আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

পৃষ্ঠা - ১০৪৩৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا طَلَبَ الْفِرِنْجُ مِنَ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ - وَكَانَ قَدْ أَقَامَ بِدِمَشْقَ فِي مَرْجِ الصُّفَّرِ - أَنْ يُهَادِنَهُمْ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الشَّامَ كَانَ مُجْدِبًا وَيَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ. وَأَرْسَلَ جَيْشَهُ صُحْبَةَ الْقَاضِي الْفَاضِلِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ; لِيَسْتَغِلُّوا الْمُغَلَّ ثُمَّ يُقْبِلُوا، وَعَزَمَ هُوَ عَلَى الْمُقَامِ بِالشَّامِ وَاعْتَمَدَ عَلَى كَاتِبِهِ الْعِمَادِ عِوَضًا عَنْ أَفْصَحِ الْعِبَادِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، وَهُوَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ قُدْوَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَفَاضِلِ وَرِحْلَةُ الطَّالِبِينَ وَزَيْنُ الْمَحَافِلِ زَيْنُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ لِسَانُهُ أَحَدُّ، مِنْ حُسَامٍ وَلَكِنِ احْتَاجَ السُّلْطَانُ إِلَى إِرْسَالِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ ; لِيُكَونَ عَيْنًا وَعَوْنًا لَهُ بِهَا، وَلِسَانًا فَصِيحًا يُعَبِّرُ عَنْهَا فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَتَعَوَّضَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعَزَّ عَلَيْهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ: وَمَا عَنْ رِضًا كَانَتْ سُلَيْمَى بَدِيلَةً ... بِلَيْلَى وَلَكِنْ لِلضَّرُورَاتِ أَحْكَامُ وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ بِبِلَادِ الشَّامِ وَإِرْسَالُ الْجَيْشِ صُحْبَةَ الْقَاضِي الْفَاضِلِ غَايَةَ الْحَزْمِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاهْتِمَامِ ; لِيَحْفَظَ مَا اسْتَجَدَّ مِنَ الْمَمَالِكِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ سَطْوَةِ مَنْ هُنَالِكَ. فَلَمَّا أَرْسَلَ الْجُيُوشَ إِلَى مِصْرَ وَبَقِيَ هُوَ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَاللَّهُ قَدْ
পৃষ্ঠা - ১০৪৩৬
تَكَفَّلَ لَهُ وَلَهُمْ بِالنَّصْرِ كَتَبَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ سَيْفُ الدِّينِ غَازِيٌّ ابْنُ أَخِي نُورِ الدِّينِ إِلَى جَمَاعَةِ الْحَلَبِيِّينَ يَلُومُهُمْ عَلَى مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ مِنَ الْمُصَالَحَةِ، وَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ مَشْغُولًا بِمُحَاصَرَةِ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ بِسِنْجَارَ - وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِفِعْلَةٍ صَالِحَةٍ - وَمَا كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ لِأَخِيهِ إِلَّا انْتِمَاؤُهُ إِلَى طَاعَةِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ وَذَوِيهِ فَاصْطَلَحَ مَعَ أَخِيهِ حِينَ عَرَفَ قُوَّةَ النَّاصِرِ وَنَاصِرِيهِ، ثُمَّ حَرَّضَ الْحَلَبِيِّينَ عَلَى نَبْذِ الْعُهُودِ إِلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدُوهُ عَلَيْهَا وَدَعَوْهُ إِلَيْهَا، فَاسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِاللَّهِ وَأَرْسَلَ إِلَى الْجُيُوشِ الْمِصْرِيَّةِ لِيَقْدَمُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فِي عَسَاكِرِهِ وَمُشَارِيهِ وَدَسَاكِرِهِ. وَاجْتَمَعَ بِابْنِ عَمِّهِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ عِمَادِ الدِّينِ إِسْمَاعِيلَ، وَسَارَ فِي عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ عَلَى الْخُيُولِ الضُّمَّرِ الْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ، وَسَارَ نَحْوَهُمُ النَّاصِرُ وَهُوَ كَالْهِزَبْرِ الْكَاسِرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ أَلْفُ فَارِسٍ مِنَ الْحُمَاةِ وَ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249] وَلَكِنَّ الْجُيُوشَ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي جَحَافِلَ كَالْجِبَالِ وَعُدَّةٍ وَعَدَدٍ كَالرِّمَالِ، فَاجْتَمَعَ الْفَرِيقَانِ وَتَدَاعَوْا لِلنِّزَالِ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ مِنْ شَوَّالٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا هَائِلًا، حَتَّى حَمَلَ السُّلْطَانُ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، وَكَانَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلُوا خَلْقًا مِنَ الْحَلَبِيِّينَ وَالْمَوَاصِلَةِ وَأَخَذُوا مَضَارِبَ الْمَلِكِ سَيْفِ الدِّينِ غَازِيٍّ وَحَوَاصِلَهُ وَأَسَرُوا جَمَاعَةً مِنْ رُءُوسِهِمْ فَأَطْلَقَهُمُ السُّلْطَانُ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْخِلَعَ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا اسْتَعَانُوا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي حَالِ الْقِتَالِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صَنِيعِ الصَّنَادِيدِ الْأَبْطَالِ. وَقَدْ وَجَدَ السُّلْطَانُ فِي مُخَيَّمِ السُّلْطَانِ غَازِيٍّ شَيْئًا مِنَ الْأَقْفَاصِ الَّتِي فِيهَا الطُّيُورُ الْمُطْرِبَةُ - وَذَلِكَ فِي مَجْلِسِ شَرَابِهِ الْمُسْكِرِ - وَكَيْفَ مَنْ كَانَ هَذَا
পৃষ্ঠা - ১০৪৩৭
مَسْلَكَهُ وَمَذْهَبَهُ يَنْتَصِرُ؟! فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ وَتَسْيِيرِهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُ بَعْدَ وُصُولِكَ إِلَيْهِ وَسَلَامِكَ عَلَيْهِ: اشْتِغَالُكَ بِهَذِهِ الطُّيُورِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا رَأَيْتَ مِنَ الْمَحْذُورِ. وَغَنِمَ السُّلْطَانُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا فَفَرَّقَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَأَحْبَابِهِ وَأَنْصَارِهِ غُيَّبًا كَانُوا أَوْ حُضُورًا، وَأَنْعَمَ بِخَيْمَةِ الْمَلِكِ سَيْفِ الدِّينِ غَازِيٍّ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ عِزِّ الدِّينِ فَرُّوخْشَاهْ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ نَجْمِ الدِّينِ، وَرَدَّ مَا كَانَ فِي وِطَاقِهِ مِنَ الْجَوَارِي وَالْمُغَنِّيَاتِ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ مُغَنِّيَةٍ وَرَدَّ الْأَقْفَاصَ وَآلَاتِ اللَّعِبِ إِلَى حَلَبَ وَقَالَ: قُولُوا لَهُ: هَذَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنَ الْحَرْبِ. وَوَجَدَ عَسْكَرَ الْمَوَاصِلَةِ كَالْحَانَةِ مِنْ كَثْرَةِ الْخُمُورِ وَالْبَرَابِطِ وَالْمَلَاهِي، وَهَذِهِ سَبِيلُ مَنْ هُوَ عَنْ طَرِيقِ الْخَيْرِ سَاهٍ لَاهٍ. فَصْلٌ لَمَّا رَجَعَ الْحَلَبِيُّونَ إِلَى حَلَبَ وَقَدِ انْقَلَبُوا شَرَّ مُنْقَلَبٍ وَنَدِمُوا عَلَى نَقْضِهِمُ الْأَيْمَانَ وَمُخَالَفَتِهِمْ طَاعَةَ الرَّحْمَنِ وَشَقِّهِمُ الْعَصَا عَلَى السُّلْطَانِ حَصَّنُوا الْبَلَدَ خَوْفًا مِنْ وُثُوبِ الْأَسَدِ، وَأَسْرَعَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فَوَصَلَهَا، وَمَا صَدَّقَ حَتَّى دَخَلَهَا، وَأَمَّا السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِسْمَةِ مَا غَنِمَ مِمَّا تَرَكَهُ مَنْ عَطِبَ وَمَنْ سَلِمَ، أَسْرَعَ الْمَسِيرَ إِلَى حَلَبَ الشَّهْبَاءِ وَهُوَ فِي غَايَةِ السَّطْوَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ الْقَعْسَاءِ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَصَّنُوهَا، وَالْقَلْعَةَ قَدْ أَحْكَمُوهَا فَقَالَ: مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ نُبَادِرَ إِلَى فَتْحِ الْحُصُونِ الَّتِي حَوْلَ الْبَلَدِ، ثُمَّ نَعُودَ إِلَيْهِمْ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْنَا
পৃষ্ঠা - ১০৪৩৮
مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَشَرَعَ يَفْتَحُ الْحُصُونَ حِصْنًا حِصْنًا ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهِمْ وَيَهْدِمُ مِنْ أَرْكَانِ دَوْلَتِهِمْ رُكْنًا رُكْنًا فَفَتَحَ بُزَاغَةَ وَمَنْبِجَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَزَازَ فَأَرْسَلَ الْحَلَبِيُّونَ إِلَى سِنَانٍ، فَأَرْسَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْتُلُوا صَلَاحَ الدِّينِ فَدَخَلَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي جَيْشِهِ فِي زِيِّ الْجُنْدِ فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى اخْتَلَطُوا بِهِمْ فَوَجَدُوا فُرْصَةً ذَاتَ يَوْمٍ وَالسُّلْطَانُ ظَاهِرٌ لِلنَّاسِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا هُوَ مُحْتَرِسٌ مِنْهُمْ بِاللَّأْمَةِ فَسَلَّمَهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّ السِّكِّينَ مَرَّتْ عَلَى خَدِّهِ فَجَرَحَتْهُ جُرْحًا هَيِّنًا ثُمَّ أَخَذَ الْفِدَاوِيُّ رَأْسَ السُّلْطَانِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ لِيَذْبَحَهُ، وَمَنْ حَوْلَهُ قَدْ أَخَذَتْهُمْ دَهْشَةٌ، ثُمَّ ثَابَ إِلَيْهِمْ عَقْلُهُمْ فَبَادَرُوا إِلَى الْفِدَاوِيِّ فَقَتَلُوهُ وَقَطَّعُوهُ ثُمَّ هَجَمَ آخَرُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ عَلَى السُّلْطَانِ فَقُتِلَ، ثُمَّ هَجَمَ آخَرُ عَلَى بَعْضِ الْأُمَرَاءِ فَقُتِلَ أَيْضًا، وَهَرَبَ الرَّابِعُ فَأُدْرِكَ فَقُتِلَ، وَبَطَلَ الْقِتَالُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. ثُمَّ صَمَّمَ السُّلْطَانُ عَلَى الْبَلَدِ فَفَتَحَهُ وَأَقْطَعَهُ ابْنَ أَخِيهِ تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ وَقَدِ اشْتَدَّ حَنَقُهُ عَلَى أَهْلِ حَلَبَ لِمَا فَعَلُوا وَلِمَا أَرْسَلُوا مِنَ الْفِدَاوِيَّةِ إِلَيْهِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَنَزَلَ تُجَاهَ الْبَلَدِ عَلَى جَبَلِ جَوْشَنَ وَضُرِبَتْ خَيْمَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْبَادُوقِيَّةِ، وَذَلِكَ فِي خَامِسَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ وَجَبَى الْأَمْوَالَ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنَ الْقُرَى وَمَنَعَ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ شَيْءٌ أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَاسْتَمَرَّ حِصَارُهُ إِيَّاهَا حَتَّى انْسَلَخَتِ السَّنَةُ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَادَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ أَخُو
পৃষ্ঠা - ১০৪৩৯
السُّلْطَانِ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ اشْتِيَاقِهِ إِلَى أَخِيهِ وَذَوِيِهِ وَإِلَى الشَّامِ وَطِيبِهِ وَظِلَالِهِ ; لِأَنَّهُ ضَجِرَ مِنْ حَرِّ الْيَمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ عَلَى أَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ مِنْ مَالِهِ، فَفَرِحَ بِهِ أَخُوهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ، وَاشْتَدَّ أَزْرُهُ بِسَبَبِهِ، وَلَمَّا اجْتَمَعَا قَالَ النَّاصِرُ النَّاصِحُ الْبَرُّ الْوَفِيُّ: أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي، وَقَدِ اسْتَنَابَ شَمْسَ الدِّينِ عَلَى بِلَادِ الْيَمَنِ وَإِنَّمَا اسْتَنَابَ عَلَى مُخَالِفِيهَا مَنْ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ ذِي قَرَابَاتِهِ وَمَنْ لَهُ سَالِفُ الْمِنَنِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَخِيهِ اسْتَنَابَهُ عَلَى دِمَشْقَ وَأَعْمَالِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ قُدُومَهُ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ الْمَوَاصِلَةِ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ ; لِشَهَامَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَفُرُوسِيَّتِهِ وَبَسَالَتِهِ. وَفِيهَا أَنْفَذَ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ ابْنُ أَخِي السُّلْطَانِ مَمْلُوكَهُ بَهَاءَ الدِّينِ قَرَاقُوشَ فِي جَيْشٍ إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَفَتَحَ بِلَادًا كَثِيرَةً هُنَالِكَ وَغَنِمَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ وَطَابَتْ لَهُ وَتَرَكَ تِلْكَ الْبِلَادِ. وَفِيهَا قَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ الْوَاعِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْفُتُوحِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَلِّدٍ التَّنُوخِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْأَصْلُ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْشَأُ ذَكَرَهُ الْعِمَادُ فِي الْخَرِيدَةِ، قَالَ: وَكَانَ صَاحِبِي وَجَلَسَ لِلْوَعْظِ وَحَضَرَ عِنْدَهُ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ. وَأَوْرَدَ لَهُ مُقَطِّعَاتِ أَشْعَارٍ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ: يَا مَالِكًا مُهْجَتِي يَا مُنْتَهَى أَمَلِي ... يَا حَاضِرًا شَاهِدًا فِي الْقَلْبِ وَالْفِكْرِ خَلَقْتَنِي مِنْ تُرَابٍ أَنْتَ خَالِقُهُ ... حَتَّى إِذَا صِرْتُ تِمْثَالًا مِنَ الصُّوَرِ أَجْرَيْتَ فِي قَالِبِي رُوحًا مُنَوَّرَةً ... تَمُرُّ فِيهِ كَجَرْيِ الْمَاءِ فِي الشَّجَرِ
পৃষ্ঠা - ১০৪৪০
جَمَعْتَ بَيْنَ صَفَا رُوحٍ مُنَوَّرَةٍ ... وَهَيْكَلٍ صُغْتَهُ مِنْ مَعْدِنٍ كَدِرِ إِنْ غِبْتُ فِيكَ فَيَا فَخْرِي وَيَا شَرَفِي ... وَإِنْ حَضَرْتُ فَيَا سَمْعِي وَيَا بَصَرِي إِنِ احْتَجَبْتَ فَسِرِّي فِيكَ فِي وَلَهٍ ... وَإِنْ خَطَرْتَ فَقَلْبِي مِنْكَ فِي خَطَرِ تَبْدُو فَتَمْحُو رُسُومِي ثُمَّ تُثْبِتُهَا ... وَإِنْ تَغَيَّبْتَ عَنِّي عِشْتُ بِالْأَثَرِ [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ أَحَدُ أَكَابِرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَمَنْ عُنِيَ بِهِ سَمَاعًا وَجَمْعًا وَتَصْنِيفًا وَاطِّلَاعًا وَحِفْظًا لِأَسَانِيدِهِ وَمُتُونِهِ وَإِتْقَانًا لِأَسَالِيبِهِ وَفُنُونِهِ صَنَّفَ " تَارِيخَ الشَّامِ " فِي ثَمَانِينَ مُجَلَّدَةً فَهِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَهُ مُخَلَّدَةٌ، وَقَدْ بَرَزَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ وَأَتْعَبَ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَحَازَ فِيهِ قَصَبَ السِّبَاقِ وَجَازَ حَدًّا يَأْمَنُ فِيهِ اللِّحَاقَ، وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ وَتَأَمَّلَهُ وَرَأَى مَا وَصَفَهُ فِيهِ وَأَصَّلَهُ، حَكَمَ بِأَنَّهُ فَرِيدٌ فِي التَّوَارِيخِ، وَأَنَّهُ فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنَ الشَّمَارِيخِ هَذَا مَعَ مَا لَهُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبٍ مُفِيدَةٍ، وَمَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالطَّرَائِقِ الْحَمِيدَةِ، فَلَهُ: " أَطْرَافُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ "، " وَالشُّيُوخُ النُّبَّلُ " وَ " تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِي عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْأَسْفَارِ، وَقَدْ أَكْثَرَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنَ التِّرْحَالِ وَالْأَسْفَارِ، وَجَابَ الْمُدُنَ وَالْأَقَالِيمَ وَالْأَمْصَارَ وَجَمَعَ مِنَ الْكُتُبِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ نَسْخًا وَاسْتِنْسَاخًا وَمُقَابَلَةً وَتَصْحِيحًا
পৃষ্ঠা - ১০৪৪১
لِلْأَلْفَاظِ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ بُيُوتَاتِ الدَّمَاشِقَةِ، وَرِيَاسَتُهُ فِيهِمْ عَالِيَةٌ بَاسِقَةٌ، مِنْ ذَوِي الْأَقْدَارِ وَالْهَيْئَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ وَالصِّلَاتِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْحَادِي عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَحَضَرَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ جِنَازَتَهُ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَلَهُ أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: أَيَا نَفْسُ وَيْحَكِ جَاءَ الْمَشِيبُ ... فَمَاذَا التَّصَابِي وَمَاذَا الْغَزَلْ؟ تَوَلَّى شَبَابِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ... وَجَاءَ الْمَشِيبُ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ كَأَنِّي بِنَفْسِي عَلَى غِرَّةٍ ... وَخَطْبُ الْمَنُونِ بِهَا قَدْ نَزَلْ فَيَا لَيْتَ شِعْرِيَ مِمَّنْ أَكُونُ ... وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ لِي فِي الْأَزَلْ قَالَ: وَقَدِ الْتَزَمَ فِيهَا مَا لَمْ يَلْزَمْ ; وَهُوَ الزَّايُ قَبْلَ اللَّامِ. قَالَ: وَكَانَ أَخُوهُ صَائِنُ الدِّينِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ مُحَدِّثًا فَقِيهًا اشْتَغَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بِالْغَزَّالِيَّةِ وَتُوفِّيَ بِهَا فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا بِمَنِّهِ.