আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة سبع عشرة وثلاثمائة

পৃষ্ঠা - ৯১৭২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَ خَلْعُ الْمُقْتَدِرِ وَتَوْلِيَةُ الْقَاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَخِي الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ. فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَالْخَلِيفَةِ، فَالْتَفَّ الْأُمَرَاءُ عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَتَفَاقَمَ الْحَالُ وَآلَ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى خَلْعِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ وَتَوْلِيَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَلَقَّبُوهُ الْقَاهِرَ بِاللَّهِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقُلِّدَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ وِزَارَتَهُ، وَنُهِبَتْ دَارُ الْمُقْتَدِرِ، وَأَخَذُوا مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَوُجِدَ لِأُمِّ الْمُقْتَدِرِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ قَدْ دَفَنَتْهَا فِي قَبْرٍ بِتُرْبَتِهَا، فَحُمِلَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأُخْرِجَ الْمُقْتَدِرُ وَأُمُّهُ وَخَالَتُهُ وَخَوَاصُّ جَوَارِيهِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُحَاصَرَةِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَهَرَبِ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْحَجَبَةِ وَالْخَدَمِ مِنْهَا، وَوَلِيَ نَازُوكُ الْحُجُوبَةَ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الشُّرْطَةِ، وَأُلْزِمَ الْمُقْتَدِرَ بِأَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كِتَابًا بِالْخَلْعِ مِنَ الْخِلَافَةِ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ إِلَى الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، فَقَالَ لِوَلَدِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ: احْتَفِظْ بِهَذَا الْكِتَابِ، فَلَا يَرَيَنَّهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. فَلَمَّا أُعِيدَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى الْخِلَافَةِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَشَكَرَهُ عَلَى ذَلِكَ جِدًّا وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْقُضَاةِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ جَلَسَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ فِي مَنْصِبِ الْخِلَافَةِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৩
بْنُ مُقْلَةَ، وَكَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ بِالْآفَاقِ يُخْبِرُهُمْ بِوِلَايَةِ الْقَاهِرِ بِالْخِلَافَةِ عِوَضًا عَنِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَطْلَقَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى مِنَ السِّجْنِ، وَزَادَ فِي أَقْطَاعِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ قَامُوا بِنَصْرِهِ، مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ جَاءَ الْجُنْدُ فَطَلَبُوا أَرْزَاقَهُمْ وَشَغَبُوا، وَسَارَعُوا إِلَى نَازُوكَ فَقَتَلُوهُ - وَكَانَ مَخْمُورًا - ثُمَّ صَلَبُوهُ، وَهَرَبَ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ وَالْحَجَبَةُ، وَنَادَوْا: يَا مُقْتَدِرُ يَا مَنْصُورُ. وَلَمْ يَكُنْ مُؤْنِسٌ يَوْمَئِذٍ حَاضِرًا، وَجَاءَتِ الْجُنُودُ إِلَى بَابِهِ يُطَالِبُونَهُ بِالْمُقْتَدِرِ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَحَاجَفَ دُونَهُ خَدَمُهُ، فَلَمَّا رَأَى مُؤْنِسٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمُقْتَدِرِ إِلَيْهِمْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ تَجَاسَرَ فَخَرَجَ، فَحَمَلَهُ الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَسَأَلَ عَنْ أَخِيهِ الْقَاهِرِ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ لِيَكْتُبَ لَهُمَا أَمَانًا، فَمَا كَانَ عَنْ قَرِيبٍ حَتَّى جَاءَهُ خَادِمٌ وَمَعَهُ رَأْسُ أَبِي الْهَيْجَاءِ قَدِ احْتَزَّهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَجَاءَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ فَجَلَسَ فِي الدَّسْتِ، وَاسْتَدْعَى بِالْقَاهِرِ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَدْنَاهُ إِلَيْهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَخِي، أَنْتَ لَا ذَنْبَ لَكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ قُهِرْتَ. وَالْقَاهِرُ يَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ، نَفْسِي نَفْسِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جَرَى عَلَيْكَ مِنِّي سُوءٌ أَبَدًا. وَعَادَ ابْنُ مُقْلَةَ، فَكَتَبَ إِلَى الْآفَاقِ يُعْلِمُهُمْ بِعَوْدِ الْمُقْتَدِرِ، وَتَرَاجَعَتِ الْأُمُورُ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بِبَغْدَادَ، وَاسْتَقَرَّ الْمُقْتَدِرُ فِي الْخِلَافَةِ كَمَا كَانَ، وَحُمِلَ رَأْسُ نَازُوكَ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ، فَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ. وَهَرَبَ أَبُو السَّرَايَا بْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَكَانَ ابْنُ نَفِيسٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ خَرَجَ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৪
مِنْ بَغْدَادَ مُتَنَكِّرًا، فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ ثُمَّ صَارَ إِلَى أَرْمِينِيَةَ ثُمَّ لَحِقَ بِمَدِينَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَتَنَصَّرَ مَعَ أَهْلِهَا، لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. وَأَمَّا مُؤْنِسٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ وَإِنَّمَا وَافَقَ جَمَاعَةَ الْأُمَرَاءِ مُكْرَهًا، وَلِهَذَا لَمَّا أُودِعَ الْمُقْتَدِرُ فِي دَارِهِ لَمْ يَنَلْهُ مِنْهُ سُوءٌ، بَلْ كَانَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَقَتَلَهُ لَمَّا طُلِبَ مِنْ دَارِهِ، فَلِهَذَا لَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ رَجَعَ إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ، فَبَاتَ بِهَا عِنْدَهُ لِثِقَتِهِ بِهِ. وَقَرَّرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ عَلَى الْوِزَارَةِ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ أَبَا عُمَرَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا أَخَاهُ - وَهُوَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ - عِنْدَ وَالِدَتِهِ بِصِفَةِ مُحْتَبَسٍ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تُحْسِنُ إِلَيْهِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، وَتَشْتَرِي لَهُ السَّرَارِي وَتُكْرِمُهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ. ذِكْرُ أَخْذِ الْقَرَامِطَةِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى الْحَجِيجِ، لَعَنَ اللَّهُ الْقَرَامِطَةَ فِيهَا خَرَجَ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَأَمِيرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيْلَمِيُّ، فَوَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، وَتَوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ، وَاسْتَبَاحَ قِتَالَهُمْ، فَقَتَلَ النَّاسَ فِي رِحَابِ مَكَّةَ وَشِعَابِهَا حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَجَلَسَ أَمِيرُهُمْ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৫
يَقُولُ: أَنَا بِاللَّهِ وَبِاللَّهِ أَنَا ... يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا فَكَانَ النَّاسُ يَفِرُّونَ فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَلَا يُجْدِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا، بَلْ يُقْتَلُونَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَطُوفُونَ فَيُقْتَلُونَ فِي الطَّوَافِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَوْمَئِذٍ يَطُوفُ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ أَخَذَتْهُ السُّيُوفُ، فَلَمَّا وَجَبَ، أَنْشَدَ وَهُوَ كَذَلِكَ: تَرَى الْمُحِبِّينَ صَرْعَى فِي دِيَارِهِمُ ... كَفِتْيَةِ الْكَهْفِ لَا يَدْرُونَ كَمْ لَبِثُوا ثُمَّ أَمَرَ الْقِرْمِطِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى بِبِئْرِ زَمْزَمَ، وَدَفَنَ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَحَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَيَا حَبَّذَا تِلْكَ الْقِتْلَةُ وَتِلْكَ الضِّجْعَةُ - وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُكَفَّنُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ مِنْ خِيَارِ الشُّهَدَاءِ، وَهَدَمَ قُبَّةَ زَمْزَمَ، وَأَمَرَ بِقَلْعِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَنَزَعَ كُسْوَتَهَا عَنْهَا، وَشَقَّقَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَصْعَدَ إِلَى مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْتَلِعَهُ، فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَمَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَصَارَ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَانْكَفَّ اللَّعِينُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنِ الْمِيزَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقْلَعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَضَرَبَ الْحَجَرَ بِمُثْقَلٍ فِي يَدِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ الطَّيْرُ الْأَبَابِيلُ؟
পৃষ্ঠা - ৯১৭৬
أَيْنَ الْحِجَارَةُ مِنْ سِجِّيلٍ؟ ثُمَّ قَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ - شَرَّفَهُ اللَّهُ وَكَرَّمَهُ وَعَظَّمَهُ - وَأَخَذُوهُ مَعَهُمْ حِينَ رَاحُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى رَدُّوهُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا رَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ إِلَى بِلَادِهِ، تَبِعَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَجُنْدُهُ وَسَأَلَهُ وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَرُدَّ الْحَجَرَ لِيُوضَعَ فِي مَكَانِهِ، وَبَذَلَ لَهُ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَلَمْ يَفْعَلْ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَقَاتَلَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ فَقَتَلَهُ الْقِرْمِطِيُّ، وَقَتَلَ أَكْثَرَ أَهْلِهِ وَجُنْدِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَى بِلَادِهِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَأَمْوَالُ الْحَجِيجِ. وَقَدْ أَلْحَدَ هَذَا اللَّعِينُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ وِثَاقَهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ ; أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا زَنَادِقَةً، وَقَدْ كَانُوا مُمَالِئِينِ لِلْفَاطِمِيِّينَ الَّذِينَ نَبَغُوا فِي هَذِهِ السِّنِينَ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَيُلَقَّبُ أَمِيرُهُمْ بِالْمَهْدِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبِيدُ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ، وَقَدْ كَانَ صَبَّاغًا بِسَلَمْيَةَ يَهُودِيًّا، فَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيفٌ فَاطِمِيٌّ، فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْجَهَلَةِ، وَصَارَتْ لَهُ دَوْلَةٌ فَمَلَكَ مَدِينَةَ سِجِلْمَاسَةَ ثُمَّ ابْتَنَى مَدِينَةً وَسَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ وَكَانَ قَرَارُ مُلْكِهِ بِهَا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَرَامِطَةُ يُرَاسِلُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ وَيَتَرَامَوْنَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِيَاسَةً وَدَوْلَةً لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
পৃষ্ঠা - ৯১৭৭
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمَهْدِيَّ هَذَا كَتَبَ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيِّ يَلُومُهُ عَلَى فِعْلِهِ بِمَكَّةَ، حَيْثُ سَلَّطَ النَّاسَ عَلَى الْكَلَامِ فِي عِرْضِهِمْ، وَانْكَشَفَتْ أَسْرَارُهُمُ الَّتِي كَانُوا يُبْطِنُونَهَا بِمَا ظَهَرَ مِنْ صَنِيعِهِمْ هَذَا الْقَبِيحَ، وَأَمَرَهُ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا، وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أُسِرَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَيْدِي الْقَرَامِطَةِ، فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ مُدَّةً، ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَحْكِي أَنَّ الَّذِي أَسَرَهُ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فِي أَشَقِّ الْخِدْمَةِ وَأَشَدِّهَا، وَكَانَ يُعَرْبِدُ عَلَيْهِ إِذَا سَكِرَ، فَقَالَ لِي ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ سَكْرَانُ: مَا تَقَولُ فِي مُحَمَّدِكُمْ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ: كَانَ رَجُلًا سَائِسًا. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقَولُ فِي أَبِي بَكْرٍ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفًا مَهِينًا، وَكَانَ عُمَرُ فَظًّا غَلِيظًا، وَكَانَ عُثْمَانُ جَاهِلًا أَحْمَقَ، وَكَانَ عَلِيٌّ مُمَخْرَقًا، أَلَيْسَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يُعَلِّمُهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ فِي صَدْرِهِ مِنَ الْعِلْمِ؟ أَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ هَذَا كَلِمَةً وَهَذَا كَلِمَةً؟ ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ مَخْرَقَةٌ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ لِي: لَا تُخْبِرْ بِهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ لَكَ أَحَدًا. رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ ". وَرَوَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَوْمَ اقْتُلِعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ وَهُوَ سَكْرَانُ، رَاكِبٌ عَلَى فَرَسِهِ، فَصَفَّرَ لَهَا حَتَّى بَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي مَكَانِ الطَّوَافِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ إِلَى جَانِبِي فَقَتَلَهُ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৮
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا حَمِيرُ، أَلَيْسَ قُلْتُمْ فِي بَيْتِكُمْ هَذَا {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَأَيْنَ الْأَمْنُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَتَسْمَعُ جَوَابًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ: فَأَمِّنُوهُ. قَالَ: فَثَنَى رَأْسَ فَرَسِهِ وَانْصَرَفَ. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا سُؤَالًا فَقَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - وَكَانُوا نَصَارَى، وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ - مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، بَلْ وَمِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَهَلَّا عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا عُوجِلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ إِنَّمَا عُوقِبُوا إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَلِمَا يُرَادُ بِهِ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِرْسَالِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ هَذَا الْبَيْتُ فِيهِ ; لِيُعْلَمَ شَرَفُ هَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ إِهَانَةَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرَادُ تَشْرِيفُهَا عَمَّا قَرِيبٍ، أَهْلَكَهُمْ سَرِيعًا عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ، كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَالْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ بِشَرَفِ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْبَرِ الْمُلْحِدِينَ الْكَافِرِينَ ; بِمَا تَبَيَّنَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৯
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجِ الْحَالُ إِلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ، بَلْ أَخَّرَهُمُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُمْهِلُ وَيُمْلِي وَيَسْتَدْرِجُ، ثُمَّ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لِيُمْلِيَ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ; إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196] [لُقْمَانَ: 24] وَقَالَ: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 70] . وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَبَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] فَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى، فَاقْتَتَلُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ
পৃষ্ঠা - ৯১৮০
قَتْلَى، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى، يُشَفَّعُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِالْمَوْصِلِ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاشِ، وَانْتَشَرَتْ، وَكَثُرَ أَهْلُ الشَّرِّ فِيهَا وَاسْتَظْهَرُوا، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ شُرُورٌ، ثُمَّ سَكَنَتْ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ بَيْنَ بَنِي سَامَانَ وَأَمِيرِهِمْ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُلَقَّبِ بِالسَّعِيدِ. وَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ خَارِجِيٌّ بِالْمَوْصِلِ، وَخَرَجَ آخَرُ بِالْبَوَازِيجِ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَتَّى سَكَنَ شَرُّهُمْ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُمْ. وَفِيهَا الْتَقَى مُفْلِحٌ السَّاجِيُّ وَمَلِكُ الرُّومِ الدُّمُسْتُقُ، فَهَزَمَهُ مُفْلِحٌ وَطَرَدَ وَرَاءَهُ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ بِبَغْدَادَ، تَحْمِلُ رَمْلًا أَحْمَرَ يُشْبِهُ رَمْلَ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَامْتَلَأَتْ مِنْهُ الْبُيُوتُ.
পৃষ্ঠা - ৯১৮১
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ شُقَيْرٍ أَبُو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ كَانَ عَالِمًا بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَلَهُ فِيهِ تَصَانِيفُ. أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ، أَنْفَقَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْوِي إِلَى فِرَاشٍ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِسَنَدِهِ عَنْهُ، أَنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي قَدِ امْتُحِنْتُ بِمِحْنَةٍ، أُكْرِهْتُ عَلَى الزِّنَى وَأَنَا حُبْلَى مِنْهُ، وَقَدْ تَسَتَّرْتُ بِكَ وَزَعَمْتُ أَنَّكَ زَوْجِي، وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْكَ، فَاسْتُرْنِي سَتَرَكَ اللَّهُ وَلَا تَفْضَحْنِي. فَسَكَتَ عَنْهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَنِي أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَإِمَامُ مَسْجِدِهِمْ يُهَنِّئُونَنِي بِالْوَلَدِ، فَأَظْهَرْتُ الْبِشْرَ، وَبَعَثْتُ فَاشْتَرَيْتُ بِدِينَارَيْنِ شَيْئًا حُلْوًا وَجَعَلْتُ أُرْسِلُ إِلَيْهَا مَعَ إِمَامِ الْمَسْجِدِ كُلَّ شَهْرٍ دِينَارَيْنِ صِفَةَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَأَقُولُ: أَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ، فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي مَا فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا. فَمَكَثَتْ كَذَلِكَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ، فَجَاءُونِي يُعَزُّونَنِي فِيهِ، فَأَظْهَرْتُ التَّغَمُّمَ وَالْحُزْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْنِي الْمَرْأَةُ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي كُنْتُ أُرْسِلُ بِهَا إِلَيْهَا قَدْ جَعَلَتْهَا عِنْدَهَا، فَقَالَتْ لِي: سَتَرَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا، وَهَذِهِ الدَّنَانِيرُ الَّتِي كُنْتَ تُرْسِلُ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ، إِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ
পৃষ্ঠা - ৯১৮২
أُرْسِلُ بِهَا صِلَةً لِلْوَلَدِ، فَخُذِيهَا فَافْعَلِي بِهَا مَا شِئْتِ. بَدْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَلَفِ بْنِ خَالِدِ بْنِ رَاشِدِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُحَرِّقِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَبُو الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ الْقَاضِي الْكُوفِيُّ نَزَلَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ سَمَاعُهُ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ مَا جَاوَزَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلًا، عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالْكُوفَةِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ بْنِ سَابُورَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ - وَقِيلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ - وَمِائَتَيْنِ، وَرَأَى أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ، وَخَلْقٍ، وَكَانَ مَعَهُ جُزْءٌ فِيهِ سَمَاعُهُ مِنَ ابْنِ مَعِينٍ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَافِظُ، فَرَمَاهُ فِي دِجْلَةَ، وَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ؟! وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ شَيْخًا، وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا ضَابِطًا، رَوَى عَنِ الْحُفَّاظِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ. قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَافِظُ: كَانَ ابْنُ مَنِيعٍ ثِقَةً صَدُوقًا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ
পৃষ্ঠা - ৯১৮৩
هَاهُنَا نَاسًا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَقَالَ: يَحْسُدُونَهُ، ابْنُ مَنِيعٍ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ: يَدْخُلُ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ الْبَغَوِيُّ، قَلَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَدِيثِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ كَلَامُهُ كَالْمِسْمَارِ فِي السَّاجِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " كَامِلِهِ " فَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَقَالَ: حَدَّثَ بِأَشْيَاءَ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَعَهُ طَرَفٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَانِيفِ. وَقَدِ انْتُدِبَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ عَدِيٍّ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْهَا، وَقَدِ اسْتَكْمَلَ مِائَةَ سَنَةٍ وَثَلَاثَ سِنِينَ وَشُهُورًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْأَسْنَانِ، يَطَأُ الْإِمَاءَ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِبَغْدَادَ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ التِّبْنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ الشَّهِيدُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْهَرَوِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي سَعْدٍ، قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَحَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ، وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، لَهُ مُنَاقَشَاتٌ عَلَى بِضْعَةٍ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْ " صَحِيحِ
পৃষ্ঠা - ৯১৮৪
مُسْلِمٍ "، قَتَلَتْهُ الْقَرَامِطَةُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَتَلُوا، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ. الْكَعْبِيُّ الْمُتَكَلِّمُ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ الْبَلْخِيُّ الْكَعْبِيُّ، نِسْبَةً إِلَى بَنِي كَعْبٍ، وَهُوَ أَحَدُ مَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ الطَّائِفَةُ الْكَعْبِيَّةُ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَلَهُ اخْتِيَارَاتٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ; مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى تَقَعُ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلَا مَشِيئَةٍ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ عَنْهُ، وَقَدْ خَالَفَ الْكَعْبِيُّ نَصَّ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] وَقَالَ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ.