আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة

পৃষ্ঠা - ১০৩৮৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا أَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ إِلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، الْمُوَفَّقَ خَالِدَ بْنَ الْقَيْسَرَانِيِّ ; لِيُقَيَّمَ حِسَابَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَقَلَّ الْهَدِيَّةَ الَّتِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنْ خَزَائِنِ الْعَاضِدِ. وَمَقْصُودُهُ أَنْ يُقَرِّرَ عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ خَرَاجًا يُحْمَلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ. وَفِيهَا حَاصَرَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ الْكَرَكَ وَالشُّوبَكَ، فَضَيَّقَ عَلَى سَاكِنِيهَا وَخَرَّبَ أَمَاكِنَ كَثِيرَةً مِنْ مُعَامَلَاتِهَا، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا عَامَهُ ذَلِكَ. وَفِيهَا اجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ بِالشَّامِ ; لِقَصْدِ مَدِينَةِ زُرْعَ، فَوَصَلُوا إِلَى سُمْكِينَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ نُورُ الدِّينِ، فَهَرَبُوا مِنْهُ إِلَى الْفُوَارِ، ثُمَّ إِلَى السَّوَادِ ثُمَّ إِلَى الشِّلَالَةِ، فَبَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى طَبَرِيَّةَ فَعَاثُوا هُنَالِكَ وَسَبَوْا وَقَتَلُوا وَغَنِمُوا وَعَادُوا وَقَدْ سَلَّمَهُمُ اللَّهُ، وَرَجَعَتِ الْفِرِنْجُ خَائِبِينَ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ، وَقَدِ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯০
امْتَدَحَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ بِقَصِيدَةٍ طَنَّانَةٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ. فَتْحُ بِلَادِ النُّوبَةِ وَفِيهَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ شَمْسَ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ إِلَى بِلَادِ النُّوبَةِ فَافْتَتَحَهَا، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَعْقِلِهَا، وَهُوَ حِصْنٌ يُقَالُ لَهُ: إِبْرِيمُ. وَلَمَّا رَآهَا بَلَدًا قَلِيلَةَ الْجَدْوَى لَا يَفِي خَرَاجُهَا بِكُلْفَتِهَا، اسْتَخْلَفَ عَلَى الْحِصْنِ الْمَذْكُورِ رَجُلًا مِنَ الْأَكْرَادِ يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ. فَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا مُقَرَّرًا بِحِصْنِ إِبْرِيمَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَكْرَادِ الْبَطَّالِينَ، فَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَحَسُنَتْ حَالُهُمْ هُنَالِكَ وَشَنُّوا الْغَارَاتِ وَحَصَلُوا عَلَى الْغَنَائِمِ وَالْمَسَرَّاتِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْأَمِيرِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ وَالِدِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَمَاتَ وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي الْوَفَيَاتِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِيهَا سَارَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ إِلَى بِلَادِ عِزِّ الدِّينِ قِلْجِ أَرْسَلَانَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ قِلْجِ أَرْسَلَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّلْجُوقِيِّ، مَلِكِ الرُّومِ وَافْتَقَدَ فِي طَرِيقِهِ بِلَادَهُ، وَأَصْلَحَ مَا وَجَدَهُ فِيهَا مِنَ الْخَلَلِ. ثُمَّ سَارَ فَافْتَتَحَ مَرْعَشَ وَبَهَسْنَا، وَعَمِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْحُسْنَى. قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ قُطْبُ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯১
النَّيْسَابُورِيُّ، وَهُوَ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، فَسُرَّ بِهِ نُورُ الدِّينِ وَأَنْزَلَهُ بِحَلَبَ بِمَدْرَسَةِ بَابِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ أَطْلَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ فَدَرَّسَ بِزَاوِيَةِ الْجَامِعِ الْغَرْبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالشَّيْخِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ، وَنَزَلَ بِمَدْرَسَةِ الْجَارُوخِيَّةِ، وَشَرَعَ نُورُ الدِّينِ فِي إِنْشَاءِ مَدْرَسَةٍ كَبِيرَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَأَدْرَكَهُ الْأَجَلُ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: هِيَ الْعَادِلِيَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي عَمَّرَهَا بَعْدَهُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ. وَفِيهَا عَادَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ مِنْ بَغْدَادَ حِينَ سَارَ بِالْهَنَاءِ بِالْخُطْبَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَمَعَهُ تَوْقِيعٌ مِنَ الْخَلِيفَةِ بِإِقْطَاعِ دَرْبِ هَارُونَ وَصَرِيفِينَ لِلْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ، وَقَدْ كَانَتَا قَدِيمًا لِأَبِيهِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ، فَأَرَادَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ أَنْ يَبْنِيَ بِبَغْدَادَ مَدْرَسَةً عَلَى دِجْلَةَ، وَيَجْعَلَ هَذَيْنَ الْمَكَانَيْنِ وَقْفًا عَلَيْهَا فَعَاقَهُ الْقَدَرُ عَنْ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَفِيهَا جَرَتْ بِنَاحِيَةِ خُوَارِزْمَ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَ سُلْطَانْشَاهْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ تَقَصَّاهَا ابْنُ الْأَثِيرِ وَابْنُ السَّاعِي. وَفِيهَا هَزَمَ مَلِكُ الْأَرْمَنِ مَلِيحُ بْنُ لِيُونَ عَسَاكِرَ الرُّومِ، وَغَنِمَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَبَعَثَ إِلَى نُورِ الدِّينِ بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ رُءُوسِهِمْ، فَأَرْسَلَهَا نُورُ الدِّينِ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ. وَفِيهَا بَعَثَ صَلَاحُ الدِّينِ سَرِيَّةً صُحْبَةَ قَرَاقُوشَ مَمْلُوكِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ إِلَى بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَمَلَكُوا طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ مَدِينَةُ طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ وَعِدَّةَ مُدُنٍ مَعَهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৩৯২
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: إِيلْدِكِزُ التُّرْكِيُّ الْأَتَابِكِيُّ صَاحِبُ أَذْرَبِيجَانَ وَغَيْرِهَا، كَانَ مَمْلُوكًا لِلْكَمَالِ السُّمَيْرَمِيِّ وَزِيرِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا قَتَلَهُ مَحْمُودٌ حَظِيَ إِيلْدِكِزُ هَذَا عِنْدَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ عَلَا أَمْرُهُ وَتَمَكَّنَ حَتَّى مَلَكَ أَذْرَبِيجَانَ وَبِلَادَ الْجَبَلِ وَغَيْرَهَا، وَكَانَ عَادِلًا مُنْصِفًا شُجَاعًا مُحْسِنًا إِلَى الرَّعِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. الْأَمِيرُ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الشُّكْرِ أَيُّوبُ بْنُ شَاذِيٍّ وَالِدٌ لِمُلُوكِ بَنِي أَيُّوبَ، الْكُرْدِيُّ الرَّوَادِيُّ - وَهُمْ خِيَارُ الْأَكْرَادِ - الدُّوِينِيُّ ; نِسْبَةً إِلَى دُوِينَ شَمَالِيَّ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ مِمَّا يَلِي الْكَرَجَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَيُّوبُ بْنُ شَاذِيِّ بْنِ مَرْوَانَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَرْوَانَ بْنَ يَعْقُوبَ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بَعْدَ شَاذِيٍّ أَحَدٌ فِي نَسَبِهِمْ، وَأَغْرَبَ بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْدِيِّ آخِرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ ادِّعَاءُ هَذَا هُوَ الْمَلِكُ أَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِيٍّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ مَلَكَ الْيَمَنَ بَعْدَ أَبِيهِ، فَتَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ وَادَّعَى الْخِلَافَةَ، وَتَلَقَّبَ بِالْإِمَامِ الْهَادِي بِنُورِ اللَّهِ، الْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ، أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أُمَوِيٌّ وَمَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ وَأَطْرَوْهُ وَلَهَجُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ هُوَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا:
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৩
وَإِنِّي أَنَا الْهَادِي الْخَلِيفَةُ وَالَّذِي ... أَدُوسُ رِقَابَ الْغلْبِ بِالضُّمَّرِ الْجُرْدِ وَلَابُدَّ مِنْ بَغْدَادَ أَطْوِي رُبُوعَهَا ... وَأَنْشُرُهَا نَشْرَ السَّمَاسِرِ لِلْبُرْدِ وَأَنْصِبُ أَعْلَامِي عَلَى شُرُفَاتِهَا ... وَأُحْيِي بِهَا مَا كَانَ أَسَّسَهُ جَدِّي وَيُخْطَبُ لِي فَيْهَا عَلَى كُلِّ مِنْبَرٍ ... وَأُظْهِرُ دَينَ اللَّهِ فِي الْغَوْرِ وَالنَّجْدِ وَهَذَا الِادِّعَاءُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا أَصْلَ لَهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَا سَنَدَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَمِيرَ نَجْمَ الدِّينِ كَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيهِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ، وُلِدَ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ،. وَكَانَ الْأَمِيرُ نَجْمُ الدِّينِ شُجَاعًا بَاسِلًا يَخْدِمُ الْمَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ مَلِكْشَاهْ، فَرَأَى فِيهِ شَهَامَةً وَأَمَانَةً، فَوَلَّاهُ قَلْعَةَ تَكْرِيتَ فَحَكَمَ فِيهَا فَعَدَلَ، فَكَانَ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا الْمَلِكُ مَسْعُودٌ لِمُجَاهِدِ الدِّينِ بِهْرُوزَ شِحْنَةِ الْعِرَاقِ، فَاسْتَمَرَّ بِهِ فِيهَا فَاجْتَازَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْمَلِكُ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيٌّ مُنْهَزِمًا مِنْ قُرَاجَا السَّاقِي، فَآوَاهُ وَخَدَمَهُ خِدْمَةً تَامَّةً، وَدَاوَى جِرَاحَهُ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى بَلَدِهِ الْمَوْصِلِ. ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّ نَجْمَ الدِّينِ أَيُّوبَ عَاقَبَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَقَتَلَهُ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَتَلَهُ أَخُوهُ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ قَالَ: رَجَعَتْ جَارِيَةٌ مِنْ بَعْضِ الْخَدَمِ فَذَكَرَتْ أَنَّهُ تَعَرَّضَ لَهَا إِسْفَهْسَلَارُ الَّذِي بِبَابِ الْقَلْعَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ، فَطَعْنَهُ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ فَحَبَسَهُ أَخُوهُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ، وَكَتَبَ إِلَى مُجَاهِدِ الدِّينِ بِهْرُوزَ يُخْبِرُهُ بِصُورَةِ الْحَالِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَتْ لَهُ عَلَيَّ خِدْمَةٌ - وَكَانَ قَدِ اسْتَنَابَهُ فِي هَذِهِ الْقَلْعَةِ قَبْلَ أَبِيهِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ - وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَسْوَءَكُمَا، وَلَكِنِ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৪
انْتَقِلَا مِنْهَا. فَأَخْرَجَهُمَا بِهْرُوزُ مِنْ قَلْعَتِهِ، وَفِي لَيْلَةِ خُرُوجِهِ مِنْهَا وُلِدَ لَهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ. قَالَ: فَتَشَاءَمْتُ بِهِ ; لِفَقْدِي بَلَدِي وَوَطَنِي، فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ نَرَى مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِهَذَا الْمَوْلُودِ، فَمَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَوْلُودُ مَلِكًا عَظِيمًا لَهُ صِيتٌ كَبِيرٌ؟ فَكَانَ كَذَلِكَ، فَاتَّصَلَا بِخِدْمَةِ الْمَلِكِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ، ثُمَّ كَانَا عِنْدَ ابْنِهِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٍ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَتَقَدَّمَا عِنْدَهُ وَعَظُمَا، فَاسْتَنَابَهُ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ بِبَعْلَبَكَّ، وَلَمَّا سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَقَامَ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَوُلِدَ لَهُ بِهَا أَكْثَرُ أَوْلَادِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ، مَا ذَكَرْنَاهُ فِي دُخُولِهِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، وَصَيْرُورَةِ الْأَمِيرِ نَجْمِ الدِّينِ إِلَى ابْنِهِ بِهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ وَمَاتَ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ ابْنُهُ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ مُحَاصِرًا لِلْكَرَكِ وَالشَّوْبَكِ، فَلَمَّا وَصَلَهُ الْخَبَرُ تَأَلَّمَ لِعَدَمِ حُضُورِهِ ذَلِكَ وَأَرْسَلَ يَتَحَرَّقُ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ: وَتَخَطَّفَتْهُ يَدُ الرَّدَى فِي غَيْبَتِي ... هَبْنِي حَضرْتُ فَكُنْتُ مَاذَا أَصْنَعُ وَقَدْ كَانَ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ، كَرِيمَ النَّفْسِ جَوَادًا مُمَدَّحًا. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَهُ خَانِقَاهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَمَسْجِدٌ وَقَنَاةٌ خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ مِنَ الْقَاهِرَةِ وَقَفَهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَلَهُ بِدِمَشْقَ خَانِقَاهُ أَيْضًا تُعْرَفُ بِالنَّجْمِيَّةِ. وَقَدِ اسْتَنَابَهُ ابْنُهُ عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الْكَرَكِ وَحَكَّمَهُ فِي الْخَزَائِنِ، فَكَانَ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ وَقَدِ امْتَدَحَهُ الشُّعَرَاءُ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৫
كَالْعِمَادِ الْكَاتِبِ وَعَرْقَلَةَ وَعُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَرَثَوْهُ حِينَ مَاتَ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْتَقْصًى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِهِ " الرَّوْضَتَيْنِ ". وَلَمَّا مَاتَ دُفِنَ مَعَ أَخِيهِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بِدَارِ الْإِمَارَةِ، ثُمَّ نُقِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ فَدُفِنَا بِتُرْبَةِ الْوَزِيرِ جَمَالِ الدِّينِ الْمَوْصِلِيِّ، الَّذِي كَانَ مُؤَاخِيًا لِأَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ مَلِكُ النُّحَاةِ الْحَسَنُ بْنُ صَافِيٍّ يَزْدَنُ التُّرْكِيُّ كَانَ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَاءِ بَغْدَادَ الْمُتَحَكِّمِينَ فِي الدَّوْلَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا مُتَعَصِّبًا لِلرَّوَافِضِ، وَكَانُوا فِي خِفَارَتِهِ وَجَاهِهِ حَتَّى أَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا، وَدُفِنَ بِدَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَحِينَ مَاتَ فَرِحَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَوْتِهِ، وَغَضِبَ الشِّيعَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ السَّاعِي فِي " تَارِيخِهِ " أَنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِهِ شَابًّا حَسَنًا مَلِيحًا، قَالَ: وَلِشَيْخِنَا أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ فِيهِ وَقَدْ رَمَدَتْ عَيْنُهُ: بِكُلِّ صَبَاحٍ لِي وَكُلِّ عَشِيَّةٍ ... وُقُوفٌ عَلَى أَبْوَابِكُمْ وَسَلَامُ وَقَدْ قِيلَ لِي يَشْكُو سَقَامًا بِعَيْنِهِ ... فَهَا نَحْنُ مِنْهَا نَشْتَكِي وَنُضَامُ