحياة وسمع وبصر.
وكذلك نفي الصفات المثبتة بالسمع، من الاستواء والنزول وغير ذلك.
واجتمعت أيضًا على أن كلام الله محدث، وإرادته محدثة، وأنه تعالى تكلم بكلام خلقه في غيره، ويريد بإرادة محدثة، لا في محل، وأنه تعالى يريد خلاف معلومه، ويريد من عباده ما لا يكون، ويكون ما لا يريد، وأنه تعالى لا يقدر على مقدورات غيره، بل يستحيل ذلك.
পৃষ্ঠা - ১৮০
وأنه لم يخلق أفعال عبيده، بل هم الخالقون لها دون ربهم.
وإن كثر ما يتغذاه الإنسان لم يرزقه الله إذا كان حرامًا، وإنما الذي يرزق الله الحلال دون الحرام، وأن الإنسان قد يقتل دون أجله، والقاتل يقطع أجله قبل حينه.
وأن من ارتكب كبيرة من الموحدين وإن لم يكن كفرًا فإنه يخرج بها من إيمانه، ويخلد في النار أبد الآبدين، وتبطل جميع حسناته.
وأبطلوا شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكبائر، وأكثرهم نفوا عذاب القبر والميزان، ورأوا الخروج على السلطان وترك طاعته.
وأنكروا انتفاع الميت بدعاء الحي له والصدقة عنه ووصول ثوابها إليه.
وزعمت أيضًا أن الله سبحانه لم يكلم آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا -صلوات الله عليهم أجمعين-، ولا جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل ولا حملة العرش ولا ينظر إليهم مثل ما لا يكلم إبليس واليهود والنصارى.
وأما الذي انفردت به كل فرقة منها:
- أما الهذيلية: فقد انفرد شيخهم أبو الهذيل بأن لله علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا، وأن كلام الله بعضه مخلوق وبعضه غير مخلوق، وهو قوله تعالى: {كن} [البقرة: 117، آل عمران، 47، 59، الأنعام: 73، النحل: 40، مريم: 35، يس: 82، غافر: 68].
وقال: إن الله تعالى ليس بخلاف خلقه، وأن مقدور الله متناه فيبقى أهل الجنة لا حركة لهم، والله تعالى لا يقدر على تحريكهم ولا هم يقدرون على ذلك.
ويجوز أن يكون الميت والمعدوم والعاجز يفعل الأفعال، وأبى أن يكون الله تعالى لم يزل سميعًا.
- وأما النظامية: فكان شيخهم النظام يقول: إن الجمادات تفعل بإيجاب الخلقة.
وكان ينفيى الأعراض إلا الحركة الاعتمادية، ويقول: إن الإنسان هو الروح، وإن أحدًا لم ير النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما رأى ظرفه يعني جسمه.
وخرق الإجماع فقال: من ترك الصلاة عامدًا ذاكرًا فلا إعادة عليه.
وكان ينفي إجماع الأمة، ويجوز اجتماعها على باطل، ويقول: إن الإيمان مثل الكفر، والطاعة كالمعصية وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- كفعل إبليس اللعين وأن سيرة عمر وعلي -رضي الله عنهما- كسيرة الحجاج.
وإنما التزم ذلك وركبه لأنه كان يقول إن الحيوان كله جنس واحد.
পৃষ্ঠা - ১৮১
وزعم أن القرآن ليس بمعجز في نظمه، وأن الله تعالى ليس بقادر على تحريق الطفل ولو كان على شفير جهنم، ولا على طرحه فيها.
وهو أول من قال بالكفر من أهل القبلة، وكان يقول: إن الجسم يتجزأ إلى ما لا غاية له.
وكان يقول: إن الحيات والعقارب والخنافس في الجنة، وكذلك الكلاب والخنازير في الجنة.
- أما المعمرية: فكان شيخهم معمر يقول بقول أهل الطبائع ويتجاوز ويزعم أن الله تعالى لم يخلق لونًا ولا طعمًا ولا رائحة ولا موتًا ولا حياة، ولأن ذلك كله فعل الجسم بطبعه.
وكان يقول إن القرآن فعل الأجسام، وليس هو بفعل الله تعالى.
وأنكر أن يكون الله تعالى قديمًا -تبًا له وأبعده الله تعالى مع هذه المقالة-.
- أما الجبائية: فكان شيخهم الجبائي، خرق الإجماع وشذ عنه في أشياء منها:
أنه كان يقول: إن العباد خالقون لأفعالهم ولم يسبقه إلى هذه المقالة أحد.
وكان يقول: إن الله تعالى أحبل نساء العالمين بخلقه الحبل فيهن.
وكان يقول: إن الله مطيع لعباده إذا فعل ما أراده.
وقال من حلف أن يعطي غريمه حقه غدًا واستثنى في ذلك بقول إن شاء الله لم ينفعه الاستثناء، فإذا لم يعط حنث.
وكان يقول من سرق خمسة دراهم كان فاسقًا، وإن نقصت منه حبة لم يفسق.
- وأما البهشمية: فمنسوبة إلى أبي هاشم بن الجبائي.
وكان أبو هاشم يجوِّز أن يكون المكلف قادرًا، وهو لا يكون فاعلًا ولا تاركًا، فيعاقبه الله تعالى على فعله.
وكان يقول: من تاب من سائر الذنوب إلا ذنبًا واحدًا لم تصح توبته فيما تاب منه.
- وأما الكعبية: فمنسوبة إلى أبي القاسم الكعبي وكان بغدادي المذهب.
فأنكر أن يكون الله سميعًا بصيرًا، وأن يكون مريدًا بالحقيقة، وأن إرادة الله تعالى من فعل عباده هي الأمر به، وإرادته من فعل نفسه فعله، وزعم أن العالم كله ملأ، وأن المتحرك إنما هو الصفحة الأولى من الأجسام، وأن الإنسان لو تدهن بدهن ومشى لم يكن المتحرك، وإنما الدهن هو المتحرك.
পৃষ্ঠা - ১৮২
وكان يقول: إن القرآن محدث ولا يقول مخلوق.
* * *
(فصل) في ذكر مقالة المشبهة، فهم ثلاث فرق: الهشامية، المقاتلية، الواسمية.
والذي اتفقت عليه الفرق الثلاث إن الله جسم، وأنه لا يجوز أن يعقل الموجود إلا جسمًا، والذي غلب عليهم التشبيه فرق الروافض والكرامية.
والذي ألف كبتهم: هشام بن الحكم، وله كتاب في إثبات الجسم.
- أما الهشامية: فمنسوبة إلى هشام بن الحكم زعم أن الله تعالى جسم طويل عريض عميق نور ساطع له قدر من الأقدار كالسبيكة الصافية يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد.
وحكى عنه أنه قال: أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار، وقيل له: ربك أعظم أم أحد؟ فقال ربي أعظم.
- وأما المقاتلية: فمنسوبة إلى مقاتل بن سليمان حكى عنه أنه قال: إن الله تعالى جسم، وإنه جثة على صورة الإنسان لحم ودم وله جوارح وأعضاء من رأس ولسان وعنق.
وإنه في جميع ذلك لا يشبه الأشياء، والأشياء لا تشبهه.
* * *
(فصل) في ذكر مقالة الجهمية:
تفرد جهم بن صفوان بأن الإنسان إنما ينسب إليه ما يظهر منه على المجاز لا على الحقيقة، كما يقال: طالت النخلة وأدركت الثمرة.
وكان يأبى أن يقول: (إن الله شيء ويقول يحدث علم الله ويمتنع أن يقول)، إن الله كان عالمًا بالأشياء قبل كونها، ويقول: إن الجنة والنار تفنيان وينفي الصفات.
وكان مذهب جهم بترمذ وهو بلد، وقيل بمرو، وله تآليف في نفي الصفات، قتله مسلم بن أحور المازني.
* * *
- وأما الضرارية: فمنسوبة إلى ضرار بن عمرو، وكان يقول ضرار إن الأجسام أعراض مجتمعة، وجوز أن تنقلب الأعراض أجسامًا، وأن الاستطاعة بعض المستطيع وهي قبل الفعل ومع الفعل، وأنكر قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب -رضي الله عنه-.
* * *
পৃষ্ঠা - ১৮৩
- وأما النجارية: فهي منسوبة إلى الحسين بن محمد النجار كان يثبت فعل الفاعلين بالحقيقة لله وللعبد.
وكان يقول بنفي الصفات، وقال بقول المعتزلة في نفي الصفات، إلا في نفي الإرادة، فإنه أثبت أن القديم مريد لنفسه.
وكان يقول بخلق القرآن، ويقول إن الله مريد على معنى أنه ليس بمقهور ولا مغلوب، وإن الله متكلم بمعنى أنه ليس بعاجز عن الكلام، وأنه لم يزل جوادًا بمعنى نفي البخل عنه.
ومذهبه موافق لمذهب ابن عون وابن يوسف الرازي، وأكثر ما يكون مذهبه بقاشان.
* * *
- وأما الكلابية: فمنسوبة إلى عبد الله بن كلاب، وكان يقول صفات الله ليست بقديمة ولا محدثة، وكان يقول: لا أقول صفاه هي هو، ولا هي غيره، وإن معنى الاستواء نفي الاعوجاج في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وإن الله لم يزل على ما كان عليه من قبل وأن لا مكان له، ونفى أن يكون القرآن حروفًا.
(فصل) في ذكر مقالة السالمية: وهي منسوبة إلى ابن سالم.
من قولهم إن الله سبحانه يرى يوم القيامة في صورة آدمي محمدي، وإنه -عز وجل- يتجلى لسائر الخلق يوم القيامة من الجن والإنس والملائكة والحيوان أجمع لكل واحد في معناه، وفي كتاب الله تكذيبهم، وهو في قوله -عز وجل-: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].
ومن قولهم إن لله تعالى سرًا لو أظهره لبطل التدبير، وللأنبياء سرًا لو أظهروه لبطلت النبوة، وللعلماء سرًا لو أظهروه لبطل العلم.
وهذا فاسد، لأن الله تعالى حكيم وتدبيره محكم لا يتطرق نحوه البطلان والفساد، وما ذكروه يؤدي إلى إبطال حكمته تعالى وهذا كفر.
ومن قولهم إن الكفار يرون الله تعالى في الآخرة ويحاسبهم.
ومن قولهم إن إبليس سجد لآدم في الثانية، وفي القرآن تكذيبهم، وهو قول الله -عز وجل-: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} [البقرة: 34]، وقوله تعالى: {إلا إبليس لم يكن من الساجدين} [الأعراف: 11].
পৃষ্ঠা - ১৮৪
ومن قولهم: إن إبليس ما دخل الجنة، وفي القرآن تكذيبهم، وهو قوله تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم} [الحجر: 24، وص: 77].
ومن قولهم: إن جبريل كان يجيء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يبرح من مكانه.
ومن قولهم إن الله تعالى لما كلم موسى -عليه السلام- أعجب موسى بنفسه، فأوحى الله إليه يا موسى أتعجبك نفسك، مد عينيك، فمد موسى عينيه فنظر فإذا مائة طور، على كل طور موسى.
وهذا منكر عند أهل النقل وأصحاب الحديث، وقد أوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من كذب عليه فقال: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».
ومن قولهم إن الله تعالى يريد من العباد الطاعات ولا يريد منهم المعاصي، وإنه -عز وجل- أرادها بهم لا منهم.
وهذا باطل منهم، لأن الله تعالى قال: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا} [المائدة: 41] يعني كفره، وقال الله تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه} [الأنعام: 112]، {ولو شاء الله ما فعلوه} [الأنعام: 137]، وقال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [البقرة: 253].
ومن قولهم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحفظ القرآن قبل النبوة وقبل أن يأتيه جبريل -عليه السلام-.
وفي القرآن تكذيبهم، وهو قوله تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52]، وقوله تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: 48].
ومن قولهم: إن الله تعالى يقرأ على لسان كل قارئ، وإنهم إذا سمعوا القرآن من قارئ فإنما يسمعونه من الله.
وهذا القول يفضي إلى الحلول، نعوذ بالله من ذلك، ويؤدي إلى أن الله تعالى يلحن ويغلط، وهذا كفر.
ومن قولهم: إن الله تعالى في كل مكان، ولا فرق بين العرش وغيره من الأمكنة.