مستدرك تاريخ مدينة دمشق
المستدرك من حرف الهاء
ذكر من اسمه هارون
[9732] إسماعيل بن أبي موسى
[9733] إسماعيل بن يسار النسائي أبو فائد
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫২
[بسم «1» الله الرحمن الرحيم
المستدرك من حرف الهاء
ذكر من اسمه هارون
[10013] هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو جعفر- ويقال: أبو محمد- أمير المؤمنين
بويع بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي بعهد من أبيه المهدي «2» . قدم الشام غير مرة للغزو.
[روى عن أبيه، وجده، ومبارك بن فضالة.
روى عنه: ابنه المأمون وغيره] «3» .
حدث هارون الرشيد عن جده المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن أبي هاشم
__________
[10013] ترجمته في تاريخ خليفة (الفهارس) الأخبار الطوال (الفهارس) وتاريخ بغداد 14/5 وتاريخ الطبري (الفهاري) ومروج الذهب (الفهارس) الكامل لابن الأثير (الفهارس) البداية والنهاية (الفهارس) ، تاريخ الخلفاء ص 340 سير الأعلام 9/286. تاريخ اليعقوبي (الفهارس) شذرات الذهب 1/334.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৩
عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا نكاح إلا بولي، وما كان بغير ولي فهو مردود»
[14316] .
قال هارون على المنبر: حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«اتقوا النار ولو بشق تمرة»
[14317] .
مر الرشيد بدير مران «1» ، فاستحسنه. وهو على تل تحته رياض زعفران وبساتين، فنزله، وأمر أن يؤتى بطعام خفيف، فأتي به، فأكل، وأتي بالشراب. ودعا بالندماء والمغنين، فخرج إليه صاحب الدير، وهو شيخ كبير هرم، فسأله واستأذنه في أن يأتيه بشيء من طعام الديارات، فأذن له، فإذا أطعمه نظاف، وإدام في نهاية الحسن، فأكل منها أكثر أكله. وأمره بالجلوس فجلس يحدثه، وهو يشرب إلى أن جرى ذكر بني أمية، فقال له الرشيد: هل نزل منهم أحد؟ قال: نعم، نزل بي الوليد بن يزيد وأخوه الغمر، فجلسا في هذا الموضع. فأكلا وشربا وغنيا. فلما دبّ فيهما السكر وثب الوليد إلى ذلك الجرن فملأه وشرب به، وملأه، وسقى به أخاهالغمر، فما زالا يتعاطيانه حتى سكرا، وملأه لي دراهم، فنظر إليه الرشيد، فإذا هو عظيم لا يقدر على أن يشرب ملأه، فقال: أبي بنو أمية إلا أن يسبقونا إلى اللذات سبقا لا يجاريهم أحد فيه، ثم أمر برفع النبيذ من بين يديه، وركب من وقته.
كان الرشيد يقول: الدنيا أربعة منازل قد نزلت منها ثلاثة: أحدها الرقة، والآخر دمشق، والآخر الري في وسطه نهر، وعن جنبيه أشجار ملتفة متصلة، وفيما بينهما سوق.
والمنزل الرابع سمرقند، وهو الذي بقي عليّ أنزله، وأرجو ألا يحول الحول في هذا الوقت حتى أحل به. فما كان بين هذا وبين أن توفي إلّا أربعة أشهر فقط.
كان أبو جعفر الرشيد ولد بالري سنة ست وأربعين ومئة، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين ومئة «2» . وكان سنة يحج وسنة يغزو «3» .
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৪
قال أبو السعلي «1» «2» :
فمن يطلب لقاءك أو يرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر «3» وفي أرض البنيّة «4» فوق كور
وما جاز الثغور سواك خلق من المستخلفين «5» على الأمور
وأم الرشيد والهادي واحدة هي الخيزران وفيها يقول الشاعر «6» :
يا خيزران هناك ثم هناك أمسى العباد يسوسهم ابناك «7»
واستخلف هارون يوم مات أخوه موسى، وكان هارون أبيض، طويلا، مسمنا، جميلا، قد وخطه «8» الشيب «9» .
ولما «10» بويع الرشيد في سنة سبعين ومئة في اليوم الذي توفي فيه الهادي ولد المأمون في تلك الليلة، فاجتمعت له بشارة الخلافة، وبشارة الولد، وكان يقال: ولد في هذه الليلة خليفة، وولي خليفة، ومات خليفة. وكان ينزل الخلد «11» . وحكى بعض أصحابه أنه كان
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৫
يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج حج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاث مئة رجل بالنفقة السابغة [والكسوة الظاهرة] «1» وكان يقتفي أخلاق المنصور، ويعمل بها إلا في العطايا والجوائز. فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداء وسؤالا، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاءه، ولا يمنعه عطاء اليوم من عطاء غد. وكان يحب الفقه والفقهاء، ويميل إلى العلماء. ويحب الشعر والشعراء، ويعظم [في صدره] «2» الأدب والأدباء، ويكره المراء في الدين والجدال، ويقول: إنه لخليق ألا ينتج خيرا، ويصغي إلى المديح ويحبه، ويجزل عليه العطاء لا سيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد.
وكان نقش خاتم هارون بالحميرية، وخاتم الخاصة: لا إله إلا الله.
قال أبو معاوية الضرير «3» :
حدثت الرشيد هارون بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل» . فبكى هارون حتى انتحب وقال له: يا أبا معاوية، ترى لي أن أغزو؟ قلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك أعظم، ولكن ترسل الجيوش
[14318] .
قال أبو معاوية:
ما ذكرت النبي صلّى الله عليه وسلّم بين يديه إلا قال: صلى الله على وسيدي ومولاي «4» .
وفي «5» سنة ست وثمانين ومئة أقام الحج الرشيد هارون، وجدد البيعة لابنيه «6» محمد المخلوع، وعبد الله المأمون، وكتب بينهما شروطا، وعلق الكتاب بالكعبة.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৬
وفي «1» سنة تسعين غزا الرشيد الروم، وفرق القواد في بلادهم «2» ، وأقام هو بطوانة «3» ، وسأله الطاغية أن ينصرف عنه، ويعطيه مالا، فأبى، أو يعطيه فدية وخراجا، ويبعث إليه بجزية عن رأسه ورأس ابنه، فبعث إليه ثلاثين ألف دينار جزية «4» ، وأربعة دنانير جزية عن رأسه ودينارين عن رأس ابنه.
وفي سنة ثلاث وسبعين ومئة حج بالناس هارون «5» ، وهي السنة التي قسم فيها للناس صغيرهم وكبيرهم درهما درهما.
وفي سنة ثلاث وسبعين فتحت سمالوا «6» .
وفي سنة تسعين فتح هرقلة «7» ، وقال أبو العتاهية فيها «8» :
الحمد لله اللطيف بخلقه إنا لنجزع والإمام صبور
فتحت هرقلة بعد طول تمنّع إنّي بكلّ مسرّة مسروروإمامنا فيها أغرّ محجّل وحجوله يوم القيامة نور
إن حطّ رحل الحج أعمل سرجه للغزو ينجد مرة ويغور
همم لهارون الإمام بعيدة أبدا لهن مواسم وثغور
هارون شيّد كل عز كان أس سه له المهديّ والمنصور
هارون هارون المدافع ربّه عنه هو المحفوظ والمستور
قفل الإمام وقد تكامل فيئه وأقام جزيته له النقفور «9»
روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৭
«يكون من ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين»
[14319] .
ومن «1» بارع شعر أبي الشيص قوله يمدح الرشيد عند هزيمة نقفور، وفتح بلاد الروم من قصيد:
شددت أمير المؤمنين قوى الملك صدعت بفتح الروم أفئدة الترك
قريت سيوف الله هام عدوّه وطأطأت بالإسلام ناصية الشرك
فأصبحت مسرورا ولا يعني «2» ضاحكا وأصبح نقفور على ملكه يبكي
كان أبو معاوية الضرير عند الرشيد، فجرى الحديث إلى حديث أبي هريرة أن موسى لقي آدم «3» ، فقال: أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة؟ ... الحديث، فقال رجل قرشي كان عنده من وجوه قريش: أين لقي آدم موسى؟ فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق والله يطعن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: كانت منه باردة ولم يفهم يا أمير المؤمنين حتى أسكنه «4» .
وفي رواية «5» :
فغضب الرشيد وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به، فحبس، فقال: والله ما هو إلا شيء خطر ببالي، وحلف بالعتق وصدقة المال ومغلّظات الأيمان ما سمعت من أحد، ولا جرى بيني وبين أحد في هذا كلام. قال: فلما عرف الرشيد ذلك قال: فأمر به فأطلق، وقال:
إنما توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذي خرج منه، فيدلني عليهم فأستبيحهم، وإلا فأنا على يقين أن القرشي لا يتزندق.
قال رجل من قواد هارون «6» : دخلت على هارون وبين يديه رجل مضروب العنق،
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৮
ورجل معه سيف ملطخ بالدم يمسحه على قفاه، ففزعت لما رأيته فقال: قتلت هذا الرجل [لأنه] «1» كان يقول: القرآن مخلوق، تقرّبت إلى الله بدمه.
قال أبو بكر بن عياش «2» : قلت لهارون: يا أمير المؤمنين، انظر هذه العصابة الذين يحبون أبا بكر وعمر، ويفضلونهم «3» فأكرمهم يعزّ سلطانك، ويقوى، فقال: أو لست كذلك؟ أنا والله كذلك، أنا والله كذلك، أنا والله أحبهم، وأحب من يحبهم، وأعاقب من يبغضهم.
جاء جنديان يسألان عن منزل أبي بكر بن عياش، قال: فقلت: ما تريدان منه؟ فقالا:
أنت هو؟ قلت: نعم، فقالا: أجب الخليفة، قلت: أدخل ألبس ثوبي، قالا: ليس إلى ذلك سبيل، فأرسلت من جاءني بثيابي، ومضيت معهم إلى الرشيد بالحيرة، فدخلت عليه، فقال:
لا أرانا إلا قد رعناك. إن أبا معاوية الضرير حدثني بحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكون قوم بعدي ينبزون «4» بالرافضة فاقتلوهم، فإنهم مشركون» فو الله لئن كان حقا لأقتلنّهم. فلما رأيت ذلك خفت منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، لئن كان ذلك فإنهم ليحبونكم أشد من نبي الله، وهم إليك أميل، فسرّي عنه، ثم أمر لي بأربع بدر «5» ، فأخذتها. ولقيني رجل منهم فقال: يا أبا بكر، أخذت الدراهم، ما عذرك عند الله؟ فقلت: عذري عند الله أني خلصت من القتل.
دخل ابن السماك على هارون فقال: يا أمير المؤمنين، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك «6» .
وقال له مرة «7» : يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل لم يجعل أحدا فوقك، فلا ينبغي «8» أن يكون أحد أطوع لله عز وجل منك.
قال ابن السماك:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৫৯
بعث إلي هارون فأتيته، فأخذني خصيان حتى انتهيا «1» بي إليه في بهو، فقال لهما هارون: أرفقا بالشيخ، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما مرّ بي يوم منذ ولدتني أمي أنا أنصب فيه من يومي هذا، فاتق الله يا أمير المؤمنين، واعلم أن لك مقاما بين يدي الله أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك، فاتق الله في خلقه، واحفظ محمدا في أمته، وانصح نفسك في رعيتك، واعلم أن الله أخذ سطواته وانتقامه من أهل معاصيه بكم، فاضطرب على فراشه حتى وقع على مصلى بين يدي فراشه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، هذا ذل الصفة، فكيف لو رأيت ذل المعاينة، فكادت نفسه تخرج، وكان يحيى بن خالد إلى جنبه، فقال للخصيّين: أخرجاه، فقد أبكى أمير المؤمنين.
بعث «2» هارون إلى محمد بن السماك، فقال له يحيى بن خالد: أتدري لم بعث إليك أمير المؤمنين؟ قال: لا أدري، قال له يحيى: بعث لما بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة «3» ، فقال له ابن السماك: أما ما بلغ أمير المؤمنين عني ذلك فبستر الله الذي ستره علي، ولولا ستره لم يبق لنا ثناء، ولا التقاء على مودة، فالستر هو الذي أجلسني بين يديك يا أمير المؤمنين. إني والله ما رأيت وجها أحسن من وجهك، فلا تحرق وجهك بالنار، فبكى هارون بكاء شديدا، ثم دعا بماء فاستسقى «4» ، فأتي بقدح فيه ماء، فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء؟ قال: قل ما أحببت، قال: يا أمير المؤمنين، لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ قال: نعم، قال: فاشرب، بارك الله فيك. فلما فرغ من شربه قال له: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قال: نعم، قال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه «5» ؟ فبكى هارون واشتد «6» بكاؤه،
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬০
فقال يحيى بن خالد: يابن السماك، قد أذيت أمير المؤمنين، فقال له: وأنت يا يحيى فلا تغرنك رفاهية العيش ولينه.
قال «1» يحيى بن خالد لابن السماك: إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز، ولا تكثر عليه، فدخل عليه، وقام بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله مقاما، وإن لك من مقامك منصرفا، فانظر إلى أين منصرفك: إلى الجنة أم إلى النار، فبكى هارون حتى كاد أن يموت.
قال الفضيل بن عياض «2» :
لما قدم الرشيد بعث إلي، فذكر الحديث بطوله وقال: عظنا بشيء من علم، فقلت له:
يا حسن الوجه، حساب هذا الخلق كلهم عليك، فجعل يبكي، ويشهق، قال: فرددتها عليه:
يا حسن الوجه، حساب هذا الخلق كلهم عليك، فأخذني الخدم، فأخرجوني، وقالوا: اذهب بسلام.
قال الأصمعي «3» : كنت عند الرشيد يوما، فرفع إليه في قاض كان استقضاه يقال له: عافية، فكبر «4» عليه، فأحضره، وفي المجلس جمع «5» ، فجعل يخاطبه، ويوقفه على ما رفع إليه، وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمّته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه، فإنه لم يشمّته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمّتني كما فعل القوم؟! فقال له عافية: لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله، ولذلك لم أشمتك، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم عطس عنده رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال: يا رسول الله، ما بالك شمّت ذاك، ولم تشمتني؟ قال: «لأن هذا حمد الله، فشمتناه، وأنت فلم تحمد الله فلم نشمتك» ، فقال له الرشيد: ارجع إلى عملك، أنت لم
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬১
تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا، وزبر القوم الذين رفعوا عليه
[14320] .
قال عبد الله بن عبد العزيز العمري: «1» قال لي موسى بن عيسى: ينتهي «2» إلى أمير المؤمنين الرشيد أنك تشتمه، وتدعو عليه، فبأي شيء استجزت ذلك منه يا عمري؟ قال: قلت: أما في شتمه، فهو والله أكرم علي من نفسي «3» ، وأما في الدعاء عليه، فو الله ما قلت: اللهم إنه قد أصبح عبئا ثقيلا على أكتافنا، لا تطيقه أبداننا، وقذى في عيوننا «4» ، لا تطرف عليه جفوننا، وشجى في أفواهنا، لا تسيغه حلوقنا، فاكفنا مؤنته، وفرّق بيننا وبينه، ولكني قلت: اللهم، إن كان قد تسمى بالرشيد ليرشد، فأرشده أو لغير ذلك فراجع به، اللهم، إن له في الإسلام بالعباس «5» على كل مسلم حقا «6» ، وله بنبيّك قرابة ورحما، فقربه من كل خير، وبعّده من كل شر «7» ، وأسعدنا به، وأصلحه لنفسه ولنا، فقال موسى: يرحمك الله يا أبا عبد الرحمن، كذلك لعمري كان ما فعلت «8» .
قال أبو معاوية «9» :
أكلت مع الرشيد هارون طعاما يوما، فصبّ على يدي رجل لا أعرفه، فقال الرشيد: يا أبا معاوية، هل تدري من يصبّ على يديك؟ قلت: لا، قال: أنا، قلت: أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، إجلالا للعلم.
قال يحيى بن أكثم:
قال لي الرشيد: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين، قال: فتعرف
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬২
أجلّ مني؟ قلت: لا، قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.... قلت: يا أمير المؤمنين، هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وولي عهد المسلمين؟ قال: نعم، ويلك، هذا خير مني لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يموت أبدا، نحن نموت ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدهر.
حدث أبو زرعة عن أبيه قال:
كنا بالرقة وبيوتات الأموال تنقل إلى هارون الرشيد، فقدرناها أربعة آلاف وست مئة جمل، ألف وست مئة منها ذهب، وثلاثة آلاف ورق. قال الأصمعي «1» :
دخلت على هارون الرشيد يوم الجمعة، وهو يقلّم أظفاره، فقلت له في ذلك: فقال:
أخذ الأظفار يوم الخميس من السنة. وبلغني أن [أخذها] «2» يوم الجمعة ينفي الفقر. فقلت:
يا أمير المؤمنين، وتخشى أنت أيضا الفقر؟ فقال: يا أصمعي، وهل أحد أخشى للفقر مني؟
حدث إبراهيم بن المهدي قال «3» :
كنت أتغدى مع الرشيد في يوم شات، فسأل صاحب المطبخ: هل عنده برمة من لحم الجزور، فأعلمه أن عنده ألونا منه، فأمر بإحضاره، فقدمت إليه صحفة، فأدخل لقمة منها في فيه، وحرك لحيته عليها مرتين، فضحك جعفر بن يحيى، فسأله الرشيد عن ضحكه، وأمسك عن المضغ، فقال: ذكرت كلاما دار بيني وبين جاريتي البارحة، فضحكت، فقال الرشيد:
هذا محال، فأخبرني بحقي عليك، قال: إذا ابتلعت لقمتك حدثتك، فألقى لقمته من فيه تحت المائدة، فقال له جعفر: بكم يتوهم أمير المؤمنين أن هذا اللون يقوم عليه؟ فقال له الرشيد: أتوهمه يقوم بأربعة دراهم، فقال جعفر: إنه يقوم عليك بأربع مئة ألف درهم، قال:
كيف؟ ويحك! فقال جعفر: سأل أمير المؤمنين صاحب المطبخ من أكثر من أربع سنين «4» عن برمة من لحم جزور، فلم يجدها، فأنكر أمير المؤمنين ذلك علي وقال: لا يفت مطبخي لون
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৩
ي تخذ من لحم جزور في كل يوم، فأنا منذ ذلك اليوم أنحر جزورا في كل يوم، فإن الخلفاء لانتباع لهم لحم الجزور من السوق «1» ، ولم يدع أمير المؤمنين بشيء من لحمها إلا يومه هذا. وكان الرشيد في أول طعامه، وكان أشد خلق الله تقززا، فضرب الرشيد بيده اليمنى وجهه وفيها الغمر «2» ، ومدّ بها لحيته، ثم قال: هلكت ويلك يا هارون، واندفع يبكي، ورفعت المائدة «3» ، وطفق يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فتهيأ للصلاة «4» ثم أمر أن يحمل للحرمين ألفي ألف درهم يفرق في كل حرم ألف ألف، وأن يفرق في كل جانب من جانبي بغداد خمس «5» مئة ألف درهم، وأن يفرق في كل مدينة من الكوفة والبصرة خمس مئة ألف درهم «6» ، وقال: لعل الله أن يغفر لي هذا الذنب، وصلى الظهر وعاد إلى مكانه يبكي إلى العصر، وقام فصلى، وعاد إلى مكانه إلى أن قرب ما بين العصر والمغرب، فأخبره القاسم بن الربيع أن أبا يوسف القاضي بالباب، فأذن له، فدخل، وسلم، فلم يردّ عليه، وأقبل يقول: يا يعقوب، هلك هارون، فسأله عن القصة، فقال: يخبرك جعفر، وعاد لبكائه، فحدثه جعفر عن الجزور التي تنحر كل يوم، ومبلغ ما أنفق من الأموال، فقال له أبو يوسف:
هذه الإبل التي كانت تبتاع كانت تترك إذا نحرت حتى تفسد وتنتن، ولا تؤكل لحومها، فيرمى بها؟ قال جعفر: اللهم، لا، قال أبو يوسف: فما كان يصنع بها؟ قال: يأكلها الحشم والموالي وعيال أمير المؤمنين، فقال أبو يوسف: الله أكبر، أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله على نفقتك، وعلى ما فتح لك من الصدقة في يومك هذا، ومن البكاء للتقية من ربك، فإنّي لأرجو ألا يرضى الله من ثوابه على ما داخلك من الخوف من سخطه عليك إلا بالجنة، فإنه عز وجل يقول: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ
[سورة الرحمن، الآية: 46] وأنا أشهد أنك خفت مقام ربك، فسرّي عن الرشيد وطابت نفسه، ووصل أبا يوسف بأربع مئة ألف درهم، وصلى المغرب ودعا بطعامه وأكل، فكان غداؤه في اليوم عشاءه.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৪
قال عمرو بن بحر «1» : اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جدّ ولا هزل: وزراؤه البرامكة، لم ير مثلهم سخاء وسروا، وقاضيه أبو يوسف «2» ، وشاعره مروان بن أبي حفصة «3» ، كان في عصره كجرير في عصره، ونديمه عم أبيه العباس «4» بن محمد صاحب العباسية «5» ، وحاجبه الفضل بن الربيع «6» أتيه الناس وأشده تعاظما، ومغنيه إبراهيم الموصلي واحد عصره في صناعته، وضاربه زلزل «7» ، وزامره برصوما، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير، وأسرعهم إلى كل برّ، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه، إلى أشياء من المعروف.
كان «8» عبيد الله «9» بن ظبيان قاضي الرقة، وكان الرشيد إذ ذاك بها، فجاء رجل فاستعذر عليه من عيسى بن جعفر «10» ، فكتب إليه ابن ظبيان: أما بعد. أبقى الله الأمير وحفظه، أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان، وأن له على الأمير- أبقاه الله- خمس مئة ألف درهم، فإن رأى الأمير- حفظه الله- أن يحضر معه بمجلس الحكم أو يوكل وكيلا يناظر خصمه فعل، ودفع بالكتاب إلى الرجل، فأتى به باب عيسى بن جعفر، ودفع الكتاب إلى حاجبه، فأوصله إليه، فقال: كل هذا الكتاب، فرجع إلى القاضي فأخبره، فكتب إليه: أبقاك الله وحفظك وأمتع بك، حضر رجل يقال له فلان بن فلان، فذكر أن له عليك حقا فصر به
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৫
معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك، إن شاء الله، ووجّه بالكتاب مع عونين «1» من أعوانه، فحضرا باب عيسى، ودفعا الكتاب إليه، فغضب، ورمى به، فانطلقا فأخبراه، فكتب إليه: حفظك الله، وأبقاك، وأمتع بك، لا بد من أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين، ووجه بالكتاب مع عدلين «2» ، فقعدا على باب عيسى حتى خرج، فقاما إليه، ودفعا إليه كتاب القاضي، فلم يقرأه، ورمى به، فأبلغاه ذلك، فختم قمطره «3» وانصرف، وقعد في بيته، فبلغ الخبر الرشيد، فدعاه، وسأله عن أمره، فأخبره بالقصة عن آخرها، حرفا حرفا، فقال لإبراهيم بن عثمان: صر إلى باب عيسى بن جعفر، واختم عليه أبوابه كلها، ولا يخرجن أحد، ولا يدخلن أحد عليه حتى يخرج إلى الرجل من حقه أو يصير معه إلى الحاكم، فأحاط إبراهيم بداره، ووكل بها خمسين فارسا، وغلقت أبوابه، فظن عيسى أنه قد حدث للرشيد رأي في قتله، ولم يدر ما سبب ذلك، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب، وارتفع الصياح من داره، وصرخ النساء، فأمرهن أن يسكتن، وقال لبعض غلمان إبراهيم: ادع لي أبا إسحاق لأكلمه، فأعلموه ما قال، فجاء حتى صار إلى الباب، فقال له عيسى: ويلك! ما حالنا؟ فأخبره خبر ابن ظبيان، فأمر أن يحضر خمس مئة ألف درهم من ساعته، وتدفع إلى الرجل، فجاء إبراهيم إلى الرشيد، فأخبره، فقال: إذا قبض الرجل ماله فافتح أبوابه.
قال بشر بن الوليد «4» :
كنت عند أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، فحدثنا بحديث طريف قال:
بينا أنا البارحة أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب، فخرجت فإذا هرثمة بن أعين قال: أجب أمير المؤمنين، فقلت: يا أبا حاتم، لي بك حرمة، وهذا وقت كما ترى، ولست
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৬
آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لأمر من الأمور، فإن أمكنك أن تدفع بذلك إلى غد؟ فلعله أن يحدث له رأي، فقال: ما لي إلى ذلك سبيل، قلت: كيف كان السبب؟ قال: خرج إلي مسرور الخادم فأمرني أن آتي بك، فقلت: تأذن لي أن أصب علي ماء وأتحنّط «1» ؟ فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله العافية فلن يضر، فدخلت وفعلت ما أردت «2» ، ومضينا، فإذا مسرور واقف، فقال له هرثمة: قد جئت به. قال: فقلت لمسرور:
يا أبا هاشم، هذا وقت ضيق، فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال: لا، قلت: فمن عنده؟ قال: عيسى بن جعفر، قلت: ومن؟ قال: ما عنده ثالث، قال: مرّ، فإذا صرت إلى الصحن فإنه في الرواق، وهو ذلك جالس، فحرّك رجلك بالأرض، فإنه سيسألك، فقل: أنا.
ففعلت، فقال: من؟ قلت: يعقوب، قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو جالس وعنده عيسى بن جعفر، فسلّمت، فرد وقال: أظننا روعناك، قلت: إي والله، وكذلك من خلفي. قال:
اجلس، ثم التفت إلي فقال: يا يعقوب، تدري لم دعوتك؟ قلت: لا، قال: دعوتك لأشهدك على هذا، إن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع، وسألته أن يبيعها فأبى، والله لئن لم يفعل لأقتلنه، قال: فالتفتّ إلى عيسى، وقلت: وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين، وتنزل نفسك هذه المنزلة؟! فقال لي: عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي: إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك ألّا أبيع هذه الجارية، ولا أهبها، فالتفت إلي الرشيد فقال:
هل له في ذلك من مخرج؟ قلت: نعم، يهب لك نصفها، ويبيعك نصفها، فيكون لم يبع ولم يهب. قال عيسى: ويجوز ذلك؟ قلت: نعم. قال: فأشهدك أني قد وهبت له نصفها، وبعته النصف الباقي بمئة ألف دينار، فقال: الجارية، فأتي بالجارية وبالمال، فقال: خذها يا أمير المؤمنين، بارك الله لك فيها.
قال: يا يعقوب، بقيت واحدة، قلت: ما هي؟ قال: هي مملوكة، ولا بد أن تستبرأ، ووالله إن لم أبت معها ليلتي أظن نفسي ستخرج، قلت: يا أمير المؤمنين، تعتقها، وتتزوجها، فإن الحرة لا تستبرأ، قال: فإنّي قد أعتقتها، فمن يزوجنيها؟ قلت: أنا، فدعا بمسرور وحسين، فخطبت وحمدت الله، ثم زوّجته على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৭
ثم قال: يا يعقوب، انصرف، وقال: يا مسرور، أحمل إلى يعقوب مئتي ألف درهم، وعشرين تختا ثيابا، فحمل ذلك معي. قال بشر بن الوليد: فالتفت إلي يعقوب فقال: هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت: لا، قال: فخذ منها حقك، قلت: وما حقي؟ قال: العشر، قال: فشكرته، وذهبت لأقوم، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت: يا أبا يوسف، بنتك تقرئك السلام، وتقول لك: ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلّفت الباقي لما أحتاج إليه، فقال: ردّيه، فو الله لا قبلتها، أخرجتها من الرق، وزوّجتها أمير المؤمنين وترضى لي بهذا، فلم نزل نطلب إليه أنا وعمومتي حتى قبلها، وأمرلي منها بألف دينار.
كان «1» حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان «2» والغالب عليه، فحبس سوار «3» القاضي رجلا في بعض ما يحبس فيه القضاة، فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس، فخاصمه إلى سوار فأخبره أن حمادا أخرج الرجل من الحبس، فركب سوّار حتى دخل على محمد بن سليمان، وهو قاعد للناس، والناس على مراتبهم، فجلس حيث يراه محمد، ثم دعا قائدا من قواده، قفال: أسامع أنت أو مطيع؟ قال: نعم، قال: اجلس هاهنا، فأقعده عن يمينه، ودعا آخر من نظرائه ففعل به كما فعل بالأول، فعل ذلك بجماعة من قواد سليمان «4» ثم قال لهم: انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس «5» ، فنظروا إلى محمد ابن سليمان فأعلموه ما أمرهم، فأشار إليهم أن افعلوا ما يأمركم، فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس، وانصرف سوار إلى منزله. فلما كان بالعشي أراد محمد بن سليمان الركوب إلى سوار، فجاءته الرسل، فقالوا: إن الأمير على الركوب إليك، فقال: لا، نحن أولى بالركوب إليه، فركب إليه، فقال: كنت على المجيء إليك يا أبا عبد الله، فقال: ما كنت لأجشّم الأمير ذلك، قال: بلغني ما صنع هذا الجاهل حماد، قال: هو ما بلغ الأمير،
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৮
قال: فأحب أن تهب لي ذنبه، قال: أفعل أيها الأمير، اردد الرجل إلى الحبس، قال: نعم، بالصغر له والقماء «1» ، فوجّه إلى الرجل فحبسه، وأطلق حمادا، وكتب بذلك صاحب الخبر إلى الرشيد «2» ، فكتب إلى سوار يحمده على ما صنع، وكتب إلى محمد بن سليمان كتابا غليظا يذكر فيه حمادا ويقول: الرافضي ابن الرافضي، والله لولا أن الوعيد أمام العقوبة ما أدبته إلا بالسيف ليكون عظة لغيره، ونكالا، يفتات «3» على قاضي المسلمين في رأيه، ويركب هواه لموضعه منك، ويتعرض «4» في الأحكام استهانة بأمر الله وإقداما على أمير المؤمنين؟! وما ذلك إلا بك، وبما أرخيت من رسنه. تالله لئن عاد إلى مثلها ليجدني أغضب لدين الله، وأنتقم من أعدائه لأوليائه.
كان الرشيد «5» يقول: أنا من أهل بيت عظمت رزيتهم، وحسنت بقيتهم، رزئنا «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبقيت فينا خلافة الله عز وجل.
بينما «7» الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي، فقال: لا، ولا نعمة عين ولا كرامة، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شرّ مني فأمر أن يقول له قولا لينا.
قال منصور بن عمار «8» :
ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة: فضيل بن عياض، وأبو عبد الرحمن الزاهد «9» ، وهارون الرشيد.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৬৯
قال شعيب بن حرب «1» :
بينا أنا في طريق مكة إذ رأيت هارون الرشيد، فقلت لنفسي: قد وجب عليك الأمر والنهي، فقالت لي: لا تفعل، فإن هذا رجل جبار، ومتى أمرته ضرب عنقك، فقلت لنفسي:
لا بد من ذلك. فلما دنا مني صحت: يا هارون، قد أتعبت الأمة، وأتعبت البهائم، فقال:
خذوه، فأدخلت عليه، وهو على كرسي وبيده عمود «2» يلعب به، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من أفناء الناس، قال: ممن ثكلتك أمك؟ قلت: من الأبناء «3» ، قال: ما حملك على أن تدعوني باسمي؟! قال شعيب: فورد على قلبي كلمة ما خطرت لي قط على بال، قلت: أنا أدعو الله باسمه، فأقول: يا الله، يا رحمن، لا أدعوك باسمك؟ وما تنكر من دعائي باسمك؟
وقد رأيت الله سمى في كتابه أحب الخلق إليه «4» محمدا، وكنى أبغض الخلق إليه: أبا لهب فقال: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
[سورة المسد، الآية: 1] فقال: أخرجوه، فأخرجوني.
قال ابن السماك «5» :
قلت للرشيد هارون: يا أمير المؤمنين، إنك تموت وحدك، وتقبر وحدك «6» ، فاحذر المقام بين يدي الجبار، والوقوف بين الجنة والنار، فإنك لا تقدم إلا على قادم مشغول، ولا يخلف إلا جاهل مغرور، يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم حتى يؤخذ بالكظم «7» ، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تنال «8» ، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال، فجعل أمير المؤمنين يبكي حتى علا صوته، فالتفت إلي يحيى بن خالد فقال: قم، فقد شققت على أمير المؤمنين منذ الليلة، فقمت وأنا أسمع بكاءه.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭০
لما «1» لقي الرشيد هارون الفضيل بن عياض، قال له الفضيل: يا حسن الوجه، أنت المسؤول عن هذه الأمة، قال مجاهد: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ
[سورة البقرة، الآية: 166] قال: الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، فجعل هارون يبكي.
حج «2» هارون وكان يأنس بسفيان بن عيينة، فقال لسفيان: أشتهي أن أرى الفضيل بن عياض، وأسمع كلامه، فقال له سفيان: إن علم أنك أمير المؤمنين لم ينبسط، قال: فكيف الوجه فيه؟ قال: نذهب إليه جميعا وأنت متنكر، فمضيا، فقام سفيان على الباب، فقال:
السلام عليك يا أبا علي، فقال الفضيل: من أنت؟ قال: سفيان، قال: ادخل يا أبا محمد، قال سفيان: ومن معي؟ قال: ومن معك، فدخلا، فأقبل الفضيل على سفيان فتحدثا ساعة، فقال له سفيان: يا أبا علي، هذا الفتى تعرفه؟ فنظر إليه فقال سفيان: هذا هارون أمير المؤمنين، فنظر إليه الفضيل فقال: يا حسن الوجه، قد قلّدت أمرا عظيما، فاتّق الله في نفسك. وكان هارون من أحسن الناس وجها.
قال الأصمعي «3» : بعث إلي الرشيد، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها، وصنع فيها طعاما كثيرا، ثم وجه إلى أبي العتاهية فأتاه فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا. فأنشأ يقول «4» :
عش ما بدا لك سالما في ظلّ شاهقة القصورفقال: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال:
يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكور
فقال: ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس تقعقعت في «5» ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭১
فبكى هارون، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسرّه، فأحزنته، فقال هارون: دعه، فإنه رآنا في عمى فكرة أن يزيدنا عمى.
قال أبو العتاهية «1» :
دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: أبو العتاهية؟ قلت: أبو العتاهية، قال: الذي يقول الشعر؟ قلت: الذي يقول الشعر، قال: عظني وأوجز، فقال «2» :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس وإن تمنّعت بالحجاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت قاصدة «3» لكل مدّرع منا ومتّرس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
قال: فخرّ مغشيا عليه.
جاء هارون الرشيد إلى باب عبد الله بن المبارك فاستأذن، فلم يأذن له، فكتب هارون في رقعة:
هل لذي حاجة إليك سبيل لا طويل قعوده بل قليل
فكتب ابن المبارك على ظهر رقعته:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل وقليل من الثقيل طويل
لما «4» حبس الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عينا يأتيه بما يقول، فوجده يوما قد كتب على الحائط «5» :
أما والله إن الظلم لؤم «6» وما «7» زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭২
فأخبر بذلك الرشيد، فبكى، ودعا به، فاستحله، ووهب له ألف دينار.
خرج الرشيد في بعض متنزهاته، فانفرد من الناس على نحو ميل، فرفع له خباء مضروب، فأمّه، فإذا فيه أعرابي، فسلم عليه الرشيد، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا من أبغض الناس إلى الناس، فقال الأعرابي: أنت إذا من معدّ، فمن أي معد؟ قال: من أبغض معد إلى معد، قال: أنت إذا من مضر، فمن أي مضر أنت؟ قال: من أبغض مضر إلى مضر، قال: أنت إذا من كنانة، فمن أي كنانة؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة، قال: أنت إذا من قريش، فمن أي قريش أنت؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش، قال: أنت إذا من بني هاشم، فمن أي بني هاشم؟ قال: من أبغض بني هاشم إلى بني هاشم، قال: أنت إذا من ولد العباس، فمن أي ولد العباس أنت؟ قال: من أبغض بني العباس إلى بني العباس، فوثب الأعرابي قائما وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وتوافت الجيوش، فقال الرشيد:
احملوه قاتله الله ما أذهنه.
قال سفيان بن عيينة «1» :
دخلت على هارون أمير المؤمنين فقال: أي شيء خبرك يا سفيان؟ فقلت:
بعين الله ما تخفي البيوت فقد طال التحمّل والسكوت
فقال: يا فلان، مئة ألف لابن عيينة، تغنيه، وتغني عقبه، ولا ينقص بيت مال المسلمين من ذلك «2» .
قال شبيب:
كنا في طريق مكة، فجاء أعرابي في يوم صائف شديد الحر، ومعه جارية له سوداء، وصحيفة، فقال: أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم، وحضر غداؤنا، فقلنا له: لو أصبت من طعامنا، فقال: إني صائم، فقلنا له: أفي هذا الحر الشديد، وجفاء البادية تصوم؟! فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وتكون ولا أكون فيها، وإنما لي منها أيام قلائل، وما أحب أن أغيّر أيامي، ثم نبذ إلينا الصحيفة، فقال: اكتب، ولا تزيدن على ما أقول حرفا:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৩
هذا ما أعتق عبد الله بن عقيل الكلابي جارية له سوداء يقال لها: لؤلؤة ابتغاء وجه الله، وجواز العقبة العظمى، وإنه لا سبيل لي عليها إلا سبيل الولاء والمنة لله الواحدالقهار.
قال الأصمعي: فحدثت بهذا الحديث الرشيد، فأمر أن يشترى له ألف نسمة ويعتقون، ويكتب لهم هذا الكتاب.
قال الأصمعي «1» :
قدم الرشيد هارون البصرة يريد الخروج إلى مكة، فخرجت معه. فلما صرنا بضريّة «2» فإذا أنا على شفير الوادي بصبية قدامها قصعة لها، وإذا هي تقول:
طحطحتنا صحاطح الأعوام ورمتنا حوادث الأيام
فأتيناكم نمدّ أكفا لفضالات «3» زادكم والطعام
فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا أيها الزائرون بيت الحرام
من رآني فقد رآني ورحلي فارحموا غربتي وذلّ مقامي
فأخبرت أمير المؤمنين، وأنشدته ما قالت، فعجب، فقلت: آتيك بها؟ قال: بل نذهب إليها، فوقف عليها، فقلت لها: أنشديه ما كنت تقولينه، فأنشدته ولم تهبه، فقال: يا مسرور، املأ قصعتها دنانير «4» ، فملأها حتى فاضت.
قال أبو عبيدة «5» :
حج الرشيد على طريق البصرة، فمرّ منفردا ومعه الفضل بن الربيع فإذا بأعرابيين على قعودين لهما، فقال أحدهما:
يا أيها المجمع هما لا تهم إنك إن تقض إلى الحمى تحم «6»
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৪
كيف توقّيك «1» وقد جف القلم وحطت الصحة منك والسقم
فقال الرشيد للفضل: يا عباسي، قل للمنشد يعيد، فقال الفضل: يا صاحب الشعر، أعد، فقال: لو قال لي هذا لفعلت- يعني الرشيد- قال الفضل: فهممت بالإقبال عليه، فغمزني الرشيد بالصبر، فقلت له: ولم لا تجيبني؟ فقال لي:
إذا ما رأى الناس الجواد ومقرفا «2» إذا حربا «3» قالوا: جواد ومقرف
فقال الرشيد: يا عباسي، ادع لي أقرب الخدم منك، فدعوت خادما، فقال له الرشيد:
ما معك؟ قال: أربع مئة درهم «4» ، قال: ادفعها إلى المنشد، فأخذها، فضرب الآخر بيده على كتف صاحبه ثم قال «5» :
وكنت جليس قعقاع بن عمرو «6» ولا يشقى بقعقاع جليس
فقال الرشيد: يا عباسي، ادع لي أقرب الخدم منك، فدعوت خادما، قال الرشيد: ما معك؟ قال: مئتا دينار، قال: ادفعها إلى المتمثل، فدفعها إليه. قال أبو عبيدة «7» : فسألني الفضل: ما قصة القعقاع؟ فقلت: أهدي إلى معاوية هدايا يوم المهرجان، فيها جامات ذهب وفضة، فدفع معاوية الجامات إلى جلسائه، ودفع إلى القعقاع جام ذهب، وفي القوم أعرابي لم يعط شيئا، وهو إلى جنب القعقاع، فدفع القعقاع إليه الجام، فأخذه الأعرابي ونهض، وهو يقول:
وكنت جليس قعقاع بن عمرو ولا يشقى بقعقاع جليس
قال أبو محمد الزيدي:
دخلت على الرشيد، فوجدته مكبا ينظر في ورقة فيها مكتوب بالذهب، فتبسم فقلت:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৫
فائدة، أصلحك الله، قال: نعم، وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما، وقد أضفت إليهما ثالثا، وأنشدني:
إذا سدّ باب عنك من دون حاجة فدعه لأخرى ينفتح لك بابها
فإن قراب «1» البطن يكفيك ملؤه ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها
فلا تك مبذالا لعرضك واجتنب ركوب المعاصي يجتنبك عقابها
قال الفضل بن الربيع «2» :
خرج الرشيد من عند زبيدة- وقد تغدى عندها ونام- وهو يضحك، فقلت: قد سرني سرور أمير المؤمنين، فقال: ما أضحك إلا تعجبا: أكلت عند هذه المرأة، ونمت «3» ، وسمعت رنة فقلت: ما هذا؟ قالوا: ثلاث مئة ألف دينار، وردت من مصر، فقالت: هبها لي يابن عم، فدفعتها إليها، فما برحت حتى عربدت وقالت: أي خير رأيت منك!.
قال الأصمعي «4» :
سمعت بيتين لم أحفل بهما، قلت: هما على كل حال خير من موضعهما من الكتاب، فإني عند الرشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل على مسرور الكبير «5» ، فقال: يا مسرور، كم في بيت مال السرور؟ قال: ليس فيه شيء، فقال عيسى: هذا بيت الحزن، قال: فاغتم الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطين الأصمعي سلفا على بيت مال السرور ألف دينار، فاغتم عيسى وانكسر، فقلت في نفسي: جاء موضع البيتين فأنشدت الرشيد:
إذا شئت أن تلقى أخاك معبّسا وجداه في الماضين كعب وحاتم
فكشّفه عما في يديه فإنما تكشّف أخبار الرجال الدارهم
قال: فتجلى عن الرشيد وقال: يا مسرور، أعطه سلفا على بيت مال السرور ألف دينار، قال: فأخذت بالبيتين ألفي دينار، وما كان البيتان يسوّيان عندي درهمين.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৬
قال الأصمعي «1» :
دخلت على هارون- ومجلسه حافل- فقال: يا أصمعي، ما أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا! قلت: يا أمير المؤمنين، ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، فأمرني بالجلوس، فجلست، وسكت. فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت، فأقعدني «2» حتى خلا، قال: يا أبا سعيد، ما ألاقتني؟ قلت: أمسكتني يا أمير المؤمين [وأنشدت] «3» :
كفاك كفّ ما تليق درهما جودا وأخرى تعطي بالسيف الدما
فقال: أحسنت، وهكذا فكن، و [قر] «4» نا في الملأ، وعلمنا في الخلاء، وأمر لي بخمسة آلاف دينار.
وقيل: إنه قال له: مالاقتني بعدك أرض. فلما خرج الناس قال له: ما معنى: ما لاقتني أرض؟ قال: ما استقرت بي أرض، كما يقال: فلان لا يليق شيئا أي: لا يستقر معه شيء، وقال له: هذا حسن، ولكن لا ينبغي أن تكلمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلّمني، فإنه إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم، وإما أن أجيب بغير صواب، فيعلم الناس أني لم أفهم. قال الأصمعي: فعلّمني أكثر مما علمته.
مازح الرشيد أم جعفر فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر، فاغتمت لذلك، ولم تدر ما معناه، فوجهت إلى الأصمعي فسألته عن ذلك، فقال لها: الجعفر: النهر الصغير «5» ، وإنما ذهب إلى هذا، فسكنت نفسها.
قال الأصمعي:
دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا أصمعي، إني أرقت ليلتي هذه، فقلت: لم،
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৭
أنام الله عين أمير المؤمنين؟ قال: فكرت بالعشق ممّ هو؟ فلم أقف عليه، فصفه لي حتى أخاله جسما. قال الأصمعي: لا والله ما كان عندي قبل ذلك منه شيء، فأطرقت مليا ثم قلت: نعم يا سيدي، إذا توافقت الأخلاق المشاكلة، وتمازجت الأرواح المتشابهة ألفيت لمح نور ساطع يستضيء به العقل، وتنير لإشراقه طباع الجناة، ويتصور من ذلك النور خلق في «1» النفس منصبا نحو [جواهرها] «2» يسمى العشق. فقال: أحسنت والله، يا غلام، أعطه، وأعطه، وأعطه، فأعطيت ثلاثين ألف درهم.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي «3» :
دخلت على أمير المؤمنين الرشيد يوما، فقال: أنشدني من شعرك، فأنشدته:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري فذلك شيء ما إليه سبيل
أرس الناس خلّان الجواد «4» ولا أرى بخيلا له في العالمين «5» خليل
ومن خير حالات الفتى لو علمته إذا نال خيرا أن يكون ينيل
عطائي عطاء المكثرين تكرّما «6» ومالي كما قد تعلمين قليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله ويحقر يوما أن يقال بخيل «7»
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ورأي أمير المؤمنين جميل؟
فقال: لا كيف، إن شاء الله، يا فضل، أعطه مئة ألف درهم، لله در أبيات تأتينا بها، ما أحسن فصولها، وأثبت أصولها «8» ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلامك أجود من شعري، قال:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৮
أحسنت، يا فضل، أعطه مئة ألف أخرى «1» .
قال «2» الرشيد للمفضّل الضّبّي: ما أحسن ما قيل في الذئب، ولك هذا الخاتم الذي في يدي، وشراؤه ألف وست مئة دينار؟ فقال: قول الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع «3»
قال: ما ألقي هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم، وحلق به إليه، فاشترته أم جعفر بألف وست مئة دينار، وبعثت به إليه وقالت: قد كنت أراك تعجب به، فألقاه إلى الضبي وقال: خذه وخذ الدنانير، فما كنا نهب شيئا ونرجع فيه.
صنع «4» الرشيد ذات ليلة بيتا، واضطرب عليه الثاني، فقال: علي بالعباس بن الأحنف، فأتي به في جوف الليل على حال من الذعر عظيمة، فقال له الرشيد: لا ترع، قال:
وكيف لا يكون ذلك وقد طرقت في منزلي في مثل هذا الوقت؟ فلم أخرج إلا والواعية «5» فيه وأهلي لا يشكّون في قتلي، فقال: أحضرتك لبيت قلته صعب عليّ أن أشفعه بمثله، قال: ما هو؟ قال:
جنان «6» قد رأيناها فلم نر مثلها بشرا
قال العباس:
يزيدك وجهها حسنا إذا ما زدته نظرا
إذا ما الليل مالعلي ك بالظلماء «7» واعتكرا
ودجّ فلم تر قمرا «8» فأبرزها تر قمرا
পৃষ্ঠা - ৩৩০৭৯
فقال الرشيد: أول ما يجب أن ندفع إليك ديتك، إذ نزل بك هذا الروع وبعيالك منا، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وصرفه.
دخل «1» العباس بن الأحنف على هارون الرشيد فقال له هارون: أنشدني أرق بيت قالته العرب، فقال: قد أكثر الناس في بيت جميل حيث يقول «2» :
ألا ليتني أعمى أصم تقودني بثينة لا يخفى علي كلامها
فقال له هارون: أنت أرق منه حيث تقول «3» :
طاف الهوى في عباد الله كلهم حتى إذا مر بي من بينهم وقفا
قال العباس: أنت يا أمير المؤمنين أرق قولا مني ومنه حيث تقول «4» :
أما يكفيك أنك تملكيني وأن الناس كلّهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي لقلت من الهوى أحسنت زيدي
فأعجب بقوله وضحك.
قال ابن المبارك:
عشق هارون جارية، فأرادها، فذكرت أن أباه كان مسها، فشغف بها هارون حتى قال:
أرى ماء وبي عطش شديد ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني وأن الناس كلّهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي لقلت من الرضى أحسنت زيدي
قال: فسأل أبا يوسف عنها، فقال: أو كلما قالت جارية تصدّق؟ قال ابن المبارك: فلا أدري ممن أعجب! من أمير المؤمنين حين رغب عنها، أو منها حين رغبت عن أمير المؤمنين، أو من أبي يوسف حين أمره بالهجم «5» عليها.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮০
قال إبراهيم الموصلي «1» : قال لي غلامي: بالباب رجل حائك يستأذن، فقلت: ما لي ولحائك؟ قال: لا أدري غير أنه حلف بالطلاق لا ينصرف حتى يكلمك بحاجته، قال: فأذنت له، فدخل، فقلت: ما حاجتك؟ قال: أنا رجل حائك، وكان عندي بالأمس جماعة فتذاكرنا الغناء والمتقدمين فيه، فأجمع من حضر أنك رأس القوم وبندارهم «2» وسيدهم في هذه الصناعة، فحلفت بطلاق ابنة عمي وأعز الخلق علي- ثقة مني بكرمك- على أن تشرب عندي غدا، وتغنيني، فإن رأيت- جعلني الله فداك- أن تمنّ على عبدك بذلك فعلت، فقلت له: أين منزلك؟ قال: في دور الصحابة، قلت: فصف للغلام موضعه وانصرف، فإن رائح إليك، فوصف للغلام. فلما صليت الظهر ركبت، وأمرت الغلام أن يحمل معه قنينة وقدحا ومصلى وخريطة العود، وصرت إلى منزله، ودخلت فقام إلي الحاكة فقبّلوا أطرافي، وعرضوا علي الطعام، فقلت:
قد تقدمت في الأكل، فشربت من نبيذي، وتناولت العود، فقلت: اقترح علي، فقال: غنّني بحياتي:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت نسيبه والطرّاق يكذب قيلها
فغنيت، فقال: أحسنت جعلني الله فداك، ثم قلت: اقترح، فقال: غنني بحياتي:
وخطّا بأطراف الأسنة مضجعي وردّا على عينيّ فضل ردائيا
فغنيت، فقال: أحسنت جعلني الله فداك، ثم شربت وقلت: اقترح، فقال: غنني بحياتي:
أحقا عباد الله أن لست واردا ولا صادرا إلا علي رقيب؟
فقلت: يابن اللخناء، أنت بابن سريج «3» أشبه منك بالحاكة، فغنيته، ثم قلت: والله إن عدت ثانية حلت امرأتك لغلامي قبل أن تحل لك، ثم انصرفت، وجاء رسولأمير المؤمنين الشريد [يطلبني] «4» فمضيت إليه من فوري، فقال: أين كنت؟ قلت: ولي الأمان؟ قال: ولك
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮১
الأمان، فحدثته، فضحك وقال: هذا أنبل حائك على ظهر الأرض، ووالله لقد كرمت في أمره، وأحسنت إجابته، وبعث إلى الحائك، فاستنطقه، وساءله فاستطابه، واستظرفه، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
كتب هارون الرشيد إلى جارية له كان يحبها وكانت تبغضه:
إن التي عذبت نفسي بما قدرت كل العذاب فما أبقت ولا تركت
مازحتها فبكت واستعبرت جزعا عني فلما رأتني باكيا ضحكت
فعدت أضحك مسرورا بضحكتها حتى إذا ما رأتني ضاحكا فبكت
تبغي خلافي كما خبّت «1» براكبها يوما قلوص «2» فلما حثها بركت
كأنها درة قد كنت أذخرها ليوم عسر فلما رمتها هلكت
وأنشدوا هذه الأبيات لذؤيب.
قال الأصمعي «3» :
ما رأيت أثر النبيذ في وجه الرشيد قط إلا مرة واحدة: فإني دخلت عليه أنا وأبو حفص «4» الشطرنجي، فرأيته خاثرا «5» ، فقال لنا: استبقا إلى بيت، بل إلى أبيات، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم.
وفي رواية قال: كان الرشيد يهوى عنان جارية الناطفي «6» ، وكانت صيانته لنفسه تمنعه
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮২
منها. قال الأصمعي: فما رأيته قط مبتذلا إلا مرة، فإني دخلت إليه، وفي وجهه تخثّر، وعنده أبو حفص «1» الشطرنجي، فقال لنا: استبقوا، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم، فوقع في نفسي أنه يريد عنان- فقال أبو حفص «2» الشطرنجي بجرأة العميان:
مجلس ينسب «3» السرور إليه لمحب ريحانه ذكراك
فقال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرة آلاف درهم، ثم قال: قد حضرني بيت ثان، قال: هات، فأنشد:
كلما دارت الزجاجة زادت هـ حنينا «4» ولوعة فبكاك
قال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرة آلاف درهم. قال الأصمعي: فنزل بي ما لم ينزل بي قط مثله، إن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف درهم وبفخر ذلك المجلس، وأرجع صفرا منهما جميعا، ثم حضرني بيت، فقلت: يا أمير المؤمنين، قد حضرني ثالث، قال:
هاته، فأنشأت أقول:
لم ينلك المنى بأن تحضريني «5» وتجافت أمنيّتي عن سواكفقال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرين ألف درهم، ثم قال هارون: قد حضرني رابع، فقلنا: إن رأى أمير المؤمنين أن ينشده فعل، فأنشأ يقول:
فتمنيت أن يغشيني الل هـ نعاسا لعل عيني تراك
فقلنا: يا أمير المؤمنين، أنت أشعر منا، فجوائزنا لأمير المؤمنين، فقال: جوائزكما لكما، وانصرفا.
قال أبو هفّان «6» :
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৩
أهديت إلى الرشيد جارية في غاية الجمال والكمال، فخلا بها أياما «1» ، وأخرج كل قينة من داره، واصطبح يوما، فكان من حضر من جواريه للغناء والخدمة في الشراب وغيره زهاء ألفي جارية في أحسن زي، من كل نوع من أنواع الثياب والجوهر، واتصل الخبر بأم جعفر «2» فغلظ عليها ذلك، فأرسلت إلى عليّة «3» تشكو إليها، فأرسلت إليها عليّة: لا يهولنك هذا، فو الله لأردنه [إليك] «4» ، وأنا أعمل شعرا، وأصوغ فيه لحنا، وأطرحه على جواريّ، فلا تدعي عندك جارية إلا بعثت بها إلي، وألبسيهن فاخر الثياب والحلي ليأخذن الصوت مع جواري، ففعلت أم جعفر ما أمرتها. فلما جاء وقت العصر لم يشعر الرشيد إلا وعليّة قد خرجت عليه من حجرتها، وأم جعفر قد خرجت من حجرتها معهما «5» زهاء ألفي جارية من جواريهما «6» وسائر جواري القصر، وكلهن في لحن واحد هزج صنعته عليّة:
منفصل عني وما قلبي عنه منفصل
يا قاطعي اليوم لمن نويت بعدي أن تصل
فطرب الرشيد، وقام على رجليه حتى استقبل أم جعفر وعلية، وهو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قط، ثم قال: يا مسرور، لا يبقينّ في بيت المال درهم «7» إلا نثرته، فكان مبلغ ما نثر يومئذ ست آلاف ألف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم قط. دخلت أعرابية على هارون الرشيد، فأخرج إليها ماردة «8» وكانت ذات جمال وشكل، وكان الرشيد يحبها فأنشدته الأعرابية أشعارا تمدحه ببعضها، وأنشدها الرشيد لنفسه في ماردة:
وتنال منك بحدّ مقلتها ما لا ينال بحده النصل
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৪
شغلتك وهي ككل منتصر لاقى محاسن وجهها شغل
فلوجهها من وجهها قمر ولعينها من عينها كحل
وإذا نظرت إلى محاسنها فلكلّ موضع نظرة قتل
فقالت الأعرابية: يا أمير المؤمنين، ما أدري أيهم أحسن: الشعر، أو من قاله، أو من قيل فيه، فأمر لها بجائزة.
كان «1» الرشيد شديد الحب لهيلانة، وكانت قبله ليحيى بن خالد، فدخل يوما إلى يحيى قبل الخلافة، فلقيته في ممر «2» ، فأخذت بكمه فقالت: أمالنا «3» منك يوم مرة؟ فقال لها: بلى، فكيف السبيل إلى ذلك؟ فقالت: تأخذني «4» من هذا الشيخ، فقال ليحيى: أحب أن تهب لي فلانة، فوهبها له، وغلبت عليه «5» ، وكانت تكثر أن تقول: هي لانة، فسماها هيلانة، فأقامت عنده ثلاث سنين، وماتت، فوجد عليها وجدا شديدا، وأنشد:
أقول لما ضمّنوك الثرى «6» وجالت الحسرة في صدري
اذهب فلا والله ما سرّني بعدك شيء آخر الدهر
كتب هارون الرشيد «7» إلى جاريته الخيزرانة وهي بمكة:
نحن في أفضل «8» السرور ولكن ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودّي أنكم غبتم «9» ونحن حضور
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৫
فأجدوا في السير بل إن قدرتم أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته الخيزرانة «1» :
قد أتانا الذي وصفت من الشو ق فكدنا وما فعلنا «2» نطير
ليت أن الرياح كن يؤدين إليك الذي يجنّ الضمير
لم أزل صبّة فإن كنت بعدي في سرور فدام ذاك السرور
أنشد «3» عمران بن موسى المؤدب لهارون الرشيد في ثلاث حظيّات كن عنده وهن قصف «4» ، وضياء، وخنث:
ملك الثلاث الآنساب «5» عناني وحللن من قلبي بكل مكان
مالي تطاوعني البرية كلّها وأطيعهن وهن في عصياني؟
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى وبه ملكن «6» أعز من سلطانياشتريت «7» للرشيد هارون جارية مدينية، فأعجب بها، وأمر الربيع أن يبعث في حمل أهلها ومواليها لينصرفوا بجوائزها، وأراد بذلك تسريتها، فوفد إلى مدينة السلام ثمانون رجلا، ووفد معهم رجل من أهل العراق استوطن المدينة كان يهوى الجارية. فلما بلغ الرشيد خبرهم أمر الفضل أن يخرج إليهم ليكتب اسم كل رجل منهم وحاجته ففعل حتى بلغ إلى العراقي فقال له: حاجتك؟ قال: إن كتبتها وضمنت لي عرضها مع ما يعرض أنبأتك بها، فقال: أفعل ذلك، قال: حاجتي أن أجلس مع فلانة حتى تغنيني ثلاثة أصوات، وأشرب ثلاثة أرطال «8» ؛ وأخبرها بما تجن ضلوعي من حبها، فقال الفضل: إنه موسوس، قال: يا هذا، قد أمرت أن تكتب ما يقول كل واحد، فاكتب ما أقول، واعرضه، فإن أجبت إليه، وإلا فأنت في أوسع العذر. فدخل الفضل مغضبا، فقرأ على الرشيد ما كتب، وقال: يا أمير المؤمنين،
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৬
فيهم واحد مجنون سأل ما أجل مجلس أمير المؤمنين عن التفوه به فيه، فقال: قل ولا تجزع، فقال: قال: كذا وكذا، قال: قل له: بعد ثلاث أحضر لينجز لك ما سألت، وأنت تتولى الاستئذان له، ودعا بخادم، وقال: امض إلى فلانة، وقل لها: حضر رجل، وذكر كذا وكذا، وأجبناه إلى ما سأل، فكوني على أهبة، ثم أدى الفضل الرسالة إليه، فانصرف وحضر في اليوم الثالث، وعرف الرشيد خبره، فقال: يلقى له بحيث أرى كرسي فضة، وللجارية كرسي ذهب، وتخرج إليه، ويحضر ثلاثة أرطال، فجلس الفتى والجارية بإزائه، فحدثها، والرشيد يراهما، فقال للخادم: لم تدخل لتشتو وتصيف، فأخذ رطلا، وخرّ ساجدا وقال: إذا شئت أن تغني فغني «1» :
خليلي عوجا بارك الله فيكما «2» وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
غدا يكثر الباكون منا ومنكم وتزداد داري من دياركم بعدافغنته، وشرب الرطل، وحادثها ساعة، فاستحثه الخادم، فأخذ الرطل بيده، وقال:
غني جعلت فداك:
تكلّم منا في الوجوه عيوننا فنحن سكوت والهوى يتكلم
ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا وذلك فيما بيننا ليس يعلم
فغنته، وشرب الرطل الثاني، وحادثته ساعة، فاستعجله الخادم، فخرّ ساجدا يبكي، وأخذ الرطل بيده، واستودعها الله، وقام على رجليه، ودموعه تستبق استباق المطر، وقال:
إذا شئت غني:
أحسن ما كنا تفرقنا وخاننا الدهر وما خنّا
فليت ذا الدهر لنا مرة عاد لنا يوما كما كنّا
فغنته الصوت، فقلب الفتى طرفه، فبصر بدرجة في الصحن، فأمها، وتبعه الخدم، ليهدوه الطريق، ففاتهم، وصعد الدرجة وألقى نفسه إلى الأرض على رأسه، فخرّ ميتا، فقال الرشيد: عجّل الفتى، ولو لم يعجل لوهبتها له.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৭
قال عمار بن كثير الواسطي «1» :
سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس أشد علي موتا من هارون أمير المؤمنين، فلوددت أن الله زاد من عمري في عمره، فكبر ذلك علينا. فلما مات هارون، وظهرت تلك الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على [أن] «2» القرآن مخلوق، قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم به.
قال إسماعيل بن فروخ:
أنشدنا أمير المؤمنين الرشيد لنفسه، وقد صعب عليه الصعود في عقبة همذان، فقال:
حتى متى أنا في حل وترحال وطول هم بإدبار وإقبال
ونازح الدار ما ينفكّ مغتربا عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طورا ثم مغربها لا يخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرزق في دعة إن القنوع الغنى لا كثرة المال
قال زكريا بن سعد الوصيف «3» :
ان الرشيد ذات يوم في مقيله إذ رأى في منامه كأن رجلا وقف على باب مجلسه، فضرب بيده إلى عود من الباب ثم أنشأ يقول:
كأني بهذا القصر قد باد أهله وأقفر «4» منه ربعه «5» ومنازله
وصار عميد «6» القصر «7» من بعد بهجة وملك إلى قبر عليه جنادله «8»
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৮
فلم يبق إلا ذكره وحديثه تبكي «1» عليه بالعويل حلائلهثم خرج إلى طوس، فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم، فأجمع المتطببون أن دواءه الجمار «2» ، فوجه إلى دهقان حلوان، فسأل عن النخل، فقال: ليس بهذا البلد نخلة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان، فوجه إليهما من قطع إحداهما، فأكل هارون جمّارها، فسكن عنه الدم، فترحل، فمر عليهما، فرأى على القائمة منهما مكتوبا «3» :
أسعداني يا نخلتي حلوان وابكيا لي من صرف هذا الزمان «4»
أسعداني وأيقنا أن نحسا سوف يلقاكما فتفترقان
ولعمري لو ذقتما حرق «5» الفر قة أبكاكما الذي أبكاني
فقال هارون: عز والله علي أن أكون أنا نحسهما، ولو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو تلفت نفسي.
لما حضر هارون الرشيد الوفاة جاءت إحدى جواريه إليه تبكي عند رأسه، فرفع رأسه إليها، وأنشأ يقول:
باكيتي من جزع أقصري قد غلق الرهن بما فيه
لما حضرت الرشيد الوفاة كان ربما غشي عليه فيفتح عينيه، فيغشى عليه، ثم نظر إلى الربيع واقفا على رأسه فقال: يا ربيع.
أحين دنا ما كنت أرجو دنوّه رمتني عيون الناس من كلّ جانب
فأصبحت مرحوما وكنت محسّدا فصبرا على مكروه مرّ العواقب
سأبكي على الوصل الذي كان بيننا وأندب أيام السرور الذواهبوأعتقل الأيام بالصبر والعزا عليك وإن جانبت غير مجانب
পৃষ্ঠা - ৩৩০৮৯
قال مسرور الخادم «1» : أمرني هارون أمير المؤمنين لما احتضر أن آتيه بأكفانه، فأتيته بها، ينتقيها على عينه، ثم أمرني، فحفرت قبره «2» ، ثم أمر فحمل إليه، فجعل يتأمله ويقول:
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ
[سورة الحاقة، الآيتان: 28 و 29] ويبكي، ثم تمثل ببيت شعر «3» .
قال أحمد بن محمد الأزدي:
جعل هارون أمير المؤمنين يقول وهو في الموت: واسوءتاه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
استخلف الرشيد هارون سنة سبعين ومئة، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومئة بطوس، ودفن بقرية يقال لها سناباذ «4» . وأتت الخلافة ابنه محمد الأمين وهو ببغداد، وتوفي الرشيد وهو ابن ست وأربعين سنة «5» .
قال بعضهم «6» :
قرأت على خيام هارون أمير المؤمين بعد منصرفهم من طوس، وقد مات هارون:
منازل العسكر معمورة والمنزل الأعظم مهجور
خليفة الله بدار البلى تسفي «7» على أجداثه المور
أقبلت العير تباهي به وانصرفت تندبه العير
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯০
[10014] هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور أبو جعفر، وقيل أبو القاسم
أمه أم ولد اسمها قراطيس «1» . استخلف بعد أبيه المعتصم بعهد منه «2» .
قدم دمشق مع أبيه في خلافة عمه.
حدث الواثق عن أبيه عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس قال:
لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله شابا منها، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيعود الأمر فيه كما بدأ.
قلت: يطمع في ذلك فتيانكم، ولا يطمع فيه شيوخكم، قال: يفعل الله ما يشاء، ذلك عزم.
قال رجل لابن عباس: إن ابن الزبير يزعم أن المهدي منهم، قال: لا ورب الكعبة، ولو كان زمانه لكنته، ولكنه من ولدي. ولد الواثق بطريق مكة سنة تسعين ومئة، وولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومئتين، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومئتين. وقيل: ولد سنة ست وتسعين ومئة «3» . وقيل: سنة أربع وتسعين. وبويع الواثق في اليوم الذي مات فيه أبوه المعتصم بسر من رأى «4» . وورد «5» رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم، فلم يظهر ذلك، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت. فلما كان الغد يوم السبت «6» أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشميين والقواد والناس
__________
[10014] ترجمته في تاريخ الطبري (الفهارس) والكامل لابن الأثير (الفهارس) والبداية والنهاية 10/326 ومروج الذهب 4/75 وتاريخ بغداد 14/15 وتاريخ اليعقوبي 3/204 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 400. وفوات الوفيات 4/228 وسير الأعلام 10/306 والأغاني 9/276.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯১
بحضور دار أمير المؤمنين، فحضروا، فقرأ كتابه على الناس ينعي أبيه، وأخذ البيعة، فبايع الناس.
لما «1» مات المعتصم، وولي الواثق كتب دعبل بن علي الخزاعي أبياتا، وأتى بها الحاجب، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام، وقل: مديح لدعبل، فأخذ الحاجب الطومار فأدخله على الواثق ففضّه فإذا فيه»
:
الحمد لله لا صبر ولا جلد ولا رقاد «3» إذا أهل الهوى رقدوا
خليفة مات لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحد
فمرّ هذا ومر الشرّ «4» يتبعه وقام هذا فقام الويل والنكد
فطلب، فلم يوجد.
دخل «5» هارون بن زياد- مؤدب الواثق- على الواثق، فأكرمه، وأظهر من برّه ما شهر به، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله عز وجل، وأدناني من رحمة الله عز وجل. قال يحيى بن أكثم «6» :
ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير.
قال أبو عثمان المازني:
كتب الواثق في حملي، فحملت، وأدخلت عليه، وهو عليل، فقال: يا بكر، لك ولد؟ قلت: لا، قال: فلك امرأة؟ قلت: لا، قال: فمن خلّفت بالبصرة؟ قلت: أختي، قال:
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯২
أكبر منك أم أصغر؟ فقلت: أصغر مني، قال: فما قالت المسكينة؟ قلت: قالت لي ما قالت ابنة الأعشى لأبيها «1» :
تقول ابنتي حين جد الرحيل أرانا سواء ومن قد يتم
فيا أبتا لا تزل عندنا فإنا بخير إذا لم ترم «2»
ترانا إذا أضمرتك البلاد نجفى وتقطع منا الرحم
قال: ما رددت عليها المسكينة؟ قال: رددت عليها ما قال جرير لابنته «3» :
ثقي بالله ليس له شريك ومن عند الخليفة بالنحاح
فضحك ثم أمر لي بخمس مئة دينار.
كتب محمد بن حماد إلى الواثق «4» :
جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى وقلت لها كفّي «5» عن الطلب النزر
فإن أمير المؤمين بكفّه مدار رحا الأرزاق دائبة تجري
فوقّع: جذبك «6» نفسك عن امتهانها، دعا إلى صونك بسعة فضلي [عليك] «7» فخذ ما طلبت هنيئا.
قال المهتدي «8» :
كنت أمسي مع الواثق في صحن داره، فقال: اكتب.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৩
تنحّ عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنا فزده
ستكفى من عدوّ كل كيد إذا كاد العدوّ ولم تكده
ثم قال: اكتب «1» :
هي المقادير تجري في أعنتها فاصبر «2» فليس لها صبر على حال
ومما روي من شعر الواثق:
حين استتمّ بأرداف تجاذبه واخضرّ فوق قناع الدرّ شاربه
وتم في الحسن فالتامت ملاحته ومازجت بدعا منه عجائبه
كلّمته بجفون غير ناطقة فكان من رده ما قال حاجبه
قال حمدون بن إسماعيل «3» :
كان الواثق مليح الشعر، وكان يحب خادما أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يوما ثم سمعه يوما يقول لبعض الخدم: هو يروم أن أكلمه، ما أفعل، فقال الواثق: وله فيه لحن:
إن «4» الذي بعذابي ظل مفتخرا ما أنت «5» إلا مليك جار إذ قدرا
لولا هواه تجارينا «6» على قدر وإن أفق منه يوما «7» ما فسوف يرى
قال أحمد بن حمدون «8» :
كان بين الواثق وبين بعض جواريه شر «9» ، فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح نحتال
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৪
لنشاطه، فرآني أضاحك الفتح بن خاقان، فقال: قاتل الله [ابن] «1» الأحنف حيث يقول:
عدل من الله أبكاني وأضحككم فالحمد لله عدل كل ما صنعا
اليوم أبكي على قلبي وأندبه قلب ألح عليه الحب فانصدعا
للحب في كل عضو لي على حدة نوع تفرّق عنه الصبر واجتمعافقال الفتح: أنت يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه [وأعلم] «2» وأظرف.
أمر «3» الواثق ابن أبي داود يصلي بالناس في يوم عيد، وكان عليلا. فلما انصرف قال له: يا أبا عبد الله، كيف كان عيدكم؟ قال: كنا في نهار لا شمس فيه، فضحك، وقال: يا أبا عبد الله، أنا مؤيد بك.
[قال الخطيب] «4» : وكان ابن أبي داود «5» قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن. ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك القول قبل موته.
قال صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي «6» :
حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جلس للنظر في أمور المتكلمين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وينشأ الكتاب عليها ويحرّر، ويختم، ويدفع إلى صاحبه بين يديه، فسرّني ذلك، واستحسنت ما رأيت منه، فجعلت أنظر إليه، ففطن، ونظر إلي، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثا، إذا نظر غضضت، وإذا شغل نظرت، فقال: يا صالح، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: في نفسك منا شيء تريد «7» أن تقوله، قلت: نعم، حتى إذا قام قال
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৫
للحاجب: لا يبرح صالح، وانصرف الناس، وأذن لي، وهمتني نفسي، فدخلت، وجلست، فقال: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك، أو أقول أنا مادار في نفسي أنه دار في نفسك؟
قلت: يا أمير المؤمنين، ما تأمر به «1» ، فقال: دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا، فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول: بخلق القرآن، فورد على قلبي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك؟ وهل تموتين إلا مرة واحدة، وهل يجوز الكذب في جدّ أو هزل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت، فأطرق مليا ثم قال:
ويحك! اسمع مني ما أقول، فو الله لتسمعنّ الحق، فسرّي عني، وقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة رب العالمين «2» ، وابن عم سيد المرسلين؟ فقال: ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدرا من أيام الواثق حتى أقدم أحمد بن أبي داود علينا شيخا من أهل الشام، من أهل أذنة «3» مقيدا، وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة «4» ، فرأيت الواثق قد استحيا منه، ورق له، فما زال يدنيه، ويقرّبه حتى قرب منه، فسلم الشيخ، فأحسن، ودعا، فأبلغ وأوجز، فقال له الواثق: اجلس ناظر ابن أبي داود على ما يناظرك عليه، فقال له الشيخ: يا أمير المؤمنين، ابن أبي دواد يضوى «5» ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق، وعاد مكان الرقّة له غضبا عليه، وقال: أبو عبد الله بن أبي دواد يضوى، ويضعف عن مناظرتك أنت؟! فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين، وائذن في مناظرته، فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول، قال: أفعل.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، هي مقالة واجبة، داخلة في عقدة الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بما قلت؟ قال: نعم، قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بعثه الله إلى عباده، هل سن «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا مما أمره
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৬
الله به في أمر دينهم؟ فقال: لا، قال الشيخ: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت ابن أبي دواد «1» ، فقال الشيخ: تكلم، فسكت، فقال الشيخ للواثق: يا أمير المؤمنين، واحدة، فقال الواثق: واحدة.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
[سورة المائدة، الآية: 3] كان الله عز وجل الصادق في إكمال دينه، أو أنه الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد، فقال الشيخ: أجب يا أحمد، فلم يجب، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، اثنتان، فقال الواثق: نعم. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، علمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم جهلها؟ قال ابن أبي دواد: علمها، قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث، فقال الواثق: ثلاث.
قال الشيخ: يا أحمد، فاتسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن علمها وأمسك عنها كما زعمت، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم؟ قال ابن أبي دواد: نعم، فأعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق، فقال:
يا أمير المؤمنين، قد قدمت القول إن أحمد يضوى ويضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم أو قال: فلا وسع الله عليك- فقال الواثق: نعم، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله علينا. اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع القيد ضربالشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه، فجاذبه «2» الحداد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ يأخذه، فأخذه في كمه. فقال له الواثق: لم جاذبت الحداد عليه؟ قال: لأني نويت أن
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৭
أوصي أن يجعل بيني وبين كفني «1» حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، أقول: يا رب، سل عبدك هذا: لم قيدني «2» ، وروّع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي، وبكى الشيخ، وبكى الواثق، وبكينا، وسأله الواثق أن يجعله في حل، فقال: والله لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ كنت رجلا من أهله.
فقال الواثق: لي إليك حاجة، فقال: إن كانت ممكنة فعلت، قال الواثق: تقيم عندنا فننتفع بك، وينتفع بك فتياننا، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن ردّك إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك، وأصير إلى أهلي وولدي أكف دعاءهم عليك، فقد خلّفتهم على ذلك.
قال الواثق: فتقبّل منا صلة تستعين بها على دهرك، قال: يا أمير المؤمين، لا تحلّ لي، أنا عنها غني، وذو مرة، سوي، فقال: سل حاجة، قال: أو تقضيها؟ قال: نعم، قال: يخلّى لي السبيل الساعة إلى الثغر، قال: قد أذنت لك، فسلّم عليه وخرج.
قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأحسب أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت.
وفي حديث آخر بمعناه:
وسقط ابن أبي دواد من عينه، ولم يمتحن بعد ذلك أحدا.
لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين «3» :
الموت فيه جميع الخلق مشترك لا سوقة منهم «4» يبقى ولا ملك
ما ضر أهل قليل في تفاقرهم «5» وليس يغني على الإملاك ما ملكوا
ثم أمر بالبسط، فطويت، وألصق خده بالأرض، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، أرحم من قد زال ملكه.
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৮
حدث محمد أمير البصرة قال «1» : كنت أحد من مرّض الواثق، لما مات «2» ، فكنت واقفا بين يديه مع جماعة إذ لحقته غشية، فما شككنا أنه مات فقال بعضنا لبعض: تقدموا، فاعرفوا خبره، فما جسر أحد منهم يتقدم، فتقدمت أنا. فلما صرت عند رأسه، وأردت أن أضع يدي على أنفه أختبر «3» نفسه لحقته إفاقة، ففتح عينيه، فكدت أن أموت فزعا من أن يراني مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي، فرجعت إلى خلف، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس، وعثرت به، فاتكأت عليه، فاندق سيفي، وكاد أن يدخل في لحمي ويجرحني، فسلمت وخرجت: فاستدعيت سيفا ومنطقة فلبستها «4» ، وجئت [حتى] «5» وقفت في مرتبتي ساعة. فتلف الواثق بلا شك، فتقدمت، فشددت لحييه، وغمّضته، وسجّيته، ووجهته إلى القبلة، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن، لأن جميعه مثبت عليهم، وترك وحده في البيت، وقال لي ابن أبي دواد القاضي: إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت، فكن أنت ذلك الرجل، وكنت من أخصهم به [في حياته] «6» لأنه أحبني حتى لقبني الواثقي، باسمه، فحزنت عليه، فرددت باب المجلس، وجلست في الصحن عند الباب أحفظه. وكان المجلس في بستان عظيم، فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني، فدخلت أنظر ما هي؟ فإذا بجرذون «7» من دواب البستان قد جاء حتى استلّ عين الواثق فأكلها، فقلت: لا إله إلا الله، هذه العين التي فتحها من ساعة- فاندق سيفي هيبة لها- صارت طعمة لدابة ضعيفة، وجاؤوا فغسلوه، فسألني ابن أبي دواد عن عينه فأخبرته.
وكان الواثق أبيض إلى الصفرة، جسيما، حسن الوجه، جميلا، في عينه نكتة بياض «8» .
পৃষ্ঠা - ৩৩০৯৯
[10015] هارون بن معاوية أبي عبيد الله الأشعري عم معاوية بن أبي صالح
[روى عن حجاج بن محمد المصيصي، وحفص بن غياث، وخالد بن عبد الله الواسطي، والعطاف بن خالد المخزومي، والفرج بن فضالة، وأبي إسماعيل المؤدب، وأبي سفيان المعري، وأبيه أبي عبيد الله الأشعري، وأبي معاوية الضرير.
روى عنه: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي، وأبو حاتم الرازي] «1» .
[قال أبو محمد بن أبي حاتم] «2» : [هارون بن أبي عبيد الله الأشعري المصيصي واسم أبي عبيد الله معاوية. روى عن عطاف بن خالد وأبي إسماعيل المؤدب وخالد بن عبد الله الواسطي وحجاج بن محمد.
كتب عنه أبي بالمصيصة وروى عنه، سألت أبي عنه، فقال: صدوق] «3» .
حدث عن محمد بن أبي قيس بسنده إلى أبي ليلى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«تمسكوا بطاعة أئمتكم، لا تخالفوهم، فإن طاعتهم طاعة الله، وإن معصيتهم معصية الله، فإن الله بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة، والموعظة الحسنة، فمن خلفني فيذلك فهو مني وأنا منه»
[14321] .
[10016] هارون بن موسى بن شريك أبو عبد الله التغلبي المقرىء المعروف بالأخفش
[قرأ على ابن ذكوان، وأخذ الحروف عن هشام بن عمار.
__________
[10015] ترجمته في تهذيب الكمال 19/202 وتهذيب التهذيب 6/11 والجرح والتعديل 9/97.
[10016] ترجمته في إنباه الرواة 3/361 غاية النهاية للجزري 2/347 وسير أعلام النبلاء 13/566 ومعجم الأدباء 19/263 النجوم الزاهرة 3/133 وشذرات الذهب 2/209 وطبقات النحويين للزبيدي ص 263 وتذكرة الحفاظ 2/659 وبغية الوعاة 2/320 ومعرفة القراء الكبار 1/247 رقم 153.
পৃষ্ঠা - ৩৩১০০
وحدث عن أبي مسهر بشيء يسير، وعن سلام بن سليمان المدائني. قرأ عليه خلق كثير منهم: جعفر بن أبي داود، وإبراهيم بن عبد الرزاق، ومحمد بن النضر الأخرم، والحسن بن حبيب الحصائري، وأبو الحسن ابن شنبوذ، وعبد الله بن أحمد بن إبراهيم البلخي، ومحمد بن سليمان بن ذكوان البعلبكي.
حدث عنه: أبو القاسم الطبراني، وأبو أحمد ابن الناصح المفسر، وجماعة.
صنف كتبا في القراءات والعربية، وكان ثقة معمرا. قال أبو علي الأصبهاني: كان هارون الأخفش من أهل الفضل، صنف كتبا كثيرة في القراءات والعربية، وإليه رجعت الإمامة في قراءة ابن ذكوان] «1» .
حدث عن سلّام بن سليمان بسنده إلى ابن عمر:
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الروم: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً
[سورة الروم، الآية: 54] برفع الضاد من «ضعف» في هذا كله.
قال أبو عبد الله الأخفش:
دخلت مع مشايخ دمشق أعود أبا مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغساني، فسمعته يترنّم بهذا البيت:
يسرّ الفتى ما كان قدّم من تقى إذا نزل الداء الذي هو قاتله
ذكر الأخفش أن مولده سنة مئتين، وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومئتين «2» . وقيل: توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين.
[10017] هارون بن أبي الهيذام واسم أبي الهيذام محمد بن هارون أبو يزيد العسقلاني مولى آل عثمان بن عفان
قيم مسجد الرملة. حدث عن الحارث بن عبد الله بسنده إلى جابر بن سمرة قال: