আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة أربع وستمائة

পৃষ্ঠা - ১০৬৮০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا رَجَعَ الْحُجَّاجُّ إِلَى الْعِرَاقِ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَشْتَكُونَ إِلَى النَّاسِ مَا لَقَوْا مِنْ صَدْرَجَهَانَ الْبُخَارِيِّ الْحَنَفِيِّ، الَّذِي كَانَ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي رِسَالَةٍ، فَاحْتَفَلَ بِهِ الْخَلِيفَةُ، وَخَرَجَ إِلَى الْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيرَةِ، فَمَاتَ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ مِنَ الْحَجِيجِ الْعِرَاقِيِّ بِسَبَبِهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ - فِيمَا ذُكِرَ - يَسْبِقُ غِلْمَانُهُ إِلَى الْمَنَاهِلِ فَيَتَحَجَّرُونَ عَلَى الْمَاءِ، وَيَأْخُذُونَهُ فَيَرُشُّونَ حَوْلَ خَيْمَةِ مَخْدُومِهِمْ فِي قَيْظِ الْحِجَازِ، وَيَسْقُونَ الْبُقُولَاتِ الَّتِي تُحْمَلُ مَعَهُ فِي تُرَابِهَا، وَيَمْنَعُونَ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، الْآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ النَّاسِ لَعَنَتْهُ الْعَامَّةُ، وَلَمْ تَحْتَفِلْ بِهِ الْخَاصَّةُ، وَلَا أَكْرَمَهُ الْخَلِيفَةُ، وَلَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَحَدًا، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ وَالْعَامَّةُ مِنْ وَرَائِهِ يَرْجُمُونَهُ وَيَلْعَنُونَهُ، وَسَمَّاهُ النَّاسُ: صَدْرَ جَهَنَّمَ. نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنِ الْخِذْلَانِ. وَفِيهَا قَبِضَ الْخَلِيفَةُ عَلَى وَزِيرِهِ ابْنِ مَهْدِيٍّ الْعَلَوِيِّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ نُسِبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرُومُ الْخِلَافَةَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حُبِسَ بِدَارِ طَاشْتِكِينَ حَتَّى مَاتَ بِهَا، وَكَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ: خَلِيلَيَّ قُولَا لِلْخَلِيفَةِ أَحْمَدٍ ... تَوَقَّ وُقِيتَ السُّوءَ مَا أَنْتَ صَانِعُ وَزِيرُكَ هَذَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِيهِمَا ... صَنِيعُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ضَائِعُ
পৃষ্ঠা - ১০৬৮১
فَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ سُلَالَةِ حَيْدَرٍ ... فَهَذَا وَزِيرٌ فِي الْخِلَافَةِ طَامِعُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَدَّعِي غَيْرَ صَادِقٍ ... فَأَضْيَعُ مَا كَانَتْ لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ عَفِيفًا عَنِ الْأَمْوَالِ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَيِّدَ الْمُبَاشَرَةِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَالِهِ. وَفِي رَمَضَانَ رَتَّبَ الْخَلِيفَةُ عِشْرِينَ دَارًا لِلضِّيَافَةِ يُفْطِرُ فِيهَا الصَّائِمُونَ مِنَ الْفُقَرَاءِ، يُطْبَخُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِيهَا طَعَامٌ كَثِيرٌ، وَيُحْمَلُ إِلَيْهَا أَيْضًا مِنَ الْخُبْزِ النَّقِيِّ وَالْحَلْوَاءِ شَيْءٌ كَثِيرٌ أَيْضًا - فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا - وَهَذَا الصَّنِيعُ يُشْبِهُ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ قُرَيْشٌ مِنَ الرِّفَادَةِ فِي زَمَنِ الْحَجِّ، وَكَانَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، كَمَا كَانَ الْعَبَّاسُ يَتَوَلَّى السِّقَايَةَ، وَقَدْ كَانَتْ فِيهِمُ السِّفَارَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ، وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْمَنَاصِبُ كُلُّهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ فِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَفِيهَا أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الشَّيْخَ شِهَابَ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيَّ وَفِي صُحْبَتِهِ سُنْقُرُ السِّلِحْدَارُ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِالْخِلْعَةِ السَّنِيَّةِ، وَفِيهَا الطَّوْقُ وَالسِّوَارَانِ، وَإِلَى جَمِيعِ أَوْلَادِهِ بِالْخِلَعِ أَيْضًا. وَفِيهَا مَلَكَ الْأَوْحَدُ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ مَدِينَةَ خِلَاطَ بَعْدَ قَتْلِ صَاحِبِهَا ابْنِ بَكْتَمُرَ، وَكَانَ شَابًّا جَمِيلَ الصُّورَةِ جِدًّا، قَتَلَهُ بَعْضُ مَمَالِيكِهِمْ، ثُمَّ قُتِلَ الْقَاتِلُ أَيْضًا، فَخَلَا الْبَلَدُ عَنْ مَلِكٍ، فَأَخَذَهَا الْأَوْحَدُ بْنُ الْعَادِلِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَفِيهَا مَلَكَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تِكِشَ بِلَادَ مَا وَرَاءَ النَّهَرِ مِنَ الْخِطَا بَعْدَ حُرُوبٍ طَوِيلَةٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৬৮২
اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَمْرٌ عَجِيبٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ انْهَزَمُوا عَنِ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمِ شَاهْ فِي بَعْضِ الْمَوَاقِفِ، وَبَقِيَ هُوَ وَمَعَهُ عِصَابَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَتَلَ مِنْهُمُ الْكُفَّارُ مِنَ الْخِطَا مَنْ قَتَلُوا، وَأَسَرُوا خَلْقًا مِنْهُمْ، وَكَانَ السُّلْطَانُ خُوَارِزْمُ شَاهْ فِي جُمْلَةِ مَنْ أُسِرَ، أَسَرَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ الْمَلِكُ، وَأَسَرَ مَعَهُ أَمِيرًا يُقَالُ لَهُ: ابْنُ مَسْعُودٍ. فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ وَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ إِلَى مَقَرِّهَا، فَقَدُوا مِنْ بَيْنِهِمُ السُّلْطَانَ، فَاخَتَبَطُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَانْزَعَجَتْ خُرَاسَانُ بِكَمَالِهَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ قُتِلَ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ السُّلْطَانِ وَذَاكَ الْأَمِيرِ ; فَإِنَّ الْأَمِيرَ قَالَ لِلسُّلْطَانِ: إِنِّي أَرَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ تَتْرُكَ الْمُلْكَ عَنْكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتُظْهِرَ أَنَّكَ غُلَامٌ لِي. فَقَبِلَ مِنْهُ مَا أَشَارَ بِهِ، وَجَعَلَ يَخْدُمُهُ، وَيُلْبِسُهُ ثِيَابَهُ، وَيَسْقِيهِ وَيَضَعُ الطَّعَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يَأْلُو جُهْدًا فِي خِدْمَتِهِ، فَقَالَ الَّذِي أَسَرَهُمَا: إِنِّي أَرَى هَذَا يَخْدُمُكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْأَمِيرُ، وَهَذَا غُلَامِي، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا عِلْمُ الْأُمَرَاءِ بِأَنِّي قَدْ أَسَرْتُ أَمِيرًا لَأَطْلَقْتُكَ. فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا أَخْشَى عَلَى أَهْلِي، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي قَدْ قُتِلْتُ وَيُقِيمُونَ الْمَأْتَمَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُفَادِيَنِي عَلَى مَالٍ، وَتُرْسِلَ مَنْ يَقْبِضُهُ مِنْهُمْ فَعَلْتَ خَيْرًا. فَقَالَ: نَعَمْ. فَعَيَّنَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ أَهْلِي لَا يَعْرِفُونَ هَذَا، وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ أُرْسِلَ مَعَهُ غُلَامِي ; لِيُبَشِّرَهُمْ بِحَيَاتِي، وَيَأْمُرَهُمْ بِتَحْصِيلِ الْمَالِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَجَهَّزَ مَعَهُمَا مَنْ يَحْفَظُهُمَا إِلَى مَدِينَةِ خُوَارِزْمَ. فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْ مَدِينَةِ خُوَارِزْمَ سَبَقَهُ الْمَلِكُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَآهُ النَّاسُ فَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي سَائِرِ بِلَادِهِ، وَعَادَ الْمُلْكُ إِلَى نِصَابِهِ، وَاسْتَقَرَّ السُّرُورُ
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৩
بِإِيَابِهِ، وَأَصْلَحَ مَا كَانَ وَهَى مِنْ مَمْلَكَتِهِ بِسَبَبِ مَا كَانَ اشْتَهَرَ مِنْ عَدَمِهِ، وَحَاصَرَ هَرَاةَ وَأَخَذَهَا عَنْوَةً. وَأَمَّا الَّذِي كَانَ قَدْ أَسَرَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ النَّاسَ يَنُوحُونَ أَنَّ خُوَارِزْمَ شَاهْ قَدْ عُدِمَ. فَقَالَ: لَا؛ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي أَسْرِكَ. فَقَالَ لَهُ: فَهَلَّا أَعْلَمْتَنِي بِهِ حَتَّى كُنْتُ أَرُدُّهُ مُوَقَّرًا مُعَظَّمًا! فَقَالَ: خِفْتُكَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: سِرْ بِنَا إِلَيْهِ. فَسَارَا إِلَيْهِ فَأَكْرَمَهُمَا إِكْرَامًا زَائِدًا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا. وَفِيهَا غَدَرَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ فَقَتَلَ كُلَّ مَنْ كَانَ بِبَلَدِهِ مِنَ الْخُوَارِزْمِيَّةِ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يُقْطَعُ قِطْعَتَيْنِ، وَيُعَلَّقُ فِي السُّوقِ كَمَا تُعَلَّقَ الْأَغْنَامُ، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلِ زَوْجَتِهِ بِنْتِ خُوَارِزْمِ شَاهْ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَتْلِهَا، وَحَصَرَهَا وَحَبَسَهَا فِي قَلْعَةٍ وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ خُوَارِزْمَ شَاهْ سَارَ إِلَيْهِ فِي الْجُنُودِ فَنَازَلَهُ وَحَاصَرَ سَمَرْقَنْدَ فَأَخَذَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِهَا نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنَ الْقَلْعَةِ وَقُتِلَ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَاسْتَحْوَذَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَلَى تِلْكَ الْمَمَالِكِ الَّتِي هُنَالِكَ. وَفِيهَا تَحَارَبَ الْخِطَا وَمَلِكُ التَّتَارِ كَشْلَى خَانْ الْمُتَاخِمُ لِمَمْلَكَةِ الصِّينِ، فَكَتَبَ مَلِكُ الْخِطَا إِلَى خُوَارِزْمِ شَاهْ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى التَّتَارِ، وَيَقُولُ: مَتَى غَلَبُونَا خَلَصُوا إِلَى بِلَادِكَ. وَكَذَا وَقَعَ. وَكَتَبَ التَّتَارُ إِلَيْهِ أَيْضًا يَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى الْخِطَا وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُنَا وَأَعْدَاؤُكَ، فَكُنْ مَعَنَا عَلَيْهِمْ. فَكَتَبَ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَحَضَرَ الْوَقْعَةَ بَيْنَهُمْ وَهُوَ مُتَحَيِّزٌ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ، فَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى الْخِطَا، فَهَلَكُوا إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ. وَغَدَرَ التَّتَارُ مَا كَانُوا عَاهَدُوا عَلَيْهِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْوَحْشَةُ الْأَكِيدَةُ، وَتَوَاعَدُوا لِلْقِتَالِ، وَخَافَ مِنْهُمْ خُوَارِزْمُ شَاهْ،
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৪
وَخَرَّبَ بِلَادًا كَثِيرَةً مُتَاخِمَةً لِبِلَادِ كَشْلَى خَانْ ; خَوْفًا عَلَيْهَا أَنْ يَمْلِكَهَا، ثُمَّ إِنَّ جِنْكِزْخَانْ خَرَجَ عَلَى كَشْلَى خَانْ، فَاشْتَغَلَ بِمُحَارَبَتِهِ عَنْ مُحَارَبَةِ خُوَارِزْمِ شَاهْ، ثُمَّ وَقَعَ مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ مَا سَنَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا كَثُرَتْ غَارَاتُ الْفِرِنْجِ مِنْ طَرَابُلُسَ عَلَى نَوَاحِي حِمْصَ فَضَعُفَ صَاحِبُهَا أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الظَّاهِرُ صَاحِبُ حَلَبَ عَسْكَرًا قَوَّاهُ بِهِمْ عَلَى الْفِرِنْجِ. وَخَرَجَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْعَسَاكِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى جُيُوشِ الْجَزِيرَةِ الْعُمَرِيَّةِ فَوَافَوْهُ عَلَى عَكَّا فَحَاصَرَهَا ; لِأَنَّ الْقَبَارِسَةَ كَانُوا قَدْ أَخَذُوا مِنْ أُسْطُولِ الْمُسْلِمِينَ قِطَعًا فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَطَلَبَ صَاحِبُ عَكَّا الْأَمَانَ وَالصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْأُسَارَى، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَسَارَ الْعَادِلُ فَنَزَلَ عَلَى بُحَيْرَةِ قَدَسَ قَرِيبًا مِنْ حِمْصَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بِلَادِ طَرَابُلُسَ فَأَقَامَ بِهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ وَيَغْنَمُ، وَخَرَّبَ تِلْكَ الْبُلْدَانَ الْأَطْرَابُلُسِيَّةَ، حَتَّى جَنَحَ الْفِرِنْجُ إِلَى الْمُهَادَنَةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا. وَفِيهَا مَلَكَ صَاحِبُ أَذْرَبِيجَانَ وَهُوَ الْأَمِيرُ نُصْرَةُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَهْلَوَانِ مَدِينَةَ مَرَاغَةَ ; وَذَلِكَ لِخُلُوِّهَا عَنْ مَلِكٍ قَاهِرٍ، فَإِنَّ مَلِكَهَا مَاتَ، وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدٌ لَهُ صَغِيرٌ، فَدَبَّرَ أَمْرَهُ خَادِمٌ لَهُ. وَفِي غُرَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ شَهِدَ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْجَوْزِيِّ عِنْدَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الدَّامَغَانِيِّ، فَقَبِلَهُ وَوَلَّاهُ حِسْبَةَ جَانِبَيْ بَغْدَادَ وَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةً سَنِيَّةً سَوْدَاءَ بِطَرْحَةٍ كُحْلِيَّةٍ، وَبَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৫
جَلَسَ لِلْوَعْظِ مَكَانَ أَبِيهِ أَبِي الْفَرَجِ بِبَابِ بَدْرٍ الشَّرِيفِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَبَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِئِذٍ دَرَّسَ بِمَشْهَدِ أَبِي حَنِيفَةَ ضِيَاءُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودٍ التُّرْكُسْتَانِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأَعْيَانُ وَالْأَكَابِرُ. وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا وَصَلَتِ الرُّسُلُ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْعَادِلِ بِالْخِلَعِ، فَلَبِسَ هُوَ وَوَلَدَاهُ الْمُعْظَّمُ وَالْأَشْرَفُ وَوَزِيرُهُ صَفِيُّ الدِّينِ بْنُ شُكْرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْخِلَعَ السَّنِيَّةَ الْخَلِيفِيَّةِ، وَدَخَلُوا إِلَى الْقَلْعَةِ وَقْتَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ بَابِ الْحَدِيدِ، وَقَرَأَ التَّقْلِيدَ الْوَزِيرُ وَهُوَ قَائِمٌ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. وَفِيهَا رُكِّبَتِ السَّاعَاتُ بِمِئْذَنَةِ الْعَرُوسِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَشَرَعُوا فِي بِنَاءِ الدُّرَجِ الَّتِي تُجَاهَ الْمَدْرَسَةِ الْقَيْمَازِيَّةِ. وَفِيهَا دَرَّسَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْنِ الْقُضَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلْطَانَ بِالْمَدْرَسَةِ الرَّوَاحِيَّةِ بِدِمَشْقَ. وَفِيهَا انْتَقَلَ الشَّيْخُ ابْنُ الْحُبَيْرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنَ الْحَنْبَلِيَّةِ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَدَرَّسَ بِمَدْرَسَةِ أَمِّ الْخَلِيفَةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأَكَابِرُ وَالْعُلَمَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ إِيتَامِشُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ أُمَرَاءِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ دِينًا وَعَقْلًا وَنَزَاهَةً وَعِفَّةً، سَقَاهُ بَعْضُ الْكُتَّابِ مِنَ النَّصَارَى سُمًّا، فَمَاتَ
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৬
؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ اسْمُ الَّذِي سَقَاهُ: ابْنَ سَاوَى، فَلَمَّا اطَّلَعَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْحَالِ سَلَّمَ ابْنُ سَاوَى إِلَى غِلْمَانِ إِيتَامِشَ فَشَفَعَ فِيهِ ابْنُ مَهْدِيٍّ الْوَزِيرُ، وَقَالَ: إِنَّ النَّصَارَى قَدْ بَذَلُوا فِيهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ عَلَى رَأْسِ الْوَرَقَةِ: إِنَّ الْأُسُودَ أُسُودَ الْغَابِ هِمَّتُهَا ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ فِي الْمَسْلُوبِ لَا السَّلَبِ فَتَسَلَّمَهُ غِلْمَانُ إِيتَامِشَ فَقَتَلُوهُ وَحَرَقُوهُ، وَقَبَضَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَهْدِيٍّ الْوَزِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ سَعَادَةَ الرُّصَافِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، الْمُكَبِّرُ بِجَامِعِ الْمَهْدِيِّ، رَاوِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " عَنِ ابْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ ابْنِ الْمُذْهِبِ عَنِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ. عُمِّرَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ فَأَسْمَعَهُ بِإِرْبِلَ، وَاسْتَقَدْمَهُ مُلُوكُ دِمَشْقَ إِلَيْهَا، فَسَمِعَ النَّاسُ بِهَا عَلَيْهِ الْمُسْنَدَ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ يُكْرِمُهُ، وَيَأْكُلُ عِنْدَهُ عَلَى السِّمَاطِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَتُصِيبُهُ التُّخَمَةُ كَثِيرًا ; لِأَنَّهُ كَانَ ضَيِّقَ الْحَالِ، خَشِنَ الْعَيْشِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ الْكِنْدِيُّ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمُعَظَّمِ يَسْأَلُ عَنْ حَنْبَلٍ فَيَقُولُ الْمُعْظَّمُ: هُوَ مَتْخُومٌ، فَيَقُولُ: أَطْعِمْهُ الْعَدَسَ. فَيَضْحَكُ الْمُعْظَّمُ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمُعْظَّمُ مَالًا جَزِيلًا، وَرَدَّهُ إِلَى بَغْدَادَ فَتُوفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ ابْنُ طَبَرْزَدَ، فَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنْهُ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِمِائَةٍ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُزُورِيُّ الْوَاعِظُ الْبَغْدَادِيُّ،
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৭
سَمِعَ مِنِ ابْنِ أَبِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ، وَاشْتَغَلَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ بِالْوَعْظِ، ثُمَّ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِمُضَاهَاتِهِ وَشَمَخَتْ نَفْسُهُ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ بَابِ النَّصِيرَةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ - وَقَدْ قَارَبَ السَّبْعِينَ - بِصَبِيَّةٍ، فَاغْتَسَلَ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، فَانْتَفَخَ ذَكَرُهُ، فَمَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ قَرَاجَا الصَّلَاحِيُّ صَاحِبُ صَرْخَدَ كَانَتْ لَهُ دَارٌ عِنْدَ بَابِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَنَاةِ الزَّلَّاقَةِ وَتُرْبَتُهُ بِالسَّفْحِ فِي قُبَّةٍ عَلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ عِنْدَ تُرْبَةِ ابْنِ تَمِيرَكَ، وَأَقَرَّ الْعَادِلُ وَلَدَهُ يَعْقُوبَ عَلَى صَرْخَدَ. عَبْدُ الْعَزِيزِ الطَّبِيبُ تُوُفِّيَ فَجْأَةً، وَهُوَ وَالِدُ سَعْدِ الدِّينِ الطَّبِيبُ الْأَشْرَفِيُّ، وَفِيهِ يَقُولُ ابْنُ عُنَيْنٍ: فُرَادَى وَلَا خَلْفَ الْخَطِيبِ جَمَاعَةٌ ... وَمَوْتٌ وَلَا عَبْدَ الْعَزِيزِ طَبِيبُ وَفِيهَا تُوَفِّيَ: الْعَفِيفُ ابْنُ الدَّرَجِيِّ إِمَامُ مَقْصُورَةِ الْحَنَفِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ.
পৃষ্ঠা - ১০৬৮৮
أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الْإِرْبِلِيُّ. كَانَ فَاضِلًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَالْحِسَابِ وَالْفَرَائِضِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالْأَدَبِ وَالنَّحْوِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِعُلُومِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ شِعْرِهِ الْحَسَنِ الْجَيِّدِ، قَوْلُهُ: لَا يَدْفَعُ الْمَرَءُ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَدَرُ ... وَفِي الْخُطُوبِ إِذَا فَكَّرْتَ مُعْتَبَرُ فَلَيْسَ يُنْجِي مِنَ الْأَقْدَارِ إِنْ نَزَلَتْ ... رَأْيٌ وَحَزْمٌ وَلَا خَوْفٌ وَلَا حَذَرُ فَاسْتَعْمِلِ الصَّبْرَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَلَا ... تَجْزَعْ لِشَيْءٍ فَعُقْبَى صَبْرِكَ الظَّفَرُ كَمْ مَسَّنَا مَرَّةً عُسْرٌ فَصَرَّفَهُ ... صَرْفُ الزَّمَانِ وَوَالَى بَعْدَهُ يُسْرُ لَا يَيْأَسِ الْمَرْءُ مِنْ رَوْحِ الْإِلَهِ ... فَمَا يَيْأَسْ مِنْهُ إِلَا عُصْبَةٌ كَفَرُوا إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الدَّهْرَ ذُو دُوَلٍ ... وَأَنَّ يَوْمَيْهِ ذَا أَمْنٌ وَذَا خَطَرُ