ثم دخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا قَدِمَ مَلِكُ الْإِفْرَنْسِيسِ وَمَلِكُ إِنْكِلْتِرَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُلُوكِ الْبَحْرِ عَلَى الْفِرِنْجِ إِلَى عَكَّا وَتَمَالَئُوا عَلَى عَكَّا فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَقَدِ اسْتُهِلَّتْ وَالْحِصَارُ عَلَى عَكَّا عَلَى حَالِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدِ اسْتُكْمِلَ دُخُولُ الْبَدَلِ إِلَى الْبَلَدِ وَالْمَلِكُ الْعَادِلُ مُخَيِّمٌ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ لِيَتَكَامَلَ دُخُولُهُمْ وَدُخُولُ مِيرَتِهِمْ - لَطَفَ اللَّهُ بِهِمْ - وَفِي لَيْلَةِ مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَكَّا فَهَجَمُوا عَلَى مُخَيَّمِ الْفِرِنْجِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَسَبَوْا وَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا سَبَوْا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَانْكَسَرَ مَرْكَبٌ عَظِيمٌ لِلْفِرِنْجِ فَغَرِقَ فِيهِ خَلْقٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ بَاقِيهِمْ وَأَغَارَ صَاحِبُ حِمْصَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَكُوهْ عَلَى سَرْحَ الْفِرِنْجِ بِأَرَاضِي طَرَابُلُسَ فَاسْتَاقَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْخُيُولِ وَالْأَبْقَارِ وَالْأَغْنَامِ وَظَفِرَ الْيَزَكُ بِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الْفِرِنْجِ فَقَتَلُوهُمْ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَى طَوَاشِيٍّ صَغِيرٍ عَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ وَفِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ مَلِكُ إِفْرَنْسِيسَ فِلِيبُ فِي سِتِّ بُطُسٍ مَلْعُونَةٍ مَشْحُونَةٍ بِعَبَدَةِ الصَّلِيبِ وَحِينَ وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ مَعَهُ كَلَامٌ وَلَا حُكْمٌ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَهُمْ وَقَدِمَ مَعَهُ بَازٌ عَظِيمٌ أَبْيَضُ وَهُوَ الْبَازُ الْأَشْهَبُ الْهَائِلُ فَطَارَ مِنْ يَدِهِ فَسَقَطَ عَلَى سُورِ عَكَّا فَأَمْسَكَهُ أَهْلُهَا وَبَعَثُوا بِهِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৪
السُّلْطَانِ فَبَذَلَ الْفِرِنْجُ فِيهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَلَمْ يُجَابُوا وَقَدِمَ بَعْدَهُ كُنْدِفْرِيرُ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ مُلُوكِهِمْ أَيْضًا وَوَصَلَتْ سُفُنُ مَلِكِ الْإِنْكِلْتِيرِ وَلَمْ يَجِئْ هُوَ لِاشْتِغَالِهِ بِجَزِيرَةِ قُبْرُسَ وَأَخْذِهَا مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا وَتَوَاصَلَتْ مُلُوكُ الْإِسْلَامِ مِنْ بُلْدَانِهَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الرَّبِيعِ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ.
قَالَ الْعِمَادُ: وَقَدْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ لُصُوصٌ يَدْخُلُونَ إِلَى خِيَامِ الْفِرِنْجِ فَيَسْرِقُونَ حَتَّى إِنَّهُمْ يَسْرِقُونَ الرِّجَالَ فَاتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَهَمْ أَخَذَ صَبِيًّا رَضِيعًا مِنْ مَهْدِهِ ابْنَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَجْدًا عَظِيمًا، وَاشْتَكَتْ إِلَى مُلُوكِهِمْ فَقَالُوا لَهَا: إِنَّ سُلْطَانَ الْمُسْلِمِينَ رَحِيمُ الْقَلْبِ، وَقَدْ أَذِنَّا لَكِ أَنْ تَذْهَبِي إِلَيْهِ فَتَشْتَكِي أَمْرَكِ إِلَيْهِ. قَالَ الْعِمَادُ: فَجَاءَتْ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا وَجَعَلَتْ تُمَرِّغُ وَجْهَهَا عَلَى الْأَرْضِ فَسَأَلَهَا عَنْ أَمْرِهَا. فَأَنْهَتْ إِلَيْهِ حَالَهَا فَرَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً حَتَّى دَمَعَتْ عَيْنُهُ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ وَلَدِهَا فَإِذَا هُوَ قَدْ بِيعَ فِي السُّوقِ، فَرَسَمَ بِدَفْعِ ثَمَنِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى جِيءَ بِالْغُلَامِ، فَأَخَذَتْهُ أُمُّهُ وَأَرْضَعَتْهُ سَاعَةً وَهِيَ تَبْكِي مِنْ شِدَّةِ فَرَحِهَا وَشَوْقِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِحَمْلِهَا إِلَى قَوْمِهَا عَلَى فَرَسٍ مُكَرَّمَةً رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَلَّ بِالرَّأَفَةِ ثَرَاهُ.
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْعَدُوِّ الْمَخْذُولِ مَدِينَةَ عَكَّا مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَسْرًا]
لَمَّا كَانَ شَهْرُ جُمَادَى الْأُولَى اشْتَدَّ حِصَارُ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - لَعَكَّا وَتَمَالَئُوا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ فِي جَمٍّ غَفِيرٍ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৫
وَجَمْعٍ كَثِيرٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قِطْعَةً مَشْحُونَةً بِالْمُقَاتِلَةِ وَابْتُلِيَ أَهْلُ الثَّغْرِ مِنْهُ بِبَلَاءٍ لَا يُشْبِهُ مَا قَبْلَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ حُرِّكَتِ الْكُوسَاتُ فِي الْبَلَدِ، وَكَانَتْ عَلَامَةَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ فَحَرَّكَ السُّلْطَانُ كُوسَاتِهِ وَاقْتَرَبَ مِنَ الْبَلَدِ وَتَحَوَّلَ إِلَى قَرِيبٍ مِنْهُمْ لِيَشْغَلَهُمْ عَنِ الْبَلَدِ وَقَدْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَنَصَبُوا عَلَيْهِ سَبْعَةَ مَجَانِيقَ وَهَى تَضْرِبُ فِي الْبَلَدِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا سِيَّمَا عَلَى بُرْجِ عَيْنِ الْبَقَرِ حَتَّى أَثَّرَتْ بِهِ أَثَرًا بَيِّنًا، وَشَرَعُوا فِي رَدْمِ الْخَنْدَقِ بِمَا أَمْكَنَهُمْ مِنْ دَوَابَّ مَيْتَةٍ وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَمَنْ مَاتَ أَيْضًا، وَقَابَلَهُمْ أَهْلُ الْبَلَدِ يَنْقُلُونَ مَا أَلْقَوْهُ فِيهِ إِلَى الْبَحْرِ وَظَفِرَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ بِبُطْسَةٍ عَظِيمَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْرُوتَ مَشْحُونَةً بِالْأَمْتِعَةِ وَالْأَسْلِحَةِ فَأَخَذَهَا وَكَانَ وَاقِفًا فِي الْبَحْرِ فِي أَرْبَعِينَ مَرْكِبًا لَا يَتْرُكُ شَيْئًا يَصِلُ إِلَى الْبَلَدِ بِالْكُلِّيَّةِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَكَانَ فِيهَا سِتُّمِائَةٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ الصَّنَادِيدِ الْأَبْطَالِ فَهَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُحِيطَ بِهِمْ مِنَ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا وَتَحَقَّقُوا إِمَّا الْغَرَقَ أَوِ الْقَتْلَ خَرَقُوا مِنْ جَوَانِبِهَا كُلِّهَا فَغَرِقَتْ وَلَمْ يَقَدْرِ الْفِرِنْجُ عَلَى أَخْذِ شَىْءٍ مِنْهَا لَا مِنَ الْمِيرَةِ وَلَا مِنَ الْأَسْلِحَةِ وَحَزِنَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا الْمُصَابِ حُزْنًا عَظِيمًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلَكِنْ جَبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا الْبَلَاءَ بِأَنْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِلْفِرِنْجِ دَبَّابَةً كَانَتْ أَرْبَعَ طَبَقَاتٍ ; الْأُولَى مِنْ خَشَبٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ رَصَاصٍ وَالثَّالِثَةُ مِنْ حَدِيدٍ وَالرَّابِعَةُ مِنْ نُحَاسٍ وَهِيَ مُشْرِفَةٌ عَلَى السُّورِ وَالْمُقَاتِلَةُ فِيهَا وَقَدْ قَلِقَ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْهَا بِحَيْثُ حَدَّثَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْ شَرِّهَا بِأَنْ يَطْلُبُوا الْأَمَانَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَيُسَلِّمُوا الْبَلَدَ فَفَرَّجَ اللَّهُ وَأَمْكَنَهُمْ مِنْ حَرِيقِهَا وَاتَّفَقَ ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৬
فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي غَرِقَتْ فِيهِ الْبُطْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فَأَرْسَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَى السُّلْطَانِ يَشْكُونَ كَثْرَةَ الْحِصَارِ وَقُوَّتَهُ عَلَيْهِمْ مُنْذُ قَدِمَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَمَعَ هَذَا قَدْ مَرِضَ وَجُرِحَ مَلِكُ الْإِفْرِنْسِيسِ أَيْضًا وَلَا يَزِيدُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا شِدَّةً وَغِلْظَةً وَعُتُوًّا وَفَارَقَهُمُ الْمَرْكِيسُ وَسَارَ إِلَى بَلَدِهِ صُورَ خَوْفًا مِنْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مُلْكَهَا مِنْ يَدِهِ وَبَعَثَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يَذْكُرُ أَنَّ عِنْدَهُ جَوَارِحَ قَدْ جَاءَ بِهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ إِرْسَالِهَا إِلَيْهِ وَلَكِنَّهَا قَدْ ضَعُفَتْ وَهُوَ يَطْلُبُ لَهُ دَجَاجًا وَطَيْرًا لِتَتَقَوَّى بِهِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِتَلَطُّفٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَرَمًا وَسَجِيَّةً وَحِشْمَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ يَطْلُبُ فَاكِهَةً وَثَلْجًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَيْضًا فَلَمْ يُفِدْ مَعَهُ الْإِحْسَانُ بَلْ لَمَّا عُوفِيَ عَادَ إِلَى شَرٍّ مِمَّا كَانَ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَرْسَلَ مَنْ بِالْبَلَدِ يَقُولُونَ: إِنْ تَعْمَلُوا مَعَنَا شَيْئًا غَدًا وَإِلَّا طَلَبْنَا مِنَ الْفِرِنْجِ الْأَمَانَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ سَيَّرَ إِلَيْهَا أَسْلِحَةَ الشَّامِ وَالدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَسَائِرَ السَّوَاحِلِ وَمَا كَانَ غَنِمَهُ مِنْ وَقْعَةِ حِطِّينَ وَمِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ فَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى مُهَاجَمَةِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ فِي جَيْشِهِ، فَرَأَى الْفِرِنْجَ قَدْ رَكِبُوا مِنْ وَرَاءِ خَنْدَقِهِمْ وَالرَّجَّالَةُ مِنْهُمْ قَدْ ضَرَبُوا سُورًا حَوْلَ الْفُرْسَانِ، وَهُمْ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ صَمَّاءَ لَا يَنْفُذُهَا شَيْءٌ فَأَحْجَمَ عَنْهُمْ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نُكُولِ جَيْشِهِ عَمَّا يُرِيدُهُ وَتَحْدُوهُ عَلَيْهِ شَجَاعَتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
هَذَا وَقَدِ اشْتَدَّ الْحِصَارُ بِالْبَلَدِ جِدًّا، وَدَخَلَتِ الرَّجَّالَةُ مِنْهُمْ إِلَى الْخَنْدَقِ وَعَلَّقُوا بَدَنَةً مِنَ السُّورِ وَحَشَوْهَا وَأَحْرَقُوهَا فَسَقَطَتْ وَدَخَلَتِ الْفِرِنْجُ إِلَى الْبَلَدِ فَمَانَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ وَقَتَلُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ سِتَّةَ أَنْفُسٍ فَاشْتَدَّ حَنَقُ الْفِرِنْجِ عَلَيْهِمْ جِدًّا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَجَاءَ اللَّيْلُ فَحَالَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৭
أَصْبَحَ الصَّبَاحُ خَرَجَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَلَدِ سَيْفُ الدِّينِ الْمَشْطُوبُ فَاجْتَمَعَ بِمَلِكِ الْإِفْرِنْسِيسِ وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَتَسَلَّمُونَ مِنْهُ الْبَلَدَ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ: بَعْدَمَا سَقَطَ السُّورُ جِئْتَ تَطْلُبُ الْأَمَانَ! فَأَغْلَظَ لَهُ الْأَمِيرُ الْمَشْطُوبُ فِي الْكَلَامِ وَرَجَعَ إِلَى الْبَلَدِ فِي حَالَةٍ اللَّهُ بِهَا عَلِيمٌ، وَلَمَّا أُخْبِرَ أَهْلُ الْبَلَدِ خَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا لِمَا وَقَعَ وَأَرْسَلُوا إِلَى السُّلْطَانِ يُعْلِمُونَهُ بِمَا وَقَعَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْ يُسْرِعُوا الْخُرُوجَ مِنَ الْبَلَدِ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَتَأَخَّرُوا عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَلَا يَبْقَى بِهَا مُسْلِمٌ فَتَشَاغَلَ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ بِهَا فِي جَمْعِ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَسْلِحَةِ وَتَأَخَّرُوا عَنِ الْمَسِيرِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَمَا أَصْبَحَ الْخَبَرُ إِلَّا عِنْدَ الْفِرِنْجِ مِنْ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ سَمِعَا بِمَا رَسَمَ بِهِ السُّلْطَانُ فَهَرَبَا إِلَى قَوْمِهِمَا فَأَخْبَرُوهُمْ بِذَلِكَ، فَاحْتَفَظُوا عَلَى الْبَحْرِ احْتِفَاظًا عَظِيمًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يَتَحَرَّكَ بِحَرَكَةٍ وَلَا خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى كَبْسِ الْعَدُوِّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ الْجَيْشُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالُوا لَا نُخَاطِرُ بِالْإِسْلَامِ كُلِّهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ بَعَثَ إِلَى مُلُوكِ الْفِرِنْجِ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْأَمَانَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى أَنْ يُطْلِقَ عِدَّتَهُمْ مِنَ الْأَسْرَى الَّذِينَ تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَيَزِيدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ صَلِيبَ الصَّلَبُوتِ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يُطْلِقَ كُلَّ أَسِيرٍ تَحْتَ يَدِهِ، وَيُطْلِقَ لَهُمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَبَى ذَلِكَ وَتَرَدَّدَتِ الْمُرَاسَلَاتُ فِي ذَلِكَ وَالْحِصَارُ يَتَزَايَدُ عَلَى أَسْوَارِ الْبَلَدِ وَقَدْ تَهَدَّمَتْ ثُلَمٌ كَثِيرَةٌ وَأَعَادَ الْمُسْلِمُونَ كَثِيرًا مِنْهَا وَسَدُّوا ثَغْرَ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ بِنُحُورِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَصَبَرُوا صَبْرًا عَظِيمًا، وَصَابَرُوا ثُمَّ كَانَ آخِرَ أَمْرِهِمُ الشَّهَادَةُ صَبْرًا وَقَدْ كَتَبُوا إِلَى السُّلْطَانِ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ: يَا مَوْلَانَا لَا تَخْضَعْ لِهَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينِ الَّذِينَ قَدْ أَبَوْا عَلَيْكَ الْإِجَابَةَ فِينَا، فَقَدْ بَايَعْنَا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى نُقْتَلَ عَنْ آخِرِنَا وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৮
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَا شَعَرَ النَّاسُ إِلَّا وَقَدِ ارْتَفَعَتْ أَعْلَامُ الْكُفْرِ وَصُلْبَانُهُ وَشِعَارُهُ وَنَارُهُ عَلَى أَسْوَارِ الْبَلَدِ وَصَاحَ الْفِرِنْجُ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاشْتَدَّ حُزْنُ الْمُوَحِّدِينَ وَانْحَصَرَ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ فِي النَّاسِ فِي: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَغَشِيَ النَّاسَ بَهْتَةٌ عَظِيمَةٌ وَحَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ وَوَقَعَ فِي الْعَسْكَرِ الصِّيَاحُ وَالْعَوِيلُ وَالْبُكَاءُ وَالنَّحِيبُ وَدَخَلَ الْمَرْكِيسُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَقَدْ عَادَ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا بِهَدَايَا إِلَى الْمُلُوكِ، فَدَخَلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِأَرْبَعَةِ أَعْلَامٍ لِلْمُلُوكِ فَنَصَبَهَا فِي الْبَلَدِ وَاحِدًا عَلَى الْمِئْذَنَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَآخَرَ عَلَى الْقَلْعَةِ وَآخَرَ عَلَى بُرْجِ الدَّاوِيَّةِ وَآخَرَ عَلَى بُرْجِ الْقِتَالِ عِوَضًا عَنْ أَعْلَامِ السُّلْطَانِ، وَتَحَيَّزَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِهَا إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَلَدِ مُعْتَقَلِينَ مُحْتَاطٌ بِهِمْ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أُسِرَتِ النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَقُيِّدَتِ الْأَبْطَالُ وَأُهِينَ الرِّجَالُ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ الْجَيْشَ بِالتَّأَخُّرِ عَنْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْمُضَايَقَةِ إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا وَتَأَخَّرَ هُوَ جَرِيدَةً؛ لِيَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُونَ، وَمَا عَلَيْهِ يُعَوِّلُونَ وَهُمْ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْبَلَدِ مَشْغُولُونَ، وَبِتَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا مَدْهُوشُونَ ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَعِنْدَهُ مِنَ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَاءَتِ الْمُلُوكُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْأُمَرَاءُ وَكُبَرَاءُ الدَّوْلَةِ يُعَزُّونَهُ فِيمَا وَقَعَ، وَيَسَلُونَهُ عَمَّا عَنْهُ الْحَالُ انْقَشَعَ، ثُمَّ رَاسَلَ مُلُوكَ الْفِرِنْجِ فِي خَلَاصِ مَنْ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أُسَارَى الْإِسْلَامِ فَطَلَبُوا مِنْهُ عِدَّتَهُمْ مِنْ أُسَارَاهُمْ وَمِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَصَلِيبَ الصَّلَبُوتِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، فَأَرْسَلَ فَأَحْضَرَ الْمَالَ وَالصَّلِيبَ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ مِنَ الْأُسَارَى إِلَّا سِتُّمِائَةِ أَسِيرٍ فَطَلَبَ الْفِرِنْجُ مِنْهُ أَنْ يُرِيَهُمُ الصَّلِيبَ مِنْ بَعِيدٍ فَلَمَّا
পৃষ্ঠা - ১০৫৫৯
رُفِعَ لَهُمْ سَجَدُوا لَهُ وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَبَعَثُوا يَطْلُبُونَ مِنْهُ مَا أَحْضَرَهُ مِنَ الْمَالِ وَالْأُسَارَى فَامْتَنَعَ إِلَّا أَنْ يُرْسِلُوا إِلَيْهِ مَنْ بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْأُسَارَى أَوْ يَبْعَثُوا لَهُ بِرَهَائِنَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: لَا وَلَكِنْ يُرْسِلُ ذَلِكَ وَيَرْضَى بِأَمَانَتِنَا، فَفَهِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْغَدْرَ وَالْمَكْرَ فَلَمْ يُرْسِلْ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأُسَارَى إِلَى أَهْلِيهِمْ بِدِمَشْقَ وَبَعَثَ بِالصَّلِيبِ إِلَى دِمَشْقَ مُهَانًا وَأَبْرَزَتِ الْفِرِنْجُ خِيَامَهُمْ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ وَأَحْضَرُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَأَوْقَفُوهُمْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّاتِ مُنْقَلَبَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَبْقُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَمِيرًا أَوْ سَرِيًّا أَوْ مَنْ يَرَوْنَهُ فِي عَمَلِهِمْ قَوِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، وَكَانَ مَا كَانَ وَقُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ وَكَانَ مُدَّةُ مُقَامِ السُّلْطَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عَكَّا صَابِرًا مُصَابِرًا مُرَابِطًا سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَجُمْلَةُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْفِرِنْجِ خَمْسِينَ أَلْفًا.
[فَصْلٌ فِيمَا جَرَى مِنَ الْحَوَادِثِ بَعْدَ أَخْذِ الْفِرِنْجِ عَكَّا]
سَارُوا بَرُمَّتِهِمْ قَاصِدِينَ عَسْقَلَانَ وَالسُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ يُسَايِرُهُمْ وَيُعَارِضُهُمْ مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً، وَالْمُسْلِمُونَ يَتَخَطَّفُونَهُمْ وَيَسْلُبُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬০
وَكُلُّ أَسِيرٍ أُتِيَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالْأَوَانِ وَجَرَتْ بَيْنَ الْجَيْشَيْنِ وَقَعَاتٌ مُتَعَدِّدَاتٌ ثُمَّ طَلَبَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ أَنْ يَجْتَمِعَ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ أَخِي السُّلْطَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ الصُّلْحَ وَالْأَمَانَ عَلَى أَنْ تُعَادَ لِأَهْلِهَا بِلَادُ السَّاحِلِ، فَقَالَ لَهُ الْعَادِلُ: إِنَّ دُونَ ذَلِكَ قَتْلُ كُلِّ فَارِسٍ مِنْكُمْ وَرَاجِلٍ فَغَضِبَ اللَّعِينُ وَنَهَضَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مُتَغَضِّبٌ، ثُمَّ اجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى حَرْبِ السُّلْطَانِ عِنْدَ غَابَةِ أَرْسُوفَ 72 فَكَانَتِ النُّصْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُتِلَ مِنَ الْفِرِنْجِ عِنْدَ غَابَةِ أَرْسُوفَ أُلُوفٌ بَعْدَ أُلُوفٍ وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَيْضًا، وَقَدْ كَانَ الْجَيْشُ فَرَّ عَنِ السُّلْطَانِ فِي أَوَّلِ الْوَاقِعَةِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى سَبْعَةَ عَشَرَ مُقَاتِلًا، وَهُوَ ثَابِتٌ صَابِرٌ وَالْكُوسُ تُدَقُّ لَا تَفْتُرُ وَالْأَعْلَامُ مَنْشُورَةٌ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ فَكَانَتِ النُّصْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْكَرَّةُ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ثُمَّ تَقَدَمَّ السُّلْطَانُ بِعَسَاكِرِهِ فَنَزَلَ ظَاهِرَ عَسْقَلَانَ فَأَشَارَ ذَوُو الرَّأْيِ عَلَى السُّلْطَانِ بِتَخْرِيبِ عَسْقَلَانَ خَشْيَةَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْكُفَّارُ وَيَجْعَلُوهَا وَسِيلَةً إِلَى أَخْذِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ يَجْرِي عِنْدَهَا مِنَ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ نَظِيرُ مَا كَانَ عِنْدَ عَكَّا أَوْ أَشَدُّ فَبَاتَ السُّلْطَانُ لَيْلَتَهُ مُفَكِّرًا فِي ذَلِكَ، وَلَمَّا أَصْبَحَ وَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ خَرَابَهَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَهُ وَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ لَمَوْتُ جَمِيعِ أَوْلَادِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ تَخْرِيبِ حَجَرٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا فِيهِ مُصْلِحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
ثُمَّ طَلَبَ الْوُلَاةَ وَأَمَرَهُمْ بِتَخْرِيبِ الْبَلَدِ سَرِيعًا قَبْلَ وُصُولِ الْعَدُوِّ الْمَخْذُولِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬১
فَشَرَعَ النَّاسُ فِي خَرَابِهِ، وَأَهْلُهُ وَمَنْ حَضَرَهُ يَتَبَاكُونَ عَلَى حُسْنِهِ وَطِيبِ مَقِيلِهِ وَكَثْرَةِ زُرُوعِهِ وَثِمَارِهِ وَغَزَارَةِ أَنْهَارِهِ وَنَضَارَةِ أَزْهَارِهِ، وَأُلْقِيَتِ النِّيرَانُ فِي أَرْجَائِهِ وَجَوَانِبِهِ وَخُرِّبَتْ قُصُورُهُ وَدُورُهُ وَأَسْوَاقُهُ وَرِحَابُهُ، وَأُتْلِفَ مَا فِيهِ مِنَ الْغَلَّاتِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَحْوِيلُهَا وَلَا نَقْلُهَا، وَلَمْ يَزَلِ الْخَرَابُ وَالْحَرِيقُ فِيهِ إِلَى سَلْخِ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
ثُمَّ رَحَلَ السُّلْطَانُ مِنْهَا فِي ثَانِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَرَكَهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ، ثُمَّ اجْتَازَ بِالرَّمْلَةِ فَخَرَّبَ حِصْنَهَا وَخَرَّبَ كَنِيسَةَ لُدَّ وَزَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعَادَ إِلَى الْمُخَيَّمِ سَرِيعًا - تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ - ثُمَّ بَعَثَ مَلِكُ الْإِنْكِلْتِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ طَالَ وَهَلَكَ الْفِرِنْجُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا سِوَاهَا: رَدُّ الصَّلِيبِ وَبِلَادِ السَّاحِلِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا نَرْجِعُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَمِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ جَوَابَ ذَلِكَ أَشَدَّ جَوَابٍ وَأَسْوَأَ خِطَابٍ، ثُمَّ عَزَمَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى قَصْدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَرَكَهُ وَسَكَنَ فِي دَارِ الْقَسَاقِسِ قَرِيبًا مِنْ قُمَامَةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَشَرَعَ فِي تَحْصِينِ الْبَلَدِ وَتَعْمِيقِ خَنَادِقِهِ وَعَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَعَمِلَ فِيهِ الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ وَالْعُلَمَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ وَقْتًا مَشْهُودًا، وَالْيَزَكُ حَوْلَ الْبَلَدِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفِرِنْجِ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ يَسْتَظْهِرُونَ عَلَى الْفِرِنْجِ فَيَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَغْنِمُونَ مِنْهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَانْقَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ تَوَلَّى الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الزَّكِيِّ قَضَاءَ دِمَشْقَ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৬২
وَفِيهَا عَدَا أَمِيرُ مَكَّةَ دَاوُدُ بْنُ عِيسَى بْنِ فُلَيْتَةَ بْنِ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ الْحَسَنِيُّ فَأَخَذَ أَمْوَالَ الْكَعْبَةِ حَتَّى انْتَزَعَ طَوْقًا مِنْ فِضَّةٍ كَانَ عَلَى دَائِرَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، كَانَ قَدْ لُمَّ شَعَثُهُ حِينَ ضَرَبَهُ ذَلِكَ الْقِرْمِطِيُّ بِالدَّبُّوسِ فَلَمَّا بَلَغَ السُّلْطَانَ خَبَرُهُ مِنَ الْحَجِيجِ حِينَ رَجَعُوا عَزَلَهُ، وَوَلَّى أَخَاهُ مُكْثِرًا وَنَقَضَ الْقَلْعَةَ الَّتِي كَانَ بَنَاهَا أَخُوهُ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَأَقَامَ دَاوُدُ بِنَخْلَةَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ وَكَانَ عَزِيزًا عَلَى عَمِّهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ اسْتَنَابَهُ بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ ثُمَّ أَقْطَعَهُ حَمَاةَ وَمُدُنًا كَثِيرَةً مَعَهَا حَوْلَهَا وَمِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَكَانَ مَعَ عَمِّهِ السُّلْطَانِ عَلَى عَكَّا ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْإِشْرَافِ عَلَى بِلَادِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْفُرَاتِ فَلَمَّا صَارَ إِلَيْهَا اشْتَغَلَ بِهَا، وَامْتَدَّتْ عَيْنُهُ إِلَى أَخْذِ غَيْرِهَا مِنْ أَيْدِي الْمُلُوكِ الْمُجَاوِرِينَ لَهَا فَقَاتَلَهُمْ فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ وَالسُّلْطَانُ النَّاصِرُ صَلَاحُ مُتَغَضِّبٌ عَلَيْهِ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ عَنْهُ وَحُمِلَتْ جِنَازَتُهُ حَتَّى دُفِنَتْ بِحَمَاةَ وَلَهُ مَدْرَسَةٌ هُنَاكَ هَائِلَةٌ، وَكَذَلِكَ لَهُ بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةٌ مَشْهُورَةٌ وَعَلَيْهَا أَوْقَافٌ كَثِيرَةٌ مَبْرُورَةٌ وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৩
الْمَنْصُورُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ فَأَقَرَّهُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ جُهْدٍ جَهِيدٍ وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَلَوْلَا السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ تَشَفَّعَ فِيهِ لَمَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَانِ أَبِيهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ، وَكَانَتْ وَفَاةُ تَقِيِّ الدِّينِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَكَانَ شُجَاعًا بَاسِلًا وَهُمَامًا فَاتِكًا كَرِيمًا كَامِلًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لَاجِينَ
أُمُّهُ سِتُّ الشَّامِ بِنْتُ أَيُّوبَ وَاقِفَةُ الشَّامِيَّتَيْنِ بِدِمَشْقَ وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ أَيْضًا تَفَجَّعَ السُّلْطَانُ بِابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ أُخْتِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ كَانَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَعْوَانِ وَأَعَزِّ الْإِخْوَانِ، وَدُفِنَ حُسَامُ الدِّينِ فِي التُّرْبَةِ الْحُسَامِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي أَنْشَأَتْهَا أُمُّهُ بِمَحَلَّةِ الْعُوَيْنَةِ وَهِيَ الشَّامِيَّةُ الْبَرَّانِيَّةُ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ:
الْأَمِيرُ عَلَمُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ جَنْدَرٍ الْحَلَبِيُّ
كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَفِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ حَيْثُ كَانَ هُوَ الذى أَشَارَ عَلَى السُّلْطَانِ بِتَخْرِيبِ عَسْقَلَانَ وَاتَّفَقَ مَرَضُهُ بِالْقُدْسِ، فَاسْتَأْذَنَ فِي أَنْ يُمَرَّضَ بِدِمَشْقَ فَأُذُنَ لَهُ فَسَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى غَبَاغِبَ فَمَاتَ بِهَا فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৫৬৪
وَفِي رَجَبٍ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ نَائِبُ دِمَشْقَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
الصَّفِيُّ بْنُ الْفَائِضِ
وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ قَبْلَ الْمُلْكِ ثُمَّ اسْتَنَابَهُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تُوُفِّيَ: الطَّبِيبُ الْمَاهِرُ الْحَاذِقُ أَسْعَدُ بْنُ الْمُطْرَانِ
وَقَدْ شَرُفَ بِالْإِسْلَامِ وَشَكَرَهُ عَلَى طِبِّهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْخُبُوشَانِيُّ
الَّذِي بَنَى تُرْبَةَ الشَّافِعِيِّ بِمِصْرَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا الْأَوْقَافَ السَّنِيَّةَ وَوَلَّاهُ تَدْرِيسَهَا وَنَظَرَهَا وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْتَرِمُهُ وَيُكْرِمُهُ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " وَمَا صَنَّفَهُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ " شَرْحِ الْوَسِيطِ " وَغَيْرِهِ وَلَمَّا تُوُفِّيَ الْخُبُوشَانِيُّ طَلَبَ التَّدْرِيسَ جَمَاعَةٌ فَشَفَعَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ عِنْدَ أَخِيهِ لِشَيْخِ الشُّيُوخِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمُّوَيْهِ فَوَلَّاهُ إِيَّاهَا، ثُمَّ عَزَلَهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهَا أَيْدِي بَنِي السُّلْطَانِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ثُمَّ خَلَصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَادَتْ إِلَيْهَا الْفُقَهَاءُ وَالْمُدَرِّسُونَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ