ثم دخلت سنة ست وستين وستمائة
পৃষ্ঠা - ১১১৬৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السُّنَةُ وَالْحَاكِمُ الْعَبَّاسِيُّ خَلِيفَةٌ، وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، وَفِي أَوَّلِ جُمَادَى الْآخِرَةِ خَرَجَ السُّلْطَانُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ، فَنَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ يَافَا بَغْتَةً، فَأَخَذَهَا عَنْوَةً، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا قَلْعَتَهَا صُلْحًا، فَأَجْلَاهُمْ مِنْهَا إِلَى عَكَّا، وَخَرَّبَ الْقَلْعَةَ وَالْمَدِينَةَ أَيْضًا، وَقَدْ كَانَ الْفِرِنْجُ اعْتَنَوْا بِعِمَارَتِهَا وَتَحْصِينِهَا، فَجَعَلَهَا بَلْقَعًا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ إِلَيْهَا عَوْدَةٌ، وَسَارَ مِنْهَا فِي رَجَبٍ قَاصِدًا حِصْنَ الشَّقِيفِ، وَفِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ بَرِيدِيَّةِ الْفِرِنْجِ كِتَابًا مِنْ أَهْلِ عَكَّا إِلَى أَهْلِ الشَّقِيفِ يُعْلِمُونَهُمْ بِقُدُومِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِتَحْصِينِ الْبَلَدِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى إِصْلَاحِ أَمَاكِنٍ يُخْشَى عَلَى الْبَلَدِ مِنْهَا. فَفَهِمَ السُّلْطَانُ كَيْفَ يَأْخُذُ الْبَلَدَ، وَعَرَفَ مِنْ أَيْنَ تُؤْكَلُ الْكَتِفُ، وَاسْتَدْعَى مِنْ فَوْرِهِ رَجُلًا مِنَ الْفِرِنْجِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بَدَلَهُ كِتَابًا عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى أَهْلِ الشَّقِيفِ، يُحَذِّرُ الْمَلِكَ مِنَ الْوَزِيرِ، وَالْوَزِيرَ مِنَ الْمَلِكِ، وَيَرْمِي الْخُلْفَ بَيْنَ الدَّوْلَةِ. فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ، فَأَوْقَعَ اللَّهُ الْخُلْفَ بَيْنَهُمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ فَحَاصَرَهُمْ وَرَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَسَلَّمُوهُ الْحِصْنَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَجْلَاهُمْ إِلَى صُورَ، وَبَعَثَ بِالْأَثْقَالِ إِلَى دِمَشْقَ ثُمَّ رَكِبَ جَرِيدَةً فِيمَنْ نَشِطَ مِنَ
পৃষ্ঠা - ১১১৬৪
الْجَيْشِ، فَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى طَرَابُلُسِ وَأَعْمَالِهَا، فَنَهَبَ وَقَتَلَ وَأَرْعَبَ، وَكَرَّ رَاجِعًا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، فَنَزَلَ عَلَى حِصْنِ الْأَكْرَادِ تَحْتَهُ فِي الْمَرْجِ، فَحَمَلَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ مِنَ الْفِرِنْجِ الْإِقَامَاتِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَقَالَ: أَنْتُمْ قَتَلْتُمْ جُنْدِيًّا مِنْ جَيْشِي، وَأُرِيدُ دِيَتَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ. ثُمَّ سَارَ، فَنَزَلَ عَلَى حِمْصَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى حَمَاةَ، ثُمَّ إِلَى أَفَامِيَةَ، ثُمَّ سَارَ مَنْزِلَةً أُخْرَى، ثُمَّ سَارَ لَيْلًا، وَتَقَدَّمَ الْعَسْكَرُ فَلَبِسُوا الْعُدَّةَ، وَسَاقَ حَتَّى أَحَاطَ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ.
[فَتَحُ أَنْطَاكِيَةَ عَلَى يَدِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ]
وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةُ الْخَيْرِ، يُقَالُ: إِنَّ دَوْرَ سُورِهَا اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وَعَدَدُ بُرُوجِهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ بُرْجًا، وَعَدَدُ شُرُفَاتِهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ شُرْفَةٍ، كَانَ نُزُولُهُ عَلَيْهَا فِي مُسْتَهَلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَانَ، وَشَرَطُوا شُرُوطًا عَلَيْهِمْ لَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُمْ وَرَدَّهُمْ خَائِبِينَ، وَصَمَّمَ عَلَى حِصَارِهَا، فَفَتَحَهَا يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ، وَغَنِمَ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا وَأَطْلَقَ لِلْأُمَرَاءِ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَوَجَدَ مِنْ أُسَارَى
পৃষ্ঠা - ১১১৬৫
الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحَلَبِيِّينَ فِيهَا خَلْقًا كَثِيرًا، كُلُّ هَذَا فِي مِقْدَارِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَقَدْ كَانَ الْأَفْرِيسُ صَاحِبُهَا وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ أَذِيَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، حِينَ مَلَكَ التَّتَارُ حَلَبَ وَفَرَّ النَّاسُ مِنْهَا، فَانْتَقَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ بِمَنْ أَقَامَهُ لِلْإِسْلَامِ نَاصِرًا وَلِلصَّلِيبِ دَامِغًا وَكَاسِرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِذَلِكَ مَعَ الْبَرِيدِيَّةِ، فَجَاوَبَتْهَا الْبَشَائِرُ مِنَ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَأَرْسَلَ أَهْلُ بَغْرَاسَ حِينَ سَمِعُوا بِقَصْدِ السُّلْطَانِ إِلَيْهِمْ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَتَسَلَّمَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أُسْتَاذَ دَارِهِ الْأَمِيرَ آقْسُنْقُرَ الْفَارِقَانِيَّ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَمَضَانَ فَتَسَلَّمَهَا، وَتَسَلَّمُوا حُصُونًا كَبِيرَةً وَقِلَاعًا كَثِيرَةً، وَعَادَ السُّلْطَانُ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، فَدَخَلَ دِمَشْقَ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ وَهَيْبَةٍ هَائِلَةٍ، وَقَدْ زُيِّنَتْ لَهُ الْبَلَدُ، وَدُقَّتْ لَهُ الْبَشَائِرُ فَرَحًا بِنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكَفَرَةِ الطَّغَامِ، لَكِنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَخْذِ أَرَاضٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرَى وَالْبَسَاتِينِ الَّتِي بِأَيْدِي مُلَّاكِهَا بِزَعْمِ أَنَّهُ قَدْ كَانَتِ التَّتَارُ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا ثُمَّ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ أَفْتَاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ، تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا، فَإِذَا اسْتُرْجِعَتْ لَمْ تُرَدَّ إِلَى أَصْحَابِهَا ; لِحَدِيثِ الْعَضْبَاءِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَرْجَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ أَخَذَهَا الْمُشْرِكُونَ، اسْتَدَلُّوا بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ
পৃষ্ঠা - ১১১৬৬
اسْتَقَرَّتْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» وَقَدْ كَانَ اسْتَحْوَذَ عَلَى أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا، وَأَسْلَمَ عَقِيلٌ وَهِيَ فِي يَدِهِ، فَلَمْ تُنْتَزَعْ مِنْ يَدِهِ، وَأَمَّا إِذَا انْتُزِعَتْ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَرْبَابِهَا لِحَدِيثِ الْعَضْبَاءِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَقَدَ مَجْلِسًا اجْتَمَعَ فِيهِ الْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَصَمَّمَ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْفَتَاوَى، وَخَافَ النَّاسُ مِنْ غَائِلَةِ ذَلِكَ، فَتَوَسَّطَ الصَّاحِبُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْوَزِيرِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الْحِنَّا، وَكَانَ قَدْ دَرَّسَ بِالشَّافِعِيِّ بَعْدَ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، فَقَالَ: يَا خُونْدُ، أَهْلُ الْبَلَدِ يُصَالِحُونَكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تُقَسَّطُ; كُلَّ سَنَةٍ مِائَتَا أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَأَبَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً بَعْدَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ أَجَابَ إِلَى تَقْسِيطِهَا، وَجَاءَتِ الْبِشَارَةُ بِذَلِكَ وَقُرِئَتْ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَرَسَمَ أَنْ يُعَجِّلُوا مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَنْ تُعَادَ إِلَيْهِمُ الْغَلَّاتُ الَّتِي كَانُوا قَدِ احْتَاطُوا عَلَيْهَا فِي زَمَنِ الْقَسْمِ وَالثِّمَارِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْفَعْلَةُ مِمَّا شَعَّثَتْ خَوَاطِرَ النَّاسِ عَلَى السُّلْطَانِ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَبْغَا عَلَى التَّتَارِ أَمَرَ بِاسْتِمْرَارِ وَزِيرِهِ نَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ، وَاسْتَنَابَ عَلَى بِلَادِ الرُّومِ الْبَرْوَانَاهْ، وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ عِنْدَهُ جِدًّا، وَاسْتَقَلَّ بِتَدْبِيرِ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ فِيهَا.
পৃষ্ঠা - ১১১৬৭
وَفِيهَا كَتَبَ صَاحِبُ الْيَمَنِ إِلَى الظَّاهِرِ بِالْخُضُوعِ وَالِانْتِمَاءِ إِلَى جَانِبِهِ، وَأَنَّهُ يَخْطُبُ لَهُ بِبِلَادِ الْيَمَنِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ هَدَايَا وَتُحَفًا كَثِيرَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ هَدَايَا وَخِلَعَا وَسَنْجَقًا وَتَقْلِيدًا.
وَفِيهَا رَافَعَ ضِيَاءُ الدِّينِ بْنُ الْفَقَّاعِيِّ لِلصَّاحِبِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الْحِنَّا عِنْدَ الظَّاهِرِ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحِنَّا، فَسَلَّمَهُ الظَّاهِرُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِالْمَقَارِعِ وَيَسْتَخْلِصُ أَمْوَالَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ ضَرَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِقْرَعَةٍ وَسَبْعَمِائَةٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا عَمِلَ الْبَرْوَانَاهْ عَلَى قَتْلِ الْمَلِكِ عَلَاءِ الدِّينِ صَاحِبِ قُونِيَةَ، وَأَقَامَ وَلَدَهُ غِيَاثَ الدِّينِ مَكَانَهُ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَتَمَكَّنَ الْبَرْوَانَاهْ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَأَطَاعَهُ جَيْشُ الرُّومِ.
وَفِيهَا قَتَلَ الصَّاحِبُ عَلَاءُ الدِّينِ صَاحِبُ الدِّيوَانِ بِبَغْدَادَ ابْنَ الْخُشْكَرِيِّ النُّعْمَانِيَّ الشَّاعِرَ; وَذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَهَرَ عَنْهُ أَشْيَاءُ عَظِيمَةٌ، مِنْهَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ فَضْلَ شِعْرِهِ عَلَى الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَاتَّفَقَ أَنَّ الصَّاحِبَ انْحَدَرَ إِلَى وَاسِطٍ فَلَمَّا كَانَ بِالنُّعْمَانِيَّةِ حَضَرَ ابْنُ الْخُشْكَرِيِّ عِنْدَهُ، وَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً قَدْ قَالَهَا فِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُنْشِدُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِذْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَاسْتَنْصَتَهُ الصَّاحِبُ، فَقَالَ ابْنُ الْخُشْكَرِيِّ: يَا مَوْلَانَا، اسْمَعْ شَيْئًا جَدِيدًا، وَأَعْرِضْ عَنْ شَيْءٍ لَهُ سُنُونَ. فَثَبَتَ عِنْدَ الصَّاحِبِ مَا كَانَ يُقَالُ عِنْدَهُ عَنْهُ، ثُمَّ بَاسَطَهُ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا قَالَ حَتَّى اسْتَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ، فَإِذَا هُوَ زِنْدِيقٌ، فَلَمَّا رَكِبَ قَالَ لِإِنْسَانٍ مَعَهُ: اسْتَفْرِدْهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَاقْتُلْهُ. فَسَايَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ عَنِ النَّاسِ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مَعَهُ: أَنْزِلُوهُ عَنْ فَرَسِهِ. كَالْمُدَاعِبِ لَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَهُوَ يَشْتُمُهُمْ وَيَلْعَنُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: انْزِعُوا عَنْهُ ثِيَابَهُ. فَسَلَبُوهَا
পৃষ্ঠা - ১১১৬৮
وَهُوَ يُخَاصِمُهُمْ وَيَقُولُ: إِنَّكُمْ أَجْلَافٌ، وَإِنَّ هَذَا لَعِبٌ بَارِدٌ. ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عُنُقَهُ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ، فَأَبَانَ رَأْسَهُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ:
الشَّيْخُ عَفِيفُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْبَقَّالِ
شَيْخُ رِبَاطِ الْمَرْزُبَانِيَّةِ، كَانَ صَالِحًا وَرِعًا زَاهِدًا، حَكَى عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: كُنْتُ بِمِصْرَ فَبَلَغَنِي مَا وَقَعَ مِنَ الْقَتْلِ الذَّرِيعِ بِبَغْدَادَ فِي فِتْنَةِ التَّتَارِ، فَأَنْكَرْتُ فِي قَلْبِي وَقُلْتُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ هَذَا وَفِيهِمُ الْأَطْفَالُ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ؟ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رَجُلًا وَفِي يَدِهِ كِتَابٌ، فَأَخَذْتُهُ فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ، فِيهَا الْإِنْكَارُ عَلَيَّ:
دَعِ الِاعْتِرَاضَ فَمَا الْأَمْرُ لَكْ ... وَلَا الْحُكْمُ فِي حَرَكَاتِ الْفَلَكْ
وَلَا تَسْأَلِ اللَّهَ عَنْ فِعْلِهِ ... فَمَنْ خَاضَ لُجَّةَ بَحْرٍ هَلَكْ
إِلَيْهِ تَصِيرُ أُمُورُ الْعِبَادِ ... دَعِ الِاعْتِرَاضَ فَمَا أَجْهَلَكْ
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْحَافِظُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ قَاضِي الْيَمَنِ، عَنْ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالشَّرَفِ الْأَعْلَى، وَكَانَ قَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَاتٍ جَيِّدَةٍ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ.
وَفِيهَا وُلِدَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، أَخُو الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَالْخَطِيبُ الْقَزْوِينِيُّ.