আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وخمسمائة

পৃষ্ঠা - ১০৫৭৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، وَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الصَّيْدِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ أَنَّهُ بَعْدَمَا قَدْ تَفَرَّغَ مِنْ أَمْرِ الْفِرِنْجِ هَذِهِ الْمُدَّةَ يَسِيرُ هُوَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، وَيَبْعَثُ أَخَاهُ إِلَى خِلَاطَ فَإِذَا فَرَغَا مِنْ شَأْنِهِمَا سَارَا جَمِيعًا إِلَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ وَبِلَادِ الْعَجَمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا أَحَدٌ يُمَانِعُ عَنْهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجِيجُ مِنَ الْحِجَازِ الشَّرِيفِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِي عَشَرَ صَفَرٍ خَرَجَ السُّلْطَانُ لِتَلَقِّيهِمْ، وَقَدِمَ مَعَهُمْ وَلَدُ أَخِيهِ سَيْفُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْيَمَنِ فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَادَ إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، فَدَخَلَهَا مِنْ بَابِ الْحَدِيدِ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا رَكِبَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّهُ اعْتَرَاهُ حُمَّى صَفْرَاوِيَّةٌ لَيْلَةَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ صَفَرٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَابْنُ شَدَّادٍ وَابْنُهُ الْأَفْضَلُ، فَأَخَذَ يَشْكُو إِلَيْهِمْ كَثْرَةَ قَلَقِهِ الْبَارِحَةَ، وَطَابَ لَهُ الْحَدِيثُ، وَطَالَ مَجْلِسُهُمْ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَزَايَدَ بِهِ الْمَرَضُ وَاسْتَمَرَّ وَقَصَدَهُ الْأَطِبَّاءُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَاعْتَرَاهُ يُبْسٌ وَحَصَلَ لَهُ عَرَقٌ شَدِيدٌ بِحَيْثُ نَفَذَ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَوِيَ الْيُبْسُ فَأُحْضِرَ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْأَكَابِرِ، فَبُويِعَ لِوَلَدِهِ الْأَفْضَلِ نُورِ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৮
عَلَيٍّ نَائِبًا عَلَى دِمَشْقَ وَذَلِكَ عِنْدَمَا ظَهَرَتْ مَخَايِلُ الضَّعْفِ الشَّدِيدِ وَغَيْبُوبَةُ الذِّهْنِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَابْنُ شَدَّادٍ وَقَاضِي الْبَلَدِ ابْنُ الزَّكِيِّ وَتَفَاقَمَ الْحَالُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ وَاسْتَدْعَى الشَّيْخَ أَبَا جَعْفَرٍ إِمَامَ الْكَلَّاسَةِ لِيَبِيتَ عِنْدَهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ إِذَا جَدَّ بِهِ الْأَمْرُ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ وَهُوَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ فَقَرَأَ: {هُوَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: 22] فَقَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ صَحِيحٌ فَلَمَّا أَذَّنَ الصُّبْحُ جَاءَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، فَلَمَّا قَرَأَ الْقَارِئُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [الرعد: 30] تَبَسَّمَ وَتَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَأَسْلَمَ رُوحَهُ إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ وَجَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ وَكَانَ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، لِأَنَّهُ وُلِدَ بِتَكْرِيتَ فِي شُهُورِ سَنَةِ اثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ كَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ وَحِرْزًا وَكَهْفًا مِنْ كَيْدِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ وَكَانَ أَهْلُ دِمَشْقَ لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِ مُصَابِهِ وَوَدَّ كُلٌّ مِنْهُمْ لَوْ فَدَاهُ بِأَوْلَادِهِ وَأَحْبَابِهِ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ غُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ وَاحْتُفِظَ عَلَى الْحَوَاصِلِ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي تَجْهِيزِهِ وَغُسْلِهِ وَحَضَرَ جَمِيعُ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى غُسْلَهُ خَطِيبُ الْبَلَدِ الْفَقِيهُ الدَّوْلَعِيُّ، وَكَانَ الَّذِي أَحْضَرَ الْكَفَنَ وَمُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ الْحَلَالِ هَذَا وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ يَبْرُزُونَ وَيُنَادُونَ وَيَبْكُونَ وَالنَّاسُ فِي التَّعْوِيلِ وَالِانْتِحَابِ وَالِابْتِهَالِ ثُمَّ أُبْرِزَ فِي تَابُوتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَمَّ النَّاسَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ الزَّكِيِّ ثُمَّ دُفِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৭৯
فِي دَارِهِ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَشَرَعَ ابْنُهُ فِي بِنَاءِ تُرْبَةٍ لَهُ وَمَدْرَسَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْقَدَمِ لِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ قَدِيمًا، فَلَمْ يَكْمُلْ بِنَاؤُهَا وَلَمْ يَتِمَّ، وَذَلِكَ حِينَ قَدِمَ وَلَدُهُ الْعَزِيزُ وَكَانَ مُحَاصِرًا لِأَخِيهِ الْأَفْضَلِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ الْأَفْضَلُ دَارًا شَمَالِيَّ الْكَلَّاسَةِ فِي وِزَانِ مَا زَادَهُ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فِي الْكَلَّاسَةِ فَجَعَلَهَا لَهُ تُرْبَةً هَطَلَتْ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ عَلَيْهَا، وَوَصَلَتْ أَلْطَافُ الرَّأْفَةِ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَقْلُهُ إِلَيْهَا فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ تَحْتَ النَّسْرِ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ ابْنُ الزَّكِيِّ عَنْ إِذَنِ الْأَفْضَلِ لَهُ، وَدَخَلَ فِي لَحْدِهِ وَلَدُهُ الْأَفْضَلُ فَدَفَنَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سُلْطَانُ الشَّامِ، وَذَلِكَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْخِدْمَةِ وَالْإِكْرَامِ وَيُقَالُ: إِنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ سَيْفُهُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ بِهِ الْجِهَادَ وَالْجِلَادَ، وَذَلِكَ عَنْ أَمْرِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ أَحَدِ الْأَجْوَادِ وَالْأَمْجَادِ، وَتَفَاءَلُوا بِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لِمَا أُنْعِمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَسْرِ الْأَعْدَاءِ وَنَصْرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأُعْظِمَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمِنَّةِ ثُمَّ عُمِلَ عَزَاؤُهُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَحْضُرُهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَّامُّ وَالرَّعِيَّةُ وَالْحُكَّامُ وَقَدْ عَمِلَ الشُّعَرَاءُ فِيهِ مَرَاثِيَ كَثِيرَةً، مِنْ أَحْسَنِهَا مَا عَمِلَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " الْبَرْقِ الشَّامِيِّ " وَهِيَ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتًا وَقَدْ سَرَدَهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ " فَمِنْهَا قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِهَا: شَمْلُ الْهُدَى وَالْمُلْكِ عَمَّ شَتَاتُهُ ... وَالدَّهْرُ سَاءَ وَأَقْلَعَتْ حَسَنَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي مُذْ لَمْ يَزَلْ مَخْشِيَّةً ... مَرْجُوَّةً رَهَبَاتُهُ وَهِبَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي كَانَتْ لَهُ طَاعَاتُنَا ... مَبْذُولَةً وَلِرَبِّهِ طَاعَاتُهُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮০
بِاللَّهِ أَيْنَ النَّاصِرُ الْمَلِكُ الَّذِي ... لِلَّهِ خَالِصَةً صَفَتْ نِيَّاتُهُ أَيْنَ الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَانًا لَنَا ... يُرْجَى نَدَاهُ وَتُتَّقَى سَطَوَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي شَرُفَ الزَّمَانُ بِفَضْلِهِ ... وَسَمَتْ عَلَى الْفُضَلَاءِ تَشْرِيفَاتُهُ أَيْنَ الَّذِي عَنَتِ الْفِرِنْجُ لِبَأْسِهِ ... ذُلًّا وَمِنْهَا أُدْرِكَتْ ثَارَاتُهُ أَغْلَالُ أَعْنَاقِ الْعِدَا أَسْيَافُهُ ... أَطْوَاقُ أَجْيَادِ الْوَرَى مِنَّاتُهُ وَلِلْعِمَادِ الْكَاتِبِ فِي الْمَلِكِ النَّاصِرِ يَرْثِيهِ: مَنْ لِلْعُلَا مَنْ لِلذُّرَى مَنْ لِلْهُدَى ... يَحْمِيهِ مَنْ لِلْبَأْسِ مَنْ لِلنَّائِلِ طَلَبَ الْبَقَاءَ لِمُلْكِهِ فِي آجِلٍ ... إِذْ لَمْ يَثِقْ بِبَقَاءِ مُلْكٍ عَاجِلِ بَحْرٌ أَعَادَ الْبَرَّ بَحْرًا بِرُّهُ ... وَبِسَيْفِهِ فُتِحَتْ بِلَادُ السَّاحِلِ مَنْ كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي أَيَّامِهِ ... وَبِعِزِّهِ يُرْدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ وَفُتُوحُهُ وَالْقُدْسُ مِنْ أَبْكَارِهَا ... أَبْقَتْ لَهُ فَضْلًا بِغَيْرِ مُسَاجِلِ مَا كُنْتُ أَسْتَسْقِي لِقَبْرِكَ وَابِلًا ... وَرَأَيْتُ جُودَكَ مُخْجِلًا لِلْوَابِلِ فَسَقَاكَ رِضْوَانُ الْإِلَهِ لِأَنَّنِي ... لَا أَرْتَضِي سُقْيَا الْغَمَامِ الْهَاطِلِ ذِكْرُ تَرِكَتِهِ، وَشَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْعِمَادُ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَتْرُكْ فِي خِزَانَتِهِ مِنَ الذَّهَبِ سِوَى جُرْمٍ وَاحِدٍ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮১
صُورِيٍّ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَمْ يَتْرُكْ دَارًا وَلَا عَقَارًا وَلَا مَزْرَعَةً وَلَا بُسْتَانًا، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْلَاكِ. هَذَا وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتُوُفِّيَ لَهُ فِي بَعْضِ حَيَاتِهِ غَيْرُهُمْ، وَالَّذِينَ تَأَخَّرُوا بَعْدَهُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَكَرًا، أَكْبَرُهُمُ الْمَلِكُ الْأَفْضَلُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، ثُمَّ الْعَزِيزُ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ وُلِدَ بِمِصْرَ أَيْضًا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ الظَّافِرُ مُظَفَّرُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَضِرُ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الْأَفْضَلِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ غِيَاثُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ غَازِيٌّ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ الْمُعِزُّ فَتْحُ الدِّينِ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ، وُلِدَ بِدِمَشْقَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ، ثُمَّ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مَسْعُودٌ، وُلِدَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْعَزِيزِ، ثُمَّ الْأَغَرُّ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْعَزِيزِ أَيْضًا، ثُمَّ الزَّاهِرُ مُجِيرُ الدِّينِ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الظَّاهِرِ، ثُمَّ أَبُو الْفَضْلِ قُطْبُ الدِّينِ مُوسَى، وَهُوَ شَقِيقُ الْأَفْضَلِ، وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ أَيْضًا، ثُمَّ لُقِّبَ بِالْمُظَفَّرِ، ثُمَّ الْأَشْرَفُ مُعِزُّ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ، وُلِدَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ الْمُحْسِنُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ; وُلِدَ بِمِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ شَقِيقُ الَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ الْمُعَظَّمُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ تُورَانْشَاهْ، وُلِدَ بِمِصْرَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ الْجَوَّالُ رُكْنُ الدِّينِ أَبُو سَعِيدٍ أَيُّوبُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ، وَهُوَ شَقِيقٌ لِلْمُعِزِّ،
পৃষ্ঠা - ১০৫৮২
ثُمَّ الْغَالِبُ نَصِيرُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مَلِكْشَاهْ، وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعَيْنِ وَهُوَ شَقِيقُ الْمُعَظَّمِ، ثُمَّ الْمَنْصُورُ أَبُو بَكْرٍ أَخُو الْمُعَظَّمِ لِأَبَوَيْهِ، وُلِدَ بِحَرَّانَ بَعْدَ وَفَاةِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ عِمَادُ الدِّينِ شَاذِيٌّ لِأُمِّ وَلَدٍ، وَنُصْرَةُ الدِّينِ مَرْوَانُ لِأُمِّ وَلَدٍ أَيْضًا. وَأَمَّا الْبِنْتُ فَهِيَ مُؤْنِسَةُ خَاتُونَ تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا لَمْ يُخْلِفْ أَمْوَالًا وَلَا أَمْلَاكًا ; لِكَثْرَةِ عَطَايَاهُ وَهِبَاتِهِ وَصَدَقَاتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى أُمَرَائِهِ وَوُزَرَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، حَتَّى إِلَى أَعْدَائِهِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ مُتَقَلِّلًا فِي مَلْبَسِهِ، وَمَأْكَلِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَمَرْكَبِهِ، فَلَا يَلْبَسُ إِلَّا الْقُطْنَ وَالْكَتَّانَ وَالصُّوفَ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ تَخَطَّى مَكْرُوهًا بَعْدَ أَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمُلْكِ، بَلْ كَانَ هَمُّهُ الْأَكْبَرُ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ نَصْرَ الْإِسْلَامِ، وَكَسْرَ الْأَعْدَاءِ اللِّئَامِ، وَيُعْمِلُ فِكْرَهُ فِي ذَلِكَ وَرَأْيَهُ وَحْدَهُ مَعَ مَنْ يَثِقُ بِرَأْيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا. وَهَذَا مَعَ مَا لَدَيْهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ، وَالْفَوَائِدِ الْفَرَائِدِ، فِي اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ الْحَمَاسَةَ بِتَمَامِهَا وَخِتَامِهَا. وَكَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي جَمَاعَةٍ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ حَتَّى وَلَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، كَانَ يَدْخُلُ الْإِمَامُ فَيُصَلِّي بِهِ فَكَانَ يَتَجَشَّمُ الْقِيَامَ مَعَ ضَعْفِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ يَفْهَمُ مَا يُقَالُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَيُشَارِكُ فِي ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৩
مُشَارَكَةً قَرِيبَةً حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْعِبَارَةِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الْقُطْبُ النَّيْسَابُورِيُّ عَقِيدَةً فَكَانَ يَحْفَظُهَا، وَيُحَفِّظُهَا مَنْ عَقَلَ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ حَتَّى إِنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمُصَافَّاتِ جُزْءًا، وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَكَانَ يَتَبَجِّحُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: هَذَا مَوْقِفٌ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ فِي مِثْلِهِ حَدِيثًا. وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ. وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ سَرِيعَ الدَّمْعَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَدِيثِ، كَثِيرَ التَّعْظِيمِ لِشَعَائِرِ الدِّينِ ; كَانَ قَدْ لَجَأَ إِلَى وَلَدِهِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ بِحَلَبَ، شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُ الْكِيمْيَا وَشَيْئًا مِنَ الشَّعْبَذَةِ، وَالْأَبْوَابِ النِّيرَنْجِيَّاتِ، فَافْتَتَنَ بِهِ وَلَدُ السُّلْطَانِ الظَّاهِرُ، وَقَرَّبَهُ وَأَحَبَّهُ، وَخَالَفَ فِيهِ حَمَلَةَ الشَّرْعِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ لَا مَحَالَةَ فَصَلَبَهُ عَنْ أَمْرِ وَالِدِهِ، وَشَهَّرَهُ، وَيُقَالُ: بَلْ حَبَسَهُ بَيْنَ حَائِطَيْنِ حَتَّى مَاتَ كَمَدًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَكَانَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا وَقَلْبًا، مَعَ مَا كَانَ يَعْتَرِي جِسْمَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَلَاسِيَّمَا وَهُوَ مُرَابِطٌ مُصَابِرٌ مُثَابِرٌ عِنْدَ عَكَّا ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ كَثْرَةِ جُمُوعِهِمْ وَأَمْدَادِهِمْ لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا قُوَّةً وَشَجَاعَةً، وَقَدْ بَلَغَتْ جُمُوعُهُمْ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَيُقَالُ: سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفِ مُقَاتِلٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৪
وَلَمَّا انْفَصَلَ الْحَالُ، وَتَسَلَّمُوا عَكَّا وَقَتَلُوا أَكْثَرَ مَنْ كَانَ بِهَا، وَسَارُوا بَرُمَّتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ; جَعَلَ يُسَايِرُهُمْ مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً، وَمَرْحَلَةً مَرْحَلَةً وَجُيُوشُهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَنْ مَعَهُ، وَمَعَ هَذَا نَصَرَهُ اللَّهُ وَخَذَلَهُمْ، وَأَيَّدَهُ وَقَتَلَهُمْ، وَسَبَقَهُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَصَانَهُ وَحَمَاهُ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَهُ، وَأَطَّدَ أَرْكَانَهُ، وَصَانَ حِمَاهُ وَلَمْ يَزَلْ بِجَيْشِهِ مُقِيمًا بِهِ يُرْهِبُهُمْ وَيُرْعِبُهُمْ، وَيَغْلِبُهُمْ وَيَسْلُبُهُمْ وَيَكْسِرُهُمْ وَيَأْسِرُهُمْ، حَتَّى تَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَخَضَعُوا لَدَيْهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ وَيُتَارِكَهُمْ، وَتَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، لَا مَا يُرِيدُونَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الرَّحْمَةِ الَّتِي خُصَّ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ; فَإِنَّهُ مَا انْقَضَتْ تِلْكَ السُّنُونَ حَتَّى مَلَكَ الْبِلَادَ أَخُوهُ أَبُو بَكْرٍ الْعَادِلُ، فَعَزَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَذَلَّ بِهِ الْكَافِرُونَ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَخِيًّا كَرِيمًا حَيِيًّا ضَحُوكَ الْوَجْهِ كَثِيرَ الْبِشْرِ، لَا يَتَضَجَّرُ مِنْ خَيْرٍ يَفْعَلُهُ، شَدِيدَ الْمُصَابَرَةِ وَالْمُثَابَرَةِ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّاتِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ سِيرَتِهِ وَأَيَّامِهِ، وَعَدْلِهِ فِي سَرِيرَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَأَحْكَامِهِ. فَصْلٌ كَانَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينَ قَدْ قَسَّمَ الْبِلَادَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، فَالدِّيَارُ الْمِصْرِيَّةُ لِوَلَدِهِ الْعَزِيزِ عِمَادِ الدِّينِ عُثْمَانَ أَبِي الْفَتْحِ، وَبِلَادُ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا لِوَلَدِهِ الْأَفْضَلِ نُورِ الدِّينِ عَلَيٍّ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ، وَالْمَمْلَكَةُ الْحَلَبِيَّةُ لِوَلَدِهِ الظَّاهِرِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৫
غَازِيٍّ غِيَاثِ الدِّينِ، وَلِأَخِيهِ الْعَادِلِ الْكَرَكُ وَالشَّوْبَكُ وَبِلَادُ جَعْبَرَ وَبِلَادٌ كَثِيرَةٌ قَاطِعَ الْفُرَاتِ، وَحَمَاةُ وَمُعَامَلَةٌ أُخْرَى مَعَهَا لِلْمَلِكِ الْمَنْصُورِ مُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ، وَحِمْصُ وَالرَّحْبَةُ وَغَيْرُهَا لِأَسَدِ الدِّينِ بْنِ شِيرَكُوهْ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ الْكَبِيرِ، عَمِّ صَلَاحِ الدِّينِ أَخِي أَبِيهِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، وَالْيَمَنُ بِمَعَاقِلِهِ وَمَخَالِيفِهِ جَمِيعُهُ فِي قَبْضَةِ السُّلْطَانِ ظَهِيرِ الدِّينِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ أَخِي السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَبَعْلَبَكَّ وَأَعْمَالُهَا لِلْأَمْجَدِ بَهْرَامْ شَاهْ بْنِ فَرُّوخْشَاهْ، وَبُصْرَى وَأَعْمَالُهَا لِلظَّافِرِ بْنِ النَّاصِرِ، ثُمَّ شَرَعَتِ الْأُمُورُ بَعْدَ مَوْتِ صَلَاحِ الدِّينِ تَضْطَرِبُ وَتَخْتَلِفُ وَتَتَفَاقَمُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَالِكُ، وَاجْتَمَعَتِ الْمَحَافِلُ عَلَى أَخِي السُّلْطَانِ، الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَصَارَتِ الْمَمْلَكَةُ فِي أَوْلَادِهِ الْأَمَاجِدِ الْأَفَاضِلِ، كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَدَّدَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ خِزَانَةَ كُتُبِ الْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَنَقَلَ إِلَيْهَا أُلُوفًا مِنَ الْكُتُبِ الْحَسَنَةِ الْمُثَمَّنَةِ. وَجَرَتْ بِبَغْدَادَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ ; وَهِيَ أَنَّ ابْنَةً لِرَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ فِي الطَّحِينِ تَعَشَّقَتْ لِغُلَامِ أَبِيهَا، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُوهَا بِأَمْرِهَا طَرَدَ الْغُلَامَ مِنْ دَارِهِ، فَوَاعَدَتْهُ الْبِنْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَجَاءَ مُخْتَفِيًا، فَتَرَكَتْهُ فِي بَعْضِ الدَّارِ، وَنَزَلَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ، فَقَتَلَ أَبَاهَا مَوْلَاهُ، وَأَمَرَتْهُ الْجَارِيَةُ بِقَتْلِ أُمِّهَا، فَقَتَلَهَا وَهِيَ حُبْلَى، وَأَعْطَتْهُ الْجَارِيَةُ حُلِيًّا بِقِيمَةِ أَلْفَيْ دِينَارٍ، فَأَصْبَحَ أَمْرُهُ عِنْدَ الشُّرْطَةِ فَمُسِكَ وَقُتِلَ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهَا، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُهُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَأَكْثَرِهِمْ صَدَقَةً وَبِرًّا، وَكَانَ شَابًّا وَضِيءَ الْوَجْهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৬
وَفِيهَا دَرَّسَ بِالْمَدْرَسَةِ الْجَدِيدَةِ عِنْدَ قَبْرِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ النَّوْقَانِيُّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَعُمِلَ بِهَا دَعْوَةٌ حَافِلَةٌ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِيٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطًا. الْأَمِيرُ بَكْتَمُرُ صَاحِبُ خِلَاطَ قُتِلَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَشْجَعِهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ. الْأَتَابِكُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً، كَانَ يَتَشَبَّهُ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ عَمِّهِ وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ عِنْدَ مَدْرَسَةٍ أَنْشَأَهَا بِالْمَوْصِلِ، أَثَابَهُ اللَّهُ. جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَطِيرَا، أَبُو الْحَسَنِ أَحَدُ الْكُتَّابِ بِالْعِرَاقِ، كَانَ يُنْسَبُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ، لَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ أَمْثَالَهُمْ وَلَا أَشْكَالَهُمْ. جَاءَهُ رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا فِي الْمَنَامِ وَهُوَ يَقُولُ لِي: اذْهَبْ إِلَى ابْنِ قَطِيرَا، فَقُلْ لَهُ يُعْطِيكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ قَطِيرَا. مَتَى رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ فِي آخِرِهِ، فَقَالَ لِي: إِذَا جَاءَكَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৭
رَجُلٌ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا، فَطَلَبَ مِنْكَ شَيْئًا فَلَا تُعْطِهِ. فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ مُوَلِّيًا، فَاسْتَدْعَاهُ وَوَهَبَهُ شَيْئًا. وَمِنْ شِعْرِهِ فِيمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ السَّاعِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِغَيْرِهِ: وَلَمَّا سَبَرْتُ النَّاسَ أَطْلُبُ مِنْهُمُ ... أَخَا ثِقَةٍ عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّدَائِدِ وَفَكَّرْتُ فِي يَوْمَيْ سُرُورِي وَشِدَّتِي ... وَنَادَيْتُ فِي الْأَحْيَاءِ هَلْ مِنْ مُسَاعِدِ فَلَمْ أَرَ فِيمَا سَاءَنِي غَيْرَ شَامِتٍ ... وَلَمْ أَرَ فِيمَا سَرَّنِي غَيْرَ حَاسِدِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ غَازِيٍّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ " الْمَقَامَاتِ "، كَانَ شَاعِرًا أَدِيبًا فَاضِلًا بَلِيغًا، لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي اللُّغَةِ وَالنَّظْمِ، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: غِنَاءُ خُودٍ يَنْسَابُ لُطْفًا ... بِلَا عَنَاءٍ فِي كُلِّ أُذْنِ مَا رَدَّهُ قَطُّ بَابُ سَمْعٍ ... وَلَا أَتَى زَائِرًا بِإِذْنِ السَّيِّدَةُ زُبَيْدَةُ بِنْتُ الْإِمَامِ الْمُقْتَفِي لِأَمْرِ اللَّهِ، أُخْتُ الْمُسْتَنْجِدِ، وَعَمَّةُ الْمُسْتَضِيءِ، كَانَتْ قَدْ عُمِّرَتْ دَهْرًا طَوِيلًا، وَلَهَا صَدَقَاتٌ كَثِيرَةٌ دَارَّةٌ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا فِي وَقْتٍ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ عَلَى صَدَاقِ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَقَدْ كَانَتْ كَارِهَةً لِذَلِكَ فَحَصَلَ مَقْصُودُهَا. الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ فَاطِمَةُ خَاتُونَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَمِيدِ، كَانَتْ صَالِحَةً عَابِدَةً زَاهِدَةً، عُمِّرَتْ مِائَةَ سَنَةٍ وَسِتَّ سِنِينَ، كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا فِي وَقْتٍ أَمِيرُ الْجُيُوشِ نَظَرٌ وَهِيَ بِكْرٌ، فَبَقِيَتْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ، بَلِ اشْتَغَلَتْ بِذِكْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ وَالْعِبَادَةِ، رَحِمَهَا اللَّهُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنْفَذَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيُّ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৮৮
بْنِ الْجَوْزِيِّ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَبْيَاتِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَشْهُورَةِ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْأَشْعَارِ، وَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ عَشْرَ مُجَلَّدَاتٍ، وَهِيَ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ: أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُعَيِّرُ بِالدَّهْرِ ... أَأَنْتَ الْمُبَرَّأُ الْمَوْفُورُ أَمْ لَدَيْكَ الْعَهْدُ الْوَثِيقُ مِنَ الْ ... أَيَّامِ بَلْ أَنْتَ جَاهِلٌ مَغْرُورُ مَنْ رَأَيْتَ الْمَنُونَ خَلَّدْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ أَيْنَ كِسْرَى كِسْرَى الْمُلُوكِ أَبُو سَا ... سَانَ أَمْ أَيْنَ قَبْلَهُ سَابُورُ وَبَنُو الْأَصْفَرِ الْمُلُوكُ مُلُوكُ الرُّو ... مِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَذْكُورُ وَأَخُو الْحَضْرِ إِذْ بَنَاهُ وَإِذْ دِجْ ... لَةُ تُجْبَى إِلَيْهِ وَالْخَابُورُ شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ ... سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ لَمْ تَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَزَالَ الْ ... مُلْكُ عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ وَتَذَكَّرْ رَبَّ الْخَوَرْنَقِ إِذْ أَشْ ... رَفَ يَوْمًا وَلِلْهُدَى تَفْكِيْرُ سَرَّهُ حَالُهُ وَكَثْرَةُ مَا يَمْ ... لِكُ وَالْبَحْرُ مُعْرِضًا وَالسَّدِيرُ فَارْعَوَى قَلْبُهُ وَقَالَ وَمَا غِبْ ... طَةُ حَيٍّ إِلَى الْمَمَاتِ يَصِيرُ ثُمَّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ وَالْإِمَّ ... ةِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ ثُمَّ أَضْحَوْا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَ ... فَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ غَيْرَ أَنَّ الْأَيَّامَ تَخْتَصُّ بِالْمَرْ ... ءِ وَفِيهَا لَعَمْرِي الْعِظَاتُ وَالتَّفْكِيرُ