ثم دخلت سنة خمس وستمائة
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِي مُحَرَّمِهَا تَكَامَلَ بِنَاءُ دَارِ الضِّيَافَةِ بِبَغْدَادَ الَّتِي أَنْشَأَهَا النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ بَغْدَادَ لِلْحَاجِّ وَالْمَارَّةِ ; لَهُمُ الضِّيَافَةُ مَا دَامُوا نَازِلِينَ بِهَا، فَإِذَا عَزَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى السَّفَرِ مِنْهَا زُوِّدَ وَكُسِيَ وَأُعْطِيَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ دِينَارًا لِلسَّفَرِ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. وَفِيهَا عَادَ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ مِنْ رِحْلَتِهِ الْعِرَاقِيَّةِ، فَاجْتَازَ بِالشَّامِ، فَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ بْنِ شُكْرٍ هُوَ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ شَيْخُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ، فَأَوْرَدَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كَلَامِهِ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ " بِفَتْحِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ. بِضَمِّهِمَا، فَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ لِلْوَزِيرِ ابْنِ شُكْرٍ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ. فَنَالَ مِنْهُ ابْنُ دِحْيَةَ، وَكَانَ جَرِئِيًا، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هُوَ مِنْ كَلْبٍ فَنَبَحَ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ مَحْكِيَّتَانِ، وَحُكِيَ فِيهِمَا الْجَرُّ أَيْضًا.
وَفِيهَا عَادَ فَخْرُ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ خَطِيبُ حَرَّانَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى بَغْدَادَ وَجَلَسَ بِبَابِ بَدْرٍ لِلْوَعْظِ، مَكَانَ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ، فَقَالَ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৬৯০
كَلَامِهِ ذَلِكَ:
وَابْنُ اللَّبُونَ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ الْبَزْلِ الْقَنَاعِيسِ
كَأَنَّهُ يُعْرِّضُ بِالْمُحْيِي بْنِ الْجَوْزِيِّ، لِكَوْنِهِ شَابًّا ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ دَخَلَ مَمْلُوكٌ إِفْرِنْجِيٌّ مِنْ بَابِ مَقْصُورَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَهُوَ سَكْرَانُ وَفِي يَدِهِ سَيْفٌ مَسْلُولٌ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ يَنْتَظِرُونَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَمَالَ عَلَى النَّاسِ يَضْرِبُهُمْ بِسَيْفِهِ، فَقَتَلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَضَرَبَ الْمِنْبَرَ بِسَيْفِهِ فَانْكَسَرَ، فَأُخِذَ وَأُودِعَ الْمَارَسْتَانَ، وَشُنِقَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ عَلَى جِسْرِ اللَّبَّادِينَ.
وَفِيهَا عَادَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيُّ مِنْ دِمَشْقَ بِهَدَايَا الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَتَلَقَّاهُ الْجَيْشُ، وَمَعَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقِيرًا زَاهِدًا، فَلَمَّا عَادَ مُنِعَ مِنَ الْوَعْظِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الرُّبُطُ الَّتِي يُبَاشِرُهَا، وَوُكِّلَ إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَشَرَعَ فِي تَفْرِيقِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَاسْتَغْنَى مِنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. فَقَالَ الْمُحْيِي ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَجْلِسِهِ مَا مَعْنَاهُ: لَا حَاجَةَ بِالرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِّهَا، وَيَصْرِفَهَا إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَكَانَ تَرْكُهَا أَوْلَى بِهِ مِنْ تَنَاوُلِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ تَرْتَفِعَ مَنْزِلَتُهُ بِبَذْلِهَا، أَوْ يَعُودَ إِلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ، وَلَوْ تُرِكَ عَلَى مَا كَانَ يُبَاشِرُهُ لَمَا بَذَلَهَا، فَلْيَحْذَرِ الْعَبْدُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهَا خَدَّاعَةٌ غَرَّارَةٌ تَسْتَرِقُ فُحُولَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ فَضْلًا عَنِ الْعَوَامِّ وَالْقُوَّادِ. وَقَدْ وَقَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا بَعْدُ؛
পৃষ্ঠা - ১০৬৯১
فِيمَا وَقَعَ فِيهِ السُّهْرَوَرْدِيُّ وَأَعْظَمَ.
وَفِيهَا قَصَدَتِ الْفِرِنْجُ مَدِينَةَ حِمْصَ وَعَبَرُوا عَلَى الْعَاصِي بِجِسْرٍ أَعْدُّوهُ فِي بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا أَحَسَّتْ بِهِمُ الْعَسَاكِرُ الْمَنْصُورَةُ رَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ، فَهَرَبُوا مِنْهُمْ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ غَنِيمَةً جَيِّدَةً.
وَفِيهَا قُتِلَ صَاحِبُ الْجَزِيرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ سِيرَةً، وَأَرَادَهُمْ سَرِيرَةً، وَهُوَ الْمَلِكُ سَنْجَرُ شَاهْ بْنُ غَازِيِّ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْ سُنْقُرَ الْأَتَابِكِيُّ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ نُورِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ وَلَدُهُ غَازِيٌّ، تَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْخَلَاءِ سَكْرَانُ، فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ضَرْبَةً، ثُمَّ ذَبَحَهُ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِيَأْخُذَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ، فَحَرَمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ، فَبُويِعَ بِالْمُلْكِ لِأَخِيهِ مَحْمُودٍ، وَأُخِذَ غَازِيٌّ هَذَا الْعَاقُّ لِوَالِدِهِ؛ فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ، فَسَلَبَهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحَيَاةَ، وَلَكِنْ أَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِ أَبِيهِ وَغَشْمِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا أَيْضًا
أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَخْتِيَارَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَنْدَائِيِّ.
آخِرُ مَنْ رَوَى مُسْنَدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ الْحُصَيْنِ، وَكَانَ مِنْ بَيْتِ فِقْهٍ وَقَضَاءٍ وَدِيَانَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً عَدْلًا
পৃষ্ঠা - ১০৬৯২
مُتَوَرِّعًا فِي النَّقْلِ، وَمِمَّا أَنْشَدَهُ مِنْ حِفْظِهِ:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلَى مَطْلِعُ الشَّمْسِ دُونَهَا ... وَكُنْتُ وَرَاءَ الشَّمْسِ حِينَ تَغِيبُ
لَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِانْتِظَارِ نَوَالِهَا ... وَقَالَ الْمُنَى لِي إِنَّهَا لَقَرِيبُ
قَاضِي الْقُضَاةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ صَدْرُ الدِّينِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ دِرْبَاسٍ الْمَارَانِيُّ الْكُرْدِيُّ