ثم دخلت سنة أربع وتسعين وخمسمائة
পৃষ্ঠা - ১০৬০৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا جَمَعَتِ الْفِرِنْجُ جُمُوعَهَا وَأَقْبَلُوا فَحَاصَرُوا تِبْنِينَ، فَاسْتَدْعَى الْعَادِلُ بَنِي أَخِيهِ لِقِتَالِهِمْ، فَجَاءَهُ الْعَزِيزُ مِنْ مِصْرَ وَالْأَفْضَلُ مِنْ صَرْخَدَ فَأَقْلَعَتِ الْفِرِنْجُ عَنِ الْحِصْنِ وَبَلَغَهُمْ مَوْتُ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْعَادِلِ الْهُدْنَةَ وَالْأَمَانَ، فَهَادَنَهُمْ وَرَجَعَتِ الْمُلُوكُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، وَقَدْ عَظُمَ الْمُعَظَّمُ عِيسَى بْنُ الْعَادِلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَاسْتَنَابَهُ أَبُوهُ عَلَى دِمَشْقَ وَسَارَ إِلَى مُلْكِهِ بِالْجَزِيرَةِ فَأَحْسَنَ فِيهِمُ السِّيرَةَ.
وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ السُّلْطَانُ صَاحِبُ سِنْجَارَ وَغَيْرِهَا مِنِ الْمَدَائِنِ الْكِبَارِ، وَهُوَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيُّ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ الْأَتَابِكِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ شَكْلًا وَسِيرَةً، وَأَجْوَدِهِمْ طَوِيَّةً وَسَرِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُبْخَّلُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لِلْعُلَمَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الْحَنَفِيَّةَ، وِقَدِ ابْتَنَى لَهُمْ مَدْرَسَةً بِسِنْجَارَ، وَشَرَطَ لَهُمْ طَعَامًا يُطْبَخُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ، وَالْفَقِيهُ أَوْلَى بِهَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنَ الْفَقِيرِ ; لِاشْتِغَالِ الْفَقِيهِ بِتَكْرَارِهِ وَمُطَالَعَتِهِ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا يُقِيتُهُ، فَعَدَا عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنُ عَمِّهِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فَأَخَذَ الْمُلْكَ مِنْهُمْ، فَاسْتَغَاثَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৭
بَنُوهُ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَرَدَّ فِيهِمُ الْمُلْكَ وَدَرَأَ عَنْهُمُ الضَّيْمَ، وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَلَكَةُ لِوَلَدِهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ سَارَ الْعَادِلُ إِلَى مَارِدِينَ فَحَاصَرَهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَوْلَى عَلَى رَبَضِهَا وَمُعَامَلَتِهَا، وَأَعْجَزَتْهُ قَلْعَتُهَا فَصَافَ عَلَيْهَا وَشَتَا، وَمَا ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا ; حَتَّى هَنَّتْهُ الشُّعَرَاءُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَثْبُوتًا وَلَا مُقَدَّرًا.
وَفِيهَا مَلَكَتِ الْغُورُ مَدِينَةَ بَلْخَ وَكَسَرُوا الْخِطَا وَقَهَرُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ وَتَوَقَّعُوا بِإِرْسَالِ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْنَعُوا خُوَارِزْمَ شَاهْ مِنْ دُخُولِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرُومُ أَنْ يُخْطَبَ لَهُ بِبَغْدَادَ.
وَفِيهَا حَاصَرَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مَدِينَةَ بُخَارَا فَفَتَحَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَدْ كَانَتِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ دَهْرًا وَنَصَرَهُمُ الْخِطَا فَقَهَرَهُمْ جَمِيعًا وَأَخَذَهَا عَنْوَةً، وَعَفَا عَنْ أَهْلِهَا وَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانُوا أَلْبَسُوا كَلْبًا أَعْوَرَ قَبَاءً وَسَمَّوْهُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَرَمَوْهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ إِلَى الْخُوَارِزْمِيَّةِ، وَقَالُوا: هَذَا مَلِكُكُمْ. وَكَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ أَعْوَرَ، فَلَمَّا قَدِرَ عَلَيْهِمْ عَفَا عَنْهُمْ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ:
الْقِوَامُ بْنُ زَبَادَةَ كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ بِبَابِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَبَادَةَ، قِوَامُ الدِّينِ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ التَّرَسُّلِ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৮
وَالْإِنْشَاءِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ فِي زَمَانِهِ بِالْعِرَاقِ، وَلَهُ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَخَذَهُ عَنِ ابْنِ فَضْلَانَ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْأَصْلَيْنِ وَالْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَقَدْ وَلِيَ عِدَّةَ مَنَاصِبَ، كَانَ مَشْكُورًا فِي جَمِيعِهَا، وَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
لَا تَحْقِرَنَّ عَدُوًّا تَزْدَرِيهِ فَكَمْ ... قَدْ أَتْعَسَ الدَّهْرُ جَدَّ الْجِدِّ بِاللَّعِبِ
فَهَذِهِ الشَّمْسُ يَعْرُوهَا الْكُسُوفُ لَهَا ... عَلَى جَلَالَتِهَا بِالرَّأْسِ وَالذَّنَبِ
وَقَوْلُهُ:
بِاضْطِرَابِ الزَّمَانِ تَرْتَفِعُ الْأَنْ ... ذَالُ فِيهِ حَتَّى يَعُمَّ الْبَلَاءُ
وَكَذَا الْمَاءُ رَاكِدٌ فِإِذَا ... حُرِّكَ ثَارَتْ مِنْ قَعْرِهِ الْأَقْذَاءُ
وَلَهُ أَيْضًا:
قَدْ سَلَوْتُ الدُّنْيَا وَلَمْ يَسْلُهَا ... مَنْ عَلَقَتْ فِي آمَالِهِ وَالْأَرَاجِي
فَإِذَا مَا صَرَفْتُ وَجْهِي عَنْهَا ... قَذَفُونِي فِي بَحْرِهَا الْعَجَاجِ
يَسْتَضِيئُونَ بِي وَأَهْلِكُ وَحْدِي ... فَكَأَنِّي ذُبَالَةٌ فِي سِرَاجِ
تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ عِنْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ جَابِرِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَائِحِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৯
فَتَفَقَّهَ بِهَا وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَأَقَامَ بِرَحْبَةِ مَالِكِ بْنِ طَوْقٍ مُدَّةً يَشْتَغِلُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ الْفَرَضِيِّ ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْعِرَاقِ مُدَّةً، وَكَانَ أَدِيبًا، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ يُنْشِدُ لِنَفْسِهِ مُعَارِضًا لِلْحَرِيرِيِّ فِي بَيْتَيْهِ اللَّذَيْنِ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَا يُعَزَّزَانِ بِثَالِثٍ لَهُمَا، وَهُمَا قَوْلُهُ:
سِمْ سِمَةً يُحْمَدُ آثَارُهَا ... وَاشْكُرْ لِمَنْ أَعْطَى وَلَوْ سِمْسِمَهْ
وَالْمَكْرُ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ لَا تَأْتَهِ ... لِتَقْتَنِيَ السُّؤْدُدَ وَالْمَكْرُمَهْ
فَقَالَ ابْنُ النَّبِيهِ:
مَا الْأَمَةُ الْوَكْعَاءُ بَيْنَ الْوَرَى ... أَحْسَنُ مِنْ حُرٍّ أَتَى مَلَأَمَهْ
فَمَهْ إِذَا اسْتُجْدِيتَ عَنْ قَوْلِ لَا ... فَالْحُرُّ لَا يَمْلَأُ مِنْهَا فَمَهْ
الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جُرْدَيْكُ
كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِ نُورِ الدِّينِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَرِكَ فِي قَتْلِ شَاوِرٍ، وَحَظِيَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، وِقَدِ اسْتَنَابَهُ عَلَى الْقُدْسِ حِينَ افْتَتَحَهَا، وَكَانَ يَسْتَنْدِبُهُ لِلْمُهِمَّاتِ الْكِبَارِ فَيَسُدُّهَا بِنَهْضَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَلَمَّا وَلِيَ الْأَفْضَلُ عَزَلَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقَدْسِ، فَتَرَكَ بِلَادَ الشَّامِ وَانْتَقَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ