ثم دخلت سنة أربعين وستمائة
পৃষ্ঠা - ১০৯৪৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا]
فِيهَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ وَخَلَفَهُ وَلَدُهُ الْمُسْتَعْصِمُ بِاللَّهِ فَكَانَتْ وَفَاةُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بُكْرَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَاشِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَكُتِمَ مَوْتُهُ حَتَّى كَانَ الدُّعَاءُ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَدُفِنَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى التُّرَبِ مِنَ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ، حَسَنَ السَّرِيرَةِ، جَيِّدَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَاتِ، مُحْسِنًا إِلَى الرَّعِيَّةِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ جَدُّهُ النَّاصِرُ قَدْ جَمَعَ مَا يَتَحَصَّلُ مِنَ الذَّهَبِ فِي بِرْكَةٍ بِدَارِ الْخِلَافَةِ، فَكَانَ يَقِفُ عَلَى حَافَّتِهَا وَيَقُولُ: أَتُرَى أَعِيشُ حَتَّى أَمْلَأَهَا، وَكَانَ الْمُسْتَنْصِرُ يَقِفُ عَلَى حَافَّتِهَا وَيَقُولُ: أَتُرَى أَعِيشُ حَتَّى أُنْفِقَهَا كُلَّهَا. كَانَ يَبْنِي الرُّبُطَ وَالْخَانَاتِ وَالْقَنَاطِرَ فِي الطُّرُقَاتِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ. وَقَدْ عَمِلَ بِكُلِّ مَحَلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بَغْدَادَ دَارَ ضِيَافَةٍ لِلْفُقَرَاءِ، لَاسِيَّمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ يَتَقَصَّدُ الْجَوَارِيَ اللَّاتِي قَدْ بَلَغْنَ الْأَرْبَعِينَ، فَيُشْتَرَيْنَ لَهُ فَيُعْتِقُهُنَّ وَيُجَهِّزُهُنَّ وَيُزَوِّجُهُنَّ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ يُبْرِزُ صِلَاتِهِ أُلُوفٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنَ الذَّهَبِ، تُفَرَّقُ فِي الْمَحَالِّ بِبَغْدَادَ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ
পৃষ্ঠা - ১০৯৪৯
وَغَيْرِهِمْ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَجَزَاهُ خَيْرًا، وَقَدْ وَضَعَ بِبَغْدَادَ الْمَدْرَسَةَ الْمُسْتَنْصِرِيَّةَ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا دَارَ حَدِيثٍ وَمَارَسْتَانًا، وَحَمَّامًا وَدَارَ طِبٍّ، وَجَعَلَ لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنَ الْجَوَامِكِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْحَلَاوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِهِ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَوْقَافًا عَظِيمَةً حَتَّى قِيلَ: إِنَّ ثَمَنَ التِّبْنِ مِنْ غَلَّاتِ رِيعِهَا يَكْفِي الْمَدْرَسَةَ وَأَهْلَهَا، وَوَقَفَ فِيهَا كُتُبًا نَفِيسَةً لَيْسَ لَهَا فِي الدُّنْيَا نَظِيرٌ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَدْرَسَةُ جَمَالًا لِبَغْدَادَ، بَلْ لِسَائِرِ الْبِلَادِ.
وَقَدِ احْتَرَقَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمَشْهَدُ الَّذِي بِسَامَرَّا الْمَنْسُوبُ إِلَى عَلِيٍّ الْهَادِي وَالْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ، وَقَدْ كَانَ بَنَاهُ أَرْسَلَانُ الْبَسَاسِيرِيُّ فِي أَيَّامِ تَغَلُّبِهِ عَلَى تِلْكَ النَّوَاحِي، فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِإِعَادَتِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَتِ الرَّوَافِضُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ حَرِيقِ هَذَا الْمَشْهَدِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ بَارِدٍ لَا حَاصِلَ لَهُ، وَصَنَّفُوا فِيهِ أَخْبَارًا، وَأَنْشَدُوا أَشْعَارًا كَثِيرَةً لَا مَعْنَى لَهَا، وَهُوَ الْمَشْهَدُ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُنْتَظَرُ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ، لَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، وَلَوْ لَمْ يُبْنَ لَكَانَ أَجْوَدَ، وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ بِكَرْبَلَاءَ، ابْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَقَبَّحَ مَنْ يَغْلُو فِيهِمْ وَيُبْغِضُ بِسَبَبِهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৫০
وَكَانَ الْمُسْتَنْصِرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِيمًا حَلِيمًا رَئِيسًا مُتَوَدِّدًا إِلَى النَّاسِ، وَكَانَ جَمِيلَ الصُّورَةِ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، بَهِيَّ الْمَنْظَرِ، عَلَيْهِ نُورُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. وَحُكِيَ أَنَّهُ اجْتَازَ رَاكِبًا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ بَغْدَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ، فَرَأَى شَيْخًا كَبِيرًا، وَمَعَهُ إِنَاءٌ فِيهِ طَعَامٌ، قَدْ حَمَلَهُ مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، لِمَ لَا أَخَذْتَ الطَّعَامَ مِنْ مَحَلَّتِكَ؟ أَوَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ فَتَأْخُذَ مِنَ الْمَحَلَّتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي - وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ - وَلَكِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ نَزَلَ بِيَ الْوَقْتُ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِي أَنْ أُزَاحِمَهُمْ وَقْتَ الطَّعَامِ، وَأَتَحَيَّنُ وَقْتَ كَوْنِ النَّاسِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَأَدْخُلُ بِالطَّعَامِ إِلَى مَنْزِلِي حَيْثُ لَا يَرَانِي أَحَدٌ. فَبَكَى الْخَلِيفَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمَّا دُفِعَتْ إِلَيْهِ فَرِحَ الشَّيْخُ فَرَحًا شَدِيدًا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ انْشَقَّ قَلْبُهُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا عِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ مَاتَ فَحُمِلَتِ الْأَلْفُ دِينَارٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا، وَقَدْ أَنْفَقَ مِنْهَا دِينَارًا وَاحِدًا، فَتَعَجَّبَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: شَيْءٌ قَدْ خَرَجْنَا عَنْهُ لَا يَعُودُ إِلَيْنَا، تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ مَحَلَّتِهِ.
وَقَدْ خَلَّفَ مِنَ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةً; اثْنَانِ شَقِيقَانِ، وَهُمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَعْصِمُ بِاللَّهِ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْأَمِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأُخْتُهُمَا مِنْ أُمٍّ أُخْرَى كَرِيمَةُ، صَانَ اللَّهُ حِجَابَهَا. وَقَدْ رَثَاهُ النَّاسُ بِأَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ، أَوْرَدَ مِنْهَا ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً صَالِحَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৯৫১
وَلَمْ يَسْتَوْزِرْ أَحَدًا، بَلْ أَقَرَّ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْقُمِّيَّ عَلَى نِيَابَةِ الْوِزَارَةِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ نَصْرُ الدِّينِ أَبُو الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّاقِدِ الَّذِي كَانَ أُسْتَاذَ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[خِلَافَةُ الْمُسْتَعْصِمِ بِاللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ]
وَهُوَ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِبَغْدَادَ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ الشَّهِيدُ الَّذِي قَتَلَهُ التَّتَارُ، بِأَمْرِ هُلَاوُو بْنِ تُولُّيَّ مِلْكِ التَّتَارِ بْنِ جِنْكِزْخَانَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَعْصِمُ بِاللَّهِ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الظَّاهِرِ بِاللَّهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَنْجِدِ بِاللَّهِ أَبِي الْمُظَفَّرِ يُوسُفَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبَقِيَّةُ نَسَبِهِ إِلَى الْعَبَّاسِ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৯৫২
تَرْجَمَةِ جَدِّهِ النَّاصِرِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ كُلُّهُمْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ، يَتْلُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَذَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْمُسْتَعْصِمِ; أَنَّ فِي نَسَبِهِ ثَمَانِيَةً وَلُوا الْخِلَافَةَ نَسَقًا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمْ أَحَدٌ، وَهُوَ التَّاسِعُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ عَاشِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ اسْتُدْعِيَ هُوَ مِنَ التَّاجِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَبُويِعَ بِالْخِلَافَةِ، وَلُقِّبَ بِالْمُسْتَعْصِمِ، وَلَهُ مِنَ الْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَشُهُورٌ، وَقَدْ أَتْقَنَ فِي شَبِيبَتِهِ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ حِفْظًا وَتَجْوِيدًا، وَأَتْقَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالْخَطَّ الْحَسَنَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ عَلَى الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّيَّارِ أَحَدِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَقَدْ أَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ فِي خِلَافَتِهِ، وَكَانَ الْمُسْتَعْصِمُ عَلَى مَا ذُكِرَ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ، حَسَنَ الْأَدَاءِ، طَيِّبَ الصَّوْتِ، يَظْهَرُ عَلَيْهِ خُشُوعٌ وَإِنَابَةٌ، وَقَدْ نَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّفْسِيرِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ. وَكَانَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ، مَشْكُورًا، مُقْتَدِيًا بِأَبِيهِ الْمُسْتَنْصِرِ جُهْدَهُ وَطَاقَتَهُ، وَقَدْ مَشَتِ الْأُمُورُ فِي أَيَّامِهِ عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَكَانَ الْقَائِمُ بِهَذِهِ الْبَيْعَةِ الْمُسْتَعْصِمِيَّةِ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو الْفَضَائِلِ إِقْبَالٌ الْمُسْتَنْصِرِيُّ، فَبَايَعَهُ أَوَّلًا بَنُو عَمِّهِ وَأَهْلُهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ أَعْيَانُ الدَّوْلَةِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أُولِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَمَجْمَعًا مَحْمُودًا، وَرَأَيًا سَعِيدًا، وَأَمْرًا حَمِيدًا، وَجَاءَتِ الْبَيْعَةُ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَالْأَقْطَارِ، وَالْبُلْدَانِ وَالْأَمْصَارِ، وَخُطِبَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৫৩
لَهُ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَالْأَقَالِيمِ وَالرَّسَاتِيقِ، وَعَلَى سَائِرِ الْمَنَابِرِ شَرْقًا وَغَرْبًا، بُعْدًا وَقُرْبًا، كَمَا كَانَ أَبُوهُ وَأَجْدَادُهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ.
وَمِمَّا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنَّهُ كَانَ بِالْعِرَاقِ وَبَاءٌ شَدِيدٌ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَغَلَا السُّكَّرُ وَالْأَدْوِيَةُ، فَتَصَدَّقَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِسُكَّرٍ كَثِيرٍ عَلَى الْمَرْضَى، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ أَذِنَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَعْصِمُ بِاللَّهِ لِأَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَكَانَ شَابًّا ظَرِيفًا فَاضِلًا، فِي الْوَعْظِ بِبَابِ الْبَدْرِيَّةِ، فَتَكَلَّمَ وَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَامْتَدَحَ الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَعْصِمَ بِقَصِيدَةٍ مُفِيدَةٍ، طَوِيلَةٍ جَلِيلَةٍ، فَصِيحَةٍ مَلِيحَةٍ، سَرَدَهَا ابْنُ السَّاعِي بِكَمَالِهَا، وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، وَالشِّبْلُ فِي الْمَخْبَرِ مِثْلُ الْأَسَدِ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْحَلَبِيِّينَ وَبَيْنَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ، وَمَعَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ شِهَابُ الدِّينِ غَازِيٌّ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ، فَكَسَرَهُمُ الْحَلَبِيُّونَ كَسْرَةً عَظِيمَةً مُنْكَرَةً، وَغَنِمُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، وَنُهِبَتْ نَصِيبِينُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذِهِ سَابِعَ عَشَرَ مَرَّةً نُهِبَتْ فِي هَذِهِ السِّنِينَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَعَادَ الْغَازِيُّ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، وَتَفَرَّقَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ صُحْبَةَ مُقَدَّمِهِمْ بَرَكَاتِ خَانَ، لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَدِمَ عَلَى الشِّهَابِ غَازِيٍّ مَنْشُورٌ بِمَدِينَةِ خِلَاطَ فَتَسَلَّمَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْحَوَاصِلِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৫৪
وَفِيهَا عَزَمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ صَاحِبُ مِصْرَ عَلَى دُخُولِ الشَّامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعَسَاكِرَ مُخْتَلِفَةٌ، فَجَهَّزَ عَسْكَرًا إِلَيْهَا، وَأَقَامَ هُوَ بِمِصْرَ يُدِيرُ مَمْلَكَتَهَا.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْحُرْمَةُ الْمَصُونَةُ الْجَلِيلَةُ، بَرَكَاتُ خَاتُونَ بِنْتُ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ ابْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْسُنْقُرَ الْأَتَابَكِيَّةُ، وَاقِفَةُ الْمَدْرَسَةِ الْأَتَابَكِيَّةِ بِالصَّالِحِيَّةِ، وَكَانَتْ زَوْجَةَ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي لَيْلَةِ وَفَاتِهَا كَانَتْ وَقَفَتْ مَدْرَسَتَهَا وَتُرْبَتَهَا بِالْجَبَلِ. قَالَهُ أَبُو شَامَةَ، وَدُفِنَتْ بِهَا، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَبَّلَ مِنْهَا.