আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة

পৃষ্ঠা - ১০৫২৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي مُحَرَّمِهَا حَاصَرَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ حِصْنَ كَوْكَبَ فَرَآهُ مَنِيعًا صَعْبًا، وَوَقْتُهُ مَشْغُولٌ بِغَيْرِهِ، فَوَكَّلَ بِهِ الْأَمِيرَ قَايْمَازَ النَّجْمِيَّ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ يُضَيِّقُونَ عَلَيْهِ الْمَسَالِكَ، وَكَذَلِكَ وَكَّلَ بِصَفَدَ - وَكَانَتْ لِلدَّاوِيَّةِ - خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ مَعَ طُغْرُلَ الْجَانْدَارِ يَمْنَعُونَ وُصُولَ الْمِيرَةِ وَالتَّقَاوِي، وَبَعَثَ إِلَى الْكَرَكِ وَالشُّوبَكِ جَيْشًا آخَرَ يُحَاصِرُونَهُ وَيُضَيِّقُونَ عَلَى أَهْلِهِ، لِيَتَفَرَّغَ مِنْ أُمُورِهِ لِقِتَالِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ وَحِصَارِهَا. وَكَانَ دُخُولُ السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الْغَزَاةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ وَزُيِّنَ الْبَلَدُ، وَوَجَدَ الصَّفِيَّ بْنَ الْقَابِضِ وَكَيْلَ الْخِزَانَةِ قَدْ بَنَى لِلْمَلِكِ دَارًا بِالْقَلْعَةِ هَائِلَةً مُطِلَّةً عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَعَزَلَهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِلْمُقَامِ بِدِمَشْقَ، وَإِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْعِبَادَةِ وَالْجِهَادِ. وَجَلَسَ السُّلْطَانُ بِدَارِ الْعَدْلِ فَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ، وَزَارَ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ فِي بُسْتَانِهِ عَلَى الشَّرَفِ فِي جَوْسَقِ ابْنِ الْفَرَّاشِ، وَحَكَى لَهُ مَا
পৃষ্ঠা - ১০৫২৭
كَانَ مِنَ الْأُمُورِ، وَاسْتَشَارَهُ فِيمَا يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَالْغَزَوَاتِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ فِي جُيُوشِهِ، فَسَلَكَ عَلَى جَبَلِ نَبُوسَ، وَدَخَلَ الْبِقَاعَ وَخَيَّمَ عَلَى بَعْلَبَكَّ وَسَارَ إِلَى حِمْصَ وَجَاءَتْهُ عَسَاكِرُ الْجَزِيرَةِ وَهُوَ عَلَى الْعَاصِي فَسَارَ إِلَى السَّوَاحِلِ الشَّامِيَّةِ، فَفَتَحَ أَنْطَرْطُوسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْحُصُونِ، وَفَتَحَ جَبَلَةَ وَاللَّاذِقِيَّةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الْمُدُنِ عِمَارَةً وَرُخَامًا وَمَحَالَّ، وَفَتَحَ صُهْيُونَ وَبَكَاسَ وَالشُّغْرَ ; وَهُمَا قَلْعَتَانِ عَلَى الْعَاصِي حَصِينَتَانِ، فَتَحَهُمَا عَنْوَةً، وَفَتَحَ حِصْنَ بَرْزَيَهْ ; وَهِيَ قَلْعَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى شَاهِقِ جَبَلٍ عَالٍ مَنِيعٍ، تَحْتَهَا أَوْدِيَةٌ عَمِيقَةٌ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِحَصَانَتِهَا فِي سَائِرِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَحَاصَرَهَا أَشَدَّ حِصَارٍ وَرَكَّبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ الْكِبَارَ، وَفَرَّقَ الْجَيْشَ ثَلَاثَ فِرَقٍ، كُلُّ فَرِيقٍ يَلُونَ الْقِتَالَ، فَإِذَا كَلُّوا وَتَعِبُوا خَلَفَهُمُ الْآخَرُونَ، حَتَّى لَا يَزَالَ الْقِتَالُ مُسْتَمِرًّا لَيْلًا وَنَهَارًا صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَكَانَ فَتْحُهَا فِي نَوْبَةِ السُّلْطَانِ، فَأَخَذَهَا عَنْوَةً فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَنَهَبَ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَاسْتَوْلَى عَلَى حَوَاصِلِهَا وَأَمْوَالِهَا، وَقَتَلَ حُمَاتَهَا وَرِجَالَهَا، وَسَبَى ذَرَارِيَهَا وَأَطْفَالَهَا، ثُمَّ عَدَلَ عَنْهَا فَفَتَحَ حِصْنَ دَرَبْسَاكَ وَحِصْنَ بَغْرَاسَ كُلُّ ذَلِكَ يَفْتَحُهُ عَنْوَةً فَيَغْنَمُ وَيَسْلَمُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. ثُمَّ سَمَتْ هِمَّتُهُ الْعَالِيَةُ إِلَى فَتْحِ أَنْطَاكِيَةَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ مَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهَا بِكَثْرَةِ الْجُنُودِ، فَرَاسَلَهُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْهُدْنَةَ عَلَى أَنْ يُطْلِقَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَجَابَهُ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ لِعِلْمِهِ
পৃষ্ঠা - ১০৫২৮
بِضَجَرِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالْأَعْوَانِ، فَوُقِّعَتِ الْهُدْنَةُ عَلَى سَبْعَةِ أَشْهُرٍ ; وَمَقْصُودُ السُّلْطَانِ أَنْ تَسْتَرِيحَ الْجُيُوشُ مِنْ تَعَبِهَا، وَتَجُمُّ النُّفُوسُ مِنْ نَصَبِهَا، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ مَنْ تَسَلَّمَ مِنْهُ الْأُسَارَى وَقَدْ ذُلَّتْ دَوْلَةُ النَّصَارَى. ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ فَسَأَلَهُ وَلَدُهُ الظَّاهِرُ أَنْ يَجْتَازَ بِحَلَبَ فَأَجَابَهُ إِلَى مَا طَلَبَ، فَنَزَلَ بِقَلْعَتِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ جَدَّدَ الْعَزْمَ وَالتَّرْحَالَ، فَاسْتَقَدْمَهُ ابْنُ أَخِيهِ تَقِيُّ الدِّينِ إِلَى حَمَاةَ فَنَزَلَ بِقَلْعَتِهَا لَيْلَةً، كَانَتْ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِهِ وَمُنَاهُ، وَأَقْطَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ جَبَلَةَ وَاللَّاذِقِيَّةَ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ بِقَلْعَةِ بَعْلَبَكَّ وَدَخَلَ إِلَى حَمَّامِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا، وَجَاءَتْهُ الْبَشَائِرُ بِفَتْحِ الْكَرَكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ كَانُوا مُحَاصَرِينَ، وَأَرَاحَ اللَّهُ تِلْكَ النَّاحِيَةَ، وَسَهَّلَ حَزْنَهَا عَلَى السَّالِكِينَ مِنَ التُّجَّارِ وَالْحُجَّاجِ وَالْغُزَاةِ {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] [فَصْلٌ فِي صِفَةِ فَتْحِ صَفَدَ وَحِصْنِ كَوْكَبَ] لَمْ يُقِمِ السُّلْطَانُ بِدِمَشْقَ إِلَّا أَيَّامًا مُعَدَّدَةً حَتَّى خَرَجَ بِجَيْشِهِ قَاصِدًا بِلَادَ صَفَدَ، فَنَازَلَهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، وَحَاصَرَهَا بَالْمَنْجَنِيقَاتِ وَالشُّجْعَانِ، وَكَانَ الْبَرْدُ شَدِيدًا يُصْبِحُ الْمَاءُ فِيهِ جَلِيدًا، فَمَا زَالَ حَتَّى فَتَحَهَا صُلْحًا فِي ثَامِنِ شَوَّالٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৫২৯
ثُمَّ سَارَ إِلَى صُورَ فَأَلْقَتْ إِلَيْهِ بِقِيَادِهَا، وَتَبَرَّأَتْ مِنْ نَاصِرِيهَا وَقُوَّادِهَا، وَتَحَقَّقَتْ - لَمَّا فُتِحَتْ صَفَدُ - أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِأَصْفَادِهَا. ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى حِصْنِ كَوْكَبَ - وَهِيَ مَعْقِلُ الْإِسْبِتَارِيَّةِ كَمَا أَنَّ صَفَدَ كَانَتْ مَعْقِلَ الدَّاوِيَّةِ - وَكَانُوا أَبْغَضَ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ إِلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَتْرُكُ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا قَتْلَهُ ; إِذَا وَقَعَ فِي الْمَأْسُورِينَ - فَحَاصَرَ قَلْعَةَ كَوْكَبَ حَتَّى قَهَرَهَا، وَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهَا وَأَسَرَهَا وَأَرَاحَ الْمَارَّةَ مِنْ شَرِّ سَاكِنِيهَا، وَتَمَهَّدَتْ تِلْكَ السَّوَاحِلُ وَاسْتَقَرَّ بِهَا مَنَازِلُ قَاطِنِيهَا. هَذَا وَالسَّمَاءُ تَصُبُّ، وَالرِّيَاحُ تَهُبُّ، وَالسُّيُولُ تَعُبُّ، وَالْأَرْجُلُ فِي الْأَوْحَالِ تَخُبُّ، وَالسُّلْطَانُ فِي كُلِّ ذَلِكَ صَابِرٌ مُصَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ شَاهِدًا مُرْتَقِبًا، وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَنِ السُّلْطَانِ إِلَى أَخِيهِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ صَاحِبِ الْيَمَنِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَى الشَّامِ لِنُصْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَقَتْلِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَزَمَ عَلَى حِصَارِ أَنْطَاكِيَةَ وَيَكُونُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ مُحَاصِرًا لِطَرَابُلُسَ إِذَا انْسَلْخَ هَذَا الْعَامُ. ثُمَّ عَزَمَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَسَارَ السُّلْطَانُ مَعَهُ لِتَوْدِيعِهِ ثُمَّ عَدَلَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ، وَعَيَّدَ فِيهِ عِيدَ الْأَضْحَى بِالصَّخْرَةِ مِنَ الْأَقْصَى، ثُمَّ سَارَ وَمَعَهُ أَخُوهُ الْعَادِلُ إِلَى عَسْقَلَانَ ثُمَّ أَقْطَعَ أَخَاهُ الْكَرَكَ عِوَضًا عَنْ عَسْقَلَانَ وَأَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ لِيَكُونَ عَوْنًا لِابْنِهِ الْعَزِيزِ عَلَى حَوَادِثِ الزَّمَانِ، وَعَادَ السُّلْطَانُ فَأَقَامَ بِمَدِينَةِ عَكَّا حَتَّى انْسَلَخَتْ هَذِهِ السَّنَةُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ بِمِصْرَ يُرِيدُونَ أَنْ يُعِيدُوا دَوْلَةَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَاغْتَنَمُوا غَيْبَةَ الْعَادِلِ عَنْ مِصْرَ، وَاسْتَخَفُّوا أَمْرَ الْعَزِيزِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৩০
عُثْمَانَ بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَبَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا يُنَادُونَ فِي اللَّيْلِ: يَا لَعَلِيٍّ، يَا لَعَلِيٍّ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامَّةَ تُجِيبُهُمْ إِلَى مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ وَلَا مَنَعَهُمْ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ انْهَزَمُوا فَأُدْرِكُوا وَأُخِذُوا وَقُيِّدُوا وَحُبِسُوا، وَلَمَّا بَلَغَ أَمْرُهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ سَاءَهُ ذَلِكَ وَاهْتَمَّ لَهُ، وَكَانَ الْفَاضِلُ عِنْدَهُ بَعْدُ لَمْ يُفَارِقْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ يَنْبَغِي أَنْ تَفْرَحَ وَلَا تَحْزَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصْغِ إِلَى دَعْوَةِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ أَحَدٌ مِنْ رَعِيَّتِكَ وَلَوِ الْتَفَتُوا إِلَيْهِمْ، فَلَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَ مِنْ قِبَلِكَ جَوَاسِيسَ يَخْتَبِرُونَ رَعِيَّتَكَ لَسَرَّكَ مَا يَبْلُغُكَ عَنْهُمْ. فَسَرَّى ذَلِكَ عَنْهُ، وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ، وَلِهَذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مِصْرَ ; لِيَكُونَ لَهُ عَيْنًا وَعَوْنًا مُعِينًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ سُلَالَةُ الْمُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ الشَّيْزَرِيُّ مُؤَيَّدُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ أُسَامَةُ بْنُ مُرْشِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَلَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُنْقِذٍ، أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَالْأُمَرَاءِ الْمَشْكُورِينَ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ سِتًّا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَكَانَ عُمْرُهُ تَارِيخًا مُسْتَقِلًّا وَحْدَهُ وَكَانَتْ دَارُهُ بِدِمَشْقَ مَعْقِلًا لِلْفُضَلَاءِ وَمَنْزِلًا لِلْعُلَمَاءِ، وَلَهُ مِنَ الْأَشْعَارِ الرَّائِقَةِ وَالْمَعَانِي الْفَائِقَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَلَدَيْهِ عِلْمٌ غَزِيرٌ، وَعِنْدَهُ جُودٌ وَفَضْلٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِ شَيْزَرَ ثُمَّ أَقَامَ بِدِيَارِ مِصْرَ مُدَّةً فِي أَيَّامِ الْفَاطِمِيِّينَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الشَّامِ وَقَدِمَ عَلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ فِي سَنَةِ سَبْعِينَ وَأَنْشَدَهُ:
পৃষ্ঠা - ১০৫৩১
حَمِدْتُ عَلَى طُولِ عُمْرِي الْمَشِيبَا ... وَإِنْ كُنْتُ أَكْثَرْتُ فِيهِ الذُّنُوبَا لِأَنِّي حَيِيتُ إِلَى أَنْ لَقِي ... تُ بَعْدَ الْعَدُوِّ صَدِيقًا حَبِيبَا وَلَهُ فِي سِنٍّ قَلَعَهَا فَفَقَدَ نَفْعَهَا: وَصَاحِبٍ لَا أَمَلُّ الدُّهْرَ صُحْبَتَهُ ... يَشْقَى لِنَفْعِي وَيَسْعَى سَعْيَ مُجْتَهِدِ لَمْ أَلْقَهُ مُذْ تَصَاحَبْنَا فَحِينَ بَدَا ... لِنَاظِرَيَّ افْتَرَقْنَا فُرْقَةَ الْأَبَدِ وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ، وَكَانَ صَلَاحُ الدِّينِ يُفَضِّلُهُ عَلَى سَائِرِ الدَّوَاوِينِ. وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ فِي شَبِيبَتِهِ شَهْمًا شُجَاعًا فَاتِكًا، قَتَلَ الْأَسَدَ مُوَاجَهَةً وَحْدَهُ، ثُمَّ عُمِّرَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَدُفِنَ شَرْقِيَّ جَبَلِ قَاسْيُونَ. قَالَ: وَزَرْتُ قَبْرَهُ وَقَرَأْتُ عِنْدَهُ وَأَهْدَيْتُ لَهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّا أَنْشَدَهُ لَهُ قَوْلُهُ: لَا تَسْتَعِرْ جَلَدًا عَلَى هُجْرَانِهِمْ ... فَقُوَاكَ تَضْعُفُ عَنْ صُدُودٍ دَائِمِ وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ إِنْ رَجَعْتَ إِلَيْهِمُ ... طَوْعًا وَإِلَّا عُدْتَ عَوْدَةَ رَاغِمِ وَقَوْلُهُ فِي قَتْلِ الْأَسَدِ وَكِبَرِهِ: فَاعْجَبْ لِضَعْفِ يَدِي عَنْ حَمْلِهَا قَلَمًا ... مِنْ بَعْدِ حَطْمِ الْقَنَا فِي لَبَّةِ الْأَسَدِ
পৃষ্ঠা - ১০৫৩২
وَقُلْ لِمَنْ يَتَمَنَّى طُولَ مُدَّتِهِ ... هَذِي عَوَاقِبُ طُولِ الْعُمْرِ وَالْمَدَدِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدَةَ التَّكْرِيتِيُّ، كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ حَسَنَةٌ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَازِمِيُّ الْهَمَذَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ: وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَازِمٍ الْحَازِمِيُّ الْهَمَذَانِيُّ بِبَغْدَادَ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ، عَلَى صِغَرِ سِنِّهِ مِنْهَا " الْعُجَالَةُ " فِي النَّسَبِ، وَ " النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ " فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمَا. وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.