كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة
ذكر أن لكل نبي حوضا وأن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أعظمها وأجلها
পৃষ্ঠা - ১২৬০৮
[ذِكْرُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَنَّ حَوْضَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا]
، وَأَكْثَرُهَا وَارِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُرَّادِهِ، وَسَقَانَا مِنْهُ شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ نُذَادَ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِ " الْأَهْوَالِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ لِي حَوْضًا طُولُهُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ يَدْعُو أُمَّتَهُ، وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْفِئَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْعُصْبَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ النَّفَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الرَّجُلَانِ وَالرَّجُلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ، فَيُقَالُ: لَقَدْ بَلَّغْتَ. وَإِنِّي لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مِحْصَنُ بْنُ عُقْبَةَ الْيَمَامِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ شَبِيبٍ،
পৃষ্ঠা - ১২৬০৯
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ فَقَالَ: " إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ فِيهِ لَمَاءً، إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَيَرِدُونَ حِيَاضَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ فِي أَيْدِيهِمْ عِصِيٌّ مِنْ نَارٍ، يَذُودُونَ الْكُفَّارَ عَنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ» ". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَصْحَابًا، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً، وَإِنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ قَائِمٌ عَلَى حَوْضٍ مَلْآنَ، مَعَهُ عَصًا يَدْعُو مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلِكُلِّ أُمِّةٍ سِيمَا يَعْرِفُهُمْ بِهَا نَبِيُّهُمْ» .
পৃষ্ঠা - ১২৬১০
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إِذَا فَقَدْتُمُونِي فَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ، بِيَدِهِ عَصًا، يَدْعُو مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ، أَلَا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ تَبَعًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا» ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ حَسَنٌ، صَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ بِصِحَّتِهِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ.
إِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَكُونُ الْحَوْضُ قَبْلَ الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّرَاطِ لِأَنَّهُ يُذَادُ عَنْهُ أَقْوَامٌ يُقَالُ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَرْتَدُّونَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَأَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا فَالْكَافِرُ لَا يُجَاوِزُ الصِّرَاطَ، بَلْ يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ الصِّرَاطَ طَرِيقٌ وَمَعْبَرٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَهُوَ إِنَّمَا يُنْصَبُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْعُصَاةِ، وَالْفُسَّاقِ، وَالظَّلَمَةِ، تَحْفَظُهُمْ عَلَيْهِ الْكَلَالِيبُ، فَمِنْهُمُ الْمَخْدُوشُ الْمُسَلَّمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ الْكَلُّوبُ فَيَهْوِي فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالرِّدَّةِ عُصَاةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَبْعُدُ حَجْبُهُمْ عَنِ الْحَوْضِ، لَاسِيَّمَا وَعَلَيْهِمْ سِيمَا الْوُضُوءِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَعْرِفُكُمْ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» ".
পৃষ্ঠা - ১২৬১১
ثُمَّ مَنْ جَاوَزَ الصِّرَاطَ لَا يَكُونُ إِلَّا نَاجِيًا مُسْلِمًا، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْجَبُ عَنِ الْحَوْضِ، فَالْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: " أَنَا فَاعِلٌ ". قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: " اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: " فَأَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: " فَأَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَدَلِ بْنِ الْمُحَبَّرِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي " تَفْسِيرِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ حَرْبِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيِّ الْبَصْرِيِّ، مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ، وَفَرَّقَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْبِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا، صَاحِبِ الْأَغْمِيَةِ، وَضَعَّفَا هَذَا.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَحَكَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا أَكْذَبَ الْخَلْقِ. وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ فِي جَعْلِهِمَا هَذَيْنِ وَاحِدًا.
পৃষ্ঠা - ১২৬১২
وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ: جَمَعَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قُلْتُ: وَقَدْ حَرَّرْتُ هَذَا فِي " التَّكْمِيلِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ أَيْضًا، وَهَذَا لَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حَوْضًا آخَرَ، يَكُونُ بَعْدَ قَطْعِ الصِّرَاطِ، كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْضًا ثَانِيًا لَا يُذَادُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّرَاطِ، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ وَضْعِ الْكُرْسِيِّ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ؟ هَذَا مِمَّا يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَاصِلًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ يَكُونُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ ": وَاخْتَلَفَ فِي الْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ؟ أَيُّهُمَا يَكُونُ قَبْلَ الْآخَرِ؟ فَقِيلَ: الْمِيزَانُ قَبْلُ. وَقِيلَ: الْحَوْضُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ عِطَاشًا مِنْ قُبُورِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ - فَيُقَدَّمُ قَبْلَ الْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ.
পৃষ্ঠা - ১২৬১৩
قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ " كَشْفِ عِلْمِ الْآخِرَةِ ": حَكَى بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ التَّصْنِيفِ أَنَّ الْحَوْضَ يُورَدُ بَعْدَ الصِّرَاطِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ مَنْعِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ عَنِ الْحَوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ ; لِأَنَّ الصِّرَاطَ مَنْ جَازَ عَلَيْهِ سَلِمَ، كَمَا سَيَأْتِي. قُلْتُ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ قَدْ أَسْلَفْنَاهُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ فِي تَحْدِيدِ الْحَوْضِ تَارَةً بِجَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، وَتَارَةً كَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى كَذَا، وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ، اضْطِرَابًا. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَخَاطَبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِكُلِّ قَوْمٍ بِمَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْأَمَاكِنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ تَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ فِي شَهْرٍ. قَالَ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِكَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، بَلْ فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ، وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ، لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ، وَلَمْ يُظْلَمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ قَطُّ، تُطَهَّرُ لِنُزُولِ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ، لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْحَوْضِ وَاحِدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَعَلَى الرُّكْنِ الْأَوَّلِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَلَى الثَّانِي عُمَرُ، وَعَلَى الثَّالِثِ عُثْمَانُ، وَعَلَى الرَّابِعِ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ فِي» " الْغَيْلَانِيَّاتِ "، وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ لِضَعْفِ بَعْضِ رِجَالِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.