ثم دخلت سنة خمسين وست مائة
পৃষ্ঠা - ১১০০৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
سَنَةُ خَمْسِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ
فِيهَا وَصَلَتِ التَّتَارُ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَسَرْوَجَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ وَمَا وَالَى هَذِهِ الْبِلَادَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَنَهَبُوا وَخَرَّبُوا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَوَقَعُوا بِتُجَّارٍ يَسِيرُونَ بَيْنَ حَرَّانَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ، فَأَخَذُوا مِنْهُمْ سِتَّمِائَةِ حِمْلِ سُكَّرٍ وَمَعْمُولٍ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ قَتَلُوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ قَتِيلٍ، وَأَسَرُوا مِنَ الْوِلْدَانِ وَالنِّسَاءِ مَا يُقَارِبُ ذَلِكَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ السِّبْطُ: وَفِيهَا حَجَّ النَّاسُ مِنْ بَغْدَادَ، وَكَانَ لَهُمْ عَشْرُ سِنِينَ لَمْ يَحُجُّوا مِنْ زَمَنِ الْمُسْتَنْصِرِ.
وَفِيهَا وَقَعَ حَرِيقٌ بِحَلَبَ، احْتَرَقَ بِسَبَبِهِ سِتُّمِائَةِ دَارٍ، يُقَالُ: إِنَّ الْفِرِنْجَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، أَلْقَوْهُ فِيهَا قَصْدًا.
وَفِيهَا أَعَادَ قَاضِي الْقُضَاةِ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ النَّهْرُقُلِّيُّ أَمْرَ الْمَدْرَسَةِ التَّاجِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعَوَامِّ، وَجَعَلُوهَا كَالْقَيْسَارِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ فِيهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهِيَ مَدْرَسَةٌ جَيِّدَةٌ حَسَنَةٌ قَرِيبَةُ الشَّبَهِ مِنَ النِّظَامِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ بَانِيهَا يُقَالُ
পৃষ্ঠা - ১১০০৫
لَهُ: تَاجُ الْمُلْكِ. وَزِيرُ مَلِكْشَاهْ السَّلْجُوقِيُّ، وَأَوَّلُ مَنْ دَرَّسَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ
جَمَالِ الدِّينِ بْنِ مَطْرُوحٍ
وَقَدْ كَانَ فَاضِلًا رَئِيسًا كَيِّسًا شَاعِرًا مِنْ خِيَارِ الْمُتَعَمِّمِينَ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ فِي وَقْتٍ عَلَى دِمَشْقَ، فَلَبِسَ لُبْسَ الْجُنْدِ. قَالَ السِّبْطُ: وَكَانَ لَا يَلِيقُ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ شِعْرِهِ فِي النَّاصِرِ دَاوُدَ صَاحِبِ الْكَرَكِ لَمَّا اسْتَعَادَ الْقُدْسَ مِنَ الْفِرِنْجِ حِينَ سُلِّمَتْ إِلَيْهِمْ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فِي الدَّوْلَةِ الْكَامِلِيَّةِ، فَقَالَ هَذَا الشَّاعِرُ ابْنُ مَطْرُوحٍ:
الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَهُ عَادَةٌ ... سَارَتْ فَصَارَتْ مَثَلًا سَائِرَا
إِذَا غَدَا لِلْكُفْرِ مُسْتَوْطَنًا ... أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُ نَاصِرَا
فَنَاصِرٌ طَهَّرَهُ أَوَّلًا ... وَنَاصِرٌ طَهَّرَهُ آخِرَا
وَلَمَّا عَزَلَهُ الصَّالِحُ عَنِ النِّيَابَةِ أَقَامَ خَامِلًا، وَكَانَ كَثِيرَ الْبِرِّ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمِصْرَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ:
شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْمَقْدِسِيُّ
الْكَاتِبُ الْحَسَنُ الْخَطِّ، كَانَ كَثِيرَ الْأَدَبِ، سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَخَدَمَ السُّلْطَانَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ وَالنَّاصِرَ دَاوُدَ، وَكَانَ دَيِّنًا فَاضِلًا شَاعِرًا، لَهُ قَصِيدَةٌ يَنْصَحُ فِيهَا السُّلْطَانَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ، وَمَا يَلْقَاهُ النَّاسُ مِنْ وَزِيرِهِ وَقَاضِيهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَوَاشِيهِ.
পৃষ্ঠা - ১১০০৬
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَغْرِبِيِّ أَبُوهُ
وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَسَمِعَ بِهَا الْحَدِيثَ، وَعُنِيَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَصَنَّفَ كِتَابًا فِي مُجَلَّدَاتٍ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِي الْحَدِيثِ، وَحَرَّرَ فِيهِ حِكَايَةَ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ غَانِمِ بْنِ كَرِيمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ
قَدِمَ بَغْدَادَ وَكَانَ شَابًّا فَاضِلًا، فَتَتَلْمَذَ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، فَانْتَفَعَ بِهِ، وَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى النَّاسِ فِي التَّصَوُّفِ، وَفِيهِ لَطَافَةٌ وَمِنْ كَلَامِهِ فِي الْوَعْظِ: الْعَالَمُ كَالذَّرَّةِ فِي فَضَاءِ عَظْمَتِهِ، وَالذَّرَّةُ كَالْعَالَمِ فِي كِتَابِ حِكْمَتِهِ، الْأُصُولُ فَرُوعٌ إِذَا تَجَلَّى جَمَالُ أَوَّلِيَّتِهِ، وَالْفُرُوعُ أُصُولٌ إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِ نَفْيِ الْوَسَائِطِ شَمْسُ آخِرِيَّتِهِ، أَسْتَارُ اللَّيْلِ مَسْدُولَةٌ، وَشُمُوعُ الْكَوَاكِبِ مَشْعُولَةٌ، وَأَعْيُنُ الرُّقَبَاءِ عَنِ الْمُشْتَاقِينَ مَشْغُولَةٌ، وَحِجَابُ الْحُجُبِ عَنْ أَبْوَابِ الْوَصْلِ مَعْزُولَةٌ، مَا هَذِهِ الْوَقْفَةُ وَالْحَبِيبُ قَدْ فَتَحَ الْبَابَ؟! مَا هَذِهِ الْفَتْرَةُ وَالْمَوْلَى قَدْ صَرَفَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ؟!
وُقُوفِي بِأَكْنَافِ الْعَقِيقِ عُقُوقُ ... إِذَا لَمْ أَرِدْ وَالدَّمْعُ فِيهِ عَقِيقُ
وَإِذَا لَمْ أَمُتْ شَوْقًا إِلَى سَاكِنِ الْحِمَى ... فَمَا أَنَا فِيمَا أَدَّعِيهِ صَدُوقُ
أَيَا رَبْعَ لَيْلَى مَا الْمُحِبُّونَ فِي الْهَوَى ... سَوَاءً وَلَا كُلُّ الشَّرَابِ رَحِيقُ
পৃষ্ঠা - ১১০০৭
وَلَا كُلُّ مَنْ يَلْقَاكَ يَلْقَاكَ قَلْبُهُ ... وَلَا كُلُّ مَنْ يَحْنُو إِلَيْكَ مَشُوقُ
تَكَاثَرَتِ الدَّعْوَى عَلَى الْحُبِّ فَاسْتَوَى ... أَسِيرُ صَبَابَاتِ الْهَوَى وَطَلِيقُ
أَيُّهَا الْآمَنُونَ، هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟ أَيُّهَا الْمَحْبُوسُونَ فِي مَطَامِيرِ مُسَمِّيَاتِهِمْ، هَلْ فِيكُمْ سُلَيْمَانُ الْفَهِمُ لِفَهْمِ رُمُوزِ الْوُحُوشِ وَالْأَطْيَارِ؟ هَلْ فِيكُمُ مُوسَوِيُّ الشَّوْقِ يَقُولُ بِلِسَانِ شَوْقِهِ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فَقَدْ طَالَ الِانْتِظَارُ؟! .
وَقَالَ بَعْدَ الِاسْتِسْقَاءِ: لَمَّا صَعِدَتْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسُ الْمُشْتَاقِ، بَكَتْ آمَاقُ الْآفَاقِ، وَجَادَتْ بِالدُّرِّ مُرْضِعَةُ السَّحَابِ، فَامْتَصَّ لَبَنَ الرَّحْمَةِ رَضِيعُ التُّرَابِ، وَخَرَجَ مِنْ أَخْلَافِ الْغَمَامِ نِطَافُ الْمَاءِ النَّمِيرِ، فَاهْتَزَّتْ بِهِ الْهَامِدَةُ وَقَرَّتْ عُيُونُ الْغَدِيرِ، وَتَزَيَّنَتِ الرِّيَاضُ بِالسُّنْدُسِ الْأَخْضَرِ، فَحَبَّرَ الصِّبْغُ حِبْرَهَا أَحْسَنَ تَحْبِيرِ، وَانْفَلَقَ بِأَنْمُلَةِ الصِّبَا أَكْمَامُ الْأَنْوَارِ، وَانْشَقَّتْ بِنَفَحَاتِ أَنْفَاسِهِ جُيُوبُ الْأَزْهَارِ، وَنَطَقَتْ أَجْزَاءُ الْكَائِنَاتِ بِلُغَاتِ صِفَاتِهَا، وَعَادَاتِ عِبَرِهَا: أَيُّهَا النَّائِمُونَ تَيَقَّظُوا، أَيُّهَا الْمُسْتَعِدُّونَ تَعَرَّضُوا: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] .
أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بُصَاقَةَ الْغِفَارِيُّ الْكِنَانِيُّ الْمِصْرِيُّ
ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، كَانَ مِنْ أَخِصَّاءِ
পৃষ্ঠা - ১১০০৮
الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ وَوَلَدِهِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَقَدْ سَافَرَ مَعَهُ إِلَى بَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ أَدِيبًا مَلِيحَ الْمُحَاضِرَةِ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَلَمَّا أَبَيْتُمْ سَادَتِي عَنْ زِيَارَتِي ... وَعَوَّضْتُمُونِي بِالْبِعَادِ عَنِ الْقُرْبِ
وَلَمْ تَسْمَحُوا بِالْوَصْلِ فِي حَالِ يَقْظَتِي ... وَلَمْ يَصْطَبِرْ عَنْكُمْ لِرِقَّتِهِ قَلْبِي
نَصَبْتُ لِصَيْدِ الطَّيْفِ جَفْنِي حِبَالَةً ... فَأَدْرَكْتُ خَفْضَ الْعَيْشِ بِالنَّوْمِ وَالنَّصْبِ